الصفحة 16

وجانَبْتَ قولَ الجَبْرِ عِلماً بأنّهُيَنوبُ أُصولَ الدِين من وَهْمِهِ كَسْرُ
وأوْجَبْتَ باللّطفِ الإمامَ وأنّهُبِهِ من عُصاةِ الخَلْقِ يَنَقطعُ العُذْرُ
وعايَنْتَ في مَنْ ماتَ فهوَ لِذي الحِجىشَفاءُ إذا أعْيى بأدْوائهِ الصَدْرُ
تُؤسِّسُ بُنْيانَ الصَوابِ على التُقىويَطْلُعُ مِنْ أُفُقِ اليَقينِ لكَ الفَجْرُ
[30] وفي خَبَرِ الثِقْلَيْنِ(1) هاد إلى الّذيتَنازَعَ فيهِ الناسُ والْتَبَسَ الأمْرُ
إذْ قالَ خَيْرُ الرُسْلِ: " لَنْ يَتَفَرّقا "فكَيْفَ إذاً يَخْلُو مِنَ العِتْرَةِ العَصْرُ
" وما إن تَمَسَّكْتُمْ " بِتَيْنِكَ إنّهُمْهُمُ السادَةُ الهادُونَ والقادَةُ الغُرُّ
ولمّا انْطَوى عَصْرُ الخِلافَةِ وانْتهىولُفَّ بساطُ العَدْلِ وابتَدَأ الشَرُّ

____________

1- إشارة لقول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في الحديث الشريف المتواتر بين عامّة المسلمين: " إنّي تاركٌ (مخلّف) فيكم الثِقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ".

انظر: صحيح البخاري 4 / 1873، سُـنن الترمذي 5 / 662 ح 3786، مسند أحمد بن حنبل 3 / 14، سُـنن الدارمي 2 / 432، معالم التنزيل 4 / 464، السيرة الحلبيّة 3 / 336.


الصفحة 17

وزادَ يَزيدُ(1) الدِينَ نَقْصاً وبَعْدَهُدهى بالوليد(2) القردِ أُمّ الهُدى عقرُ
[35] تَنادى لإحياءِ الهُدى عِتْرَةُ الهُدىفَما عاقَهُمُ قَتْلٌ ولا هالَهُمُ ضُرُّ
وكَمْ بَذَلوا في الوَعْظِ والزَجْرِ جُهْدَهُمُولَمْ يُجْدِ بالغاوينَ وَعْظٌ ولا زَجْرُ
وكَمْ نَدَبوا اللهَ سِرّاً وجَهْرَةًوقَدُ خَلُصا منهم لَهُ السِرُّ والجَهْرُ
إلى أنْ تَفانَوْا كابِراً بَعْدَ كابِروما دَوْلَةٌ إلاّ وفيها لَهُمْ وِتْرُ
ولا مِثْلَ يَوْمِ الطّفِ يومُ فَجِيعَةلِذِكْراهُ في الأيّامِ يَنْقَصِمُ الظَهْرُ
[40] يُذيبُ سُوَيْدا القَلْبِ(3) حُزْناً فعاذِرٌإذا سَفَحَتْ مِنْ ذوْبِها الأدْمعُ الحُمْرُ

____________

1- يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأُموي (ت 64 هـ)، لعنة الله عليهم جميعاً.

2- الوليد بن يزيد بن عبـد الملك بن مروان بن الحكم (ت 126 هـ)، لعنة الله عليهم جميعاً.

3- سويداء القلب: حبّته. الصحاح 2 / 492 مادّة " سود ".


الصفحة 18

ومُذْ أعْذَروا بالنُصْح في اللهِ والدعاإليهِ وآذانُ الورى صَكَّها وَقْرُ(1)
وشاءَ إلهُ العَرْشِ أنْ يَعْضِدَ الهُدىويُظْهِرَ مِنْ مَكْنونِ أسْمائِهِ السِّرُ
تَألَّبَ أحزابُ الضَلالِ لِقَتْلِـهِعَصائِبُ يُغْريها بهِ البَغْيُ والغَدْرُ
وهَمّوا بهِ خبطاً كموسى وجَدِّه الــخليلِ فَأضْحى رِبْحُ همِّهِمُ الخُسْرُ
[45] فأغْشاهُمُ عَنْهُمُ وغشّاهُ نورُهُوكانَ بِما همّوا لِجَدّهم(2) العَثْرُ
وقامَ لِخَمْس بالإمامَةِ آيةًكعيسى ويَحيى آيةً ولَهُ الفَخْرُ
إذا أمَّ مَعْصومٌ مِنَ الآلِ زاخِرٌمِنَ العِلْمِ لا ساجي(3) العُباب(4) ولا نَزْرُ(5)

____________

1- الوَقْرُ: الثِقْلُ في الأُذن. الصحاح 2 / 848 مادّة " وقـر ".

2- الجَدُّ: الحَظُّ والبختُ: الصحاح 2 / 452 مادّة " جدد ".

3- الساجي: أي الساكن الهادئ. والمقصود به هنا: القليل ; انظر: الصحاح 6 / 2372 مادّة " سجا ".

4- عُبابُ الماء: أوّلهُ ومُعظمهُ. لسان العرب 1 / 573 مادّة " عبب ".

5- النزرُ: القليل التافه. الصحاح 2 / 826 مادّة " نزر ".


الصفحة 19

وكانَ كداوُودَ(1) فَسَلْ هَيْتَمِيّكُم(2)أهَلْ بَعْدَ هذا في إقامَتِهِ نُكْرُ؟!

وغابَ بأمْرِ اللهِ للأجلِ الّذييَراهُ لَهُ في عِلْمِهِ ولَهُ الأمْرُ
[50] وأوْعَدَهُ(3) أنْ يُحْيِيَ الدينَ سَيْفُهُوفيهِ لِدينِ(4) المُصْطفى يُدْرَكُ الوِتْرُ
ويُخْدِمُهُ الأمْلاكَ جُنْداً وإنّهُيُشَّدُ لَهُ بالروحِ في مُلْكِهِ أزْرُ
(وإنّ جَميعَ الأرْضِ تَرْجِعُ مُلكَهُويَملأُها قِسْطاً ويَرْتَفِعُ المَكْرُ)(5)
فأيْقَنَ أنّ الوَعْدَ حَقُّ وأنّهُإلى وَقْتِ عيسى يَسْتَطيلُ لَهُ العُمْرُ
فَسلَّمَ تَفْويضاً إلى اللهِ صابِراًوعَنْ أمرِهِ مِنْهُ النُهوضُ أو الصَبْرُ

____________

1- في أنّه أُوتي الحكمة وفصل الخطاب، كما اعترف به الهيتمي ابن حجر في صواعقه، ثمّ اعترض بأنّه كيف يكون إماماً وهو ابن خمس سنوات؟! فتدافع كلامه. " منه دام ظلّه ".

2- أحمد بن حجر الهيتمي المكّي (ت 974 هـ).

3- في بعض المصادر: " وواعَدَهُ ".

4- في بعض المصادر: " لآل ".

5- في شعراء الغري ورد بعده أحد أبيات القصيدة البغدادية، وهو:


وأنْ لَيْسَ بَيْنَ الناسِ مَنْ هوَ قادِرٌعلى قَتْلِهِ وهوَ المُؤَيّدُهُ النصرُ


الصفحة 20

[55] ولَمْ يَكُ مِنْ خَوفِ الأذاةِ اخْتِفاؤهُولكنْ بأمْرِ اللهِ خِيرَ لَهُ السِتْرُ
(وحاشاهُ مِنْ جُبْن ولكْن هو الّذيغَداً يَخْتَشيهِ مَنْ حَوى البَرُّ والبَحرُ)(1)
أكُلَّ اخْتِفاء خِلْتَ مِن خيفَةِ الأذىفَرُبَّ اخْتِفاء فيهِ يُسْتَنْزَلُ النَصْرُ
وكُلَّ فِرار خِلْتَ جُبْناً فَرُبّمايَفِرُّ أخُو بَأْس لِيُمْكِنَهُ الكَرُّ
فَكَمْ قَدْ تَمادَتْ للنَبيّينَ غَيَبَةٌعلى مَوْعِد فيها إلى رَبِّهِمُ فَرّوا
[60] وإنّ بِيَوْمِ الغارِ(2) والشِعْبِ(3) قَبْلَهُغَناءً كما يُغْني عن الخَبَرِ الخُبْرُ
ولَمْ أدرِ لِمَ أنكَرْتَ كَوْنَ اخْتفائِهِبأمْرِ الّذي يعْيى بحكمتِهِ الفِكْرُ؟!

أتَحصُرُ أمرَ اللهِ في العَجْزِ أمْ لَدىإقامَةِ ما لَفّقْتَ أقْعدَكَ الحَصْرُ؟!


____________

1- في شعراء الغري ورد بعده أحد أبيات القصيدة البغدادية، وهو:


ويَرْهبُ مِنْهُ الباسِلونَ جَميعُهُموتَعْنوا لَهُ حتّى المثقفة السّمرُ

2- هو غار ثَوْر، اختفى فيه النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبو بكر ثلاثة أيام، عند هجرته من مكّة المكرّمة إلى المدينة المنوّرة ; انظر: الكامل في التاريخ 2 / 104.

3- هو شِعْب أبي طالب، دخله النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمون عند مقاطعة قريش لهم، وقد مكثوا فيه ثلاث سنين ; انظر: الكامل في التاريخ 2 / 87.


الصفحة 21

(فذلكَ أدهى الداهِياتِ ولَمْ يَقُلْبهِ أحَدٌ إلاّ أخو السَفَهِ الغِمْرُ)(1)
ودونَكَ أمرَ الأنْبياءِ وما لَقُواففيهِ لذِي عَيْنَيْنِ يتّضِحُ الأمْرُ
[65] فَمِنْهُمْ فَرِيقٌ قَدْ سَقاهُمْ حِمامَهُمْبكَأْسِ الهَوانِ القتلُ والذَبحُ والنَشْرُ
(أيَعْجَزُ ربُّ الخَلْقِ عَنْ نَصْرِ حِزْبِهِعلى غَيْرِهِمْ كَلاّ فهذا هُوَ الكُفْرِ)
وكَمْ مُخْتَف بَيْنَ الشِعابِ وهارِبإلى اللهِ في الأجبالِ يَأْلَفُهُ النَسْرُ
(فهَلاّ بَدا بَيْنَ الوَرى مُتَحمِّلاًمَشَقّةَ نُصْحِ الخَلْقِ مَنْ دَأْبُهُ الصَبْرُ)؟!

وإنْ كُنْتَ في ريَب لطُولِ بَقائِهِ فَهَلْرابَكَ الدَجّال(2) والصالحُ الخِضْرُ(3)؟!

[70] أيَرْضى لَبِيبٌ أنْ يُعَمَّرَ كافِرٌويأباهُ في باق لِيُمْحى بهِ الكُفْرُ

____________

1- الغِمْرُ: الحقدُ والحسد. الصحاح 2 / 773 مادّة " غمـر ".

2- هو ابن صيّاد، الأعور الدجّال، الذي ولد في زمن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويبقى حتّى يخرج لقتال الحجّة المهدي المنتظر ـ عجّل الله تعالى فرجه الشريف ـ فيقتله النبيّ عيسى (عليه السلام) ; انظر تفصيل ذلك في كتاب: عقيدة المسيح الدجال: 383 وما بعدها.

3- الكامل في التاريخ 1 / 160 ـ 163 ; وفيه ما يتعلّق بالخضر (عليه السلام)، وقصّته مع النبيّ موسى بن عمران (عليه السلام)، وكيفيّة طول عمره وشربه من ماء الحياة.


الصفحة 22

ودونَكَ أنْباءَ النَّبي بهِ تُزَدْبآحادِها خُبُراً وآحادُها كُثْرُ
فَكَمْ في ينابيعُ المَودّةِ(1) مَنْهَلٌنَميرٌ بهِ يَشْفى لوارِدِهِ الصَدْرُ
وفي غَيْرِهِ كَمْ مِنْ حَدِيث مُسَلْسَلبِهِ يَفْطِنُ الساهِي ويسْتَبْصِرُ الغِرُّ(2)
ومِنْ بَيْنِ أسْفارِ(3) التَوارِيخِ عِنْدَكُميُؤلَّفُ في تأريخِ مَوْلِدِهِ سِفْرُ
[75] وكَمْ قالَ مِنْ أعْلامِكُم مِثلَ قَولِنا بهِعارِفُ بَحْر وذُو خُبْرة حَبْرُ(4)
فكَمْ في يَواقيتِ(5) البَيانِ(6) كِفايةٌ(7)يُقَلَّدُ مِنْ فَصْلِ الخِطابِ(8) بها النَحْرُ

____________

1- ينابيع المودّة، للشيخ سليمان بن إبراهيم الحسينيّ البلخي القندوزي الحنفي (ت 1294 هـ).

2- رجلٌ غِرٌ: أي غير مُجرِّب. الصحاح 2 / 768 مادّة " غـرر ".

3- أسْفار، جمع سِفْر: وهو الكتاب. الصحاح 2 / 686 مادّة " سفـر ".

4- الحَبْرُ: العالِم. الصحاح 2 / 620 مادّة " حـبر ".

5- اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر، لعبـد الوهّاب بن محمّـد بن يوسف الشعراني (ت 973 هـ).

6- البيان في أخـبار صاحـب الزمـان، لمحمّـد بن يوسف الگنجي الشافعي (ت 658 هـ).

7- كفاية الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، للگنجي الشافعي.

8- فصـل الخـطاب لوصـل الأحـباب، لمحمّـد بن محمّـد البخاري الحنفي (ت 822 هـ).


الصفحة 23

وذِي رَوْضةُ الأحْبابِ(1) فيها مَطالبُ الــسؤولِ(2) وفي كُلِّ الفُصُولِ(3) لها نَشْرُ
مَناقِبُ(4) آلِ المُصْطَفى لِـ شَواهِدِ الــنُبوّةِ(5) فيها وهيَ تَذْكرةٌ(6) ذِكْرُ
وذا الشيخُ أضْحى في فُتوحاتِهِ(7) لَـهُعلى كُلِّ تأريخ بتأرِيخِهِ نَصْرُ
[80] وَلاحَ بـ مرْقاةِ(8) الهِدايَةِ(9) في المُكاشَفاتِ(10) لَدى مرآة أسرارِهِ(11) السِرُّ

____________

1- روضة الأحباب في سيرة النبيّ (صلى الله عليه وآله) والآل والأصحاب، للسيّد جمال الدين عطاء الله ابن فضل الله الحسيني الدشتكي، من أعلام القرن التاسع.

2- مطالب السؤول في مناقب آل الرسول، لمحمّـد بن طلحة النصيبي الشافعي (ت 652 هـ).

3- الفصول المهمّة في معرفة أحوال الأئمّة (عليهم السلام)، لعلي بن محمّـد ابن الصبّاغ المالكي (ت 855 هـ).

4- مناقب الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، لأخطب الخطباء الموفّق بن أحمد المكّي الخوارزمي (ت 568 هـ).

5- شواهد النبوّة، لعبـد الرحمن بن أحمد الجامي (ت 898 هـ).

6- تذكرة الخواصّ، لسبط ابن الجوزي يوسف بن فرغلي البغدادي الحنبلي ثمّ الحنفي (ت 654 هـ).

7- الفتوحات المكيّة في معرفة أسرار المالكيّة والملكيّة، لمحيي الدين محمّـد بن علي، المعروف بـ: " ابن العربي " (ت 638 هـ).

8- المرقاة في شرح المشكاة، للمحدّث الملاّ علي القارئ.

9- هداية السعداء، للقاضي شهاب الدين أحمد بن شمس الدين الزوالي الهندي (ت 848 هـ).

10- المكاشفات، لعلي بن أسـد الله.

11- مرآة الأسرار، للعارف عبـد الرحمن.


الصفحة 24

وللحَسَنِ الشَيْخِ العِراقيِ(1) قِصّةٌبسَبْعِ لَياليها لَهُ ارْتَفَعَ السِتْرُ(2)
وصَدَّقَهُ الخَوّاصُ(3) في ما يَقولُهُ(4)وكلٌّ لَدَيْكُم عارِفٌ ثِقَةٌ بَرُّ
وعَنْهُ شَفاهاً قَدْ رَوى أحمدُ البلاذريُّ وفي أخْبارِهِ لَكم خُبرُ
وما أسْعَدَ السِرْدابَ حَظّاً ولا تَقُلْ(لَهُ الفَضْلَ عَنْ أُمِّ القُرى ولَهُ الفَخْرُ)
[85] لَئِنْ غابَ في السِرْدابِ يَوْماً فإنّماعلى الناسِ مِنْ أُمِّ القُرى يَطْلَعُ البَدْرُ
ولَمْ يَتّخِذْهُ البَدْرُ بُرجاً وإنّماغَدا أُفُقَاً مِن خَطّه يُضْرَبُ السِتْرُ
وها هُوَ بَيْنَ الناسِ كالشَمْسِ ضَمَّهاسَحابٌ ومِنْها يُشْرِقُ البَرُّ والبَحْرُ

____________

1- الشيخ حسن العراقي، من كبار الصوفيّة، ولد بدمشق، وساح في الأرض خمسين عاماً، فذهب إلى الهند والصين وبلاد العجم والروم، ثمّ استقرّ في مصـر، وتوفيّ في نيف وثلاثين وتسعمائة ; انظر: الطبقات الكبرى ـ للشعراني ـ: 475.

2- وخلاصتها: أنّ الشيخ حسن العراقي اجتمع بالإمام المهدي ـ عجّل الله تعالى فرجه الشريف ـ في سبع ليال، وقد سمعها منه الشيخ عبـد الوهّاب بن أحمد الأنصاري الشافعي، المعروف بـ: الشعراني، وأثبتها في كتابه: الطبقات الكبرى.

3- هو الشيخ علي الخوّاص، من كبار الصوفيّة (ت القرن العاشر).

4- أي أنّ الشيخ علي الخوّاص صدَّقَ دعوى الشيخ حسن العراقي باجتماعه بالإمام المهدي (عليه السلام)، كما ذكر ذلك مفصّلاً الشعراني في اليواقيت والجواهر 2 / 487.


الصفحة 25

بهِ تُدْفَعُ الجُلّى(1) ويُسْتَنْزَلُ الحَيا(2)وتُسْتَنْبَتُ الغبرا ويُسْتَكْشَفُ الضُرُّ
كما قيلَ في الأبْدالِ والقطبِ إنّهمبهِمْ تُدْفَعُ الجُلّى ويُسْتَنْزَلُ القَطْرُ
[90] ولا عَجَبٌ إنْ كانَ في كُلِّ حِجَّةيَحِجُّ وفيهِ يَسْعُد النَحْرُ والنَفْرُ
ويَعْرِفُهُ البَيْتُ الحَرامِ ورُكْنُهُوزَمْزَمُ والأسْتارُ والخِيفُ والحِجْرُ
ولكنّهُ عَنْ أعْيُنِ الناسِ غائِبٌكَما غابَ بَيْنَ الناسِ إلْياسُ والخِضْرُ(3)
وقَوْلُكَ: " هذا الوَقْتُ داع لِمِثْلِهِففيهِ تَوالى الظُلْمُ وانْتَشَرَ الشَرُّ "
يَعيبُكَ فيهِ السامِعـونَ فإنّـهُلَعَمْري " قولٌ عَنْ معائِب يَفْتَرُّ "
[95] فَما أنْتَ والداعِي؟! فَدَعْهُ مُسَلِّماًلِعِلْمِ عَليم عَنْهُ لا يَعْزُبُ الذَرُّ
وقَدْ جاءَ في الآثارِ أنّ ظُهورَهُيكونُ إذا ما جاءَ بالعَجِبِ الدَهْرُ

____________

1- الجُلّى: الأُمور العظيمة ; انظر: المصباح المنير 1 / 105 مادّة " جَـلَّ ".

2- الحَيا: المطرُ. الصحاح 6 / 2324 مادّة " حيا ".

3- انظر: الكامل في التاريخ: 1 / 160 ـ 163 ; وفيه ما يتعلّق بالخضر (عليه السلام) وغيبته وطول عمره.


الصفحة 26

ويَعْرو(1) أُناساً قَدْ تَمادَوْا بِغَيِّهممنَ القَذْفِ بَعْدَ المَسْخِ والخَسْفِ ما يَعْروُ
وتَغْدو الوَرى إذْ كانَ يَقْتادُها العَمىويَحْمِلُها مِنْ جَهْلِها المَرْكَبُ الوَعْرُ
حَيارى بلا دِين وذوُ الدِينِ قابِضٌعلى دِينِهِ ضَعْفاً كما يُقْبَضُ الجَمْرُ(2)
[100] وكَيْفَ وهذا الدِينُ يَزْهُرُ رَوْضُهُويَنْفَحُ مِنْ حافاتِ زاهِرِهِ النَشْرُ
وهذِي ثُغورُ المُسلمينَ مَنيعَةٌ(3)بِكُلِّ رِباط فيهِ يَبْتَسِمُ الثَغْرُ
وذي رايَةُ التَوْحيدِ يَخْفُقُ ظِلُّهافَيَنْكَصُ رُعْباً دونَها الشِرْكُ والكُفْرُ(4)
وها هُمْ مُلوكَ المُسلمينَ وعَدْلُهُم(5)وذي عُلماءُ الأُمّةِ الأنْجُمُ الزُهْرُ
فَدَعْ عَنْكَ وَهْماً تِهْتَ في ظُلُماتِهِ(ولا يَرْتَضـيهِ العَبْـدُ كَلاّ ولا الحُرُّ)

____________

1- يَعْرو: يُصيبُ. المصباح المنير 2 / 406 مادّة " عـرو ".

2- إشارة لقول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): " يأتي على الناس زمانٌ الصابر على دينه مثل القابض على الجمرة بكفّه ". مستدرك الوسائل 12 / 330 ح 2.

3- في شعراء الغري: " وها هم ملوك المسلمين وعدلهم ".

4- في شعراء الغري: " حميداً ومن (عبـد الحميد) لها نشر ".

5- في شعراء الغري: " وهذا أمير المؤمنين وعدله ".


الصفحة 27

[105] وإنْ شِئْتَ تَقْريبَ المَدى فلَرُبّمايَكِلُّ بِمَيْدانِ(1) الجِيادِ بِكَ الفِكْرُ
فَمُذْ قادَنا هادي الدَليلِ بِما قَضىبهِ العَقْلُ والنَقْلُ اليَقينانِ والذِكْرُ
إلى عِصْمَةِ الهادينَ آلِ مُحمّـدوأنّهُمْ في عَصْرِهِم لَهُمُ الأمْرُ
وقَدْ جاءَ في الآثارِ عَنْ كُلِّ واحِدأحاديثُ يَعْيى عَنْ تَواتِرِها الحَصْرُ
تُعَرِّفُنا ابنَ العَسْكَريّ وأنّهُهُوَ القائِمُ المَهديُّ والواتِرُ الوِتْرُ
[110] تَبِعْنا هُدى الهادي فأبْلَغَنا المدىبِنورِ الهُدى والحَمدُ للهِ والشُكْرُ

[من الطويل]

(3)


ومن شعره الرائع قصيدته في النفس(2)، التي تحتوي على معاني

____________

1- في بعض المصادر: " بمضمارِ ".

2- طُبعت كاملةً سنة 1343 هـ في المطبعة المرتضوية في النجف الأشرف، ملحقةً بـ: العقود المفصّلة للعلاّمة البلاغي، وأوردها كاملة السـيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة 4 / 256 والأُستاذ الخاقاني في شعراء الغري 2 / 449، وذكر مطلعها فقط الشيخ جعفر محبوبة في ماضي النجف وحاضرها 2 / 64، وأورد الأُستاذ الفكيكي خمسة أبيات منها في المقدّمة التي كتبها لكتاب الهدى إلى دين المصطفى.


الصفحة 28
فلسفية عالية، عارض فيها عينية ابن سينا الحسين بن عبـد الله (ت 428 هـ)، التي مطلعها:


هَبَطَتْ إلَيْكَ مِنَ المَحَلِّ الأرْفَعِعَنْقاءَ ذاتَ تَعَزُّز وتَمَنُّعِ

فقال (رحمه الله):


نَعِمَتْ بأنْ جَاءَتْ بِخَلْقِ المُبْدِعِثُمَّ السَعادَةَ أنْ يَقولَ لَها: " ارْجِعي "(1)
خُلِقَتْ لأنْفَعِ غايَةِ يا لَيْتَهاتَبِعَتْ سَبيلَ الرُشْدِ نَحْوَ الأنْفَعِ
اللهُ سَوّاها وألْهَمَها(2) فَهَلْتَنْحو السَبيلَ إلى المَحَلِّ الأرْفَعِ؟!

نَعِمَتْ بِنَعْماءِ الوُجودِ ونودِيَتْهذا هُداكِ وما تَشائي فاصْنَعي
[5] وَدَعِي الهَوى المُرْدي(3) لَئِلاّ تَهْبِطيفي الخُسْرِ ذاتَ تَوَجُّع وتَفَجُّعِ
إنْ شِئْتِ فارْتَفِعي لأرْفَعِ ذُرْوَةوحَذارِ مِنْ دَرْكِ الحَضيضِ الأوْضَعِ

____________

1- إشارة لقوله تعالى: { يا أيَّتُها النَفْسُ المُطُمَئِنَّةُ * ارْجِعي إلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً }. سورة الفجر 89: 27 ـ 28.

2- إشارة لقوله تعالى: { ونَفْس وما سَوّاها * فَألْهَمَها فُجورَها وتَقْواها }. سورة الشمس 91: 7 ـ 8.

3- المُرْدي: المُهْلِك. الصحاح 6 / 2355 مادّة " ردي ".


الصفحة 29

إنّ السَعادَةَ والغِنى أنْ تَقْنَعيمَوْفورَةٌ لَكِ والشَقا أنْ تَطْمَعي
فَتَنَعَّمِي وتَزَوَّدي وتَهَذَّبيوتَلَذَّذي وتَكَمَّلي وتَوَرَّعي
وبِبَهْجَةِ العِرْفانِ والعِلْمِ ابْهَجيولِنَزْعِ أطْمارِ(1) الجَهالاتِ انْزِعي
[10] وخُذي هُداكِ فَتِلْكَ أعْلامُ الهُدىزُهْرٌ سَواطِعُ في الطَريقِ المَهْيَعِ(2)
وتَرَوَّحي بِشَذى الطَريقِ وأمِّليعُقْبى سُراكِ إلى الجَنابِ(3) المُمْرِعِ(4)
نَجْد وكُلُّ طَريقِها رَوْضٌ وفي الــمسـرى إليها بُلْغَةُ المُتَمَتِّعِ
وهُناكَ إدْراكُ المُنى وكَرامَةُ الــمأوى لَدى الشَرَفِ الأعَزِّ الأمْنَعِ

____________

1- الأطْمار، جمع الطِمْر: وهو الثوب الخَلَق. الصحاح 2 / 726 مادّة " طمـر ".

2- طريق مَهْيَع: واضح واسع بيّن. لسان العرب 8 / 378 ـ 379 مادّة " هـيع ".

3- الجناب: الناحية. الصحاح 1 / 101 مادّة " جـنب ".

4- المُمْرِع: الخصيب. الصحاح 3 / 1283 مادّة " مـرع ".


الصفحة 30

هِيَ غادَةٌ بَرَزَتْ جَمالاً واخْتَفَتْلُطْفاً وزُفَّتْ في الوُجودِ بِبُرْقُـعِ
[15] بَرَزَتْ مُحَجَّبَةً فَتاهَ ذَوُوا الهَوىفي كُنْهِها وَصْفاً و " كُلٌّ يَدَّعي "(1)
قَرُبَتْ وباعَدَتْ الظُنونَ وإنْ تَكُنْضَمَّتْ مَخائِلَها(2) حَواني الأضْلُعِ(3)
أمُوَمِّلَ الإشراقِ في عِرفانِهامَهْلاً فإنّكَ في ظَلام أسْفَعِ(4)
تَسْعى برَأْيِكَ نَحْوَها يا هَلْ تَرىوَجَدَ الهُدى ساع برَأْيِ مُضَيَّعِ؟!

أمْ أيْنَ مِنْ عِرْفانِها مُتَكَلِّفٌإنْ ناءَ بالآراءِ صيحَ بِهِ قَعِ
[20] سَلْ عَنْ حَقيقَتِها ومَعْناها الّذيقَدْ زَفَّها مَحْجوبَةً لَكَ أوْ دَعِ

____________

1- إشارة لقول الشاعر:


كُلٌّ يَدَّعي وَصْلاً بِلَيْلىولَيْلى لا تُقِرُّ لَهُ بِذاكا

2- مخائلها: أي أوصفاها ; انظر: الصحاح 4 / 1692 مادّة " خـيل ".

3- حَواني الأضلع: أطول الأضلاع كلَّهن، في كلّ جانب من الإنسان ضِلعان. لسان العرب 14 / 205 مادّة " حنا ".

4- السُفْعَة: سَوادٌ مُشْربٌ حُمرةً. الصحاح 3 / 1230 مادّة " سـفع ".