الصفحة 244
الإيمان، فأقول: ابن عم النبي عليه السلام، وختنه على ابنته، وأحب الناس إليه، وصاحب سوابق مباركات، سبقت له من الله تعالى، لن تستطيع أنت ولا أحد من الناس أن يحظرها عليه، ولا يحول بينه وبينها، وأقول: إن كانت لعلي هناة فالله حسبه، والله ما أجد فيه قولاً أعدل من هذا.

قال عامر الشعبي: فأخذت بيد الحسن، فقلت يا أبا سعيد، أغضبت الأمير وأوغرت صدره، فقال: إليك عني يا عامر، يقول الناس عامر الشعبي عالم أهل الكوفة، أتيت شيطاناً من شياطين الأنس تكلمه بهواه، وتقاربه في رأيه، ويحك يا عامر، هلا اتقيت، إن سئلت فصدقت، أو سكت فسلمت. قال عامر: يا أبا سعيد، قد قلتها وأنا أعلم ما فيها، قال الحسن: فذاك أعظم في الحجة عليك، وأشد في التبعة.

قال: وبعث الحجاج إلى الحسن، فلما دخل عليه قال: أنت الذي تقول:

قاتلهم الله، قتلوا عباد الله على الدينار والدرهم، قال: نعم، قال: ما حملك على هذا؟ قال: ما أخذ الله على العلماء من المواثيق ليبيننه للناس ولا يكتمونه، قال: يا حسن، امسك عليك لسانك، وإياك أن يبلغني عنك ما أكره، فأفرق بين رأسك وجسدك (1).

وروى الغزالي (450 هـ‍/ 1058 م - 505 هـ‍/ 1111 م) (2) أن عمر بن هبيرة

____________

(1) الغزالي: إحياء علوم الدين 7 / 1255 - 1256 (دار الشعب - القاهرة 1970).

(2) الغزالي: هو الإمام زين الدين حجة الإسلام أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد، الطوسي بلداً، الشافعي مذهباً، ولد عام 450 أو 451 هـ‍(1058 / 1059 م) وتوفي في 14 جمادى الآخرة عام 505 هـ‍(18 ديسمبر عام 1111 م)، وقد تتلمذ الغزالي على إمام الحرمين عبد الملك الجويني (419 - 478 هـ‍)، وحضر مجلس الوزير نظام الملك، وزير السلطان السلجوقي، وظل عنده حتى أسند إليه منصب التدريس في المدرسة النظامية عام 484 هـ‍/ 1091 م، ثم اعتزل منصبه بعد أربع سنين، وساح في البلاد عشر سنوات يؤلف ويناظر ويرد على الفلاسفة، وفي هذه الفترة ألف كتابه إحياء علوم الدين، ثم عاد إلى طوس حيث صنف أشهر كتبه: الوسيط والبسيط والوجيز والخلاصة في الفقه، وله في أصول الفقه المستصفى والمنحول والمنتحل في علم الجدل، وله تهافت الفلاسفة ومحك النظر

=>


الصفحة 245
دعا بفقهاء أهل البصرة والكوفة والمدينة والشام وقرائها، فجعل يسألهم وجعل يكلم عامر الشعبي، فجعل لا يسأله عن شئ، إلا وجد عنده منه علماً، ثم أقبل على الحسن البصري فسأله، ثم قال: هما هذان، هذا رجل أهل الكوفة، يعني الشعبي، وهذا رجل أهل البصرة يعني الحسن.

فأمر الحاجب، فأخرج الناس، وخلا بالشعبي والحسن، فأقبل على الشعبي فقال: يا أبا عمرو، إني أمين أمير المؤمنين على العراق، وعامله عليها، ورجل مأمور على الطاعة، ابتليت بالرعية، ولزمني حقهم، فأنا أحب حفظهم، وتعهد ما يصلحهم، مع النصيحة لهم، وقد يبلغني عن أهل العصابة من أهل الديار الأمر، أجد عليهم فيه، فاقبض طائفة من عطائهم، فأضعه في بيت المال، وفي نيتي أن أرده عليهم، فيبلغ أمير المؤمنين أني قد قبضته على هذا النحو، فيكتب إلى أن لا ترده، فلا أستطيع رد أمره، ولا إنفاذ كتابه، وإنما أنا رجل مأمور على الطاعة، فهل علي في هذا تبعة، وفي أشباهه من الأمور، والنية فيها على ما ذكرت؟. قال الشعبي: فقلت: أصلح الله الأمير، إنما السلطان والد يخطئ ويصيب، قال: فسر بقولي وأعجب به، ورأيت البشر في وجهه، وقال: فلله الحمد.

ثم أقبل على الحسن البصري، فقال: ما تقول يا أبا سعيد؟ قال: قد سمعت قول الأمير، يقول: إني أمين أمير المؤمنين على العراق، وعامله عليها، ورجل مأمور على الطاعة، ابتليت بالرعية، ولزمني حقهم والنصيحة لهم،

____________

<=

ومعيار العلم والمقاصد والمضنون به على غير أهله والمقصد الأقصى في شرح أسماء الله الحسنى، ومشكاة الأنوار والمنقذ من الضلال وحقيقة القولين وغيرها. وأهم مصادر ترجمته (وفيات الأعيان 4 / 216 - 219، شذرات الذهب 4 / 10 - 13، طبقات السبكي 4 / 101، تبيين كذب المفتري ص 291 - 306، المنتظم 9 / 168، طبقات الحسيبي ص 69).

وهناك الكثير من الدراسات الحديثة عن الإمام الغزالي، منها: دراسات الدكتور سليمان دنيا:

الحقيقة في نظر الغزالي (دار المعارف - مصر)، كارادفو: الغزالي - ترجمة عادل زعيتر (القاهرة 1959) وكتاب مهرجان الغزالي في دمشق (1961)، مؤلفات الغزالي لعبد الرحمن بدوي (القاهرة 1961)، طه عبد الباقي سرور: الغزالي (سلسلة إقرأ - العدد 31 - يونية 1945).

الصفحة 246
والتعهد لما يصلحهم، وحق الرعية لازمة، وحق عليك أن تحوطهم بالنصيحة، وإني سمعت عبد الرحمن بن سمرة القرشي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من استرعى رعية فلم يحطها بالنصيحة، حرم الله عليه الجنة.

ويقول: إني ربما قبضت من عطائهم، إرادة صلاحهم واستصلاحهم، وأن يرجعوا إلى طاعتهم فيبلغ أمير المؤمنين أني قبضتها على ذلك النحو، فيكتب إلي أن لا ترده، فلا أستطيع رد أمره، ولا أستطيع إنفاذ كتابه، وحق الله ألزم من حق أمير المؤمنين، والله أحق أن يطاع، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فاعرض كتاب أمير المؤمنين على كتاب الله عز وجل، فإن وجدته موافقاً لكتاب الله فخذ به، وإن وجدته مخالفاً لكتاب الله فانبذه. يا ابن هبيرة:

إتق الله، فإنه يوشك أن يأتيك رسول من رب العالمين، يزيلك عن سريرك، ويخرجك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك، فدع سلطانك ودنياك خلف ظهرك، وتقدم على ربك، وتنزل على عملك.

يا ابن هبيرة: إن الله ليمنعك من يزيد، وإن يزيد لا يمنعك من الله، وإن أمر الله فوق كل أمر، وإنه لا طاعة في معصية الله، وإني أحذرك بأسه، الذي لا يرد عن القوم المجرمين.

فقال ابن هبيرة: إرجع عن ظلمك أيها الشيخ، وأعرض عن ذكر أمير المؤمنين، فإن أمير المؤمنين صاحب العلم، وصاحب الحكم، وصاحب الفضل، وإنما ولاه الله تعالى ما ولاه من أمر هذه الأمة، لعلمه به، وما يعلمه من فضله ونيته.

فقال الحسن: يا ابن هبيرة، الحساب من ورائك، سوط بسوط، وغضب بغضب، والله بالمرصاد، يا ابن هبيرة: إنك إن تلق من ينصح لك في دينك، ويحملك على أمر آخرتك، خير من أن تلقى رجلاً يغرك ويمنيك - فقام ابن هبيرة، وقد تبسر وجهه، وتغير لونه.


الصفحة 247
قال الشعبي: فقلت يا أبا سعيد، أغضبت الأمير، وأو غرت صدره، وحرمتنا معروفه وصلته، فقال إليك عني يا عامر.

قال: فخرجت إلى الحسن التحف والطرف، وكانت له المنزلة، واستخف بنا، وجفينا، فكان أهلاً لما أدي إليه، وكنا أهلاً أن يفعل بنا ذلك، فما رأيت مثل الحسن فيمن رأيت من العلماء، إلا مثل الفرس العربي بين المقارف، وما شهدنا مشهداً، إلا برز علينا، وقال لله عز وجل، وقلنا مقاربة له. قال عامر الشعبي: وأنا أعاهد الله، أن لا أشهد سلطاناً بعد هذا المجلس، فأحابيه (1).

ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الشعبي والحسن البصري لم يكونا من الشيعة، وربما كانا من أعدائهم - على الأقل في ظواهر الأمور - وهذه تقية واضحة، في وقت كانت الشيعة تتقبل الموت، دون البراءة من الإمام علي، أو الاعتراف بالكفر، وقتل كميل بن زياد النخعي في عام 82 هـ‍/ 701 م - كما قتل قنبر وغيرهما - من الشواهد على ذلك.

وانتهت الأمور بسقوط الدولة الأموية (41 هـ‍/ 661 م - 132 هـ‍/ 750 م) وقيام الدولة العباسية (132 هـ‍/ 750 م - 656 هـ‍/ 1258 م) وسرعان ما بدأت الشيعة من جديد تحس بالضغط يزيد، وبالقتل يستمر، وبالدولة الجديدة تقوى ويشتد ساعدها، فكان العود إلى التقية أمراً تتطلبه الظروف. وكان ذلك أيام بدأت الحركة العقلية تستغرق العالم الإسلامي في منتصف القرن الثاني الهجري، وجعلت الطوائف والفرق والنحل تتبين وتستقل، وتكون لها مبادئها، وتسندها بالحجج العقيلة والمنطقية، وهكذا وجد الشيعة أنفسهم مضطرين إلى التقية، فضلاً عن تأسيسها على أساس من المنطق والكلام، فبدأت الأحاديث تروى، والأخبار تترى، فرووا عن الإمام الصادق، عليه السلام، أقوالاً في التقية وتحبيذها، كما رووا عن الإمام محمد الباقر أنه قال: جعلت التقية ليحقن بها

____________

(1) الغزالي: إحياء علوم الدين 7 / 1256 - 1258 (دار الشعب - القاهرة 1970).

الصفحة 248
الدم، وإذا بلغ الدم فليس تقية وأنه قال: التقية ديني ودين آبائي، وهذا صحيح - كما أشرنا من قبل - لأن التقية دين القرآن، والقرآن دين النبي صلى الله عليه وسلم - جد الإمام الباقر، عليه السلام -.

ولعل من الأهمية بمكان الإشارة هنا إلى أن الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة - إنما استجاب للتحكيم - بعد خذلان أصحابه له في صفين - محافظة على نسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أن ينقطع (1).

3 - الرجعة:

ترى الشيعة الإمامية أن الله يرد قسماً من الأموات إلى الدنيا في صورهم التي كانوا عليها، فيعز فريقاً، ويذل فريقاً، ويديل المحقين من المبطلين، والمظلومين منهم من الظالمين (2).

وأما زمان الرجعة فهو عند قيام المهدي من آل محمد، ويقسم الشيخ المفيد الراجعين إلى الدنيا إلى فريقين، أحدهما: من علت درجته في الإيمان، وكثرت أعماله الصالحات، فيعزه الله، ويعطيه من الدنيا ما كان يتمناه.

وثانيهما: قد بلغ الغاية في الفساد، واقتراف السيئات، فيستنصر الله تعالى لمن تعدى عليه قبل الممات. ثم يصير الفريقان بعد ذلك إلى الموت والنشور (3).

على أن هناك وجهاً آخر للنظر، يقول الآلوسي في تفسيره: و تأول جماعة من الإمامية ما ورد من الأخبار في الرجعة على رجوع الدولة والأمر والنهي، دون رجوع الأشخاص، وإحياء الأموات (4).

وعلى أية حال، فالرجعة - كما يقول المظفر - ليست من الأصول التي

____________

(1) كامل الشيبي: المرجع السابق ص 242 - 243.

(2) المفيد: أوائل المقالات ص 50.

(3) نفس المرجع السابق ص 50.

(4) تفسير الآلوسي 6 / 315.

الصفحة 249
يجب الاعتقاد، والنظر إليها، وإنما اعتقادنا بها كان تبعاً للآثار الصحيحة الواردة عن آل البيت، الذين ندين بعصمتهم من الكذب، وهي من الأمور الغيبية التي أخبروا عنها، ولا يمتنع وقوعها (1).

ومن ثم فقد اختلف الشيعة في معنى الرجعة، بل إن فريقاً منهم أنكرها، ونفاها نفياً باتاً، و نقل هذا الاختلاف الطبرسي في مجمع البيان في تفسير آية النمل (رقم 83) قال تعالى: * (ويوم نحشر من كل أمة فوجاً من يكذب بآياتنا فهم يوزعون) *.

قال الطبرسي: استدل بهذه الآية على صحة الرجعة من ذهب إلى ذلك من الإمامية، ووجه الدلالة - بزعم هؤلاء - أن اليوم الذي يحشر الله فيه فوجاً من كل أمة، لا يمكن أن يكون اليوم الآخر بحال، لأن هذا اليوم يحشر فيه جميع الناس، لا فوج من كل أمة، لقول الله تعالى * (وحشرنا هم فلم نغادر منهم أحداً) * (2)، فتعين أن يكون الحشر في هذه الدنيا - وليس في الآخرة -.

وأما الذين أنكروا الرجعة من علماء الإمامية فقد قالوا: إن الحشر في الآية يراد به الحشر في اليوم الآخر، لا في هذه الحياة، والمراد بالفوج رؤساء الكفار والجاحدين، فإنهم يحشرون ويجمعون لإقامة الحجة عليهم.

ويقول الأستاذ مغنية: وهكذا يفيد كلام الشيخ الطبرسي أن علماء الإمامية لم يتفقوا بكلمة واحدة على القول بالرجعة (3)، وقد أشار الشيخ أبو زهرة إلى ذلك فقال: ويظهر أن فكرة الرجعة على هذا الوضع ليست أمراً متفقاً عليه عند إخواننا الاثني عشرية، بل فيهم فريق لم يعتقده (4)، ويقول السيد محسن الأمين:

____________

(1) المظفر: عقائد الإمامية ص 84.

(2) سورة الكهف: آية 48.

(3) محمد جواد مغنية: الشيعة في الميزان ص 54 - 55.

(4) محمد أبو زهرة: الإمام الصادق ص 240.


الصفحة 250
الرجعة أمر نقلي، إن صح النقل به، لزم اعتقاده، وإلا فلا (1)، ولو كانت الرجعة من أصول الدين أو المذهب عند الإمامية، لوجب الاعتقاد بها، ولما وقع بينهم الاختلاف فيها (2).

4 - المهدي:

كلمة المهدي اسم مفعول من هدى، يقال هداه الله الطريق أي عرفه ودله عليه، وبينه له، فهو مهدي، ولم ترد في القرآن كلمة المهدي، وإنما ورد المهتدي في قول الله تعالى: * (من يهدي الله فهو المهتد) * (3) كما ورد الهادي في قول الله تعالى: * (ولكل قوم هاد) * (4)، وقد جاء في كتب التفسير أن المنذر هو سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن الهادي هو علي بن أبي طالب، فلقد روى عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، رضي الله عنهما قال: لما نزلت * (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) * وقال: وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره، وقال: أنا المنذر، ولكل قوم هاد، وأومأ بيده إلى منكب علي، فقال: أنت الهادي يا علي، بك يهتدي المهتدون من بعدي.

وروى ابن أبي حاتم بسنده عن السدي عن عبد خير عن علي، ولكل قوم هاد، قال: الهادي رجل من بني هاشم، قال الجنيد: هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال ابن أبي حاتم: وروي عن ابن عباس في إحدى الروايات، وعن أبي جعفر محمد الباقر بن علي، نحو ذلك (5).

هذا وقد ورد في شعر حسان بن ثابت - شاعر الرسول الله صلى الله عليه وسلم - وصف النبي بالمهتدي:

____________

(1) السيد محسن الأمين: نقض الوشيعة ص 473. (ط 1951 م).

(2) محمد جواد مغنية: المرجع السابق ص 55.

(3) سورة الإسراء: آية 97.

(4) سورة الرعد: آية 7.

(5) تفسير ابن كثير 2 / 776، تفسير الطبري 16 / 357.

الصفحة 251

بأبي وأمي من شهدت وفاته * في يوم الاثنين النبي المهتدي

ووصفه بالهادي:

بالله ما حملت أنثى ولا وضعت * مثل النبي رسول الرحمة الهادي

ووصفه بالمهدي:

ما بال عيني لا تنام كأنما * كحلت مآقيها بكحل الأرمد
جزعاً على المهدي أصبح ثاوياً * يا خير من وطء الحصى لا تبعد (1)

هذا وقد وردت في بعض الأحاديث الشريفة كلمة المهدي وصفاً للإمام علي - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة - روى ابن الأثير في أسد الغابة بسنده عن أبي إسحاق عن زيد بن يثيع عن علي قال: قيل: يا رسول الله من يؤمر بعدك، قال.... وإن تؤمروا علياً - ولا أراكم فاعلين - تجدوه هادياً مهدياً، يأخذ بكم الصراع المستقيم (2).

وفي رواية إن تولوا علياً تجدوه هادياً مهدياً، يسلك بكم الطريق المستقيم (3).

وفي رواية عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن زيد بن يثيع عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن تستخلفوا علياً - وما أراكم فاعلين، تجدوه هادياً مهدياً، يحملكم على المحجة البيضاء (4) ولما استشهد مولانا الإمام الحسين بن علي، وصفه الصحابي الجليل، قائد التوابين بأنه مهدي ابن مهدي.

والكلمة في كل هذا بمعناها اللغوي الديني: رجل هداه الله فاهتدى، ثم

____________

(1) أحمد أمين: ضحى الإسلام 3 / 235 - 236 (القاهرة 1368 هـ‍/ 1949 م).

(2) ابن الأثير: أسد الغابة 4 / 112 (دار الشعب - القاهرة 1970)، مسند الإمام أحمد 1 / 108 - 109.

(3) الحافظ أبو نعيم الأصفهاني: حلية الأولياء وطبقات الأصفياء 1 / 64 (دار الفكر - بيروت).

(4) حلية الأولياء 1 / 64.

الصفحة 252
نراها تأخذ معنى جديداً، وهو إمام منتظر، يأتي فيملأ الأرض عدلاً، كما ملئت جوراً.

وأما عن المهدي المنتظر من آل البيت، فلقد شاءت إرادة الله سبحانه وتعالى، أنه كما كانت نجاة العالم من ظلمات الجاهلية على يد سيد أهل البيت سيدنا ومولانا وجدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وكان وجود أهل البيت في الأمة أماناً لهم من الخسف والنسف، فإن صلاح العالم في آخر الزمان إنما سيكون - بإذن الله تعالى - على يد المهدي الذي يصطفيه الله - سبحانه وتعالى - من أهل بيت النبي الطاهرين المطهرين، والذي تواترت الأحاديث واستفاضت عن خروجه في آخر الزمان، ليملأ الأرض عدلاً، كما ملئت جوراً، قال صلى الله عليه وسلم، المهدي منا، يختم الدين، كما فتح بنا. ورواه ابن حجر الهيثمي (1) في صواعقه.

وقال صاحب كتاب عون المعبود - شرح سنن أبي داود، عند أول كتاب المهدي: واعلم أن المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممر العصور: أنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل، من أهل البيت، يؤيد الدين، ويظهر العدل، ويتبعه المسلمون، ويستولي على الممالك الإسلامية، ويسمى بالمهدي.

____________

(1) ابن حجر الهيثمي: هو أحمد بن علي بن حجر الهيثمي السعدي الأنصاري، فقيه صوفي، وباحث مصري، ولد عام 909 هـ‍/ 1504 م في محلة أبي الهيثم - وإليها نسب - بمحافظة الغربية، درس في المسجد الأحمدي بطنطا، ثم انتقل عام 924 هـ‍للدراسة في الأزهر بالقاهرة، حيث درس على كبار علماء عصره، ثم أذن له بالإفتاء والتدريس وعمره دون العشرين، وفي عام 940 هـ‍انتقل إلى مكة، وكان فيها إماماً للحرمين يدرس ويفتي ويؤلف، وتوفي عام 974 هـ‍/ 1567 م، ودفن بالمصلاة بتربة الطبريين بمكة المكرمة، وأهم مصنفاته:

الصواعق المحرقة، ومبلغ الأرب، والجوهر المنظم، وتحفة المحتاج لشرح المنهاج في فقه الشافعية، والخيرات الحسان في مناقب أبي حنيفة النعمان، والفتاوى الهيثمية (في أربع مجلدات)، وشرح مشكاة المصابيح للتبريزي، والإمداد في شرح الإرشاد للمقري، والزواجر عن اقتراف الكبائر، والمنح المكية - شرح لهمزية البوصيري، (أنظر: دائرة المعارف الإسلامية 1 / 133، خلاصة الأثر 2 / 166، آداب اللغة 3 / 334، مقدمة الصواعق المحرقة ص 7 - 8).

الصفحة 253
ويكون خروج الدجال وما بعده - من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح - على أثره، وأن عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام ينزل من بعده، فيقتل الدجال، أو ينزل معه، فيساعده على قتله، ويأتم بالمهدي في صلاته.

وهذا وقد خرج أحاديث المهدي جماعة من الأئمة - منهم أبو داود (202 هـ‍/ 817 م - 275 هـ‍/ 888 م) وابن ماجة (209 هـ‍/ 824 م - 273 هـ‍/ 886 م) وأبو يعلى الموصلي (210 هـ‍/ 825 م - 307 هـ‍/ 1919 م) والترمذي (210 هـ‍/ 825 م - 279 هـ‍/ 892 م) والطبراني (260 هـ‍/ 873 م - 360 هـ‍/ 971 م) والحاكم (321 هـ‍/ 933 م - 404 هـ‍/ 1014 م).

وقد أسندوها إلى جماعة من الصحابة - من أمثال الإمام علي، وابن عباس، وابن عمر، وطلحة، وعبد الله بن مسعود، وعلي الهلالي، وعبد الله بن الحارث بن جزء، رضي الله عنهم أجمعين.

وإسناد أحاديث هؤلاء بين صحيح وحسن وضعيف.

وقد بالغ ابن خلدون في تاريخه في تضعيف أحاديث المهدي كلها، فلم يصب، بل أخطأ.

وقال صاحب تحفة الأحوذي - بشرح جامع الترمذي (باب ما جاء في المهدي) - بعد أن نقل ما ذكرناه آنفاً من عون المعبود - إن الأحاديث الواردة في المهدي كثيرة جداً، ولكنها أكثرها ضعاف.

ولا شك في أن حديث عبد الله بن مسعود، الذي رواه الترمذي في هذا الباب، لا ينحط عن درجة الحسن، وله شواهد كثيرة من بين حسان وضعاف، فحديث ابن مسعود هذا - مع شواهده وتوابعه - صالح للاحتجاج بلا مرية، وقد جاء فيه: عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه إسمي - ثم قال الترمذي: وفي

الصفحة 254
الباب عن علي وأبي سعيد وأم سلمة وأبي هريرة - وقال: هذا حديث حسن صحيح -.

وقال القاضي الشوكاني (1) وفي الفتح الرباني: الذي أمكن الوقوف عليه من الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر خمسون حديثاً، وثمانية وعشرون أثراً، ثم سردها مع الكلام عليها، ثم قال: وجميع ما سقناه بالغ حد التواتر، كما لا يخفى على من له فضل إطلاع (2).

وروى أبو داود في سننه عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم، لطول الله ذلك اليوم، حتى يبعث فيه رجلاً مني، أو من أهل بيتي يواطئ اسمه إسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً.

وقال صلى الله عليه وسلم - في حديث سفيان - لا تذهب أو لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي، ويواطئ اسمه إسمي.

وروى أبو داود بسنده عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: المهدي من عترتي من ولد فاطمة (3).

ورواه الحاكم في المستدرك، وقال: هو حق - يعني المهدي - وهو من بني فاطمة، وبطريق آخر قال: هو من ولد فاطمة (4).

____________

(1) القاضي الشوكاني: هو محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني، ولد في 28 ذي القعدة عام 1172 هـ‍في بلدة هجرة شوكان، وتوفي في 27 جمادى الآخرة سنة 1250 هـ‍، درس الفقه على علماء عصره في صنعاء، كما أخذ عنه كثيرون، وكان تفقهه على مذهب الإمام زيد، وبرع فيه وألف وأفتى، حتى صار قدوة فيه، وخلع ربقة التقليد، وتحلى بمنصب الاجتهاد (أنظر:

مقدمة كتابه نيل الأوطار - الجزء الأول - ص - دار الكتب العلمية - بيروت).

(2) أنظر: مؤلفات الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب - قسم الحديث - المجلد الثالث ص 234 - 235 (الرياض 1398 هـ‍/ 1978 م).

(3) سنن أبي داود 2 / 422، وانظر: الجامع الصغير للسيوطي 2 / 187.

(4) المستدرك للحاكم 4 / 557.

الصفحة 255
ورواه الذهبي في ميزان الاعتدال، وقال: المهدي من ولد فاطمة (1).

وذكره السيوطي في تفسير سورة محمد من كتابه الدار المنثور في التفسير بالمأثور، وقال: أخرجه أبو داود وابن ماجة والطبراني والحاكم عن أم سلمة (2).

وفي كنز العمال (3) عن علي عليه السلام قال: المهدي رجل منا، من ولد فاطمة، قال: أخرجه نعيم. وفي رواية: إبشري يا فاطمة، فإن المهدي منك، قال: أخرجه ابن عساكر عن الإمام الحسين عليه السلام (4).

وروى أبو داود بسنده عن أبي الطفيل عن علي رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لو لم يبق من الدهر، إلا يوم، لبعث الله رجلاً من أهل بيتي، يملؤها عدلاً، كما ملئت جوراً (5).

وروى مسلم في صحيحه بسنده عن سعيد بن يزيد عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، من خلفائكم خليفة يحثو المال حثياً، لا يعده عدداً - وفي رواية ابن حجر: يحثي المال (6).

وفي رواية عن أبي نضرة عن أبي سعيد وجابر بن عبد الله قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون في آخر الزمان خليفة، يقسم المال ولا يعده (7).

____________

(1) ميزان الاعتدال 2 / 24.

(2) فضائل الخمسة 3 / 331.

(3) كنز العمال 7 / 261.

(4) كنز العمال 6 / 218، وانظر أيضاً كنز العمال 7 / 259.

(5) سنن أبي داود 2 / 422.

(6) صحيح مسلم 18 / 39.

(7) صحيح مسلم 18 / 39.

الصفحة 256
وروى أبو داود بسنده عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المهدي مني، أجلي الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً، ويملك سبع سنين (1).

وفي رواية الحاكم في المستدرك المهدي من أهل البيت، أشم الأنف، أقنى أجلى، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت جوراً وظلماً، يعيش هكذا - وبسط يساره، وإصبعين من يمينه، المسبحة والإبهام وعقد ثلاثة - قال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه (2).

وفي رواية الإمام أحمد في المسند بسنده عن أبي سعيد الخدري قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي، أجلى أقنى، يملأ الأرض عدلاً، كما ملئت قبله ظلماً، يكون سبع سنين (3).

وفي تحفة الأحوذي عن أبي سعيد قال: خشينا أن يكون بعد نبينا حدث، فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن من أمتي المهدي، يعيش خمساً أو سبعاً أو تسعاً - زيد هو الشاك - قال: قلنا؟ وما ذاك؟ قال: سنين، فيجئ إليه الرجل، فيقول: يا مهدي أعطني، فيحثي له في ثوبه، ما استطاع أن يحمله (4).

وروى الحاكم في المستدرك (5) على الصحيحين بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض ظلماً وجوراً أو عدواناً، ثم يخرج من أهل بيتي، من يملأها قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وعدواناً - قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.

____________

(1) سنن أبي داود 2 / 422، وانظر: الجامع الصغير للسيوطي 2 / 187.

(2) المستدرك للحاكم 4 / 557.

(3) مسند الإمام أحمد 3 / 17، وانظر: عون المعبود بشرح سنن أبي داود 11 / 375.

(4) تحفة الأحوذي 6 / 487 (باب ما جاء في المهدي).

(5) المستدرك 4 / 557.

الصفحة 257
وروى الحافظ أبو نعيم في الحلية بسنده عن أبي الصديق عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لتملأن الأرض ظلماً وعدواناً، ثم ليخرجن من أهل بيتي أو قال من عترتي - من يملؤها قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وعدواناً (1).

وروى الترمذي في صحيحه بسنده عن عاصم بن بهدلة عن زر عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي (2).

ورواه الإمام أحمد في المسند بعدة روايات (3) - كما رواه الخطيب البغدادي في تاريخه (4).

وفي كنز العمال: يخرج رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه إسمي، وخلقه خلقي، فيملأها عدلاً وقسطاً، كما ملئت ظلماً وجوراً - قال: أخرجه الطبراني عن ابن مسعود (5).

وفي ذخائر العقبى للمحب الطبري عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم، لطول الله ذلك اليوم، حتى يبعث رجلاً من ولدي، اسمه كإسمي، فقال: سلمان: من أي ولدك يا رسول الله؟ قال: من ولدي هذا، وضرب بيده على الحسين عليه السلام (6).

وفي المنتقى: عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يخرج في آخر الزمان

____________

(1) حلية الأولياء 3 / 101 - 102.

(2) صحيح الترمذي 2 / 36.

(3) مسند الإمام أحمد 1 / 376، 377، 430، 448.

(4) تاريخ بغداد 4 / 388.

(5) كنز العمال 7 / 188.

(6) ذخائر العقبى ص 136.

الصفحة 258
رجل من ولدي، اسمه كإسمي، كنيته كنيتي، يملأ الأرض عدلاً، كما ملئت جوراً، فذلك هو المهدي (1).

وفي المنتقى عن علي أنه نظر إلى الحسن فقال: سيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم، يشبهه في الخلق، ولا يشبهه في الخلق، يملأ الأرض قسطاً (2).

غير أن هناك روايات أخرى تجعل المهدي من ولد مولانا الإمام الحسين، فلقد روي عن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر عن أبيه عن جده الإمام علي بن الحسين عليه السلام: أنه سئل عن المهدي، فقال: هو من ولدي (3).

ويقول ابن تيمية (1661 - 728 هـ‍/ 1263 - 1328 م): وقول أمير المؤمنين (الإمام علي - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة) في أنه حسني لا حسيني صريح، ذلك لأن الحسن والحسين مشبهان من بعض بإسماعيل وإسحاق عليهما السلام، وإن لم يكونا نبيين، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذهما بقوله أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة، ويقول: إن إبراهيم كان يعوذ بهما إسماعيل وإسحاق، وكان إسماعيل هو الأكبر والأحلم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب على المنبر -

____________

(1) الذهبي: المنتقي ص 533، ثم يقول: الأحاديث التي يحتج بها على خروج المهدي صحيحة، رواها أحمد وأبو داود والترمذي، منها حديث ابن مسعود مرفوعاً لو لم يبق من الدنيا، إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت جوراً وظلماً.

وأخرجه أبو داود الترمذي من حديث أم سلمة، وفيه المهدي من عترتي، من ولد فاطمة، ورواه أبو داود عن طريق أبي سعيد، وفيه يملك الأرض سبع سنين، وأما حديث لا مهدي إلا عيسى بن مريم فضعيف، فلا يعارض هذه الأحاديث (المنتقى ص 533 - 534).

(2) المنتقى ص 34، وانظر: سنن أبي داود 4 / 423 - 424.

(3) الداعي إدريس بن عماد: تاريخ الخلفاء الفاطميين بالمغرب - تحقيق محمد اليعلاوي - بيروت 1985 ص 42.

الصفحة 259
وإن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين (1).

فكما أن غالب الأنبياء كانوا من ذرية إسحاق، فهكذا كان غالب السادة الأئمة من ذرية الحسين، وكما أن خاتم الأنبياء الذي طبق أمره مشارق الأرض ومغاربها، كان من ذرية إسماعيل، فكذلك الخليفة الراشد المهدي - الذي هو آخر الخلفاء - يكون من ذرية الحسن (2).

وهكذا نرى أن المهدي ليس من اختراع الشيعة الإمامية أو الكيسانية - كما يزعم الزاعمون - وإنما هو من أقوال المعصوم - صلى الله عليه وسلم - وأن علماء السلف من أهل السنة، قد تنبأوا به.

روي عن عبد الله بن عباس (ت 68 هـ‍687 م - أو 69 هـ‍688 م - أو 70 هـ‍/ 689) أنه قال: لو لم يبق إلا يوم وليلة من الدنيا، لخرج فيها المهدي (3).

وعن محمد بن سيرين (33 - 110 هـ‍/ 653 - 729 م) (4)، أنه قال:

المهدي يعدل نبياً.

وعن مجاهد (21 - 104 هـ‍/ 642 - 722 م) (5)، بإسناده يرفعه، وذكر

____________

(1) صحيح البخاري 4 / 249، 5 / 32.

(2) ابن تيمية: رسالة فضل أهل البيت وحقوقهم - تعليق أبي تراب الظاهري - جدة 1984 ص 47.

(3) الداعي إدريس بن عماد: المرجع السابق ص 45.

(4) أنظر عن ابن سيرين (الطبقات الكبرى 7 / 193 - 206، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 3 / 280 - 281، حلية الأولياء 2 / 263 - 282، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 69 - 70 تاريخ بغداد 5 / 331 - 338، تذكرة الحفاظ ص 77 - 78، تهذيب التهذيب لابن حجر 9 / 214 - 217، مرآة الجنان لليافعي 1 / 232 - 234، شذرات الذهب 1 / 138، الأعلام للزركلي 7 / 25، الفهرست لابن النديم ص 316).

(5) أنظر عن مجاهد (الطبقات الكبرى 5 / 466 - 467، حلية الأولياء 3 / 279 - 310، الإرشاد لياقوت 6 / 242 - 243، ميزان الاعتدال للذهبي 3 / 9، تذكرة الحافظ ص 92 - 93، التهذيب

=>


الصفحة 260
أخبار بمكان يكون، ثم قال: يبعث قائم آل محمد في عصابة، لهم أدق في أعين الناس من الكحل، يفتح الله عليه مشارق الأرض ومغاربها، ألا وهم المؤمنون حقاً ألا وإن خير الجهاد في آخر الزمان (1).

ولعل من الأهمية بمكان الإشارة هنا إلى أنه لم ترو أحاديث عن المهدي في صحيحي البخاري ومسلم، ولكن أخرجها أئمة آخرون في الحديث - كالترمذي وأبي داود والحاكم وابن ماجة - وهي أحاديث مسندة إلى الإمام علي وابن عباس وابن عمر وطلحة وابن مسعود وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وأم سلمة.

ومن ثم فإن عدم إخراج البخاري - أو مسلم - لأحاديث المهدي، جعل أهل السنة يختلفون في الاعتقاد بالمهدية، فلا يشير إليه الإيجي في مواقفه ولا التفتازاني فيما ذكره من علامات الساعة (2). وقد جرح ابن خلدون رواة أحاديث المهدي في مقدمته (3)، ومع ذلك فإنه يقول: إن جماعة من الأئمة خرجوا أحاديث المهدي - ومنهم الترمذي وأبو داود والبزاز وابن ماجة والحاكم والطبراني وأبو يعلى الموصلي - وأسندوها إلى جماعة من الصحابة - مثل علي وابن عباس وابن عمر وطلحة وابن مسعود وأبي هريرة وأنس وأبي سعيد الخدري وأم سلمة وثوبان وقرة بن إياس وعلي الهلالي وعبد الله بن الحارث بن جزء - بأسانيد قد يعرض لها المنكر.

ثم يحاول ابن خلدون تضعيف الأحاديث التي وردت في المهدي، ثم

____________

<=

لابن حجر، 10 / 42 - 744 الأعلام للزركلي 6 / 161، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 45، المعارف لابن قتيبة ص 227، الفهرست لابن النديم ص 33، الرجال للقيسراني ص 510).

(1) الداعي إدريس بن عماد: المرجع السابق ص 46.

(2) أحمد صبحي: نظرية الإمامة لدى الشيعة الاثني عشرية - دار المعارف - القاهرة 1969 ص 403 - 404.

(3) مقدمة ابن خلدون ص 311 - 330 (دار القلم - بيروت 1981).