الصفحة 328
الهجرة إلى المدينة، لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبقي إلى أن بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، عبيدة بن الحارث في سرية، فلقوا جمعاً من المشركين عليهم عكرمة بن أبي جهل، وكان المقداد وعتبة بن غزوان قد خرجا مع المشركين ليتوصلا إلى المسلمين، فتواقفت الطائفتان، ولم يكن قتال، فانحاز المقداد وعتبة إلى المسلمين.

هذا وقد شهد المقداد غزوة بدر، وكان له فيها مقام مشهود، فهو القائل - حين استشار النبي صلى الله عليه وسلم، الناس -:

يا رسول الله، إمض لما أمرت به فنحن معك، والله لا نقول لك، كما قالت بنو إسرائيل لموسى: * (إذهب أنت وربك فقاتلا * إنا ها هنا قاعدون) *، ولكن: إذهب أنت وربك فقاتلا، إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق نبياً، لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه، حتى تبلغه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم، خيراً، ودعا له.

وفي رواية: لا نقول لك، كما قال قوم موسى لموسى: إذهب أنت وربك فقاتلا، إنا ها هنا قاعدون، ولكنا نقاتل عن يمينك، وعن شمالك، ومن بين يديك، ومن خلفك، فأشرق وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسر بما سمع.

وروى البخاري في صحيحه بسنده عن طارق بن شهاب قال: سمعت ابن مسعود يقول: شهدت من المقداد بن الأسود مشهداً لأن أكون صاحبه، أحب إلي مما عدل به، أتى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يدعو على المشركين، فقال: لا نقول كما قال قوم موسى، إذهب أنت وربك فقاتلا، ولكنا نقاتل عن يمينك وعن شمالك، وبين يديك وخلفك، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم، أشرق وجهه وسره، يعني قوله (1).

____________

(1) صحيح البخاري 5 / 93، مسند الإمام أحمد 1 / 390، 428، المستدرك للحاكم 3 / 349، زاد

=>


الصفحة 329
وعن علي قال، ما كان فينا فارس يوم بدر، غير مقداد بن عمرو، وعن القاسم بن عبد الرحمن قال: أول من عدا به فرسه في سبيل الله المقداد بن الأسود، وعن المقداد قال: كان معي فرس يوم بدر يقال له سبحة (1)، وفي رواية: لم يكن فيهم غير فارسيين: المقداد بن عمرو، ولا خلاف فيه، والثاني:

قيل كان الزبير بن العوام (2). وكان للمقداد مناقب كثيرة، روى ابن أبي بريدة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل أمرني بحب أربعة، وأخبرني أنه يحبهم، قيل يا رسول الله، سمهم لنا، قال: علي منهم - يقول ذلك ثلاثاً - وأبو ذر والمقداد وسلمان (3).

وعن الإمام علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لم يكن نبي إلا أعطي سبعة نجباء وزراء ورفقاء، وأنا أعطيت أربعة عشر: حمزة وجعفر وأبو بكر وعمر وعلي والحسن والحسين وابن مسعود وسلمان وعمار و حذيفة وأبو ذر والمقداد وبلال (4).

وفي الإستيعاب عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه لم يكن نبي إلا أعطي سبعة نجباء ووزراء ورفقاء، وإني أعطيت أربعة عشر: حمزة وجعفر وأبو بكر وعمر وعلي والحسن والحسين وعبد الله بن مسعود وسلمان وعمار وحذيفة وأبو ذر والمقداد وبلال (5).

____________

<=

المعاد 3 / 173 - 174، البداية والنهاية 2 / 395، فتح الباري 7 / 224، مغازي الواقدي 1 / 48، ابن الأثير: الكامل في التاريخ 2 / 102، أسد الغابة 5 / 252، طبقات ابن سعد 3 / 114 - 115، سيرة ابن هشام 2 / 407، السيرة الحلبية 2 / 385، تاريخ الطبري 2 / 234، الإستيعاب 3 / 474 - 475، مهران: السيرة النبوية الشريفة 2 / 68.

(1) طبقات ابن سعد 3 / 114.

(2) ابن الأثير: الكامل في التاريخ 2 / 118.

(3) حلية الأولياء 1 / 172.

(4) أسد الغابة 5 / 253، صحيح الترمذي 10 / 291.

(5) الإستيعاب 3 / 473.

الصفحة 330
وروى الإمام أحمد في الفضائل بسنده عن المسيب بن نجية عن علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: أعطي كل نبي سبعة رفقاء، وأعطيت أنا أربعة عشر، قيل لعلي من هم؟ قال: أنا وابناي الحسن والحسين وحمزة وجعفر وعقيل وأبو بكر وعمر وعثمان والمقداد وسلمان وعمار وطلحة والزبير، رضي الله عنهم (1).

وفي طبقات ابن سعد: أن المقداد بن عمرو خطب إلى رجل من قريش فأبى أن يزوجه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لكني أزوجك ضباعة ابنة الزبير بن عبد المطلب (2) (بنت عم النبي).

وروى ابن حجر في الإصابة عن ثابت البناني قال: كان المقداد وعبد الرحمن بن عوف جالسين، فقال له: ما لك لا تتزوج، قال: زوجني ابنتك، فغضب عبد الرحمن وأغلظ له، فشكا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أن أزوجك، فزوجه بنت عمه، ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب (3).

وعن المقداد بن الأسود، رضي الله تعالى عنه قال: استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم، على عمل، فلما رجعت قال: كيف وجدت الإمارة، قلت: يا رسول الله، ما ظننت إلا أن الناس كلهم خول لي، والله لا ألي على عمل ما دمت حياً، وعن ثابت عن أنس بن مالك، رضي الله تعالى عنه قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم، المقداد بن الأسود، رضي الله تعالى عنه، على سرية فلما قدم قال

____________

(1) الإمام أحمد بن حنبل: فضائل الصحابة 2 / 636 - 637 (بيروت 1983). وقد جاء الحديث أيضاً في فضائل الصحابة بأرقام 109، 274، 275، 276، 277 ص 136، 137، 227، 228، من الجزء الأول (بيروت 1983 - نشر جامعة أم القرى - بمكة المكرمة)، وانظر: المسند 1 / 88، 148، 149، والترمذي 5 / 662، والطبراني في الكبير 6 / 264 - 265، وحلية الأولياء 1 / 128.

(2) طبقات ابن سعد 3 / 115.

(3) ابن حجر العسقلاني: الإصابة في معرفة الصحابة 3 / 454 - 455.

الصفحة 331
له: كيف وجدت الإمارة؟ قال: كنت أحمل وأوضع حتى رأيت بأن لي على القوم فضلاً: قال: والذي بعثك بالحق لا أتأمر على اثنين أبداً (1).

وعن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد قال: كان المقداد بن الأسود، في سرية فحصرهم العدو، فعزم الأمير أن لا يجشر أحد دابته، فجشر رجل دابته لم تبلغه العزيمة فضربه، فرجع الرجل وهو يقول: ما رأيت كما لقيت اليوم قط، فمر المقداد فقال: ما شأنك؟ فذكر له قصته، فتقلد السيف وانطلق معه حتى انتهى إلى الأمير فقال: أقده من نفسك فأقاده، فعفا الرجل، فرجع المقداد وهو يقول: لأموتن والإسلام عزيز (2).

وكان المقداد من أنصار الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه، وكرم الله تعالى وجهه في الجنة - وكان موقفه يوم الشورى واضحاً، فعندما جمع عبد الرحمن بن عوف الناس في المسجد النبوي الشريف، فقال: أشيروا علي، فقال عمار: إن أردت أن لا يختلف الناس، فبايع علياً، فقال المقداد بن الأسود: صدق عمار، إن بايعت علياً، قلنا: سمعنا وأطعنا.

وعندما اختار عبد الرحمن عثمان قال المقداد: يا عبد الرحمن: أما والله لقد تركته، وإنه من الذين يقضون بالحق وبه يعدلون، فقال: يا مقداد، والله لقد اجتهدت للمسلمين، قال: إن كنت أردت الله، فأثابك الله ثواب المحسنين.

فقال المقداد: ما رأيت مثل ما أتي إلى أهل هذا البيت بعد نبيهم، إني لأعجب من قريش، أنهم تركوا رجلاً ما أقول، ولا أعلم: أن رجلاً أقضى بالعدل، ولا أعلم منه، أما والله لو أجد أعواناً عليه، فقال عبد الرحمن: يا مقداد، إتق الله، فأنا خائف عليك الفتنة.

____________

(1) حلية الأولياء 1 / 174 - 175.

(2) حلية الأولياء 1 / 176.

الصفحة 332
فقال رجل للمقداد: رحمك الله، من أهل هذا البيت؟ ومن هذا الرجل؟

قال: أهل البيت، بنو عبد المطلب، والرجل علي بن أبي طالب.

فقال علي بن أبي طالب: أن الناس ينظرون إلى قريش وقريش تنظر بيتها فتقول: إني ولي عليكم بنو هاشم، لم تخرج منهم أبداً، وما كانت في غيرهم تداولتموها بينكم (1).

وفي تاريخ اليعقوبي: وروى بعضهم فقال: دخلت مسجد رسول الله، فرأيت رجلاً جاثياً على ركبتيه يتلهف تلهف من كأن الدنيا كانت له فسلبها، وهو يقول: واعجباً لقريش، ودفعهم هذا الأمر على أهل بيت نبيهم، وفيهم أول المؤمنين، وابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعلم الناس، وأفقههم في دين الله، وأعظمهم غناء في الإسلام، وأبصرها بالطريق، وأهداهم للصراط المستقيم، ولقد زووها عن الهادي المهتدي، الطاهر النقي، وما أرادوا إصلاحاً للأمة، ولا صواباً في المذهب، ولكنهم آثروا الدنيا على الآخرة، فبعداً وسحقاً للقوم الظالمين، فدنوت منه فقلت: من أنت يرحمك الله، ومن هذا الرجل.

فقال: أنا المقداد بن عمرو، وهذا الرجل علي بن أبي طالب، قال:

فقلت: ألا تقوم بهذا الأمر فأعينك عليه؟ فقال: يا ابن أخي، إن هذا الأمر لا يجري فيه الرجل، ولا الرجلان، ثم خرجت فلقيت أبا ذر، فذكرت له ذلك، فقال: صدق أخي المقداد، ثم أتيت عبد الله بن مسعود، فذكرت ذلك له، فقال: لقد أخبرنا فلم نال (2).

وفي رواية المسعودي (3): كان عمار، حين بويع عثمان، بلغه قول

____________

(1) ابن الأثير: الكامل في التاريخ 3 / 70 - 72 (بيروت 1965)، تاريخ الطبري 4 / 232 - 233.

(2) تاريخ اليعقوبي 2 / 163 (بيروت 1980).

(3) أنظر عن أهم مصادر ترجمة المسعودي (ياقوت الحموي) إرشاد الأريب 13 / 90 - 94، فوات الوفيات للكتبي 2 / 45، تذكرة الحفاظ 3 / 70، دول الإسلام للذهبي 1 / 156، لسان الميزان لابن حجر 4 / 224 - 225، النوبختي: أعيان الشيعة 41 / 198 - 213، الأعلام للزركلي

=>


الصفحة 333
أبي سفيان صخر بن حرب في دار عثمان، عقيب الوقت الذي بويع فيه عثمان، ودخل داره ومعه بنو أمية، فقال أبو سفيان: أفيكم أحد من غيركم؟ (وقد كان عمي) قالوا: لا، قال: يا بني أمية، تلقفوها تلقف الكرة، فوالذي يحلف به أبو سفيان، ما زلت أرجوها لكم، و لتصيرن إلى صبيانكم وراثة، فانتهره عثمان، وسائه ما قال.

ونمي هذا القول إلى المهاجرين والأنصار، وغير ذلك من الكلام، فقام عمار في المسجد فقال: يا معشر قريش، أما إذ صرفتم هذا الأمر عن بيت نبيكم ههنا مرة، وههنا مرة، فما أنا بآمن من أن ينزعه الله منكم، فيضعه في غيركم، كما نزعتموه من أهله، ووضعتموه في غير أهله.

وقام المقداد فقال: ما رأيت مثل ما أوذي به أهل هذا البيت بعد نبيهم، فقال له عبد الرحمن بن عوف: وما أنت وذاك يا مقداد بن عمرو؟ فقال المقداد:

إني والله لأحبهم، لحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم، وإن الحق معهم وفيهم، يا عبد الرحمن: أعجب من قريش - وإنما تطولهم على الناس بفضل أهل هذا البيت - قد اجتمعوا على نزع سلطان رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعده من أيديهم، أما وأيم الله يا عبد الرحمن، لو أجد على قريش أنصاراً لقاتلتهم كقتالي إياهم، مع النبي، عليه الصلاة والسلام يوم بدر (1).

____________

<=

5 / 87، معجم المؤلفين لكحالة 7 / 80 - 81، فؤاد سزكين: تاريخ التراث العربي 2 / 177 - 184، الرجال للنجاشي ص 178 - 179، عبد السلام العشري: أبو الحسن المسعودي - القاهرة 1957).

والمسعودي - رغم عدم معرفتنا لتاريخ ميلاده - فهو قد ولد في بغداد من أسرة تنتسب إلى الصحابي عبد الله بن مسعود، وأقام في إصطخر أثناء رحلته في إيران (305 هـ‍/ 917 م)، ثم ذهب إلى الهند وزار ملتان والمنصورة ثم سيلان، ثم عمان وزنجبار، ومضت به حياته القلقة إلى بحر قزوين ثم فلسطين ثم مدن ثغور الشام كإنطاكية، ثم استقر في مصر، حيث مات في الفسطاط عام (345 هـ‍/ 956 م) أو 346 هـ‍، وكان الرجل مهتماً بالتاريخ والجغرافيا وعلوم الدين والأخلاق والسياسة وعلوم اللغة، ولكن معظم جهده كان في التاريخ والجغرافيا.

(1) المسعودي: مروج الذهب 1 / 633 (بيروت 1982).

الصفحة 334
وروى أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب أخبار السقيفة عن محمد بن قيس الأسدي عن المعروف بن سويد قال: كنت بالمدينة أيام بويع عثمان، فرأيت رجلاً في المسجد جالساً، وهو يصفق إحدى يديه على الأخرى - والناس حوله - ويقول: واعجباً من قريش، واستئثارهم بهذا الأمر، على أهل هذا البيت، معدن الفضل، ونجوم الأرض، ونور البلاد، والله إن فيهم لرجلاً ما رأيت - بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم - أولى منه بالحق، ولا أقضى بالعدل، ولا آمر بالمعروف، ولا أنهى عن المنكر، فسألت عنه، فقيل: هذا المقداد، فتقدمت إليه وقلت: أصلحك الله من الرجل الذي تذكر؟ فقال: ابن عم نبيك رسول الله صلى الله عليه وسلم، علي بن أبي طالب.

قال: فلبثت ما شاء الله، ثم إني لقيت أبا ذر، رحمه الله، فحدثته ما قال المقداد، فقال: صدق، قلت: فما يمنعكم أن تجعلوا هذا الأمر فيهم، قال:

أبي ذلك قومهم، قلت: فما يمنعكم أن تعينوهم، قال: مه لا تقل هذا، إياكم والفرقة والاختلاف، قال: فسكت عنه، ثم كان من الأمر ما كان (1).

هذا وقد توفي المقداد بالمدينة في خلافة عثمان، بأرض له بالجرف، وحمل إلى المدينة، وكان عمره سبعين سنة يقول ابن سعد: مات المقداد بالجرف، على ثلاثة أميال من المدينة، فحمل على رقاب الرجال حتى دفن بالمدينة بالبقيع، وصلى عليه عثمان بن عفان، وذلك سنة ثلاث وثلاثين، وكان يوم موته ابن سبعين سنة أو نحوها، وعن شعبة عن الحكم: أن عثمان بن عفان جعل يثني على المقداد بعد ما مات، فقال الزبير:

لا ألفينك بعد الموت تندبني * وفي حياتي ما زودتني زادي (2)

____________

(1) ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 9 / 21 - 22 (بيروت 1967).

(2) أسد الغابة 5 / 254، طبقات ابن سعد 3 / 115 - 116.

الصفحة 335

ثانيا: يوم وفاة الرسول:

يذهب ابن خلدون (732 - 808 هـ‍/ 1332 - 1406 م) (1): أن الشيعة ظهرت لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أهل البيت يرون أنفسهم أحق بالأمر، وأن الخلافة لرجالهم، دون سواهم من قريش (2).

هذا ويرجع الدكتور أحمد أمين (1887 - 1954 م) بداية التشيع إلى وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول: بدأ التشيع من فرقة من الصحابة كانوا مخلصين في حبهم للإمام علي، يرونه أحق بالخلافة لصفات رأوها فيه، ومن أشهرهم: سلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري و المقداد بن الأسود، وتكاثرت شيعته لما نقم الناس على عثمان في سنوات الأخيرة من خلافته، ثم لما ولي الخلافة (3).

ويقول أبو الحسن الأشعري (260 - 324 هـ‍/ 874 - 935 م): إن أول ما حدث من اختلاف بين المسلمين بعد وفاة نبيهم صلى الله عليه وسلم، هو اختلافهم في الإمامة (4)، ذلك أن المسلمين قد اختلفوا فيمن يتولى أمرهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فظهرت وجهات نظر ثلاث (5):

1 - وجهة نظر الأنصار:

وهم أول من آوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصره، فقد مكث في قومه بضع عشرة سنة فما آمن منهم إلا قليل، حتى خص الله الأنصار بالفضيلة وآثرهم بالكرامة، فرزقهم الإيمان، حتى استقام الأمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بأسياف الأنصار، ومن ثم فقد اتخذ مدينتهم مكان إقامته ثم دفن فيها، ولهذا فقد رشحوا سعد بن عبادة الخزرجي (6).

____________

(1) أنظر (محمد بيومي مهران: التاريخ والتأريخ ص 138 - 150 - الإسكندرية 1992).

(2) تاريخ ابن خلدون 3 / 364.

(3) أحمد أمين: ضحى الإسلام 3 / 209 (القاهرة 1949).

(4) أبو الحسن الأشعري: مقالات الإسلاميين 1 / 39.

(5) أحمد صبحي: الزيدية ص 7.

(6) تاريخ الطبري 3 / 220.

الصفحة 336
وكان الحباب بن المنذر بن الجموح هو المعبر عن وجهه نظرهم، حيث يقول: يا معشر الأنصار، إملكوا عليكم أمركم، فإن الناس في فيئكم وفي ظلكم، ولن يجترئ مجترئ على خلافكم، ولن يصدر الناس إلا عن رأيكم أنتم أهل العز والثروة، وأولو العدد والمنعة والتجربة، وذو والبأس والنجدة، وإنما ينظر الناس إلى ما تصنعون، ولا تختلفوا فيفسد عليكم رأيكم، وينتقص عليكم أمركم، فإن أبى هؤلاء إلا ما سمعتم، فمنا أمير، ومنهم أمير (1).

هذا وقد جاءت أحاديث كثيرة في فضائل الأنصار، منها قوله صلى الله عليه وسلم: لو سلكت الأنصار وادياً أو شعباً، لسلكت وادي الأنصار أو شعبهم (2)، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: لولا الهجرة لكنت رجلاً من الأنصار (3)، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله (4)، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار (5)، وقوله صلى الله عليه وسلم: اللهم اغفر للأنصار، ولأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار (6).

2 - وجهة نظر المهاجرين:

وهم أول الناس إسلاماً، و أوسط العرب أنساباً، ولن تدين قبائل العرب، إلا لقريش، كما دانت لهم في الجاهلية، فالخلافة في قريش، وقد عبر عن هذا الرأي أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب

____________

(1) صحيح البخاري 5 / 38.

(2) صحيح البخاري 5 / 38.

(3) صحيح البخاري 5 / 40.

(4) صحيح البخاري 5 / 40.

(5) صحيح البخاري 5 / 40.

(6) صحيح مسلم 16 / 67، وانظر فضائل أخرى في صحيح مسلم 16 / 67 - 71.

الصفحة 337
وأبو عبيدة بن الجراح، واحتجوا على الأنصار بأن قريشاً أولى بالنبي صلى الله عليه وسلم، لأنه منهم (1).

وقد رد الفاروق عمر بن الخطاب على الحباب بن المنذر، فقال: هيهات، لا يجتمع اثنان في قرن، والله لا ترضى العرب أن يؤمروكم، ونبيها من غيركم، ولكن العرب لا تمنع أن تولي أمرها من كانت النبوة فيهم، وولي أمورهم منهم، ولنا بذلك على من أبي من العرب الحجة الظاهرة والسلطان المبين، من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته، ونحن أولياؤه وعشيرته، إلا مدل بباطل، أو متجانف لإثم، ومتورط في هلكه (2).

3 - وجهه نظر بني هاشم:

- وفيهم العباس بن عبد المطلب - عم النبي صلى الله عليه وسلم - وابنا عمه الإمام علي بن أبي طالب والفضل بن العباس، ومعهم ابن عمته الزبير بن العوام، وقد ظهرت آراؤهم بعد السقيفة، وقد رأوا أن الإمام علي أحق بالخلافة من غيره، وفي ذلك يقول الفضل بن العباس: يا معشر قريش، ما حقت لكم الخلافة بالتمويه ونحن أهلها، وصاحبنا (أي الإمام علي) أولى بها منكم (3)، هذا إلى أن الإمام علي - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة - إنما يؤكد أنه صاحب هذا الأمر، وأنه لم يستشر (4).

هذا وقد اختلف بواعث المؤيدين للإمام علي، فكان باعث القرابة بالنسبة لذوي قرباه، كالعباس وولده الفضل، والزبير، وربما خالد بن سعيد الأموي، هذا فضلاً عن كفاءة يرونها في الإمام علي، وكان باعث الاعتقاد في أفضلية الإمام علي بالنسبة لغيره من الصحابة، وهؤلاء يراهم جمهور الشيعة، وبعض

____________

(1) تاريخ اليعقوبي 2 / 123.

(2) تاريخ الطبري 3 / 220.

(3) تاريخ اليعقوبي 2 / 124.

(4) أنظر: البلاذري: أنساب الأشراف 1 / 582، تاريخ الطبري 3 / 202، 208، المسعودي: مروج الذهب 1 / 594.

الصفحة 338
السنة رواد التشيع الأوائل، وعلى رأسهم سلمان وأبو ذر وعمار والمقداد.

ويقول خالد بن سعيد الأموي - وكان غائباً يوم السقيفة - للإمام علي:

هلم أبايعك، فوالله ما في الناس أحد أولى بمقام محمد منك (1)، وروى المدائني عن أبي زكريا العجلاني عن صالح بن كيسان قال: قدم خالد بن سعيد بن العاص من ناحية اليمن، بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فأتى علياً وعثمان فقال:

أنتما الشعار، دون الدثار، أرضيتم يا بني عبد مناف أن يلي أمركم عليكم غيركم؟ فقال علي: أو غلبة تراها؟ إنما هو أمر الله يضعه حيث يشاء، قال: فلم يحتملها عليه أبو بكر، واضطغنها عمر... ولم يبايع خالد أبا بكر إلا بعد ستة أشهر (2).

ويقول سلمان الفارسي - حين بويع أبو بكر - كرداذ وناكرداذ، أي علمتم وما عملتم، لو بايعوا علياً لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم (3)، وقد أنشد عتبة بن أبي لهب بن عبد المطلب:

ما كنت أحسب أن الأمر منصرف * عن هاشم ثم منهم عن أبي حسن
عن أول الناس إيماناً وسابقة * وأعلم الناس بالقرآن والسنن
وآخر الناس عهداً بالنبي ومن * جبريل عون له في الغسل والكفن
من فيه ما فيهم لا يمترون به * وليس في القوم ما فيه من الحسن (4)

ولعل من الأهمية بمكان التركيز هنا على حقيقة لا ريب فيها، ذلك أن أصحاب النبي الكبار، بإيمانهم وتقواهم. - من أمثال الصديق والفاروق وذي النورين والإمام - لا يتنافسون مغنماً من مغانم الدنيا، مهما عظم، لا سيما في ذلك الوقت، حيث كانت فجيعتهم بموت نبيهم، لا تترك في أنفسهم المفعمة

____________

(1) تاريخ اليعقوبي 2 / 126.

(2) أنساب الأشراف 2 / 588.

(3) أنساب الأشراف 1 / 591.

(4) محمد أمين غالب الطويل: تاريخ العلويين ص 143 - 144 (دار الأندلس - بيروت).

الصفحة 339
بالأسى، مكاناً لأي من رغبات الحياة الدنيا، وإنما يرجع استمساك كل منهم بموقفه، إلى أن كلاً منهم إنما وقف إلى جانب اقتناعه وما اعتقد أنه الحق، ثم إن الخلافة - وإن كانت في شكلها الخارجي تشكل سلطة سياسية، ومنصباً دينياً - إلا أنها في أفئدتهم، وفي إدراكهم الحقيقي لها، لم تكن سوى وظيفة من أسمى وظائف الهداية والقدوة، وفي مثل هذا، لا جرم أن يتنافس المتنافسون.

هذا إلى أن وقائع التاريخ وحقائقه، إنما تؤكد أن الخلفاء الراشدين الأربعة، لم يكونوا يرون في منصب الخلافة سوى عبء فادح مبهظ، ولولا أن الهروب منه خيانة لله ورسوله وللمسلمين، لجعلوا بينهم وبينه بعد المشرقين، فلا الطموح الشخصي، ولا الرغبة في النفوذ والسلطان، كان لأحدهما، أولهما معاً، مكان بين دوافع ذلك الخلاف، الذي ثار حول من يخلف الرسول صلى الله عليه وسلم، تلك حقيقة لا ريب فيها.

ومن المعروف أن الإمام علي، وآل البيت الطيبين الطاهرين، قد انشغلوا - بعد انتقال الرسول صلى الله عليه وسلم - مباشرة، بتجهيزه صلى الله عليه وسلم، وفي هذه الأثناء، وقبل أن تشيع جنازة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ما يزال بعد مسجى في بيته، وقد أغلق أهله دونه الباب، حدث أمر جد خطير، فلقد اجتمع الخزرج بقيادة سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة (1)، وخف إليهم رجال الأوس، بغية أن يختاروا من بينهم

____________

(1) أنظر عن أخبار يوم السقيفة (تاريخ الطبري 3 / 201 - 207، 218 - 223، تاريخ ابن خلدون 2 / 853 - 855 (القاهرة 1979)، ابن الأثير: الكامل في التاريخ 2 / 325 - 332، سيرة ابن هشام 4 / 488 - 492، شرح نهج البلاغة 6 / 5 - 45 (بيروت 1965)، محمد حسين هيكل:

الصديق أبو بكر ص 47 - 71 (القاهرة 1964)، الفاروق عمر ص 74 - 76 (القاهرة 1963)، السيوطي: تاريخ الخلفاء ص 58 - 70 (القاهرة 1952)، ابن كثير: البداية والنهاية 6 / 340 - 341، البلاذري: أنساب الأشراف 1 / 579 - 591 (القاهرة 1959)، سليم بن قيس: كتاب سليم بن قيس - أو السقيفة (المطبعة الحيدرية - النجف).

الشبلنجي: نور الأبصار ص 53، ابن عبد ربه: العقد الفريد 5 / 11 - 114 (بيروت 1983)، أحمد الشامي: الخلفاء الراشدون ص 16 - 38 (القاهرة 1982).

الصفحة 340
رجلاً، يكون على رأس المسلمين - بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم - فلقد اعتقد الأنصار أنهم أولى بهذا الأمر، بعد أن آوى الإسلام إليهم، وأذن الله لرسوله بالهجرة إليهم، ليتخذ مدينتهم موطناً له، ومنطلقاً لرسالته، فأتى الخبر أبا بكر، فأسرع معه عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح، إلى سقيفة بني ساعدة، وبعد جدال طال، ولم يستطل، انتهى المجتمعون إلى اختيار أبي بكر خليفة للمسلمين.

وكان الإمام علي - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة - في تلك الساعات الرهيبة، بجوار الجثمان الطاهر، المسجى في حجرته، ومن ثم فلم يحضر - هو وكذا بنو هاشم - اجتماع السقيفة، ولو شهد الإمام علي هذا الاجتماع، لكان له فيه مقال، ولربما أخذت الأمور في هذا اليوم المشهود اتجاهاً آخر غير اتجاهها الذي سارت فيه، خاصة وأن كثيراً من المصادر تذهب إلى أن الأنصار، إنما كانوا يفضلون الإمام علي بن أبي طالب (1).

على أن الإمام علي سرعان ما بايع الصديق، حين رأى في عدم بيعته فرقة للمسلمين، قد يستغلها ضعاف الإيمان، روي أن أبا سفيان بن حرب - وهو من الطلقاء، ومن المؤلفة قلوبهم - انتهز الفرصة وعمل على إشعال نار الفتنة بين علي والعباس، ثم بين بني هاشم وسائر بطون قريش، يعد قوماً بنصرة بني أمية، ونصرة قريش من ورائها، ويوسوس لقوم آخرين بمثل هذا الوعد، أو بمثل هذا الوعيد، وما كان من همه أن ينصف بني هاشم، ولا أن يؤيد الأنصار، وإنما أراد الوقيعة التي يخذلهم بها جميعاً، أملاً في أن يعود له ما كان في الجاهلية.

روى البلاذري بسنده عن محمد بن المنكدر قال: جاء أبو سفيان إلى علي فقال: أترضون أن يلي أمركم ابن أبي قحافة، أما والله لئن شئتم لأملأنها عليه خيلاً ورجالاً، فقال علي: لست أشاء ذلك، ويحك يا أبا سفيان، إن المسلمين

____________

(1) أنظر: تاريخ اليعقوبي 2 / 123، شرح نهج البلاغة 6 / 44 - 45، ابن الأثير: الكامل في التاريخ 2 / 325.

الصفحة 341
نصحة بعضهم لبعض، وإن ناءت دارهم وأرحامهم، وإن المنافقين غششة بعضهم لبعض، وإن قربت ديارهم وأرحامهم، ولو لا أنا رأينا أبا بكر أهلاً لها، ما خليناه وإياها.

وروى المدائني بسنده عن الحسين عن أبيه: أن أبا سفيان جاء إلى علي، عليه السلام، فقال: يا علي، بايعتم رجلاً من أذل قبيلة في قريش، أما والله لو شئت لأضر منها عليه من أقطارها، ولأملأنها عليه خيلاً ورجالاً، فقال علي:

إنك طال ما غششت الله ورسوله، والإسلام فلم ينقصه ذلك شيئاً، إن المؤمنين وإن ناءت ديارهم وأبدانهم، نصحة بعضهم لبعض، وإنا قد بايعنا أبا بكر، وكان والله لها أهلاً (1).

ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى الخلاف الشديد بين العلماء حول الوقت الذي بايع فيه الإمام الصديق، فهناك اتجاه إلى أن الإمام علي إنما قد بايع أبا بكر الصديق عقب بيعة الناس له مباشرة، روى الطبري بسنده عن حبيب بن أبي ثابت قال: كان علي في بيته إذ أتي فقيل له: قد جلس أبو بكر للبيعة، فخرج في قميص ما عليه إزار ولا رداء، عجلاً، كراهية أن يبطئ عنها، حتى بايعه، ثم جلس إليه وبعث إلى ثوبه فأتاه فتجلله، ولزم مجلسه (2).

وروى البيهقي بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، واجتمع الناس في دار سعد بن عبادة، وفيهم أبو بكر وعمر، قال: فقام خطيب الأنصار فقال: أتعلمون أنا أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنحن أنصار خليفته، كما كنا أنصاره، قال: فقام عمر بن الخطاب فقال: صدق قائلكم، ولو قلتم غير هذا لم نبايعكم، فأخذ بيد أبي بكر وقال: هذا صاحبكم فبايعوه، فبايعه عمر، وبايعه المهاجرون والأنصار، وقال: فصعد أبو بكر المنبر، فنظر في وجوده القوم، فلم ير الزبير، قال: فدعا الزبير فجاء، قال: قلت: ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أردت

____________

(1) أنساب الأشراف 1 / 588.

(2) تاريخ الطبري 3 / 207.

الصفحة 342
أن تشق عصا المسلمين، قال: لا تثريب يا خليفة رسول الله، فقام فبايعه، ثم نظر في وجوه القوم فلم ير علياً، فدعا بعلي بن أبي طالب، قال: قلت:

ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وختنه على ابنته، أردت أن تشق عصا المسلمين، قال:

لا تثريب يا خليفة رسول الله، فبايعه (1).

على أن هناك وجهاً آخر للنظر، يذهب إلى أن البيعة تمت مباشرة، غير أنها تمت بإكراه، فقد روي عن أبي لهيعة عن أبي الأسود قال: غضب رجال من المهاجرين في بيعة أبي بكر، بغير مشورة، وغضب علي والزبير، فدخلا بيت فاطمة، معهما السلاح، فجاء عمر في عصابة، فيهم أسيد بن حضير، وسلمه بن قريش - وهما من عبد الأشهل - فاقتحما الدار، فصاحت فاطمة وناشدتهما الله، فأخذوا سيفيهما، فضربوا بهما الحجر حتى كسروهما، فأخرجهما عمر يسوقهما حتى بايعا (2).

وفي تاريخ الطبري (3): وتخلف علي والزبير، واخترط الزبير سيفه وقال:

لا أغمده حتى يبايع علي، فبلغ ذلك أبا بكر وعمر، فقال عمر: خذوا سيف

____________

(1) ابن كثير: البداية والنهاية 6 / 341.

(2) ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 6 / 47.

(3) هو الإمام أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري، المؤرخ المفسر المحدث الفقيه أحد العلماء غزيري الإنتاج في العلوم الإسلامية، لم يقتصر اهتمامه على التاريخ والتفسير والحديث، بل تناول النحو والأخلاق والرياضيات والطب، وكان في أول أمره على مذهب الشافعي، ثم أسس بعد عودته من مصر مدرسة فقهية نسبت إليه سميت الجريرية، وإن كانت شهرته إنما تقوم على كتابيه: تاريخ الطبري وتفسير الطبري، ولد عام 224 أو 225 هـ‍(839 م) وتوفي في بغداد عام 310 هـ‍(1923)، وأهم مصادر ترجمته: الفهرست ص 234 - 235، تاريخ بغداد للخطيب 2 / 162 - 169، إرشاد الأريب لياقوت 6 / 423 - 462 (ط لندن) 18 / 40 - 94 (ط القاهرة)، أنباء الرواة للقفطي 3 / 89 - 90، غاية النهاية لابن الجوزي 2 / 106 - 108، تذكرة الحفاظ للذهبي 2 / 251 - 255، المنتظم لابن الجوزي 6 / 170 - 172، الذهبي: ميزان الاعتدال 3 / 53، دول الإسلام 1 / 47، الوافي بالوفيات للصفدي 2 / 284 - 287، لسان الميزان لابن حجر 5 / 100 - 103، البداية والنهاية لابن كثير 11 / 145 - 147، الأعلام للزركلي 6 / 294، مهران: التاريخ والتأريخ ص 125 - 134).

الصفحة 343
الزبير، فاضربوا به الحجر، قال: فانطلق إليهم عمر، فجاء بهما تعباً، وقال:

لتبايعان وأنتما كارهان، فبايعا (1).

وعن الشعبي (2) قال: قال أبو بكر: يا عمر، أين خالد بن الوليد؟ قال:

هوذا، فقال: انطلقا إليهما - يعني علياً والزبير - فأتيا بهما، فانطلقا، فدخل عمر، ووقف خالد على الباب من خارج، فقال عمر للزبير: ما هذا السيف؟، قال: أعددته لأبايع علياً، قال: وكان في البيت ناس كثير، منهم المقداد بن الأسود، وجمهور كثير من الهاشميين، فاخترط عمر السيف فضرب صخرة في البيت فكسره، ثم أخذ بيد الزبير فأقامه ثم دفعه فأخرجه، وقال: يا خالد، دونك هذا، فأمسكه خالد - وكان مع خالد جمع كثير من الناس أرسلهم أبو بكر رداءً لهما - ثم دخل عمر فقال لعلي: قم فبايع فتلكأ واحتبس، فأخذ بيده، وقال: قم، فأبى أن يقوم، فحمله ودفعه، كما دفع الزبير، ثم أمسكهما خالد، وساقهما عمر ومن معه سوقاً عنيفاً واجتمع الناس ينظرون، وامتلأت شوارع المدينة بالرجال.

ورأت فاطمة ما صنع عمر، فصرخت وولولت، واجتمع معها نساء كثير من الهاشميات وغيرهن، فخرجت إلى باب حجرتها ونادت: يا أبا بكر، ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله، والله لا أكلم عمر، حتى ألقى الله.

قال: فلما بايع علي والزبير، وهدأت تلك الفورة، مشى إليها أبو بكر بعد ذلك، فشفع لعمر، وطلب إليها فرضيت.

____________

(1) تاريخ الطبري 3 / 203.

(2) الشعبي: أبو عمر عامر بن شراحيل الشعبي، ولد بالكوفة عام 19 هـ‍(640 م) وكان محدثاً وعالماً في الفقه والمغازي، عارفاً بالشعر، رواية له، وعمل قاضياً لعمر بن عبد العزيز، وتوفي عام 103 هـ‍(721 م)، وأهم مصادر ترجمته (طبقات ابن سعد 6 / 246 - 256 (ط بيروت)، تاريخ بغداد 12 / 227 - 233 د حلية الأولياء 4 / 310 - 338، تذكرة الحفاظ للذهبي 79 - 88، التهذيب لابن حجر 5 / 65 - 69، الأعلام للزركلي 4 / 18 - 19، معجم المؤلفين لكحالة 5 / 54، وفيات الأعيان لابن خلكان 3 / 12 - 16).