فقوله: (يسألونك عن الأنفال) يفيد أنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن حكم غنائم الحرب. بعدما زعموا أنهم يملكون الغنيمة واختلفوا فيمن يملكها أو في كيفية ملكها وقسمتها بينهم أو فيهما معا. وتخاصموا في ذلك.
وقوله: (قل الأنفال لله والرسول) جواب على مسألتهم. وفيه بيان أنهم لا يملكونها وإنما هي أنفال يملكها الله ورسوله فتوضع حيثما أراد الله ورسوله.
وذكروا في تفسير الآية: أي يسألك أصحابك يا محمد عن هذه الغنائم التي غنمتها. وما حكمها وكيف تقسم فقل لهم. هي لله وللرسول يحكم فيها الله عز وجل بحكمه. ويقسمها الرسول صلى الله عليه وسلم على حسب تشريع الله عز وجل. فاتقوا الله ولا تختلفوا ولا تنازعوا في شأنها لأن ذلك يوجب سخط الله وغضبه عليكم (1) وبعد أن حدد الشرع الحنيف حكم الأنفال.
قال تعالى: (واعلموا إنما غنمتم من شئ فإن الله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله...) (2).
والغنم والغنيمة: إصابة الفائدة من جهة تجارة أو عمل أو حرب. وفي الآية ينطبق على غنيمة الحرب. وذو القربى، قرابة النبي أو خصوص أشخاص منهم على ما تفسره الآثار القطعية. ومعنى الآية والله أعلم: واعلموا أن خمس ما غنمتم أي شئ كان. هو لله ولرسوله ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن
____________
(1) تفسير آيات الأحكام \ الصابوني ص 589 \ 1.
(2) سورة الأنفال: الآية 41.
فالذي أباح لكم التصرف فيها. ويأمركم أن تؤدوا خمسها إلى أهله.
والنبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر من يأتيه مسلما أن يؤدي خمس ما غنم. فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لوفد عبد القيس: " آمركم أن تؤدوا خمس ما غنمتم " (1)، وروى الشيخان عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لوفد عبد القيس لما أمرهم بالإيمان بالله وحده. أتدرون ما الإيمان بالله وحده. قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وأن تعطوا من المغنم الخمس "، ومعنى هذا أن الخمس حق شرعي لأربابه المذكورين في الآية يجب صرفه إليهم. وقد أجمع أهل القبلة كافة. على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يختص بسهم من الخمس ويخص أقاربه بسهم آخر منه. وإنه لم يعهد بتغيير ذلك إلى أحد حتى دعاه الله إليه. واختاره إلى الرفيق الأعلى (2).
وسهم ذي القربى كان رباطا وثيقا لهم على امتداد الصراط المستقيم. فالله تعالى كما حصنهم الطهر. جعل سهمهم امتدادا لحصن الطهر. فالمال على مختلف العصور فتنة سقط فيها الأحبار والرهبان من قبل. وعندما سقطوا فسدت قيادتهم. قال تعالى: (إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس
____________
(1) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح (الجامع 153 \ 4).
(2) الرسول وسهم ذي القربى في تفسير القرطبي 8 \ 10، تفسير الطبري 10 \ 4، الكشاف للزمخشري 2 \ 158، تفسير المنار 10 \ 15، الأموال أبي عبيد 325، أحكام القرآن للجصاص 3 \ 60، فتح القدير للشوكاني 2 \ 295، سنن النسائي الفئ 7 \ 120، 122، شرح مسلم النووي باب حكم الفئ 12 \ 82.
والأحبار والرهبان الذين تعود إليهم تربية الأمة وإصلاح المجتمع. كان أكثرهم يأكل أموال الناس بالباطل. لتظاهرهم بالزهد والتنسك. وعلى ظلام الباطن وزخرف الظاهر توغلوا في سبيل الباطل ومنعوا الناس عن سبيل الله.
وسدوا الطريق على الحكومة الدينية العادلة التي غرضها إصلاح الناس. وتكوين مجتمع حي فعال يليق بالإنسان الفطري المتوجه إلى سعادته الفطرية. ولسد الطريق أمام هذه العقبة التي نفذ منها الشيطان. فرض الله تعالى لرسوله وأهل بيته المال الحق الطاهر، ليواجه خط المال الباطل الدنس للذين يصدون عن سبيل الله، ودائرة القربى الخاصة بسهم ذي القربى. دائرة واسعة بعض الشئ.
فهي تشمل القيادة ومن حولها من بني هاشم ومن بني المطلب الذين كانوا
____________
(1) سورة التوبة: الآية 34.
فقلنا: يا رسول الله. هؤلاء بنو هاشم لا ننكر فضلهم للموضع الذي وضعك الله به منهم. فما بال إخواننا بني المطلب أعطيتهم وتركتنا وقرابتنا واحدة. فقال صلى الله عليه وسلم: إنا وبنو المطلب لا نفترق في جاهلية ولا إسلام وإنا نحن وهم شئ واحد وشبك بين أصابعه (2). قال ابن قدامة في المغني: شارك بني المطلب بني هاشم بالنصرة (3).
إنه حكم الله وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إنما أنا قاسم وخازن الله يعطى " (4)، وكان يقول: " ما أعطيكم ولا أمنعكم. أنا قاسم أضع حيث أمرت " (5)، ولأن الطريق طريق حق يواجهه طريق باطل. ولأن هناك من يعمل لمنع الناس عن سبيل الله ويأكل أموالهم بالباطل. حذر النبي صلى الله عليه وسلم من عثرات الطريق وقال: " إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة " (6).
____________
(1) صحيح البخاري (196 \ 2) ك الجهاد والسير.
(2) أبو داوود حديث رقم 2980.
(3) المغني 657 \ 2.
(4) رواه البخاري (الصحيح 190 \ 2) ك الجهاد والسير.
(5) رواه البخاري (الصحيح 192 \ 2) ك الجهاد والسير.
(6) رواه البخاري (الصحيح 192 \ 2) ك الجهاد والسير.
خامسا - من مناقب أهل البيت:
لما كان أهل البيت هم ذروة الأمة الخاتمة. فإن الله تعالى وضعهم في دائرة خاصة بهم. لهم فيها ما ليس لغيرهم ليكون في ذلك لفتا لأنظار الأمة إليهم. ونحن سنقتبس من نورهم بعضا من مناقبهم التي يحتاجها هذا الموضع.
* من مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أول من صلى مع النبي بعد خديجة علي بن أبي طالب (1)، وعن زيد بن أرقم قال: أول من أسلم علي (2)، وعن سلمان قال: أول هذه الأمة ورودا على نبيها. أولها إسلاما علي بن أبي
____________
(1) رواه أحمد. وقال في الفتح الرباني: أورده الطيالسي في سنده والهيثمي عن علي وقال رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير حية العرض وقد وثق (الفتح 122 \ 23)، ورواه الترمذي وقال حديث غريب (تحفة الأحوازي 239 \ 10).
(2) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح (الجامع 642 \ 5) ورواه أحمد بسند صحيح (الفتح الرباني 122 \ 23) ورواه الحاكم وأقره الذهبي (المستدرك 136 \ 3).
قال صلى الله عليه وسلم: " علي أصلي وجعفر فرعي " (3)، وعن عمر بن عبد الله عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم. آخى بين الناس وترك عليا حتى بقي آخرهم لا يرى له أخا. فقال يا رسول الله: آخيت بين الناس وتركتني.
قال: ولم تراني تركتك. تركتك لنفسي أنت أخي وأنا أخوك. فإن ذكرك أحد فقل أنا عبد الله وأخو رسوله لا يدعيها بعد إلا كذاب (4). عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: " أنت أخي في الدنيا والآخرة (5)، وقال ابن كثير في هذا الحديث. كان المشايخ يعجبهم هذا الحديث لكونه من رواية أهل الشام (6).
من مناقب فاطمة رضي الله عنها:
خطب أبو بكر وعمر فاطمة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم " هي لك يا علي " (7)، وقال صلى الله عليه وسلم: " إن الله أمرني أن أزوج فاطمة من علي " (8)، وروى الإمام مسلم عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة:
يا فاطمة أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين. أو سيدة نساء هذه
____________
(1) رواه الطبراني وقال الهيثمي رجاله ثقات (مجمع الزوائد 102 \ 9)، ورواه ابن أبي شيبة (كنز العمال 144 \ 3)، ورواه الحاكم والخطيب (كنز العمال 616 \ 11).
(2) رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب (الجامع 637 \ 5) وقال في تحفة الأحوازي رواه النسائي وابن خزيمة في صحيحه والحاكم ورواه أبو نعيم في الحلية وسعيد بن منصور (تحفة الأحوازي 225 \ 10) (كنز العمال 120 \ 13).
(3) رواه الطبراني في الكبير. ورواه الضياء بسند صحيح (كنز العمال 602 \ 13).
(4) أخرجه الإمام أحمد وأبو يعلى عن علي (كنز العمال 140 \ 13) (تحفة الأحوازي 122 \ 10).
(5) رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب (الجامع 636 \ 5).
(6) البداية والنهاية 336 \ 7.
(7) رواه الطبراني وقال الهيثمي رجاله ثقات (الزوائد 204 \ 9).
(8) رواه الطبراني وقال الهيثمي رجاله ثقات (الزوائد 9 \ 204).
فإذا كان الذي يؤذي فاطمة يؤذي رسول الله. وإذا كان ما يغضبها يغضبه.
وإذا كان ما يقبضها يقبضه. فعلى ذلك يمكن أن نفهم قول الله تعالى: (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة " (6)، فمن المعلوم أن الله لا يناله الأذى ولكنه شارك الرسول في إيذائه تشريفا للرسول. وإشارة إلى أن من قصد رسول الله بسوء. فقد قصده أيضا بالسوء. لهذا قال لفاطمة ما قال. وقال لعلي بن أبي طالب: " إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك " (7)، وقال: " يا علي من فارقني فارق الله ومن فارقك يا علي فارقني " (8)، وقال: " من آذى عليا
____________
(1) صحيح مسلم في فضل فاطمة (6 \ 16)، ورواه البخاري بلفظ " أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة أو نساء المؤمنين (الصحيح 284 \ 2)، ورواه الحاكم بلفظ مسلم بزيادة " ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين " وقال هذا إسناد صحيح ووافقه الذهبي (المستدرك 156 \ 3).
(2) رواه الترمذي وقال حديث صحيح (الجامع 703 \ 5) ورواه الحاكم وقال هذا الحديث في المسند لأبي عبد الله أحمد بن حنبل (المستدرك 157 \ 3).
(3) صحيح مسلم 3 \ 16، باب فضل فاطمة.
(4) صحيح البخاري ك بدء الخلق ب مناقب قرابة النبي 302 \ 2.
(5) الحاكم وأقره الذهبي (المستدرك 3 \ 154).
(6) سورة الأحزاب: الآية 57.
(7) رواه الطبراني وقال الهيثمي إسناده حسن (الزوائد 203 \ 9).
(8) رواه البزار (كشف الأستار 201 \ 3) وقال الهيثمي رجاله ثقات (الزوائد 135 \ 9)، ورواه الحاكم وصححه (المستدرك 121 \ 3).
إنه خط واحد، لا مجاملة فيه لأحد. فالذين يؤذون الرسول يؤذون الله.
والرسول قام بتحديد دائرة. فمن تقدم إليه بأذى. فإنه يكون في حقيقة الأمر قد خالف الطريق كله. وحمل الفطرة على ما لا يجب أن تحمله.
* من مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما:
عن ابن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " هما ريحانتاي من الدنيا " (3)، وعن أسامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هذان ابناي وابنا ابنتي.
اللهم إني أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما " (4)، وفي هذا الحديث أطلق عليهما لفظ البنوة التي أطلقها القرآن في قوله تعالى: (تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم)، وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة " (5)، وعن حذيفة: قال النبي
____________
(1) رواه أحمد وقال الهيثمي رجال أحمد ثقات ورواه ابن حبان في صحيحه (الزوائد 129 \ 9).
(2) رواه ابن ماجة وقال البوصيري في الزوائد إسناده صحيح ورجاله ثقات (1406 \ 3) (كنز العمال 116 \ 12) ورواه الحاكم وأقره الذهبي (166 \ 3 المستدرك) وقال الهيثمي رواه أحمد والبزار (الزوائد 179 \ 9).
(3) رواه البخاري ك بدء الخلق ب مناقب الحسن والحسين (306 \ 2) وأحمد والترمذي عن ابن عمر. وابن عساكر وابن عدي عن أبي بكرة. والنسائي عن أنس (كنز العمال 113، 114 \ 12) ورواه البزار عن سعد وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح (الزوائد 181 \ 9).
(4) رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب (الجامع 656 \ 5)، وقال في تحفة الأحوازي رواه الحاكم وصححه وابن حبان في صحيحه (التحفة 274 \ 10) ورواه البخاري ك بدء الخلق ب مناقب المهاجرين 306 \ 2 الصحيح.
(5) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح (الجامع 656 \ 5) وقال في كشف الخفاء أخرجه أحمد وصححه ابن حبان والحاكم (كشف الخفاء 429 \ 1) وقال في تحفة الأحوازي هذا الحديث مروي عن عدة من الصحابة من طرق كثيرة ولذا عده السيوطي
لأن الجنة لا يدخلها القاتل الذي ساعد وساهم في تقييض الصراط المستقيم.
بدليل أن الشيطان الذي أخذ على عاتقه تقييض الصراط المستقيم. لعنه الله وأخرجه من الجنة.
سابعا - تحذيرات:
بعد اكتمال الدائرة التي ستقف في مواجهة دوائر الصد عن سبيل الله. وبعد أن بين الله تعالى العترة الطاهرة الذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. وأن ذروة ذي القربى هم من حرم الله تعالى على محمد صلى الله عليه وسلم نكاحه.
وبعد أن فرض مودتهم من البداية إلى النهاية. ولم يفرض الله مودتهم إلا لعلمه المطلق بأنهم لا يرتدون عن الدين أبدا ولا يرجعون إلى ضلال أبدا. ومودتهم لا يأتي بها أحد مؤمنا مخلصا إلا استوجب الجنة لقوله عز وجل: (الذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاؤن عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات. قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) (2).
وبعد أن فرض سبحانه الصلاة على رسوله والحق رسوله آله به. وفي بعض الروايات أن قوله تعالى: (يس والقرآن الحكيم) (3)، روى أن يس اسم من أسماء النبي (4). وروى في قوله تعالى: (سلام على آل
____________
= من المتواترات (تحفة 272 \ 3) وقال الهيثمي رواه أحمد وأبو يعلى ورجالها رجال الصحيح (الزوائد 201 \ 9).
(1) رواه البخاري والضياء في المختارة بسند صحيح (كنز 120 \ 12) وابن سعد والحاكم (كنز 113 \ 12) وأحمد والترمذي وقال حديث حسن والنسائي وابن حبان في صحيحه (كنز 113 \ 12).
(2) سورة الشورى: الآية 22 - 23.
(3) سورة يس: الآية 1.
(4) جلاء الأفهام \ ابن القيم ط دار الكتب العلمية بيروت.
وروى في قوله عز وجل: (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها) (6)، إن الآية مكية وعلى هذا فالمراد بقوله: " أهلك " بحسب وقت النزول خديجة زوج
____________
(1) سورة الصافات: الآية 130.
(2) تفسير ابن كثير 20 \ 4، البغوي في تفسيره معالم التنزيل 164 \ 7 ط المنار 1347 ه.
(3) سورة النحل: الآية 43.
(4) سورة الطلاق: الآية 10 - 11.
(5) سورة الحديد: الآية 25.
(6) سورة طه: الآية 132.
وبعد أن فرض سبحانه لذي القربى نصيبهم من المال. فقرن سهمهم مع سهمه وسهم رسوله. فجعلهم بذلك في خير. وجعل الناس في خير دون ذلك.
ورضي لهم ما رضي لنفسه. واصطفاهم فيه فبدأ بنفسه ثم ثنى برسوله ثم بذي القربى. (واعلموا إنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى). (2) فهذا النصيب من الفئ والغنيمة حقا لهم إلى يوم القيامة في كتاب الله الناطق. بخلاف اليتامى والمساكين الذين ورد ذكرهم في الآية. فإن اليتيم إذا انقطع يتمه خرج من الغنائم ولم يكن له فيها نصيب. وكذلك المسكين إذا انقطعت مسكنته لم يكن له نصيب من المغنم ولا يحل له أخذه. ولكن سهم ذي القربى إلى يوم القيامة. قائم فيهم للغني والفقير منهم. لأنه لا أحد أغنى من الله عز وجل. فجعل لنفسه منها سهما ولرسوله سهما. فما رضيه لنفسه ولرسوله رضيه لهم. وكذلك الغني ما رضيه منه لنفسه ولرسوله صلى الله عليه وآله رضيه لذي القربى. وكذلك الصدقة. فكما نزه سبحانه نفسه ونزه رسوله. نزه أهل بيت النبي عنها. فقال: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من
____________
(1) أخرجه ابن مردويه وابن عساكر وابن النجار عن أبي سعيد الخدري.
(2) سورة الأنفال: الآية 41.
بعد كل هذا التطهير. وبعد رباط القرآن الذي لا ينفك عنهم حتى يوم القيامة.
بعد كل هذا حذر ثم حذر وحذر. فقال: " سبعة لعنتهم ولعنهم الله " ومنهم:
" المتسلط على أمتي كالجبروت ليذل من أعز الله، ويعز من أذل الله عز وجل.
والمستحل من عترتي ما حرم الله عز وجل " (2)، وعن زيد بن أرقم. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي وفاطمة والحسن والحسين. أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم (3).
قال في تحفة الأحواذي: أي أنا محارب لمن حاربتم. جعل النبي صلى الله عليه وسلم نفسه نفس الحرب مبالغة كرجل عدل (4)، وعن أبي
____________
(1) سورة التوبة: الآية 60.
(2) رواه ابن أبي عاصم وقال الألباني له طريق عن عائشة إسناده حسن (كتاب السنة 24 \ 1).
(3) رواه الترمذي وقال حديث غريب. وقال في تحفة الأحواذي. قول الترمذي صبيح مولى أم سلمة ليس عوف ذكره ابن حبان في الثقات. ورواه أحمد والطبراني عن أبي هريرة وفيه تليد بن سليمان وفيه خلاف (التحفة 372 \ 10) (الفتح الرباني 106 \ 22) (كنز العمال 96، 97 \ 12)، (مجمع الزوائد 169 \ 9)، ورواه الحاكم وقال هذا حديث حسن من أحاديث أبي عبد الله أحمد بن حنبل، ورواه الحاكم أيضا عن طريق زيد بن أرقم (المستدرك 149 \ 3)، وقال في كنزل العمال، رواه الترمذي وابن ماجة والحاكم عن زيد بن أرقم وأحمد والطبراني والحاكم عن أبي هريرة (كنز العمال 96 \ 97 \ 12)، ورواه الضياء بسند صحيح عن زيد بن أرقم، ورواه عنه ابن أبي شيبة وابن حبان في صحيحه (كنز العمال (640 \ 13)، وذكره ابن كثير في البداية، وقال رواه أحمد (البداية 38 \ 5).
(4) تحفة الأحواذي 372 \ 10.
وعلى ذلك تكون الحجة قد أقيمت. فالله سبحانه هو الذي حذر من خطوات الشيطان. وهو سبحانه الذي بين أهداف المشركين في دائرة البخس.
وهو سبحانه الذي بين أهداف المنافقين في دائرة الرجس. كما بين أهداف تيار الذين في قلوبهم مرض. وتيار الذين في قلوبهم زيغ. ولما كانت الأمة ستجد مشاكل على الطريق يضعها أناس من جلدتهم يتكلمون بألسنتهم ويدعون إلى النار من أجابهم قذفوه فيها. ولما كان عدم وجود دليل للأمة يرشدها مع كتاب الله إلى الطريق الحق. يعتبر حجة لهم يوم القيامة. أقام الله حجته حتى لا يكون للناس عليه حجة يوم القيامة، ولا إكراه في الدين. فالحق حق وإن تركه الناس. والباطل باطل وإن التزموا به.
____________
(1) رواه الحاكم وقال حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه (المستدرك 150 \ 3).
رابعا - النور والولاية
بعد تحديد دائرة الطهر. هل كان لهذه الدائرة ذروة بعد الرسول صلى الله عليه وآله سلم؟ بمعنى هل كان فيها الرجل الذي يبلغ عن الرسول من بعده أم أن الدائرة وجدت ليتبارك بها الناس فيحمل أحدهم الحسن ويقبل الآخر الحسين ويبتسم الجميع في وجه فاطمة وعلي رضي الله عنهما؟ فإذا كانت الإجابة. أن الدائرة بركة. ولا يوجد ما يسمى بالخلافة. ولم يقوم الرسول بتعيين من يبلغ من بعده. فإن من خالف يقول: فهل من المعقول أن يجعل النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه دون استثناء قدوة للبشر وفي أصحابه دائرة المنافقين وتيار الذين في قلوبهم مرض؟ كيف وقد أظهرت حركة التاريخ أن الصحابة اختلقوا في الرواية والقيادة والسيرة والأخلاق، وفي طريق الهداية والإرشاد وفي كل شئ.
وسبب هذا الاختلاف أن المحتاج إلى التعليم والإرشاد. أصبح قرينا للقرآن الذي لا يستغني عن المفسر العالم به. ولو كان القرآن لا يحتاج إلى تأويل لأجمع الناس على مدلوله ولم تفترق الأمة. وإذا كانت الخلافة ليست أصلا إسلاميا. ولم يأمر الرسول بها. فلماذا قامت بعده؟ بمعنى لماذا أوصى الذين جاءوا من بعده وحتى يومنا هذا بمن يخلفهم. هل كان معاوية بن أبي سفيان أحرص على الدعوة من رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلها لابنه من بعده وسار بها بعد ذلك لتستقر في إناء الكسروية والقيصرية؟ لماذا حرصوا على الخلافة ولم يتركوا الأمر اقتداءا بسنة رسول الله إذا اعتبرنا أنه ترك أمته كهباء ضائع في خلاء. وحاشاه أن
وإنها تقوم على الاجماع أو الانتخاب. فإن من خالف يقول: إذا كانت الخلافة بالإجماع فما معنى عقد أبي بكر لعمر رضي الله عنهما. وما معنى وصية عمر وجعلها شورى، وما معنى جعل الخلفاء إياها كسروية. إن كل حلقة تختلف عن الأخرى. وانتهت الحلقات إلى الجبرية حيث الاجماع الذي على رأسه السيف.
وكل حلقة لم تحقق الاجماع الكامل ويوم السقيفة شاهد بخروج سعد بن عبادة ومن معه على هذا الاجماع وعلى امتداد التاريخ تشهد الأحداث أن الاجماع لم يتحقق يوما وأن المعارك بين المسلمين وبين أنفسهم كان عمودها الفقري الخروج على الحكم وطلب الكرسي. فأين الاجماع في هذه الأحداث؟ وإذا كانت الخلافة بالانتخاب. فمن المعلوم أن الأمة ليست متفقة في الرأي وأن لكل فرد فيها رأي يخالف الباقين. فأي انتخاب؟ وهل المرشح الذي تخرج دنانيره من بيت المال لتلمع في عيون الناخبين. هل يكون هذا مرشحا، مهمته السير بالدعوة الحق على الصراط الحق. هل اللائحة التي تحافظ على الأهواء وتزين وتغوي الناخبين بأحقية حزب ما أو قبيلة ما. وما يقابلها من لوائح تزين وتغوي بالأموال والقرب والجاه. هل هذه اللوائح. لوائح حق تسير بالدعوة الحق على الصراط الحق. أن الخليفة بحكم العقل والنقل مطلوب منه المحافظة على كيان الإسلام.
وإزاحة الشبهات وقطع دابر الكفار والمنافقين ونشر الأحكام الإلهية. فهل يا ترى يمكن للناس الوصول إلى من يتصف بهذه الصفات المذكورة وهل في وسعهم الاتجاه والاتفاق على اختياره. مع الوضع في الاعتبار أن في الأمة دوائر عديدة هدفها الصد عن سبيل الله. وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن في أمته أئمة مضلون ومنافق عليم اللسان إلى غير ذلك. فهل يمكن للناس تفادي كل هذا؟
فإن قيل: إن الخلافة في عصورها المتأخرة تختلف عنها في عصورها الأولى حيث كان الصحابة يتحرون الدقة. وهم بالإجماع أهل عدل وصلاح.
وبموت الرسول صلى الله عليه وسلم. لم يعد هناك منافقون ولم يعد لتيار الذين في قلوبهم مرض وجود. فإن المخالف يقول: إذا كانوا جميعا عدو. فبمن
وبمن نقتدي بخلافة أبي بكر رضي الله عنه. أم بقول علي بن أبي طالب له: " أفسدت علينا أمورنا ولم تستشر ولم ترع لنا حقا " (7)، وفي رواية عند البخاري قال: " ولكنك استبدت علينا بالأمر. وكنا نرى لقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيبا " (8)، أم بوصف عمر فيما بعد لخلافة أبي بكر بأنها فلتة ومن عاد إليها فيجب قتله (9)، وبمن نقتدي يوم جعلها عمر بعد إصابته شورى بين ستة روى أنهم من أهل الجنة. فقد قال: " إن خالف اثنان لأربعة فاقتلوا الاثنين. وإن خالف ثلاثة ثلاثة فاقتلوا الثلاثة الذين ليس فيهم
____________
(1) الطبري 210 \ 3.
(2) الطبري 210 \ 3.
(3) الطبري 210 \ 3.
(4) البخاري (الصحيح 291 \ 2) لبدء الخلق.
(5) ابن سعد في الطبقات (كنز العمال 628 \ 5).
(6) راجع ابن كثير وابن الأثير في أحداث السقيفة.
(7) مروج الذهب \ المسعودي (1 \ 414).
(8) البخاري (الصحيح 56 \ 3) ك المغازي.
(9) رواه الإمام أحمد (الفتح الرباني 59 \ 23) وابن أبي شيبة (كنز العمال 649 \ 5)، الطبري (200 \ 3).
وفيهم من قال: " اقتلوا نعثلا فقد كفر " وفيهم من كان يلعنه كما سنبين ذلك في حينه... بمن نقتدي بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أم بالناكثين وفيهم صحابة. أم بالقاسطين وفيهم صحابة. أم بالمارقين وفيهم صحابة. أم بعلي بن أبي طالب ومن معه وهم صحابة. بمن نقتدي. بمعاوية ابن أبي سفيان أم بعمرو بن العاص وهما من الصحابة؟ من المسؤول عن الدماء التي أريقت بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بمدة قليلة. والذين كانوا في صدر المسؤولية جميعا من الصحابة، ويبقى السؤال قائما. هل أوصى الرسول الأكرم لأحد أصحابه بأن يبلغ من بعده. أم ترك الأمة كهباء ضائع في خلاء بعد جهاد طويل في عالم الحرب والسياسة والنفس. هل تركها لتستقر بعد ذلك عند أقدام يزيد بن معاوية ومن على شاكلته. حيث تقطع رؤوس الذين آمنوا وتجلد ظهورهم بكل قسوة وبلا أدنى رحمة. وينتهي الأمر بأن تدخل الأمة في دوائر الذين سبقوها وتتبع سننهم شبرا بشبر وذراعا بذراع؟ إن الذي يقول بذلك. يكون قد تساهل تساهلا كبيرا في حق الله وحق كتابه وحق رسوله.
نحن لا نقلل من شأن الصحابة رضي الله عنهم. ولكن هناك حقيقة لا يجب أن نتعامى عنها: هي إن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب محبة أصحابه لطاعتهم لله. فإذا عصوا الله وتركوا ما أوجب محبتهم. فإن النبي لا يجامل أحدا.
لقد قيل. أنه صلى الله عليه وسلم أشاد بالصحابة وأنهم كالنجوم وعلى الهدى. وليس معنى ذلك أن أهل الشام على هدى. وإنهم بهداهم حاربوا علي بن أبي طالب وأن قاتل عمار بن ياسر على هدى، والصحيح
____________
(1) قصة الشورى الطبري (33 / 5).
واجتاحت خيول يزيد المدينة. وحوصرت مكة. وشرب الخلفاء الخمور وارتكبوا الفجور وأريقت الدماء. وقتل المسلمون وسبي الحريم. واستبعد أبناء المهاجرين والأنصار. وما كان هذا إلا بسياسة من بعض الصحابة وما جرى إلا تحت أعينهم. ولكي لا تختلط الأمور فنحن نعرف هنا ما هي الصحبة.
1 - تعريف من هو الصحابي:
الصحبة لغة. هي المعاشرة، وتطلق على المعاشرة في الزمن القليل والكثير. ولذلك يقال صحبت فلانا حولا وشهرا ويوما وساعة. وتقع الصحبة بين المؤمن والكافر. كما تقع بين المؤمن والمؤمن. قال تعالى في محاورة بين مؤمن وكافر: (قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت الذي خلقك) (4)، وقال تعالى لكفار المشركين (ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى) (5)، وقال سبحانه لهم: (ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير
____________
(1) سورة الحجرات: من الآية 51.
(2) سورة الزمر: الآية 13.
(3) سورة الزمر: الآية 65.
(4) سورة الكهف: الآية 37.
(5) سورة النجم: الآية 2 - 3.
وسموا الجماد مع الحي صاحبا فقالوا في السيف:
وأطلقت كلمة الصحابي على كل من أسلم في حياة النبي ولقيه مسلما.
ومن هؤلاء المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون الذين كانوا يعملون على إحداث الاضطراب في المدينة. ومنهم الذين قال فيهم تعالى: (ومنهم الذين يؤذون النبي) (2)، وقوله: (ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون) (3)، وقوله: (يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم) (4). فإذا كان في الصحابة من يبطن الكفر ويظهر الإيمان بنص الكتاب. فكيف يجوز الاقتداء بكل فرد منهم دون أن يوثق بإيمانه ويعرف صحة إسلامه ورسوخ عقيدته.
لقد قال تعالى في صحابة النبي صلى الله عليه وسلم: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار) إلى قوله تعالى: (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجر عظيما) (5)، فقوله تعالى: " منهم " أي لو كان منهم من لم يؤمن أصلا كالمنافقين والذين في قلوبهم مرض. أو منهم الذي آمن أولا ثم أشرك وكفر كما في قوله تعالى: (إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعدما تبين لهم الهدى) إلى قوله تعالى: (ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم
____________
(1) سورة سبأ: الآية 46.
(2) سورة التوبة: الآية 61.
(3) سورة التوبة: الآية 58.
(4) سورة التوبة: الآية 64.
(5) سورة الفتح: الآية 29.
وقال تعالى: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه) (3)، فمن ينكث لا معنى للقول بأن له عند الله أجرا عظيما. ولقد دلت الحوادث أن هناك من نكث بيعته. وبالجملة الصحابة ناس كغيرهم - مع فضل الصحبة - فيهم العدول الثقاة والقادة الهداة. وشهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام مالك. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لشهداء أحد: " هؤلاء أشهد عليهم " فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: ألسنا يا رسول الله إخوانهم. أسلمنا كما أسلموا.
وجاهدنا كما جاهدوا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بلى ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي " فبكى أبو بكر ثم بكى ثم قال: ائنا لكائنون بعدك! (4).
لقد كان في الصحابة أعظم الرجال في تاريخ البعثة إذ لم يكن في تاريخ الإنسانية منهم عبيدة بن الحارث. وعمير بن أبي وقاص. وعاقل بن أبي البكير.
ومهجع مولى عمر بن الخطاب. وصفوان بن بيضاء. ومبشر بن عبد المنذر.
وسعد بن خيثمة. وحارثة بن سراقة. وعمير بن الحمام بن الجموع. ورافع بن المعلي. ويزيد بن الحارث. وغير هؤلاء من أبطال بدر. وحمزة بن عبد المطلب. وعبد الله بن جحش. ومصعب بن عمير. وشماس بن عمر.
والحارث بن أنس وعمر بن معاذ. وعمارة بن زياد بن السكين، وعمرو بن
____________
(1) سورة محمد: الآية 30.
(2) سورة النور: الآية 23.
(3) سورة الفتح: الآية 10.
(4) موطأ مالك كتاب الجهاد ص 371.
وغير هؤلاء من الصحابة العظام، وفي الصحابة من نكث ومن مرق ومن بغى. وفيهم من لعبت به الأهواء، وفيهم من خرج عن الحق، وفيهم من رجع إليه. والنفاق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله. لم ينتهي بموته. ولم ينقطع بمجرد انقطاع الوحي. ومن قال بأن النفاق قد انتهى بعد موت الرسول.
فعليه أن يقول لنا. هل كانت حياة الرسول سببا في نفاق المنافقين. وموته سببا في إيمانهم وعدالتهم، وحتى صاروا أفضل الخلائق بعد الأنبياء. كيف انقلبت دوائرهم وحقائقهم بعد وفاته. وأصبحوا ثقلا مع القرآن كما قال البعض. إن في الكتاب العزيز وسنة النبي المطهرة ما يثبت بقاء المنافقين على نفاقهم بشهادة حذيفة رضي الله عنه وسنبين ذلك في موضعه. لقد كان النبي وهو بين أصحابه يود أن يلقى إخوانه كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وددت أني رأيت إخواني - قالوا: أو لسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: بل أنتم أصحابي وإخواني الذين لم يأتوا بعد " (1)، وفي رواية: " وإخواني الذين آمنوا بي ولم يروني أنا إليهم بالأشواق " (2)، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: " مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم
____________
(1) رواه مسلم (الخصائص الكبرى للسيوطي 260 \ 2).
(2) رواه أبو يعلى وأبو الشيخ عن أنس. وابن عساكر عن البراء (كنز العمال 184 \ 12)
رواه أحمد بلفظ " وددت أني لقيت إخواني الذين آمنوا بي ولم يروني (كنز العمال
(164 \ 12).