(وما يتذكر إلا من ينيب) (2)، وكالعالمين بهم الذي يعقل أمثال القرآن، قال تعالى: (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون) (3)، كالأولياء وهم أهل المحبة الذين لا يلتفتون إلى شئ إلا له سبحانه ولذلك لا يخافون شيئا ولا يحزنون بشئ. قال تعالى: (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) (4) وكالمقربين. والمجتبين والصالحين والمؤمنين. ولكل منهم خواص من العلم والإدراك يختصون بها. ونظير هذه المقامات الحسنة. مقامات سوء في مقابلها. ولها خواص رديئة في باب العلم والمعرفة. ولها أصحاب كالكافرين والمنافقين والفاسقين وغيرهم. وهؤلاء لهم نصيب من سوء الفهم ورداءة الادراك لآيات الله ومعارفه الحقة.
وعلاقة المطهرين بالقرآن هي علاقة الفاهم للقرآن. أي العالم بمتشابه القرآن ورده إلى محكمه. ودائرة الطهر تقابل الذين قال تعالى فيهم: (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) (5)، وقوله: (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) (6)، فالمطهرين خصهم الله بعلم تأويل الكتاب. لينطلق طريق العلم في مواجهة أصحاب المقامات السوء والخواص الرديئة. ويجب أن يفهم. إن الطريق إلى فهم القرآن غير مسدود. فهو حجة على الناس بذاته. ولكن إذا كان للقرآن الدلالة على معانيه والكشف عن المعارف الإلهية فإن للمطهرين الدلالة على الطريق وهداية الناس إلى أغراض القرآن ومقاصده. فبهذا يحافظ العامل على المسيرة وعلى أخلاقها. بعيدا عن
____________
(1) سورة الأنعام: الآية 75.
(2) سورة المؤمن: الآية 13.
(3) سورة العنكبوت: الآية 43.
(4) سورة يونس: الآية 62.
(5) سورة محمد: الآية 24.
(6) سورة النساء: الآية 82.
أولا - من هم المطهرون؟
هل هم نساء النبي؟ أم بني هاشم كافة؟ أم أنهم جميع الأمة؟ إن الذي حدد دوائر الصد عن سبيل الله هو سبحانه الذي يحدد دائرة الطهر. قال تعالى:
(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (1). لقد قال تعالى في المنافقين: (فأعرضوا عنهم إنهم رجس) (2)، وقال تعالى (وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم) (3). والرجس كل ما استقذر من عمل. ثم قال تعالى في أهل هذه الآية: (ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهير)، وهكذا دائرة أمام دائرة. وإذهاب الرجس. إزالة كل هيئة خبيثة في النفس. وقوله تعالى: (ويطهركم تطهير) أي تجهيزهم بإدراك الحق في الاعتقاد والعمل. أما من هم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
فلقد روى الإمام مسلم عن أم المؤمنين عائشة قالت: خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود. فجاء الحسن بن علي فأدخله ثم جاء الحسين فدخل معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله. ثم قال: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " (4).
وفي أسباب النزول. أن الآية نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم وعلي وفاطمة والحسنين رضي الله عنهم خاصة لا يشاركهم فيها غيرهم. وليعلم طالب العلم أن هذا الحديث ثابت في كتب الأمة بجميع دروبها ومذاهبها.
والروايات كثيرة تزيد على سبعين حديثا يربو ما ورد منها من طرق أهل السنة
____________
(1) سورة الأحزاب: الآية 33.
(2) سورة التوبة: الآية 95.
(3) سورة التوبة: الآية 125.
(4) صحيح مسلم ك فضائل الصحابة ب فضائل الحسن والحسين (194 \ 15) ورواه الحاكم وقال هذا حديث صحيح على شرطهما (المستدرك 147 \ 7).
ثانيا - إعلان الناس بمن هم المطهرون:
علمنا من السيرة النبوية أنه صلى الله عليه وسلم كان يكرر جوابه على من يسأله أكثر من مرة وربما يكرر الجواب ثلاث (2) أو سبع مرات (3). وكان يتحدث بالحديث الواحد في أكثر من موطن. وكل ذلك ليحقق الاستماع والإنصات والفهم لمن حوله كي يبينوا لمن لم ير أو يسمع. وإعلانه صلى الله عليه وسلم بأن هؤلاء أهل بيته المطهرون تم في أكثر من موضع ليعلم الناس أن هؤلاء في عرف القرآن هم أهل البيت.
وآية التطهير نزلت في بيت أم سلمة: وإنما أوردنا حديث عائشة في أول حديثنا عنهم لكونه ورد في صحيح مسلم. ومن بيت أم سلمة روى الحديث أم سلمة وعمر بن أبي سلمة (4) وزينب بنت أبي سلمة (5) فعن أم سلمة قالت:
" دعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة وحسنا وحسينا وعلي خلف ظهره فجللهم بكساء ثم قال " اللهم هؤلاء هم أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا " فقالت أم سلمة: وأنا معهم يا نبي الله؟ قال: " أنت على مكانك
____________
(1) ابن كثير في التفسير 384 \ 3، البغوي في تفسيره 546 \ 6، ابن جرير في تفسيره 5 \ 20 وغيرهم.
(2) كنز العمال 445 \ 4.
(3) سنن أبو داوود.
(4) روى الترمذي حديثه (الجامع 351 \ 5).
(5) روى ابن عساكر حديثها (كنز العمال 643 \ 13).
فرفعت الكساء لأدخل معهم. فجذبه من يدي وقال: إنك على خير " (3).
وبعد بيت أم سلمة تكرر المشهد في أماكن أخرى، روى الإمام أحمد، عن شداد بن أبي عمار أنه قال: أتيت فاطمة أسألها عن علي. قالت: توجه إلى رسول الله صلى الله على وسلم. فجلست أنتظره حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه حسن وحسين. أخذ كل واحد منهما بيده. حتى دخل فأتى عليا وفاطمة فأجلسهما بين يديه، وأجلس حسنا وحسينا كل واحد منهما على فخذه ثم لف عليهم ثوبه ثم تلا هذه الآية (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس...) الآية، وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وأهل بيتي أحق " (4).
وعن إسماعيل بن عبد الله قال: لما نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرحمة هابطة قال: ادعوا لي ادعوا لي فقالت صفية: من يا رسول الله؟ قال:
أهل بيتي عليا وفاطمة والحسن والحسين. فجئ بهم. فألقى النبي صلى الله عليه وسلم كساء، ثم رفع يده وقال: اللهم هؤلاء آل محمد فصلي على محمد وآل محمد (5).
وعن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم. كان يمر على بيت فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى الفجر فيقول: الصلاة يا أهل البيت " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم
____________
(1) رواه الترمذي (الجامع 351 \ 5) وأحمد (الفتح الرباني 237 \ 18) وأبي يعلى والطبراني بإسنادين. وذكره ابن تيمية في منهاج السنة (منهاج 250 \ 3) وذكره أيضا في الفتاوى الكبرى 230 \ 1، ورواه ابن عبد البر في الإستيعاب 27 \ 1.
(2) تفسير ابن كثير 484 \ 3.
(3) الفتح الرباني 338 \ 18.
(4) رواه الإمام أحمد، وقال في الفتح الرباني قال الهنثي، رواه أحمد وأبو يعلى (الفتح 103 \ 22).
(5) رواه الحاكم وقال حديث صحيح الإسناد (المستدرك 148 \ 3).
لقال " عنكن " و " ليطهركن " (3)، وقال في أسد الغابة أن هذا الحديث. رواه الأوزعي. ولم يرو في الفضائل حديثا غير هذا. وكذلك الزهري. لم يرو فيها إلا حديثا واحدا. كانا يخافان بني أمية (4).
فإذا كان الحديث قد تكرر أكثر من مرة في أكثر من مكان في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كي يتذكر من أراد أن يتذكر. وإذا كان قد روى في عالم الخوف. أيام بني أمية. فإنه روى أيضا في أشد الأوقات حديث كانت الدماء تنزف في كل مكان. فلقد روى أن الحسن بن علي رضي الله عنهما عندما طالبه القوم بإبرام الصلح مع معاوية خطب في الناس وقال: " أيها الناس. إنما نحن أمراؤكم وضيفانكم. ونحن أهل بيت نبيكم الذي أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. وكرر ذلك. حتى ما بقي في المجلس إلا من بكى حتى سمع نشيجه " (5). وإذا كان الحسن رضي الله عنه قد ذكرهم يوما. فإن علي بن الحسين رضي الله عنهم قد ذكر أهل زمانه أيضا. من أبي الديلم قال. قال
____________
(1) أخرجه الإمام أحمد وقال في الفتح الرباني: أورده ابن كثير وعزاه للإمام أحمد وأورده الطيالسي في مسنده (الفتح 103 \ 22)، ورواه الترمذي الجامع الصحيح 352 \ 5) وقال في تحفة الأحوازي: أخرجه أحمد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه ابن مردويه (تحفة الأحوازي 68 \ 9) ورواه الحكم وصححه (المستدرك 158 \ 3) ورواه صاحب الغابة (أسد الغابة 223 \ 7).
(2) الفتح الرباني 238 \ 18.
(3) تحفة الأحوازي 67 \ 9.
(4) أسد الغابة 21 \ 2.
(5) ابن الأثير 204 \ 3، تفسير ابن كثير 486 \ 3.
فهؤلاء أهل البيت. الذي أذهب الله عنهم الرجس: أي عمل الشيطان وما ليس لله فيه رضا. كما قال ابن عباس (2) الذين قال فيهم النبي: " اللهم هؤلاء أهل بيتي وأهل بيتي أحق " (3)، وقال فيهم: " اللهم أرض عنهم كما أنا عنهم راض " (4)، وقال لهم: " رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد " (5)، وقال: " اللهم هؤلاء آهل فصل على محمد وآل محمد " (6).
هؤلاء قوم نزلت الطهارة في قلوبهم. ولم ينزلها إلا الله سبحانه. فإنه تعالى ذكرها منسوبة إلى نفسه " إنما يريد الله... " وليست الطهارة إلا زوال الرجس من القلب. وليس القلب من الإنسان إلا ما يدرك به ويريد به، فطهارة القلب طهارة نفس الإنسان في اعتقادها وإرادتها وزوال الرجس عن هاتين الجهتين. ويرجع إلى ثبات القلب فيما اعتقده من المعارف الحقة من غير ميلان إلى الشك. وثباته على لوازم ما علمه من الحق من غير تماثل إلى اتباع الهوى ونقض ميثاق العلم. وهذا هو الرسوخ في العلم. فإن الله تعالى ما وصف الراسخين في العلم إلا بأنهم مهديون ثابتون على ما علموا. غير زائغة قلوبهم إلى ابتغاء الفتنة.
إن دائرة الذين في قلوبهم زيغ. ما دخلوا دائرتهم إلا بعد أن ضلوا عن
____________
(1) تفسير ابن كثير 486 \ 3.
(2) الفتح الرباني 238 \ 18.
(3) رواه أحمد وأبو يعلى (الفتح الرباني 103 \ 22).
(4) قال الهيثمي رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح غير عبيد بن الطفيل وهو ثقة (معجم الزوائد 9 \ 169 *.
(5) رواه ابن عساكر (كنز العمال 643 \ 13).
(6) رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد (المستدرك 148 \ 3)، ورواه الإمام أحمد (الفتح الرباني 103 \ 22).
وعلى امتداد الدعوة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. كانت تجري أحداث يترتب عليها غرس مفهوم من هم أهل البيت في ذاكرة الذين عاصروا النبي على إعتبار أنهم الجيل الذي سيفتح الأبواب من بعده ووفقا لحركة هذا الجيل ستسير الحركة على امتداد المسيرة. ومن هذه الأحداث التي غرست مفهوم من هم أهل البيت. أحداث يوم المباهلة وملخص القصة التي وردت في كتب التفسير والحديث والتاريخ. إن نصارى نجران لما وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: إلى ما تدعوا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إلى شهادة أن لا إله إلا الله. وأني رسول الله. قالوا: وماذا تقول في عيسى: قال: إن عيسى عبدا مخلوقا. يأكل ويشرب ويحدث. قالوا: فمن أبوه؟ فنزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال. قل لهم: ما تقولون في آدم، أكان عبدا مخلوقا يأكل ويشرب ويحدث وينكح؟ فسألهم النبي. فقالوا: نعم. فقال لهم:
فمن أبوه؟ فبهتوا. فأنزل الله: (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب... الآية). وقوله تعالى: (فمن حاجك فيه من بعدما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين) (3) فقال رسول الله: فباهلوني فإن كنت صادقا أنزلت اللعنة عليهم. وإن كنت كاذبا أنزلت علي. فقالوا: أنصفت
____________
(1) سورة ص: الآية 26.
(2) سورة آل عمران: الآية 9.
(3) سورة آل عمران: الآية 61.
فهذا الحدث. لم يكن ليتم في الخفاء، ولأن هذا الاجتماع سيترتب عليه نتيجة حاسمة. فلا بد أن يشهده كل من سمع بموعده سواء أكان من المكذبين أو من المؤمنين أو غيرهم. وبين هؤلاء يوجد الحبشي والفارسي والرومي والنجراني إلى غير ذلك من الأجناس. باختصار كانت العالمية ممثلة بصورة أو بأخرى لمشاهدة هذا الحدث. ويروي أصحاب التفسير بالمأثور. إن رؤساء النصارى قالوا لبعضهم بعد أن اتفقوا على موعد المباهلة: إن باهلنا بقومه باهلناه. فإنه ليس نبيا. وإن باهلنا بأهل بيته خاصة لم نباهله. فإنه لا يقدم إلى أهل بيته إلا وهو صادق. فمن هم الذين جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ روى الإمام مسلم في صحيحه عن سعد بن أبي وقاص قال: لما نزلت هذه الآية (فقل تعالوا ندع أبناء وأبناءكم) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا. فقال: " اللهم هؤلاء أهلي " (1).
فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أهل بيته. قال النصارى: من هؤلاء؟ فقيل لهم: هذا ابن عمه. وهذه ابنته فاطمة وهذان ابناه الحسن والحسين. ففرقوا. فقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: نعطيك الرضا.
فاعفنا من المباهلة فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجزية وانصرفوا.
قال صاحب تحفة الأحواذي: دعا عليا فنزله منزلة نفسه. وفاطمة لأنها أخص النساء. وحسنا وحسينا فمنزلتهما بمنزلة ابنيه صلى الله عليه وسلم (2)، وسئل يحيى ابن معمر. هل كان الحسين من ذرية النبي صلى الله عليه وسلم. وإذا كانت الإجابة. نعم. فكيف والنبي لم يعقب. وإنما العقب
____________
(1) صحيح مسلم ك، فضائل الصحابة ب، فضل علي، وأصل المباهلة في صحيح البخاري 80 \ 3. ورواه الترمذي عن سعد بن أبي وقاص، وقال حديث حسن ورواه الحاكم وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخان (المستدرك 150 \ 3).
(2) تحفة الأحواذي 350 \ 8.
إن حديث المباهلة روي من أحد وخمسين طريقا. وأثبتها أرباب الجوامع في جوامعهم. وأثبتها المفسرون في تفاسيرهم من غير إعتراض أو ارتياب.
كالطبري وابن كثير والسيوطي وغيرهم، وروى القصة أبو نعيم في الحلية والبيهقي في الدلائل وابن إسحاق وابن هشام في السيرة. وغيرهم. وعلى هذا نقول بأن مفهوم من هم أهل البيت قد غرس غرسا في ذاكرة العديد على زمن النبي صلى الله عليه وآله. وعلم الجميع أن قوله تعالى: (أبناءنا) تعني الحسن والحسين. وإن قوله تعالى: (وأنفسنا) تعني كما في حديث جابر:
" رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب " (2)، وإن قوله تعالى:
(ونساءنا " يعني. فاطمة.
ثالثا - القرآن والمطهرون والحوض:
وبعد تحديد من هم أهل البيت. ربط النبي بينهم وبين القرآن الكريم برباط وثيق. وهذا الرباط غرس غرسا في ذاكرة العديد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. روى الإمام مسلم عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة. فحمد الله وأثنى عليه.
ووعظ وذكر ثم قال أما بعد: ألا أيها الناس. فإنما إنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب. وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله. فيه الهدى والنور.
فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به. فحث على كتاب الله ورغب فيه. ثم قال:
وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي. أذكركم الله في
____________
(1) الحاكم (المستدرك 162 \ 3).
(2) تفسير ابن كثير 371 \ 1.
قال النووي: سمى ثقلين لعظمهما وكبير شأنهما. وقيل لثقل العمل بهما (2). وهذا الحديث تحدث به النبي صلى الله عليه وسلم بعد حجة الوداع. عند غدير خم. مما يفيد بأن جمع كبير من صحابة النبي قد سمعوه.
وسنبين ذلك في حينه. وروى أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن أهل بيته والقرآن لن يفترقا حتى يردا على حوضه يوم القيامة وهذا يفيد بأن أهل بيته على الصراط المستقيم. يسيرون بالطهر إلى غاية عظمي. فمن أراد الوصول فعليه بالسبيل الذي لا يقيضه شيطان. لأنه سبيل القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وسبيل أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. فلا يستطيع الشيطان أن يأتيهم من بين أيديهم أو من خلفهم.
وهو الذي أخذ على عاتقه أن يأتي الناس من بين أيديهم ومن خلفهم. إلا من عصم الله. وأحاديث أهل البيت والقرآن والحوض.
رواها أصحاب السنن وأثبتها المفسرون في تفاسيرهم. فعن أبي سعيد الخدري. قال: قال صلى الله عليه وسلم: إني تارك فيكم الثقلين. أحدهما أكبر من الآخر. كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض (3)، وفي رواية عن زيد بن ثابت قال
____________
(1) صحيح مسلم ك، فضائل الصحابة 179 \ 15، وفي رواية: قلنا: من أهل بيته نساؤه؟
قال: لا وأيم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها. أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده، صحيح مسلم 181 \ 15.
وقال النووي في رواية لمسلم: " نساؤه من أهل المدينة " أي الذين يساكنونه ويعلو لهم والمعروف في معظم الروايات في غير مسلم أنه قال: نساؤه لسن من أهل بيته (النووي شرح مسلم 181 \ 15).
(2) النووي شرح مسلم 179 \ 15 ك فضائل الصحابة ب فضائل على.
(3) رواه الإمام أحمد والترمذي وقال حديث حسن. والطبراني وقال المناوي رجاله موثقون (الفتح الرباني 186 \ 1) ورواه ابن أبي عاصم (644 \ 2 كتاب السنة) ورواه ابن أبي شيبة وابن سعد وأبو يعلى. وفيه: وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهم لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما (كنز العمال 186 \ 1).
وهكذا حبل من السماء إلى الأرض. سبيل واحد. له مقدمة ونتيجة. وفي رواية عن حبيب بن أبي ثابت وزيد بن أرقم معا قالا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدي. أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض. وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما (2).
لقد أعلن الرسول هذا على الملأ في حجة الوداع وفي غدير خم وفي أكثر من موطن. إنه تارك في أمته من بعده. ثقلين أو خليفتين. من يتمسك بهما لن يضل ومن سار معهما وصل إلى الحوض سالما ولن يكون مع الذين سيقال فيهم إنهم ارتدوا على أعقابهم فيقول الرسول: سحقا سحقا. كما ورد في صحيح البخاري ومسلم. وفي تفسير الحديث قال صاحب تحفة الأحوازي: (كتاب الله حبل ممدود) أي هو حبل ممدود من السماء إلى الأرض. يوصل العبد إلى ربه ويتوسل به إلى قربه. (وعترتي أهل بيتي) بيان لعترته. فقوله: إني تارك فيكم.
إشارة إلى أنهما بمنزلة التوأمين الخليفتين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأنه يوصي الأمة بحسن المخالفة معهما. وإيثار حقهما على أنفسهم، كما يوصي الأب المشفق الناس في حق أولاده. (ولن يفترقا) أي الكتاب والعترة في مواقف القيامة (حتى يردا على الحوض) يعني فيشكرانكم صنيعكم عندي (فانظروا كيف تخلفونني) أي كيف تكونون بعدي خلفاء. أي، عاملين متمسكين بهما. ولعل السر في هذه التوصية. واقتران العترة بالقرآن. إن إيجاب محبتهم لائح في معنى قوله تعالى:
(قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) فإنه تعالى جعل شكر أنعامه
____________
(1) رواه الإمام أحمد وقال الهيثمي إسناده جيد (مجمع الزوائد 193 \ 9) (الفتح الرباني 105 \ 22) ورواه الطبراني وسعيد بن منصور (كنز العمال 186 \ 10).
(2) رواه الترمذي وقال حديث حسن (الجامع الصحيح 663 \ 5) وقال في تحفة الأحواذي، رواه مسلم من وجه آخر (التحفة 10 \ 290).
اهتديتم فلم تضلوا (2)، وقال الزرقاني في شرح المواهب في شرح الحديث: أما الكتاب. فلأنه معد من العلوم الدينية والأسرار والحكم الشرعية. وكنوز الحقائق وخفايا الدقائق. وأما العترة. فلأن العنصر إذا طاب. أعان على فهم الدين.
فطيب العنصر يؤدي إلى حسن الأخلاق ومحاسنها يؤدي إلى صفاء القلب ونزاهته وطهارته. لهذا أكد رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدة مواطن على لزوم اتباع أهل بيته. وإنهم أولى الناس برعاية شئون الأمة. ولهذا جعل مثلهم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق (3)، وقال صاحب التاج الجامع للأصول في شرح الحديث: يقول النبي صلى الله عليه وسلم أحسنوا خلافتي فيهما باحترامهما والعمل بكتاب الله. وما يراه أهل العلم من آل البيت أكثر من غيرهم (4).
إن مقدمة هذا كله الاعلان الهام " يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما أن أخذتم به فلن تضلوا بعدي. كتاب الله وعترتي " (5). وفي معنى العترة، قال في
____________
(1) تحفة الأحوازي في شرح جامع الترمذي (290 \ 10).
(2) الفتح الرباني في ترتيب مسند أحمد (104 \ 22).
(3) شرح المواهب 2 \ 8.
(4) التاج الجامع للأصول 48 \ 1.
(5) رواه أحمد والطبراني وسعيد بن منصور وابن أبي عاصم عن زيد بن ثابت (كنز العمال 172 \ 1، 186 \ 10) (كتاب السنة 2 \ 351)، ورواه الترمذي والنسائي والحاكم عن زيد بن أرقم (كنز العمال 173 \ 1)، (البداية والنهاية چ 21 \ 5)، ورواه أحمد وأبو يعلى
رابعا - من حقوق المطهرين:
من الحقوق قوله تعالى: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) (5)، لقد ذهبوا في هذه الآية كل مذهب. فقال البعض. إن الخطاب لقريش. والأجر المسؤول هو مودتهم للنبي لقرابته منهم، وذلك لأنهم كانوا
____________
وابن أبي عاصم عن أبي سعيد الخدري (الفتح الرباني 115 \ 22)، و (كتاب السنة 644 \ 2)، ورواه الترمذي والنسائي وابن أبي شيبة والخطيب عن جابر (كنز العمال 172، 187 \ 1) ورواه الطبراني وأبو نعيم عن حذيفة ن أسيد (كنز العمال 435 \ 14).
(1) لسان العرب ص 2796.
(2) الفتح الرباني 104 \ 22.
(3) رواه الطبراني (كنز العمال 116 \ 12).
(4) رواه الحاكم وابن عساكر (كنز العمال 98 \ 12).
(5) سورة الشورى: الآية 23، السورة مكية والآية مدينة.
المعنى. لا أسألكم على دعائي أجرا إلا أن تودوا أقرباءكم. فكيف يكون هذا؟
ومودة الأقرباء على إطلاقهم ليست مما يندب إليه في الإسلام. قال تعالى: (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم) (1)، وإن الذي يندب إليه الإسلام هو الحب في الله من غير أن تكون للقرابة خصوصية في ذلك. نعم هناك اهتمام شديد بأمر القرابة والرحم. لكنه بعنوان صلة الرحم وإيتاء المال على حبه ذوي القربى. لا بعنوان مودة القربى، فلا حب إلا لله عز وجل.
وروى أن المراد بالمودة في القربى. مودة قرابة النبي صلى الله عليه وسلم. وهم عترته. فعن ابن عباس رضي الله عنهما. في قوله (لا أسألكم عليه أجرا) قال. قالوا: يا رسول الله. من هؤلاء الذين أمر الله بمودتهم؟ قال: " علي وفاطمة وابناهما " (2)، وروى ابن جرير عن أبي الديلم قال: لما جئ بعلي بن الحسين رضي الله عنه أسيرا فأقيم على درج دمشق. قام رجل من أهل الشام.
فقال: الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم وقطع قرن الفتنة، فقال له علي بن الحسن رضي الله عنهما: " أقرأت القرآن؟ "، قال: نعم، قال: " أقرأت آل حم؟ " قال: قرأت القرآن ولم أقرأ آل حم. قال: ما قرأت: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) قال: وإنكم لأنتم هم؟ قال: نعم. وروى الإمام أحمد
____________
(1) سورة المجادلة: الآية 22.
(2) رواه الطبراني وقال الهيثمي في موضع رواه الطبراني وثقوا جميعا وفي بعضهم ضعف (مجمع الزوائد 103 \ 7) وقال في موضع آخر رواه الطبراني وفيه جماعة ضعفاء وقد وثقوا (الزوائد 168 \ 9)، وأخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه (تحفة الأحوازي 127 \ 9) (الفتح الرباني 275 \ 18).
" لا أسألكم على ما أتيتكم من البينات والهدى أجرا إلا أن توادوا الله تعالى وأن تقربوا إليه بطاعته (1) وقال ابن كثير: كأنه يقول. إن تعملوا بالطاعة التي تقربكم عند الله زلفى. وفي رواية لسعيد بن جبير معناه: إن تودوني في قرابتي أي تحسنوا إليهم وتبروهم (2).
وقال البعض. إن آية: (إلا المودة في القربى) منسوخة!!؟ ورد الحسن بن الفضل على الذين قالوا بذلك. فقال: القول بنسخ هذه الآية غير مرضي. لأن مودة النبي وكف الأذى عنه. ومودة أقاربه من فرائض الدين. وهو قول السلف. فلا يجوز القول بنسخ هذه الآية (3).
وحث النبي صلى الله عليه وسلم أمته وساقها نحو الصراط المستقيم في أكثر من موضع. فعن ابن عباس. قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
أحبوا الله لما يغذيكم (أي يرزقكم به) من نعمه. وأحبوني بحب الله. وأحبوا أهل بيتي لحبي " (4)، وقال: " النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأمتي " (5)، وقال: " مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق " (6).
وبعد أن فرض مودتهم ومحبتهم وبين أنهم أمان للأمة من الظلام ومن الغرق.
أمر بالصلاة عليهم. ليستقيم البدء مع الختام. فقد أمر الله تعالى بالصلاة على
____________
(1) تفسير ابن كثير 112 \ 4، البغوي في تفسيره 364 \ 7.
(2) تفسير ابن كثير 112 \ 4.
(3) تحفة الأحوازي 127 \ 9.
(4) رواه الترمذي وحسنه (الجامع الصحيح 664 \ 5)، والحاكم وأقره الذهبي (المستدرك 150 \ 3.
(5) رواه الطبراني وأبو يعلى وابن عساكر وابن أبي شيبة ومسدد عن سلمة بن الأكوع (كنز العمال 96، 102 \ 12)، ورواه أبو يعلى والبزار والحاكم عن أبي ذر (الخصائص الكبرى للسيوطي 466 \ 2).
(6) رواه البزار عن ابن عباس والزبير (كنز العمال 95 \ 12)، ورواه الحاكم وابن جرير والبزار والطبراني عن أبي ذر، وهذا الطريق فيه من قالوا فيه - متروك. رواه.
فصلاته تعالى. انعطافا عليه بالرحمة انعطافا مطلقا. لم يقيد في الآية بشئ دون شئ. وكذلك صلاة الملائكة عليه انعطافا عليه بالتزكية والاستغفار. وقد ذكر تعالى صلاته وصلاة ملائكته عليه. قبل أن يقول: (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه) دلالة على أن في صلاة المؤمنين له. اتباعا لله سبحانه وملائكته. وقد استفاضت الروايات أن طريق صلاة المؤمنين. أن يسألوا الله تعالى أن يصلي عليه وآله. كما سيأتي. وقوله تعالى: (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا)، من المعلوم أن الله تعالى منزه من أن يناله الأذى وكل ما فيه وصمة النقص والهوان. فذكره مع الرسول وتشريكه في إيذائه. تشريف للرسول. وإشارة إلى أن من قصد رسوله بسوء. فقد قصده أيضا بالسوء. فقد أوعدهم باللعن في الدنيا والآخرة. واللعن هو الإبعاد من الرحمة.
والرحمة الخاصة بالمؤمنين هي الهداية إلى الاعتقاد الحق وحقيقة الإيمان.
ويتبعه العمل الصالح. فالإبعاد من الرحمة في الدنيا. تحريمه عليه جزاء لعمله فيرجع إلى طبع القلوب كما في قوله تعالى: (ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا) (2)، وقوله: (أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم) (3)، وأما اللعن في الآخرة فهو الإبعاد من رحمة القرب. وقد قال تعالى: (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) (4). ثم أوعدهم بأنه أعد لهم - أي في الآخرة - عذابا مهينا ووصف العذاب بالمهين. لأنهم يقصدون باستكبارهم في الدنيا إهانة الله ورسوله. فقوبلوا في الآخرة بعذاب يهينهم (5).
____________
(1) سورة الأحزاب: الآية 56 - 57.
(2) سورة النساء: الآية 46.
(3) سورة محمد: الآية 23.
(4) سورة المطففين: الآية 15.
(5) الميزان 338 \ 16.
وإنما هم واحد. فعن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة. فقال: ألا أهدي لك هدية سمعتها من النبي صلى الله عليه وآله. قال: قلت بلى فإهدها لي.
فقال: سألنا رسول الله. فقلنا يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت.
فإن الله قد علمنا كيف نسلم. قال: " قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد (2).
وروى الحاكم هذا الحديث. قال: وقد روى هذا الحديث بإسناده وألفاظه حرفا بعد حرف الإمام محمد بن إسماعيل البخاري عن موسى بن إسماعيل في الجامع الصحيح. وإنما أخرجته ليعلم المستفيد أن أهل البيت والآل جميعا هم (3) وروى الديلمي عن واثلة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع فاطمة وعليا والحسن والحسين تحت ثوبه وقال: " اللهم قد جعلت صلواتك ورحمتك ومغفرتك ورضوانك على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، اللهم إن هؤلاء
____________
(1) تفسير ابن كثير تفسير سورة الأحزاب.
(2) البخاري ك، بدء الخلق ب يزفون النسلان 239 \ 2.
(3) المستدرك (148 \ 3).
وقال في فتح الباري: قال أحد الهاشميين - من غير أهل البيت - للنبي صلى الله عليه وسلم: اتقصدني وأنت تصلي علي في كل صلاة في قولك اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد. فقال: إني أريد الطيبين الطاهرين ولست منهم (3).
لقد استقام البدء مع الختام. والتقى عصر إبراهيم عليه السلام مع عصر محمد صلى الله عليه وسلم في صلاة المؤمنين. وكما جرت يد إبراهيم على أولاده إسماعيل وإسحاق عليهم السلام وهو يدعو لهما كذلك جرت يد محمد صلى الله عليه وسلم على الحسن والحسين وهو يعوذهما بمعوذة إبراهيم. روى البخاري عن ابن عباس. قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين. ويقول: إن أباكما إبراهيم كان يعوذ بهما إسماعيل وإسحاق: " أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة " (4)، إن المعوذة التي جرت على الشجرة الإسرائيلية من القديم هي نفسها التي جرت على الشجرة الإسماعيلية من قديم حتى استقرت في الرسالة عن الحسن والحسين.
ويمكن على هذا الضوء أن نفهم معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم:
" حسين مني وأنا من حسين. أحب الله من أحب حسينا. حسين سبط من
____________
(1) رواه الديلمي والطبراني (كنز العمال 603 \ 13، 101 \ 12).
(2) رواه أبو يعلى وابن عساكر (كنز 145 \ 13).
(3) فتح الباري \ ابن حجر 160 \ 11.
(4) البخاري ك بدء الخلق (الصحيح 239 \ 2)، ورواه الحاكم (المستدرك 167 \ 3).
قال في تحفة الأحواذي: " أحب الله من أحب حسينا " لأن محبته محبة الرسول ومحبة الرسول محبة الله. وقوله: " حسين سبط من الأسباط " أي أمة من الأمم في الخير والأسباط في أولاد إسحاق بن إبراهيم بمنزلة القبائل في ولد إسماعيل. وأحدهم سبط. فهو واقع على الأمة. والأمة واقعة عليه (2) وإذا كنا قد فهمنا مغزى المعوذة، ومغزى السبط. فإننا يمكن أن نفهم أيضا معنى الخلفاء فيما رواه أبو هريرة. قال: قال رسول الله صلى الله عليه: إن بني إسرائيل كانت تسوسهم الأنبياء. كلما هلك نبي خلف نبي. وإنه لا نبي بعدي. إنه سيكون خلفاء. فتكثر. قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول.
واعطوهم حقهم الذي جعل الله لهم. فإن الله سائلهم عما استرعاهم (3) إن قوله:
" اعطوهم حقهم الذي جعل الله لهم " فيه إن الله جعل الخلفاء الحق حقا. وإن هذا الحق عنوان على امتداد الصراط المستقيم. ولا يجوز أن يسقط هذا الحق على خلفاء الجور والملك العضوض. لأن هؤلاء ليس لهم عند الله حقا، فالحق يكون للأنبياء والرسل. ولأولى الناس بالأنبياء والرسل. وأولى الناس بهم.
أعلمهم بما جاءوا به. وبعد هؤلاء للمؤمنين الذين إتبعوا الخط الرسالي للأنبياء والرسل. ثم لمن صالحوا أو عاهدوا إلى غير ذلك، فعلى هذا الطريق تكون الحقوق. أما على غيره فترتع الأهواء وتعوي الذئاب ويسير اللصوص بالليل والنهار فيزينون ويغوون ويحتنكون بني الإنسان من أجل سرقة حقوقهم التي جعلها الله لهم كي يعيشوا الحياة السعيدة.
وبعد أن أعلن التطهير، وبعد أن أعلن أن المطهرين مع القرآن الطاهر على
____________
(1) رواه الترمذي وقال حديث حسن (الجامع 658 \ 5) وقال في تحفة الأحوازي أخرجه البخاري في الأدب المفرد وابن ماجة والحاكم ورواه أحمد (التحفة 280 \ 10)، (الفتح الرباني 179 \ 23)، وقال ابن كثير رواه أحمد والطبراني والترمذي عن يعلى بن مرة (البداية 206 \ 8)، ورواه الحاكم وقال صحيح الإسناد (المستدرك 177 \ 3).
(2) تحفة الأحوازي 280 \ 10.
(3) رواه الإمام أحمد وإسناده صحيح وقال في الفتح رواه الإمام مسلم (الفتح 52 \ 23).
قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس " (1) وعن أبي هريرة قال: أخذ الحسين بن علي من تمر الصدقة فجعلها في فيه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كخ كخ إرم بها أما علمت أنا لا نأكل الصدقة " رواه مسلم (2)، وقال النووي: معنى أوساخ الناس إنها تطهير لأموالهم ونفوسهم. كما قال تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) فهي كغسالة الأوساخ (3).
لقد حرم الله تعالى الصدقة على النبي وآله " إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة " رواه مسلم (4). وعوضه سبحانه سهما من الخمس عوضا بما حرم عليه. وضرب لآله معه سهما عوضا مما حرم عليهم. قال تعالى في صدر سورة الأنفال: (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله واصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين) (5).
والأنفال جمع نفل. وهو الزيادة على الشئ. ولذا يطلق النفل على التطوع
____________
(1) شرح النووي 179 \ 7 مسلم باب تحريم الزكاة.
(2) صحيح مسلم 5، 1 \ 7 باب تحريم الزكاة.
(3) النووي شرح مسلم 179 \ 7.
(4) قال في كشف الخفاء رواه أحمد وابن حبان وأبو داود والحاكم (كشف 239 \ 1) ورواه مسلم بلفظ " إنا لا تحل لنا الصدقة "، (صحيح مسلم 176 \ 7).