((والحمد لله رب العالمين))

((والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين))

((مولانا وسيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين))


((اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم))

((وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم))

((في العالمين، إنك حميد مجيد)).


الصفحة 6

الصفحة 7

تقديم

تحدثنا في الجزء الأول من كتابنا هذا " الإمامة وأهل البيت " عن الإمامة، ثم عن التشيع لآل البيت النبوي الشريف. وتحدثنا في الجزء الثاني من هذا الكتاب عن الإمام علي بن أبي طالب، وأحقيته في الإمامة، وقدمنا ما استطعنا من الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة.

ونتابع - بمشيئة الله تعالى سبحانه وتعالى - في هذا الجزء الثالث الحديث عن الأئمة خلفاء الإمام علي، من الإمام الباقر، وحتى الإمام المهدي المنتظر.

ولم نشرف في هذا الجزء بالحديث عن سادتنا الكرام البررة، سيدنا الإمام الحسن وسيدنا الإمام الحسين وسيدنا الإمام جعفر الصادق، لأننا شرفنا من قبل بكتابة كتاب خاص عن كل منهم، على حدة.

وسوف نختم هذا الجزء الثالث بقائمة من المراجع المختارة، التي اعتمدنا عليها في هذه الدراسة.

والله تعالى نسأل، أن يجنبنا الزلل، وأن يشملنا بعفوه ورحمته، وأن يعفو عن أخطائنا وأن يجعل في هذه الدراسة " في رحاب النبي وآل بيته الطاهرين " - بأجزائها التي امتدت حتى الآن إلى اثني عشر جزءا - أن يجعل فيها بعض النفع، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين.

" وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ".


الصفحة 8
والحمد لله حمدا يليق بجلاله، ويقربنا إلى مرضاته سبحانه وتعالى، فيقبلنا - بمنه وكرمه - في أمة سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، عبادا لله قانتين، وللنبي الأمي الكريم تابعين، وبهديه مقتدين، إنه سميع قريب، مجيب الدعوات، رب العالمين.

بولكلي - رمل الإسكندرية الأول من يناير 1993 م الثامن من رجب عام 1413 هـ:


دكتور محمد بيومي مهران       
الأستاذ بكلية الآداب - جامعة الإسكندرية


الصفحة 9

الباب الرابع
الأئمة خلفاء الإمام علي بن أبي طالب

تقديم

ترى الشيعة الإمامية أن الإمامة قد انتقلت من الإمام علي بن أبي طالب إلى أولاده بالنص عليهم من سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وأن الإمام علي إنما قد سأل سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن الأوصياء، فقال: " كلهم هاد مهتد، لا يضرهم كيد من كادهم، ولا خذلان من خذلهم، هم مع القرآن، والقرآن معهم، فقلت: يا رسول الله، سمهم لي فقال: ابني هذا، ووضع يده على رأس الحسن، ثمن ابني هذا، ووضع يده على رأس الحسين، ثم ابن ابني هذا، ووضع يده على رأس الحسين، ثم ابن لي على اسمي اسمه محمد، باقر علمي، وخازن وصي الله ورسوله، وسيولد علي في حياتك، فأقرأه مني السلام، ثم أقبل على الحسين فقال: سيولد لك محمد بن علي، في حياتك فأقرئه مني السلام... ثم يستمر إلى نهاية الاثني عشر إماما، من ولدك مني السلام... ثم يستمر إلى نهاية الاثني عشر إماما، من ولدك يا أخي، فقلت: يا نبي الله، سمهم لي، فسماهم رجلا رجلا، منهم والله هلال مهدي هذه الأمة، الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت ظلما وجورا (1).

ويؤكد صاحب الرواية - سليم بن قيس - هذا الخبر، بأنه سأل الحسن

____________

(1) سليم بن قيس: كتاب سليم بن قيس - أو السقيفة ص 94 (ط النجف).

الصفحة 10
والحسين عنه، فشهدا له بذلك (1). كما يؤكد الإمام علي الخبر، حيث يقول: يا سليم، إن أوصيائي أحد عشر رجلا، كلهم محدثون، فقلت: يا أمير المؤمنين، من هم؟ قال: ابني هذا الحسن، ثم ابني هذا الحسين، ثم ابني هذا، وأخذ بيد ابن ابنه، علي بن الحسين (علي زين العابدين)، وهو رضيع، ثم ثمانية من ولده، واحدا بعد واحد، هم الذين أقسم الله بهم فقال: (ووالد وما ولد) (2)، فالوالد أوصياء، فقلت: يا أمير المؤمنين فيجتمع إمامان، قال: نعم، إلا أن واحدا صامت لا ينطق حتى يهلك الأول " (3).

هذا ويذهب بعض العلماء إلى أن هناك بعضا من آي الذكر الحكيم تشير إلى ولاية الأئمة، ومن ذلك قوله تعالى: (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه، ولا تتبعوا السبل) (4)، قال " فرات " (5): وتفسيره أن هذه الآية الكريمة إنما تشير إلى أن الإمام عليا والأئمة من ولد فاطمة - عليها السلام - هم صراطه، فمن أتاه سلك السبيل (6).

وفي تفسير قوله تعالى: (ليس البر أن تأتوا البيوت من ظهورها، ولكن البر من اتقى، وأتوا البيوت من أبوابها) (7)، يقول أمير المؤمنين علي: نحن البيوت التي أمر الله أن تؤتى من أبوابها، ونحن باب الله الذي يؤتى، فمن يأتينا

____________

(1) نفس المرجع السابق ص 95.

(2) سورة البلد: آية 3.

(3) سليم بن قيس: السقيفة ص 201.

(4) سورة الأنعام: آية 153.

(5) هو فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي، روى عن الحسين بن الكوفي (ت 300 هـ / 912) وروى عنه أبو الحسن علي بن الحسين بن بابويه (ت 329 هـ / 940 م)، ومن المرجح أن فرات توفي عام 310 هـ (922 م)، وأهم آثاره تفسيره (أنظر: الذريعة 4 / 298 - 300، فؤاد سزكين: تاريخ التراث العربي 3 / 289).

(6) تفسير فرات ص 45 (المطبعة الحيدرية - النجف).

(7) سورة البقرة: آية 189.

الصفحة 11
وآمن بولايتنا، فقد أتى البيوت من أبوابها، ومن خالفنا، وفضل علينا غيرنا، فقد أتى البيوت من ظهورها (1).

وفي تفسير قوله تعالى: (إن في ذلك لآيات لأولي النهى) (2)، قال: عن أبي عبد الله الصادق: نحن والله أولو النهى، ونحن قوام الله على خلقه، وخزانه على دينه " (3).

هذا وقد فسر " علي بن إبراهيم القمي " عددا من الآيات في الولاية أيضا، منها قوله تعالى: (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا) (4). قال: النبيون رسول الله، والصديقون علي، والشهداء الحسن والحسين، والصالحون الأئمة، وحسن أولئك رفيقا، يقال للقائم من آل محمد (5).

وفسر قوله تعالى: (فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل) (6)، يقول: هم الذين تمسكوا بولاية علي بن أبي طالب والأئمة (7).

ويفسر قوله تعالى: (والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين) (8)، فالتين رسول الله (صلى الله عليه وسلم) والزيتون علي بن أبي طالب، وطور سينين والبلد الأمين الأئمة (9).

____________

(1) تفسير فرات ص 45 - 46.

(2) سورة طه: آية 54.

(3) تفسير فرات ص 92، وانظر: نبيلة عبد المنعم داود: نشأة الشيعة الإمامية ص 165 - 159.

(4) سورة النساء: آية 69.

(5) تفسير القمي ص 89.

(6) سور النساء: آية 175.

(7) تفسير القمي ص 89.

(8) سورة التين: آية 2.

(9) تفسير القمي ص 368.

الصفحة 12
هذا ويذهب " الكليني " إلى أن الأئمة منصوص عليهم من الله ورسوله، فيفسر قوله تعالى: (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) (1)، بأنها نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين (2).

وروى " الكليني " (3) عن الإمام أبي جعفر محمد الباقر في قوله تعالى:

(النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وأزواجه أمهاتهم، وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) قال: نزلت في الإمرة، وأن هذه الآية جرت في ولد الحسين من بعده، فنحن أولى بالأمر وبرسول الله من المؤمنين والمهاجرين والأنصار (4).

وروي عن الإمام أبي عبد الله الصادق في تفسير قوله تعالى: (إنما

____________

(1) سورة النساء: آية 54.

(2) الكليني: الأصول من الكافي 1 / 288 (تصحيح علي أكبر الغفاري - مكتبة الصدوق طهران 1381 هـ).

(3) الكليني: هو أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني، كان أكبر علماء الإمامية في عصره ببغداد، وكان مجددا، وعرف بذلك عند معاصريه في أوائل القرن الرابع الهجري، وتوفي في بغداد عام 328 هـ (939 م)، وأهم آثاره (1) الكافي في علم الدين - وهو أحد الكتب الأربعة الأساسية المعتمدة في فقه الشيعة، ونشره " علي أكبر الغفاري " في طهران عام 1961 م، وله عدة شروح (1 - شرح أصول الكافي للملا صدر الدين الشيرازي 2 - شرح لأبي الفضائل محمد بن صالح المازندراني 3 - مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول لمحمد باقر المجلسي 4 - الرواسخ السماوية في شرح الأحاديث الإمامية لمحمد بن دارماد 5 - شرح للميرزا رفيع محمد بن حيدر الحسين 6 - هدى العقول في شرح أحاديث الأصول لمحمد بن عبد العالي 7 - شرح لمزجي 8 - شرح للأمير محمد معصوم التبريزي 9 - الدر المنظوم من كلام المعصوم لعلي بن محمد العاملي 10 - شواهد الإسلام لمحمد رفيع الكيلاني 11 - شرح لحسن بن الشيخ الأكبر جعفر النجفي 12 - شرح لحسين الزنجاتي) (2) روضة الكافي (3) كتاب الرد على القرامطة.

وأهم مصادر ترجمة الكليني (الرجال للنجاشي ص 292 - 293، الفهرست للطوسي ص 135 - 136، الأنساب للسمعاني ص 486 كشف الحجب للكنتوري ص 418 - 419، دائرة المعارف الإسلامية 4 / 381، أعيان الشيعة للعاملي 47 / 152 - 153، الأعلام للزركلي 8 / 17، معجم المؤلفين لكحالة 12 / 116 فؤاد سزكين: تاريخ التراث العربي 3 / 291 - 295).

(4) الكليني: الكافي 1 / 288.

الصفحة 13
وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) (1) قال: إنما يعني أولى بكم، أي أحق بكم وبأموركم وأنفسكم وأموالكم، الله ورسوله والذين آمنوا، يعني عليا وأولاده الأئمة إلى يوم القيامة (2).

وعلى أية حال، فإن الشيعة الإمامية إنما يحصرون الإمامة في الإمام علي - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة - وأولاده من بعده، وأنها خاصة بأولاد الإمام الحسين - دون الإمام الحسن - فخط الإمامة عندهم متسلسل في الأئمة، بعد الإمام علي بن أبي طالب، عليه السلام (3).

ويقول " الشيخ المفيد " (4): وكان الحسن وصي أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب على أهله وولده وأصحابه وصاه بالنظر في أوقافه وصدقاته، وكتب إليه عهدا مشهورا، ووصية ظاهرة (5).

ويتحدث الطوسي عن إمامة الحسن والحسين، ويستدل على إمامتهما

____________

(1) سورة المائدة: آية 55.

(2) الكليني: الكافي 1 / 288.

(3) نبيلة عبد المنعم داود: المرجع السابق ص 157 - 159.

(4) الشيخ المفيد: هو أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان بن عبد السلام العكبري العربي الحارثي المفيد بن المعلم، ولد في بغداد حوالي عام 333 هـ (944 م) أو 338 هـ / 950 م، وكان عالما كثير التصانيف، بلغت كتبه نحو مائتي كتاب، هذا بالإضافة إلى كتبه في الحديث والفقه، فلقد ألف كتبا في الرد على المعتزلة والحنابلة والزيدية، وفي الرد على الجبائي وابن كلاب والكرابيسي والجاحظ وغيرهم، ولكنه اعتزل السياسة وتوفي عام 414 هـ (1022 م). وأهم مصادر ترجمته (الفهرست لابن النديم ص 197، رجال النجاشي ص 311 - 316، الفهرست للطوسي ص 157 - 158، تاريخ بغداد 3 / 231، المنتظم لابن الجوزي 8 / 11 - 12، دول الإسلام للذهبي 1 / 180، لسان الميزان لابن حجر 5 / 368، النجوم الزاهرة لابن نعري بردي 4 / 258، شذرات الذهب لابن العمال 3 / 199 - 200، دائرة المعارف الإسلامية 3 / 675، أعيان الشيعة للعاملي 46 / 20 - 26، الذريعة 1 / 302، 509، 2 / 237، 258، 315، الأعلام للزركلي 7 / 245، معجم المؤلفين لكحالة 11 / 306 - 307، فؤاد سزكين: تاريخ التراث العربي 3 / 310 - 314).

(5) المفيد: الإرشاد ص 187 (النجف 1962).

الصفحة 14
بأدلة كثيرة، منها إجماع أهل البيت على القول بإمامتهما - بعد أبيهما - وتواتر الشيعة خلفا عن سلف بالنص عليهما من أبيهما، والنص من النبي (صلى الله عليه وسلم) بإمامة الأئمة الاثني عشر، وقول النبي (صلى الله عليه وسلم) " ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا " (1).

ثم جاء الإمام علي بن الحسين (علي زين العابدين) بعد أبيه الإمام الحسين، ويروي الكليني عن الإمام أبي عبد الله الصادق: أن الحسين لما سار إلى العراق، واستودع أم المؤمنين أم سلمة - رضي الله عنها - الكتب والوصية، فلما رجع علي بن الحسين دفعتهما إليه (2)، ويروي " سليم بن قيس " (3) أن عليا بن الحسين قد نص على إمامته سيدنا (صلى الله عليه وآله وسلم) (4).

وبعد وفاة الإمام علي زين العابدين قالت الشيعة: الذين ثبتوا الإمامة لعلي بن أبي طالب ثم للحسن ثم للحسين ثم لعلي بن الحسين، نزلوا إلى القول بإمامة أبي جعفر محمد الباقر بن علي بن الحسين، باقر العلم، فأقاموا على إمامته (5)، ويقول الشيخ المفيد: وكان محمد الباقر من بين إخوته خليفة أبيه علي بن الحسين، ووصيه والقائم بالإمامة من بعده (6).

ويقول البغدادي (المتوفى في عام 429 هـ / 1037 م): وقد ساق الباقرية الإمامة من علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، في أولاده، إلى محمد بن علي، المعروف بالباقر، وقالوا: إن عليا نص على إمامة ابنه الحسن، ونص الحسن

____________

(1) تلخيص الإرشاد 4 / 167.

(2) الكليني: الكافي 1 / 304.

(3) سليم بن قيس، صاحب " كتاب الأصل " وقد وصفه ابن النديم في الفهرست (ص 219) بأنه أول كتاب ظهر للشيعة، وقد ذكر سليم بن قيس الهلالي هذا، أنه كان راوية للإمام علي، وقد مات أثناء ملاحقة الحجاج الثقفي لأعداء الأمويين، وقد تضمنت أمهات كتب الشيعة المبكرة نصوصا كاملة منه، وقد وصل إلينا هذا الكتاب بروايات مختلفة (أنظر: الذريعة 2 / 152 - 159، تاريخ التراث العربي 3 / 261 - 262)، (4) سليم بن قيس: السقيفة ص 94.

(5) النوبختي: فرق الشيعة ص 52.

(6) المفيد: الإرشاد ص 261، نبيلة عبد المنعم داود: المرجع السابق ص 165 - 166.

الصفحة 15
على إمامة أخيه الحسين، ونص الحسين على إمامة ابنه علي بن الحسين زين العابدين، ونص علي زين العابدين على إمامة ابنه محمد بن علي، المعروف بالباقر (1).

غير أن الشيعة لم تدن جميعا بإمامة الباقر، وإنما ظهر الخلاف بين صفوفها، والذي تزعمته فرقة الجارودية (2)، وعلى أية حال، ففي هذه الفترة الحرجة ظهر " الإمام زيد بن علي " فقاد الثورة ضد الأمويين (3)، كما جاء بآراء جديدة، منها جواز إمامة المفضول، مع وجود الأفضل، ورغم أن الإمام محمد الباقر لم يؤيده في آرائه، غير أنه لم يمنع الناس من تأييده ونصرته، وإن كان الشيعة الذين قالوا بإمامة محمد الباقر تركوه.

هذا وتعلل المصادر الإمامية حركة زيد بأنه إنما ظهر بالسيف يطالب بثارات الحسين، ويدعو إلى " الرضا من آل محمد " فظن الناس أنه يريد بذلك نفسه، ولم يردها له، لمعرفته باستحقاق أخيه الباقر الإمامة من قبل، ووصيته عند وفاته إلى ولده أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق، ويذهب الطوسي بأن زيدا لم يكن منصوصا عليه (4).

____________

(1) البغدادي: الفرق بين الفرق ص 59 - 60.

(2) أنظر عن رأي الجارودية (البغدادي: الفرق بين الفرق ص 30 - 32).

(3) قدم المؤلف دراسة مفصلة عن ثورة الإمام زيد وولده يحيى (أنظر: محمد بيومي مهران: الإمام جعفر الصادق)، وانظر عن هذه الثورة أيضا (ابن الأثير: الكامل في التاريخ 5 / 229 - 237، 271 - 272، مروج الذهب للمسعودي 2 / 189 - 191 تاريخ اليعقوبي 2 / 325 - 326، تاريخ الطبري 7 / 184 - 91)، مقاتل الطالبين ص 140 - 144، ابن خلكان: وفيات الأعيان 6 / 110 - 111، حسن إبراهيم: تاريخ الإسلام السياسي 1 / 406 - 407، أحمد شوقي: الحياة السياسية والفكرية للزيدية في المشرق الإسلامي (رسالة دكتوراه - جامعة المنيا عام 1991)، الجاحظ:

البيان والتبيين 1 / 310 - 312، ابن عنبة: عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب 286 - 291 (دار مكتبة الحياة - بيروت)، محمد جواد مغنية: الشيعة والحاكمون ص 114 - 121، ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب 1 / 158 - 159.

(4) الطبرسي: أعلام الورى ص 257، الطوسي: تلخيص الشافي 4 / 194 (النجف 1965)، نبيلة عبد المنعم: المرجع السابق ص 166 - 167.

الصفحة 16
وعلى أية حال، فإن الأئمة - عند الإمامية الاثني عشرية - هم: 1 - الإمام علي بن أبي طالب 2 - الإمام الحسن بن علي 3 - الإمام الحسين بن علي 4 - الإمام علي زين العابدين 5 - الإمام محمد الباقر 6 - الإمام جعفر الصادق 7 - الإمام موسى الكاظم 8 - الإمام علي الرضا 9 - الإمام محمد الجواد 10 - الإمام علي الهادي 11 - الإمام الحسن العسكري 12 - الإمام محمد المهدي.

هذا وقد شرفت من قبل بتقديم دراسات منفصلة عن الأئمة: الإمام علي بن أبي طالب (1)، والإمام الحسن بن علي (2) والإمام جعفر الصادق (3) فضلا عن مولانا الإمام الحسين بن علي (4) والإمام علي زين العابدين (5).

ومن ثم فسوف نتحدث هنا - بإيجاز - عن الأئمة: 1 - الإمام محمد الباقر 2 - الإمام موسى الكاظم 3 - الإمام علي الرضا 4 - الإمام محمد الجواد 5 - الإمام علي الهادي 6 - الإمام الحسن العسكري، ثم الإمام محمد المهدي، سائلين الله العلي الكريم، أن يكون في العمر بقية، حتى نقدم - بعونه تعالى - دراسات منفصلة عن كل من هؤلاء الأئمة الأطهار، أحفاد النبي المختار (صلى الله عليه وسلم).

____________

(1) أنظر (محمد بيومي مهران - الإمام علي بن أبي طالب - الجزء الأول والجزء الثاني - بيروت 1990).

(2) أنظر (محمد بيومي مهران - الإمام الحسن بن علي - بيروت 1990).

(3) (أنظر: محمد بيومي مهران: الإمام جعفر الصادق - تحت الطبع).

(4) (أنظر: الإمام الحسين بن علي - بيروت 1990 م).

(5) (أنظر: الإمام علي زين العابدين - بيروت 1991).

الصفحة 17

(1) الإمام محمد الباقر

1 - نسب الإمام الباقر ومولده:

هو الإمام محمد الباقر بن الإمام علي زين العابدين بن الإمام الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب، وسيدة نساء العالمين، السيدة فاطمة الزهراء، بنت سيدنا ومولانا وجدنا محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم).

هذا وقد ولد الإمام الباقر في مدينة المنورة - في أحد بيوت النبوة - في الثالث من صفر عام 57 هـ (676 م) وتوفي في عام 114 هـ (732 م)، وقيل في 117 هـ (735 م)، وفي عمدة الطالب: ولد سنة تسع وخمسين بالمدينة في حياة جده الإمام الحسين، عليه السلام، وتوفي في ربيع الآخر سنة أربع عشرة ومائة في أيام هشام بن عبد الملك (105 - 124 هـ / 724 - 743 م) - الخليفة الأموي - وهو ابن خمسين وخمس سنوات ودفن بالبقيع (1)، وفي " سر السلسلة العلوية " ولد سنة 58 هـ، وتوفي - كما في " حصن السلام " - عام 113 هـ، في عهد هشام بن عبد الملك، وكان عمر أبيه يوم ولد 17 سنة، وبذا تكون حياته 58 سنة (2).

وروي عن الإمام الباقر أنه قال: قتل جدي الحسين، ولي أربع سنين، وإني لأذكر مقتله، وما نالنا في ذلك الوقت (3)، وفي تاريخ ابن الأثير: وفيها (أي سنة 114 هـ) توفي محمد بن علي بن الحسين الباقر، وقيل سنة خمس

____________

(1) ابن عنبة: عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب ص 225 (مكتبة الحياة - بيروت).

(2) الشريف عبد الرحمن بن محمد بن حسين المشهور: شمس الظهيرة في نسب أهل بيت من بني علوي - فرع فاطمة الزهراء وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب - الجزء الأول ص 37 (جدة 1984).

وانظر ابن عنبة: عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب ص 225 (بيروت - دار مكتبة الحياة).

(3) طبقات ابن سعد 5 / 237 - 238.

الصفحة 18
عشرة ومائة، وكان عمره ثلاثا وسبعين سنة، وقيل ثمانيا وخمسين سنة (1)، وفي رواية أبي الفداء أنه مات عام 115 هـ، وفي طبقات ابن سعد بسنده عن جعفر بن محمد الصادق قال: سمعت محمد بن علي يذاكر فاطمة بنت حسين شيئا من صدقة النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: هذا توفي إلى ثماني وخمسين، ومات لها، قال محمد بن عمر: وأما في روايتنا، فإنه مات سنة سبع عشرة ومائة، وهو ابن ثلاث وسبعين سنة، وقال غيره: توفي سنة ثماني عشرة ومائة، وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: توفي بالمدينة سنة أربع عشرة ومائة (2).

وفي وفيات الأعيان: توفي الإمام الباقر في شهر ربيع الآخر سنة ثلاث عشرة ومائة، وقيل في الثالث والعشرين من صفر سنة أربع عشرة، وقيل سبع عشرة، وقيل ثمان عشرة بالحميمة، ونقل إلى المدينة، ودفن بالبقيع في القبر الذي فيه أبوه، وعم أبيه الحسن بن علي، رضي الله عنهم، في القبة التي فيها قبر العباس، رضي الله عنه (3).

وفي " إسعاف الراغبين ": مات مسموما - رضي الله عنه، سنة سبع عشرة ومائة، عن نحو ثلاث وسبعين سنة، وأوصى أن يكفن في قميصه الذي كان يصلي فيه (4).

وفي طبقات ابن سعد عن سعيد بن مسلم بن بانك أبو مصعب، أنه رأى على " محمد بن علي بن حسين " بردا قال: وزعم لي سالم مولى عبد الله بن حسين: أن محمدا أوصى أن يكفن فيه، وعن جابر عن محمد بن علي: أنه أوصى أن يكفن في قميصه الذي كان يصلي فيه، وعن عروة بن عبد الله بن قشير قال: سألت جعفرا في أي شئ كفنت أباك؟ قال: أوصاني في قميصه، وأن

____________

(1) ابن الأثير: الكامل في التاريخ 5 / 180 (بيروت 1965).

(2) طبقات ابن سعد 5 / 238.

(3) وفيات الأعيان 4 / 174.

(4) محمد الصبان: إسعاف الراغبين في سيرة المصطفى وفضائل أهل بيته الطاهرين ص 229.

الصفحة 19
أقطع أزراره في ردائه الذي كان يلبس، وأن أشتري بردا يمانيا، فإن النبي (صلى الله عليه وسلم) كفن في ثلاثة أثواب، أحدها برد يماني (1).

وفي تاريخ المسعودي: وفي أيام الوليد بن يزيد (125 هـ / 743 م) كانت وفاة أبي جعفر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم، وقد تنوزع في ذلك، فمن الناس من رأى أن وفاته كانت على أيام هشام بن عبد الملك، وذلك سنة 117 هـ، ومن الناس من رأى أنه مات في أيام يزيد بن عبد الملك وهو ابن سبع وخمسين بالمدينة، ودفن مع أبيه علي بن الحسين، وغيره من سلفه، عليهم السلام (3).

وأما أم الإمام الباقر، فهي السيدة " أم عبد الله بنت الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب، فهو هاشمي من هاشميين، علوي من علويين (4).

وكان الإمام الباقر يكنى " أبو جعفر " وأما ألقابه فهي: الباقر والشاكر والهادي، وأشهرها الباقر، وهو لقب أطلقه عليه جده المصطفى (صلى الله عليه وسلم)، قال جابر بن عبد الله الأنصاري: قال لي رسول الله (صلى الله عليه وسلم): إنك تستبقى حتى ترى رجلا من ولدي، أشبه الناس بي، اسمه على اسمي، إذا رأيته لم يخل عليك، فأقرئه مني السلام، فلما كبرت سن جابر، وخاف الموت، جعل يقول: يا باقر، يا باقر، أين أنت؟ حتى رآه فوقع عليه يقبل يديه ورجليه، ويقول: " بأبي وأمي شبيه أبيه رسول الله، إن أباك يقرئك السلام " (5). وفي نور الأبصار عن الزبير بن محمد مسلم المكي قال: كنا عند جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما، فأتاه علي بن الحسين، ومعه ابنه محمد، وهو صبي، فقال علي لابنه محمد، وهو

____________

(1) ابن سعد: الطبقات الكبرى 5 / 238 (دار التحرير 1968).

(2) طبقات ابن سعد 5 / 237 - 238.

(3) مروج الذهب للمسعودي 2 / 203.

(4) نور الأبصار ص 143، عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب ص 224.

(5) تاريخ اليعقوبي 2 / 320.

الصفحة 20
صبي قبل رأس عمك، فدنا محمد من جابر فقبل رأسه، فقال جابر: من هذا - وكان قد كف بصره - فقال علي بن الحسين: هذا ابني محمد، فضمه جابر إليه، وقال: يا محمد، محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، يقرئك السلام، فقالوا: كيف ذلك يا أبا عبد الله، قال: كنت عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، والحسين في حجره يلاعبه، فقال: يا جابر، يولد لابني الحسين ابن يقال له علي، فإذا كان يوم القيامة ينادي مناد، ليقم سيد العابدين، فيقوم علي بن الحسين، ويولد لعلي ابن يقال له محمد، يا جابر إن أدركته، فأقرئه مني السلام، وإن لاقيته فاعلم أن بقاءك بعده قليل، فلم يعش جابر، رضي الله عنه بعد ذلك، غير ثلاثة أيام (1).

وفي عمدة الطالب: وكان أبو جعفر يلقب بالباقر، لما رواه جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، أنه قال له: يا جابر، إنك ستعيش حتى تدرك رجلا من أولادي، اسمه اسمي، يبقر العلم بقرا، فإذا رأيته فأقرئه مني السلام، فلما دخل محمد الباقر عليه، وسأله عن نسبه فأخبره، فقام إليه واعتنقه وقال: " جدك رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، يقرئك السلام " (2).

ومن عجب أن يسمي " هشام بن عبد الملك الأموي " الإمام الباقر بالبقرة، حدث ذلك عندما كان الإمام زيد بن علي عنده في دمشق، فسأله ساخرا: ما فعل أخوك البقرة؟ فغضب الإمام زيد، حتى كاد يخرج من إهابه، ثم قال: لشد ما خالفت رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، سماه الباقر، وسميته أنت البقرة، لتخالفنه يوم القيامة، يدخل هو الجنة، وتدخل أنت النار (3).

____________

(1) الشبلنجي: نور الأبصار في مناقب آل بيت النبي المختار ص 143 - 144، ابن عنبة: عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب ص 224 البغدادي: الفرق بين الفرق ص 29 - 30.

(2) عمدة الطالب ص 224.

(3) ابن عنبة: المرجع السابق ص 224، ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 3 / 286.

الصفحة 21

2 - الإمام الباقر والإمامة

اختلف الإمام الباقر عن أبيه الإمام علي زين العابدين في شئ من منهج الإمامة، وذلك هو غلبة الإمامة الروحية عند لأب، حتى تكاد تقترب تعاليمه من التصوف، بينما غلب على الإمام الباقر طابع العلم، لا سيما رواية الحديث من ناحية، وطابع التشيع، حيث تبرز عقائد الشيعة في الإمامة والولاية والرجعة، وإن نسب شئ من ذلك إلى زين العابدين، فإن معظم العقيدة المذهبية للشيعة الاثني عشرية، تنسب للباقر، ثم للصادق من بعده (1).

وعلى أية حال، فالإمام الباقر هو الإمام الخامس للشيعة الاثني عشرية والإسماعيلية، غير أن هناك خلافا بين الشيعة ظهر على أيام الباقر، وكما أشرنا من قبل، فلقد ظهر أخوه " زيد بن علي زين العابدين " وقام بثورته ضد الأمويين، وتبعه جماعة خرجوا على إمامة الباقر، وقالوا: إن الإمامة صارت بعد الإمام الحسين في ولد الحسن والحسين، فهي فيهم خاصة، دون سائر ولد علي بن أبي طالب، وهم كلهم فيها سواء، من قام منهم ودعا إلى نفسه فهو الإمام المفروض الطاعة بمنزلة علي بن أبي طالب واجبة إمامته (2).

ويقوم الإمام زيد: إن كل من ادعى الإمامة، وهو قاعد في بيته، مرخ عليه ستره، لا يجوز اتباعه، ولا يجوز القول بإمامته (3)، ولا تصح الإمامة إلا بشرط أن يقوم بها، ويدعو إليها، فاضل، زاهد، عالم، عادل، شجاع، سائس (4)، بل إن الزيدية بأكملها ترى السيف والخروج على أئمة الظلم، وإزالة الجور، وإقامة الحق (5).

____________

(1) أحمد صبحي: نظرية الإمامة ص 358.

(2) النوبختي: فرق الشيعة ص 48.

(3) نفس المرجع السابق ص 60 - 61.

(4) تاريخ ابن خلدون 1 / 165، ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 9 / 87.

(5) الأشعري: مقالات الإسلاميين 1 / 150 (القاهرة 1669).

الصفحة 22
والواقع أن الإمام زيد إنما كان يشترط لاستحقاق الإمام من آل البيت الإمامة أن يخرج داعيا لنفسه (1)، ولم يقل " بالتقية " التي كان آل البيت قد التزموا بها بعد مقتل الإمام الحسين وآل البيت في كربلاء، وفي نفس الوقت لم يشترط الشيعة الإمامية الخروج، لأن تولي الإمامة عندهم بالإيصاء - وليس بالاختيار من أهل الحل والعقد (2).

ومن ثم فقد عارض الإمام الباقر أخاه زيدا في شروط الإمامة التي رآها، حتى أنه قال له: على قضية مذهبك، والدك (أي الإمام علي زين العابدين) ليس بإمام، فإنه لم يخرج قط، ولا تعرض للخروج (3).

وعلى أية حال، فإن معظم الشيعة - وخاصة الإمامية - قد التزموا بفكر واحد، يدعو إلى إمامة الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة - ثم ولده الإمام الحسن، ثم ولده الإمام الحسين، ثم أولاد الإمام الحسين من بعد أبيهم، حتى الإمام الحسن العسكري.

وأما عن وجوب الإمامة، فلقد سئل الإمام الباقر عن الحاجة إلى الإمام ، فقال: ليرفع الله العذاب عن أهل الأرض، وذكر قول الله تعالى: (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم) (4)، وقال الإمام الباقر: لا تبقى الأرض يوما واحدا بغير حجة الله على الناس منذ خلق آدم وأسكنه الأرض، وقيل له: أكان علي رضي الله عنه، حجة من الله ورسوله على هذه الأمة في حياة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقال: نعم، يوم أقامه للناس ونصبه علما، ودعاهم إلى ولايته، وأمرهم

____________

(1) ابن قتيبة الدينوري: المعارف ص 623، الشهرستاني: الملل والنحل 1 / 31، النوبختي: فرق الشيعة ص 165 (بيروت 1984)، مقدمة ابن خلدون ص 197 - 198 (بيروت 1981)، تاريخ ابن خلدون 1 / 165.

(2) النوبختي: فرق الشيعة ص 165.

(3) تاريخ ابن خلدون 1 / 165، شرح نهج البلاغة 9 / 87، الملل والنخل 1 / 161.

(4) سورة الإنفال: آية 33.