قال: الذي على الأثر. قيل له: ثم من يا رسول الله؟ قال أبو هريرة: فرفضهم رسول الله (2).
إن الذين مع النبي هم الذين لن يقال لهم عند الحوض سحقا سحقا.
لأنهم بدلوا وغيروا وارتدوا بعده كما في الأحاديث الصحيحة. روى البخاري ومسلم: " أنا فرطكم على الحوض من ورد شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا وليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفونني. ثم يحال بيني وبينهم " (3)، وفي رواية " ليردن على الحوض رجال ممن صحبني ورآني فأقول أي رب أصحابي أصحابي. فليقالن إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك " (4)، وفي رواية: " فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول سحقا " (5).
وقوله صلى الله عليه وسلم: " سحقا " أي بعد بعدا ومكان سحيق
____________
(1) رواه الإمام أحمد عن أنس ورواه الترمذي وقال: حسن غرير. وقال في كشف الخفاء:
رواه الترمذي وأبو يعلى والدارقطني والخطيب وابن حبان في صحيحه وقال ابن حجر:
حديث حسن له طرق (الفتح الرباني 203 \ 23، كشف الخفاء 258 \ 2).
(2) رواه أحمد وقال في الفتح الرباني الحديث صحيح الإسناد (الفتح 219 \ 23) وقال في الفتح رواه مسلم بإسنادين.
(3) البخاري (الصحيح ك. الدعوات باب الصراط 141 \ 4) مسلم (الصحيح 53 \ 15) له الفضائل ب حوض نبينا صلى الله عليه وآله.
(4) رواه أحمد (195 \ 1 الفتح الرباني) ومسلم (الصحيح 65 \ 15) ك الفضائل ب حوض نبينا صلى الله عليه وآله.
(5) رواه مسلم (الصحيح 56 \ 15 ك الفضائل ب حوض نبينا صلى الله عليه وآله).
فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب التي يقمن في النار يقعن فيها. وجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها. فذلك مثلي ومثلكم. أنا آخذ بحجزكم عن النار. هلم عن النار! هلم عن النار! فتغلبوني فتقتحمون فيها (1).
إن الدعوة الخاتمة جاءت لتقيم حجتها وتذكر الناس بمخزون الفطرة وتدعوهم للتفكر في الآيات من حولهم وتسوقهم إلى الصراط المستقيم كي يتفادوا العقبات التي وضعها الشيطان ومؤسساته على الأرض وفي الأهواء. إن الشيطان دق أوتاد خيمة مهمتها عبادة السلف الصالح. ولقد سقط العديد داخل هذه الخيمة منذ فجر التاريخ وعلى هذه العبادة نشأت عبادة الأوثان. وعبادة السلف كانت سببا أساسيا في منع الباحثين والدارسين عن سلوك طريق العلم.
لقد وجد الباحثون أن السلف كان ينتقد بعضه بعضا. بل يقتل من خالفه في الرأي من معاصريه. فلما جاء الخلف رفع راية تحرم النقد ولو كان للنقد جذور في كتاب الله. وعندئذ أغلق الباحثون والدارسون على أنفسهم الأبواب. وطويت صفحات العلم والمعرفة. وجرت الفتنة فلم تصب الذين ظلموا خاصة. بل تعدتهم إلى الحاضر والمستقبل. تلقي بالتعصب الذميم وتهلك ضحاياها في كل عصر. وتشد في كل وادي آلهة جدد.
وما زال السؤال يجري: هل أوصى النبي صلى الله عليه وسلم لأحد أصحابه بأن يبلغ من بعده ويسوق الناس إلى صراط الله المستقيم. هل صرح الرسول باسم الخليفة من بعده؟ أم كانت هناك رموز وإيماء وكناية وتعريض.
وكان للرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك عذر لا نعلمه نحن. خشية من فساد الأمر أو إرجاف المنافقين. أم أن الرسول لم يوص ولم يصرح ولم تكن هناك رموز وإيماء. وترك أمته كي يسوقها معاوية وعمر بن العاص وبسر بن
____________
(1) رواه البخاري كتاب الدعوات (الصحيح 127 / 4) وأحمد والبيهقي والترمذي عن أبي هريرة. واللفظ لأحمد (الفتح الرباني 284 / 21، وكنز العمال 177 / 1).
إن الحقيقة مرة. والمقدمات لا تستقيم مع النتائج. ويبدو أمام الباحث أن أمورا قد جرت. وللحقيقة نقول: إن الأمور الماضية يتعذر الوقوف على عللها وأسبابها ولا يعلم حقائقها إلا من شاهدها ولابسها. وللحقيقة أيضا نقول إن الأمور إذا اشتبهت. اعتبر آخرها أولها. أي يقاس آخرها على أولها. فحسب البدايات تكون النهايات. والقرآن الكريم يهدي العقول إلى استعمال ما فطرت على استعماله. وسلوك ما تألفه وتعرفه بحسب طبعها. وهو ترتيب المعلومات لاستنتاج المجهولات. والذي فطرت العقول عليه هو. أن تستعمل مقدمات حقيقية يقينية لاستنتاج المعلومات التصديقية الواقعية. وهو البرهان.
إننا إذا وضعنا أيدينا على الحقيقة الأولى عند المقدمة. ظهر لنا سلوك الحقيقة عند الخاتمة. وعلى السلوك نعرف الزائف والمزخرف الذي تاجر بالحقيقة ولم يسلك سلوكها. ويتم استبعاده. وإذا كان قد قيل: بأن العاقل هو الذي يضع الشئ في موضعه. فإن القرآن الكريم اشترط التقوى في التفكر والتذكر والتعقل. وقارن العلم العمل للحصول على استقامة الفكر وإصابة العلم وخلوصه من شوائب الأوهام الحيوانية والإلقاءات الشيطانية، ونحن في بحثنا هذا لا ندعي كمال البحث ولا ندعي أننا حسمنا موقفا. إن الذي أقدمنا عليه هنا. يخضع في المقام الأول. للبحث العلمي المجرد الذي يتناول الأفكار والمبادئ. ولا شأن له بالمناسبات التي صدر فيها هذا الحكم أو ذاك، نحن هنا نقوم بالقراءة المنصتة للمصادر. قراءة نقدية متفحصة تقييمية تعتمد على الطريقة السردية التي تقوم على القرآن والحديث والرواية التاريخية. وتمنح القراء خيطا يقودهم إلى البحث عن الحقيقة. ونحن وراء قراءتنا هذه مصممون على تقديم تاريخ يجتمع فيه جميع الخيوط سياسية ودينية واجتماعية واقتصادية. وبناءا على
ليس بالأمر السهل. ورغم صعوبته إلا أن اليسر في خاتمته. وذلك أن مواد البناء لن تكون في حاجة إلى الخطوة التالية التي هي عملية البناء. لأن المواد في حد ذاتها بناء. ولتكن البداية من عند ولاية الله.
2 - ولاية الله عز وجل:
لقد أقام الله تعالى حجته على الخلق في عالم الغيب بميثاق الفطرة المغروس في داخل الكيان الإنساني بأنه تعالى رب كل شئ. وأقام حجته في عالم الاحساس الإنساني بأن زود الإنسان بما يهديه إلى طريق التقوى ويبتعد به عن طريق الفجور. وزوده في عالم المشاهدة المنظور بما يقربه إليه حيث الوجود كله من حوله يهتف بأنه لا إله إلا الله. وفي النهاية جعله مختارا. له أن يختار أي طريق يسلك. وعلى سلوكه سيترتب الثواب والعقاب يوم القيامة. فالفائز هو فقط من احترم المخزون الفطري وما زوده الله به واتبع الهدى الذي جاء به الأنبياء والرسل عليهم السلام، فهذا الهدى الذي جاء به الأنبياء يرشده ويسوقه إلى الصراط المستقيم الذي يتفنن الشيطان في كل عصر ومكان في وضع العراقيل عليه. فالهدى يتعامل مع كل حالة وفقا للزمان والمكان. ولهذا تتابع الرسل عليهم السلام في كل زمان ومكان من أجل أن يسدوا منافذ الشيطان الذي أمهله الله حتى يوم الوقت المعلوم. ومن أجل هذا تحتم على من أراد الفوز بالنجاة والثواب أن يقف تحت ولاية الله ورسوله. لأنها الولاية الوحيدة التي في ظاهرها وباطنها الرحمة وتقود من استظل بها إلى ساحة القرب يوم القيامة، ومن فضله سبحانه على خلقه أنه حذر من اتخاذ الشيطان وليا. ونهى عن مودة اليهود والنصارى - يعني نهى المحبة والاتحاد معهم - لأن هذا الطريق بكل ما عليه من رموز يصب في النهاية في ساحة الخاسرين.
وقوله تعالى: (وهو على كل شئ قدير) حجة أخرى، على وجوب اتخاذه تعالى وليا دون غيره، لأنه من الواجب في باب الولاية. أن يكون للولي قدرة على ما يتولاه من شؤون من يتولاه وأموره. والله تعالى على كل شئ قدير ولا قدرة لغيره إلا مقدار ما أقدره الله عليه. فهو المالك والقادر على ما ملكه وأقدره عليه. فهو سبحانه الولي لا ولي غيره تعالى، وقوله سبحانه: (وما اختلفتم فيه من شئ فحكمه إلى الله)، حجة أخرى على كونه تعالى وليا لا ولي غيره، فالاختلاف ربما كان في عقيدة في أن الإله واحد أو كثير، أو كان في نبوة أو إمامة. وربما كان في عمل أو ما يرجع إليه كالاختلاف في أمور المعيشة.
أمور المعيشة. فاختلافات الناس في عقائدهم وأعمالهم اختلاف تشريعي لا يرفعه إلا الأحكام والقوانين التشريعية ولولا الاختلاف لم يوجد قانون.
____________
(1) سورة الشورى: الآية 9 - 11.
وبعد أن أقام الله الحجج في الآية أمر النبي أن يقول لهم: (ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب) إعلاما لهم بأنه تعالى هو الولي معترفا له بالربوبية التي هي ملك التدبير راجع إلى حكمه في كل واقعة تستقبل الإنسان في مسير حياته ففي هذا كله تكمن الإنابة وتظهر (عليه توكلت وإليه أنيب أنيب) أي أرجع في جميع أموري إليه. تكوينا وتشريعا. (فاطر السماوات والأرض. جعل لكم من أنفسكم أزواجا...)، أي أنه تعالى موجب الأشياء وفاطرها من كتم العدم إلى الوجود. وقد جعلكم أزواجا فكثركم بذلك وجعل من الأنعام أزواجا فكثرها بذلك لتنتفعوا بها. وهذا خلق وتدبير. وهو سميع لما يسأله خلقه من الحوائج، وبصير لما يعمله خلقه من الأعمال. وهو الذي يملك مفاتيح خزائن السماوات والأرض! وهو الذي يرزق المرزوقين فيوسع في رزقهم ويضيق ممن علم منه بذلك. وهذا كله من التدبير. فهو الرب المدبر للأمور ليس مثله شئ.
إن الله هو الولي. (ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون) (3)، إن الله هو الولي: (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور) (4)، إن الله هو الولي: (وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي
____________
سورة القصص: الآية 88.
(2) سورة المائدة: الآية 1.
(3) سورة السجدة: الآية 4.
(4) سورة البقرة: الآية 257.
3 - ولاية رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لقد شرع الله ولاية رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل ولاية الرسول على المؤمنين شرط في الإيمان بالله. قال تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) (3)، فالإخلاص لله في دينه خطوته الأولى لا تكون إلا بحبه تعالى. ومن أراد أن يخلص في عبوديته على الحب فعليه أن يتبع هذه الشريعة التي هي مبنية على الحب، ولا حب حقيقي إلا في اتباع سبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالأخذ عنه والتأسي به. فمقدمة ولاية الرسول هي الحب الذي هو في الحقيقة الوسيلة الوحيدة لارتباط كل طالب بمطلوبه وكل مريد بمراده. فالواجب على من يدعي ولاية الله بحبه. أن يتبع الرسول حتى ينتهي ذلك إلى ولاية الله له بحبه. والآية ذكرت حب الله دون ولايته. لأنه الأساس الذي تبني عليه الولاية. وإنما ذكر حب الله تعالى فحسب لأن ولاية النبي والمؤمنين تؤول بالحقيقة إلى ولاية الله.
وباب الحب هنا إعجاز بغلق الباب أمام المتاجرين في دوائر الرجس والبخس ويبشرهم بالعذاب الأليم إذ لم تخضع قلوبهم وتخشع وولاية الرسول صلى الله عليه وسلم إذا كان خيطها الأول يبدأ من القلوب. فإن هذا الخيط يمر في عالم المشاهدة حيث العلم وبيان المعارف الإلهية التي أنزلها الله للناس.
لتدخل الولاية من باب الحجة. قال تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما
____________
(1) سورة الجاثية: الآية 19.
(2) سورة الكهف: الآية 17.
(3) سورة آل عمران: الآية 31.
أحدهما: أن تبين للناس ما نزل تدريجيا إليهم. لأن المعارف الإلهية لا ينالها الناس بلا واسطة فلا بد من بعث واحد منهم للتبيين والتعليم. وهذا هو غرض الرسالة. ينزل الوحي فيحمله الرسول. ثم يؤمر بتبليغه وتعليمه وتبيينه.
والثاني: رجاء أن يتفكروا فيك فيتبصروا إن ما جئت به حق من عند الله.
فالأوضاع المحيطة بك والحوادث والأحوال الواردة عليك على مدى حياتك من اليتم وخمود الذكر والحرمان من التعلم والكتابة، وغير ذلك كانت جميعا أسباب قاطعة أن لا تذوق من عين الكمال قطرة. لكن الله أنزل إليك ذكرا تتحدى به على الجن والإنس. مهيمنا على سائر الكتب السماوية. والتفكر فيك نعم الدليل الهادي. على أنه ليس لك فيما جئت به صنع، ولا لك من الأمر شئ. وإن الله أنزله بعلمه وأيدك لذلك بقدرته.
فالرسول الله صلى الله عليه وسلم له الولاية في أن يبين للناس ويربي الأمة ويحكم فيهم ويقضي في أمرهم. لأن الله الذي أنزل الكتاب. علمه أحكامه وشرائعه. والرسول بهذه الولاية يبث الأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة لتكتمل البشرية ويستقيم حالهم في دنياهم وأخراهم. فيعيشون سعداء ويموتون سعداء.
ولأنه صلى الله عليه وسلم كذلك أوجب الله الأخذ عنه والتأسي به وفرض طاعته طاعة مطلقة. لأن طاعته طاعة لله. قال تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) (2)، ومن اتخذ الرسول مولى له. له يصل إلى الكمال في الحب والطاعة إلا إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إليه من نفسه قال تعالى: (النبي أولى بالمؤمنين من
____________
(1) سورة النحل: الآية 44.
(2) سورة النساء: الآية 59.
ومعنى الأولوية. هو رجحان الجانب إذا دار الأمر بينه وبين ما هو أدنى منه.
فالمحصل: إن ما يراه المؤمن لنفسه من الحفظ والمحبة والكرامة واستجابة الدعوة. فالنبي أولى بذلك من نفسه. ولو دار الأمر بين النبي وبين نفسه في شئ من ذلك. كان جانب النبي أرجح من جانب نفسه. وعلى هذا فإذا توجه شئ من المخاطر إلى نفس النبي. فليلقه المؤمن بنفسه ويفده نفسه. وليكن النبي أحب إليه من نفسه. وأكرم عنده من نفسه. ولو دعته نفسه إلى شئ والنبي إلى خلافه. أو أرادت نفسه منه شيئا وأراد النبي خلافه. كان المتعين استجابة النبي صلى الله عليه وسلم وطاعته وتقديمه على نفسه.
فمن قدم نفسه على النبي فهو في الحقيقة غير مؤمن حتى يقدم النبي على نفسه ويحسب إيمانه فقط من وقت تأخره وتقدم النبي. وعمر بن الخطاب رضي الله عنه خاض هذه التجربة. فيما رواه البخاري عن عبد الله بن هشام قال:
كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر. فقال له عمر: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شئ إلا من نفسي. فقال النبي: لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك. فقال عمر: فإنه الآن لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النبي: " الآن يا عمر " (3)، فتقديم النبي على النفس والولد والوالد والقبيلة والحزب وأي مصلحة هو مفتاح الإيمان الحقيقي. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين " (4)، ولأن النبي جعل نفسه هي نفس علي ابن أبي طالب رضي عنه في قوله تعالى: (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا
____________
(1) سورة الأحزاب: الآية 6.
(2) تفسير ابن كثير 468 / 4.
(3) البخاري ك الإيمان والنذور (الصحيح 149 / 4) وتفسير ابن كثير 467 / 4.
(4) رواه أحمد والنسائي وابن ماجة عن أنس (كنز العمال 37 / 1).
وولاية الله ورسوله. إذا كانت في أعمال المؤمنين. لا يحق للمؤمنين أن يعتبروا أنفسهم أصحاب الاختيار. وكيف يكون المؤمن صاحب اختيار في دائرة وليها الله ورسوله. إن الله ولي عبده المؤمن. لأنه يلي أمره ويدبر شأنه. فيهديه إلى صراطه المستقيم. ويأمره وينهاه فيما ينبغي له أو لا ينبغي. وينصره في الحياة الدنيا وفي الآخرة. المؤمن في دائرة ولاية الله ورسوله. لا يرى لغير الله استقلالا في التأثير. ويقصر الملك والحكم فيه تعالى. فلا يخاف إلا إياه أو ما يحب الله ويريد أن يحذر منه أو يحزن عليه... قال تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعصي الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) (4).
والخلاصة: ذكر سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم من الولاية التي تخصه الولاية التشريعية. وهي القيام بالتشريع والدعوة وتربية الأمة والحكم فيهم والقضاء في أمرهم، قال تعالى: (إننا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله) (5)، وقال تعالى: (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) (6)،
____________
(1) سورة آل عمران: الآية 61.
(2) تفسير ابن كثير 371 / 1.
(3) رواه الطبراني والبيهقي عن عبد الرحمن بن أبي يعلى عن أبيه (كنز 41 / 1).
(4) سورة الأحزاب: الآية 36.
(5) سورة النساء: الآية 105.
(6) سورة الشورى: الآية 52.
وقوله: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا) الآية. وهذا المعنى من الولاية لله ورسوله هو الذي تذكره الآية للذين آمنوا بعطفه على الله ورسوله في قوله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (1)، فالولاية في هذه الآية واحدة. هي لله سبحانه بالأصالة. ولرسوله صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا بالتبع وبإذن منه تعالى.
ولما كان الذين آمنوا لهم الولاية بالتبع لرسول الله وبإذن من الله. فإن للذين آمنوا الذين يحملون الولاية شروط أهمها أن يكون فيه نص إن الرجس لا يعرف له طريقا وإن الطهارة له رداء إلا أنه سيتعامل مع كتاب الله الذي لا يمسه إلا المطهرون والذي يكون فيه نصوص بأنه على علم بأحكام القرآن وشرائعه.
ولأنه بعلمه سيرفع الاختلاف بين الناس. وأن يكون هذا العلم قد أخذ من رسول الله، فعن علي بن أبي طالب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاؤوا به. ثم تلى قوله تعالى: (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي) (2)، وقال صلى الله عليه وسلم: " إن للقرآن منارا كمنار الطريق فما عرفتم فخذوه وما أنكرتم فردوه إلى عالمه " (3)، وأن تكون فيه نصوص تثبت بأن يتمتع بقوة العفة والشجاعة والحكمة. لأن من يمتلك هذا تكون لديه ملكة العدالة.
____________
(1) سورة المائدة: الآية 55.
(2) اللالكائي (كنز العمال 379 / 1).
(3) رواه الطبراني (مجمع الزوائد 187 / 1).
فالإخبار بأن المنافق يبغضه فيه أن النص من عند الله العليم بذات الصدور. وفيه أن سياسته تحت ضوئها ستظهر جحافل النفاق. فإذا قطع الطريق على سياسته فحدث ولا حرج. لأن النفاق عاجلا أو آجلا سيشق طريقه إلى سنن الأولين.
فيأخذ بذيلهم شبرا بشبر وذراعا بذراع. فالإخبار بأن حبه رداء على المؤمن حجة على المنافق في نهاية الطريق. وإن عذاب الله أليم شديد.
باختصار يجب أن تكون فيه نصوص صريحة صحيحة متفق عليها عند أهل القبلة. تبين أن الله اختاره في مواطن وأن الرسول أعطاه الولاية. وأن تكون حركته تسير مع أخبار الرسول بالغيب عن ربه سيرا واحدا. بمعنى أن الرسول قد أخبر بأن أمته ستفترق وأنها ستتبع سنن اليهود والنصارى شبرا بشبر وذراعا بذراع. وأمة اليهود وضعت أول بذور الافتراق يوم اتخذوا العجل وكادوا أن يقتلوا نبي الله هارون. وظل خط العجل يعمل من بعد موسى وهارون عليهما السلام. فإذا كان هذا الشذوذ سينتقل إلى الأمة بصورة أو بأخرى. فلا بد أن تكون هناك نصوص قاطعة. بأن حركة ولي رسول الله في أول الطريق هي نفسها حركة هارون في أول الطريق. وعلى هذا يتم التطابق بين أمم استخلفها الله لينظر كيف يعملون. يتم التطابق بين فعل ولي الله وهارون وبين حركة أمة فتية أخبر رسولها بالغيب عن ربه أنها على أثر الماضين سائرة إلا من رحم الله. وعلى هذا النص إذا وقفنا في آخر الطريق. ونظرنا إلى أول الطريق. سنعلم أن النص حق وسنرى شعاع النور رغم السحب الداكنة.
4 - ولاية علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
هذا العنوان وضعته عندما لم أجد أحدا غير علي بن أبي طالب ينطبق عليه ما ذكرت سابقا. فعلي رضي الله عنه فيه نصوص قاطعة. قرآن يفسره حديث.
وحديث يشهد للحديث الذي فسر القرآن. وحركة تاريخ تشهد للحديث وللنص
أولا - علي بن أبي طالب والعلم:
قدمنا فيما مضى كيف أنه من أهل الكساء. ومن الذين باهل بهم النبي صلى الله عليه وسلم نصارى نجران وأنه كنفس النبي وأول من أسلم وأول من صلى معه صلى الله عليه وسلم. أما ما ورد في علمه فإن البداية عندنا من قوله تعالى: (إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية * لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية) (1)، فهذه الآية إشارة إلى طوفان نوح. والجارية هي السفينة.
والمحمول في الحقيقة أسلاف الدين في السفينة. لكون الجميع نوعا واحدا ينسب حال البعض منه إلى الكل. وضمير (لنجعلها) للحمل باعتبار أنه فعله.
والمعنى: أي فعلنا بكم تلك الفعلة لنجعلها لكم أمرا تتذكرون به. وعبرة تعتبرون بها وموعظة تتعظون بها: وقوله تعالى: (وتعيها أذن واعية) المراد بوعي الأذن لها. تقريرها في النفس وحفظها فيها. لتترتب عليها فائدتها وهي التذكر والاتعاظ. وفي الآية إشارة إلى الهداية الربوبية.
وروى الضياء بسند صحيح وابن مردويه وأبو نعيم عن علي بن أبي طالب (2)، وفي الدر المنثور أخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مكحول قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سألت ربي أن يجعلها أذن علي. قال مكحول: فكان علي يقول: ما سمعت عن رسول الله شيئا فنسيته (3).
وانظروا الدر المنثور أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والواحدي وابن مردويه وابن عساكر وابن النجار عن بردة قال: قال رسول الله صلى الله عليه
____________
(1) سورة الحاقة: الآية 12.
(2) (كنز العمال 177 / 13).
(3) تفسير ابن كثير 413 / 4.
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن علي. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. يا علي. إن الله أمرني أن أدنيك وأعلمك لتعي. فأنزلت هذه الآية:
(وتعيها أذن واعية) فأنت أذن واعية لعلمي.
وهذا الحديث روي من عدة طرق. بلغت ستة عشر حديثا. فإذا كانت البداية مع آية تدل على أن ما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم لا ينساه. فإن دخوله على النبي لأخذ العلم أمر لا جدال فيه، روى الإمام النسائي عن علي بن أبي طالب. قال: كان لي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة آتية فيها، فإذا أتيته استأذنت إن وجدته يصلي فتنحنح دخلت. وإن وجدته فارغا أذن لي...
وفي رواية - كان لي من رسول الله صلى الله عليه وسلم مدخلان مدخل بالليل ومدخل بالنهار (1).
وعلي رضي الله عنه، تربى في بيت النبوة. فالذي سهر على تربيته هو النبي صلى الله عليه وسلم. وأصح ما ورد من الأخبار. إن النبي أخذ عليا من أبيه وهو صغير. وأخذ العباس طالبا. ليخففا عن أبي طالب ثقلهم. ومن بيت النبوة شق علي بن أبي طالب طريق العلم حتى قيل فيه في رواية صحيحة " أفضلنا علي " (2)، وشهد أكثر من واحد أن عليا كان أدرى الناس بعد رسول الله بالقرآن.
عن أبي الطفيل قال: قال علي: " سلوني عن كتاب الله فإنه ليس فيه آية إلا وقد عرفت بليل نزلت أم بنهار في سهل أم في جبل " (3)، وعن سليمان الأحمسي.
____________
(1) النسائي باب السهو 2 / 12.
(2) قال في كشف الخفاء رواه البخاري في التفسير وأبو نعيم عن ابن عباس. والحاكم عن ابن مسعود: ورواه البغوي في شرح السنة عن أنس، ورواه عبد الله بن أحمد بن حنجل عن ابن عباس وعبد الرزاق عن قتادة، وروى البخاري، وأبو نعيم عن عباس قال عمر:
على أقضانا (كشف الخفاء 184 / 1).
(3) الطبقات الكبرى 338 / 2.
وشهادة النبي لعلي بأنه أكثر أمته علما وردت في أحاديث كثيرة ومنها حديث " أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب "، الذي رواه ابن عدي عن ابن عباس وابن عساكر عن جابر، والذي تعددت طرقه، فإن القوم ضعفوه ولهم أسبابهم في تضعيف الأحاديث الواردة في علي بن أبي طالب، وكذلك حديث " أنا دار الحكمة وعلي بابها " الذي رواه الترمذي عن علي ورواه بعضهم عن ابن عباس. فلقد قالوا فيه ما قالوا (4). ونحن هنا نقدم حديثا لا خلاف عليه يشهد لعلي بالعلم والحلم وهذا الحديث.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: وجدت في كتاب أبي بخط يده هذا الحديث: عن معقل بن يسار. قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها: " أوما ترضين أني زوجتك أقدم أمتي سلما وأكثرهم علما وأعظمهم حلما " (5)، فهذا الحديث أثبت سبقه إلى الإسلام. وأثبت له العلم والحلم.
وكفى بهما لإثبات ملكة العدالة.
____________
(1) الطبقات الكبرى 338 / 2.
(2) تاريخ الخلفاء، السيوطي 173.
(3) راجع ابن كثير في البداية والنهاية 358 / 7.
(4) الحاكم (المستدرك 466 / 2)، ابن حجر في الإصابة (509 / 2)، فالسيوطي في تاريخ الخلفاء ص 124.
(5) رواه أحمد وقال الهيثمي رجاله ثقات (الفتح الرباني 133 / 23) (مجمع الزوائد 101 / 9) ورواه ابن جرير عن علي بسند صحيح (114 / 13 كنز العمال)، ورواه الخطيب في المتفق عن بريدة (كنز العمال 135 / 13).
ثانيا - أضواء على اختيار الله لعلي:
لقد كان للصحابة مناقب، ولكن مناقب علي بن أبي طالب فاقت جميع المناقب. لأن طرفها الآخر كان الله ورسوله. وكان وراء المناقب هدف من ورائه حكمة سنتركها لفطنة القارئ.
روى الطبراني عن جابر. لما سأل أهل قباء النبي صلى الله عليه وسلم أن يبني لهم مسجدا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليقم بعضكم فيركب فحركها فلم تنبعث. فرجع فقعد. فقام علي. فلما وضع رجله في غرز الركاب وثبت به. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا علي ارخ زمامها وأبنوا على مدارها فإنها مأمورة (1).
والذي نشير إليه في هذا الحديث أن الناقة مأمورة. وأن الذي أمرها هو خالقها. وعن زيد بن أرقم قال: كان لنفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أبواب شارعة في المسجد. فقال يوما: سدوا هذه الأبواب إلا باب علي.
فتكلم في ذلك الناس. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم. فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإني أمرت بسد هذه الأبواب إلا باب علي. وقال فيه قائلكم وأني والله ما سددت شيئا ولا فتحته. ولكني أمرت بشئ فاتبعته (2).
وفي رواية عن ابن عباس قال صلى الله عليه وسلم: " ما أخرجتكم من قبل نفسي. ولا أنا تركته. ولكن الله أخرجكم وتركه إنما أنا عبد مأمور. ما أمرت به فعلت. إن اتبع إلا ما يوحى إلي " (3).
____________
(1) رواه الطبراني في الكبير (كنز العمال 139 / 13).
(2) رواه الإمام أحمد (الفتح الرباني 118 / 23)، وقال الهيثمي رجاله ثقات (الزوائد 114 / 9) ورواه الضياء في المختارة بسند صحيح (كنز العمال 598 / 11) ورواه الحاكم وأقره الذهبي (المستدرك 125 / 3).
(3) رواه الطبراني (كنز العمال 600 / 11).
والذي نحب أن نشير إليه في هذا الحديث إن الله هو الذي سعى وهو الذي فتح، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان قوم عند النبي. فجاء علي. فلما دخل علي بن أبي طالب خرجوا. فلما خرجوا تلاوموا، فقال بعضهم لبعض:
والله ما أخرجنا فارجعوا. فلما رجعوا قال النبي صلى الله عليه وسلم: " والله ما أدخلته وأخرجتكم ولكن الله أدخله وأخرجكم " (3).
في هذا الحديث. الله هو الذي أخرج وأدخل. وعن جابر قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا يوم الطائف، فانتجاه. فقال الناس: لقد طالت نجواه مع ابن عمه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما انتجيته ولكن الله انتجاه " (4)، قال في تحفة الأحواذي: ناجاه سارة وخصه بمناجاته. وقوله: " ما انتجيته " أي ما خصصته بالنجوى. ولكن الله انتجاه: أي. إني بلغت عن الله ما أمرني أن أبلغه إياه. على سبيل النجوى. فحينئذ انتجاه الله ولا انتجيته، وقال الطيبي: كان ذلك أسرار إلهية وأمور غيبية جعله من
____________
(1) نظم المتواتر في الحديث المتواتر / الكتاني ص 192.
(2) قال في تحفة الأحواذي. حكم ابن الجوزي على هذا الحديث بالوضع. لأنه يعارض حديث أن النبي أمر بسد الأبواب إلا باب أبي بكر. ورد ابن حجر عليه وقال: لحديث علي طرق كثيرة بلغت بعضها حد الصحة وبعضها مرتبة الحسن (التحفة 237 / 10) وعاب على ابن الجوزي لتساهله في وصم بعض الأحاديث بالوضع الشيخ ابن الصلاح وقال: لا يعبأ بما قاله ابن الجوزي. كما عقب عليه الحافظ السيوطي بكتاب أسماه النكت البديعات في الرد علي الموضوعات. (البداية والنهاية 342 / 7).
(3) رواه البزار وقال الهيثمي رجاله ثقات (الزوائد 115 / 9).
(4) رواه الترمذي وحسنه (الجامع 639 / 5) وأورده ابن كثير في البداية (البداية 357 / 7).
أبو بكر رضي الله عنه. فعن جندب بن ناجية. قال أبو بكر: يا رسول الله. قد طالت مناجاتك عليا منذ اليوم. فقال رسول الله: ما انتجيته ولكن الله انتجاه " (2).
وفي هذا الحديث أيضا الله هو الذي انتجاه، وعن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: لأعطين هذه الراية رجلا يحب الله ورسوله يفتح الله على يديه. قال عمر بن الخطاب ما أحببت الإمارة إلا يومئذ.
قال: فتساورت لها رجاء أن أدعى لها. فدعى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وقف ولم يلتفت. فصرخ. يا رسول الله على ماذا أقاتل الناس؟ قال: قاتلهم حتى يشهدوا لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. فإن فعلوا ذلك. فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم لا يحقها على الله (3). وروى ابن جرير بسند صحيح والضياء عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر فسار بالناس فانهزم حتى رجع إليه. وبعث عمر فانهزم بالناس حتى رجع إليه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله يفتح الله له ليس بفرار الحديث (4)، وروى ابن كثير في البداية: " بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر فلم يكن فتح. ثم بعث عمر فلم يكن فتح...
الحديث "، وقال رواه ابن إسحاق والبيهقي (5)، ومن بعض الروايات يستفاد أنه بعد هزيمة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. وعندما سمعا قول الرسول
____________
(1) تحفة الأحوازي (231 / 1).
(2) رواه الطبراني (كنز العمال 139 / 13).
(3) رواه الإمام أحمد (الفتح الرباني 132 / 23) ورواه الإمام مسلم بلفظ " رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله (الصحيح 176 / 15)، ورواه الترمذي مختصرا عن سعد وحسنه (تحفة الأحوازي 229 / 10).
(4) ابن جرير والضياء بسند صحيح ورواه ابن أبي شيبة وأحمد وابن ماجة والبزار والطبراني في الأوسط والحاكم والبيهقي في الدلائل (كنز العمال 112 / 3) (البداية والنهاية 337 / 7).
(5) البداية والنهاية 186 / 4.
ومن الروايات التي تثبت أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما قد كررا المحاولة لأخذ الراية ما ثبت في إصحاح كما ذكر ابن كثير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: " لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله بفرار يفتح الله على يديه "، فبات الناس يدركون أيهم يعطاها حتى قال عمر: ما أحببت الإمارة إلا يومئذ. فلما أصبح أعطاها عليا ففتح الله على يديه (1). فهذه الرواية تثبت أن عمر قد أراد أن يقوم بالمحاولة مرة أخرى. بعد المحاولة الأولى التي وردت في الصحاح عن بريدة بن الحصيب قال: حاصرنا خيبر. فأخذ اللواء أبو بكر فانصرف ولم يفتح له. ثم أخذه من الغد عمر فخرج ولم يفتح له. وأصاب الناس يومئذ شدة وجهد فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " إني دافع اللواء غدا إلى رجل يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله.
لا يرجع حتى يفتح له... " الحديث (2).
فالحديث يبشر بأمرين:
الأول: إن الراية غدا سيأخذها رجل يحبه الله ورسوله. ولهذا ود كل فرد أن يكون هذا الرجل. حتى أنهم تسارعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ورد عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الراية فهزها. ثم قال: " من يأخذها بحقها. فجاء فلان!! فقال: أنا، فقال النبي: امض. ثم جاء رجل آخر! فقال: أنا. فقال: امض. ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي كرم وجه محمد لأعطينها رجلا لا يقر. فجاء
____________
(1) أخرجه مسلم (البداية والنهاية 337 / 7).
(2) أخرجه أحمد والنسائي (البداية والنهاية 338 / 7).
والثاني: فإن الحديث بشر بالنصر وكان لهذا التبشير أثره على الصحابة، فعن أبي بريدة بن الخطيب قال: فبتنا طيبة أنفسنا أن الفتح غدا (2)، فالبشارة الأولى والثانية كانت لهدف من ورائه حكمة وفيهما إعجاز حيث أخبر النبي بفتح كان ما زال في عالم الغيب.
وعلى الرغم من أن الحديث الماضي يخبر صراحة أن الله تعالى يحب عليا. إلا أن بعض علماء الحديث ضعف حديث الطير، فعن أنس قال: أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم طائر. فقال النبي: اللهم ائتني بأحب الخلق إليك وإلي يأكل معي من هذا الطير. فدخل علي بن أبي طالب. فقال:
اللهم والي (3). فهذا الحديث كما قال ابن كثير: صنف الناس فيه وله طرق متعددة. ورواه عن أنس أكثر من ثلاثين نفسا. وقد جمع الناس في هذا الحديث مصنفات منهم أبو بكر بن مردويه والحافظ أبو الطاهر محمد بن أحمد ورأيت فيه مجلدا في جميع طرقه وألفاظه لابن جرير الطبري (4)، فعلى الرغم من كل هذا وضعه ابن الجوزي في الموضوعات ورفضه ابن كثير. لسبب واحد يكمن في القلب ولا يستند على أي أساس علمي قال ابن كثير في هذا السبب: وبالجملة ففي القلب من صحة هذا الحديث وإن كثرت طرقه (5)، وفي هذا الحديث قال
____________
(1) رواه أحمد وقال الهيثمي رجاله ثقات (الزوائد 151 / 6)، وقال ابن كثير رواه أحمد وأبو يعلى (البداية 339 / 7).
(2) رواه أحمد (البداية 238 / 7).
(3) رواه الترمذي وقال حديث غريب وقال: وقد روى من غير وجه عن أنس وعيسى بن معمر والسدي إسماعيل بن عبد الرحمن وسمع عن أنس بن مالك، ورأى الحسين بن علي. وثقه شعبة وسفيان الثوري وزائده ووثقه يحيى بن سعيد القطان (الجامع 636 / 5) وقال الهيثمي رواه البزار والطبراني ورجال الطبراني رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة (الزوائد 126 / 9) ورواه ابن عساكر عن ابن عباس وعن أنس بطرق مختلفة ورواه ابن النجار (كنز العمال 167 / 13).
(4) البداية والنهاية 351 / 7.