وجانَبْتَ قولَ الجَبْرِ عِلماً بأنّهُ | يَنوبُ أُصولَ الدِين من وَهْمِهِ كَسْرُ |
وأوْجَبْتَ باللّطفِ الإمامَ وأنّهُ | بِهِ من عُصاةِ الخَلْقِ يَنَقطعُ العُذْرُ |
وعايَنْتَ في مَنْ ماتَ فهوَ لِذي الحِجى | شَفاءُ إذا أعْيى بأدْوائهِ الصَدْرُ |
تُؤسِّسُ بُنْيانَ الصَوابِ على التُقى | ويَطْلُعُ مِنْ أُفُقِ اليَقينِ لكَ الفَجْرُ |
[30] وفي خَبَرِ الثِقْلَيْنِ(1) هاد إلى الّذي | تَنازَعَ فيهِ الناسُ والْتَبَسَ الأمْرُ |
إذْ قالَ خَيْرُ الرُسْلِ: " لَنْ يَتَفَرّقا " | فكَيْفَ إذاً يَخْلُو مِنَ العِتْرَةِ العَصْرُ |
" وما إن تَمَسَّكْتُمْ " بِتَيْنِكَ إنّهُمْ | هُمُ السادَةُ الهادُونَ والقادَةُ الغُرُّ |
ولمّا انْطَوى عَصْرُ الخِلافَةِ وانْتهى | ولُفَّ بساطُ العَدْلِ وابتَدَأ الشَرُّ |
____________
1- إشارة لقول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في الحديث الشريف المتواتر بين عامّة المسلمين: " إنّي تاركٌ (مخلّف) فيكم الثِقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ".
انظر: صحيح البخاري 4 / 1873، سُـنن الترمذي 5 / 662 ح 3786، مسند أحمد بن حنبل 3 / 14، سُـنن الدارمي 2 / 432، معالم التنزيل 4 / 464، السيرة الحلبيّة 3 / 336.
وزادَ يَزيدُ(1) الدِينَ نَقْصاً وبَعْدَهُ | دهى بالوليد(2) القردِ أُمّ الهُدى عقرُ |
[35] تَنادى لإحياءِ الهُدى عِتْرَةُ الهُدى | فَما عاقَهُمُ قَتْلٌ ولا هالَهُمُ ضُرُّ |
وكَمْ بَذَلوا في الوَعْظِ والزَجْرِ جُهْدَهُمُ | ولَمْ يُجْدِ بالغاوينَ وَعْظٌ ولا زَجْرُ |
وكَمْ نَدَبوا اللهَ سِرّاً وجَهْرَةً | وقَدُ خَلُصا منهم لَهُ السِرُّ والجَهْرُ |
إلى أنْ تَفانَوْا كابِراً بَعْدَ كابِر | وما دَوْلَةٌ إلاّ وفيها لَهُمْ وِتْرُ |
ولا مِثْلَ يَوْمِ الطّفِ يومُ فَجِيعَة | لِذِكْراهُ في الأيّامِ يَنْقَصِمُ الظَهْرُ |
[40] يُذيبُ سُوَيْدا القَلْبِ(3) حُزْناً فعاذِرٌ | إذا سَفَحَتْ مِنْ ذوْبِها الأدْمعُ الحُمْرُ |
____________
1- يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأُموي (ت 64 هـ)، لعنة الله عليهم جميعاً.
2- الوليد بن يزيد بن عبـد الملك بن مروان بن الحكم (ت 126 هـ)، لعنة الله عليهم جميعاً.
3- سويداء القلب: حبّته. الصحاح 2 / 492 مادّة " سود ".
ومُذْ أعْذَروا بالنُصْح في اللهِ والدعا | إليهِ وآذانُ الورى صَكَّها وَقْرُ(1) |
وشاءَ إلهُ العَرْشِ أنْ يَعْضِدَ الهُدى | ويُظْهِرَ مِنْ مَكْنونِ أسْمائِهِ السِّرُ |
تَألَّبَ أحزابُ الضَلالِ لِقَتْلِـهِ | عَصائِبُ يُغْريها بهِ البَغْيُ والغَدْرُ |
وهَمّوا بهِ خبطاً كموسى وجَدِّه الـ | ـخليلِ فَأضْحى رِبْحُ همِّهِمُ الخُسْرُ |
[45] فأغْشاهُمُ عَنْهُمُ وغشّاهُ نورُهُ | وكانَ بِما همّوا لِجَدّهم(2) العَثْرُ |
وقامَ لِخَمْس بالإمامَةِ آيةً | كعيسى ويَحيى آيةً ولَهُ الفَخْرُ |
إذا أمَّ مَعْصومٌ مِنَ الآلِ زاخِرٌ | مِنَ العِلْمِ لا ساجي(3) العُباب(4) ولا نَزْرُ(5) |
____________
1- الوَقْرُ: الثِقْلُ في الأُذن. الصحاح 2 / 848 مادّة " وقـر ".
2- الجَدُّ: الحَظُّ والبختُ: الصحاح 2 / 452 مادّة " جدد ".
3- الساجي: أي الساكن الهادئ. والمقصود به هنا: القليل ; انظر: الصحاح 6 / 2372 مادّة " سجا ".
4- عُبابُ الماء: أوّلهُ ومُعظمهُ. لسان العرب 1 / 573 مادّة " عبب ".
5- النزرُ: القليل التافه. الصحاح 2 / 826 مادّة " نزر ".
وكانَ كداوُودَ(1) فَسَلْ هَيْتَمِيّكُم(2) | أهَلْ بَعْدَ هذا في إقامَتِهِ نُكْرُ؟! |
وغابَ بأمْرِ اللهِ للأجلِ الّذي | يَراهُ لَهُ في عِلْمِهِ ولَهُ الأمْرُ |
[50] وأوْعَدَهُ(3) أنْ يُحْيِيَ الدينَ سَيْفُهُ | وفيهِ لِدينِ(4) المُصْطفى يُدْرَكُ الوِتْرُ |
ويُخْدِمُهُ الأمْلاكَ جُنْداً وإنّهُ | يُشَّدُ لَهُ بالروحِ في مُلْكِهِ أزْرُ |
(وإنّ جَميعَ الأرْضِ تَرْجِعُ مُلكَهُ | ويَملأُها قِسْطاً ويَرْتَفِعُ المَكْرُ)(5) |
فأيْقَنَ أنّ الوَعْدَ حَقُّ وأنّهُ | إلى وَقْتِ عيسى يَسْتَطيلُ لَهُ العُمْرُ |
فَسلَّمَ تَفْويضاً إلى اللهِ صابِراً | وعَنْ أمرِهِ مِنْهُ النُهوضُ أو الصَبْرُ |
____________
1- في أنّه أُوتي الحكمة وفصل الخطاب، كما اعترف به الهيتمي ابن حجر في صواعقه، ثمّ اعترض بأنّه كيف يكون إماماً وهو ابن خمس سنوات؟! فتدافع كلامه. " منه دام ظلّه ".
2- أحمد بن حجر الهيتمي المكّي (ت 974 هـ).
3- في بعض المصادر: " وواعَدَهُ ".
4- في بعض المصادر: " لآل ".
5- في شعراء الغري ورد بعده أحد أبيات القصيدة البغدادية، وهو:
وأنْ لَيْسَ بَيْنَ الناسِ مَنْ هوَ قادِرٌ | على قَتْلِهِ وهوَ المُؤَيّدُهُ النصرُ |
[55] ولَمْ يَكُ مِنْ خَوفِ الأذاةِ اخْتِفاؤهُ | ولكنْ بأمْرِ اللهِ خِيرَ لَهُ السِتْرُ |
(وحاشاهُ مِنْ جُبْن ولكْن هو الّذي | غَداً يَخْتَشيهِ مَنْ حَوى البَرُّ والبَحرُ)(1) |
أكُلَّ اخْتِفاء خِلْتَ مِن خيفَةِ الأذى | فَرُبَّ اخْتِفاء فيهِ يُسْتَنْزَلُ النَصْرُ |
وكُلَّ فِرار خِلْتَ جُبْناً فَرُبّما | يَفِرُّ أخُو بَأْس لِيُمْكِنَهُ الكَرُّ |
فَكَمْ قَدْ تَمادَتْ للنَبيّينَ غَيَبَةٌ | على مَوْعِد فيها إلى رَبِّهِمُ فَرّوا |
[60] وإنّ بِيَوْمِ الغارِ(2) والشِعْبِ(3) قَبْلَهُ | غَناءً كما يُغْني عن الخَبَرِ الخُبْرُ |
ولَمْ أدرِ لِمَ أنكَرْتَ كَوْنَ اخْتفائِهِ | بأمْرِ الّذي يعْيى بحكمتِهِ الفِكْرُ؟! |
أتَحصُرُ أمرَ اللهِ في العَجْزِ أمْ لَدى | إقامَةِ ما لَفّقْتَ أقْعدَكَ الحَصْرُ؟! |
____________
1- في شعراء الغري ورد بعده أحد أبيات القصيدة البغدادية، وهو:
ويَرْهبُ مِنْهُ الباسِلونَ جَميعُهُم | وتَعْنوا لَهُ حتّى المثقفة السّمرُ |
2- هو غار ثَوْر، اختفى فيه النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبو بكر ثلاثة أيام، عند هجرته من مكّة المكرّمة إلى المدينة المنوّرة ; انظر: الكامل في التاريخ 2 / 104.
3- هو شِعْب أبي طالب، دخله النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمون عند مقاطعة قريش لهم، وقد مكثوا فيه ثلاث سنين ; انظر: الكامل في التاريخ 2 / 87.
(فذلكَ أدهى الداهِياتِ ولَمْ يَقُلْ | بهِ أحَدٌ إلاّ أخو السَفَهِ الغِمْرُ)(1) |
ودونَكَ أمرَ الأنْبياءِ وما لَقُوا | ففيهِ لذِي عَيْنَيْنِ يتّضِحُ الأمْرُ |
[65] فَمِنْهُمْ فَرِيقٌ قَدْ سَقاهُمْ حِمامَهُمْ | بكَأْسِ الهَوانِ القتلُ والذَبحُ والنَشْرُ |
(أيَعْجَزُ ربُّ الخَلْقِ عَنْ نَصْرِ حِزْبِهِ | على غَيْرِهِمْ كَلاّ فهذا هُوَ الكُفْرِ) |
وكَمْ مُخْتَف بَيْنَ الشِعابِ وهارِب | إلى اللهِ في الأجبالِ يَأْلَفُهُ النَسْرُ |
(فهَلاّ بَدا بَيْنَ الوَرى مُتَحمِّلاً | مَشَقّةَ نُصْحِ الخَلْقِ مَنْ دَأْبُهُ الصَبْرُ)؟! |
وإنْ كُنْتَ في ريَب لطُولِ بَقائِهِ فَهَلْ | رابَكَ الدَجّال(2) والصالحُ الخِضْرُ(3)؟! |
[70] أيَرْضى لَبِيبٌ أنْ يُعَمَّرَ كافِرٌ | ويأباهُ في باق لِيُمْحى بهِ الكُفْرُ |
____________
1- الغِمْرُ: الحقدُ والحسد. الصحاح 2 / 773 مادّة " غمـر ".
2- هو ابن صيّاد، الأعور الدجّال، الذي ولد في زمن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويبقى حتّى يخرج لقتال الحجّة المهدي المنتظر ـ عجّل الله تعالى فرجه الشريف ـ فيقتله النبيّ عيسى (عليه السلام) ; انظر تفصيل ذلك في كتاب: عقيدة المسيح الدجال: 383 وما بعدها.
3- الكامل في التاريخ 1 / 160 ـ 163 ; وفيه ما يتعلّق بالخضر (عليه السلام)، وقصّته مع النبيّ موسى بن عمران (عليه السلام)، وكيفيّة طول عمره وشربه من ماء الحياة.
ودونَكَ أنْباءَ النَّبي بهِ تُزَدْ | بآحادِها خُبُراً وآحادُها كُثْرُ |
فَكَمْ في ينابيعُ المَودّةِ(1) مَنْهَلٌ | نَميرٌ بهِ يَشْفى لوارِدِهِ الصَدْرُ |
وفي غَيْرِهِ كَمْ مِنْ حَدِيث مُسَلْسَل | بِهِ يَفْطِنُ الساهِي ويسْتَبْصِرُ الغِرُّ(2) |
ومِنْ بَيْنِ أسْفارِ(3) التَوارِيخِ عِنْدَكُم | يُؤلَّفُ في تأريخِ مَوْلِدِهِ سِفْرُ |
[75] وكَمْ قالَ مِنْ أعْلامِكُم مِثلَ قَولِنا بهِ | عارِفُ بَحْر وذُو خُبْرة حَبْرُ(4) |
فكَمْ في يَواقيتِ(5) البَيانِ(6) كِفايةٌ(7) | يُقَلَّدُ مِنْ فَصْلِ الخِطابِ(8) بها النَحْرُ |
____________
1- ينابيع المودّة، للشيخ سليمان بن إبراهيم الحسينيّ البلخي القندوزي الحنفي (ت 1294 هـ).
2- رجلٌ غِرٌ: أي غير مُجرِّب. الصحاح 2 / 768 مادّة " غـرر ".
3- أسْفار، جمع سِفْر: وهو الكتاب. الصحاح 2 / 686 مادّة " سفـر ".
4- الحَبْرُ: العالِم. الصحاح 2 / 620 مادّة " حـبر ".
5- اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر، لعبـد الوهّاب بن محمّـد بن يوسف الشعراني (ت 973 هـ).
6- البيان في أخـبار صاحـب الزمـان، لمحمّـد بن يوسف الگنجي الشافعي (ت 658 هـ).
7- كفاية الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، للگنجي الشافعي.
8- فصـل الخـطاب لوصـل الأحـباب، لمحمّـد بن محمّـد البخاري الحنفي (ت 822 هـ).
وذِي رَوْضةُ الأحْبابِ(1) فيها مَطالبُ الـ | ـسؤولِ(2) وفي كُلِّ الفُصُولِ(3) لها نَشْرُ |
مَناقِبُ(4) آلِ المُصْطَفى لِـ شَواهِدِ الـ | ـنُبوّةِ(5) فيها وهيَ تَذْكرةٌ(6) ذِكْرُ |
وذا الشيخُ أضْحى في فُتوحاتِهِ(7) لَـهُ | على كُلِّ تأريخ بتأرِيخِهِ نَصْرُ |
[80] وَلاحَ بـ مرْقاةِ(8) الهِدايَةِ(9) في المُكا | شَفاتِ(10) لَدى مرآة أسرارِهِ(11) السِرُّ |
____________
1- روضة الأحباب في سيرة النبيّ (صلى الله عليه وآله) والآل والأصحاب، للسيّد جمال الدين عطاء الله ابن فضل الله الحسيني الدشتكي، من أعلام القرن التاسع.
2- مطالب السؤول في مناقب آل الرسول، لمحمّـد بن طلحة النصيبي الشافعي (ت 652 هـ).
3- الفصول المهمّة في معرفة أحوال الأئمّة (عليهم السلام)، لعلي بن محمّـد ابن الصبّاغ المالكي (ت 855 هـ).
4- مناقب الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، لأخطب الخطباء الموفّق بن أحمد المكّي الخوارزمي (ت 568 هـ).
5- شواهد النبوّة، لعبـد الرحمن بن أحمد الجامي (ت 898 هـ).
6- تذكرة الخواصّ، لسبط ابن الجوزي يوسف بن فرغلي البغدادي الحنبلي ثمّ الحنفي (ت 654 هـ).
7- الفتوحات المكيّة في معرفة أسرار المالكيّة والملكيّة، لمحيي الدين محمّـد بن علي، المعروف بـ: " ابن العربي " (ت 638 هـ).
8- المرقاة في شرح المشكاة، للمحدّث الملاّ علي القارئ.
9- هداية السعداء، للقاضي شهاب الدين أحمد بن شمس الدين الزوالي الهندي (ت 848 هـ).
10- المكاشفات، لعلي بن أسـد الله.
11- مرآة الأسرار، للعارف عبـد الرحمن.
وللحَسَنِ الشَيْخِ العِراقيِ(1) قِصّةٌ | بسَبْعِ لَياليها لَهُ ارْتَفَعَ السِتْرُ(2) |
وصَدَّقَهُ الخَوّاصُ(3) في ما يَقولُهُ(4) | وكلٌّ لَدَيْكُم عارِفٌ ثِقَةٌ بَرُّ |
وعَنْهُ شَفاهاً قَدْ رَوى أحمدُ البلا | ذريُّ وفي أخْبارِهِ لَكم خُبرُ |
وما أسْعَدَ السِرْدابَ حَظّاً ولا تَقُلْ | (لَهُ الفَضْلَ عَنْ أُمِّ القُرى ولَهُ الفَخْرُ) |
[85] لَئِنْ غابَ في السِرْدابِ يَوْماً فإنّما | على الناسِ مِنْ أُمِّ القُرى يَطْلَعُ البَدْرُ |
ولَمْ يَتّخِذْهُ البَدْرُ بُرجاً وإنّما | غَدا أُفُقَاً مِن خَطّه يُضْرَبُ السِتْرُ |
وها هُوَ بَيْنَ الناسِ كالشَمْسِ ضَمَّها | سَحابٌ ومِنْها يُشْرِقُ البَرُّ والبَحْرُ |
____________
1- الشيخ حسن العراقي، من كبار الصوفيّة، ولد بدمشق، وساح في الأرض خمسين عاماً، فذهب إلى الهند والصين وبلاد العجم والروم، ثمّ استقرّ في مصـر، وتوفيّ في نيف وثلاثين وتسعمائة ; انظر: الطبقات الكبرى ـ للشعراني ـ: 475.
2- وخلاصتها: أنّ الشيخ حسن العراقي اجتمع بالإمام المهدي ـ عجّل الله تعالى فرجه الشريف ـ في سبع ليال، وقد سمعها منه الشيخ عبـد الوهّاب بن أحمد الأنصاري الشافعي، المعروف بـ: الشعراني، وأثبتها في كتابه: الطبقات الكبرى.
3- هو الشيخ علي الخوّاص، من كبار الصوفيّة (ت القرن العاشر).
4- أي أنّ الشيخ علي الخوّاص صدَّقَ دعوى الشيخ حسن العراقي باجتماعه بالإمام المهدي (عليه السلام)، كما ذكر ذلك مفصّلاً الشعراني في اليواقيت والجواهر 2 / 487.
بهِ تُدْفَعُ الجُلّى(1) ويُسْتَنْزَلُ الحَيا(2) | وتُسْتَنْبَتُ الغبرا ويُسْتَكْشَفُ الضُرُّ |
كما قيلَ في الأبْدالِ والقطبِ إنّهم | بهِمْ تُدْفَعُ الجُلّى ويُسْتَنْزَلُ القَطْرُ |
[90] ولا عَجَبٌ إنْ كانَ في كُلِّ حِجَّة | يَحِجُّ وفيهِ يَسْعُد النَحْرُ والنَفْرُ |
ويَعْرِفُهُ البَيْتُ الحَرامِ ورُكْنُهُ | وزَمْزَمُ والأسْتارُ والخِيفُ والحِجْرُ |
ولكنّهُ عَنْ أعْيُنِ الناسِ غائِبٌ | كَما غابَ بَيْنَ الناسِ إلْياسُ والخِضْرُ(3) |
وقَوْلُكَ: " هذا الوَقْتُ داع لِمِثْلِهِ | ففيهِ تَوالى الظُلْمُ وانْتَشَرَ الشَرُّ " |
يَعيبُكَ فيهِ السامِعـونَ فإنّـهُ | لَعَمْري " قولٌ عَنْ معائِب يَفْتَرُّ " |
[95] فَما أنْتَ والداعِي؟! فَدَعْهُ مُسَلِّماً | لِعِلْمِ عَليم عَنْهُ لا يَعْزُبُ الذَرُّ |
وقَدْ جاءَ في الآثارِ أنّ ظُهورَهُ | يكونُ إذا ما جاءَ بالعَجِبِ الدَهْرُ |
____________
1- الجُلّى: الأُمور العظيمة ; انظر: المصباح المنير 1 / 105 مادّة " جَـلَّ ".
2- الحَيا: المطرُ. الصحاح 6 / 2324 مادّة " حيا ".
3- انظر: الكامل في التاريخ: 1 / 160 ـ 163 ; وفيه ما يتعلّق بالخضر (عليه السلام) وغيبته وطول عمره.
ويَعْرو(1) أُناساً قَدْ تَمادَوْا بِغَيِّهم | منَ القَذْفِ بَعْدَ المَسْخِ والخَسْفِ ما يَعْروُ |
وتَغْدو الوَرى إذْ كانَ يَقْتادُها العَمى | ويَحْمِلُها مِنْ جَهْلِها المَرْكَبُ الوَعْرُ |
حَيارى بلا دِين وذوُ الدِينِ قابِضٌ | على دِينِهِ ضَعْفاً كما يُقْبَضُ الجَمْرُ(2) |
[100] وكَيْفَ وهذا الدِينُ يَزْهُرُ رَوْضُهُ | ويَنْفَحُ مِنْ حافاتِ زاهِرِهِ النَشْرُ |
وهذِي ثُغورُ المُسلمينَ مَنيعَةٌ(3) | بِكُلِّ رِباط فيهِ يَبْتَسِمُ الثَغْرُ |
وذي رايَةُ التَوْحيدِ يَخْفُقُ ظِلُّها | فَيَنْكَصُ رُعْباً دونَها الشِرْكُ والكُفْرُ(4) |
وها هُمْ مُلوكَ المُسلمينَ وعَدْلُهُم(5) | وذي عُلماءُ الأُمّةِ الأنْجُمُ الزُهْرُ |
فَدَعْ عَنْكَ وَهْماً تِهْتَ في ظُلُماتِهِ | (ولا يَرْتَضـيهِ العَبْـدُ كَلاّ ولا الحُرُّ) |
____________
1- يَعْرو: يُصيبُ. المصباح المنير 2 / 406 مادّة " عـرو ".
2- إشارة لقول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): " يأتي على الناس زمانٌ الصابر على دينه مثل القابض على الجمرة بكفّه ". مستدرك الوسائل 12 / 330 ح 2.
3- في شعراء الغري: " وها هم ملوك المسلمين وعدلهم ".
4- في شعراء الغري: " حميداً ومن (عبـد الحميد) لها نشر ".
5- في شعراء الغري: " وهذا أمير المؤمنين وعدله ".
[105] وإنْ شِئْتَ تَقْريبَ المَدى فلَرُبّما | يَكِلُّ بِمَيْدانِ(1) الجِيادِ بِكَ الفِكْرُ |
فَمُذْ قادَنا هادي الدَليلِ بِما قَضى | بهِ العَقْلُ والنَقْلُ اليَقينانِ والذِكْرُ |
إلى عِصْمَةِ الهادينَ آلِ مُحمّـد | وأنّهُمْ في عَصْرِهِم لَهُمُ الأمْرُ |
وقَدْ جاءَ في الآثارِ عَنْ كُلِّ واحِد | أحاديثُ يَعْيى عَنْ تَواتِرِها الحَصْرُ |
تُعَرِّفُنا ابنَ العَسْكَريّ وأنّهُ | هُوَ القائِمُ المَهديُّ والواتِرُ الوِتْرُ |
[110] تَبِعْنا هُدى الهادي فأبْلَغَنا المدى | بِنورِ الهُدى والحَمدُ للهِ والشُكْرُ |
[من الطويل]
(3)
ومن شعره الرائع قصيدته في النفس(2)، التي تحتوي على معاني
____________
1- في بعض المصادر: " بمضمارِ ".
2- طُبعت كاملةً سنة 1343 هـ في المطبعة المرتضوية في النجف الأشرف، ملحقةً بـ: العقود المفصّلة للعلاّمة البلاغي، وأوردها كاملة السـيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة 4 / 256 والأُستاذ الخاقاني في شعراء الغري 2 / 449، وذكر مطلعها فقط الشيخ جعفر محبوبة في ماضي النجف وحاضرها 2 / 64، وأورد الأُستاذ الفكيكي خمسة أبيات منها في المقدّمة التي كتبها لكتاب الهدى إلى دين المصطفى.
هَبَطَتْ إلَيْكَ مِنَ المَحَلِّ الأرْفَعِ | عَنْقاءَ ذاتَ تَعَزُّز وتَمَنُّعِ |
فقال (رحمه الله):
نَعِمَتْ بأنْ جَاءَتْ بِخَلْقِ المُبْدِعِ | ثُمَّ السَعادَةَ أنْ يَقولَ لَها: " ارْجِعي "(1) |
خُلِقَتْ لأنْفَعِ غايَةِ يا لَيْتَها | تَبِعَتْ سَبيلَ الرُشْدِ نَحْوَ الأنْفَعِ |
اللهُ سَوّاها وألْهَمَها(2) فَهَلْ | تَنْحو السَبيلَ إلى المَحَلِّ الأرْفَعِ؟! |
نَعِمَتْ بِنَعْماءِ الوُجودِ ونودِيَتْ | هذا هُداكِ وما تَشائي فاصْنَعي |
[5] وَدَعِي الهَوى المُرْدي(3) لَئِلاّ تَهْبِطي | في الخُسْرِ ذاتَ تَوَجُّع وتَفَجُّعِ |
إنْ شِئْتِ فارْتَفِعي لأرْفَعِ ذُرْوَة | وحَذارِ مِنْ دَرْكِ الحَضيضِ الأوْضَعِ |
____________
1- إشارة لقوله تعالى: { يا أيَّتُها النَفْسُ المُطُمَئِنَّةُ * ارْجِعي إلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً }. سورة الفجر 89: 27 ـ 28.
2- إشارة لقوله تعالى: { ونَفْس وما سَوّاها * فَألْهَمَها فُجورَها وتَقْواها }. سورة الشمس 91: 7 ـ 8.
3- المُرْدي: المُهْلِك. الصحاح 6 / 2355 مادّة " ردي ".
إنّ السَعادَةَ والغِنى أنْ تَقْنَعي | مَوْفورَةٌ لَكِ والشَقا أنْ تَطْمَعي |
فَتَنَعَّمِي وتَزَوَّدي وتَهَذَّبي | وتَلَذَّذي وتَكَمَّلي وتَوَرَّعي |
وبِبَهْجَةِ العِرْفانِ والعِلْمِ ابْهَجي | ولِنَزْعِ أطْمارِ(1) الجَهالاتِ انْزِعي |
[10] وخُذي هُداكِ فَتِلْكَ أعْلامُ الهُدى | زُهْرٌ سَواطِعُ في الطَريقِ المَهْيَعِ(2) |
وتَرَوَّحي بِشَذى الطَريقِ وأمِّلي | عُقْبى سُراكِ إلى الجَنابِ(3) المُمْرِعِ(4) |
نَجْد وكُلُّ طَريقِها رَوْضٌ وفي الـ | ـمسـرى إليها بُلْغَةُ المُتَمَتِّعِ |
وهُناكَ إدْراكُ المُنى وكَرامَةُ الـ | ـمأوى لَدى الشَرَفِ الأعَزِّ الأمْنَعِ |
____________
1- الأطْمار، جمع الطِمْر: وهو الثوب الخَلَق. الصحاح 2 / 726 مادّة " طمـر ".
2- طريق مَهْيَع: واضح واسع بيّن. لسان العرب 8 / 378 ـ 379 مادّة " هـيع ".
3- الجناب: الناحية. الصحاح 1 / 101 مادّة " جـنب ".
4- المُمْرِع: الخصيب. الصحاح 3 / 1283 مادّة " مـرع ".
هِيَ غادَةٌ بَرَزَتْ جَمالاً واخْتَفَتْ | لُطْفاً وزُفَّتْ في الوُجودِ بِبُرْقُـعِ |
[15] بَرَزَتْ مُحَجَّبَةً فَتاهَ ذَوُوا الهَوى | في كُنْهِها وَصْفاً و " كُلٌّ يَدَّعي "(1) |
قَرُبَتْ وباعَدَتْ الظُنونَ وإنْ تَكُنْ | ضَمَّتْ مَخائِلَها(2) حَواني الأضْلُعِ(3) |
أمُوَمِّلَ الإشراقِ في عِرفانِها | مَهْلاً فإنّكَ في ظَلام أسْفَعِ(4) |
تَسْعى برَأْيِكَ نَحْوَها يا هَلْ تَرى | وَجَدَ الهُدى ساع برَأْيِ مُضَيَّعِ؟! |
أمْ أيْنَ مِنْ عِرْفانِها مُتَكَلِّفٌ | إنْ ناءَ بالآراءِ صيحَ بِهِ قَعِ |
[20] سَلْ عَنْ حَقيقَتِها ومَعْناها الّذي | قَدْ زَفَّها مَحْجوبَةً لَكَ أوْ دَعِ |
____________
1- إشارة لقول الشاعر:
كُلٌّ يَدَّعي وَصْلاً بِلَيْلى | ولَيْلى لا تُقِرُّ لَهُ بِذاكا |
2- مخائلها: أي أوصفاها ; انظر: الصحاح 4 / 1692 مادّة " خـيل ".
3- حَواني الأضلع: أطول الأضلاع كلَّهن، في كلّ جانب من الإنسان ضِلعان. لسان العرب 14 / 205 مادّة " حنا ".
4- السُفْعَة: سَوادٌ مُشْربٌ حُمرةً. الصحاح 3 / 1230 مادّة " سـفع ".