الصفحة 178
الأصح. وورد في ذلك أحاديث، وأكثرها يصلح متمسكاً لهذا القول(1).

ونقول:

إن ذلك موضع شك وريب. فقد عرفنا في ما سبق:

1 ـ إن سبب النزول ليس هو النساء، وإنما هو الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، وحفظ بيت النبوة والرسالة عن أن يلحق به أدنى نقص أو عيب، ولو ثانياً وبالعرض؛ ولو كان بواسطة النساء.

2 ـ إن الأحاديث التي أشار إليها إنما هي أحاديث الكساء، وأكثرها، إن لم يكن كلها لا يصلح متمسكاً لهذا القول الذي ذكره، بل هو على ضد ذلك أدلّ؛ لأنه يصرح أو يلمح إلى عدم دخول زوجاته (صلى الله عليه وآله) في مضمون آية التطهير.

3 ـ إن ثمة شكاً كبيراً في أن تكون كلمة «أهل البيت» شاملة للزوجات. إلا على سبيل التجوز، وهو يحتاج إلى قرينة، وتقدم أن القرائن من نفس الآيات، ومن خارجها تشير إلى ضد ذلك. هذا بالإضافة إلى احتمال أن يكون المراد هو بيت السكنى الذي كان «أهل البيت» مجتمعين فيه، مع كون الألف واللام للعهد الخارجي حسبما أوضحناه.

____________

(1) راجع الصواعق المحرقة ص141 عن ابن كثير وتفسير القرآن العظيم ج3 ص483 والمواهب اللدنية ج2 ص122.


الصفحة 179

الدليل السابع: الظهور والعموم:

واستدلوا على دخول النساء في آية التطهير: باحتمال اللفظ للأزواج والنساء؛ فيكون المراد الجميع(1).

والعقل يخصص «البيت» باعتبار العرف والعادة. بمن يسكنون في البيت، لا بقصد الانتقال، ولم يكن التبدل والتحول جاريين عادة فيهم، كالأزواج والأولاد، دون العبيد والإماء، الذين هم في معرض التبدل والتحول من ملك إلى ملك(2).

ونقول:

إننا بالإضافة إلى ما قدمناه من الشك في أن يكون لفظ «أهل البيت» صادقاً على الزوجات؛ فلا نحرز وجود العموم من الأساس..

وإلى وجود الروايات المتواترة، والمصرحة أو المشيرة إلى خروج الزوجات عن مفاد الآية..

وإلى أن إرادة بيت السكنى في الآية لا شاهد له، بل الشاهد موجود على أن المراد هو بيت النبوة.

نعم إننا بالإضافة إلى ذلك كله نقول:

____________

(1) أحكام القرآن للجصاص ج5 ص230.

(2) مختصر التحفة الاثني عشرية ص152

الصفحة 180
إن مجرد احتمال اللفظ للأزواج والنساء ـ لو سلم ـ فإنه لا يكون دليلاً على إرادة الجميع، إلا إذا لم تقم القرائن الأخرى ـ داخلية كانت أو خارجية ـ على تعيين المراد بدقة، وهي هنا قد عينت ذلك في خصوص أهل الكساء، كما أسلفنا.

ونقول أيضاً:

إن علياً وفاطمة والحسنين (صلوات الله عليهم)، كان لهم بيت مستقل يعيشون فيه، فلماذا دخلوا في الآية. وأخرج النبي (صلى الله عليه وآله)، الأزواج في حديث الكساء..

الدليل الثامن: الصلاة على الزوجات:

وقد استدل البعض على إرادة الزوجات من «أهل البيت» بقوله:

«ثبت في الصحيحين عن النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم): أنه علمهم الصلاة عليه: اللهم صل على محمد، وأزواجه، وذريته»(1).

ونقول:

بالإضافة إلى الإشكالات التي قدمناها في مختلف المواضع..

وبالإضافة إلى أننا نشك كثيراً في صحة الرواية المشار إليها، لكننا

____________

(1) منهاج السنة ج4 ص21.


الصفحة 181
نرجئ البحث في ذلك إلى موضع آخر.

نعم بالإضافة إلى ذلك نقول:

أولاً:

لا ندري كيف دل ما ثبت في الصحيحين على دخول النساء في «أهل البيت»، وهو (صلى الله عليه وآله) لم يصرح ـ لو صح ذلك عنه ـ بهذه الكلمة «أهل البيت» في هذا الحديث أصلاً.

ثانياً:

من الواضح: أن الصلاة على الأزواج لا يلزم منها كونهن من «أهل البيت»، فقد ثبتت الصلاة على المؤمنين، ولم يصبحوا بذلك من «أهل البيت»، قال الله تعالى:

(خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ)(1).

وقال: (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ)(2).

وقال تعالى: (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ)(3).

وقال تعالى: (وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ)(4).

____________

(1) سورة التوبة الآية103.

(2) سورة الأحزاب الأية43.

(3) سورة البقرة الآية157.

(4) سورة التوبة الآية99.


الصفحة 182

الدليل التاسع: الآيات القرآنية:

قد ادعى البعض: أن تعبير «أهل البيت» قد جاء في الآية القرآنية كناية عن الزوجة، في حكاية خطاب الملائكة لزوجة إبراهيم (عليه السلام):

(أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ)(1).

وقال حكاية عن موسى: (فَقَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً)(2).

وعلى حد تعبير البعض: «إن امرأة إبراهيم من آله وأهل بيته، وامرأة لوط من آله وأهل بيته؛ بدلالة القرآن؛ فكيف لا يكون أزواج محمد من آله، وأهل بيته؟!»(3).

ونقول:

ألف: أما بالنسبة لخطاب الملائكة لزوجة إبراهيم (عليه السلام) فنقول:

____________

(1) سورة هود الآية73.

(2) سورة طه الآية10 وسورة النمل الآية7 وسورة القصص الآية29 وقد ذكرت هذه الدعوى والاستدلال لها في التفسير الحديث ج8 ص262 و263 وراجع: مختصر التحفة الاثني عشرية ص150 ونظرية الإمامة ص182 وفتح القدير ج4 ص279 ونوادر الأصول ص66 والجامع لأحكام القرآن ج14 ص183.

(3) منهاج السنة لابن تيمية ج4 ص21.


الصفحة 183
1 ـ قد تقدم: أن دخول المرأة في «أهل البيت» أحياناً، تغليباً وتجوزاً، إذا قامت قرينة على ذلك مما لا ينكره أحد.

2 ـ إن الزوجة قد تدخل في مدلول الآية حين تكون من بيت النبوة، وكونها أم الأنبياء، ولكن لا بملاك الزوجية، ولا بملاك بيت التطهير، في خصوص أهل الكساء، الأمر الذي يناسب إرادة بيت النبوة، لا بيت السكنى، ولا بيت النسب من الآية الشريفة.

بخلاف آية سورة هود، التي خاطب فيها الملائكة زوجة إبراهيم الخليل (عليه الصلاة والسلام)؛ فإن سارة كانت ابنة عم إبراهيم ـ كما قدمنا ـ وكانت السكنى، ولعل زوجة إبراهيم كانت من أهل بيت النبوة بلحاظ عظمتها وطهرها، وكونها أم الأنبياء..

وليس الأمر بالنسبة لزوجات الرسول كذلك، فإنهن ليس لهن مقام زوجة إبراهيم (عليه السلام)، فلا يصح اعتبارهن من أهل بيت النبوة.

3 ـ ولو تنزلنا عن ذلك جدلاً وقلنا: إن زوجة إبراهيم كزوجات رسول الله بلا فرق، فإننا نقول:

إن البيت المقصود في آية زوجة إبراهيم هو بيت السكنى أو النسب. والبيت المقصود في آية التطهير هو بيت النبوة والرسالة: وذلك استناداً إلى قرائن.

منها: التغيير في الصيغة من «بيوت» مضافة إلى جمع الإناث، إلى «البيت» محلى بألف ولام العهد. مع احتمال كون المراد خصوص بيت السكنى الذي جمع فيه النبي (صلى الله عليه وآله) أصحاب الكساء وأخرج الزوجات منه. وفي كلا الحالين ليس لزوجاته (صلى الله عليه وآله)، في هذا الأمر نصيب..

ومنها: الروايات الكثيرة التي عينت المراد من «أهل البيت» في آية

الصفحة 184
التطهير، في خصوص أهل الكساء، الأمر الذي يناسب إرادة بيت النبوة، لا بيت السكنى، ولا بيت النسب من الآية الشريفة.

بخلاف آية سورة هود، التي خاطب فيها الملائكة زوجة إبراهيم الخليل (عليه الصلاة والسلام)؛ فإن سارة كانت ابنة عم إبراهيم ـ كما قدمنا ـ وكانت ساكنة في بيته؛ فيصح لذلك إطلاق كلمة «أهل البيت» مجازاً عليها. وتكون القرينة على المجازية هي نفس توجه خطاب الملائكة إليها.

ب: وأما بالنسبة، لقول موسى لأهله: امكثوا، وكذا بالنسبة لنجاة نبي الله لوط، وأهله إلا امرأته؛ فنشير إلى ما يلي:

أولاً: ما تقدم من أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد قرر وجود فرق بين كلمتي «أهل البيت» و «أهل الرجل»، حيث قرر (صلى الله عليه وآله): أن أم سلمة من أهله، لا من أهل بيته؛ فراجع النصوص المتقدمة لحديث الكساء في أوائل هذا الكتاب.

ثانياً: إن إطلاق كلمة «أهل» على الزوجة مجازاً ليس بمستنكر، إذا قامت القرينة على المجازية. وهي هنا الخطاب في قصة موسى، والاستثناء في قصة لوط. والقرينة في آية التطهير قائمة على عدم دخول الزوجات في الآية.

ثالثاً: هذا كله، عدا عن وجود فرق بين هذه الآيات وآية التطهير، حيث بين رسول الله (صلى الله عليه وآله) مقصوده من «أهل البيت» في آية التطهير، وحصره في أهل الكساء، فإرادة الزوجة من الأهل في مورد، لا يلزم منه

الصفحة 185
أن تكون مرادة منه في مورد آخر حتى مع قيام القرينة على خروجها.

الدليل العاشر: لزوم اللغوية:

قال البعض: «إن هذه الآية (يعني آية التطهير) تدل على أن نساءه(صلى الله عليه وآله)، من أهل بيته، وإلا لم يكن لذكر ذلك في الكلام معنى»(1).

ونقول:

بل للآية معنى صحيح وسليم، حتى في صورة كون الزوجات لسن داخلات في مدلولها. وقد أوضحنا ذلك في أوائل هذا الكتاب، حيث الكلام حول انسجام السياق مع خروج الزوجات عن مفاد الآية.

بل إن خروج الزوجات عن مفاد الآية هو المتعين، الذي لا محيص عنه لوجود المنافاة بين لحن الخطاب معهن ولحن الخطاب مع «أهل البيت» (عليهم السلام). ولغير ذلك من قرائن، فراجع ما ذكرنا سابقاً.

السياسة الظالمة:

قد تقدم: أن عكرمة كان ينادي بنزول آية التطهير، في النساء في الأسواق، ويدعو إلى المباهلة في هذا الأمر.

ونحن وإن كنا لا نستغرب هذا الأمر من عكرمة المعروف بنصبه وبغضه لأمير المؤمنين وأهل بيته. وكان من الخوارج. ويذهب مذهبهم،

____________

(1) منهاج السنة ج4 ص21.


الصفحة 186
ويقول بقولهم.

لكننا نرى في موقفه دلالات أخرى أيضاً، لعل من أوضحها:

1 ـ إن نزول الآية في «أهل البيت» كان هو الشائع والمعروف في زمان عكرمة، الذي أراد أن يدفع ذلك، بكل وسيلة ولو بالمناداة بذلك في الأسواق، والدعوة إلى المباهلة.

2 ـ إن عكرمة لم يكن لديه دليل مقنع على نزول الآية في أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) سوى الإصرار الشديد، الذي يريد أن يدعمه بنوع من التخويف والتهويل، بهدف إلحاق الهزيمة النفسية بالطرف الآخر، الذي لابد أن يتزلزل يقينه، وهو يرى إنساناً بدعوته إلى المباهلة يعرض نفسه لغضب الله في هذا السبيل، حيث سيقول في نفسه: لو لم يكن هذا الشخص على يقين مما يقول لما دعا الناس إلى المباهلة، التي تستتبع عواقب خطيرة عليه.

3 ـ إن عكرمة كان ينادي في الأسواق بذلك، فهل كان يمكن لمن لا يرى رأيه أن يفعل الشيء نفسه لإثبات خلاف هذا الرأي؟!.

أم أن قيمة ذلك ستكون هي سفك دمه، لأنه سيتهم بالتشيع لعلي وآله، وما أعظمها من تهمة وما أشد الكوارث التي ستنزل بمن توجه إليه.

4 ـ إن هذا الفعل من عكرمة يشير إلى ان المناوئين لـ«أهل البيت» (عليهم السلام) يرون في قبول نزول الآية في «أهل البيت» (عليهم السلام) خطورة كبيرة، ربما للآثار التي تتركها على اعتقاداتهم ومواقفهم، ضد ومع «أهل البيت» (عليهم السلام).


الصفحة 187


الفصل الثالث

من أقوال ضعيفة إلى أدلة أضعف





الصفحة 188

الصفحة 189

بداية:

وبعد..

فإنه لم يبق أمامنا من الأقوال التي حاول الملتزمون بها إقامة الأدلة عليها سوى:

1 ـ القول بأن أهل بيته (صلى الله عليه وآله) هم بنو هاشم.

2 ـ القول بأن المراد بهم: أمة محمد (صلى الله عليه وآله)، أو خصوص المتقين منها.

ولسوف يتضح مما يأتي إن شاء الله: أن هذين القولين مع أدلتهما (كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً).

فإلى ما يلي من مطالب، والله هو الموفق والمسدد.

لا تشمل الآية بني هاشم:

قد استدلوا على شمول الآية لجميع بني هاشم: إما مع النساء، أو بدونهن، بما يلي:


الصفحة 190
1 ـ حديث زيد بن أرقم الآنف الذكر(1).

2 ـ حديث ابن عباس، الذي جاء فيه: إن الله قسم الخلق قسمين، فجعلني في خيرهما قسماً، إلى أن قال: ثم جعل القبائل بيوتاً: فجعلني في خيرها بيتاً؛ فذلك قوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)، فأنا وأهل بيتي مطهرون من الذنوب(2).

3 ـ رواية زيد بن أرقم حين سأله الحصين: «من أهل بيته؟ نساؤه؟

قال: لا وأيم الله، إن المرأة لتكون مع الرجل العصر من الدهر، ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها.

أهل بيته: أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده»(3).

____________

(1) استدل به الرستغني كما في تاريخ دمشق ج4 ص208 وهو اختيار ابن بدران أيضاً.

(2) الدر المنثور ج5 ص199 عن الحكيم الترمذي، والطبراني، وابن مردويه، وأبي نعيم في الدلائل، والبيهقي في الدلائل أيضاً. وفتح القدير ج4 ص280 وكتاب سليم بن قيس ص104 وشواهد التنزيل ج2 ص30 وكفاية الطالب ص377 والصواعق المحرقة ص142 وينابيع المودة ص15 وراجع إسعاف الراغبين (بهامش نور الأبصار) ص108 والعمدة لابن بطريق ص42 ومرقاة الوصول ص107 ومجمع البيان ج9 ص138.

(3) صحيح مسلم ج7 ص123 والصراط المستقيم ج1 ص185 وتيسير الوصول ج2 ص161 والبرهان في تفسير القرآن ج3 ص324 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص486 والطرائف ص122 والبحار ج35 ص230 وج23 ص117

=>


الصفحة 191
4 ـ صلاحية لفظ «أهل البيت» لشمول الزوجات، والآل، فهو عام فيهما؛ لأن المراد بـ «البيت» ما يشمل بيت السكن وبيت النسب(1).

ونقول:

بالنسبة لرواية زيد بن أرقم، نشير إلى أن الكنجي الشافعي قد سجل على قول زيد: المؤاخذات الثلاثة التالية:

1 ـ إن زيد بن أرقم قال: أهل بيت النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) من حرم الصدقة بعده (صلى الله عليه [وآله] وسلم). مع أن حرمان الصدقة لا يختص بما بعد وفاته (صلى الله عليه [وآله] وسلم)، بل يشمل زمان الحياة وبعد الوفاة.

2 ـ إن من حرموا الصدقة لا ينحصرون في المذكورين، فإن بني

____________

<=

والعمدة لابن البطريق ص35 والتفسير الحديث ج8 ص261 عن التاج الجامع للأصول ج3 ص308وص309 وخلاصة عبقات الأنوار ج2 ص64 عن دراسات اللبيب في الأسوة الحسنة بالحبيب ص227ـ231 وإحقاق الحق ج9 ص323 عن الجمع بين الصحيحين والصواعق المحرقة ص148 ونقل أيضاً عن جامع الأصول ج10 ص103.

(1) راجع تهذيب تاريخ دمشق ج4 ص208 عن الرستغني، والضحاك والزجاج وراجع: إسعاف الراغبين ص108 عن الزمخشري والبيضاوي والتسهيل لعلوم التنزيل ج3 ص137 والصواعق المحرقة ص141.


الصفحة 192
المطلب يشاركونهم في الحرمان.

3 ـ إن «آل الرجل غيره على الصحيح، فعلى قول زيد يخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) عن أن يكون من أهل البيت»(1).

ويرى البعض أن مراد الكنجي من هذه العبارة الأخيرة: أنه كما تخرج المرأة عن «البيت» بالطلاق بعد أن عاشت فيه دهراً، فكذلك الصهر يخرج عن «البيت» إذا انفصل عن البنت التابعة لذلك البيت، فإن الملاك في الموردين واحد. فيخرج علي (عليه السلام) عن كونه من «أهل البيت» كما تخرج الزوجات.

ونقول:

أما بالنسبة للنقطة الثانية الواردة في كلام الكنجي، وهي أن بني المطلب يشاركون المذكورين في الحرمان، فنقول: إن الظاهر هو أن هذا من مجعولات الشافعي حيث كان يزعم أنه مطلبي، فأراد إحكام دعواه بتسجيل هذا الامتياز لبني المطلب.

وأما بالنسبة للذي ذكروه من توجيه لكلام الكنجي في الفقرة الثالثة، فنقول: هو أيضاً توجيه في غير محله، فإن زيد بن أرقم قد نص على أن «أهل البيت»: هم الأصل والعصبة. وعلي (عليه السلام) من العصبة؛ فلا معنى للإيراد

____________

(1) راجع نص كلام الكنجي وملاحظاته المشار إليها في كفاية الطالب ص54 وخلاصة عبقات الأنوار ج2 ص67 و371.


الصفحة 193
من الكنجي على زيد بن أرقم بخروج علي (عليه السلام).

ولكن بعض المحققين قد أوضح عبارة الكنجي بنحوٍ آخر قد يقال: إنه هو الأقرب إلى الاعتبار، وحاصله:

أن علياً (عليه السلام) هو نفس النبي (صلى الله عليه وآله) بنص آية المباهلة، فيخرج عن مدلول الآية، لأن آل الرجل غيره، وهم أصله وعصبته، مع أن النبي (صلى الله عليه وآله)، ومن هو بمنزلته داخل فيها، كما هو معلوم عند معظم العلماء والمحققين..

وقد رد بعض الأخوة هذا التوجيه بأن المراد: أنه مثله في المزايا والكمالات، وهذا لا ينافي كونه من آله.. إذ ليس المراد من كونه نفسه: أنه عينه، ولذا رتب الشارع عليهما أحكام التعدد في الإرث والزوجية وسائر التكاليف. انتهى..

أما احتمال أن يكون قد حصل اشتباه كتابي، فكان يريد أن يكتب «رسول الله» فكتب «أمير المؤمنين».

فهو احتمال ضعيف في العادة، فلا محيص عن الأخذ بما تقدم.

ثم إننا نضيف إلى كلام الكنجي، ما يلي:

1 ـ إن تفسير زيد بن أرقم لـ«أهل البيت» على هذا النحو إنما هو اجتهاد منه، فإذا ثبت عن الرسول غير ذلك، فالمعيار هو كلام الرسول، لا

الصفحة 194
اجتهاد زيد، ولا غيره؛ إذ لا اجتهاد في قبال النص(1).

وقد ثبت: أن الرسول قد عين المراد من «أهل البيت»، كما ظهر من نصوص حديث الكساء الصحيح والمتواتر المتقدمة..

2 ـ لو كان كلام زيد صحيحاً، فقد كان على الرسول (صلى الله عليه وآله) أن يدخل في الكساء أيضاً عباساً، وأبناءه، وعقيلاً، وجعفراً، وغيرهم من أقاربه، ويمر على باب بيوتهم، ويقرأ الآية الكريمة.

3 ـ إن كون المراد بـ «البيت» هو «بيت النسب»، وأصل النبي (صلى الله عليه وآله) وعصبته. أو «بيت السكنى»، أو هما معاً، غير ظاهر؛ إذ قد تقدم: أن الصحيح، بملاحظة الآيات، وسياقها، والاستعمالات الواردة فيها: أن المراد هو بيت النبوة. وأعضاء هذا البيت إنما يعرفون من خلال الدلالة الإلهية بواسطة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، لأن الله هو الذي يعرف هؤلاء الذين استحقوا هذا المقام الرفيع بجهودهم وجهادهم (صلوات الله وسلامه عليهم).

وقد تقدم أنه (صلى الله عليه وآله) قد عينهم في أصحاب الكساء، والأئمة الأطهار (عليهم السلام).

ولو سلم أن المراد هو «بيت السكنى» فلابُد أن يكون هو البيت الخاص الذي جمع فيه النبي (صلى الله عليه وآله) أهل الكساء كما قلنا.

____________

(1) راجع الكلمة الغراء (مطبوع مع الفصول المهمة) ص215.


الصفحة 195
4 ـ إن زيد بن أرقم لم يكن بصدد بيان المراد من عبارة «أهل البيت» الواردة في آية التطهير، بل كان يفسر المراد من حديث الثقلين(1).

وهو وإن كان قد اشتبه في تفسيره له، لأجل ما ذكرناه آنفاً، إلا أنه يمكن أن يكون رأيه في المراد من «أهل البيت» في آية التطهير خلاف ذلك، خصوصاً مع إصراره هنا على أن كلمة «أهل البيت» لا تشمل النساء، فضلاً عن اختصاصها بهن لاسيما وهو يرى إصرار النبي (صلى الله عليه وآله) على تطبيق الآية على خصوص أهل الكساء. وقد استمر (صلى الله عليه وآله) يؤكد ذلك أشهراً عديدة. بل إلى أن توفي (صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين).

5 ـ أما حديث ابن عباس، حول جعل الله القبائل بيوتاً، فجعل نبيه (صلى الله عليه وآله) من خيرها بيتاً؛ فهو لا يدل على أن المراد بـ «أهل البيت» في آية التطهير جميع بني هاشم، أو جميع من حرموا الصدقة بعده (صلى الله عليه وآله) كما يدعيه زيد بن أرقم. بل هو كلام آخر، له سياقه الخاص به..

6 ـ إن حديث ابن عباس، ليس فقط لا ينافي حديث الكساء المتقدم، بل هو ينسجم معه ويؤكد مضمونه، فإن المراد به، أن هناك

____________

(1) راجع هذه الفقرة في تفسير القرآن العظيم ج3 ص486 والكلمة الغراء (مطبوع مع الفصول المهمة) ص215.


الصفحة 196
عناية ربانية في أن يكون النبي (صلى الله عليه وآله) من بيت شرف، وطهر، ومجد، وفضل؛ فإذ وجد لهذا النبي أهل بيت نبوة، بعد أن يصبح نبياً، وكانوا مطهرين من الذنوب، فذلك لا يكون على خلاف القاعدة، إذ أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد جعل من خير بيوت قريش، فلا غرو أن يكون أهل بيته الذين تربوا في حجر النبوة مطهرين أيضاً من الذنوب. فوجود أهل بيته إنما هو في طول وجوده كنبي، لا في عرضه.

7 ـ فليس المراد إذن، بـ «أهل البيت» جميع بني هاشم، لأن بني هاشم كان فيهم العالم والجاهل، والمؤمن والكافر، والفاسق والتقي. وإنما يراد بيان فضل جماعة خاصة أطلق عليهم القرآن عنوان أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله)، أي من حيث هو نبي، ومن حيث أن البيت بيت النبوة..

ولو كان العرق والقبيلة معياراً للزم أن يكون أبو لهب وأمثاله مطهرين أيضاً من الذنوب مع أن الأمر ليس كذلك.

وهذا يعني: أنه وإن كان لبيت القبيلة أثره الكبير، ولكنه ليس هو كل شيء، ولا بالنسبة إلى كل أحد؛ فلابد من الرجوع إلى النبي (صلى الله عليه وآله) ليخبرنا عن الطاهرين منهم، ويميزهم لنا عن غيرهم.

للتأييد فقط:

ويؤيد هذا المعنى، أن نوحاً (عليه السلام)، قال: (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ

الصفحة 197
أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ)(1) فابن نوح كان من أخص أقارب نوح (عليه السلام)، لكنه أخرجه الله عن كونه من أهله بسبب معصيته..

وهذا يدل على أن المعيار في كونه من أهله، ليس هو قرابته، وإنما هو عمله الصالح.

ومما يدل على أن العمل الصالح هو المعيار، ما روى حسن بن موسى بن علي الوشاء عن الإمام الرضا (عليه السلام) في حديث حول ابن نوح، أنه (عليه السلام) قال: كلا، لقد كان ابنه، ولكن لما عصى الله عز وجل نفاه عن أبيه، كذا من كان منا لم يطع الله عز وجل، فليس منا. وانت إذا أطعت الله عز وجل فأنت منا «أهل البيت» (2).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من اتقى الله منكم واصلح فهو منا «أهل البيت».

قال: منكم «أهل البيت»؟!.

قال: منا «أهل البيت»، قال فيها إبراهيم: فمن تبعني؛ فإنه مني الخ(3).

ولأجل ذلك قال النبي (صلى الله عليه وآله) عن سلمان الفارسي:

____________

(1) سورة هود الآيات 45/46.

(2) عيون أخبار الرضا ج2 ص232 والبحار ج49 ص218.

(3) تفسير العياشي ج2 ص231.


الصفحة 198
«سلمان منا أهل البيت»(1).

ولأجل ذلك أيضاً لم تكن زوجاته (صلى الله عليه وآله) اللواتي صدرت منهن بعض المخالفات العظيمة في حياته وبعد وفاته من «أهل البيت».

توجيه غير موفق لكلام ابن أرقم:

وقد حاول ابن كثير توجيه مراد زيد بن أرقم، باحتمال كون مقصوده:

أن المراد بـ «الأهل» ليس الأزواج فقط، بل هم مع آله. وهذا الاحتمال أرجح؛ جمعاً بين القرآن والأحاديث المتقدمة، إن صحت، فإن في بعض أسانيدها نظراً، والله أعلم(2).

ونقول:

إن هذا التوجيه غير وجيه وغير راجح، فإن الكلام الآخر لزيد بن أرقم، الذي أشار إليه ابن كثير لا ينافي قول زيد المذكور هنا، لأن نص

____________

(1) راجع: الاختصاص ص341 ونفس الرحمن ص29 و34 و35 و43 والبحار ج22 ص348 والطبقات الكبرى ج4 قسم1 ص59 ط ليدن وأسد الغابة ج2 ص331 وذكر أخبار أصبهان ج1 ص54 وتهذيب تاريخ دمشق ج6 ص200 ومستدرك الحاكم ج3 ص598 والمناقب لابن شهرآشوب ج1 ص85 وقاموس الرجال ج4 ص424 والدرجات الرفيعة ص218.

(2) تفسير القرآن العظيم ج3 ص486.


الصفحة 199
عبارته في ذلك الكلام هكذا:

قيل له: أليس نساؤه من أهل بيته؟!.

قال: نساؤه من أهل بيته، لكن أهل بيته من حرموا الصدقة بعده الخ.

فكلام زيد هذا لا ينفع ابن كثير، لإثبات إرادة الزوجات والأقارب في النسب. وذلك:

أولاً:

لأنه قد قرر بعد ذلك: أن المراد بـ «أهل البيت» هم من حرم الصدقة بعده (صلى الله عليه وآله)، ولا يصدق ذلك على الزوجات.

ثانياً:

الظاهر أن قوله: نساؤه من أهل بيته، استفهام إنكاري، قد حذفت منه أداة الاستفهام تخفيفاً، وليس إقراراً منه بأن النساء من «أهل البيت» أيضاً. لأنه قد عقبه بقوله: «ولكن»، الدالة على أن ما بعدها هو الصحيح، وإلا لكان الأصح أن يقول هكذا: «نساؤه من أهل بيته، وكذا من حرموا الصدقة بعده».

أو يقال: ـ كما ذكره بعض الأخوة ـ إنه يريد أن نساء النبي من أهل بيته بالمعنى العام جداً لعبارة «أهل بيت الرجل» ولكن آية التطهير لا

الصفحة 200
يقصد بها ذلك المعنى العام، بل المقصود بها من حرم الصدقة من بعده، أي أن زيداً يريد نفي صدق الآية على الزوجات، حتى لو صح إطلاق كلمة «أهل البيت» عليهن في الموارد الأخرى.. ولو كان مراده أن الزوجات من «أهل البيت» أيضاً لم يصح الاستدراك منه بكلمة «ولكن».

ثالثاً:

إن إرادة من عدا النساء لا ينافي القرآن، كما شرحناه وذكرنا دلائله وشواهده، الدالة على خروج النساء عن مفاد الآية، خصوصاً وأن ذلك قد ورد في كثير من النصوص الصحيحة والمتواترة عنه (صلى الله عليه وآله)، فدعوى: الحاجة إلى وجه الجمع الذي ذكره، لئلا يقع التنافي بين القرآن والأحاديث، ليست مقبولة.

ملاحظة:

إن تشكيكات ابن كثير في صحة روايات أحاديث الكساء غير مقبولة ولا معقولة، بعد أن كانت متواترة، كما أن روايتها موجودة في الصحاح، وغيرها بأسانيد صحيحة أيضاً. حتى لقد اعترف بصحتها من هو مثل ابن تيمية، المعروف بانحرافه عن علي (عليه السلام) وأهل بيته.

أضف إلى ذلك:

أن ابن كثير نفسه لم يستطع الصمود أمام الحقيقة، التي هي من الوضوح إلى درجة أدرك معها أن إنكارها سيكون على حساب سمعته ودرجة اعتباره، فاضطر إلى القول معقباً: «فإن في