الصفحة 261
يقول: وما أورده أهل الحديث من أخبار المهدي قد استوفيناه قدر طاقتنا، والحق الذي ينبغي أن يتقرر لديك: أنه لا تتم دعوة في الدين والملك، إلا بوجود شوكة عصبية، تظهره وتدافع عنه من يدفعه، حتى يتم أمر الله فيه. وقد قررنا ذلك بالبراهين القطعية، وعصبية الفاطميين - بل وقريش أجمع - قد تلاشت من جميع الآفاق، ووجد أمم آخرون قد استعلت عصبيتهم على عصبية قريش، إلا ما بقي بالحجاز في مكة وينبع بالمدينة من الطالبين، من بني الحسن وبني الحسين وبني جعفر، وهم منتشرون في تلك البلاد، وغالبون عليها، وهم عصائب بدوية متفرقون في مواطنهم وإماراتهم وآرائهم يبلغون الآفاق من الكثرة، فإن صح ظهور هذا المهدي، فلا وجه لظهور دعوته، إلا بأن يكون منهم، ويؤلف الله بين قلوبهم في إتباعه، حتى تتم له شوكة وعصبية وافية، بإظهار كلمته وحمل الناس عليها.

وأما على غير هذا الوجه، مثل أن يدعو فاطمي منهم إلى مثل هذا الأمر في أفق من الآفاق من غير عصبية ولا شوكة، إلا مجرد نسبة في أهل البيت، فلا يتم ذلك، ولا يمكن، لما أسلفناه من البراهين الصحيحة (1).

وفي العصر الحديث نرى الأستاذ أحمد أمين في ضحى الإسلام، والنشاشيبي في الإسلام الصحيح، يعدون أحاديث المهدي من الأساطير، كما عده سعد محمد حسن أثراً من آثار الشيعة، التي تسربت إلى أهل السنة، وعملت العقلية السنية فيها بالصقل والتهذيب.

غير أن موقف هؤلاء الباحثين، إنما هو قائم على الزمن من ناحية، حيث مر أربعة عشر قرناً على ظهور الإسلام، وعلى التفكير الوضعي الحديث، الذي ينكر الحكم الثيوقراطي (الديني) من أساسه، من ناحية أخرى، غير أن هذا لا ينفي أنها كانت، وربما لا تزال، عقيدة في قلوب الكثيرين، وأنه في عهود الظلم

____________

(1) مقدمة ابن خلدون ص 311 - 312، 327 - 328.

الصفحة 262
والاضطراب السياسي والاجتماعي والديني والأخلاقي يتعلق الناس بفكرة مخلص مصلح ينتظرون خروجه وظهوره.

وقد شاع هذا الاعتقاد في انتظار المهدي عند بعض أهل السنة، وإن لم يتقرر كأصل من أصول العقيدة، كما هو الحال لدى الشيعة، بعد أن تحدث فيه بعض علمائهم كالنكنجي الشافعي في كتابه البيان في أخبار أصحاب الزمان والسيوطي في كتابه العرف الوردي في أخبار المهدي، وابن حجر العسقلاني في كتاب القول المختصر في علامات المهدي المنتظر، ويوسف بن يحيى الدمشقي في عقد الدرر في أخبار الإمام المنتظر، الأمر الذي يشير بوضوح إلى أن عقيدة المهدي قد شغلت جزءاً كبيراً وهاماً من تفكير أهل السنة - جمهورهم وعلمائهم - فضلاً عما أسهم به الصوفية في نشر عقيدة المهدي هذه، ومن المعروف أن للصوفية أثراً بالغاً في جمهور المسلمين.

ولقد شارك في الاعتقاد بالمهدية فريق من أهل السنة، كان أحرى بحكم عدائه التقليدي للشيعة أن يستنكر عقيدة المهدي، استنكاره لسائر عقائد الشيعة - وأعني به الإمام ابن تيمية زعيم المذهب السلفي - ولكن ابن تيمية إنما يعتقد بصحة الحديث الذي رواه ابن عمر (1).

يقول ابن تيمية: فأما المهدي الذي بشر به النبي صلى الله عليه وسلم، فقد رواه أهل العلم العالمون بأخبار النبي صلى الله عليه وسلم، الحافظون لها، الباحثون عنها، وعن رواتها، مثل أبي داود والترمذي وغيرهما، ورواه الإمام أحمد في مسنده.

فعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم، لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله رجلاً من أهل بيتي، يواطئ اسمه إسمي، واسم أبيه اسم أبي، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً.

____________

(1) أحمد صبحي: المرجع السابق ص 404 - 405.

الصفحة 263
وروى في هذا المعنى من حديث أم سلمة وغيرها، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: المهدي من ولد ابني هذا، وأشار إلى الحسن (1).

على أن الزيدية من الشيعة إنما ترى أن المهدية لا تنفصل في مفهومها عن الإمامة ذاتها، فكل فاطمي شجاع، عالم زاهد، يخرج بالسيف، يدعو إلى الحق، فهو إمام ومهدي في آن واحد، دون اعتقاد في المهدية بالمفهوم الذي يفيد انتظار محرر أو مخلص مبعوث من الله، وكل أئمة الزيدية، كزيد وولده يحيى ومحمد النفس الزكية مهديون (2).

5 - البداء:

اتفق المسلمون بكلمة واحدة على جواز النسخ ووقوعه في الشريعة الإسلامية، ومعناه في اصطلاح المفسرين وأهل التشريع، أن الله يشرع حكماً كالوجوب أو التحريم، ويبلغه نبيه، وبعد أن يعمل النبي وأمته بموجبه، يرفع الله هذا الحكم وينسخه، ويجعل في مكانه حكماً آخر، لانتهاء الأسباب الموجبة للحكم الأول وبقاء استمراره، وهذا النوع من النسخ ليس بعزيز، فإنه موجود في الشرائع السماوية والوضعية ولقد استدل المسلمون على جوازه ووقوعه بأدلة، منها أن الصلاة كانت في بدء الإسلام لجهة بيت المقدس، ثم نسخت وتحولت إلى جهة البيت الحرام (3)، قال تعالى: * (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) * (4).

واتفق المسلمون كذلك على عدم جواز النسخ في الطبيعيات، لأنه يستلزم

____________

(1) ابن تيمية: رسالة فضل أهل البيت وحقوقهم ص 46.

(2) أحمد صبحي: المرجع السابق ص 405.

(3) الشيعة في الميزان ص 52.

(4) سورة البقرة: آية 144.

الصفحة 264
الجهل وتجدد العلم لله، وحدوثه بعد نفيه عنه - تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً - ويسمى هذا البداء الباطل، وقد نسبه البعض إلى الإمامية جهلاً أو تجاهلاً، رغم إنكارهم له، روى الشيخ الصدوق في كتاب إكمال الدين وإتمام النعمة عن الإمام جعفر الصادق، رضوان الله عليه، أنه قال: من زعم أن الله عز وجل، يبدو له في شئ لم يعلمه أمس، فابرأوا منه (1).

وقال السيد محسن العاملي في كتابه نقض الوشيعة: أجمع علماء الإمامية في كل عصر وزمان، على أن البداء بهذا المعنى باطل، ومحال على الله تعالى، لأنه يوجب نسبة الجهل إليه تعالى، وهو منزه عن ذلك، تنزيهه عن جميع القبائح، وعلمه محيط بجميع الأشياء، إحاطة تامة، جزئياتها وكلياتها، لا يمكن أن يخفى عليه شئ، ثم يظهر له (2).

على أن المسلمين جميعاً - بعد أن نفوا البداء بهذا المعنى - أجازوا بداء لا يستدعي الجهل، وحدوث العلم لذات الله، وهو أن يزيد الله في الأرزاق والأعمار، أو ينقص منها، بسبب أعمال العبد، قال الشيخ المفيد في أوائل المقالات (باب القول في البداء والمشيئة): البداء عند الإمامية هو الزيادة في الآجال والأرزاق، والنقصان منها بالأعمال (3).

وقد اعتمد المفيد في هذا على قول الله تعالى: * (وقال ربكم أدعوني أستجب لكم) *، وروى الترمذي في سننه (باب لا يرد القضاء إلا الدعاء) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر، إلا البر (5).

وانطلاقاً من كل هذا، فلقد اتفق المسلمون - شيعة وسنة - على أن أية

____________

(1) الشيعة في الميزان ص 53.

(2) السيد محسن الأمين: نقض الوشيعة ص 515 (ط 1951).

(3) الشيعة في الميزان ص 53.

(4) سورة غافر: آية 60.

(5) أنظر: السيد الخوئي: البيان في تفسير القرآن ص 277.

الصفحة 265
صفة تستدعي الجهل، وتجدد العلم، فهي منفية عن الله سبحانه وتعالى، بحكم العقل والشرع، سواء عبرنا عنها بالبداء أو بلفظ آخره، ومن ثم فليس صحيحاً أن الشيعة قد أجازوا البداء على الله، دون السنة، لأن المفروض أن البدء المستلزم للجهل باطل عند الفريقين، والبداء بمعنى الزيادة أو النقصان في الأرزاق والآجال، جائز عند الفريقين.

هذا إلى أن الشيعة الإمامية إنما تتشدد كثيراً عن الفرق الأخرى في صفات الباري سبحانه، وبالغوا كثيراً في تنزيهه عن كل ما فيه شائبة الجهل والظلم والتجسيم والعبث وما إليه، فلم يجيزوا على الله ما أجازه الأشاعرة وغيرهم، الذين قالوا: إن الخير والشر من الله، وأنه سبحانه يكلف الإنسان بما لا يطاق، وأنه - تعالى علواً كبيراً - يأمر بما يكره وينهى عما يحب، كما أن الإمامية نفوا عن الله تعالى التجسيم (1)، الذي قال به الحنابلة.

6 - الجفر:

الجفر: في الأصل ولد الشاة، إذا عظم واستكرش، ثم أطلق على إهاب الشاة، وقد قالوا: إن الجفر صار يطلق على نوع من العلم، لا يكون بالتقي والدراسة، ولكن يكون من عند الله تعالى، بوصية من النبي صلى الله عليه وسلم، أو نحو ذلك (2).

وقال بعض كتاب الشيعة الإمامية المحدثين: وعلم الجفر، هو علم الحروف التي تعرب به الحوادث إلى انقراض العالم، وجاء عن الإمام جعفر الصادق: أن عندهم الجفر، وفسره بأنه: وعاء من أدم فيه علم النبيين، وعلم

____________

(1) أنظر: ابن تيمية: العقيدة الواسطية ص 136 (ط 1957 مع الرسائل التسع)، الجزء الثامن كتاب المواقف للإيجي، وشرحه للجرجاني، الجزء الثاني من كتاب الفروق للقرافي، المذاهب الإسلامية للشيخ محمد أبو زهرة.

(2) أبو زهرة: الإمام الصادق ص 33.

الصفحة 266
العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل، وجاء عنهم الشئ الكثير عن الجفر، وإنا - وإن لم نعرف هذا العلم والتصرف - نعرف من هاتيك الأحاديث التي ذكرت عن الجفر، أنه من مصادرهم، وأن هذا العلم شريف، منحهم الله تعالى إياه (1).

هذا وقد اختلف القائلون بوجود الجفر في تفسير معناه، فمن قائل: بأنه نوع من علم الحروف تستخرج به معرفة ما يقع من الحوادث في المستقبل.

على أن هناك وجهاً آخر للنظر، يذهب أصحابه إلى أن الجفر: كتاب من جلد، فيه بيان الحلال والحرام، وأصول ما يحتاج إليه الناس من الأحكام التي فيها صلاح دينهم ودنياهم، وعلى هذا، فلا يمت الجفر إلى الغيب بصلة (2).

هذا ويذهب الشريف الجرجاني - من علماء الأحناف - إلى أن الجفر والجامعة كتابان لعلي، رضي الله عنه، وقد ذكر فيهما على طريقة علم الحروف الحوادث إلى انقراض العالم، وكان الأئمة المعروفون من أولاده يعرفونهما، ويحكمون بهما (3).

وفي نفس الوقت، يقول السيد محسن الأمين - وهو من علماء الإمامية - في كتابه نقض الوشيعة: ليس الجفر علماً من العلوم - وإن توهم ذلك كثيرون - ولا هو مبني على جداول الحروف، ولا ورد به خبر، ولا رواية.

ثم يقول: غير أن الناس إنما توسعوا في تفسيره، وقالوا فيه أقاويل لا تستند إلى مستند، شأنهم في أمثال ذلك (4).

ويقول نفس المؤلف في كتاب آخر له - أعيان الشيعة - الظاهر من الأخبار

____________

(1) السيد حسين المظفري: الإمام الصادق 1 / 109.

(2) محمد جواد مغنية: الشيعة في الميزان ص 56.

(3) الجرجاني: كتاب المواقف وشرحه 6 / 22.

(4) السيد محسن الأمين: نقض الوشيعة ص 259.

الصفحة 267
أن الجفر كتاب فيه العلوم النبوية، من حلال وحرام، وما يحتاج إليه الناس في أحكام دينهم، وصلاح دنياهم (1).

وهكذا إنما يبدو غريباً أن ينفي عالم الشيعة، الجفر بمعنى علم الغيب عن أهل البيت، ويثبته علم من أعلام الأحناف، ويقول: وعندهم علم ما يحدث إلى انقراض العالم (2).

ومن ثم فليس صحيحاً، ما ذهب إليه البعض - ومنهم العلامة أبو زهرة - من أن الجفر من اختصاص الشيعة الإمامية، بل وينسبون إليهم الزعم بأن أهل البيت يستخرجون منه علم الغيب، ذلك لأن هناك من الفرق الإسلامية - من غير الإمامية - من يدعون ذلك، ثم ينسبونه إلى الإمامية للتشنيع عليهم (3).

والجفر - كما يقول الأستاذ أحمد مغنية - وحقيقته، على كثرة الأخبار التي وردت به، والأحاديث التي حدثت عنه، لا يزال أمره غامضاً، وأن العلماء الأقدمين لم يقفوا فيه على حقيقة يطمئنون إليها (4).

وعلى أية حال، فمسألة الجفر - كما يقول الأستاذ محمد جواد مغنية في كتابه الشيعة في الميزان - ليست من أصول الدين، ولا المذهب، عند الإمامية، وإنما هي أمر نقلي، تماماً كمسألة الرجعة، يؤمن بها من تثبت عنده، ويرفضها إذا لم تثبت، وهو في الحالين مسلم سني - إن كان سنياً - ومسلم شيعي - إن كان شيعياً -.

والخلاصة أن الإمامية يدينون بأن الإمامة تكون بالنص - وليس بالانتخاب - وأن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم، إنما قد نص صراحة على علي بن أبي

____________

(1) السيد محسن الأمين: أعيان الشيعة 1 / 246 (بيروت 1960 م).

(2) الشيعة في الميزان ص 57.

(3) الشيعة في الميزان ص 57.

(4) أحمد مغنية: الإمام جعفر الصادق ص 208. محمد أبو زهرة: الإمام الصادق ص 36.

الصفحة 268
طالب، وإنهم يوجبون العصمة للإمام، وينفون عنه علم الغيب، ويقولون بالتقية عند خوف الضرر، وينفون - متفقين - صفة البداء عن الله، المستلزمة للجهل، وحدوث العلم، ويختلفون في الرجعة (1).

7 - مصحف فاطمة:

ينسب إلى الشيعة الإمامية القول بأن عند سيدة نساء العالمين - السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام - مصحفاً فيه زيادات عن هذا القرآن الكريم الذي بين أيدي المسلمين.

ولعل من الأهمية بمكان الإشارة - بادئ ذي بدء - إلى أن القرآن الكريم، كتاب الله الذي * (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) * (2)، نزل على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، منجماً في ثلاث وعشرين سنة، حسب الحوادث، ومقتضى الحال (3).

وكانت الآيات والسور تدون ساعة نزولها، إذ كان المصطفى صلى الله عليه وسلم، إذا ما أنزلت عليه آية أو آيات قال: ضعوها في مكان كذا... من سورة كذا، فقد

____________

(1) الشيعة في الميزان ص 57.

(2) سورة فصلت: آية 42.

(3) نزل القرآن منجماً فيما بين عامي 13 قبل الهجرة، عام 11 هجرية (610 - 632 م) لأسباب منها (أولاً) تثبيت قلب النبي صلى الله عليه وسلم، أمام أذى الكافرين، ومنها (ثانياً) التلطف بالنبي صلى الله عليه وسلم، عند نزول الوحي، ومنها (ثالثاً) التدرج في تشريع الأحكام السماوية ومنها (رابعاً) تسهيل حفظ القرآن وفهمه على المسلمين، ومنها (خامساً) مسايرة الحوادث والوقائع والتنبيه عليها في حينها، ومنها (سادساً) الإرشاد إلى مصدر القرآن، وأنه تنزيل الحكيم الحميد (أنظر: محمد عبد الله دراز:

مدخل إلى القرآن الكريم ص 33، محمد سعيد رمضان: من روائع القرآن ص 36 - 41، محمد علي الصابوني: التبيان في علوم القرآن ص 40 - 49)، ومنها (سابعاً) أن العرب كانوا أمة أمية، والكتابة ليست فيهم رائجة، بل يندر فيهم من يعرفها، وأندر منه من يتقنها، فما كان في استطاعتهم أن يكتبوا القرآن كله، إذا نزل جملة واحدة، إذ يكون بسوره وآياته عسيراً عليهم أن يكتبوه، وإن كتبوه لا يعدموا الخطأ والتحريم و التصحيف (محمد أبو زهرة: القرآن ص 23 - 24).

الصفحة 269
ورد أن جبريل عليه السلام، كان ينزل بالآية أو الآيات على النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول له: يا محمد، إن الله يأمرك أن تضعها على رأس كذا من سورة كذا.

ومن ثم فقد اتفق العلماء على أن جمع القرآن توقيفي، بمعنى أن ترتيبه بهذه الطريقة التي نراه عليها اليوم في المصاحف، إنما هو بأمر ووحي من الله تعالى (1).

وهكذا تمر الأيام برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو على هذا العهد، يأتيه الوحي نجماً بعد نجم، وكتابه يسجلونه آية بعد آية (2)، حتى إذا ما كمل التنزيل، وانتقل الرسول الأعظم، سيدنا ومولانا وجدنا محمد رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم، إلى الرفيق الأعلى، كان القرآن كله مسجلاً في صحف، وإن كانت مفرقة، لم يكونوا قد جمعوها بين الدفتين، ولم يلزموا القراء توالي سورها (3) - كما كان محفوظاً في صدور الحفاظ من الصحابة - رضوان الله عليهم - هؤلاء الصفوة من أمة محمد النبي المختار، الذين كانوا يتسابقون في تلاوة القرآن ومدارسته، ويبذلون قصارى جهدهم لاستظهاره وحفظه، ويعلمونه أولادهم وزوجاتهم في البيوت، حتى كان الذي يمر ببيوت الأنصار في غسق الدجى، لا يسمع فيها إلا صوت

____________

(1) أنظر: السيوطي: الإتقان في علوم القرآن 1 / 48، 63، الزركشي: البرهان في علوم القرآن ص 234، 237، 241، السجستاني: كتاب المصاحف ص 31، مقدمتان في علوم القرآن ص 26 - 32، 40 - 41، 58، تفسير القرطبي 1 / 60، محمد أبو زهرة: القرآن ص 27، 47 - 49، محمد علي الصابوني: المرجع السابق ص 59.

(2) لعل أشهر كتاب الوحي - وعددهم 29 - الخلفاء الأربعة (أبو بكر وعمر وعثمان وعلي) وأبي بن كعب وزيد بن ثابت والزبير بن العوام والمغيرة بن شعبة، وشرحبيل وعبد الله بن رواحة (فتح الباري 9 / 18).

وكانوا يضعون ما يكتبونه في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يكتبون لأنفسهم صوراً أخرى يحفظونها لديهم (الإتقان 1 / 58، البرهان 1 / 238، من روائع القرآن ص 49 - 51).

(3) السيوطي: الإتقان في علوم القرآن 1 / 59، الزركشي: البرهان في علوم القرآن ص 235، مقدمتان في علوم القرآن ص 32، مقدمة كتاب المصاحف لآرثر جفري ص 5.

الصفحة 270
القرآن يتلى، وحتى كان المصطفى صلى الله عليه وسلم، يمر على بعض دور الصحابة، فيقف عند بعضها يستمع القرآن في ظلام الليل.

هذا وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالقرآن، حين يدخلون بالليل، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالليل بالقرآن، وإن كنت لم أر منازلهم بالنهار (1).

ومن هنا كان حفاظ القرآن الكريم في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم لا يحصون، وتلك - وأيم الله - عناية من الرحمن، خاصة بهذا القرآن العظيم، حين يسره للحفظ، * (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) * (2) فكتب له الخلود، وحماه من التحريف والتبديل، وصانه من تطرق الضياع إلى شئ منه، عن طريق حفظه في السطور، وحفظه في الصدور (3).

وكان ذلك كله مصداقاً لقول الله تعالى: * (وإنه لكتاب عزيز * لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) * (4)، وقول الله تعالى * (نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) * (5)، وقول الله تعالى: * (إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع قرآنه * ثم إن علينا بيانه) * (6).

ولعل من الأفضل هنا أن نشير إلى أن القرآن الكريم، إنما كان مكتوباً كله عند الصحابة، قد لا يكون الأمر كذلك عندهم جميعاً، أو عند واحد منهم

____________

(1) رواه الشيخان.

(2) سورة القمر: آية 32.

(3) محمد عبد الله دراز: النبأ العظيم ص 12 - 14. وانظر: حسن ضياء عتر: شغف الرسول وأصحابه بحفظ القرآن، أساس تواتره - مجلة كلية الشريعة - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - العدد السادس - عام 1402 هـ‍/ 1403 هـ‍ص 190 - 231).

(4) سورة فصلت: آية 41 - 42.

(5) سورة الحجر: آية 9.

(6) سورة القيامة: آية 17 - 19، وانظر: تفسير الطبري 1 / 95 - 97.

الصفحة 271
بعينه، ولكنه كان كذلك عند الجميع، وأن ما ينقص الواحد منهم يكمله الآخر، ومن ثم فقد تضافروا جميعاً على نقله مكتوباً، وإن تقاصر بعضهم عن كتابته كمل الآخر، وكان الكمال النقلي جماعياً، وليس أحادياً.

والأمر الذي لا ريب فيه أن القرآن الكريم إنما كان كله مسجلاً في صحف قبل أن ينتقل الرسول إلى الرفيق الأعلى (1)، ومن ثم فإن ما قام به الصديق أبو كبر رضي الله عنه (11 - 13 هـ‍/ 632 - 634 م)، إنما كان جمع القرآن كله في مصحف، جمعت مما كان محفوظاً في صدور الرجال، وبما كان يكتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم حفظ هذا المصحف الشريف عند الصديق، ثم عند الفاروق عمر (13 - 23 هـ‍/ 634 - 644 م) من بعده، ثم عند أم المؤمنين حفصة، رضي الله عنهم أجمعين (2).

وفي عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه (24 - 35 هـ‍/ 644 - 656 م) جمع القرآن الكريم في مصحف في العام الرابع والعشرين - أو أوائل العام الخامس والعشرين من الهجرة - ثم كتب منه سبعة مصاحف (3)، وبعث بواحد منها إلى كل من مكة والشام واليمن والبحرين والبصرة والكوفة، وحبس بالمدينة واحداً (4).

____________

(1) قدم المؤلف أكثر من ستة عشر دليلاً على جمع القرآن كاملاً في حياة النبي صلى الله عليه وسلم (أنظر: محمد بيومي مهران: دراسات تاريخية من القرآن الكريم - الجزء الأول - في بلاد العرب - الرياض 1980 ص 21 - 26).

(2) السيوطي: الإتقان في علوم القرآن 1 / 59 - 60، الزركشي: البرهان في علوم القرآن ص 233 - 234، 239، كتاب المصاحف ص 5 - 10، 20، محمد أبو زهرة: القرآن ص 30 - 31، ابن كثير: فضائل القرآن ص 14 - 16، تفسير الطبري 1 / 59 - 62، تفسير القرطبي 1 / 49 - 50، ابن الأثير: الكامل في التاريخ 3 / 112، مقدمتان في علوم القرآن ص 17 - 21.

(3) اختلف العلماء في عدد المصاحف، فمن قائل: إنها أربعة، بعت بها الخليفة إلى الكوفة والبصرة والشام، وترك واحداً بالمدينة، ومن قائل إنها خمسة، ومن قائل إنها سبعة (الإتقان 1 / 62، البرهان 2 / 240).

(4) أنظر: كتاب المصاحف ص 34، وانظر: محمد بيومي مهران: المرجع السابق ص 26 - 32.

الصفحة 272
هذا ويذهب العلماء إلى أن الفرق بين جمع أبي بكر، وجمع عثمان، أن الأول إنما كان جمعاً للقرآن وكتابته في مصحف واحد، مرتب الآيات على ما وقفهم عليه النبي صلى الله عليه وسلم، خشية أن يذهب من القرآن شئ، بسبب موت كثير من الحفاظ في موقعة اليمامة.

وأما جمع عثمان فكان عبارة عن نسخ عدة نسخ من المصحف الذي جمع في عهد أبي بكر، لترسل إلى البلاد الإسلامية وأن السبب في ذلك إنما هو اختلاف بعض القراء في قراءة آيات من القرآن الكريم، وهكذا فإن الخليفة سرعان ما أرسل في طلب المصحف الذي عند حفصة، وأمر زيد بن ثابت، وسعيد بن العاص، وعبد الله بن الزبير، وعبد الرحمن بن هشام، أن ينسخوها في المصاحف، وقال لهم: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في عربية من عربية القرآن، فاكتبوها بلسان قريش، فإن القرآن أنزل بلسانهم، ففعلوا ذلك حتى كتبت المصاحف (1).

ويروى أن هناك خلافاً قد حدث على كتابة كلمة التابوت التي جاءت في قول الله تعالى: * (إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم) *، أيكتبونه بالتاء أو بالهاء، فقال زيد: إنما هوً التابوهً، وقال القرشيون الثلاثة: إنما هو التابوت، فتراجعوا إلى عثمان، فقال: اكتبوه بلغة قريش، فإن القرآن نزل بلغتهم (2).

____________

(1) السيوطي: الإتقان في علوم القرآن 1 / 60 - 63 (القاهرة 1278 هـ‍)، الزركشي: البرهان في علوم القرآن 1 / 230 (القاهرة 1957)، فتاوى ابن تيمية 15 / 251 - 252، 13 / 396، قارن 13 / 409 - 410 (الرياض 1382 هـ‍)، صحيح البخاري 6 / 225 - 227، محمد أبو زهرة: القرآن ص 44 - 46، تفسير القرطبي 1 / 52 - 62، ابن كثير: فضائل القرآن ص 18 - 19، مقدمتان في علوم القرآن ص 51 - 52، محمد بيومي مهران: دراسات تاريخية من القرآن الكريم 1 / 33 - 34.

(2) تفسير القرطبي 1 / 54، البرهان 1 / 376، الإتقان 1 / 98، فضائل القرآن ص 20، دراز: مدخل إلى القرآن الكريم ص 38 - 39، تفسير ابن كثير 1 / 445 - 446، تفسير الكشاف 1 / 293 - 294، تفسير الطبري 5 / 315 - 328.

الصفحة 273
والخلاصة من كل ما تقدم: أن القرآن الكريم كان كله مسجلاً في صحف - وإن كانت مفرقة - وفي صدور الصحابة، قبل أن ينتقل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى الرفيق الأعلى، وأنه قد جمع في مصحف واحد على أيام أبي بكر الصديق، وأن هذا المصحف قد أودع عنده، ثم عند الفاروق عمر، ثم عند أم المؤمنين حفصة (1).

وفي عهد عثمان رضي الله عنه، نسخت منه عدة نسخ، أرسلت إلى الآفاق الإسلامية، بمشورة من حضر من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة - قد ارتضى هذا العمل، وحمد أثره (2).

ومعنى كل هذا ببساطة: أن المصحف الذي كتب على أيام أبي بكر، هو نفس المصحف الذي كتب على أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو نفس المصحف الذي كتب على أيام عثمان.

ومن ثم فإن كل قراءة قرآنية يجب أن تكون متفقة مع نصه، وأن الشك فيه كفر، وأن الزيادة عليه أبداً لا تجوز، وأنه القرآن المتواتر الخالد إلى يوم القيامة - إن شاء الله تعالى (3) -.

ومن ثم فلا يتوقف أحد في تكفير من ينكر كلمة واحدة من القرآن، وأن

____________

(1) كتاب المصاحف ص 5، مقدمتان في علوم القرآن ص 23، البرهان 1 / 59.

(2) هناك رواية تنسب فضل السبق في جمع القرآن الكريم إلى الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة - إذ يروي أشعث عن ابن سيرين: أنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أقسم على أن لا يرتدي برداء إلا لجمعة، حتى يجمع القرآن في مصحف، ففعل، فأرسل أبو بكر إليه بعد أيام: أكرهت إمارتي يا أبا الحسن؟ قال: لا والله، إلا أني أقسمت أن لا أرتدي برداء إلا لجمعة، فبايعه، ثم رجع (أنظر: الإتقان 1 / 59، كتاب المصاحف ص 10، عبد الصبور شاهين:

تاريخ القرآن ص 104 - 105، حلية الأولياء 1 / 67، شرح نهج البلاغة 6 / 40، 6 / 46 - 52، الشيخان ص 32 - 38).

(3) محمد أبو زهرة: القرآن ص 43، تفسير القرطبي 1 / 80 - 86، فتاوى ابن تيمية 13 / 420 - 421.

الصفحة 274
جحود البعض، كجحود الكل، لأنه طعن صريح، فيما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، بضرورة الدين، واتفاق المسلمين (1).

وأما مصحف فاطمة: فهو تفسير لبعض الأحكام، وليس مصحفاً من مصاحف القرآن، أملاه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، على الإمام علي، قال الإمام جعفر الصادق: عندنا مصحف فاطمة، أما والله ما فيه حرف من القرآن، ولكنه إملاء عن رسول الله، وخط علي، قال السيد محسن الأمين في أعيان الشيعة: إن نفي الإمام الصادق أن يكون فيه شئ من القرآن، لكون تسميته بمصحف فاطمة، يوهم أنه أحد نسخ المصحف الشريف، فنفي هذا الاتهام.

وفي كتاب الكافي أن الخليفة العباسي المنصور كتب يسأل فقهاء أهل المدينة عن مسألة في الزكاة، فما أجابه أحد غير الإمام جعفر الصادق، ولما سئل من أين أخذ هذا؟ قال: من كتاب فاطمة.

وهكذا يبدو واضحاً أن مصحف فاطمة إنما هو كتاب مستقل، وليس بقرآن، فنسبة التحريف إلى الإمامية، على أساس قولهم بمصحف فاطمة، جهل وافتراء (2).

____________

(1) قالت قلة نادرة شاذة في العصور البائدة: إن في القرآن نقصاً، وقد أنكر عليهم يومذاك المحققون، وشيوخ الإسلام من السنة والشيعة، وجزموا بكلمة قاطعة: أن ما بين الدفتين هو القرآن المنزل، دون زيادة أو نقصان، واليوم أصبح هذا القول ضرورة من ضرورات الدين، وعقيدة لجميع المسلمين، إذ لا قائل بالنقص أبداً من السنة أو الشيعة (صحيح البخاري 8 / 209 - 210، 9 / 86، صحيح مسلم 11 / 191 - 192، الإتقان 1 / 60، 2 / 25 (ط حجازي)، أبو زهرة: الإمام الصادق ص 36، الإمام زيد ص 245، محمد جواد مغنية: الشيعة في الميزان ص 57 - 62).

(2) السيد محسن الأمين: أعيان الشيعة 1 / 248، محمد جواد مغنية: الشيعة في الميزان ص 61.

الصفحة 275

الباب الثاني
التشيع: بدايته وأصوله

(1) التشيع: أسبابه وبدايته

الشيعة لغة: هم الصحب والأتباع، ويطلق في عرف الفقهاء والمتكلمين من الخلف والسلف على أتباع علي وبنيه، رضي الله عنهم (1).

والشيعة: كلمة مفردة جمعها أشياع وشيع، وفي القاموس المحيط:

وشيعة الرجل (بالكسر): أتباعه وأنصاره، والفرقة على حدة، ويقع على الواحد والاثنين والجمع، والمذكر والمؤنث، وقد غلب هذا الاسم على كل من يتولى علياً وأهل بيته، حتى صار اسماً لهم خاصاً (2).

والشيعة: كلمة قرآنية، قال تعالى: * (وإن من شيعته لإبراهيم * إذ جاء ربه بقلب سليم) * (3)، وقال تعالى: * (ودخل المدينة على حين غفلة فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه) * (4) وقال تعالى: * (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شئ) * (5).

والتشيع للإمام علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه، ورضي الله عنه -

____________

(1) مقدمة ابن خلدون ص 196 (بيروت 1981).

(2) القاموس المحيط 3 / 49 (القاهرة 1952).

(3) سورة الصافات: آية 83 - 84.

(4) سورة القصص: آية 15.

(5) سورة الأنعام: آية 159.

الصفحة 276
مكانة للفوز تقررت بالسنة، روى السيوطي عن جابر بن عبد الله قال: كنا عند النبي فأقبل علي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة.

وعن ابن عباس قال: لما نزلت * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات) *، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لعلي: هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين (1).

وروى الهيثمي بسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي: أنت وشيعتك تردون على الحوض رواة مرويين، مبيضة وجوهكم، وإن أعداءك يردون على الحوض ظلماء مقمحين (2)، وفي رواية المناوي: يا علي أنت وشيعتك تردون على الحوض وروداً (3).

وروى الحافظ أبو نعيم بسنده عن الشعبي عن علي قال، قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: إنك وشيعتك في الجنة (4).

وروى الإمام أحمد في الفضائل بسنده عن عمرو بن موسى عن زيد بن علي بن حسين عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب قال: شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حسد الناس إياي فقال: أما ترضى أن تكون رابع أربعة أول من يدخل الجنة، أنا وأنت والحسن والحسين، و أزواجنا عن أيماننا وعن شمائلنا، وذرارينا خلف أزواجنا، وشيعتنا من ورائنا (5).

____________

(1) أنظر: عبد الحليم الجندي: الإمام جعفر الصادق ص 32 (القاهرة 1977).

(2) مجمع الزوائد 9 / 131 (ط مكتبة القدسي - القاهرة 1352 هـ‍).

(3) المناوي: كنوز الحقائق (ط إسلامبول 1285 هـ‍).

(4) أبو نعيم الأصفهاني: حلية الأولياء وطبقات الأصفياء 4 / 329 (ط دار الفكر - بيروت).

(5) الإمام أحمد بن حنبل: كتاب فضائل الصحابة 2 / 624 (رقم 1068) - (تحقيق وصي الله بن محمد بن عباس - نشر جامعة أم القرى بمكة المكرمة - 1983) -، وانظر: كنز العمال للمتقي الهندي 2 / 218 (حيدر أباد الدكن 1312 هـ‍)، ابن حجر الهيثمي: الصواعق المحرقة ص 246 (بيروت 1983)، المحب الطبري: الرياض النضرة في مناقب العشرة 2 / 277 - 278 (طنطا 1953)، محمد بيومي مهران: الإمام علي بن أبي طالب 2 / 308 - 309 (بيروت 1990)،

=>


الصفحة 277
هذا ويخصص المسلمون الشيعة بأنهم هم التابعون والمقتدون والمتميزون بأتباعهم واقتدائهم الكامل بالإمام علي والأئمة من بنيه، رضوان الله عليهم أجمعين.

وربما كان تعريف ابن حزم للشيعة جامعاً مانعاً فهو يقول: من وافق الشيعة في أن علياً أفضل الخلق، بعد رسول الله، وأحقهم بالإمامة، وولده من بعده، فهو شيعي، وإن خالفهم فيما عدا ذلك فيما اختلف فيه المسلمون، فإن خالفهم فيما ذكرنا، فليس شيعياً (1).

فالشيعة إذن هم الذين شايعوا علياً، رضي الله عنه، على الخصوص، وقالوا بإمامته وخلافته نصاً ووصية - إما جلياً وإما خفياً - واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده، وإن خرجت فبظلم يكون من غيره، أو بتقية من عنده، وقالوا: ليست الإمامة قضية مصلحية تناط باختيار العامة، وينتصب الإمام بنصبهم، بل هي قضية أصولية، وهي ركن الدين، لا يجوز للرسل عليهم السلام، إغفاله وإهماله، ولا تفويضه للعامة وإرساله.

ويجمعهم القول بوجوب التعيين والتنصيص، وثبوت عصمة الأنبياء والأئمة وجوباً عن الكبائر والصغائر، والقول بالتولي والتبري قولاً وفعلاً وعقداً، إلا في حالة التقية، ويخالفهم بعض الزيدية في ذلك (2).

ومن ثم فهم يفترقون عن غيرهم في القول: أن الإمام يتعين بالنص من النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز لنبي إغفال النص على خليفته، وتفويض الأمر إلى اختيار

____________

<=

ابن تيمية: الصارم المسلول على شاتم الرسول - القاهرة 1379 هـ‍.

(1) عبد الحليم الجندي: المرجع السابق ص 32، هذا ويقول ابن حزم: اختلف المسلمون فيمن هو أفضل الناس بعد الأنبياء، عليهم السلام فذهب بعض أهل السنة وبعض المعتزلة وبعض المرجئة وجميع الشيعة إلى أن أفضل الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، علي بن أبي طالب، وقد روينا هذا القول نصاً عن بعض الصحابة، رضي الله عنهم، وعن جماعة من التابعين و الفقهاء (الفصل في الملل والأهواء والنحل 4 / 128).

(2) الشهرستاني: الملل والنحل 1 / 146 - 147 (القاهرة 1968).