الصفحة 278
الأمة، وأن يكون الإمام معصوماً عن الكبائر والصغائر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم، قد نص بالخلافة على علي بن أبي طالب، دون سواه، وأنه أفضل الأصحاب على الإطلاق (1).

ثم إن الشيعة يختلفون في مساق الخلافة بعد الإمام علي - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة - فالإمامية تسوفها في ولد فاطمة بالنص عليهم واحداً بعد واحد، والزيدية تسوقها في ولد فاطمة، لكن بالاختيار من الشيوخ، وشرط الإمام عندهم أن يكون عالماً زاهداً، جواداً شجاعاً.

والإمامية تسوق الإمامة من الإمام علي بالوصية إلى ولده الحسن (3 - 50 هـ‍) ثم إلى أخيه الحسين (4 - 61 هـ‍) ثم إلى ولده علي زين العابدين (38 - 95 هـ‍) ثم إلى ولده محمد الباقر (57 - 114 هـ‍) ثم إلى ولده جعفر الصادق (83 - 148 هـ‍) ثم إلى ولده موسى الكاظم (128 - 183 هـ‍) ثم إلى ولده علي الرضا (148 - 203 هـ‍) ثم إلى ولده محمد الجواد (195 - 220 هـ‍)، ثم إلى ولده علي الهادي (212 - 254 هـ‍) ثم إلى ولده الحسن العسكري (232 - 260 هـ‍) ثم إلى ولده الإمام الغائب، وهو المهدي المنتظر (2).

على أن النظام (3) من المعتزلة إنما يقول: لا إمامة إلا بالنص والتعيين ظاهراً مكشوفاً، وقد نص النبي عليه الصلاة والسلام، على علي، رضي الله عنه

____________

(1) محمد جواد مغنية: الشيعة والحاكمون ص 12 - 13. (بيروت 1981).

(2) الباقوري: مع القرآن ص 40 - 41 (القاهرة 1970).

(3) النظام: هو أبو إسحاق إبراهيم بن سيار، المعروف بالنظام، وهو ابن أخت أبي الهذيل العلاف شيخ المعتزلة (ت 226 أو 235، أو 237 هـ‍) ومنه أخذ النظام الاعتزال، وهو شيخ الجاحظ، وكان من صغره يتوقد ذكاء، وهو الذي قرر مذهب الفلاسفة في القدر، فتبعه خلق، وقد توفي فيما بين عامي 321، 323 هـ‍(أنظر طبقات المعتزلة ص 49 - 52، النجوم الزاهرة 2 / 234، العبر 1 / 315، 456، اعتقادات فرق المسلمين ص 41، أو 220، 230 (835، 845 م)، وله عدة مؤلفات، أشهرها كتاب التوحيد، وكتاب النكت، وكتاب العالم، التنبيه ص 43 - 44، فؤاد سزكين: تاريخ التراث العربي - المجلد الأول 4 / 68 - 69.

الصفحة 279
في مواضع، وأظهره إظهاراً لم يشتبه على الجماعة، إلا أن عمر كتم ذلك، وهو الذي تولى بيعة أبي بكر يوم السقيفة (1).

وعلى أية حال، فإن مصطلح شيعة (2)، قد ورد في الأحاديث النبوية الشريفة - كما رأينا من قبل - ولكنه لم يرد في المصادر التاريخية، ربما قبل موقعة الجمل (36 هـ‍/ 656 م)، حيث قيل شيعته من همدان (3)، ثم ترد بعد ذلك في صحيفة التحكيم (37 هـ‍)، وترد كلمة الشيعة هنا بمعنى الأنصار (4).

هذا ويذهب الشيخ أبو زهرة إلى أن الشيعة إنما هي أقدم المذاهب الإسلامية، وقد ظهروا بمذهبهم في آخر عصر عثمان، ونما وترعرع في خلافة علي، إذ كلما اختلط بالناس ازدادوا إعجاباً بمواهبه، وقوة دينه وعلمه (5)، على أن وجهاً ثانياً للنظر إنما يذهب إلى أن مذهب التشيع قد ظهر يوم وقعة الجمل، بينما تأخر به البعض إلى ظهور الخوارج، وأما الدكتور طه حسين، فالرأي عنده أن فرقة الشيعة قد أصبحت حزباً سياسياً منظماً لعلي وبنيه في عهد الحسن بن علي (6).

____________

(1) الشهرستاني: الملل والنحل 1 / 57.

(2) أنظر عن الشيعة (الأشعري: مقالات الإسلاميين 1 / 5 - 75، الاسفراييني، التبصر في الدين ص 16 - 26، الشهرستاني: الملل والنحل 1 / 146 - 198، علي مصطفى الغرابي: تاريخ الفرق الإسلامية ص 285 - 296 (القاهرة 1959)، مقدمة ابن خلدون ص 196 - 202، البغدادي: الفرق بين الفرق ص 21 - 72 (دار المعرفة - بيروت)، فتاوي ابن تيمية 1 / 55، 756 121، 373، 14 / 361، 15 / 431، ابن حزم: الفصل في الملل والأهواء والنحل 5 / 20 - 29 (القاهرة 1964)، القلهاتي: الكشف والبيان 2 / 437 - 456 (عمان 1980)، الشيخ المفيد:

أوائل المقالات في المذاهب والمختارات (تبريز 1371 هـ‍)، محمد جواد مغنية: الشيعة في الميزان (دار التعاون - بيروت)، الكيني: الأصول من الكافي (طهران 1381 هـ‍).

(3) المسعودي: مروج الذهب 2 / 377.

(4) نصر بن مزاحم المنقري: وقعة صفين ص 504 (القاهرة 1981).

(5) محمد أبو زهرة: المذاهب الإسلامية ص 51.

(6) طه حسين: علي وبنوه ص 189 - 190 (القاهرة 1982).

الصفحة 280
وهكذا لم يتفق الباحثون على نقطة بدء تاريخية بشأن نشأة التشيع، بمثل ما اتفقوا بالنسبة لسائر الفرق كالخوارج والمعتزلة والأشاعرة مثلاً، ويتفاوت اختلاف الباحثين في بدء التأريخ للشيعة حتى يمتد اختلافهم إلى فترة تصل إلى نصف القرن أو تزيد، فيما بين انتقال النبي صلى الله عليه وسلم، إلى الرفيق الأعلى، واستشهاد سبطه العظيم مولانا الإمام الحسن (11 - 61 هـ‍)، فنتلمس سير الأحداث وصلتها بالتشيع إبان تلك الفترة (1)، ومن ثم فقد وجدت عندنا عدة اتجاهات:

أولاً: منذ أيام النبي صلى الله عليه وسلم:

تذهب المصادر الإمامية إلى أن الشيعة إنما ظهرت على أيام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول سعد القمي (ت 301 هـ‍): فأول الفرق الشيعة، وهي فرقة علي بن أبي طالب، المسمون شيعة علي في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، وبعده، معرفون بانقطاعهم إليه، والقول بإمامته، وكان على رأسهم المقداد بن الأسود، وعمار بن ياسر، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، وهم أول من سموا باسم التشيع من هذه الأمة (2). هذا ويفسر الرازي في الزينة كلمة الشيعة بقوله: إن اللفظة اختصت بجماعة ألفوا على حياة الرسول، وعرفوا به، مثل سلمان الفارسي وأبي ذر والمقداد بن الأسود وعمار بن ياسر (3)، ويسميهم الشيخ المفيد الأركان الأربعة (4)، وفيهم يقول صلى الله عليه وسلم: إن الله أمرني بحب أربعة، وأخبرني أنه يحبهم، قيل يا رسول الله سمهم لنا، قال: علي منهم، يقول ذلك ثلاثاً، وأبو ذر والمقداد وسلمان (5).

____________

(1) أحمد صبحي: الزيدية ص 6 - 7 (الإسكندري 1980).

(2) سعد القمي: المقالات والفرق ص 15 (طهران 1963)، النوبختي: فرق الشيعة ص 15.

(3) الرازي: الزينة - الورقة 205، نبيلة عبد المنعم داود نشأة الشيعة الإمامية ص 65 (بغداد 1968).

(4) الشيخ المفيد: الإختصاص ص 3 (طهران 1379 هـ‍).

(5) صحيح الترمذي 2 / 299. وانظر: صحيح ابن ماجة ص 14، حلية الأولياء 1 / 190، مجمع

=>


الصفحة 281
وروى أبو نعيم في حليته (1) بسنده عن أبي بريدة عن أبيه، رضي الله تعالى عنهم، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نزل علي الروح الأمين فحدثني أن الله تعالى يحب أربعة من أصحابي، فقال له من حضر: من هم يا رسول الله؟

فقال: علي وسلمان وأبو ذر والمقداد، وعن أنس بن مالك، رضي الله تعالى عنه، قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ; اشتاقت الجنة إلى أربعة: علي والمقداد وعمار وسلمان (2).

وفي نور الأبصار: أخرج الترمذي والحكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الجنة لتشتاق إلى ثلاثة علي وعمار وسلمان (3).

هذا وترد في بعض التفاسير الإمامية كلمة شيعة في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، فيذكر فرات في تفسيره في سورة الفاتحة، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: * (صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) *، هم شيعة علي الذين أنعمت عليهم بولاية علي بن أبي طالب، لم تغضب عليهم، ولم يضلوا (4)، كما أورد الشيخ الصدوق عدة أحاديث يذكر فيها أن الشيعة كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه بشرهم بالجنة (5).

وروى الإمام الطبري في تفسيره بسنده عن أبي الجارود عن محمد بن

____________

<=

الزوائد للهيثمي 9 / 155، ابن حجر العسقلاني: تهذيب التهذيب 10 / 286، ابن عبد البر:

الإستيعاب في معرفة الأصحاب 1 / 280، 2 / 557، نور الأبصار للشبلنجي ص 78 د ابن حجر الهيثمي: الصواعق المحرقة ص 188.

(1) حلية الأولياء 1 / 190.

(2) حلية الأولياء 1 / 190.

(3) سيد الشبلنجي: نور الأبصار في مناقب آل بيت النبي المختار ص 80 (مكتبة الجمهورية العربية - القاهرة)، ابن حجر الهيثمي: الصواعق المحرقة ص 193.

(4) فرات بن إبراهيم الكوفي: تفسير فرات ص 2 (النجف).

(5) الشيخ الصدوق: فضائل الشيعة ص 143 - 146 (طبع ضمن كتاب علي والشيعة لنجم الدين العسكري)، نبيلة عبد المنعم داوود: المرجع السابق ص 65، الفيروزآبادي: فضائل الخمسة من الصحاح الستة 1 / 277 - 278، 2 / 93 - 95 (بيروت 1973).

الصفحة 282
علي في قوله تعالى: * (أولئك هم خير البرية) * (1)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنت يا علي وشيعتك (2).

وروى السيوطي في الدر المنثور في ذلك تفسير قوله تعالى: * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) * (3)، قال: وأخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأقبل علي عليه السلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، إن هذا وشيعة لهم الفائزون يوم القيامة، ونزلت إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية، فكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، إذا أقبل علي عليه السلام، قالوا: جاء خير البرية.

وقال: وأخرج ابن عدي عن ابن عباس قال: لما نزلت * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) *، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين.

وقال وأخرج ابن مردويه عن علي عليه السلام قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ألم تسمع قول الله: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية؟

أنت وشيعتك، وموعدي وموعدكم الحوض إذا جاءت الأمم للحساب، تدعون غير محجلين (4).

ويقول ابن حجر الهيثمي في صواعقه: الآية الحادية عشرة، قوله تعالى:

* (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) *، أخرج الحافظ جمال الذين الذرندي عن ابن عباس، رضي الله عنهما، أن هذه الآية لما نزلت قال صلى الله عليه وسلم، لعلي: هو أنت وشيعتك، تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين

____________

(1) سورة البينة: آية 7.

(2) تفسير الطبري 30 / 171 (ط بولاق 1323 هـ‍).

(3) سورة البينة: آية 7.

(4) فضائل الخمسة 1 / 277 - 278، 2 / 93 - 95.

الصفحة 283
مرضيين، ويأتي عدوك غضاباً مقمحين، قال: ومن عدوي؟ قال: من تبرأ منك ولعنك، وخير السابقين إلى ظل العرش يوم القيامة طوبى لهم، قيل: ومن هم يا رسول الله؟ قال: شيعتك يا علي ومحبوك (1).

وفي نور الأبصار عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال، لعلي: أنت وشيعتك تأتي يوم القيامة أنت وهم راضين مرضيين، ويأتي أعداؤك غضاباً مقمحين (2).

وانطلاقاً من كل هذا، فإن التشيع للإمام علي - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة - إنما بدأ منذ أيام سيدنا ومولانا وجدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان صلى الله عليه وسلم، من أول المنوهين بفكرة التشيع والمغذين إياها بأوامره المطاعة (3)، كقوله لعلي: لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق، وفي صحيح مسلم بسنده عن الأعمش عن عدي بن ثابت عن زر قال، قال علي: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إلي أن لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق (4).

وروى الإمام أحمد في الفضائل بسنده عن مسار الحميري عن أمه عن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول لعلي: لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق (5)، وروى الإمام أحمد في الفضائل بسنده عن أبي إسحاق عن عبد الله الجدلي قال: دخلت على أم سلمة فقالت لي: أيسب رسول الله

____________

(1) ابن حجر الهيثمي: الصواعق المحرقة 246 - 247 (بيروت 1983).

(2) نور الأبصار ص 78.

(3) محمد حسين الزين: الشيعة في التاريخ ص 25 (صيدا 1938).

(4) صحيح مسلم 2 / 64 (بيروت 1981)، أحمد بن حنبل: فضائل الصحابة 2 / 650 (ط جامعة أم القرى - 1983).

(5) فضائل الصحابة 2 / 648.

الصفحة 284
فيكم، قلت: معاذ الله، أو سبحان الله، أو كلمة نحوها، قالت: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم يقول: من سب علياً فقد سبني (1).

وروى الهيثمي في مجمع الزوائد بسنده عن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: علي مع القرآن، والقرآن مع علي، لا يفترقان حتى يردا على الحوض (قال رواه الطبراني في الصغير والأوسط، ورواه أيضاً ابن حجر في صواعقه) (2). إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي تبين فضل الإمام علي، وتحبب الناس فيه، وتبغض إليهم كراهيته - الأمر الذي سنفصله في الحديث عن أدلة إمام الإمام علي - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة -.

هذا وترى الشيعة أن الرسول، صلى الله عليه وسلم عندما حج حجة الوداع، دعا الناس إلى مؤازرة علي، وقال: من كنت مولاة فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، وأخذل من خذله، وحديث الغدير هذا رواه جمهرة من المؤرخين والمحدثين بعدة روايات مختلفة، وبأسانيد مختلفة (3)، ذكرناها في أدلة إمام الإمام علي، وتفسر المصادر الإمامية حديث من كنت مولاه بأن كلمة مولى تعني أن يكون أولى بهم من أنفسهم، لا أمره لهم معه، ولما كانت معنى الموالاة الطاعة و المتابعة، فإن كل من حضر الغدير شيعة لعلي، وهكذا تستدل الإمامية على أن التشيع لعلي إنما بدأ منذ أيام النبي صلى الله عليه وسلم (4).

____________

(1) فضائل الصحابة 2 / 594.

(2) مجمع الزوائد 9 / 134، الصواعق المحرقة ص 191.

(3) أخرج حديث الغدير، الترمذي عن أبي سريحة أو زيد بن أرقم، وأخرجه الإمام أحمد عن علي وأبي أيوب الأنصاري وزيد بن أرقم وعمر وذي مر، وأخرجه أبو يعلى عن أبي هريرة، وأخرجه الطبراني عن ابن عمر ومالك بن الحويرث وحبشي بن جنادة، وجرير وسعد بن أبي وقاص وأبي سعيد الخدري وأنس، وأخرجه البراز عن ابن عباس وعمارة وبريدة (أنظر السيوطي: تاريخ الخلفاء ص 169)، وانظر الروايات المختلفة لهذا الحديث الشريف في هذه الدراسة ص، فضائل الخمسة 1 / 349 - 384.

(4) محمد حسين الزين: الشيعة في التاريخ ص 26، نبيلة عبد المنعم داود: المرجع السابق.

ص 65 - 66.

الصفحة 285
هذا وقد ظهر التشيع في أشعار الصحابة، ومن ذلك ما جاء في كتاب الغدير من أن حسان بن ثابت قال للنبي صلى الله عليه وسلم، بعد أن أعلن قوله من كنت مولاه فعلي مولاه، إئذن لي يا رسول الله، أن أقول في علي أبياتاً تسمعهن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قل على بركة الله، فقال حسان: يا معشر مشيخة قريش، اتبعها قولي بشهادة من رسول الله في الولاية:

يناديهم يوم الغدير نبيهم * بخم وأسمع بالنبي مناديا
وقد جاء جبريل عن أمر ربه * بأنك معصوم فلا تك وانيا
وبلغهم ما أنزل الله ربهم * إليك ولا تخش هناك الأعاديا
فقام به إذ ذاك رافع كفه * بكف على معلن الصوت عاليا
فقال فمن مولاكم ووليكم * فقالوا ولم يبدوا هناك تعاليا
إلهك مولانا وأنت ولينا * ولن تجدن فينا لك اليوم عاصيا
فقال له قم يا علي فإنني * رضيتك من بعدي إماماً وهاديا
فمن كنت مولاه فهذا وليه * فكونوا له أنصار صدق مواليا
هناك دعا اللهم وال وليه * وكن للذي عادى علياً معاديا
فيا رب انصر ناصريه لنصرهم * إمام هدى كالبدر يجلو الدياجيا (1)

وقال خزيمة بن ثابت، ذو الشهادتين، وصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم:

إذا نحن بايعنا علياً فحسبنا * أبو حسن مما نخاف من الفتن
وجدناه أولى الناس بالناس إنه * أطب قريش بالكتاب والسنن
وإن قريشاً لا تشق غباره * إذا ما جرى يوماً على الضمر البدن
وصي رسول الله من دون أهله * وفارسه قد كان في سالف الزمن
وأول من صلى من الناس كلهم * سوى خيرة النسوان والله ذو المنن
وصاحب كبش القوم في كل وقعة * يكون لها نفس الشجاع لدى الذقن

____________

(1) الشيخ الأميني: كتاب الغدير 1 / 11، 2 / 39 وانظر: محمد جواد مغنية: الشيعة في الميزان ص 20.

الصفحة 286

فذاك الذي تثني الخناصر باسمه * أمامهم حتى أغيب في الكفن (1)

وقال عبد الله بن أبي سفيان بن الحرث بن عبد المطلب:

وكان ولي الأمر بعد محمد * علي وفي كل المواطن صاحبه
وصي رسول الله حقاً وجاره * وأول من صلى ولان جانبه

وقال الصحابي جرير بن عبد الله البجلي:

فصلى الإله على أحمد * رسول المليك تمام النعم
وصلى على الطهر من بعده * خليفتنا القائم المدعم
علياً عنيت وصي النبي * يجالد عنه غواث الأمم

وقال عبد الرحمن بن حنبل:

لعمري لئن بايعتم ذا حفيظة * على الدين معروف العفاف موفقا
عفيفاً عن الفحشاء أبيض ماجداً * صدوقاً وللجبار قدماً مصدقا
أبا حسن فارضوا وتبايعوا * فليس كمن فيه لذي العيب منطقا
علي وصي المصطفى ووزيره * وأول من صلى لذي العرش واتقى (2)

ويقول الأستاذ جواد مغنية: والحقيقة أن تاريخ التشيع إنما يقترن بتاريخ نص النبي صلى الله عليه وسلم على الإمام علي بالخلافة، وقد كان جماعة من الصحابة يرون أن علياً أفضل أصحاب الرسول على الإطلاق، ذكر ذلك ابن أبي الحديد المعتزلي، وعد منهم عمار بن ياسر، والمقداد بن الأسود، وأبا ذر، وسلمان الفارسي، وجابر بن عبد الله، وأبي بن كعب، وحذيفة بن اليمان وبريدة، وأبا أيوب الأنصاري، وسهل بن حنيف، وعثمان بن حنيف، وأبا الهيثم بن التيهان، وأبا الطفيل والبراء بن عازب وعبادة بن الصامت، وجميع بني هاشم (3).

____________

(1) أنظر: العيون والمحاسن 2 / 67، الشيعة في الميزان ص 20 - 21.

(2) الشيخ الأميني: كتاب الغدير 1 / 11، 2 / 39، محمد مغنية: الشيعة في الميزان ص 20، 21.

(3) ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 1 / 219 - 220 (دار الفكر - بيروت 1979)، محمد جواد مغنية: الشيعة والحاكمون ص 17.

الصفحة 287
وفي الإستيعاب: وروى عن سلمان وأبي ذر والمقداد وحباب وجابر وأبي سعيد الخدري وزيد بن أرقم، أن علي بن أبي طالب أول من أسلم، وفضله هؤلاء على غيره (1).

وقال محمد كرد علي في خطط الشام: عرف جماعة من كبار الصحابة بموالاة علي في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثل سلمان الفارسي، القائل: بايعنا رسول الله على النصح للمسلمين، والائتمام بعلي بن أبي طالب، والموالاة له، ومثل أبي سعيد الخدري القائل: أمر الناس بخمس، فعلموا بأربع، وتركوا واحدة، ولما سئل عن الأربع قال: الصلاة والزكاة والصوم والحج، قيل فما الواحدة التي تركوها؟ قال: ولاية علي بن أبي طالب، قيل له: وإنها لمفروضة معهن؟ قال نعم هي مفروضة معهن، ومثل أبي ذر الغفاري وعمار بن ياسر، وحذيفة بن اليمان وذي الشهادتين، وأبي أيوب الأنصاري، وخالد بن سعيد، وقيس بن سعد. وأما ما ذهب إليه بعض الكتاب من أن التشيع من بدعة عبد الله بن سبأ، فهو وهم، وقلة معرفة بحقيقة مذهبهم، ومن علم منزلة هذا الرجل عند الشيعة، وبراءتهم منه، ومن أقواله وأعماله، وكلام علمائهم في الطعن فيه بلا خلاف، يفهم علم مبلغ هذا القول من الصواب، ومحمد كرد علي، كما يقول الأستاذ مغنية، ليس من الشيعة، ولا من أنصارهم، غير أنه رأى أن من الأمانة إبداء هذه الحقيقة (2).

على أن السيد محسن الأمين إنما يرى أن الشيعة في هذا الدور، إنما كان يطلق عليهم اسم الشيعة، واسم العلويين، ثم اختفى اسم العلويين في عهد العباسيين، وفي كتاب الزينة لأبي حاتم السجستاني أن لفظ الشيعة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان لقب أربعة من الصحابة هم: سلمان الفارسي وأبو ذر

____________

(1) ابن عبد البر: الإستيعاب 3 / 27.

(2) محمد جواد مغنية: المرجع السابق ص 17 - 18، محمد كرد علي: خطط الشام 5 / 251 - 256، محمد حسين المظفر: تاريخ الشيعة ص 9.

الصفحة 288
والمقداد بن الأسود وعمار بن ياسر (1)، ولنتعرف على هؤلاء الأربعة الكرام في إيجاز شديد:

1 - عمار بن ياسر:

هو أبو اليقظان عمار بن ياسر، مولى أو حليف بني مخزوم، كان هو وأبوه وأمه سمية وأخوه من السابقين إلى الإسلام، وقد احتملوا الصدمة الأولى، وعذبوا عذاباً أليماً بأيدي السفهاء من قريش، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر على آل ياسر بالأبطح، وهم يعذبون في رمضاء مكة، فيقول صبراً آل ياسر، موعدكم الجنة.

هذا وكان عمار محاطاً بهالة من الأحاديث النبوية الشريفة التي ترفع من شأنه، وتعوضه عن العذاب الذي لقيه في سبيل الله، وتجعله من عظماء المسلمين، روى الإمام أحمد في الفضائل بسنده عن مجاهد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لهم ولعمار يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار، وذاك دأب الأشقياء الفجار (2).

وروى البخاري في صحيحه بسنده عن عكرمة، أن ابن عباس قال له ولعلي بن عبد الله: إئتيا أبا سعيد فاسمعا من حديثه، فأتيناه، وهو وأخوه في حائط لهما يسقيانه، فلما رآنا جاء فاحتبى وجلس، فقال: كنا ننقل لبن المسجد لبنة لبنة، وكان عمار (3) ينقل لبنتين لبنتين، فمر به النبي صلى الله عليه وسلم، ومسح عن رأسه

____________

(1) محمد جواد مغنية: الشيعة في الميزان ص 102.

(2) فضائل الصحابة 2 / 858، كنز العمال 11 / 724.

(3) هو عمار بن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين بن الوذيم بن ثعلبة بن عوف بن حارثة بن عامر الأكبر بن يام بن عنس بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب المذحجي ثم العنسي، وكان أبوه ياسر قدم مكة هو وأخوان له هما الحارث ومالك في طلب أخ لهما رابع، فرجع الحارث ومالك إلى اليمن، وبقي ياسر، فحالف أبا حذيفة بن المغيرة المخزومي، وتزوج أمته سمية، فولدت له عماراً فأعتقه أبو حذيفة، وصار عمار مولى لبني مخزوم، فهو عرني قحطاني مذحجي من عنس (ابن الأثير: أسد الغابة 4 / 129 - 130)، وأما أهم مصادر ترجمة عمار فهي (الإصابة 2 / 512 - 513، الإستيعاب 2 / 476 - 481، أسد الغابة 4 / 129 - 135، طبقات

=>


الصفحة 289
الغبار، وقال: ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الله، ويدعونه إلى النار (1).

وروى مسلم في صحيحه بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: أخبرني من هو خير مني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمار، حين جعل يحفر الخندق، وجعل يسمح رأسه ويقول: بؤس ابن سمية، تقتله فئة باغية (2)، وعن سعيد بن أبي الحسن عن أمه عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمار: تقتلك الفئة الباغية (3).

وروى الإمام أحمد في الفضائل بسنده عن علي قال: كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء عمار فاستأذن فقال: إئذنوا له، مرحباً بالطيب المطيب (ورواه أحمد في المسند 1 / 99 - 100، والترمذي 5 / 668، والحاكم في المستدرك 3 / 388) (4)، وعن الأعمش عن أبي عمار الهمداني عن عمرو بن شرحبيل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من يعادي عماراً يعاده الله، ومن يبغضه يبغضه الله، ومن يسبه يسبه الله، قال سلمة هذا أو نحوه (4).

وروى الإمام أحمد في فضائل بسنده عن الحسن قال: قال عمرو بن العاص ما كنا نرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مات وهو يحب رجلاً فيدخله النار، فقيل له قد كان يستعملك، فقال: الله أعلم، أحبي، أم تألفني، ولكنه كان يحب رجلاً، فقالوا من هو؟ قال: عمار بن ياسر، قيل له: ذاك قتيلكم يوم صفين، قال: قد والله قتلناه (5).

____________

<=

ابن سعد 3 / 176 - 189، حلية الأولياء 1 / 139 - 143، فضائل الصحابة للإمام ابن حنبل 2 / 857 - 861، نهج البلاغة 10 / 102 - 107، 9 / 11، مغازي الواقدي 3 / 881 - 882.

وانظر ابن حنبل: فضائل الصحابة 2 / 858، وانظر: كنز العمال 11 / 724.

(1) صحيح البخاري 4 / 25 (ط دار الحديث - القاهرة).

(2) صحيح مسلم 18 / 39 - 40 (دار الكتب العلمية - بيروت 1981).

(3) صحيح مسلم 18 / 41.

(4) فضائل الصحابة 2 / 858 (ورواه أبو نعيم في الحلية 7 / 135، والطيالسي 2 / 152، والذهبي في سير النبلاء 3 / 174).

(5) فضائل الصحابة 2 / 858 - 859 (ورواه النسائي في سننه 8 / 111، والحاكم في المستدرك

=>


الصفحة 290
وروى ابن الأثير في أسد الغابة بسنده عن حبيب بن أبي ثابت عن عطاء بن يسار عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما خير عمار بين أمرين، إلا اختار أرشدهما (1)، وعن ابن مسعود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق (2).

وعن عمار الذهبي عن سالم بن أبي الجعد، قال: جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود فقال: إن الله قد أمننا أن يظلمنا، ولم يؤمنا أن يفتننا، أرأيت إذا نزلت فتنة كيف أصنع؟ قال: عليك بكتاب الله، قلت أرأيت إن جاء قوم كلهم يدعون إلى كتاب الله؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق، وروى ابن ديزيل عن عمرو بن العاص حديثاً في ذكر عمار، وأنه مع فرقة الحق (3).

وروى ابن الأثير بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبشر يا عمار، تقتلك الفئة الباغية (4).

وروى ابن سعد في طبقاته بسنده عن عمرو بن ميمون قال: أحرق المشركون عمار بن ياسر بالنار، قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يمر به ويمر على رأسه فيقول: يا نار كوني برداً وسلاماً على عمار، كما كنت على إبراهيم، تقتلك الفئة الباغية (5).

____________

<=

3 / 392، وابن ماجة 1 / 52، وأبو نعيم في الحلية 1 / 139).

(1) فضائل الصحابة 2 / 860، (وفي مسند الإمام أحمد 4 / 90، والطيالسي 2 / 152، والحاكم في المستدرك 3 / 389 - 390).

(2) فضائل الصحابة 2 / 861 (وأخرجه ابن سعد في طبقاته 3 / 188، والذهبي في سير النبلاء 3 / 175، وأحمد في المسند 4 / 199، وأحمد بن منيع في مسنده (المطالب العالية 4 / 106).

(3) أسد الغابة 4 / 133 (وفي تحفة الأحوذي 10 / 299 (رقم 3886) وابن ماجة 1 / 52 (رقم 148).

(4) ابن الأثير: أسد الغابة 4 / 133 (دار الشعب - القاهرة 1970)، تحفة الأحوذي 10 / 300 - 301، وقال الترمذي: وفي الباب عن أم سلمة وعبد الله بن عمرو، وأبي اليسر وحذيفة بن اليمان.

(5) ابن سعد: الطبقات الكبرى 33 / 177 (دار التحرير - القاهرة 1969).

الصفحة 291
وروى ابن سعد في طبقات بسنده عن هنى مولى عمر بن الخطاب قال:

كنت أول شئ مع معاوية، فكان أصحاب معاوية يقولون: لا والله لا نقتل عماراً أبداً، إن قتلناه فنحن كما يقولون، فلما كان يوم صفين ذهبت أنظر في القتلى، فإذا عمار بن ياسر مقتول، فقال هنى: فجئت إلى عمرو بن العاص، وهو على سريره، فقلت: أبا عبد الله، قال: ما تشاء، قلت أنظر أكلمك، فقام إلي فقلت: عمار بن ياسر ما سمعت فيه؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تقتلك الفئة الباغية، قلت هوذا والله مقتول، فقال: هذا باطل، فقلت: بصر عيني به مقتول، قال: فانطلق فأرنيه، فذهبت به فأوقفته عليه، فساعة رآه انتقع لونه، ثم أعرض في شق، وقال: إنما قتله الذي خرج به (1).

وروى ابن سعد في طبقاته بسنده عن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تقتل عماراً الفئة الباغية، قال عوف (راوي الحديث): ولا أحسبه إلا قال: وقاتله في النار (2).

وقال الإمام علي حين قتل عمار: إن امرأ من المسلمين لم يعظم عليه قتل ابن ياسر، وتدخل به عليه المصيبة الموجهة لغير رشيد، رحم الله عماراً يوم أسلم، ورحم الله عماراً يوم قتل، ورحم الله عماراً يوم يبعث حياً، لقد رأيت عماراً، وما يذكر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أربعة إلا كان عمار رابعاً، ولا خمسة إلا كان خامساً، وما كان أحد من قدماء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يشك أن عماراً قد وجبت له الجنة في غير موطن ولا اثنين، فهنيئاً لعمار بالجنة، ولقد قيل إن عماراً مع الحق، والحق معه، يدور عمار مع الحق أينما دار، وقاتل عمار في النار (3).

____________

(1) طبقات ابن سعد 3 / 181.

(2) طبقات ابن سعد 3 / 180.

(3) طبقات ابن سعد 3 / 187.

الصفحة 292
وعن جابر عن ابن الزبير قال: أتى حذيفة بن اليمان رهط من جهينة فقالوا: يا أبا عبد الله، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، استجار من أن تصطلي أمته فأجير من ذلك، واستجار من أن يذوق بعضها بأس بعض، فمنع من ذلك، قال حذيفة:

إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن ابن سمية لم يخير بين أمرين قط، إلا اختار أرشدها - يعني عماراً - فالزموا سمته (1).

وكان عمار محباً لآل البيت، ومن الذين أكرمهم الله بمعرفة الحق، فوقف إلى جانب إمام الهدى، علي المرتضى، - كرم الله وجهه في الجنة - أقرب الناس إلى مثل الإسلام الصحيحة، فشهد معه الجمل وصفين، حيث استشهد فيها (2).

ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى الرأي الذي ينادي به الأستاذ الدكتور علي الوردي، على أن عمار ياسر، إنما شوه أعداؤه صورته، فصوروه في صورة شخص سئ دعوه عبد الله بن سبأ، وها هي الأدلة - كما أوردها الدكتور الشيبي -.

لعل من غرائب التاريخ أن نرى أن كثيراً من الأمور التي تنسب إلى ابن سبأ موجودة في سيرة عمار بن ياسر، على وجه من الوجوه:

1 - كان ابن سبأ يعرف بابن السوداء، وكان عمار يكنى بابن السوداء أيضاً.

2 - كان من أب يماني، وهذا يعني أنه كان من أبناء سبأ، فكل يماني يصح أن يقال عنه: إنه ابن سبأ، فأهل اليمن كلهم ينتسبون إلى سبأ بن يشجب بن قحطان، وفي القرآن الكريم قال الهدهد لسليمان عليه السلام إنه جاء من

____________

(1) نصر بن مزاحم المنقري: وقعة صفين - تحقيق عبد السلام محمد هارون - القاهرة 1981 (ط ثالثة) ص 343.

(2) محمد بيومي مهران: في رحاب النبي وآل بيته الطاهرين - الجزء السادس - الإمام علي بن أبي طالب - الجزء الثاني - بيروت 1990 ص 46 - 49 (دار النهضة العربية بيروت)، نصر بن مزاحم المنقري: المرجع السابق ص 340 - 344، تاريخ الطبري 5 / 38 - 42، ابن الأثير:

الكامل في التاريخ 3 / 308 - 311، ابن كثير: البداية والنهاية 7 / 291 - 297.

الصفحة 293
سبأ، ويقصد اليمين (سورة سبأ: 15، النمل: 22).

3 - كان عمار شديد الحب للإمام علي بن أبي طالب، يدعو له ويحرض الناس على بيعته بكل سبيل.

4 - ذهب عمار، على أيام عثمان، إلى مصر، وحرض الناس حتى ضج الوالي، وهم أن يبطش به. وقد نسب إلى ابن سبأ أنه استقر بمصر، واتخذ من الفسطاط مركزاً لدعوته، وشرع يراسل أنصاره من هناك.

5 - نسب إلى ابن سبأ قوله: إن عثمان أخذ الخلافة بغير حق، وأن صاحبها الشرعي هو علي بن أبي طالب، وهذا رأي عمار، فقد سمع يصيح في المسجد - إثر بيعة عثمان - يا معشر قريش، أما إذا أحرفتم هذا الأمر عن بيت نبيكم هاهنا مرة، وهاهنا مرة، فما أنا بآمن عليكم من أن ينزعه الله، فيضعه في غيركم، كما نزعتموه من أهله، ووضعتموه في غير أهله.

6 - يعزى إلى ابن سبأ أنه عرقل مساعي الصلح بين علي وعائشة إبان معركة البصرة، فلولاه لتم الصلح بينهما، فيما يقول الرواة، ومن يدرس تفاصيل معركة البصرة (الجمل) يرى عماراً يقوم بدور فعال فيها، فهو الذي ذهب - مع الإمام الحسن ومالك الأشتر - إلى الكوفة، يحرض الناس على الانتماء إلى جيش الإمام علي، وكان وقوف عمار بجانب الإمام علي إنما كان سبباً من أسباب ندم الزبير وخروجه من المعركة.

7 - قالوا عن ابن سبأ، أنه الذي حرك أبا ذر في دعوته الاشتراكية، ولو درسنا صلة عمار بأبي ذر، لوجدناها جداً وثيقة، فكلاهما من مدرسة الإمام علي بن أبي طالب، وكان هؤلاء الثلاثة كثيراً ما يجتمعون معاً، ويتشاورون ويتعاونون معاً.

ونستخلص من هذا أن ابن سبأ إنما هو عمار بن ياسر، فلقد كانت قريش تعتبر عماراً رأس الثورة على عثمان، ولكنها لم ترد - في أول الأمر - أن