ورفضهم هذا الدين الكامل المرضي. ويومئذ يسلبهم الله نعمته ويغيرها إلى النقمة ويذيقهم لباس الجوع والخوف.
ومن أراد الوقوف على مبلغ صدق هذه الآية من قوله: (فلا تخشوهم واخشون)، فعليه أن يتأمل فيما استقر عليه حال العالم الإسلامي اليوم. ثم يرجع القهقرى بتحليل الحوادث التاريخية حتى يحصل على أصول القضايا وأعراقها. لقد يأس الكفار عندما أيقنوا أن الدين بعد النبي صلى الله عليه وسلم خرج عن مرحلة القيام بالحامل الشخصي. إلى مرحلة القيام بالحامل النوعي. والحامل الشخصي عمود فقري للحامل النوعي. ولقد ضربهم اليأس عندما علموا أن الدين خرج من صفة الظهور والحدوث. إلى صفة البقاء والدوام. وصفة الظهور والحدوث رحى تدور عليها صفة البقاء والدوام. وفي عالم اليأس قرقعت أنياب الحيتان. وسرى صوتها ليلا في الوادي الواسع العريض.
ثانيا - يوم غدير خم:
بعد حجة الوداع عاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة هو ومن معه. وكان قد أحث يوم الحج على التمسك بالكتاب والعترة وحذر الأمة من الاختلاف والافتراق وقتل بعضهم بعضا. وفي هذا الحج أخذ الناس عنه صلى الله عليه وسلم مناسكهم. وما أعلنه الرسول وما حث الناس عليه، كان على مستوى المساحة الواسعة للأمة. وهذه المساحة تختلف عن المساحة الأم.
بمعنى أن الأمور التي تتعلق بالقيادة لا تعلن إلا في دائرة مساحة القيادة. لذا نراه صلى الله عليه وسلم في بداية الدعوة عندما نزل قوله تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين) لم يأت بأفراد المساحة الواسعة وإنما تحدث أمام ناس
والنبي في طريقه من حجة الوداع. كان على علم تام من ربه. مما سيحدث لأمته من بعده. كان يعلم أن في أمته من سيستمتع كما استمتع الذين من قبلهم وسيخوض كما خاضوا. وسيترتب على ذلك الحبط والخسران والبغي والافتراق، وكان يعلم أن مقدمة هذا كله ستكون من دائرة قريش وليس من الدائرة الواسعة، لذا نراه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وجه إشاعات من الضوء على سبيل الخير ليهرع الناس إليه، فأوصى بالكتاب والعترة، وأعلن أن عليا منه وهو منه ولا يؤدي عنه إلا هو أو علي. وهذا الاعلان. هو نفس الاعلان يوم سورة براءة في العام التاسع الهجري. وبعد أن سلط الضوء على سبيل الخير. سلطه على الجانب الآخر كي يحذر الناس من مقدمات الوقوع قبل الوقوع. ثم بين كيفية النهوض بعد الوقوع. كما سنبين فيما بعد.
ومن أشعة الضوء على الجانب الآخر من قريش. عن أبي مطير قال:
أخبرني من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهو يعظ الناس ويأمرهم وينهاهم فقال: أيها الناس خذوا العطاء ما كان عطاء. فإذا
____________
(1) رواه البخاري عن ابن عمر ك بدء الخلق ب، مناقب قريش (الصحيح 264 / 2) وابن أبي عاصم عن أبي هريرة (كتاب السنة 534 / 2).
(2) رواه أحمد عن علي وقال الهيثمي رجاله ثقات (الفتح الرباني 226 / 24).
(3) رواه البخاري ك الآداب (الصحيح 77 / 4) وصححه الترمذي (الجامع 596 / 4).
كونوا كأصحاب عيسى نصبوا على الخشب ونشروا بالمناشير. موت في طاعة.
خير من حياة في معصية (2)، قال صاحب عون المعبود في شرح سنن أبو داوود: معنى حديث ترك أخذ العطاء. إذا رأيت قريش تخاصموا على الملك.
وتقاتلوا عليه. وقال كل واحد منهم: أنا أحق بالملك أو الخلافة منك. وتنازعوا في ذلك وأصبح هذا العطاء عن دين أحدكم، أي يعطوه لكم عوضا عن دينكم.
فاتركوا أخذه " (3).
باختصار الحديث عن القيادة لا يكون تفصيله إلا على أرضية قريش. فإذا كان علي ولي كل مؤمن بعد رسول الله. فلا بد أن يعلن هذا أولا عند الأعقاب التي ستتصارع على الملك ليكون في ذلك حجة عليها. ومن أراد أن يفهم هذا المعنى عليه أولا أن يسلم بأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث في قوم من البشر وليسوا من الملائكة. وهذا القوم كان النبي يتعامل معه وفقا لمصلحة الإسلام وكان لا يخاف إلا على الدعوة. ومن الدليل على ذلك. أن زيد بن حارثة كان عبدا للنبي صلى الله عليه وسلم. ثم حرره واتخذه ابنا له.
وكان تحته زينب بنت جحش بنت عمة النبي. وكان النبي يعلم من ربه أن زينب ستكون من أزواجه. فجاء زيد إليه واستشاره في طلاقها. فنهاه النبي عن
____________
(1) رواه أبو داود حديث 2958.
(2) رواه الطبراني عن معاذ، وابن عساكر عن ابن مسعود (كنز العمال 216 / 1).
(3) عون المعبود 173 / 8.
ألم يكن هذا الخوف على أرضية الصحابة؟ نعم كان على أرضيتهم لأن كل من سمع من النبي أو رآه فهو صحابي. فالنبي خاف من بعضهم على الدعوة.
فإذا كان قد خاف منهم في موقف كهذا. فكيف بموقف يترتب عليه قيادة هم من صاحبها في غليان؟ لقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم في بشر فيهم الصالح والطالح والمحسن والمسئ. والنبي صلى الله عليه وسلم كان ينتظر الوقت المناسب الذي يعلن فيه ولاية علي بن أبي طالب أمام قريش ومن حولهم في المقام الأول لأنهم خميرة الاختلاف وطلب الملك.. وفي أثناء ذلك نزل قوله تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين) (2).
فالآية تكشف عن أمر قد أنزل على النبي. وكان النبي يخاف الناس من تبليغه ويؤخره إلى حين يناسبه. ولولا مخافته. لم يحتاج إلى تهديده بقوله:
" وإن لم تفعل فما بلغت رسالته "، النبي كان يخاف ولكن لم تكن مخافته على
____________
(1) سورة الأحزاب: الآية 37.
(2) سورة المائدة: الآية 67.
قال المفسرون: قوله: " وإن لم تفعل فما بلغت رسالته " تفيد التهديد بظاهرها. وإعلامه صلى الله عليه وسلم وإعلام غيره ما لهذا الحكم من الأهمية. فالكلام في صورة التهديد. لبيان أهمية الحكم. بحيث أن هذا الحكم لو لم يصل إلى الناس. ولم يرع حقه. كان كأن لم يرع حق شئ من أجزاء الدين. والتهديد كما في ظاهر الآية. لا يعني أن القرآن يذكر في حق النبي احتمال أن يبلغ الحكم أو لا يبلغ. حاشا ساحة النبي صلى الله عليه وآله من ذلك. فالله تعالى يقول: (الله أعلم حيث يجعل رسالته) (4).
فإذا كانت سورة المائدة آخر سور القرآن نزولا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فما هو هذا الحكم النازل؟ إذا كان يختص بالوضوء والصلاة.
فالناس قد توضأوا وصلوا. وإذا كان يختص بصيام رمضان وإيتاء الزكاة. فالناس صاموا من قبل وزكوا. وإذا كان يختص بتعليم الناس مناسك الحج. فالرسول قد فرغ من حجة الوداع وأخذ الناس عنه مناسكهم والجميع تحت مظلة لا إله إلا الله
____________
(1) سورة الأحزاب: الآية 39.
(2) سورة آل عمران: الآية 175.
(3) سورة آل عمران: الآية 173.
(4) سورة الأنعام: الآية 124.
وتلويحا إلى أنه مصيب في ما تفرس منهم وتخوف عليه. وإيحاء إلى أنه مما يحب أن يظهر من ناحيته صلى الله عليه وآله وبلسانه وبيانه.
هذا عن الحكم. أما قوله تعالى: (والله يعصمك من الناس) (1)، قال المفسرون: أخذ لفظ الناس. اعتبارا بسواد الأفراد. الذي فيه المؤمن والمنافق والذي في قلبه مرض. وقد اختلطوا من دون تمايز، فإذا خيف خيف من عامتهم. والعصمة في الآية. بمعنى الحفظ والوقاية من شر الناس المتوجهة إلى النبي أو مقاصده الدينية أو نجاح تبليغه.
والذي يجب أن تذكر به إن طريق تبوك في العام التاسع الهجري. أنتج جماعة من اثني عشر رجلا، أخبر الحديث الصحيح أنهم لن يدخلوا الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وإنهم حرب على الله وعلى رسوله في الحياة الدنيا (1)، وأن الطريق من حجة الوداع إلى المدينة وزمنه ومكانه ضمن الحياة الدنيا...
وآية سورة المائدة التي نحن بصددها. ذهب في أسباب نزلها إلى كل مذهب. فهناك من قال إنها مكية. وهذا القول لا يلتفت إليه. لأن الآية بتمامها لا تنطبق على الأحداث التي ذكروها. فلم يكن من شأن اليهود ولا النصارى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. أن يتوجه إليه من ناحيتهم خطر يجعله يمسك عن التبليغ أو يؤخره إلى حين. ولم يكن من شأن كفار قريش ومشركي مكة أن يفعل النبي ذلك أيضا. وهم أغلظ جانبا وأشد بطشا وأسفك للدماء
____________
(1) سورة الأنعام: الآية 124.
وقول ابن كثير بأن الآية أخر ما نزل. قد يفتح الأبواب على سؤال هو، ما هو الحكم الذي أنزل الله في آخر آية نزلت على رسوله وقال له: (وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) إن القول بأن هذا الحكم يتعلق بالطهارة والغسل والتكفين. قول لا يلتفت إليه. وعلى أي حال. فهناك نبذة من الأخبار تدل على نزول هذه الآية في حق علي بن أبي طالب يوم غدير خم. وقبل أن نقدم أحداث يوم الغدير. حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه أئمة الحفاظ عن جمع من الصحابة " من كنت مولاه فعلي مولاه " نلقي الضوء على الحديث ورواته.
قال ابن كثير في البداية: لما تفرغ النبي من بيان المناسك ورجع إلى المدينة. خطب خطبة عظيمة الشأن في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة. بغدير خم تحت شجرة هناك. فبين فيها أشياء. وذكر في فضل علي بن أبي طالب وأمانته وعدله وقربه إليه. وأزاح به ما كان في نفوس كثير من الناس منه. وقد اعتنى بأمر حديث غدير خم أبو جعفر الطبري فجمع فيه مجلدين وأورد فيها طرقه وألفاظه. وكذلك الحفاظ الكبير أبو القاسم بن عساكر أورد أحاديث كثيرة في هذه الخطبة (2).
وقال الإمام أحمد بن حنبل: حديث من كنت مولاه. سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثون صحابيا. شهدوا به لعلي بن أبي طالب عندما
____________
(1) تفسير ابن كثير 79 / 2.
(2) البداية والنهاية 408 / 5.
حديث من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه حديث صحيح جاء من طرق جماعة من الصحابة. خرجت أحاديث سبعة منهم.
ولبعضهم أكثر من طريق واحد. وقد خرجتها كلها وتكلمت على أسانيدها في سلسلة الأحاديث الصحيحة (2).
وحديث الغدير رواه جمع من الصحابة منهم: زيد بن أرقم، ومالك بن الحويرث، وعلي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عباس، وجابر بن عبد الله، وأبو هريرة، وأبو سعيد الخدري، وأبو أيوب الأنصاري.
وجرير. وجندب الأنصاري، وطلحة وغيرهم، وسجل هذا الحديث في كتبهم العديد من الأئمة والحفاظ منهم: أحمد بن حنبل والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم والضياء وابن أبي شيبة. وابن جرير. وابن عساكر وأبو نعيم وسموية والخطيب والبزار وأبو يعلى والطبراني وابن رهوية. وابن أبي عاصم والمحاملي وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد في سبع صفحات.
وذكر الفخر الرازي عند تفسيره الآية (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك)، قال: نزلت هذه الآية في فضل علي بن أبي طالب. فلما نزلت أخذ النبي بيده وقال: " من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعادي من عاداه "، فلقيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: " هنيئا لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة "، وهو قول ابن عباس والبراء بن عازب ومحمد بن علي (3). وروى الواحدي في كتابه أسباب النزول عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية: (يا أيها الرسول بلغ...)، يوم غدير خم في
____________
(1) نظم المتناثر من الحديث المتواتر / الكناني ص 194.
(2) كتاب السنة / ابن أبي عاصم تحقيق نصر الدين الألباني 566 / 2.
(3) الفخر الرازي ص 48، 49 / 12.
وغدير خم يقع على الطريق بين مكة والمدينة. وهو على بعد ثلاثة أميال من الجحفة. وهناك حكمة بالغة في اختيار هذا الموقع لإقامة الحجة على قريش ومن حولهم. فالمنطقة صحراوية إلا من بعض الشجر. وقيل، كان هناك غيطة الغدير مضاف إليها، فالمكان معد لاستقبال من أراد الراحة من عناء سفر طويل.
واختيار هذا المكان لإبلاغ الحكم النازل. كي يكون المكان فريدا لإعلان حكم فريد. بمعنى. لو أعلن الحكم في حجة الوداع مثلا. وسئل الناس بعد ربع قرن على سبيل المثال. ماذا قال الرسول في حجة الوداع: سيقولون. قال كذا عند الحلق والتقصير وذبح الهدي ورمي الجمار وأوصى بكذا وكذا، وأما إذا كان المكان قد خصص لحكم واحد كغدير خم. فلو قيل: ماذا قال الرسول في الغدير؟ فلن تكون هناك إلا إجابة واحدة على سؤال محدد. وهذا ما فعله علي بن أبي طالب أيام خلافته فكان لا يقول إلا " نشدت الله رجلا سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم ما قال لما قام.. " (1)، فإفراد المكان بحكم. لهدف ومن وراء الهدف حكمة. وأما حديث الغدير فإننا نسوق منه ما رواه الإمام مسلم عن زيد بن أرقم رضي الله عنه. قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة. فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر. ثم قال: أما بعد ألا أيها الناس. فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله. فيه الهدى والنور.
فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به. فحث على كتاب الله ورغب فيه. ثم قال:
وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي (2).
هذه رواية مسلم وفيها الخطوط العريضة. ومنها نعلم أن النبي يودع ويخبر
____________
(1) رواه أحمد وقال الهيثمي رجاله ثقات (مجمع الزوائد 104 / 9).
(2) رواه مسلم ب فضائل علي (الصحيح 179 / 15) وأحمد (الفتح الرباني 185 / 1) وابن أبي عاصم (كتاب السنة 644 / 2).
وإني لأظن إني موشك، وإن أدعى فأجيب. وإني مسؤول، وإنكم مسؤولون.
فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك بغلت ونصحت فجزاك الله خيرا. قال:
ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأن جنته حق وناره حق وإن الموت حق وإن الساعة آتية لا ريب فيها. وإن الله يبعث من في القبور.
قالوا: نشهد بذلك وقال: اللهم فاشهد. ثم قال: أيها الناس إن الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين. وأنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم. فمن كنت مولاه فعلي مولاه.
اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. أيها الناس. إني فرطكم وأنتم واردون علي الحوض. حوض عرضه ما بين بصرى وصنعاء. فيه عدد النجوم قدحان من فضة. وإني سائلكم حين تردون علي عن الثقلين. فانظروا كيف تخلفوني فيهما.
____________
(1) قال ابن كثير رواه النسائي وقال الذهبي وهذا حديث صحيح (البداية والنهاية 209 / 5) ورواه الحاكم وقال حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله (المستدرك 109 / 3) ورواه الطبراني عن ابن عمر وابن أبي شيبة عن أبي هريرة وأحمد والطبراني وسعيد بن منصور عن أبي أيوب. والحاكم عن علي وأبو نعيم عن سعد (كنز العمال 610 / 11)، وقال ابن كثير رواه أحمد وهذا إسناده جيد رجاله ثقات (البداية 212 / 5).
(2) رواه الطبراني (الزوائد 104 / 9) والخطيب في الإفراد عن علي (كنز 131 / 13) والبزار وابن جرير وقال الهيثمي رجال إسناده ثقات (كنز العمال 158 / 13).
ولقد وردت روايات تفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أخذ البيعة لعلي. كان يذكر كل من يدخل عليه خيمته أو من يراه في منطقة الغدير.
عن جابر بن عبد الله قال: كنا بالجحفة بغدير خم. وثم ناس كثير من جهينة ومزينة وخفار. فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من خباء أو فسطاط. فأشار بيده ثلاثا. فأخذ بيد علي. فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه (2) وعن البراء بن عازب أن عمر بن الخطاب لقي بن أبي طالب بعد ذلك فقال:
هنيئا لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة (3).
باختصار. شهد الغدير إعلان الحكم. وسمعته قريش ومن ناصرهم.
وانفرد المكان بهذا الحكم لتكون الحجة دامغة، وشاء الله أن تتفق الأمة على صحة هذا الحديث. وإذا كانت مقدمة الطريق مكة. حيث كانت حجة الوداع.
فإن مقدمة الطريق شاهد من فيها وسمع البلاغ الذي يستقيم مع المساحة الواسعة. وشاء الله أن يشهد غدير خم ما أعلنه الرسول في مكة أمام هذه المساحة مضافا إليه ما أعلنه أمام قريش، أوائل الناس في الخير والشر كما ورد في الحديث. قال ابن كثير: قال الذهبي: وجدت نسخة مكتوبة عن ابن جرير
____________
(1) رواه ابن جرير الطبري (كنز العمال 290 / 5) والطبراني (كنز العمال 189 / 1) وابن أبي عاصم عن علي باختصار (كتاب السنة 605 / 2) وقال في كنز العمال رواه ابن راهويه وابن جرير وابن أبي عاصم والمحاملي في أماليه عن علي وإسناده صحيح (كنز العمال 140 / 13) ورواه ابن عساكر (البداية والنهاية 249 / 5).
(2) رواه البزار (كنز 137 / 13) وقال ابن كثير قال الذهبي إسناده حسن (البداية والنهاية 213 / 5).
(3) رواه ابن أبي شيبة (كنز العمال 134 / 13) ورواه أبو يعلى (البداية والنهاية 210 / 5)، وقال ابن كثير رواه ابن ماجة عن البراء وقد روى هذا الحديث عن سعد وطلحة وجابر وأبي سعيد الخدري وجرير وعمر وأبي هريرة (البداية 350 / 5).
قالوا: صدقت. فرفع يد علي فقال: هذا وليي والمؤدي عني. وإن الله مولى من والاه ومعادي من عاداه (1)، لقد استقام البدء مع الختام. ففي حجة الوداع قال صلى الله عليه وسلم: " لا يؤدي عني إلا أنا أو علي " (2)، وفي غدير خم قال كما مر: " هذا وليي والمؤدي عني "، لقد استقبلت مساحة القيادة الاعلان التام للبدء والختام. ودارت الرحى.
ثالثا - الحجة على من لم يشهد الغدير:
لم يكن إعلان النبي في غدير خم في خطبة واحدة. وإنما بعد خطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم انتقل صلى الله عليه وسلم من قبيلة إلى قبيلة على امتداد الغدير وجاءوا إليه من هنا وهناك وهو في خيمته. وذكرهم وأخذ البيعة لعلي كما يستفاد من الأحاديث الواردة. وبعد وصول ركب النبي إلى المدينة بأيام. وصل أفراد سرية اليمن. التي بعثها النبي إلى هناك تحت قيادة علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد. وكان علي قد فارقهم لحضور حجة الوداع وعاد مع الرسول صلى الله عليه وسلم حتى شهد يوم الغدير.
ويوم أن بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا إلى اليمن. روى عن أبي رافع أنه قال: لما مضى علي قال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا أبا رافع الحقه ولا تدعه من خلفه. وليقف ولا يلتفت حتى أجيئه " فآتاه. فأوصاه بأشياء فقال: يا علي لأن يهدي الله على يديك رجلا خير لك مما طلعت عليه الشمس " (3). ولقد كان لهذا الدعاء أثرا بالغا فيما بعد. فلقد كان مع علي في هذه الرحلة من يبغضه أشد البغض. وعندما عادت القافلة وأراد بعضهم أن يشكو عليا لرسول الله. خرجوا من عند النبي وحب علي يجري في عروقهم مجرى
____________
(1) قال ابن كثير رواه ابن جرير وقال شيخنا الذهبي وهذا حديث حسن (البداة 213 / 5).
(2) تم تخرجه من قبل.
(3) رواه الطبراني (كنز العمال 107 / 13).
وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه بريدة قال: أبغضت عليا بغضا لم يبغضه أحد قط، وأحببت رجلا من قريش لم أحبه إلا على بغضه علي - هو خالد - (4)، فبعث هذا الرجل على خيل فصحبته ما أصحبه إلا على بغض عليا. فأصبنا سببا.
فكتب إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم. ابعث إلينا من يخمسه. فبعث عليا، فأخذ منه جارية. فكتب الرجل - خالد - إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم.
فقلت: ابعثني فبعثني مصدقا. فجعلت أقرأ الكتاب. وأقول: صدق. فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم يدي والكتاب. وقال: أتبغض عليا؟ قلت: نعم، قال: لا تبغضه وإن كنت تحبه فازدد له حبا، فوالذي نفسي بيده. لنصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة. قال فما كان من الناس أحد بعد قول النبي صلى الله عليه وسلم أحب إلي من علي.
____________
(1) قتل علي يوم بدر أخوه قيس بن الوليد ثلاثة من أبناء أعمامه.
(2) أي إذا كان قتال فالقيادة لعلي.
(3) رواه الترمذي وحسنه (الجامع 638 / 5) وابن أبي شيبة (كنز 134 / 13).
(4) صرح باسمه في رواية أخرى عند الإمام أحمد (الفتح الرباني 55 / 17)، وأيضا (كنز العمال 135 / 13).
بلى يا رسول الله. قال: من كنت مولاه فعلي مولاه (2) - وفي لفظ - من كنت وليه فعلي وليه (3)، وفي رواية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي. وإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي " (4).
وعن عمرو بن شاس الأسلمي قال: خرجت مع علي إلى اليمن. فجافاني في سفري ذلك. حتى وجدت في نفسي عليه. فلما قدمت أظهرت شكايته في المسجد. حتى بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم. فدخلت المسجد ذات غدوة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس من أصحابه. فلما رآني أبدى عينيه (أي: حدد إلي النظر) حتى إذا جلست قال: يا عمرو والله لقد آذيتني! قلت: أعوذ بالله أن أؤذيك يا رسول الله. قال: بلى من آذى عليا
____________
(1) رواه أحمد (الفتح 56 / 17) والبخاري في مختصرا (الصحيح 73 / 3) وأبو نعيم (كنز العمال 135 / 13) وقال في الفتح أقسم ابن بريدة أنه تلقى هذا الحديث من والده بريدة مباشرة. وهو يفيد أن والده تلقاه من النبي مباشرة بغير واسطة يشير بذلك إلى علو السنن (الفتح 214 / 22).
(2) رواه أحمد وقال في الفتح قال الهيثمي رجال أحمد ثقات. وقال في موضع آخر رجاله رجال الصحيح (الفتح الرباني 213 / 21) ورواه ابن حبان وسموية والحاكم (كنز العمال 609 / 11).
(3) رواه أحمد وقال في الفتح رواه أحمد والنسائي والحاكم وقال الهيثمي في موضع رجاله موثقون وفي موضع رجاله ثقات، وفي آخر رجاله رجال الصحيح (الفتح الرباني 213 / 21)، ورواه ابن أبي شيبة وابن جرير وأبو نعيم (كنز 134 / 13)، ورواه الحاكم وقال حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه (المستدرك 11 / 3).
(4) رواه أحمد وأورده الهيثمي وقال رواه الترمذي باختصار ورواه أحمد والبزتر باختصار وفيه الأجلح الكندي وثقه ابن معين وبقية رجاله أحمد رجال الصحيح. وقال في الفتح أقسم ابن بريدة أنه تلقى هذا الحديث من والده (الفتح الرباني 214 / 21).
وروى الحافظ البيهقي: أن سعد بن مالك كان فيمن خرج مع علي إلى اليمن وأصابه من علي بن أبي طالب بعض الغلظة والتضييق. وذلك منعهم من استخدام إبل الصدقة. فاستخدموها فذمهم ولامهم. يقول سعد: فلما جاء - علي - عرف في إبل الصدقة أنها ركبت. فذم الذي أمره ولامه فقلت: أما إن لله علي أن قدمت المدينة وغدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأذكرن لرسول الله ولأخبرنه ما لقينا من الغلظة والتضييق. فلما قدمنا المدينة. لقيت أبا بكر خارجا من عند رسول الله. فلما رآني وقف معي. ورحب بي وساءلني وساءلته. وقال: متى قدمت؟ قلت: قدمت البارحة. فرجع معي إلى رسول الله!!
وقال أبو بكر: هذا سعد بن مالك بن الشهيد. فقال النبي: ائذن له. فدخلت.
فحييت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياني. وسلمت عليه وسألني عن نفسي وأهلي. فأخفى المسألة. فقلت: يا رسول الله. لقينا من علي بن أبي طالب ما لقينا منه! حتى إذا كنت وسط كلامي. ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي وكنت منه قريبا. وقال: سعد بن مالك بن الشهيد!! مه بغض قومك لأخيك علي. فوالله لقد علمت أنه جيش في سبيل الله. قال سعد: فقلت في نفسي: ثكلتك أمك سعد بن مالك. ألا أراني كنت فيما يكره منذ اليوم. وما أدري لا جرم. والله لا أذكره بسوء أبدا سرا ولا علانية (2).
وعن عمران بن حصين. قال: بعث رسول الله سرية وأمر عليها علي بن أبي طالب. فأحدث شيئا في سفره فتعاقد أربعة من أصحاب محمد أن يذكروا أمره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال عمران: وكنا إذا قدمنا من
____________
(1) رواه أحمد (الفتح 120 / 23) وقال الهيثمي رواه أحمد والطبراني باختصار والبزار أحضر منه ورجال أحمد ثقات ورواه ابن حبان في صحيحه (الزوائد 129 / 9)، ورواه الحاكم وقال حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (المستدرك 122 / 3)، ورواه ابن أبي شيبة وابن سعد والبخاري في تاريخه والطبراني (كنز العمال 142 / 13) وقال ابن كثير رواه غير واحد. (البداية والنهاية 347 / 7).
(2) رواه البيهقي (البداية والنهاية) 346 / 7.
يا رسول الله إن عليا فعل كذا وكذا. فأعرض عنه. ثم قام الثاني فقال: يا رسول الله إن عليا فعل كذا وكذا. فأعرض عنه. ثم قام الثالث فقال: يا رسول الله إن عليا فعل كذا وكذا. فأعرض عنه. ثم قام الرابع فقال: يا رسول الله إن عليا فعل كذا وكذا قال: فأقبل رسول الله على الرابع وقد تغير وجهه. وقال:
دعوا عليا - دعوا عليا - دعوا عليا. إن عليا مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي " (1).
وهكذا أقيمت الحجة على سرية اليمن. التي قال النبي فيها لعلي عند بداية رحلته " يا علي لأن يهدي الله على يديك رجلا خير لك مما طلعت عليه الشمس " ولقد صدق رسول الله وانتقل رجال من دائرة البغض إلى دائرة الحب. وظل النبي يحيط قيادة علي بن أبي طالب بالرعاية وتسليط الضوء عليها ليقيم الحجة الدامغة. ولم تكن الحجج من نصيب سرية اليمن وحدها بعد غدير خم وإنما شملت آخرين فعن سعد بن أبي وقاص قال: كنت جالسا في المسجد أنا ورجلين معي. فنلنا من علي بن أبي طالب. فأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله غضبان. يعرف في وجهه الغضب. فتعوذت بالله من غضبه. فقال: ما لكم وما لي!! من آذى عليا فقد آذاني (2)، وعن أبي سعيد الخدري قال: اشتكى عليا الناس. فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فينا خطيبا فسمعته يقول: أيها الناس لا تشكوا عليا!! فوالله إنه لأخشن في ذات الله. أو في سبيل الله (3).
وعن وهب ابن حمزة قال: سافرت مع علي بن أبي طالب من المدينة إلى مكة. فرأيت منه جفوة. فقلت: لئن رجعت فلقيت رسول الله صلى الله عليه
____________
(1) رواه الترمذي وحسنه، والنسائي وأبو يعلى (البداية 345 / 7).
(2) قال الهيثمي رواه أبو يعلى والبزار باختصار، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح غير محمود بن خداش وقنان وهما ثقتان (الزوائد 129 / 9)، وذكره ابن كثير وقال رواه أبو يعلى (البداية 347 / 7).
(3) رواه أحمد (الفتح 20 / 23) والحاكم وأقره الذهبي (المستدرك 134 / 3) وأبو نعيم في الحلية (كنز 620 / 11) وقال ابن كثير تفرد به أحمد (البداية 346 / 5).
ولكي يكتمل تصور (هو وليكم بعدي) ويرسخ في الأذهان. تلى رسول الله صلى الله عليه وسلم آية من سورة المائدة آخر سور القرآن نزولا. وكانت الآية في علي بن أبي طالب. قال تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون * ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) (2).
قال المفسرون: اشتمل قوله تعالى من السياق. على ما يدل على وحدة ما في معنى الولاية المذكورة فيه. حيث تضمن العد في قوله: (الله ورسوله والذين آمنوا)، وأسند الجميع إلى قوله " وليكم " وظاهره كون الولاية في الجميع بمعنى واحد. ويؤيد ذلك أيضا قوله في الآية التالية: (فإن حزب الله هم الغالبون)، حيث يشعر أو يدل على كون المتولين جميعا حزبا لله. لكونهم تحت ولايته.
فولاية الرسول والذين آمنوا. إنما هي من سنخ ولاية الله.. ولو كانت الولاية المنسوبة إلى الله في الآية. غير المنسوبة إلى الذين آمنوا. كان الأنسب أن تفرد ولاية أخرى للمؤمنين بالذكر. رفعا للالتباس. كما وقع في نظيرها قال تعالى:
(.. قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين) (3)، فكرر لفظ الإيمان. لما كان في كل من الموضعين. لمعنى غير الآخر.
على أن لفظ (وليكم) أتى به مفردا وقد نسب إلى الذين آمنوا وهو جمع.
وقد وجهه المفسرون بكونه الولاية. ذات معنى واحد، هو لله سبحانه على الإصابة ولغيره بالتبع... والروايات تدل على أن الآيتين نازلتان في علي بن أبي طالب. فقوله تعالى: (والذين آمنوا)، إطلاق للجمع وإرادة للواحد. وقد كثر
____________
(1) رواه أبو يعلى (البداية 346 / 7).
(2) سورة المائدة: الآية 56.
(3) سورة التوبة: الآية 61.
أما الحديث الذي يشهد بأن الآية نزلت في علي بن أبي طالب. فقد اتفق على نقله من غير رد أئمة التفسير بالمأثور. واتفق عليه أحمد والنسائي والطبراني والطبري وعبد بن حميد وغيرهم من الحفاظ وأئمة الحديث. فعن ابن عباس قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يصلون بين راكع وساجد وقائم وقاعد. وإذا مسكين يسأل. فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال: أعطاك أحد شيئا؟ قال: نعم، قال: من؟ قال: ذلك الرجل القائم، قال:
____________
(1) سورة البقرة: الآية 219.
(2) سورة آل عمران: الآية 181، والقائل يهودي اسمه قخاص (تفسير ابن كثير 434 / 1).
(3) سورة المجادلة: الآية 2 و 3، والذي ظاهر هو أوس وكان تحته ابنة عم يقال لها خولة (تفسير ابن كثير 320 / 4).
(4) سورة الممتحنة: الآية 1، نزلت في حاطب بن أبي بلتعة (تفسير ابن كثير 345 / 4).
(5) سورة المنافقون: الآية 8، والقائل عبد الله بن سلول (تفسير ابن كثير 371 / 4).
(6) سورة البقرة: الآية 274، نزلت في علي بن أبي طالب (تفسير ابن كثير 326 / 1).
(7) سورة المائدة: الآية 52، نزلت في عبد الله بن أبي (تفسير ابن كثير 68 / 2).
فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (ومن يتولى الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) (1).
وقال ابن كثير، قال ابن جرير. الآية نزلت في علي بن طالب تصدق وهو راكع (2)، وروى الطبراني: بطريق إلى عيسى بن عبد الله بن عبيد الله بن عمر بن علي بن أبي طالب قال: حدثني أبي عن أبيه عن جده عن علي قال: " نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا...) الآية، فخرج رسول الله فدخل المسجد والناس يصلون بين راكع وقائم وإذا سائل. فقال: يا سائل هل أعطاك أحد شيئا. فقال: لا إلا ها ذاك الراكع - لعلي - أعطاني خاتمه (3).
إنها المنقبة التي جمعت أحداث الغدير. منقبة تفرد بها علي فتصدق وهو راكع. ليستقيم هذا التفرد. مع تفرد الغدير بحديث واحد وحدث واحد. فإذا قيل: ماذا قال النبي في الغدير؟ تردد صدى الإجابة مع إجابة سؤال: من الذي تصدق وهو راكع؟ إنه موقف التفرد وسط مواقف كثيرة، فلقد روى عن ابن عباس قال: " نزلت على ثلاثمائة آية " (4). وعنه. قال: " كان لعلي ثماني عشر منقبة ما كانت لأحد من هذه الأمة " (5)، وإذا لا خلاف على أن منقبة علي بن أبي طالب في هذه الآية واحدة من هذه المناقب التي لم يتمتع بها غيره.
إن ظلال ولاية الله ورسوله والذين آمنوا، يلتقي مع ظلال وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم. وتحت هذا الظلال ينتهي الطريق إلى سعادة الدنيا والآخرة. ولقد قامت الحجة في أول الطريق وشاع حديث الكساء
____________
(1) رواه ابن مردويه (تفسير ابن كثير 71 / 2).
(2) تفسير ابن كثير 71 / 2.
(3) رواه الطبراني (البداية والنهاية 358 / 5).
(4) تاريخ الخلفاء / السيوطي ص 161.
(5) تاريخ الخلفاء ص 161.
خامسا - النور بين التحذير والتبشير
في بداية الطريق غرس الله تعالى في الإنسان ما يهديه سلوك الصراط المستقيم. وبعث سبحانه الأنبياء والرسل كي يسوقوا الناس نحو ربهم بعيدا على الأشواك وخيام الشذوذ التي أقامها الشيطان وأولياؤه. فالدين الذي يأتي به رسل الله عليهم السلام هو الطريقة الوحيدة التي تؤمن صلاح الدنيا بما يوافق الكمال الأخروي والحياة الدائمة الحقيقية. ومن رفض الدين فقد أعرض عن الذكر والعبادة التي من أجلها خلق الله الإنسان. وعلى هذا يدخل بأقدامه في دائرة الضنك حيث ضيق المعيشة في الدنيا ثم في دائرة العمى يوم القيامة. والله تعالى لا يظلم الناس. والعذاب الذي يرونه في الدنيا وسيرونه في الآخرة هو نتيجة طبيعية لأعمالهم.. ومنذ فجر التاريخ تأتي الأمم وتجرى عليها سنة الابتلاء والامتحان. تلك السنة الإلهية التي لا يستثنى منها المؤمن والكافر والمحسن والمسئ. وتحت هذه السنة يمتحن الله تعالى البشر. بكل جزء من أجزاء العالم وكل حالة من حالاته التي لها صلة بالإنسان ليعلم سبحانه كيف وإلى أين سيوجه الإنسان إرادته واختياره. ومن هو المحسن ومن هو المسئ، ومن الصابر ومن القانط إلى غير ذلك، وما من امتحان يفتح إلا وفيه حجة من الله ترشد إلى طريق الحق لأن الله تعالى أوجب على نفسه فتح الطريق لعباده وهدايتهم إليه.
وبني إسرائيل أمة من الأمم التي اختبرها الله تعالى وفي البداية قال لهم
موسى عليه السلام كما أخبر تعالى: (قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم