وفي رواية عن زيد بن أرقم قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى انتهينا إلى غدير خم، فأمر بروح فكنس من يوم ما أتى علينا يوم كان أشد حرا منه، فحمد الله وأثنى عليه وقال: أيها الناس، إنه لم يبعث نبي قط، إلا عاش نصف ما عاش الذي كان قبله، وإني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني تارك فيكم ما لن تضلوا بعده، كتاب الله عز وجل، ثم قام فأخذ بيد علي، فقال: يا أيها الناس، من أولى بكم من أنفسكم، قالوا: (الله ورسوله أعلم، قال: من كنت مولاه، فعلي مولاه) - قال هذا حديث صحيح الإسناد (2).
وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن خيثمة بن عبد الرحمن قال:
سمعت سعد بن مالك - وقال له رجل، إن عليا يقع فيك أنك تخلفت - فقال سعد: والله إنه لرأي رأيته، وأخطأ رأيي، إن علي بن أبي طالب أعطي ثلاثا لأن أكون أعطيت إحداهن، أحب إلي من الدنيا وما فيها، لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم غدير خم، بعد حمد الله والثناء عليه، هل تعلمون أني أولى بالمؤمنين؟ قلنا: نعم، قال: اللهم من كنت مولاه، فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وجئ به يوم خيبر، وهو أرمد ما يبصر، فقال: يا رسول الله إني أرمد، فتفل في عينيه، ودعا له، فلم يرمد حتى قتل، وفتح عليه خيبر، وأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه العباس وغيره من المسجد، فقال له العباس:
تخرجنا ونحن عصبتك وعمومتك، وتسكن عليا، فقال: ما أنا أخرجتكم وأسكنته، ولكن الله أخرجكم وأسكنه (3).
وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن رفاعة بن إياس عن أبيه عن جده
____________
(1) المستدرك للحاكم 3 / 109.
(2) المستدرك للحاكم 3 / 533، وانظر: كنز العمال 1 / 48.
(3) المستدرك للحاكم 3 / 116.
وذكره المتقي في كنز العمال، باختلاف يسير، وقال: أخرجه ابن عساكر (2).
وروى المحب الطبري في الرياض النضرة بسنده عن ابن مسعود قال:
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخذ بيد علي، وقال: هذا وليي، وأنا وليه، واليت من والاه، وعاديت من عاداه - قال أخرجه الحاكمي (3).
وقال السيوطي في الدر المنثور، في ذيل تفسير قول الله تعالى: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) (4) قال: وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والنسائي عن بريدة قال: عرفت مع علي اليمن فرأيت منه جفوة، فلما قدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكرت عليا فتنقصته، فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تغير، وقال:
يا بريدة: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: من كنت مولاه، فعلي مولاه (5).
وروى النسائي في الخصائص بسنده عن زيد بن أرقم قال: لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع، ونزل غدير خم، أمر بدوحات فأقمن، ثم قال:
كأني دعيت فأجبت، وإني تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا
____________
(1) المستدرك للحاكم 3 / 371.
(2) كنز العمال 6 / 83، وانظر: المستدرك للحاكم 2 / 129، 3 / 110.
(3) الرياض النضرة 2 / 622.
(4) سورة الأحزاب آية 6.
(5) فضائل الخمسة 1 / 355 - 356.
وروى النسائي في الخصائص بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: حدثني بريدة، قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم، مع علي رضي الله عنه إلى اليمن، فرأيت منه جفوة، فلما رجعت شكوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرفع رأسه إلي وقال: يا بريدة، من كنت مولاه، فعلي مولاه (2).
وفي رواية عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن بريدة قال: خرجت مع علي رضي الله عنه إلى اليمن، فرأيت منه جفوة، فقدمت علي النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت عليا فتنقصته، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتغير وجهه، فقال: يا بريدة، ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: من كنت مولاه، فعلي مولاه (3).
وعن عبد الواحد بن أيمن عن أبيه أن سعدا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كنت مولاه، فعلي مولاه (4).
وعن عوف عن ميمون أبي عبد الله قال زيد بن أرقم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه، قالوا: بلى، نشهد لأنت أولى بكل مؤمن من نفسه، قال: فإني من كنت مولاه، فهذا مولاه، وأخذ بيد علي (5).
____________
(1) النسائي: تهذيب خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ص 50 - 51.
(2) الخصائص ص 51.
(3) الخصائص ص 52.
(4) الخصائص ص 52.
(5) الخصائص ص 52.
هذا وقد روى النسائي في الخصائص حديث: (من كنت مولاه، فعلي مولاه). بعدة روايات أخرى (2).
وروى الإمام أحمد في المسند بسنده عن ميمون أبي عبد الله قال: قال (يد بن أرقم - وأنا أسمع - نزلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بواد يقال له وادي خم، فأمر بالصلاة فصلاها بهجير، قال: فخطبنا وظلل لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بثوب على شجرة سمرة من الشمس، فقال: ألستم تعلمون، أو لستم تشهدون أني أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى، قال: فمن كنت مولاه، فإن عليا مولاه، اللهم عاد من عاداه ووال من والاه (3).
وفي رواية أخرى عن ميمون أبي عبد الله قال: كنت عند زيد بن أرقم، فجاء رجل من أقصى الفسطاط، فسأله فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، قال: من كنت مولاه، فعلي مولاه، قال ميمون: فحدثني بعض القوم عن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه (4).
وروى الإمام أحمد في الفضائل بسنده عن رياح الحارث قال: جاء رهط إلى علي بالرحبة، فقالوا: السلام عليك يا مولانا، فقال: كيف أكون مولاكم، وأنتم قوم عرب؟ قالوا: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم: من كنت
____________
(1) الخصائص ص 53.
(2) الخصائص ص 50 - 54 (الأحاديث أرقام، 65، 66، 767 68، 69، 70، 71، 72، 73، 74).
(3) مسند الإمام أحمد 4 / 372، فضائل الصحابة 2 / 597.
(4) مسند الإمام أحمد 4 / 372، وانظر روايات أخرى للحديث الشريف في المسند أيضا (1 / 84، 88، 118، 119، 330، 4 / 368، 270، 388، 5 / 350، 366، 419).
نفر من الأنصار، فيهم أبو أيوب الأنصاري (1).
وعن عطية العوفي قال: أتيت زيد بن أرقم، فقلت له: إن ختنا لي حدثني بحديث في شأن علي يوم غدير خم، فأنا أحب أن أسمعه منك، فقال: إنكم معشر أهل العراق فيكم ما فيكم، فقلت له: ليس عليك مني بأس، قال: نعم، كنا بالجحفة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلينا ظهرا، وهو آخذ بعضد علي، فقال:
أيها الناس، ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه، قال: فقلت له: قال اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه؟ قال: إنما أخبرك كما سمعت (2).
وعن البراء بن عازب قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في سفر، فنزلنا بغدير خم، فنودي فينا الصلاة جامعة، وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم، تحت شجرتين، فصلى الظهر، وأخذ بيد علي، فقال: ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟
قالوا: بلى، قال: ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه؟. قالوا: بلى، قال: فأخذ بيد علي، فقال: اللهم من كنت مولاه، فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، قال: فلقيه عمر بعد ذلك، فقال: هنيئا لك يا ابن أبي طالب، أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة (3).
وروى الفخر الرازي في التفسير الكبير، في ذيل تفسير قوله تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) (4)، قال: العاشر: - أي من وجوه نزول الآية - نزلت الآية في فضل علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه،
____________
(1) الإمام ابن حنبل: فضائل الصحابة 2 / 572، وانظر: المسند 5 / 419.
(2) فضائل الصحابة 2 / 586، وانظر المسند 4 / 388.
(3) فضائل الصحابة 2 / 585 - 586.
(4) سورة المائدة: آية 67.
وروى الإمام أحمد في الفضائل بسنده عن زاذان أبي عمر قال: سمعت عليا في الرحبة، وهو ينشد الناس، من شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، في غدير خم، وهو يقول ما قال: فقام ثلاثة عشر رجلا، فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقول: من كنت مولاه، فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه (2).
وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد (9 / 107)، وأخرجه الدولابي في الكنى (2 / 88).
وعن ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله: صلى الله عليه وسلم: من كنت وليه، فعلي وليه (3).
____________
(1) فضائل الخمسة 1 / 362 - 363.
(2) فضائل الصحابة 2 / 585 - 586.
(3) فضائل الصحابة 2 / 563، وانظر: المسند 5 / 35، 358، 361، وأخرجه ابن حبان ص 544 من طريق الأعمش بلفظ (مولاه)، كما في المسند (1 / 84، 118، 119، 152، 5 / 366، 419، كلها عن علي بلفظ مولاه)، وأخرجه أحمد (5 / 368، 370) وابن ماجة (1 / 43) عن البراء بن عازب، وأخرجه أحمد (4 / 368) والنسائي من الخصائص (ص 52) والحاكم (3 / 110)، والترمذي (5 / 63) والدولابي في الكنى (2 / 61) كلها عن زيد بن أرقم.
وأخرجه أحمد في المسند (5 / 347) والنسائي في الخصائص (ص 52) كلاهما عن ابن عباس عن بريدة، وأخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في المطالب العالية (4 / 59 - 60) عن بريدة وجابر وأبي هريرة. وعقد الهيثمي في مجمعه (9 / 103) باب قوله صلى الله عليه وسلم: من كنت مولاه، وذكر فيه طرقا كثيرة جدا، غير ما ذكرنا.
وقال ابن حجر: وهذا حديث كثير الطرق جدا، استوعبها (ابن عقدة) في كتاب مفرد، منها صحاح ومنها حسان، نقلا عن فيض القدير (6 / 218).
=>
وفي رواية عن أنس قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من كنت مولاه، فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه (2).
وفي رواية عن الفضل بن الربيع عن أبيه عن المنصور عن أبيه عن جده عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كنت مولاه، فعلي مولاه (3).
وروى الهيثمي في مجمعه بسنده عن عمرو ذي مر، وزيد بن أرقم قالا:
خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم، فقال: من كنت مولاه، فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، وأعن من أعانه (4).
وقال: أخرجه الطبراني وأحمد عن زيد، ورواه المتقي في كنز العمال:
وقال: أخرجه الطبراني عن عمرو ذي مر، وزيد بن أرقم معا (5).
____________
<=
ورواه الإمام أحمد في فضائل الصحابة بطرق كثيرة (2 / 653، 569، 584، 592، 599،
613، 620، 649، 682، 683، 684، 688، 689، 705) وهي الأحاديث الشريفة أرقام
947، 959، 989، 1007، 1021، 1022، 1035، 1060، 1104، 1167، 1175،
1177، 1206).
(1) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 8 / 290.
(2) تاريخ بغداد 7 / 377.
(3) تاريخ بغداد 12 / 343.
(4) مجمع الزوائد للهيثمي 9 / 104، وانظر (مجمع الزوائد 9 / 105، 106، 107، 108، 119،
166).
(5) كنز العمال 6 / 154.
ويروي ابن حجر الهيثمي الحديث الشريف كالتالي: قال صلى الله عليه وسلم، يوم غدير خم - موضع بالجحفة - مرجعه من حجة الوداع - بعد أن جمع الصحابة وكرر
____________
(1) ابن كثير: السيرة النبوية 4 / 414 - 425، وانظر: البداية والنهاية 5 / 208.
(2) تاريخ ابن خلدون 2 / 841 - 842 (بيروت 1983).
(3) تاريخ اليعقوبي 2 / 112.
وروي حديث الغدير هذا - هذا غير ما ذكرنا - ابن الأثير في أسد الغابة (1 / 364، 3 / 139، 171، 4 / 108، 6 / 252) والطحاوي في مشكل الآثار (2 / 307) والهيثمي في مجمعه (7 / 17) وابن قتيبة في الإمامة والسياسة ص 93، وابن حجر العسقلاني في الإصابة (1 / 304، 305، 2 / 408، 4 / 159)، وفي تهذيب التهذيب (7 / 377)، والواحدي في أسباب النزول ص 135، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (3 / 208) وأبو داوود الطيالسي في مسنده (1 / 23)، والمناوي في فيض القدير (6 / 217).
(4) غدير خم: يقع على مبعدة 25 كيلا شرقي رابغ، فيه خطب النبي صلى الله عليه وسلم خطبته المشهورة يوم 18 ذي الحجة عام 10 هـ، أثناء عودته من حجة الوداع في العام العاشر من الهجرة (مارس 1632)، والتي قال فيها: من كنت مولاه، فعلي مولاه... الخ.
(5) المستدرك للحاكم 2 / 502.
(6) نور الأبصار ص 78.
وفي السيرة الحلبية (2): لما وصل صلى الله عليه وسلم إلى محل بين مكة والمدينة يقال له (غدير خم) بقرب رابغ، جمع الصحابة وخطبهم خطبة بين فيها فضل علي، كرم الله وجهه، وبراءة عرضه مما تكلم فيه بعض من كان معه بأرض اليمن، بسبب ما كان صدر منه إليهم من المعدلة التي ظنها بعضهم جورا وبخلا، والصواب كان معه، كرم الله وجهه في ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
أيها الناس إنما أنا بشر مثلكم، يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وفي لفظ في الطبراني: يا أيها الناس إنه قد نبأني اللطيف الخبير، أنه لم يعمر نبي إلا نصف عمر الذي يليه من قبله، وإني لأظن أن يوشك أن أدعى فأجيب، وإنى مسؤول، وإنكم، فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وجهدت ونصحت، فجزاك الله خيرا، فقال صلى الله عليه وسلم: أليس تشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن جنته حق، وناره حق، وأن الموت حق، وأن البعث حق بعد الموت، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور؟
قالوا: بل نشهد بذلك، قال: اللهم أشهد. ثم حض على التمسك بكتاب الله، ووصى بأهل بيته، فقال: إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا على الحوض.
وقال في حق علي، كرم الله وجهه، لما كرر عليهم: ألست أولى بكم من أنفسكم ثلاثا، وهم يجيبونه صلى الله عليه وسلم بالتصديق والاعتراف، ورفع صلى الله عليه وسلم، يد علي،
____________
(1) الصواعق المحرقة ص 64.
(2) السيرة الحلبية 3 / 336 - 337).
وهذا أقوى ما تمسكت به الشيعة والإمامية والرافضة، على أن عليا، كرم الله وجهه، أولى بالإمامة من كل أحد، وقالوا: هذا نص صريح على خلافته، سمعه ثلاثون صحابيا وشهدوا به، قالوا: فلعلي عليهم من الولاء ما كان للنبي صلى الله عليه وسلم عليهم، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: ألست أولى بكم. والحديث صريح ورد بأسانيد صحاح وحسان، ولا التفات لمن قدح في صحته، كأبي داود، وأبي حاتم الرازي، وقول بعضهم إن زيادة: اللهم وال من والاه الخ موضوعة مردودة، فقد ورد ذلك من طرق صحح الذهبي كثيرا منها.
وقد جاء أن عليا كرم الله وجهه قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
أنشد الله من ينشد يوم غدير خم إلا قام، ولا يقوم رجل يقول: أنبئت أو بلغني، إلا رجل سمعت أذناه، ووعى قلبه، فقام سبعة عشر صحابيا، وفي رواية ثلاثون صحابيا، وفي المعجم الكبير ستة عشر، وفي رواية اثنا عشر، فقال: هاتوا ما سمعتم، فذكروا الحديث، ومن جملته: (من كنت مولاه، فعلي مولاه) وعن زيد بن أرقم: وكنت ممن كتم، فذهب الله ببصري، وكان علي كرم الله وجهه، دعا على من كتم.
ولما شاع قوله صلى الله عليه وسلم (من كنت مولاه فعلي مولاه) في سائر الأمصار، وطار في جميع الأقطار، بلغ الحارث بن النعمان الفهري، فقدم المدينة، فأناخ راحلته عند باب المسجد، فدخل والنبي صلى الله عليه وسلم جالس، وحوله أصحابه، فجاء حتى جثا بين يديه، ثم قال: يا محمد، إنك أمرتنا أن نشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله فقبلنا ذلك منك، وإنك أمرتنا أن نصلي في اليوم والليلة خمس صلوات، ونصوم شهر رمضان ونزكي أموالنا ونحج البيت، فقبلنا ذلك منك.
ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن (حديث الغدير) هذا، إنما تعتبره الشيعة من أقوى الأدلة وأظهرها على خلافة الإمام علي بن أبي طالب، عليه السلام، وإمامته، من بعد النبي صلى الله عليه وسلم، بلا فصل بينهما، والاحتجاج به إنما يحتاج إلى ذكر أمرين: السند والدلالة.
أما السند: فهو في أعلى مرتبة الصحة والقوة، فإنه حديث متواتر، رواه أكابر الصحابة وأجلاؤهم ومنهم، سيدنا الإمام علي وعمار وعمر وطلحة وزيد بن أرقم والبراء بن عازم وأبو أيوب، وبريدة الأسلمي وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وأنس بن مالك وحذيفة بن أسيد وجابر بن عبد الله وجابر بن سمرة وابن عباس وابن عمر، وعامر بن ليلى وحبشي بن جنادة وجرير البجلي، وقيس بن ثابت وسهل بن حنيف وخزيمة بن ثابت وعبيد الله بن ثابت الأنصاري وثابت بن وديعة الأنصاري والنعمان بن عجلان الأنصاري، وحبيب بن بديل وهاشم بن عتبة وحبة بن جوين ويعلى بن مرة ويزيد بن شراحيل الأنصاري، وناجية بن عمرو والخزاعي وعامر بن عمير وأيمن بن نايل وأبو زينب وعبد الرحمن بن عبد رب وعبد الرحمن بن مبرح وأبو قدامة وعمارة، وغيرهم خلق كثير، من رووا حديث الغدير (1).
____________
(1) الفيروزآبادي: فضائل الخمسة من الصحاح السنة 1 / 391 - 392 (بيروت 1973).
ويروي القندوزي في (ينابيع المودة): أن الطبري المؤرخ ذكر خبر (حديث غدير خم) من خمسة وسبعين طريقا، وأفرد له كتابا سماه (كتاب الولاية) ثم قال: أخرج خبر غدير خم (أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة)، وأفرد له كتابا، سماه (الموالاة)، وطرقه من مائة وخمسة طرق، ثم قال: وحكى العلامة (علي بن موسى بن علي بن محمد أبي المعالي الجويني، الملقب بإمام الحرمين - أستاذ أبي حامد الغزالي - يتعجب ويقول:
رأى مجلدا في بغداد في يد صحاف فيه روايات خبر غدير خم، مكتوبا عليه (المجلدة الثامنة والعشرون) من طرق قوله صلى الله عليه وسلم: (من كنت مولاه فعلي مولاه)، ويتلوه (المجلدة التاسعة والعشرون) (2).
وأما الدلالة: فهي أيضا في أعلى مراتب الظهور، وذلك لأن للفظ (المولى) في اللغة معاني متعددة كالمالك والعبد والعتق والعتيق والمحب والجار والحليف والعصبة، ومنه قوله تعالى: (وإني خفت الموالي من ورائي) (3)، قيل سموا بذلك لأنهم يلونه في النسب من المولى، وهو القرب، ومن معانيه أيضا الناصر، قيل: ومنه قوله تعالى: (ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا * وأن الكافرين لا مولى لهم) (4)، والصديق، قيل ومنه قوله تعالى: (يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا) (5)، أي صديق عن صديق، قيل: والوارث، ومنه قوله تعالى:
____________
(1) ابن حجر العسقلاني: تهذيب التهذيب 7 / 337، 339.
(2) فضائل الخمسة 1 / 392.
(3) سورة مريم: آية 5.
(4) سورة محمد: آية: 11.
(5) سورة الدخان: آية 41.
ومن أكمل معانيه وأتمها - بل ومن أشهرها وأظهرها - هو الأولى بالإنسان من نفسه، فالمولى بهذا المعنى، يطلق على كل عال ذي مقام شامخ، مطاع أمره، نافذ حكمه، فيقول له: أنت مولاي، أي أولى بي من نفسي، بل وبهذا المعنى، يطلق أيضا على مالك الرقبة، فإنه أولى بعبده من نفسه، إذ هو المتصرف في أموره وشؤونه، والعبد كل على، لا يقدر على شئ.
ومن هنا: صح أن يقال: إن مالك الرقبة، ليس معنى آخر مستقلا للفظ المولى، في قبالة الأولى بالإنسان من نفسه، بل هو من مصاديقه وأفراده، والجامع بينهما هو كل عال ذي مقام منيع شامخ، مطاع أمره، نافذ حكمه، فكل من كان كذلك، فهو بالنسبة إلى من دونه مولاه، أي أولى به من نفسه، سواء كان ذلك ممن يملك رقبته، بحيث إن شاء باعه، كما في موالي العبيد، أم لا.
والخلاصة أن المولى الواقع في قوله صلى الله عليه وسلم (من كنت مولاه، فعلي مولاه)، ليس المراد منه إلا الأولى بهم من أنفسهم، الذي هو عبارة عن (الإمام) و (الأمير)، وذلك لأسباب كثيرة:
منها (أولا) قوله صلى الله عليه وسلم: (ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فبعد ما قال أصحابه: بلى، قال: من كنت مولاه، فعلي مولاه)، فتفريعه صلى الله عليه وسلم قول: من كنت مولاه، على قوله: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم، دليل واضح على كون (المولى) هنا، بمعنى الأولى بهم من أنفسهم، وإلا لكان قوله: ألست أولى؟
لغوا جدا، هذا مع أن في كثير من طرق الحديث التفريع بالفاء صريحا، مثل قوله: فمن كنت مولاه، فعلي مولاه، وهذا أظهر وأصرح في التفريع، كما لا يخفى.
____________
(1) سورة النساء: آية 33.
ومنها (ثالثا) تصريحه في بعض طرقه بلفظ (أولى به من نفسه) في حديث كنز العمال والهيثمي، الذي كان أوله: إني لا أجد لنبي... إلى قوله: ثم أخذ بيد علي: فقال: من كنت أولى به من نفسه، فعلي وليه، فإن ذلك كذلك دليل واضح على أن المراد من (المولى) في بقية طرق الحديث هو الأولى به من نفسه، بإن الأخبار يفسر بعضها بعضا.
ومنها (رابعا) قوله صلى الله عليه وسلم، في طرقه الممزوج بحديث الثقلين: إنه لم يعمر نبي إلا نصف عمر الذي يليه من قبله، أو أني لا أجد لنبي إلا نصف عمر الذي كان قبله، وإني يوشك أن أدعى فأجيب، أو إني قد يوشك أن أدعى فأجيب، وإني مسؤول، وإنكم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون، فإن هذا كله من أقوى الأدلة على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن إلا في مقام الوصية والاستخلاف، وتعيين الإمام من بعده، كي يأتم به الناس، ويهتدوا بهداه، ويقفوا أثره، ولا يتركهم سدى، أتباع كل ناعق، وليس بصدد بيان أن من كنت محبه أو ناصره أو نحو ذلك من المعاني، فعلي محبه أو ناصره، فإن إرادة مثل هذه المعاني مما لا يحتاج إلى ذكر قرب مودته، ودون أجله صلى الله عليه وسلم، وأنه يوشك أن يدعى فيجيب وغير ذلك.
ومنها (خامسا) أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ومجموع ما صدر منه في ذلك اليوم - يوم غدير خم - مع صرف النظر عن كل قرينة لفظية، إنما هو أقوى دليل، وأعظم شاهد، على أنه صلى الله عليه وسلم إنما كان بصدد نصب الإمام، والخليفة من بعده، وأن المراد من (المولى) هو الأولى بهم من أنفسهم، ذلك أننا إذا تأملنا
ومما يؤكد ذلك قول أبي بكر وعمر لعلي - بعدما سمعا قول النبي صلى الله عليه وسلم - أمسيت يا ابن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة، أو قول عمر: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مسلم، أو هنيئا لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لو لم يكن قد أنشأ وأوجد بفعله وقوله ذلك لعلي عليه السلام منصبا جديدا، لم يكن ثابتا له من قبل، لما قالا له: أمسيت أو أصبحت مولى كل مؤمن ومؤمنة، ونحو ذلك، فإن مثل هذا التعبير لا يقال إلا عند حصول منصب جديد حادث، وإلا فالإمام علي إنما كان محبا لمن كان النبي محبا له، أو ناصرا لمن كان النبي ناصرا له، وهذا كله واضح، لا يحتاج إلى مزيد بيان.
هذا إلى أن إنكار (الحارث بن النعمان الفهري) على النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:
إنك أمرتنا بكذا وكذا، فقبلنا، ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك
وهكذا ينظر العلويون إلى (بيعة غدير خم) كأعظم حادثة تاريخية، كما أن يومها لديهم، إنما هو أعظم الأيام، وبعد أن تمت هذه البيعة، نادى النبي صلى الله عليه وسلم، أصحابه وتلا عليهم قول الله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) (2) ثم قال: (الحمد لله على كمال الدين، وتمام النعمة، ورضي الله برسالتي، وبولاية علي بعدي).
ثم استأذن حسان بن ثابت الأنصاري، النبي صلى الله عليه وسلم، بالإنشاد، فأذن له وقال:
قال يا حسان على اسم الله وبركاته، فأنشد حسان أبياته المشهورة وهي:
____________
(1) السيد مرتضى الحسين الفيروزآبادي: فضائل الخمسة من الصحاح الستة 1 / 392 - 396، وانظر 1 / 349 - 391، 1 / 396 - 406 (مؤسسة الأعلى للمطبوعات - بيروت 1973).
(2) سورة المائدة: آية 3.
9 - قوله صلى الله عليه وسلم: إن عليا مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي:
روى الترمذي في صحيحه بسنده عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، جيشا واستعمل عليهم علي بن أبي طالب عليه السلام، فمضى في السرية فأصاب جارية، فأنكروا عليه، وتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إذا لقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخبرناه بما صنع علي، وكان المسلمون إذا رجعوا من السفر بدأوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلموا عليه، ثم انصرفوا إلى رحالهم، فلما قدمت السرية سلموا على النبي صلى الله عليه وسلم، فقام أحد الأربعة فقال:
يا رسول الله، ألم تر إلى علي بن أبي طالب صنع كذا وكذا؟ فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قام الثاني فقال مثل مقالته، فأعرض عنه، ثم قام الثالث فقال مثل مقالته فأعرض عنه، ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، والغضب يعرف في وجهه، فقال: ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إن عليا مني، وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي (2).
وروى الإمام أحمد في المسند بسنده عن بريدة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثين إلى اليمن، على أحدهما علي بن أبي طالب، وعلى الآخر خالد بن الوليد، فقال: إذا لقيتم فعلي على الناس، وإن افترقتما فكل واحد منكما على جنده، قال: فلقينا بني زيد من أهل اليمن، فاقتتلنا فظهر المسلمون على المشركين، فقتلنا المقاتلة، وسبينا الذرية، فاصطفى علي عليه السلام امرأة من
____________
(1) محمد أمين غالب الطويل: تاريخ العلويين ص 120 - 123 (دار الأندلس - بيروت 1966)، وانظر: الفيروزآبادي: فضائل الخمسة 1 / 405 - 406.