الصفحة 114
لزيادته على الفريضة. وتطلق على ما يسمى فيئا وهي الأشياء من الأموال التي لا مالك لها من الناس. كرؤوس الجبال وبطون الأودية والديار الخربة والقرى التي باد أهلها. وتركة من لا وارث له. وغير ذلك كأنها زبادة على ما ملكه الناس فلم يملكها أحد. وهي لله ولرسوله. وتطلق على غنائم الحرب. كأنها زيادة على ما قصد منها. فإن المقصود بالحرب والغزو. الظفر على الأعداء. فإذا غلبوا وظفر بهم فقد حصل المطلوب والأموال التي غنمها المقاتلون زيادة على أصل الغرض.

فقوله: (يسألونك عن الأنفال) يفيد أنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن حكم غنائم الحرب. بعدما زعموا أنهم يملكون الغنيمة واختلفوا فيمن يملكها أو في كيفية ملكها وقسمتها بينهم أو فيهما معا. وتخاصموا في ذلك.

وقوله: (قل الأنفال لله والرسول) جواب على مسألتهم. وفيه بيان أنهم لا يملكونها وإنما هي أنفال يملكها الله ورسوله فتوضع حيثما أراد الله ورسوله.

وذكروا في تفسير الآية: أي يسألك أصحابك يا محمد عن هذه الغنائم التي غنمتها. وما حكمها وكيف تقسم فقل لهم. هي لله وللرسول يحكم فيها الله عز وجل بحكمه. ويقسمها الرسول صلى الله عليه وسلم على حسب تشريع الله عز وجل. فاتقوا الله ولا تختلفوا ولا تنازعوا في شأنها لأن ذلك يوجب سخط الله وغضبه عليكم (1) وبعد أن حدد الشرع الحنيف حكم الأنفال.

قال تعالى: (واعلموا إنما غنمتم من شئ فإن الله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله...) (2).

والغنم والغنيمة: إصابة الفائدة من جهة تجارة أو عمل أو حرب. وفي الآية ينطبق على غنيمة الحرب. وذو القربى، قرابة النبي أو خصوص أشخاص منهم على ما تفسره الآثار القطعية. ومعنى الآية والله أعلم: واعلموا أن خمس ما غنمتم أي شئ كان. هو لله ولرسوله ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن

____________

(1) تفسير آيات الأحكام \ الصابوني ص 589 \ 1.

(2) سورة الأنفال: الآية 41.

الصفحة 115
السبيل. فردوه إلى أهله إن كنتم آمنتم بالله وما أنزل على عبده محمد صلى الله عليه وسلم يوم بدر. وهو أن الأنفال وغنائم الحرب لله ولرسوله. لا يشارك الله ورسوله فيها أحد. وقد أجاز الله لكم أن تأكلوا منها وأباح لكم التصرف فيها.

فالذي أباح لكم التصرف فيها. ويأمركم أن تؤدوا خمسها إلى أهله.

والنبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر من يأتيه مسلما أن يؤدي خمس ما غنم. فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لوفد عبد القيس: " آمركم أن تؤدوا خمس ما غنمتم " (1)، وروى الشيخان عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لوفد عبد القيس لما أمرهم بالإيمان بالله وحده. أتدرون ما الإيمان بالله وحده. قالوا: الله ورسوله أعلم.

قال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وأن تعطوا من المغنم الخمس "، ومعنى هذا أن الخمس حق شرعي لأربابه المذكورين في الآية يجب صرفه إليهم. وقد أجمع أهل القبلة كافة. على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يختص بسهم من الخمس ويخص أقاربه بسهم آخر منه. وإنه لم يعهد بتغيير ذلك إلى أحد حتى دعاه الله إليه. واختاره إلى الرفيق الأعلى (2).

وسهم ذي القربى كان رباطا وثيقا لهم على امتداد الصراط المستقيم. فالله تعالى كما حصنهم الطهر. جعل سهمهم امتدادا لحصن الطهر. فالمال على مختلف العصور فتنة سقط فيها الأحبار والرهبان من قبل. وعندما سقطوا فسدت قيادتهم. قال تعالى: (إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس

____________

(1) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح (الجامع 153 \ 4).

(2) الرسول وسهم ذي القربى في تفسير القرطبي 8 \ 10، تفسير الطبري 10 \ 4، الكشاف للزمخشري 2 \ 158، تفسير المنار 10 \ 15، الأموال أبي عبيد 325، أحكام القرآن للجصاص 3 \ 60، فتح القدير للشوكاني 2 \ 295، سنن النسائي الفئ 7 \ 120، 122، شرح مسلم النووي باب حكم الفئ 12 \ 82.

الصفحة 116
بالباطل " (1). قال المفسرون: إن أهم ما يقوم به المجتمع الإنساني على أساسه. هو الجهة المالية التي جعل الله لهم قياما. فجميع المآثم والمساوئ والجنايات والتعديات والمظالم تنتهي بالتحليل إما إلى فقر مفرط يدعو إلى اختلاس أموال الناس بالسرقة وقطع الطرق وقتل النفوس والبخس في الكيل والوزن والغصب وسائر التعديات المالية. وإما إلى غنى مفرط يدعو إلى الإتراف والإسراف في المأكل والمشرب والملبس وغير ذلك وينتهي إلى الاسترسال في الشهوات وهتك الحرمات وبسط التسلط على أموال الناس وأعراضهم ونفوسهم. وتنتهي جميع هذه المفاسد التي ذكرناها. بالتحليل إلى ما يعرض من الاختلال على النظام الحاكم في حيازة الأموال واقتناء الثروة والأحكام المشرعة لتعديل الجهات المملكة المميزة لأخذ المال بالحق من أكله بالباطل فإذا اختل ذلك، وأذعنت النفوس بإمكان القبض على ما تحتها من المال. فشى الفساد وشاع الانحطاط الأخلاقي في المجتمع وانقلب المحيط الإنساني إلى محيط حيواني لا هم له إلا بطنه وما دونها. ولا يملك فيه إرادة أحد بسياسة أو تربية. ولا تفقه فيه محكمة ولا إصغاء إلى موعظة.

والأحبار والرهبان الذين تعود إليهم تربية الأمة وإصلاح المجتمع. كان أكثرهم يأكل أموال الناس بالباطل. لتظاهرهم بالزهد والتنسك. وعلى ظلام الباطن وزخرف الظاهر توغلوا في سبيل الباطل ومنعوا الناس عن سبيل الله.

وسدوا الطريق على الحكومة الدينية العادلة التي غرضها إصلاح الناس. وتكوين مجتمع حي فعال يليق بالإنسان الفطري المتوجه إلى سعادته الفطرية. ولسد الطريق أمام هذه العقبة التي نفذ منها الشيطان. فرض الله تعالى لرسوله وأهل بيته المال الحق الطاهر، ليواجه خط المال الباطل الدنس للذين يصدون عن سبيل الله، ودائرة القربى الخاصة بسهم ذي القربى. دائرة واسعة بعض الشئ.

فهي تشمل القيادة ومن حولها من بني هاشم ومن بني المطلب الذين كانوا

____________

(1) سورة التوبة: الآية 34.

الصفحة 117
ينصرون منهج الفطرة كتفا بكتف مع بني هاشم. وهذه الدائرة التي تحدد الخط الأول فيها ثم الخط الثاني لم يقم بتعيين من فيها إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولقد رفض النبي أن يدخل فيها عثمان بن عفان أو غيره ممن لا ينطبق على شروطها. روى الإمام البخاري عن جبير بن مطعم قال: مشيت أنا وعثمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلنا يا رسول الله. أعطيت بني المطلب وتركتنا ونحن وهم منك بمنزلة واحدة. فقال: إنما بنو المطلب وبنو هاشم واحد (1)، وروى أبو داود عن جبير بن مطعم قال: لما كان يوم خبير وضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سهم القربى في بني هاشم وبني المطلب. وترك بني نوفل وبني عبد شمس. فانطلقت أنا وعثمان بن عفان حتى أتينا النبي صلى الله عليه وسلم.

فقلنا: يا رسول الله. هؤلاء بنو هاشم لا ننكر فضلهم للموضع الذي وضعك الله به منهم. فما بال إخواننا بني المطلب أعطيتهم وتركتنا وقرابتنا واحدة. فقال صلى الله عليه وسلم: إنا وبنو المطلب لا نفترق في جاهلية ولا إسلام وإنا نحن وهم شئ واحد وشبك بين أصابعه (2). قال ابن قدامة في المغني: شارك بني المطلب بني هاشم بالنصرة (3).

إنه حكم الله وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إنما أنا قاسم وخازن الله يعطى " (4)، وكان يقول: " ما أعطيكم ولا أمنعكم. أنا قاسم أضع حيث أمرت " (5)، ولأن الطريق طريق حق يواجهه طريق باطل. ولأن هناك من يعمل لمنع الناس عن سبيل الله ويأكل أموالهم بالباطل. حذر النبي صلى الله عليه وسلم من عثرات الطريق وقال: " إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة " (6).

____________

(1) صحيح البخاري (196 \ 2) ك الجهاد والسير.

(2) أبو داوود حديث رقم 2980.

(3) المغني 657 \ 2.

(4) رواه البخاري (الصحيح 190 \ 2) ك الجهاد والسير.

(5) رواه البخاري (الصحيح 192 \ 2) ك الجهاد والسير.

(6) رواه البخاري (الصحيح 192 \ 2) ك الجهاد والسير.

الصفحة 118
إن الدعوة التي يستمد رجالها المال من الناس لا تدوم. وإنما تدوم الدعوة التي يعطينها الله ويقسم لها رسول الله. والدعوة التي تستمد وقودها من الناس الذين تعصف بهم الأهواء كثيرا ما يحتنك الشيطان قيادتها. أما الدعوة التي يفرض فيها الله على أتباعها فروضا يترتب عليها إما ثواب وإما عقاب. هي دعوة يصل من أخذ بحبلها وسار على صراطها إلى حوض الذي قسم ما أمر الله به صلى الله عليه وسلم، لهذا لم يكن المال في الإسلام وجاهه وإنما هو من أجل رسالة. لم يكن المال في الإسلام وقودا يوضع في بيت المال. لينال منه هذا ليشعل النار على ذاك ولم يكن زادا يتزود به كل راشي وكل مرتشي في الحكم. إنما المال في الإسلام سدا لطريق الفتن. لهذا وضع في أيدي أمينة حرمت عليها الصدقة. لتفتح طريقا للفطرة في عالم مملوء بالرجس والبخس.

خامسا - من مناقب أهل البيت:

لما كان أهل البيت هم ذروة الأمة الخاتمة. فإن الله تعالى وضعهم في دائرة خاصة بهم. لهم فيها ما ليس لغيرهم ليكون في ذلك لفتا لأنظار الأمة إليهم. ونحن سنقتبس من نورهم بعضا من مناقبهم التي يحتاجها هذا الموضع.

* من مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه:

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أول من صلى مع النبي بعد خديجة علي بن أبي طالب (1)، وعن زيد بن أرقم قال: أول من أسلم علي (2)، وعن سلمان قال: أول هذه الأمة ورودا على نبيها. أولها إسلاما علي بن أبي

____________

(1) رواه أحمد. وقال في الفتح الرباني: أورده الطيالسي في سنده والهيثمي عن علي وقال رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير حية العرض وقد وثق (الفتح 122 \ 23)، ورواه الترمذي وقال حديث غريب (تحفة الأحوازي 239 \ 10).

(2) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح (الجامع 642 \ 5) ورواه أحمد بسند صحيح (الفتح الرباني 122 \ 23) ورواه الحاكم وأقره الذهبي (المستدرك 136 \ 3).

الصفحة 119
طالب (1)، وعن علي قال: كنت إذا سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني وإذا سكت - أي عن السؤال ابتدأني (2)، وعن عبد الله بن جعفر قال:

قال صلى الله عليه وسلم: " علي أصلي وجعفر فرعي " (3)، وعن عمر بن عبد الله عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم. آخى بين الناس وترك عليا حتى بقي آخرهم لا يرى له أخا. فقال يا رسول الله: آخيت بين الناس وتركتني.

قال: ولم تراني تركتك. تركتك لنفسي أنت أخي وأنا أخوك. فإن ذكرك أحد فقل أنا عبد الله وأخو رسوله لا يدعيها بعد إلا كذاب (4). عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: " أنت أخي في الدنيا والآخرة (5)، وقال ابن كثير في هذا الحديث. كان المشايخ يعجبهم هذا الحديث لكونه من رواية أهل الشام (6).

من مناقب فاطمة رضي الله عنها:

خطب أبو بكر وعمر فاطمة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم " هي لك يا علي " (7)، وقال صلى الله عليه وسلم: " إن الله أمرني أن أزوج فاطمة من علي " (8)، وروى الإمام مسلم عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة:

يا فاطمة أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين. أو سيدة نساء هذه

____________

(1) رواه الطبراني وقال الهيثمي رجاله ثقات (مجمع الزوائد 102 \ 9)، ورواه ابن أبي شيبة (كنز العمال 144 \ 3)، ورواه الحاكم والخطيب (كنز العمال 616 \ 11).

(2) رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب (الجامع 637 \ 5) وقال في تحفة الأحوازي رواه النسائي وابن خزيمة في صحيحه والحاكم ورواه أبو نعيم في الحلية وسعيد بن منصور (تحفة الأحوازي 225 \ 10) (كنز العمال 120 \ 13).

(3) رواه الطبراني في الكبير. ورواه الضياء بسند صحيح (كنز العمال 602 \ 13).

(4) أخرجه الإمام أحمد وأبو يعلى عن علي (كنز العمال 140 \ 13) (تحفة الأحوازي 122 \ 10).

(5) رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب (الجامع 636 \ 5).

(6) البداية والنهاية 336 \ 7.

(7) رواه الطبراني وقال الهيثمي رجاله ثقات (الزوائد 204 \ 9).

(8) رواه الطبراني وقال الهيثمي رجاله ثقات (الزوائد 9 \ 204).

الصفحة 120
الأمة (1)، وعن أنس قال. قال النبي صلى الله عليه وسلم: حسبك من نساء العالمين - مريم ابنة عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية امرأة فرعون (2)، وروى الإمام مسلم عن المسور بن مخرمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها " (3)، وروى البخاري: " فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني " (4)، وروى الحاكم: " فاطمة شجنة مني يبسطني ما يبسطها ويقبضني ما يقبضها " (5).

فإذا كان الذي يؤذي فاطمة يؤذي رسول الله. وإذا كان ما يغضبها يغضبه.

وإذا كان ما يقبضها يقبضه. فعلى ذلك يمكن أن نفهم قول الله تعالى: (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة " (6)، فمن المعلوم أن الله لا يناله الأذى ولكنه شارك الرسول في إيذائه تشريفا للرسول. وإشارة إلى أن من قصد رسول الله بسوء. فقد قصده أيضا بالسوء. لهذا قال لفاطمة ما قال. وقال لعلي بن أبي طالب: " إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك " (7)، وقال: " يا علي من فارقني فارق الله ومن فارقك يا علي فارقني " (8)، وقال: " من آذى عليا

____________

(1) صحيح مسلم في فضل فاطمة (6 \ 16)، ورواه البخاري بلفظ " أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة أو نساء المؤمنين (الصحيح 284 \ 2)، ورواه الحاكم بلفظ مسلم بزيادة " ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين " وقال هذا إسناد صحيح ووافقه الذهبي (المستدرك 156 \ 3).

(2) رواه الترمذي وقال حديث صحيح (الجامع 703 \ 5) ورواه الحاكم وقال هذا الحديث في المسند لأبي عبد الله أحمد بن حنبل (المستدرك 157 \ 3).

(3) صحيح مسلم 3 \ 16، باب فضل فاطمة.

(4) صحيح البخاري ك بدء الخلق ب مناقب قرابة النبي 302 \ 2.

(5) الحاكم وأقره الذهبي (المستدرك 3 \ 154).

(6) سورة الأحزاب: الآية 57.

(7) رواه الطبراني وقال الهيثمي إسناده حسن (الزوائد 203 \ 9).

(8) رواه البزار (كشف الأستار 201 \ 3) وقال الهيثمي رجاله ثقات (الزوائد 135 \ 9)، ورواه الحاكم وصححه (المستدرك 121 \ 3).

الصفحة 121
فقد آذاني " (1)، وقال للحسن والحسين: " من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني (2).

إنه خط واحد، لا مجاملة فيه لأحد. فالذين يؤذون الرسول يؤذون الله.

والرسول قام بتحديد دائرة. فمن تقدم إليه بأذى. فإنه يكون في حقيقة الأمر قد خالف الطريق كله. وحمل الفطرة على ما لا يجب أن تحمله.

* من مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما:

عن ابن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " هما ريحانتاي من الدنيا " (3)، وعن أسامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هذان ابناي وابنا ابنتي.

اللهم إني أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما " (4)، وفي هذا الحديث أطلق عليهما لفظ البنوة التي أطلقها القرآن في قوله تعالى: (تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم)، وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة " (5)، وعن حذيفة: قال النبي

____________

(1) رواه أحمد وقال الهيثمي رجال أحمد ثقات ورواه ابن حبان في صحيحه (الزوائد 129 \ 9).

(2) رواه ابن ماجة وقال البوصيري في الزوائد إسناده صحيح ورجاله ثقات (1406 \ 3) (كنز العمال 116 \ 12) ورواه الحاكم وأقره الذهبي (166 \ 3 المستدرك) وقال الهيثمي رواه أحمد والبزار (الزوائد 179 \ 9).

(3) رواه البخاري ك بدء الخلق ب مناقب الحسن والحسين (306 \ 2) وأحمد والترمذي عن ابن عمر. وابن عساكر وابن عدي عن أبي بكرة. والنسائي عن أنس (كنز العمال 113، 114 \ 12) ورواه البزار عن سعد وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح (الزوائد 181 \ 9).

(4) رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب (الجامع 656 \ 5)، وقال في تحفة الأحوازي رواه الحاكم وصححه وابن حبان في صحيحه (التحفة 274 \ 10) ورواه البخاري ك بدء الخلق ب مناقب المهاجرين 306 \ 2 الصحيح.

(5) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح (الجامع 656 \ 5) وقال في كشف الخفاء أخرجه أحمد وصححه ابن حبان والحاكم (كشف الخفاء 429 \ 1) وقال في تحفة الأحوازي هذا الحديث مروي عن عدة من الصحابة من طرق كثيرة ولذا عده السيوطي

الصفحة 122
صلى الله عليه: " جاءني جبريل بشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة " (1)، وبما أنهما في الجنة فلا يمكن أن يكون من قتلهما في الجنة أيضا.

لأن الجنة لا يدخلها القاتل الذي ساعد وساهم في تقييض الصراط المستقيم.

بدليل أن الشيطان الذي أخذ على عاتقه تقييض الصراط المستقيم. لعنه الله وأخرجه من الجنة.

سابعا - تحذيرات:

بعد اكتمال الدائرة التي ستقف في مواجهة دوائر الصد عن سبيل الله. وبعد أن بين الله تعالى العترة الطاهرة الذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. وأن ذروة ذي القربى هم من حرم الله تعالى على محمد صلى الله عليه وسلم نكاحه.

وبعد أن فرض مودتهم من البداية إلى النهاية. ولم يفرض الله مودتهم إلا لعلمه المطلق بأنهم لا يرتدون عن الدين أبدا ولا يرجعون إلى ضلال أبدا. ومودتهم لا يأتي بها أحد مؤمنا مخلصا إلا استوجب الجنة لقوله عز وجل: (الذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاؤن عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات. قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) (2).

وبعد أن فرض سبحانه الصلاة على رسوله والحق رسوله آله به. وفي بعض الروايات أن قوله تعالى: (يس والقرآن الحكيم) (3)، روى أن يس اسم من أسماء النبي (4). وروى في قوله تعالى: (سلام على آل

____________

= من المتواترات (تحفة 272 \ 3) وقال الهيثمي رواه أحمد وأبو يعلى ورجالها رجال الصحيح (الزوائد 201 \ 9).

(1) رواه البخاري والضياء في المختارة بسند صحيح (كنز 120 \ 12) وابن سعد والحاكم (كنز 113 \ 12) وأحمد والترمذي وقال حديث حسن والنسائي وابن حبان في صحيحه (كنز 113 \ 12).

(2) سورة الشورى: الآية 22 - 23.

(3) سورة يس: الآية 1.

(4) جلاء الأفهام \ ابن القيم ط دار الكتب العلمية بيروت.

الصفحة 123
يس) (1)، أن آل يس هم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم (2)، وقيل: إن الله تعالى لم يقل سلام على آل نوح ولم يقل سلام على آل إبراهيم ولا قال سلام على آل موسى وهارون وقال: " سلام على إل ياسين " يعني أل محمد لأنهم حراس العقيدة الخاتمة التي ترتبط بالقرآن وتلتقي معه عند حوض النبي يوم القيامة. وقيل أيضا إن الله تعالى ذكر الرجوع إليهم فيما خفي على الناس في قوله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) (3). إن القول بأهل الذكر في هذه الآية ليس اليهود والنصارى كما يزعم البعض. لأن هذا القول أن يدعونا إلى دينهم للاحتكام إليه، وإن المعنى: إن الذكر هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذلك مبين في كتاب الله عز وجل. قال تعالى: (فاتقوا الله يا أولي الألباب الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا * رسولا يتلوا عليكم آيات الله مبينات) (4)، وقال البعض: المراد بالذكر بالذي أنزله هو الرسول. سمي به لأنه وسيلة التذكرة بالله وآياته وسبيل الدعوة إلى دين الحق. وعلى هذا فالمراد بإنزال الرسول. بعثه من عالم الغيب. وإظهاره لهم رسولا من عنده. بعدما لم يكونوا يحتسبون كما في قوله تعالى: (وأنزلنا الحديد) (5). وقال البعض: يحتمل أن يكون " رسولا " منصوبا بفعل محذوف والتقدير أرسل رسولا يتلو عليكم "، ويكون المراد بالذكر المنزل إليهم القرآن، وقال البعض: إن " رسولا " هو جبريل. ولكن ظاهر قوله " يتلو عليكم... " يخالف ذلك. والخلاصة: إن الروايات التي فسرت الآية بينت أن الذكر رسول الله وإن عترته أهله.

وروى في قوله عز وجل: (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها) (6)، إن الآية مكية وعلى هذا فالمراد بقوله: " أهلك " بحسب وقت النزول خديجة زوج

____________

(1) سورة الصافات: الآية 130.

(2) تفسير ابن كثير 20 \ 4، البغوي في تفسيره معالم التنزيل 164 \ 7 ط المنار 1347 ه‍.

(3) سورة النحل: الآية 43.

(4) سورة الطلاق: الآية 10 - 11.

(5) سورة الحديد: الآية 25.

(6) سورة طه: الآية 132.

الصفحة 124
النبي صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب، وكان من أهله وفي بيته أو هما وبعض بنات النبي صلى الله عليه وسلم. وعلى هذا فإن القول بأن أهله جميع متبعيه من أمته غير سديد. وروى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ظل يأمر أهله بالصلاة في مكة والمدينة حتى فارق الدنيا. وفي الدر المنثور أخرج الطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان بسند صحيح عن عبد الله بن سلام قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزلت بأهله شده أو ضيق أمرهم بالصلاة وتلا (وأمر أهلك بالصلاة) وروى أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يجئ إلى باب علي وفاطمة ثمانية أشهر، وفي رواية تسعة أشهر ويقول: " الصلاة رحمكم الله. إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " (1)...

وبعد أن فرض سبحانه لذي القربى نصيبهم من المال. فقرن سهمهم مع سهمه وسهم رسوله. فجعلهم بذلك في خير. وجعل الناس في خير دون ذلك.

ورضي لهم ما رضي لنفسه. واصطفاهم فيه فبدأ بنفسه ثم ثنى برسوله ثم بذي القربى. (واعلموا إنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى). (2) فهذا النصيب من الفئ والغنيمة حقا لهم إلى يوم القيامة في كتاب الله الناطق. بخلاف اليتامى والمساكين الذين ورد ذكرهم في الآية. فإن اليتيم إذا انقطع يتمه خرج من الغنائم ولم يكن له فيها نصيب. وكذلك المسكين إذا انقطعت مسكنته لم يكن له نصيب من المغنم ولا يحل له أخذه. ولكن سهم ذي القربى إلى يوم القيامة. قائم فيهم للغني والفقير منهم. لأنه لا أحد أغنى من الله عز وجل. فجعل لنفسه منها سهما ولرسوله سهما. فما رضيه لنفسه ولرسوله رضيه لهم. وكذلك الغني ما رضيه منه لنفسه ولرسوله صلى الله عليه وآله رضيه لذي القربى. وكذلك الصدقة. فكما نزه سبحانه نفسه ونزه رسوله. نزه أهل بيت النبي عنها. فقال: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من

____________

(1) أخرجه ابن مردويه وابن عساكر وابن النجار عن أبي سعيد الخدري.

(2) سورة الأنفال: الآية 41.

الصفحة 125
الله) (1)، فلا يوجد في شئ من ذلك أنه عز وجل سمى لنفسه أو لرسوله أو لذي القربى. لأنه لما نزه نفسه من الصدقة ونزه رسوله نزه أهل بيته. بل حرمها عليهم لأن الصدقة محرمة على محمد وآله. وهي أوساخ أيدي الناس. لا تحل لهم. لأنهم طهروا من كل دنس ووسخ. فلما طهرهم الله عز وجل. رضي لهم ما رضي لنفسه وكره لهم ما كره لنفسه.

بعد كل هذا التطهير. وبعد رباط القرآن الذي لا ينفك عنهم حتى يوم القيامة.

بعد كل هذا حذر ثم حذر وحذر. فقال: " سبعة لعنتهم ولعنهم الله " ومنهم:

" المتسلط على أمتي كالجبروت ليذل من أعز الله، ويعز من أذل الله عز وجل.

والمستحل من عترتي ما حرم الله عز وجل " (2)، وعن زيد بن أرقم. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي وفاطمة والحسن والحسين. أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم (3).

قال في تحفة الأحواذي: أي أنا محارب لمن حاربتم. جعل النبي صلى الله عليه وسلم نفسه نفس الحرب مبالغة كرجل عدل (4)، وعن أبي

____________

(1) سورة التوبة: الآية 60.

(2) رواه ابن أبي عاصم وقال الألباني له طريق عن عائشة إسناده حسن (كتاب السنة 24 \ 1).

(3) رواه الترمذي وقال حديث غريب. وقال في تحفة الأحواذي. قول الترمذي صبيح مولى أم سلمة ليس عوف ذكره ابن حبان في الثقات. ورواه أحمد والطبراني عن أبي هريرة وفيه تليد بن سليمان وفيه خلاف (التحفة 372 \ 10) (الفتح الرباني 106 \ 22) (كنز العمال 96، 97 \ 12)، (مجمع الزوائد 169 \ 9)، ورواه الحاكم وقال هذا حديث حسن من أحاديث أبي عبد الله أحمد بن حنبل، ورواه الحاكم أيضا عن طريق زيد بن أرقم (المستدرك 149 \ 3)، وقال في كنزل العمال، رواه الترمذي وابن ماجة والحاكم عن زيد بن أرقم وأحمد والطبراني والحاكم عن أبي هريرة (كنز العمال 96 \ 97 \ 12)، ورواه الضياء بسند صحيح عن زيد بن أرقم، ورواه عنه ابن أبي شيبة وابن حبان في صحيحه (كنز العمال (640 \ 13)، وذكره ابن كثير في البداية، وقال رواه أحمد (البداية 38 \ 5).

(4) تحفة الأحواذي 372 \ 10.

الصفحة 126
سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يبغضنا أهل البيت أحد إلا أدخله الله النار " (1).

وعلى ذلك تكون الحجة قد أقيمت. فالله سبحانه هو الذي حذر من خطوات الشيطان. وهو سبحانه الذي بين أهداف المشركين في دائرة البخس.

وهو سبحانه الذي بين أهداف المنافقين في دائرة الرجس. كما بين أهداف تيار الذين في قلوبهم مرض. وتيار الذين في قلوبهم زيغ. ولما كانت الأمة ستجد مشاكل على الطريق يضعها أناس من جلدتهم يتكلمون بألسنتهم ويدعون إلى النار من أجابهم قذفوه فيها. ولما كان عدم وجود دليل للأمة يرشدها مع كتاب الله إلى الطريق الحق. يعتبر حجة لهم يوم القيامة. أقام الله حجته حتى لا يكون للناس عليه حجة يوم القيامة، ولا إكراه في الدين. فالحق حق وإن تركه الناس. والباطل باطل وإن التزموا به.

____________

(1) رواه الحاكم وقال حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه (المستدرك 150 \ 3).

الصفحة 127

رابعا - النور والولاية

بعد تحديد دائرة الطهر. هل كان لهذه الدائرة ذروة بعد الرسول صلى الله عليه وآله سلم؟ بمعنى هل كان فيها الرجل الذي يبلغ عن الرسول من بعده أم أن الدائرة وجدت ليتبارك بها الناس فيحمل أحدهم الحسن ويقبل الآخر الحسين ويبتسم الجميع في وجه فاطمة وعلي رضي الله عنهما؟ فإذا كانت الإجابة. أن الدائرة بركة. ولا يوجد ما يسمى بالخلافة. ولم يقوم الرسول بتعيين من يبلغ من بعده. فإن من خالف يقول: فهل من المعقول أن يجعل النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه دون استثناء قدوة للبشر وفي أصحابه دائرة المنافقين وتيار الذين في قلوبهم مرض؟ كيف وقد أظهرت حركة التاريخ أن الصحابة اختلقوا في الرواية والقيادة والسيرة والأخلاق، وفي طريق الهداية والإرشاد وفي كل شئ.

وسبب هذا الاختلاف أن المحتاج إلى التعليم والإرشاد. أصبح قرينا للقرآن الذي لا يستغني عن المفسر العالم به. ولو كان القرآن لا يحتاج إلى تأويل لأجمع الناس على مدلوله ولم تفترق الأمة. وإذا كانت الخلافة ليست أصلا إسلاميا. ولم يأمر الرسول بها. فلماذا قامت بعده؟ بمعنى لماذا أوصى الذين جاءوا من بعده وحتى يومنا هذا بمن يخلفهم. هل كان معاوية بن أبي سفيان أحرص على الدعوة من رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلها لابنه من بعده وسار بها بعد ذلك لتستقر في إناء الكسروية والقيصرية؟ لماذا حرصوا على الخلافة ولم يتركوا الأمر اقتداءا بسنة رسول الله إذا اعتبرنا أنه ترك أمته كهباء ضائع في خلاء. وحاشاه أن

الصفحة 128
يفعل ذلك فإذا قيل: إن الخلافة مجرد اجتهاد وتطبيق ارتضاه المسلمون الأوائل.

وإنها تقوم على الاجماع أو الانتخاب. فإن من خالف يقول: إذا كانت الخلافة بالإجماع فما معنى عقد أبي بكر لعمر رضي الله عنهما. وما معنى وصية عمر وجعلها شورى، وما معنى جعل الخلفاء إياها كسروية. إن كل حلقة تختلف عن الأخرى. وانتهت الحلقات إلى الجبرية حيث الاجماع الذي على رأسه السيف.

وكل حلقة لم تحقق الاجماع الكامل ويوم السقيفة شاهد بخروج سعد بن عبادة ومن معه على هذا الاجماع وعلى امتداد التاريخ تشهد الأحداث أن الاجماع لم يتحقق يوما وأن المعارك بين المسلمين وبين أنفسهم كان عمودها الفقري الخروج على الحكم وطلب الكرسي. فأين الاجماع في هذه الأحداث؟ وإذا كانت الخلافة بالانتخاب. فمن المعلوم أن الأمة ليست متفقة في الرأي وأن لكل فرد فيها رأي يخالف الباقين. فأي انتخاب؟ وهل المرشح الذي تخرج دنانيره من بيت المال لتلمع في عيون الناخبين. هل يكون هذا مرشحا، مهمته السير بالدعوة الحق على الصراط الحق. هل اللائحة التي تحافظ على الأهواء وتزين وتغوي الناخبين بأحقية حزب ما أو قبيلة ما. وما يقابلها من لوائح تزين وتغوي بالأموال والقرب والجاه. هل هذه اللوائح. لوائح حق تسير بالدعوة الحق على الصراط الحق. أن الخليفة بحكم العقل والنقل مطلوب منه المحافظة على كيان الإسلام.

وإزاحة الشبهات وقطع دابر الكفار والمنافقين ونشر الأحكام الإلهية. فهل يا ترى يمكن للناس الوصول إلى من يتصف بهذه الصفات المذكورة وهل في وسعهم الاتجاه والاتفاق على اختياره. مع الوضع في الاعتبار أن في الأمة دوائر عديدة هدفها الصد عن سبيل الله. وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن في أمته أئمة مضلون ومنافق عليم اللسان إلى غير ذلك. فهل يمكن للناس تفادي كل هذا؟

فإن قيل: إن الخلافة في عصورها المتأخرة تختلف عنها في عصورها الأولى حيث كان الصحابة يتحرون الدقة. وهم بالإجماع أهل عدل وصلاح.

وبموت الرسول صلى الله عليه وسلم. لم يعد هناك منافقون ولم يعد لتيار الذين في قلوبهم مرض وجود. فإن المخالف يقول: إذا كانوا جميعا عدو. فبمن

الصفحة 129
نقتدي. بأبي بكر رضي الله عنه. أم بالصحابة الذين تخلفوا عنه وعلى رأسهم سعد بن عبادة الذي قال يوم السقيفة: " لو أن الجن اجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربي " (1)، وكان سعد لا يصلي معهم (2) ألم يكن سعد يعلم أن من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية؟. هل نقتدي بسعد بن عبادة أم بعمر بن الخطاب رضي الله عنهما. وعمر أمر يوم السقيفة بقتل سعد وقال: " اقتلوه اقتلوه. ثم قام على رأسه وقال: لقد هممت أن أطأك حتى تندر عضوك (3)، وعندما تكاتفوا على سعد. قال قائل فيما روى البخاري: " قتلتم سعد بن عبادة. فقال عمر: قتله الله (4)، وبعد ذلك قال سعد لعمر في خلافته بعد وفاة أبو بكر " والله لقد كرهت جوارك " (5)، وخرج سعد مهاجرا إلى الشام ولم يلبث إلا قليلا. حتى قتل. وقيل: إن الجن هم الذين قتلوه!! (6).

وبمن نقتدي بخلافة أبي بكر رضي الله عنه. أم بقول علي بن أبي طالب له: " أفسدت علينا أمورنا ولم تستشر ولم ترع لنا حقا " (7)، وفي رواية عند البخاري قال: " ولكنك استبدت علينا بالأمر. وكنا نرى لقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيبا " (8)، أم بوصف عمر فيما بعد لخلافة أبي بكر بأنها فلتة ومن عاد إليها فيجب قتله (9)، وبمن نقتدي يوم جعلها عمر بعد إصابته شورى بين ستة روى أنهم من أهل الجنة. فقد قال: " إن خالف اثنان لأربعة فاقتلوا الاثنين. وإن خالف ثلاثة ثلاثة فاقتلوا الثلاثة الذين ليس فيهم

____________

(1) الطبري 210 \ 3.

(2) الطبري 210 \ 3.

(3) الطبري 210 \ 3.

(4) البخاري (الصحيح 291 \ 2) لبدء الخلق.

(5) ابن سعد في الطبقات (كنز العمال 628 \ 5).

(6) راجع ابن كثير وابن الأثير في أحداث السقيفة.

(7) مروج الذهب \ المسعودي (1 \ 414).

(8) البخاري (الصحيح 56 \ 3) ك المغازي.

(9) رواه الإمام أحمد (الفتح الرباني 59 \ 23) وابن أبي شيبة (كنز العمال 649 \ 5)، الطبري (200 \ 3).

الصفحة 130
عبد الرحمن بن عوف (1). بمن نقتدي بمن يأمر بقتل أهل الجنة أم بمن بقي من أهل الجنة. وما رأي المسلمين لو سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر يقول: اقتلوا أهل الشورى الذين روى بأنهم من أهل الجنة. فأي رضا وأي إجماع في الشورى، وكيف يكون مختارا من تهدد بالقتل؟ وبمن نقتدي بعثمان بن عفان أم بالذين خرجوا عليه وهم صحابة. وفيهم من ألب عليه.

وفيهم من قال: " اقتلوا نعثلا فقد كفر " وفيهم من كان يلعنه كما سنبين ذلك في حينه... بمن نقتدي بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أم بالناكثين وفيهم صحابة. أم بالقاسطين وفيهم صحابة. أم بالمارقين وفيهم صحابة. أم بعلي بن أبي طالب ومن معه وهم صحابة. بمن نقتدي. بمعاوية ابن أبي سفيان أم بعمرو بن العاص وهما من الصحابة؟ من المسؤول عن الدماء التي أريقت بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بمدة قليلة. والذين كانوا في صدر المسؤولية جميعا من الصحابة، ويبقى السؤال قائما. هل أوصى الرسول الأكرم لأحد أصحابه بأن يبلغ من بعده. أم ترك الأمة كهباء ضائع في خلاء بعد جهاد طويل في عالم الحرب والسياسة والنفس. هل تركها لتستقر بعد ذلك عند أقدام يزيد بن معاوية ومن على شاكلته. حيث تقطع رؤوس الذين آمنوا وتجلد ظهورهم بكل قسوة وبلا أدنى رحمة. وينتهي الأمر بأن تدخل الأمة في دوائر الذين سبقوها وتتبع سننهم شبرا بشبر وذراعا بذراع؟ إن الذي يقول بذلك. يكون قد تساهل تساهلا كبيرا في حق الله وحق كتابه وحق رسوله.

نحن لا نقلل من شأن الصحابة رضي الله عنهم. ولكن هناك حقيقة لا يجب أن نتعامى عنها: هي إن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب محبة أصحابه لطاعتهم لله. فإذا عصوا الله وتركوا ما أوجب محبتهم. فإن النبي لا يجامل أحدا.

لقد قيل. أنه صلى الله عليه وسلم أشاد بالصحابة وأنهم كالنجوم وعلى الهدى. وليس معنى ذلك أن أهل الشام على هدى. وإنهم بهداهم حاربوا علي بن أبي طالب وأن قاتل عمار بن ياسر على هدى، والصحيح

____________

(1) قصة الشورى الطبري (33 / 5).

الصفحة 131
في عمار أن الفئة الباغية تقتله. وقال القرآن: (فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله (1)، وهذا يدل على أنها ما دامت موصوفة بالمقام على البغي. فهي مفارقة لأمر الله. ومن فارق أمر الله لا يكون مهتديا. فكيف يكون كل واحد من الصحابة على هدى ولا يخطئون والله تعالى يقول لرسوله: (قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم) (2)، وقال: (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) (3)، فكيف يقول الرسول هذا ونحن نقول الصحابة لا يخطؤن؟! إن خير القرون التي جاء ذكرها في الحديث. تصدرها القرن الذي دارت أحداثه بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم. وهذه الأحداث هي شر الأحداث. ففي هذا القرن قتل الحسين.

واجتاحت خيول يزيد المدينة. وحوصرت مكة. وشرب الخلفاء الخمور وارتكبوا الفجور وأريقت الدماء. وقتل المسلمون وسبي الحريم. واستبعد أبناء المهاجرين والأنصار. وما كان هذا إلا بسياسة من بعض الصحابة وما جرى إلا تحت أعينهم. ولكي لا تختلط الأمور فنحن نعرف هنا ما هي الصحبة.

1 - تعريف من هو الصحابي:

الصحبة لغة. هي المعاشرة، وتطلق على المعاشرة في الزمن القليل والكثير. ولذلك يقال صحبت فلانا حولا وشهرا ويوما وساعة. وتقع الصحبة بين المؤمن والكافر. كما تقع بين المؤمن والمؤمن. قال تعالى في محاورة بين مؤمن وكافر: (قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت الذي خلقك) (4)، وقال تعالى لكفار المشركين (ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى) (5)، وقال سبحانه لهم: (ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير

____________

(1) سورة الحجرات: من الآية 51.

(2) سورة الزمر: الآية 13.

(3) سورة الزمر: الآية 65.

(4) سورة الكهف: الآية 37.

(5) سورة النجم: الآية 2 - 3.

الصفحة 132
لكم) (1)، واسم الصحبة يطلب أيضا بين العاقل وبين البهيمة. فالعرب سموا الحمار صاحبا فقالوا:

إن الحمار مع الحمار مطية * فإذا خلوت به فبئس الصاحب

وسموا الجماد مع الحي صاحبا فقالوا في السيف:

زرت هندا وذاك غير اختيان * ومعي صاحب كتوم اللسان

وأطلقت كلمة الصحابي على كل من أسلم في حياة النبي ولقيه مسلما.

ومن هؤلاء المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون الذين كانوا يعملون على إحداث الاضطراب في المدينة. ومنهم الذين قال فيهم تعالى: (ومنهم الذين يؤذون النبي) (2)، وقوله: (ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون) (3)، وقوله: (يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم) (4). فإذا كان في الصحابة من يبطن الكفر ويظهر الإيمان بنص الكتاب. فكيف يجوز الاقتداء بكل فرد منهم دون أن يوثق بإيمانه ويعرف صحة إسلامه ورسوخ عقيدته.

لقد قال تعالى في صحابة النبي صلى الله عليه وسلم: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار) إلى قوله تعالى: (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجر عظيما) (5)، فقوله تعالى: " منهم " أي لو كان منهم من لم يؤمن أصلا كالمنافقين والذين في قلوبهم مرض. أو منهم الذي آمن أولا ثم أشرك وكفر كما في قوله تعالى: (إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعدما تبين لهم الهدى) إلى قوله تعالى: (ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم

____________

(1) سورة سبأ: الآية 46.

(2) سورة التوبة: الآية 61.

(3) سورة التوبة: الآية 58.

(4) سورة التوبة: الآية 64.

(5) سورة الفتح: الآية 29.

الصفحة 133
بسيماهم) (1)، أو منهم الذي آمن ولم يعمل الصالحات كما يستفاد من آيات الإفك. ومن أهل الإفك من هو صحابي بدري. وقد قال تعالى: (إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم) (2)، فأمثال هؤلاء لا يشملهم وعد المغفرة والأجر العظيم الذي وعد الله به في صدر الآية.

وقال تعالى: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه) (3)، فمن ينكث لا معنى للقول بأن له عند الله أجرا عظيما. ولقد دلت الحوادث أن هناك من نكث بيعته. وبالجملة الصحابة ناس كغيرهم - مع فضل الصحبة - فيهم العدول الثقاة والقادة الهداة. وشهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام مالك. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لشهداء أحد: " هؤلاء أشهد عليهم " فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: ألسنا يا رسول الله إخوانهم. أسلمنا كما أسلموا.

وجاهدنا كما جاهدوا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بلى ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي " فبكى أبو بكر ثم بكى ثم قال: ائنا لكائنون بعدك! (4).

لقد كان في الصحابة أعظم الرجال في تاريخ البعثة إذ لم يكن في تاريخ الإنسانية منهم عبيدة بن الحارث. وعمير بن أبي وقاص. وعاقل بن أبي البكير.

ومهجع مولى عمر بن الخطاب. وصفوان بن بيضاء. ومبشر بن عبد المنذر.

وسعد بن خيثمة. وحارثة بن سراقة. وعمير بن الحمام بن الجموع. ورافع بن المعلي. ويزيد بن الحارث. وغير هؤلاء من أبطال بدر. وحمزة بن عبد المطلب. وعبد الله بن جحش. ومصعب بن عمير. وشماس بن عمر.

والحارث بن أنس وعمر بن معاذ. وعمارة بن زياد بن السكين، وعمرو بن

____________

(1) سورة محمد: الآية 30.

(2) سورة النور: الآية 23.

(3) سورة الفتح: الآية 10.

(4) موطأ مالك كتاب الجهاد ص 371.

الصفحة 134
الجموح، وخلاد بن عمر بن الجموح، وعتبة بن الربيع، ومالك بن سنان والد أبي سعيد الخدري. وسعد بن الربيع، وأنس بن النضر. وأويس بن ثابت، وغير هؤلاء من شهداء أحد. وأبو ذر الغفاري. وعمار بن ياسر. وأبو أيوب الأنصاري. وخزيمة بن ثابت. وسلمان الفارسي. وأبو سعيد الخدري. وزيد بن أرقم، وبريدة الأسلمي، وأبي بن كعب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، والمقداد وأبو الهيثم التيهان، وسهل وعثمان ابنا حنيف، والبراء بن عازب. وزيد بن صوحان، وحذيفة بن اليمان، وعمران بن حصين، وأبو رافع مولى رسول الله.

وغير هؤلاء من الصحابة العظام، وفي الصحابة من نكث ومن مرق ومن بغى. وفيهم من لعبت به الأهواء، وفيهم من خرج عن الحق، وفيهم من رجع إليه. والنفاق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله. لم ينتهي بموته. ولم ينقطع بمجرد انقطاع الوحي. ومن قال بأن النفاق قد انتهى بعد موت الرسول.

فعليه أن يقول لنا. هل كانت حياة الرسول سببا في نفاق المنافقين. وموته سببا في إيمانهم وعدالتهم، وحتى صاروا أفضل الخلائق بعد الأنبياء. كيف انقلبت دوائرهم وحقائقهم بعد وفاته. وأصبحوا ثقلا مع القرآن كما قال البعض. إن في الكتاب العزيز وسنة النبي المطهرة ما يثبت بقاء المنافقين على نفاقهم بشهادة حذيفة رضي الله عنه وسنبين ذلك في موضعه. لقد كان النبي وهو بين أصحابه يود أن يلقى إخوانه كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وددت أني رأيت إخواني - قالوا: أو لسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: بل أنتم أصحابي وإخواني الذين لم يأتوا بعد " (1)، وفي رواية: " وإخواني الذين آمنوا بي ولم يروني أنا إليهم بالأشواق " (2)، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: " مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم

____________

(1) رواه مسلم (الخصائص الكبرى للسيوطي 260 \ 2).

(2) رواه أبو يعلى وأبو الشيخ عن أنس. وابن عساكر عن البراء (كنز العمال 184 \ 12) رواه أحمد بلفظ " وددت أني لقيت إخواني الذين آمنوا بي ولم يروني (كنز العمال (164 \ 12).