16 - صفة الإمام الباقر وملبسه:
كان الإمام الباقر ربع القامة، رقيق البشرة، جعد الشعر، أسمر، له خال على خده، ضامر، حسن الصوت، مطرق الرأس (2).
وروى ابن سعد في طبقاته بسنده عن جابر عن محمد بن علي (الباقر) قال: " إنا آل محمد نلبس الخز واليمنة والمعصفرات والممصرات " (3)، وعن إسماعيل بن عبد الملك قال: رأيت على أبي جعفر الباقر ثوبا معلما فقلت له، فقال: لا بأس بالإصبعين من العلم بالإبريسم في الثوب (4)، وعن عمرو بن عثمان عن موهب قال: رأيت على أبي جعفر ملحفة حمراء (5).
وعن عبد الأعلى أنه رأى محمد بن علي (الباقر) يرسل عمامته خلفه (6)، وعن جابر قال: رأيت على محمد بن علي (الباقر) عمامة لها علم، وثوبا له علم يلبسه (7)، وعن حكيم بن حكيم بن حنيف قال: رأيت أبا جعفر متكئا على طيلسان مطوي في المسجد، قال محمد بن عمر: ولم يزل ذلك من فعل الأشراف، وأهل المروءة عندنا، الذين يلزمون المسجد يتكئون على طيالسة
____________
<=
لابن حجر 1 / 444 - 445، الأعلام للزركلي 2 / 26، تاريخ التراث العربي 4 / 110 - 11،
وفيات الأعيان 1 / 274 - 277 - بيروت 1977).
(1) النشار: المرجع السابق ص 144 - 145، ابن كثير البداية والنهاية 9 / 351 (القاهرة 1933).
(2) محمد جواد المغنية: فضائل الإمام علي ص 224 (بيروت 1981).
(3) ابن سعد: الطبقات الكبرى 5 / 236 (دار التحرير - القاهرة 1960).
(4) طبقات ابن سعد 5 / 236.
(5) طبقات ابن سعد 5 / 236.
(6) طبقات ابن سعد 5 / 236 - 237.
(7) طبقات ابن سعد 5 / 237.
وعن ثوير قال قال أبو جعفر: يا أبا الجهم بم تخضب؟ قلت: بالحناء والكتم، قال: هذا خضابنا أهل البيت (2).
وعن هارون بن عبد الله بن الوليد المعيصي قال: رأيت محمد بن علي (الباقر) على جبهته وأنفه أثر السجود، وليس بكثير (3)، وعن زهير عن جابر عن محمد بن علي (الباقر) قال: كان في خاتمي اسمي، فإذا جامعت جعلته في فمي (4).
17 - أولاد الإمام الباقر:
روى ابن سعد في طبقاته: ولد أبو جعفر الباقر: جعفر بن محمد (الصادق) وعبد الله بن محمد، وأمهما " أم فروة " بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وإبراهيم بن محمد، وأمه أم حكيم بنت أسيد بن المغيرة بن الأحنس بن شريق الثقفي، وعلي بن محمد، وزينب بنت محمد، وأمهما أم ولد، وأم سلمة بنت محمد، وأمها أم ولد (5).
وقال أبو نصر البخاري في " سر السلسلة العلوية " ولد محمد الباقر عليه السلام: أربعة بنين وبنتين، درجوا كلهم، إلا أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق، عليه السلام، وإلى الصادق انتهى نسب الباقر وعقبه، فكل من انتسب إلى الباقر عليه السلام، من غير ولده الصادق، فهو كذاب دعي.
وقال العمري في " المجدي " ولد أم سلمة وزينب الصغرى وجعفر الصادق، وعبد الله - أولد وانقرض - وعلي، كانت له بنت، وزيد وعبيد الله بن الثقفية درج (6).
____________
(1) طبقات ابن سعد 5 / 237.
(2) طبقات ابن سعد 5 / 237.
(3) طبقات ابن سعد 5 / 237.
(4) طبقات ابن سعد 5 / 237.
(5) طبقات ابن سعد 5 / 225 - 226.
(6) ابن عنبة: عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب ص 225 (دار مكتبة الحياة).
(2) الإمام موسى الكاظم
1 - نسب الإمام الكاظم ومولده:
هو الإمام موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام علي بن زين العابدين بن الإمام الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب، وسيدة نساء العالمين، السيدة فاطمة الزهراء، بنت سيدنا ومولانا وجدنا محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وأما أم الإمام الكاظم فهي السيدة " حميدة " البربرية (1).
وهناك في " الأبواء " - على مبعدة 50 كيلا من المدينة في الطريق إلى مكة - حيث توفيت السيدة آمنة، أم سيدنا ومولانا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ودفنت هناك، هناك، في الأبواء، ولد الإمام الكاظم في شهر صفر عام 128 هـ (745 م)، وتوفي ببغداد في عام 183 هـ (799 م) (2).
وقال الخطيب: وكانت ولادته يوم الثلاثاء، قبل الفجر عام 128 هـ (وقيل 129 هـ)، وتوفي لخمس بقين من رجب سنة 183 هـ، وقيل 186 هـ ببغداد،
____________
(1) أنظر عن أهم مصادر ترجمة الإمام الكاظم (تاريخ بغداد 13 / 27 - 32، شذرات الذهب 304 - 305 وفيات الأعيان 5 / 308 - 310، عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب ص 225 - 228، ميزان الاعتدال للذهبي 3 / 209، مقاتل الطالبيين ص 499 - 505، تاريخ التراث العربي 3 / 279 - 280، أعيان الشيعة 4 / 80 - 101، الإعلام 8 / 270) وأما آثاره (دعاء الجوش الصغير - أدعية الأيام السبعة، مسند بتهذيب أبي بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي - وصيته إلى هشام - إجابات على أسئلة أخيه علي - وصية النبي (صلى الله عليه وسلم) لعلي).
(2) فؤاد سزكين: تاريخ التراث العربي - المجلد الأول - الجزء الثالث - الفقه - الرياض 1983 ص 279 - 280.
وكان الإمام الكاظم يكنى بأبي الحسن، وأما ألقابه فكثيرة، أشهرها الكاظم، ثم الصابر والصالح والأمين (2)، وكان - رضوان الله عليه - ربعة، أسمر، شديد السمرة، كث اللحية.
هذا وقد عاصر من خلفاء بني العباس: المهدي (158 - 169 هـ / 775 - 785 م) وموسى الهادي (169 - 170 هـ / 785 - 786 م) وهارون الرشيد (170 - 193 هـ / 786 - 809 م).
2 - الإمام الكاظم والشيعة:
لقد حدث خلاف على خلافة الإمام جعفر الصادق بعد موته، بل يبدو أن الانقسام إنما قد بدأ على أيام الإمام الصادق نفسه، إذ أن نفرا من أتباع الصادق قد توقفوا في موت ولده إسماعيل - وهم الذين سيطلق عليهم الإسماعيلية فيما بعد - وتوقف فريق في موت الإمام الصادق نفسه، وهم أتباع " عجلان بن ناووس " وأعلنوا أن الصادق حي لم يمت، ولن يموت حتى يظهر، فيظهر أمره، وهو القائم المهدي، ورووا عنه أنه قال: " لو رأيتم رأسي يدهده عليكم من الجبل فلا تصدقوا، فإن صاحبكم صاحب السيف " وقد عرف هؤلاء باسم " الناووسية " (3).
____________
(1) وفيات الأعيان 5 / 310.
(2) نور الأبصار ص 148.
(3) الشهرستاني: الملل والنحل 1 / 166 - 167، أبو خلف القمي: كتاب المقالات ص 80، النوبختي: فرق الشيعة ص 67.
وكانت إمامة الإمام كاظم طوال ربع قرن (148 - 183 هـ)، وقد دخلت فيها الإمامة دورها السري، ودورها العبادي، وانتهى دور الفقه إلى حد ما، فلا نسمع فقها خاصا للإمام الكاظم، فضلا عن الدور الكلامي في عقائد الإمامية، فقد قضى الإمام الكاظم معظم حياته يتنقل من سجن إلى سجن، حيث صب عليه المهدي والرشيد صنوفا كثيرة من العذاب، احتملها الإمام بصبر عجيب، حتى لقب " بالكاظم ".
وكان الإمام الكاظم أقرب إلى جده الأكبر الإمام علي زين العابدين، نقلت عنه أوراد الليل، ودعاؤه المشهور في جوف الليل، ما زال يردده أهل مصر من السنة " عظم الذنب من عندي، فليحسن العفو من عندك، يا أهل التقوى، يا أهل المغفرة " (1).
3 - الإمام الكاظم عند أهل السنة:
يقول الشعراني (1491 - 1565 م) في وصف الإمام موسى الكاظم: الساهر ليله قائما، القاطع نهاره صائما، المسمى لفرط صبره على الحبس والأذى كاظما (2).
ويقول الخطيب البغدادي في تاريخه: كان موسى يدعى العبد الصالح،
____________
(1) النشار: المرجع السابق ص 279 - 281.
(2) طبقات الشعراني ص 33.
ويقول الشبلنجي: قال بعض أهل العلم: الكاظم هو الإمام الكبير القدر، الأوحد الحجة، الحبر الساهر ليله قائما، القاطع نهاره صائما، المسمى لفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدين كاظما، وهو المعروف عند أهل العراق " بباب الحوائج إلى الله "، وذلك لنجح حوائج المتوسلين به (3).
ويقول الصبان: وكان موسى الكاظم معروفا عند أهل العراق " بباب قضاء الحوائج عند الله "، وكان من أعبد زمانه، ومن أكابر العلماء الأسخياء (3).
ويقول الحافظ ابن كثير: هو أبو الحسن الهاشمي، ويقال له الكاظم، ولد سنة ثمان أو تسع وعشرين ومائة، وكان كثير العبادة والمروءة، إذا بلغه عن أحد أنه يؤذيه أرسل إليه بالذهب والتحف (4).
ويقول أبو الفداء - عن ورع الإمام وزهده - وتولى خدمته في الحبس أخت السندي، وحكت عنه أنه كان إذا صلى العتمة، حمد الله ومجده، ودعا إلى أن يزول الليل، ثم يقوم يصلي حتى يطلع الصبح، فيصلي الصبح، ثم يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس، ثم يقعد إلى ارتفاع الضحى، ثم يرقد ويستيقظ قبل الزوال، ثم يتوضأ ويصلي العصر، ثم يذكر الله تعالى حتى يصلي المغرب، ثم
____________
(1) تاريخ بغداد 13 / 27، وفيات الأعيان 5 / 308.
(2) نور الأبصار ص 148.
(3) إسعاف الراغبين ص 226.
(4) البداية والنهاية 10 / 183.
ويقول صاحب الفصول المهمة: كان موسى الكاظم، رضي الله عنه، أعبد أهل زمانه، وأعلمهم وأسخاهم كفا، وأكرمهم نفسا، وكان يتفقد فقراء المدينة، فيحمل إليهم الدراهم والدنانير إلى بيوتهم ليلا وكذلك النفقات، ولا يعلمون من أي جهة وصلهم ذلك، ولم يعلموا بذلك إلا بعد موته، وكان كثيرا ما يدعو " اللهم إني أسألك الراحة عند الموت والعفو عند الحساب " (2).
ويقول المحدث الفقيه المحب الطبري في صواعقه: موسى الكاظم:
وارث أبيه الصادق علما ومعرفة، وكمالا وفضلا، سمي الكاظم لكثرة تجاوزه وحلمه، وكان معروفا عند أهل العراق " بباب قضاء الحوائج عند الله "، وكان أعبد أهل زمانه، وأسخاهم (3).
ويقول " ابن عنبة ": " وكان أسود اللون، عظيم الفضل، رابط الجأش، واسع العطاء، لقب ب " الكاظم " لكظمه الغيظ وحلمه، وكان يخرج في الليل، وفي كمه صرر من الدراهم، فيعطي من لقيه، ومن أراد بره، وكان يضرب المثل بصرة موسى، وكان أهله يقولون: عجبا لمن جاءته صرة موسى فشكا القلة " (4).
وأهدى إليه مرة عبد عصيدة، فاشتراه واشترى المزرعة التي هو فيها بألف دينار، وأعتقه ووهب له المزرعة (5).
____________
(1) أبو الفداء المختصر في أخبار البشر 2 / 15 - 16، حسن إبراهيم: تاريخ الإسلام السياسي 2 / 155.
(2) نور الأبصار ص 151.
(3) المحب الطبري: الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة ص 307 (بيروت 1983).
(4) ابن عنبة: المرجع السابق ص 226.
(5) ابن كثير: المرجع السابق ص 183.
4 - الإمام الكاظم والمهدي العباسي:
روى ابن كثير أن الخليفة العباسي المهدي (158 - 169 هـ / 775 - 785 م) استدعى الإمام موسى الكاظم إلى بغداد، فحبسه، فلما كان في بعض الليالي رأى المهدي الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة - وهو يقول له: يا محمد: (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم) (1)، فاستيقظ مذعورا، وأمر به فأخرج من السجن ليلا، فأجلسه وعانقه وأقبل عليه، وأخذ عليه العهد أن لا يخرج عليه، ولا على أحد من أولاده، فقال: والله ما هذا من شأني، ولا حدثت فيه نفسي، فقال:
صدقت، وأمر له بثلاثة آلاف دينار، وأمر به فرد إلى المدينة، فما أصبح الصباح إلا وهو على الطريق، فلم يزل بالمدينة حتى خلافة الرشيد (2).
على أن " ابن عنبة " إنما ينسب هذه الرواية إلى عهد الخليفة موسى الهادي (169 - 170 هـ / 785 - 786 م) فيقول: " وقيض عليه موسى الهادي وحبسه، فرأى علي بن أبي طالب، عليه السلام، في نومه يقول له: (يا موسى، هل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض، وتقطعوا أرحامكم)، فانتبه من نومه، وقد عرف أنه المراد، فأمر بإطلاقه، ثم تنكر له من بعد ذلك، فهلك قبل أن يوصل إلى الكاظم عليه السلام أذى (3).
ويقول الخطيب البغدادي: وكان يسكن المدينة فأقدمه المهدي العباسي بغداد وحبسه، فرأى في نوم علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، وهو يقول:
يا محمد، (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض، وتقطعوا أرحامكم)، قال الربيع: فأرسل إلي ليلا، فراعني ذلك، فجئته، فإذا هو يقرأ هذه الآية، وكان أحسن الناس صوتا، وقال: علي بموسى بن جعفر، فجئته به فعانقه
____________
(1) سورة محمد: آية 22.
(2) ابن كثير: البداية والنهاية 10 / 183.
(3) ابن عنبة: عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب ص 226.
5 - الإمام الكاظم وهارون الرشيد:
يقول الشبلنجي في نور الأبصار: يحكى أن هارون الرشيد (170 - 193 هـ / 876 - 809 م) سأل الإمام موسى الكاظم يوما فقال: كيف قلتم نحن ذرية رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وأنتم بنو علي، وإنما ينسب الرجل إلى جده لأبيه، دون جده لأمه؟.
فقال الإمام الكاظم: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم (ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين، وزكريا ويحيى وعيسى) (2)، وليس لعيسى أب، وإنما ألحق بذرية الأنبياء من قبل أمه، وكذلك ألحقنا بذرية النبي (صلى الله عليه وسلم)، من قبل أمنا فاطمة.
ثم قال الإمام الكاظم: وزيادة أخرى يا أمير المؤمنين، قال الله عز وجل:
(فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم، فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبنائكم ونساءنا ونسائكم وأنفسنا وأنفسكم، ثم نبتهل) (3)، ولم يدع رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، عند مباهلة النصارى غير علي وفاطمة والحسن والحسين، رضي الله عنهم، وهم الأبناء (4).
____________
(1) تاريخ بغداد 13 / 30 - 31، وفيات الأعيان 5 / 308 - 309.
(2) سورة الأنعام: آية 84 - 85.
(3) سورة آل عمران: آية 61.
(4) الشبلنجي: نور الأبصار ص 148 - 149.
____________
(1) هو أبو سعيد يحيى بن يعمر العدواني النحوي، كان تابعيا، لقي ابن عباس وابن عمر وغيرهما، وأخذ النحو عن أبي الأسود الدؤلي، وروى عن قتادة وإسحاق بن سويد، وهو أحد قراء البصرة، وكان عالما بالقرآن والنحو ولغات العرب، وتولى القضاء في " مرو "، وكان ينطق العربية المحضة، واللغة الفصحى طبيعية فيه من غير تكلف، وكان شيعيا من القائلين بتفضل أهل البيت من غير تنقيص لذي فضل من غيرهم، توفي عام 128 هـ أو 129 هـ، وأما أهم مصادر ترجمته (وفيات الأعيان 6 / 137 - 176، شذرات الذهب 1 / 175 - 176، معجم الأدباء 20 / 42، غاية النهاية 2 / 318، مرآة الجنان 1 / 271، تهذيب التهذيب 11 / 305، بغية الوعاة ص 417، النجوم الزاهرة 1 / 217، أخبار النحويين البصريين ص 22 طبقات الزبيدي ص 22).
(2) سورة آل عمران: آية 61.
(3) أنظر: صحيح مسلم 15 / 176، صفوة التفاسير 1 / 206، تفسير القرطبي 1345 - 1347، تفسير ابن كثير 1 / 555، المستدرك للحاكم 2 / 593 - 594.
(4) قال الزمخشري في الكشاف في تفسيره لآية المباهلة هذه (آل عمران: آية 61) أنه ليس هناك من دليل أقوى من هذا على فضل أصحاب الكساء، وهم علي وفاطمة والحسن والحسين، عليهم السلام، لأن الآية لما نزلت دعاهم النبي (صلى الله عليه وسلم)، فاحتضن الحسين، وأخذ بيد الحسن، ومشت
=>
فقال الحجاج: (ومن عجب أنه كان يحفظ القرآن، وكان أبوه كذلك حيث كان يحفظ الصبيان القرآن) وأين تركت عيسى؟ قال يحيى: ومن أين كان عيسى
____________
<=
فاطمة خلفه، وعلي خلفهما، وهو يقول: أنا إذا دعوت فأمنوا، فقال الأسقف: يا معشر
النصارى إني لأرى وجوها، لو شاءت أن يزيل الله جبلا من مكانه، لأزاله بها، فلا تباهلوا
فتهلكوا، ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة، وصالحوه على الجزية.
ثم يقول الزمخشري: وخص الأبناء والنساء بالمباهلة، لأنهم أعز الأهل وألصقهم بالقلوب،
وفيه دليل على أن أولاد فاطمة، عليها السلام، وأبناءهم يسمون أبناء النبي، وينسبون إليه نسبة
صحيحة نافعة في الدنيا والآخرة.
وقال الرازي في التفسير الكبير: إن آية المباهلة دالة على أن الحسن والحسين كانا ابني
النبي (صلى الله عليه وسلم)، فلقد وعد النبي (صلى الله عليه وسلم) أن يدعو أبناءه، فدعا الحسن والحسين، فوجب أن يكون ابنيه.
وقال جواد مغنية: أن السنة والشيعة اتفقت على أن المراد بأنفسنا في الآية: النبي (صلى الله عليه وسلم)،
وعلي بن أبي طالب وبنسائنا فاطمة، وبأبنائنا: الحسن والحسين.
وقال السيد المرتضى: إن آية المباهلة تدل على أن ابن البنت ابن حقيقي، وحتى لو لم يكن
كذلك، بالقياس لغير النبي (صلى الله عليه وسلم) فإن الحسن والحسين هما ابنا سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حقيقة، وهذا
خاص بالنبي (صلى الله عليه وسلم) بنص القرآن والسنة واستعمال الناس جميعا، وفي صحيح البخاري أن
النبي (صلى الله عليه وسلم) قال عن الحسن: ابني هذا سيد.
وقال ابن قيم الجوزية: إن المسلمين مجمعون على دخول أولاد فاطمة رضي الله عنها في
ذرية النبي (صلى الله عليه وسلم) المطلوب لهم من الله الصلاة، لأن أحدا من بناته لم يعقب غيرها، فمن انتسب
إليه (صلى الله عليه وسلم) من أولاد بنته، فإنما هو من جهة فاطمة، رضي الله عنها، خاصة، ولهذا قال النبي (صلى الله عليه وسلم)
في الحسن ابن ابنته " إن ابني هذا سيد " فسماه ابنه، ولما نزلت آية المباهلة (آل عمران: آية 61)
دعا النبي (صلى الله عليه وسلم) فاطمة وحسنا وحسينا وعليا رضي الله عنهم، وخرج للمباهلة.
ثم يقول: وأما دخول فاطمة رضي الله عنها في ذرية النبي (صلى الله عليه وسلم)، فلشرف هذا الأصل العظيم،
والوالد الكريم، الذي لا يدانيه أحد من العالمين، سرى ونفذ إلى أولاد البنات، لقوته وجلالته
وعظم قدره. (صحيح البخاري 3 / 243، 5 / 32، تفسير الكشاف 1 / 147 - 148)، ابن قيم
الجوزية: جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام ص 150 - 153 (القاهرة 1972)،
محمد جواد مغنية: فضائل علي ص 15 - 20).
وروى الحافظ ابن كثير في تفسيره بسنده عن الشعبي عن جابر (جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه) قال: قدم على النبي (صلى الله عليه وسلم)، العاقب والطيب، فدعاهما إلى الملاعنة فواعداه على أن يلاعناه الغداة، قال: فغدا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فأخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين، ثم أرسل إليهما، فأبيا أن يجيبا وأقرا بالخراج، قال: فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) " والذي بعثني بالحق لولا أن قالا: لا، لأمطر عليهم الوادي نارا "، قال جابر: وفيهم نزلت (ندع أبناءنا أبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم) قال جابر: " أنفسنا وأنفسكم " رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وعلي بن أبي طالب، و " أبناءنا " الحسن والحسين، ونساءنا فاطمة (رواه الحاكم في المستدرك، وأبو داود الطيالسي، كما روي عن ابن عباس والبراء نحو ذلك) (3).
وفي " عيون أخبار الرضا للصدوق " أن الرشيد قال للإمام الكاظم: كيف جوزتم للناس أن ينسبوكم إلى رسول الله، ويقولوا لكم: يا أبناء رسول الله، وأنتم بنو علي، وإنما ينسب المرء إلى أبيه، لا إلى أمه؟.
فقال له الإمام: لو أن النبي (صلى الله عليه وسلم) نشر، وخطب إليك كريمتك، هل كنت
____________
(1) أنظر عن التأريخ لسيدنا إبراهيم عليه السلام في الفترة (1940 - 1765 ق. م) (محمد بيومي مهران: دراسات تاريخية من القرآن الكريم 1 / 123 - 127).
(2) أنظر روايات أخرى عن القصة (تفسير ابن كثير 2 / 248 - 249، ابن عبد ربه: العقد الفريد 5 / 281، وفيات الأعيان: 6 / 174، شذرات الذهب 1 / 175 - 176).
(3) تفسير ابن كثير 1 / 555 (بيروت 1986)، المستدرك للحاكم 2 / 593 - 594.
قال الإمام: ولكنه لا يخطب إلي، ولا أجيبه، قال الرشيد: ولم؟
قال الإمام: لأنه ولدني، ولم يلدك.
ولو تدبر الرشيد القرآن الكريم لم يسأل الإمام هذا السؤال، وينكر عليه هذا الإنكار، فإن الله سبحانه وتعالى قد سماهم " أبناء الرسول " قبل أن يسميهم بذلك أحد من الناس، حيث قال: (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم، فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم، ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) (1).
وقد اتفق المسلمون بكلمة واحدة أن النبي (صلى الله عليه وسلم)، دعا عليا وفاطمة والحسن والحسين، فكان " علي " نفس النبي، وكانت " فاطمة " نساءه، وكان " الحسن والحسين " أبناءه، فإن كان الرشيد وغيره ممن اعترض على نسبة آل البيت إلى الرسول الأعظم (صلى الله عليه وسلم)، فهو اعتراض ورد على الله - تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا (2).
وروى ابن عمران العبدي في " العفو والاعتذار ": أن الرشيد سأل يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب: أينا أقرب إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، قال يحيى: يا أمير المؤمنين إن الطينة واحدة، والنسب واحد، وأنا أسألك لما أعفيتني من الجواب في هذا، فحلف بالعتق والطلاق والصدقة (3)، لا يعفيه، فقال: يا أمير المؤمنين، ليس من يمين إلا ولها كفارة، وأنا أسأل أمير المؤمنين بحق الله، وحق رسوله، وبقرابته منه لما أعفاني، قال:
قد حلفت، هبني أحتال لكفارة اليمين في المال والرقيق، فكيف الحيلة في
____________
(1) سورة آل عمران: آية 61.
(2) محمد جواد مغنية: الشيعة في الميزان ص 238.
(3) العتق: أن يعتق رقيقه وجواريه، والصدقة: أن يخرج عن ماله كله.
قال يحيى: أما إذا كان ذاك، فنشدتك الله، لو بعث فينا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، أفكان له أن يتزوج فيكم؟ قال: نعم، قال: أفكان له أن يتزوج فينا؟ قال: لا، قال: فهذه، فوثب الرشيد عنه، وقام إلى غير مجلسه.
قال: وخرجنا - والفضل بن الربيع ساكت ينفخ، ثم قال لي (أي لعبد الله بن محمد بن زبير، وقد حضر المجلس) أسمعت أعجب مما كنا فيه قط، يقول (أي الرشيد) ليحيى: أينا أحسن وجها؟ وأينا أسخى نفسا، وأينا أقرب إلى رسول لله (صلى الله عليه وسلم)، والله لوددت أني فديت هذا المجلس بشطر ما أملك (1).
وفي تفسير القرطبي أن " أبناءنا " في الآية (آل عمران: 61) دليل على أن أبناء البنات يسمون أبناء، وذلك أن النبي (صلى الله عليه وسلم) جاء بالحسن والحسين وفاطمة تمشي خلفه، وعلي يمشي خلفهما، وهو يقول لهم: " إن أنا دعوت فأمنوا "، وهو معنى قوله: " ثم نبتهل " أي نتضرع في الدعاء (2).
وفي عيون أخبار الرضا للصدوق: أن المأمون قال: ما زلت أحب أهل البيت، ولكنه أظهر للرشيد بغضهم تقربا إليه، فلما حج الرشيد كنت معه، ولما كان بالمدينة دخل عليه الإمام موسى بن جعفر الكاظم، فأكرمه، وجثى على ركبتيه، وعانقه يسأله عن حاله وعياله، ولما قام الإمام نهض الرشيد، وودعه بإجلال واحترام، فلما خرج سألت أبي، وقلت له: من هذا الذي فعلت معه
____________
(1) أبو الحسن محمد بن عمران العبدي: العفو والاعتذار 2 / 572 - 575 (تحقيق عبد القدوس أبو صالح - نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - الرياض 1981).
(2) تفسير القرطبي ص 1346.
وهكذا عانق الرشيد الإمام الكاظم وأكرمه، وجلس متأدبا بين يديه، وشهد له بأنه وارث علم النبيين ولكن ما جدوى ذلك كله: إن علم النبيين لم يشفع للإمام الكاظم عند هارون الرشيد، حين رأى من حب الناس، وتعلقهم به، ما رأى، فاستعرت في قلبه نيران الحقد، وسيطرت عليه الأنانية، فقتل من أبناء النبيين ما قتل، وما ذنب الإمام الكاظم إذا أحب الناس العلم وأهله، والحق ومن انتصر له.
إن الإمام الكاظم لم يخرج على حاكم، ولا دعا أحدا إلى مبايعته ولم يحرك ساكنا ضد الرشيد ولا غيره، وكل ذنبه - عند أقربائه بني العباس - أنه وارث علم النبيين، وأنه إمام حق وهدى، وغيره إمام باطل وضلال (2). وروى الصبان في " إسعاف الراغبين " لما اجتمع الرشيد والإمام الكاظم في المدينة المنورة أمام الوجه الشريف (في الروضة الشريفة بالمسجد النبوي الشريف)، قال الرشيد: " سلام عليك يا ابن عم "، وقال موسى: " السلام عليك يا أبة "، فلم يحتملها الرشيد، فحمله إلى بغداد مقيدا، فلم يخرج من حبسه إلا مقيدا ميتا مسموما (3).
وفي رواية الحافظ ابن الكثير: لما حج الرشيد ودخل ليسلم على قبر النبي (صلى الله عليه وسلم)، ومعه موسى بن جعفر الكاظم، فقال الرشيد: السلام عليك يا رسول الله، يا بن العم، فقال موسى الكاظم: السلام عليك يا أبة، فقال الرشيد: هذا هو الفخر يا أبا الحسن، ثم لم يزل ذلك في نفسه، حتى استدعاه
____________
(1) الصدوق: عيون أخبار الرضا ص 193 (ط 1377)، محمد جواد مغنية: الشيعة والحاكمون ص 161.
(2) نفس المرجع السابق ص 162.