الصفحة 27
سيفا من خشب، فهذا سيفي فإن شئت خرجت به معك، فقال الإمام: لا حاجة لنا فيك ولا في سيفك. ورجع من باب الحجرة ولم يدخل " (1).

لقد رجع الإمام دون أن يوجه أي اتهام إلى أن أحد. فكما ذكرنا أن المقام مقام حجة، والاختيار مفتوح. وهو يأخذ بالأسباب ويكدح من أجل نهاية سيقتل عندها. والله يفعل ما يريد. ليبتلي الحاضرين وينظر كيف يعملون ويبتلي الذين من بعدهم في مواقفهم من هذه الأحداث. والإمام قبل اتخاذه قرار الحرب في جميع معاركه. كان يشاور ثم يضع الجميع أمام قراره وفي قراره لا تجد إلا مصلحة الدعوة فعن طارق بن شهاب قال: رأيت عليا عليه رحل رث بالربذة وهو يقول للحسن والحسين: ما لكما تحنان حنين الجارية. والله لقد ضربت هذا الأمر ظهرا لبطن. فما وجدت بدا من قتال القوم أو الكفر بما أنزل على محمد " (2)، إن الإمام إذا رفض القتال فلا معنى لعهد النبي له بقتال الناكثين والفاسقين والمارقين. لذا فهو يخوض الصعب. ولا يخوض الصعب أحد سواه.

وعلى طريق الصعب كان يخفف عن اتباعه فيخبرهم قبل كل معركة خاضها بنتيجتها وأهم معالمها. قال ذلك يوم الجمل وأيام صفين وفي قتال الخوارج.

وروي عن ابن عباس قال: لما بلغ أصحاب علي حين ساروا إلى البصرة. أن أهل البصرة وليقتلن طلحة والزبير. وليخرجن إليكم من الكوفة ستة آلاف وخمسمائة رجلا... " (3)، ولقد تحدثنا من قبل أن ابن عباس وجد أن العدد كما ذكر الإمام وذلك لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره.

والخلاصة: أن مجمل الصعوبات التي واجهت الإمام كانت نتيجة لعدم الرواية بعد رسول الله. فهناك أحاديث تحذير فيها أسماء رؤوس الفتن كل ذلك على امتداد ربع قرن كان قد ضاع من ذاكرة البعض أو تناسوه كما في حديث حذيفة.

ومن الأسباب أيضا تعدد مصادر الفتوى ومنها من لا يصل بالإنسان إلى حقيقة.

____________

(1) رواه أحمد والترمذي وحسنه وابن ماجة ونعيم ابن حماد وأورده ابن حجر في الإصابة وابن كثير في البداية (الفتح الرباني 138 / 23)، (جامع الترمذي 490 / 4).

(2) رواه الحاكم (المستدرك 115 / 3)، (كنز العمال 349 / 11).

(3) رواه الطبراني، وابن كثير في البداية (البداية 212 / 6).

الصفحة 28

4 - الحرب:

فشلت جميع محاولات أمير المؤمنين لتجنب القتال وأبى الناكثون إلا المواجهة. وكان الأحنف بن قيس عندما سمع ومن معه فتوى أبي بكرة قد اعتزل القتال. وأعلن هذا أمام معسكر أمير المؤمنين. وعلى الرغم من هذا إلا أن وجد أن الأحنف كان مع علي. فأرسل إليه. إن شئت أتيتك وإن شئت كففت عنك عشرة آلاف سيف. وكان علي قد علم أن الأحنف قد أعلن الاعتزال أمام المعسكر الآخر. وفي هذا الوقت العصيب لم يقل له الإمام: تعال إلي وأعني.

وإنما قال له: كيف بما أعطيت أصحابك من الاعتزال، فقال الأحنف: إن من الوفاء الله عز وجل قتالهم.

لقد كان للفتوى أثر سئ. لأنه قد ترتب عليها عهود، والإمام يحترم عهود الناس حتى في أحلك الأوقات. ولذا قال له: كف من قدرت على كفه " (1)، وفي ميدان القتال وقف الإمام علي في مواجهة الناكثين على أول طريق البغي الطويل. كان الإمام يركب بغلة النبي صلى الله عليه وسلم (2).

وروى البلاذري أنها بقيت إلى زمن معاوية (3). وكان محمد بن الحنفية يرفع راية رسول الله السوداء وتعرف بالعقاب. وروي أن أم المؤمنين عائشة كانت على جمل يدعى عسكر اشتراه لها يعلى بن أمية. وكان الجمل لواء القوم (4) وألبسوا هودج أم المؤمنين الأدرع (5) ووضعوا عليه جلود البقر (6)، وفي لحظات السكون قبل بدء المعركة خرج طلحة والزبير. فخرج إليها الإمام علي،

____________

(1) الكامل 122 / 3، الطبري 199 / 5.

(2) البداية والنهاية 242 / 7، مروج الذهب 390 / 2.

(3) أنساب الأشراف 511 / 1.

(4) ابن أبي الحديد 416 / 2.

(5) الطبري 203 / 5.

(6) مروج الذهب 400 / 2.

الصفحة 29
حتى اختلفت أعناق دوابهم فقال الإمام: لعمري قد أعددتما سلاحا وخيلا ورجالا. فهلا أعددتما عذرا يوم القيامة فاتقيا الله. ولا تكونا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا. ألم أكن حاكما في دمكما. تحرمان دمي وأحرم دمكما فهل من حدث أحل لكم ذمي؟ قال طلحة: ألبت الناس على عثمان. فقال الإمام:

يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق. يا طلحة، تطلب بدم عثمان! فلعن الله قاتل عثمان! يا طلحة أجئت بعرس رسول الله تقاتل بها وخبأت عرسك في البيت، أما بايعتني؟ قال: بايعتك والسيف على عنقي!! ثم قال الإمام: يا زبير ما أخرجك؟

قال: أنت! ولا أراك لهذا الأمر أهلا ولا أولى به مني!!؟ فقال الإمام: ألست له أهلا بعد عثمان. قد كنا نعدك من بني عبد المطلب حتى بلغ ابنك ابن السوء ففرق بيننا " (1).

لقد كان الزبير أكثر صراحة. فعندما سأله الإمام عن سبب الخروج. حدثه عن الحكم والكرسي. وبعد هذا الحديث عادت الخيول إلى مواقعها. ثم وقف الإمام علي بين الصفين ودعا الزبير وقال: أنت آمن. تعالى حتى أعلمك. فأتاه.

فقال له الإمام: أنشدك الله؟ أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

إنك تقاتل عليا وأنت له ظالم؟ قال: نعم ولم أذكر ذاك إلا في مقامي هذا. ثم انصرف (2). وفي رواية: لتقاتلنه وأنت له ظالم ثم لينصرن عليك. قال: قد سمعت لا جرم. لا أقاتلك (3) وعندما انصرف قال له ابنه: ما لك؟ فقال: ذكرني علي حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. يقول: لتقاتلنه وأنت له ظالم. فقال عبد الله ابنه: وللقتال جئت! إنما جئت تصلح بين الناس.

ويصلح الله هذا الأمر. قال: لقد حلفت أن لا أقاتله فقال: فاعتق غلامك وقف.

____________

(1) الكامل 122 / 3، البداية والنهاية 241، 263 / 7.

(2) رواه أبو يعلى والبيهقي وابن عساكر (كنز العمال 340 / 11) والبداية والنهاية 241 / 7، أسد الغابة 252 / 2، الكامل 122 / 3، مروج الذهب 401 / 2، الطبري 200 / 5، ابن أبي الحديد 207 / 3.

(3) فتح الباري 55 / 13.

الصفحة 30
فأعتق غلامه ووقف (1) وفي بداية القتال انطلق الزبير بفرسه وخرج من أرض المعركة. فنزل بوادي السباع وقام يصلي فأتاه ابن جرموز فقتله (2).

وبعد أن أقام الإمام الحجة على طلحة والزبير مرة وعلى الزبير وحده مرة.

بعث إلى طلحة. أن القني. فلقيه فقال: أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه. اللهم وال من ولاه وعاد من عاداه. قال: نعم، فقال: فلم تقاتلني!! (3) وانطلق طلحة للقتال ولم يفعل ما فعل الزبير. ولم يبق غير أم المؤمنين لم تسمع من أمير المؤمنين كما سمع طلحة والزبير. وشاء الله أن تخاطب أم المؤمنين علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر قبل المعركة، روي أن عمارا دنا من موضع أم المؤمنين وقال: ماذا تدعين؟ قالت:

الطلب بدم عثمان. فقال: قاتل الله في هذا اليوم الباغي والطالب بغير الحق. ثم قال: أيها الناس إنكم لتعلمون أينا الممالئ في قتل عثمان (4). وما أن انتهى عمار حتى جاء في اتجاه أم المؤمنين فوارس أربعة. فهتفت: فيهم رجل عرفته.

ابن أبي طالب ورب الكعبة. سلوه ما يريد فقال لها أمير المؤمنين: أنشدك بالله الذي أنزل الكتاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتك. أتعلمين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلني وصيا على أهله وفي أهله، قالت:

اللهم نعم. قال: فما لك؟ قالت: أطلب بدم أمير المؤمنين عثمان قال: أريني قتلة عثمان، ثم انصرف (5).

مما سبق علمنا أن عمارا ذكر أم المؤمنين بقتال البغاة وذلك في قوله:

" قاتل الله في هذا اليوم الباغي " أما أمير المؤمنين لقد تحدث على في أمر لا نعلم باطنه. لقد كشف أنه وصي على أهل النبي صلى الله عليه وسلم وفيهم.

____________

(1) الكامل 122 / 3، البيهقي وابن عساكر (كنز العمال 330 / 11).

(2) أسد الغابة 252 / 52، الطبري 219 / 5.

(3) رواه الحاكم (المستدرك 371 / 3)، وابن عساكر (كنز العمال 333 / 11) مروج الذهب 403 / 2، الطبري 304 / 5.

(4) مروج الذهب 371 / 2.

(5) رواه الطبراني (كنز العمال 238 / 7)، (الزوائد 238 / 7).

الصفحة 31
ومن المعروف أن لقب أمهات المؤمنين لا ينزع عنهن بوفاة الرسول، وإنما هو لقب ملاصق لهن حتى قيام الساعة. ولحاملة اللقب حقوق وواجبات حددها الشرع الحكيم. وهذا الامتداد لا بد له من عين تحرسه. ولقد ورد أنه لا يؤدي عن النبي في حياته إلا علي وبما أن اسم النبي تحمله أمهات المؤمنين ولا ينزع بوفاة النبي فإن الذي يسهر على مصلحة أمهات المؤمنين حتى لا يطمع الذي في قلبه مرض أو أصحاب المخططات، لا يكون غير رأس الدولة. وهذا على أي حال تفسير لقول الإمام بأن النبي جعله وصيا على أهله وفي أهله. فالسؤال طرح أثناء معركة. وعندما وافقت أم المؤمنين على قول أمير المؤمنين قال: فما لك؟

والله أعلم بمراده. ولقد روى أن أم المؤمنين صفية قالت للنبي لما حضر: فإن حدث حدث فإلي من؟ قال: إلى علي بن أبي طالب " (1)، وبعد أن بين الإمام وصايته. سألها عن قتلة عثمان فقال: أريني قتلة عثمان. فإذا كانت قد جاءت بالقوات من أجل هذا. فعليها إن كانت تعرفهم أن تدل الإمام عليهم كي تجري محاكمتهم وتحقن دماء المقاتلين، وإن كانت لا تعرفهم فما فائدة الحشد - فلقد كان من الواجب أن تعطي للإمام فرصة ليجمع أطراف القضية. وبعد أن قال الإمام هذا انصرف.

وصدر أمر القتال. قال الإمام: عباد الله، اتقوا الله، وغضوا الأبصار.

واخفضوا الأصوات، وأقلوا الكلام، ووطئوا أنفسكم على المنازلة والمجادلة والمبارزة والمناضلة والمبادلة والمعانقة والمكادمة والملازمة فاثبتوا. واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون. ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم. واصبروا إن الله مع الصابرين. اللهم ألهمهم الصبر وأنزل عليهم النصر وأعظم لهم الأجر (2)، ثم نادي مناديه: لا يتبع مدبر. ولا يذفف على جريح، ولا يقتل أسير ومن أغلق بابه فهو آمن ومن ألقى سلاحه فهو آمن (3)، ثم نادي المنادي: لا تبدأوا القوم

____________

(1) رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح (الزوائد 112 / 9).

(2) الطبري 6 / 6.

(3) رواه ابن أبي شيبة والبيهقي (كنز العمال 335 / 11).

الصفحة 32
بالقتال وكلموهم بألطف الكلام. فإن هذا مقام من فلج فيه فلج يوم القيامة.

فنادي معسكر عائشة: يا ثأرات عثمان. فقال الإمام: ما يقولون؟ فقال محمد بن الحنفية: يقولون يا ثأرات عثمان فرفع الإمام يديه وقال: اللهم كب اليوم قتلة عثمان لوجوههم (1) اللهم خذ أيديهم وأقدامهم (2)، ثم قال الإمام لأصحابه:

أيكم يعرض عليهم هذا المصحف. فإن قطع يده أخذه بيده الأخرى. فقال له فتى شاب: أنا، قال: اعرض عليهم هذا، وقل هو بيننا وبينكم من أوله إلى آخره. والله الله في دمائنا ودمائكم. فلما جاءهم الفتى حملوا عليه حتى قتل.

فقال الإمام: قد طاب لكم الضراب فقاتلوهم (3).

وما إن بدأت المعركة حتى لاحت هزيمة أصحاب الجمل، يقول ابن كثير.

تقدم علي بالراية. وقتل خلق كثير وجم غفير ولم تر واقعة أكثر من قطع الأيدي والأرجل فيها من هذه الواقعة (4). وقال عبد الله الكاهلي: لما كان يوم الجمل ترامينا بالنبل حتى فنيت وتطاعنا الرماح حتى تكسرت. وتشبكت صدورنا وصدورهم حتى لو سيرت الخيل عليها لسارت. وعلم أهل المدينة بالواقعة يوم الحرب قبل أن تغرب الشمس من نسر مر بماء حول المدينة ومعه شئ معلق فسقط معه. فإذا أكف فيه خاتم نقشه عبد الرحمن بن عتاب وعلم من بين مكة والمدينة والبصرة بالوقعة بما نقل إليهم النسور من الأيدي والأقدام (5)، وكان هدف قوات أم المؤمنين الحفاظ على الجمل. فكان لا يأخذ بالراية ولا بخطام الجمل إلا شجاع معروف (6)، ومن حرص الرجال على الجمل وحبهم له. روي أن رجالا من الأزد كانوا يأخذون بعر الجمل فيفتتونه ويشمونه ويقولون بعر جمل

____________

(1) رواه البيهقي (كنز العمال 338 / 11).

(2) البداية والنهاية 7 / 8.

(3) الطبري 304، 305 / 5، مروج الذهب 399 / 2، ابن أبي الحديد 208 / 3، كنز العمال 338 / 11، الكامل 133 / 3.

(4) البداية 243 / 7.

(5) الكامل 133 / 3، البداية 247 / 7، الطبري 218 / 5.

(6) البداية 244 / 7.

الصفحة 33
أما ريحه مسك (1). وكان معسكر علي يقولون: لا تزال الحرب قائمة ما دام هذا الجمل واقفا. وذلك لأن معسكر عائشة يدافعون عنه ويعملون على رفع رأسه وكلما قتل منهم أحد سارع الآخر ليمسك بزمام الجمل. وعندما فنى بنو ضبة. أخذ الخطام سبعون رجلا من قريش. وكل واحد يقتل بعد صاحبه. وكان محمد بن طلحة منهم قال لعائشة: مريني بأمرك يا أمه، فقالت: أمرك أن تكون كخير ابني آدم. فثبت في مكانه يقول: حم لا ينصرون. فتقدم إليه نفر فحملوا عليه فقتلوه (2).

وأمر الإمام بقتل الجمل (3)، ولما سقط البعير على الأرض انهزم من حوله من الناس. وحمل هودج عائشة، وإنه كالقنفذ من السهام. ونادي منادي علي في الناس: أنه لا يتبع مدبر ولا يذفف على جريح (4)، وبعد أن هدأ غبار المعركة.

ظهر على أرض القتال عشرة آلاف قتيل (5). أما الجرحى فلا يحصون (6).

وكان من بين القتلى طلحة بن عبيد الله. قتله مروان بن الحكم وكان معه في معسكر واحد وتحت قيادة واحدة. ولكن مروان كانت له مهمة تختلف عن مهمة طلحة. وهي قتل طلحة (7). ولم تعلم أم المؤمنين بقتل طلحة والزبير إلا عندما علمت بهزيمة قواتها. فلقد علمت رضي الله عنها بالأمور الثلاثة في وقت واحد. كما علمت في نفس الوقت بمقتل زيد بن صوحان الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سره أن ينظر إلى من يسبقه بعض أعضائه إلى

____________

(1) الطبري 263 / 5.

(2) البداية 244 / 7، الطبري 214 / 5.

(3) البداية 266 / 7، الطبري 210 / 5.

(4) البداية 245 / 7، الطبري 208 / 5.

(5) الكامل 131 / 3، البداية 247 / 7، الطبري 222 / 5، وقيل قتل فيها من أصحاب الجمل ثلاثة عشر ألفا ومن أصحاب علي خمسة آلاف (مروج الذهب 387 / 2).

(6) البداية 247 / 7.

(7) لا خلاف بين أهل العلم على أن مروان بن الحكم هو الذي قتل طلحة راجع (البداية والنهاية 278 / 8)، (أسد الغابة 88 / 3).

الصفحة 34
الجنة فلينظر إلى زيد بن صوحان " (1). روي أن عائشة قالت يوم الجمل لخالد بن الواشمة: أنشدك الله أصادقي أنت إن سألتك. قال: نعم، قالت: ما فعل طلحة؟ قال، قتل! فقالت: إنا لله وإنا إليه راجعون. ثم قالت: ما فعل الزبير؟ قال: قتل! قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون. فقال لها: بل نحن لله ونحن إليه راجعون. على زيد وأصحاب زيد قالت: زيد بن صوحان، فقال: نعم، قالت: خيرا، فقال لها: والله لا يجمع الله بينه وبينهما في الجنة أبدا. قالت: لا تقل ذاك فإن رحمته واسعة وهو على كل شئ قدير " (2).

وروي عن زيد من وجوه أنه قال: " شدوا علي ثيابي ولا تنزعوا عني ثوبا.

ولا تغسلوا عني دما. فإني رجل مخاصم - أو قال - فإنا قوم مخاصمون " (3).

وانتهت حرب الجمل وهرب رؤوس بني أمية الذين وقفوا بالأموال والعتاد وراء طلحة والزبير (4). وروي أن الإمام علي وقف عند عائشة فضرب الهودج بقضيب وقال: يا حميراء رسول الله أمرك بهذا. ألم يأمرك أن تقري في بيتك. والله ما أنصفك الذين أخرجوك إذا صانوا عقائلهم وأبرزوك. وأمر أخاها محمد فأنزلها في دار صفية بنت الحارث (5)، وروي أن عمارا قال لعائشة لما فرغوا من الجمل: " ما أبعد هذا المسير من العهد الذي عهد إليكم - يشير إلى قوله تعالى:

" وقرن في بيوتكن - فقالت: أبو اليقظان؟ قال: نعم، قالت، والله إنك ما علمت لقوال بالحق، قال: الحمد لله الذي قضى لي على لسانك " (6).

وروي عن أبي البحتري أنه قال: لما انهزم أهل الجمل قال علي: لا يطلبن عبد خارج المعسكر وما كان من دابة أو سلاح فهو لكم. وليس لكم أم ولد:

____________

(1) رواه أبو يعلى وابن مندة (الإصابة 582 / 1)، والبيهقي (214 / 6).

(2) رواه ابن منده والبيهقي (الإستيعاب 560 / 1).

(3) رواه البخاري ويعقوب بن سفيان في تاريخهما. وابن منده (الإصابة 583 / 1)، (الإستيعاب 560 / 1).

(4) الطبري 220 / 5.

(5) مروج الذهب 3176 / 2.

(6) الطبراني بسند صحيح (فتح الباري 58 / 13)، الكامل 133 / 3، الطبري 225 / 5.

الصفحة 35
والمواريث على فرائض الله. وأي امرأة قتل زوجها. فلتعتد أربعة أشهر وعشرا.

قالوا: يا أمير المؤمنين تحل لنا دماؤهم ولا تحل لنا نساؤهم. فقال: كذلك السيرة في أهل القبلة. فخاصموه. فقال: فهاتوا سهامكم واقرعوا على عائشة.

فهي رأس الأمر وقائدهم. قال: ففرقوا وقالوا: نستغفر الله فخصمهم أمير المؤمنين " (1).

وانتقلت أم المؤمنين إلى دار صفية زوجة عبد الله بن خلف الذي قتله الإمام يوم الجمل. وروي أن أمير المؤمنين أقبل إلى منزل عائشة. فإذا عائشة جالسة حولها نسوة من نساء أهل البصرة. وهي تبكي وهن يبكين معها. فنظرت صفية بنت الحارث فرأت عليا. فصاحت هي ومن كان معها هناك من النسوة وقلن: يا قاتل الأحبة. يا مفرق بين الجميع، أيتم الله بنيك كما أيتمت ولد عبد الله بن خلف. فنظر إليها علي فعرفها فقال: أما إني لا ألومك أن تبغضيني.

وقد قتلت جدك يوم بدر. وقتلت عمك يوم أحد. وقتلت زوجك الآن. ولو كنت قاتل الأحبة كما تقولين. لقتلت من في هذا البيت ومن في هذه الدار. ثم أقبل على عائشة فقال: ألا تنحين كلابك هؤلاء عني. أما إني قد هممت أن أفتح باب هذا البيت فأقتل من فيه. ولولا حبي للعافية. لأخرجتهم الساعة فضربت أعناقهم صبرا. فسكتت عائشة وسكتت النسوة فلم تنطق واحدة منهن (2). وروي أن الأبواب التي هدد علي بفتحها كان من ورائها أناس من الجرحى قد لجأوا إلى عائشة (3). وتغافل عنهم علي لأن مذهبه كان لا يقتل مدبرا ولا يذفف على جريح ولا يكشف سترا ولا يأخذ مالا (4).

وروي أن ابن عباس دخل على عائشة في دار صفية بغير إذنها. واجتذب

____________

(1) ابن أبي شيبة (كنز 336 / 11).

(2) فتوح ابن أعثم (339 / 2، الطبري 224 / 5، الكامل 131 / 3. واللغط لابن أعثم، مروج الذهب 2 / 408.

(3) الطبري 222 / 5، الكامل 131 / 3.

(4) الكامل 131 / 3.

الصفحة 36
وسادة فجلس عليها. فقالت: يا ابن عباس أخطأت السنة المأمور بها. ودخلت إلينا بغير إذننا. وجلست على رحلنا بغير أمرنا. فقال: لو كنت في البيت الذي خلفك فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ما دخلت إلا بإذنك. وما جلسنا على رحلك إلا بأمرك. وإن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يأمرك بسرعة الأوبة والتأهب للخروج إلى المدينة " (1)، وعندما كانت أم المؤمنين تستعد للذهاب إلى المدينة. كان قد سبقها بعض الذين يبحثون عن الحقيقة. روي عن ثابت مولى أبي ذر أنه قال: كنت مع علي يوم الجمل. فلما رأيت عائشة واقفة دخلني بعض ما يدخل الناس (2)، فكشف الله عني ذلك عند صلاة الظهر. فقاتلت مع أمير المؤمنين. فلما فرغ ذهبت إلى المدينة. فأتيت أم سلمة. فقلت: إني والله ما جئت أسأل طعاما ولا شرابا، ولكني مولى لأبي ذر. فقالت مرحبا، فقصصت عليها قصتي. فقالت: أين كنت حين طارت القلوب سطائرها. قلت: إلى حيث كشف الله عني عند زوال الشمس. قالت: أحسنت. سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: علي مع القرآن والقرآن مع علي. لن يتفرقا حتى يردا على الحوض " (3) وعن حري بن سمرة قال: لما كان من أهل البصرة ما كان بينهم وبين علي بن أبي طالب انطلقت حتى أتيت المدينة، فأتيت ميمونة بنت الحارث فقالت: ما جاء بك، قال: كان بين علي وطلحة الذي كان فأقبلت فبايعت عليا. قالت: فالحق به فوالله ما ضل ولا ضل - قالتها ثلاث مرات " (4).

كان هذا في المدينة أما في البصرة، فلقد روي أن الإمام عندما دخلها منتصرا خطب في الناس خطبة طويلة جاء فيها: " يا أهل السبخة (5) يا أهل المؤتفكة. أئتفكت بأهلك من الدهر ثلاثا. وعلى الله تمام الرابعة يا جند المرأة.

____________

(1) مروج الذهب 377 / 2.

(2) أي أنه استصعب قتالها.

(3) رواه الحاكم وصححه وأقره الذهبي (المستدرك 124 / 3).

(4) رواه الطبراني وقال الهيثمي رجاله ثقات (الزوائد 9 / 135)، والحاكم وصححه (المستدرك 141 / 3).

(5) موضع يعلوه الملوحة.

الصفحة 37
يا أتباع البهيمة. رغا فأجبتم، وعقر فانهزمتم، أخلاقكم رقاق. وأعمالكم نفاق.

ودينكم زيغ وشقاق، وماؤكم أجاج وزعاق " (1).

وقوله رضي الله عنه: " يا أهل السبخة " إشارة إلى حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " إن الناس يمصرون أمصارا وإن مصرا منها يقال لها البصرة.

فإن أنت مررت بها أو دخلتها فإياك وسباخها وكلاءها وسوقها وباب أمرائها وعليك بضواحيها. فإنه يكون بها خسف وقذف ورجف وقوم يبيتون فيصبحون قردة وخنازير " (2)، فلقد وصفها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بفساد العقول وكثرة الظلم الواقع بها، والبصرة كما ذكرنا من قبل أن يمصرها مصرها عمر بن الخطاب وسكنتها أجناس مختلفة كان لهم تأثير بالغ على ثقافتها. وأبرز معالم هذه الثقافة هي القردية والخنزيرة. أي تلجيم العقل كل تافه ورخيص والسير في طريق المادة لاتهام غذاء الدنس والعار.

وروي أن رجلا قال للإمام بعد الفراغ من يوم الجمل: يا أمير المؤمنين.

وددت أن أخي فلانا كان شاهدنا. ليري ما نصرك الله به على أعدائك. فقال الإمام: أهوى أخيك معنا؟ قال: نعم، فقال: فقد شهدنا. ولقد شهدنا في عسكرنا هذا، أقوام في أصلاب الرجال وأرحام النساء. سيرعف بهم الزمان ويقوى بهم الإيمان " (3)، وفي كلام الإمام إشارة إلى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " المرء مع من أحب " (4)، وقوله: " إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها. كمن غاب عنها. ومن غاب عنها فرضيها كان كمن

____________

(1) مروج الذهب 407 / 2.

(2) رواه أبو داود حديث رقم 4285، والطبراني (عون المعبود 420 / 11)، وقال السيوطي: هذا الحديث أورده ابن الجوزي في الموضوعات من غير الطريق الذي أخرجه منها المصنف، وغفل عن هذا الطريق. وقد تعقبته فيما كتبت على كتابه (عون المعبود 420 / 11).

(3) ابن أبي الحديد.

(4) البخاري (الصحيح 77 / 4).

الصفحة 38
شهدها " (1).

وانتهى يوم الذي نادى الإمام في بداية طريقه بالمصالحة. ولكن أحدا لم يتقدم ليصلح بين الطائفتين. ولم ينصت أصحاب الجمل إلى رسائل الإمام ورسله إليهم. ولو قام الذين اعتزلوا القتال وغيرهم بالوساطة من أجل المصالحة. لعلمنا بكل يسر من هم البغاة. ولكنهم لم يفعلوا ذلك. وترتب على هذا أن البحث عن الحقيقة كان لا بد أن يتم على طريق شاق نظرا لوجود رايات متعددة الأسماء.

____________

(1) رواه أبو داوود حديث 4345.

الصفحة 39

ثانيا - أيام صفين

في سنة ست وثلاثين قامت موقعة الجمل وانتهت. وقيل: إنه كان بين خلافة علي إلى وقعة الجمل خمسة أشهر وإحدى وعشرون يوما. وقتل في هذه الوقعة ما يقرب من عشرين ألفا منهم خمسة آلاف من قوات أمير المؤمنين.

وبينما الدماء لم تجف بعد، وإذا بمعاوية بن أبي سفيان يخرج على رأس أهل الشام في خمس وثمانين ألف مقاتل، ليقابل جيش أمير المؤمنين بعد فراغه من يوم الجمل بحوالي أربعة أشهر. وبقراءة سريعة لخلفية معاوية نجد أن عمر بن الخطاب ولاه الشام بعد موت أخيه يزيد. وكانت وصية هند لولدها معاوية " إن هذا الرجل استنهضك في هذا الأمر. فاعمل بطاعته فيما أحببت وكرهت " (1)، ووصاه والده أبو سفيان: " وقد ولوك جسيما من أمورهم فلا تخالفهم. فإنك تجري إلى أمد. فنافس فإن بلغته أورثته عقبك " (2)، وكان معاوية يقول لعمر:

" مرني يا أمير المؤمنين بما شئت. فيقول له: لا آمرك ولا أنهاك " (3)، وكان عمر لا يذكر معاوية إلا بخير. كان يقول للناس: " تذكرون كسرى وعندكم

____________

(1) البداية والنهاية 118 / 8.

(2) البداية والنهاية 118 / 5.

(3) البداية والنهاية 125 / 8، الطبري 184 / 6.

الصفحة 40
معاوية " (1)، ويقول: " دعوا فتى قريش وابن سيدها " (2)، وكان يدخر قوات الشام للحفاظ على حدود الدولة ولذا أطلق عمر صيحة: " يا أهل الشام استعدوا لأهل العراق. فإن الشيطان قد باض فيهم " (3)، وفي عهد عثمان كان معاوية يتفاخر بأبيه ويقول: " قد عرفت قريش أن أبا سفيان كان أكرمها وابن أكرمها...

ولا أظن أن أبا سفيان لو ولد الناس لم يلد إلا حازما " (4)، وفي نفس العهد بدأ كعب الأحبار يلقي في نفس معاوية طلب الخلافة. فقال له: أنت الأمير بعد عثمان (5). وعندما استنجد عثمان بقوات الشام أثناء محنته تباطأ معاوية (6).

كانت هذه خلفية معاوية وقد بينا هذا في موضعه من الأحداث فيما ذكرنا.

وهناك شخصية أخرى وهو عمرو بن العاص سنلقي ضوءا على خليفته نظرا لأهمية دوره في أحداث صفين. وعمرو استخدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخدام الرسول لأنماط عديدة من الناس يخضع في المقام الأول لحركة الدعوة وهذه الحركة كانت تقتفي التأليف بين القلوب. وكان جميع العاملين على طريقها. يخضعون لكشف سرائرهم بواسطة الوحي فتحت الوحي يعلم النبي صلى الله عليه وسلم حقائقهم، ولهذا كان استخدام الرسول الإنسان ما يختلف عن استخدام غيره لهذا الإنسان. ففي عهد عمر بن الخطاب لمع نجم عمرو بن العاص حتى أن عمر كان يقول: ما ينبغي لأبي عبد الله أن يمشي على الأرض إلا أميرا " (7)، وولاه فلسطين والأردن ثم مصر. فلم يزل واليا عليها حتى مات عمر. وأقره عثمان عليها أربع سنين أو نحوها ثم عزله عنها وولاها عبد الله بن أبي السرح. وعندما عزله عثمان جعل يطعن عليه ويسعى في إفساد

____________

(1) الطبري 184 / 6.

(2) البداية والنهاية 124 / 8، الديلمي (كنز العمال 587 / 13).

(3) ابن سعد (كنز العمال 354 / 12).

(4) الطبري 89 / 5.

(5) الطبري 100 / 5، البداية والنهاية 85 / 5.

(6) الطبري 115 / 5.

(7) الإصابة 113 / 6 ترجمة عمرو.

الصفحة 41
أمره. فلما بلغه قتل عثمان وكان معتزلا بفلسطين قال: إني إذا أنكأت قرحة أدميتها " (1).

وروى الطبري وغيره: عندما قتل عثمان وعلم بمبايعة الناس لعلي وما وقع لأهل الجمل. ارتحل يبكي كما تبكي المرأة ويقول: واعثماناه، أنعي الحياء والدين حتى قدم دمشق (2)، فوجد أهل الشام يحضون معاوية على الطلب بدم عثمان، فقال عمرو: أنتم على الحق اطلبوا بدم الخليفة المظلوم (3). وقال معاوية لعمرو: بايعني فقال: لا والله لا أعطيك من ديني حتى أنال من دنياك قال: سل، فقال: مصر طعمة. فأجابه إلى ذلك وكتب له به كتابا (4). وكانت مصر في نفس عمرو بن العاص. لأنه هو الذي فتحها. ويقول الجاحظ: فكان لعظمها في نفسه وجلالتها في صدره، وما قد عرفه من أموالها وسعة الدنيا، لا يستعظم أن يجعلها ثمنا من دينه (5). وروي أنه عندما خرج عمرو من عند معاوية. قال له ابناه: ما صنعت؟ قال: أعطانا مصر طعمة. قالا: وما مصر في ملك العرب! فقال: لا أشبع الله بطونكما إن لم تشبعكما مصر " (6).

فوفقا لخليفة هذا وذاك نرى أن الأول هدفه الخلافة. والثاني هدفه الإمارة وبالتحديد أن تكون له مصر ما بقي حيا، وهذه الأهداف تسير في طريق البغاة وعليها قميص عثمان. ذلك الشعار البراق الذي يلتف من حوله العامة. وهذه الفئة على طريق البغاة تعرف باسم " القاسطين " وليس معنى القاسط: أنه المطالب بدم عثمان، وإنما معناه: " الجائر عن الحق الناكب عنه " فاللفظ والمعنى يتحدثان عن حقيقة الهدف وليس عن بريق الشعار. وقول أمير المؤمنين " أمرني رسول الله

____________

(1) الإستيعاب 376 / 2.

(2) الطبري 233 / 5، الكامل 140 / 3.

(3) الطبري 234 / 5، الكامل 141 / 3.

(4) مروج الذهب 390 / 2، الكامل 179 / 3 الطبري 56 / 6.

(5) ابن أبي الحديد 321 / 1.

(6) ابن أبي الحديد 322 / 1.

الصفحة 42
صلى الله عليه وسلم بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين " يعني أن هذا القتال لا علاقة له بالشعارات المرفوعة. وإنما علاقته بالأهداف الحقيقية التي تخفيها الجلود الآدمية. ولقد عبر الإمام علي عن مبايعة عمرو لمعاوية بأنها مبايعة مبتورة ومشلولة وفقا لميزان الحقيقة الذي يقر الزيف. فقال: قد بلغني أن عمرو بن العاص الأبتر بن الأبتر (1) بايع معاوية على الطلب بدم عثمان وحضهم عليه. فالعضد والله الشلاء عمرو ونصرته " (2).

1 - إقامة الحجة:

بعد مقتل عثمان بدأ الإمام علي يجري تغييرات تستقيم مع سياسته. ولكن معاوية رفض هذه التغييرات والتي كان من بينها عزله عن الشام. وبينما كان الإمام يستعد للذهاب إلى الشام لإزالة هذه العقبة التي على أرض الدولة. خرج عليه أصحاب الجمل. وما أن فرغ من أهل الجمل حتى بلغه أن أهل الشام يتجهزون للقتال. وأن عمرو بن العاص يذيع عليهم " أن أهل العراق قد فرقوا جمعهم وأوهنوا شوكتهم وفلوا حدهم. وأن أهل البصرة مخالفون لعلي بعد أن وترهم وقتلهم. وقد تفانت صناديدهم وصناديد أهل الكوفة يوم الجمل. وأن عليا قد سار في شرذمة قليلة منهم وقد قتل خليفتكم. فالله الله في حقكم أن تضيعوه وفي دمكم أن تبطلوه " (3)، وعمرو في بيانه لم يهمل موقف خصمه القتالي. وإنما أخبرهم بأن الصناديد قد قتلوا إشارة إلى أن المهملة لن تكون عسيرة بعد أن نضجت الثمرة. وبينما أهل الشام يشقون طريقهم بمراكب الدهاء والكيد. كان الإمام علي يشق طريقه إليهم بمراكب الحجة. حتى لا تكون لهم حجة في يوم لا يغني فيه الندم. فبعث إليهم جرير بن عبد الله البجلي يدعوه إلى البيعة. ولكن معاوية ركب الصعب. ثم بعث إليه الإمام برسالة جاء فيها: إن الله

____________

(1) روى ابن كثير أن قوله تعالى: (إن شانئك هو الأبتر) نزلت في العاص بن وائل (تفسير ابن كثير 559 / 4).

(2) الطبقات الكبرى 254 / 4.

(3) البداية والنهاية 255 / 7، الطبري 236 / 5.

الصفحة 43
سبحانه جعل الدنيا لما بعدها. وابتلى فيها أهلها. ليعلم أيهم أحسن عملا.

ولسنا للدنيا خلقنا. ولا بالسعي فيها أمرنا. وإنما وضعنا فيها لنبتلي بها. وقد ابتلاني الله بك وابتلاك بي. فجعل أحدنا حجة على الآخر. فغدوت على طلب الدنيا بتأويل القرآن. وطلبتني بما لم تجن يدي ولا لساني. وعصبته أنت وأهل الشام بي. وألب عالمكم جاهلكم. وقائمكم قاعدكم. فاتق الله في نفسك.

ونازع الشيطان قيادك. واصرف إلى الآخرة وجهك. فهي طريقنا وطريقك.

واحذر أن يصيبك الله منه بعاجل قارعة تمس الأصل. وتقطع الدابر. فإني أولى لك بالله ألية غير فاجرة. لئن جمعتني وإياك جوامع الأقدار لا أزال بباحتك " حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين " (1).

لقد أخبره أن الله جعل الدنيا طريقا إلى الآخرة. وابتلى فيها أهلها أي اختبرهم ليعلم أيهم أحسن عملا، وأخبره بأن الإنسان لم يؤمر بالسعي في الدنيا لها. بل أمر بالسعي فيها لغيرها. وكشف له الحقيقة التي يدثرها شعار قميص عثمان فقال: " فغدوت على طلب الدنيا بتأويل القرآن " أي تعديت وظلمت ومن هذا الظلم قولك: " أنا ولي عثمان ". وعلى طريق الظلم ألزمتني بما لم تجن يدي ولا لساني. وحرضتم الناس على هذا. ولم يلتفت معاوية إلى الحجة. وظل يتاجر بقميص عثمان فأرسل إليه الإمام رسالة قال فيها: فسبحان الله. ما أشد لزومك للأهواء المبتدعة، والحيرة المتبعة. مع تضييع الحقائق واطراح الوثائق:

التي هي لله تعالى طلبة. وعلى عباده حجة. فأما إكثارك الحجاج على عثمان وقتلته. فإنك إنما نصرت عثمان حيث كان النصر لك. وخذلته حيث كان النصر له، والسلام " (2).

ولقد رأينا كيف تثاقل معاوية عن نصرة عثمان، وفي هذا التخاذل والتثاقل يقول البلاذري وهو المعروف بالثقة والضبط " وإنما صنع ذلك معاوية ليقتل

____________

(1) ابن أبي الحديد 98 / 5.

(2) ابن أبي الحديد 784 / 4.

الصفحة 44
عثمان فيدعوا إلى نفسه " (1)، ولم يكتف الإمام بإرسال الرسائل. وإنما بعث إليه بالصحابة ليقيموا عليه الحجة على امتداد الطريق إلى صفين. روي أن الإمام بعث إليه عدي بن حاتم... فقال عدي لمعاوية: إنا أتيناك ندعوك إلى أمر يجمع الله به كلمتنا وأمتنا ويحقن به الدماء ونصلح ذات البين، إن ابن عمك سيد المسلمين أفضلها سابقة وأحسنها في الإسلام أثرا. وقد استجمع له الناس. ولم يبق أحد غيرك وغير من معك. فاحذر يا معاوية أن يصيبك وأصحابك مثل يوم الجمل.

فقال له معاوية: كأنك إنما جئت متهددا لم تأت مصلحا. هيهات يا عدي. كلا والله إني لابن حرب لا يقعقع له بالسنان. وإنك والله من المجلبين على عثمان وإنك من قتلته وإني لأرجو أن تكون ممن يقتله الله به. فقال شبث وزياد بن خصفة: يا معاوية. جوابا واحدا، أتيناك فيما يصلحنا وإياك. فأقبلت تضرب لنا الأمثال. دع ما لا ينفع وأجبنا فيما يعم نفعه. وقال له يزيد بن قيس: إنا لم نأت إلا لنبلغك ما أرسلنا به إليك. ونؤدي عنك ما سمعنا منك. ولن ندع أن ننصح لك وأن نذكر ما يكون به الحجة عليك ويرجع إلى الألفة والجماعة. إن صاحبنا من قد عرف المسلمون فضله ولا يخفى عليك. فاتق الله يا معاوية ولا تخالف.

فإنا والله ما رأينا في الناس رجلا قط أعمل بالتقوى ولا أزهد في الدنيا ولا أجمع لخصال الخير كلها منه. فقال لهم معاوية: إنكم دعوتم إلى الطاعة والجماعة.

فأما الجماعة التي دعوتم إليها فمعنا هي. وأما الطاعة لصاحبكم فإنا لا نراها " (2) وبعد بعث عدي بن حاتم ثم بعث إليه إليه أبا عمر وبشير بن عمرو بن.

محصن وسعيد بن قيس... وعندما دخلوا عليه قال بشير: يا معاوية إن الدنيا عنك زائلة وإنك راجع إلى الآخرة. وإن الله محاسبك بعملك ومجازيك عليه، وإني أنشدك الله ألا تفرق جماعة هذه الأمة وألا تسفك دماءها بينها. فقطع عليه معاوية الكلام وقال: هلا أوصيت بذلك صاحبك؟ فقال أبو عمر: إن صاحبي ليس مثلك. إن صاحبي أحق البرية كلها بهذا الأمر في الفضل والدين والسابقة في

____________

(1) ابن أبي الحديد 785 / 4.

(2) الكامل 148 / 3، الطبري 2 / 6.

الصفحة 45
الإسلام والقرابة بالرسول صلى الله عليه وسلم قال معاوية: فماذا يقول؟

فقال أبو عمر: يأمرك بتقوى الله وأن تجيب ابن عمك إلى ما يدعوك إليه من الحق. فإنه أسلم لك في دنياك وخير لك في عاقبة أمرك. قال: ونترك دم ابن عفان لا والله لا أفعل ذلك أبدا. فبادره شبث بن ربعي وقال: يا معاوية إنك لم تجد شيئا تستغوي به الناس وتستميل به أهواءهم وتستخلص به طاعتهم إلا قولك: (قتل إمامكم مظلوما فنحن نطلب بدمه) فاستجاب لك سفهاء طغام. وقد علمنا أنك أبطأت عنه بالنصر. وأحببت له القتل لهذه المنزلة التي أصبحت تطلب. ورب متمن أمر وطالبه يحول الله دونه. وبما أوتي المتمني أمنيته وفوق أمنيته. ووالله ما لك في واحدة منهما خير. والله إن أخطأت ما ترجو إنك لشر العرب حالا. ولئن أحببت ما تتمناه لا تصيبه حتى تستحق من ربك صلى النار.

فاتق الله يا معاوية. ودع ما أنت عليه. ولا تنازع الأمر أهله فقال له معاوية: لقد كذبت ولؤمت أيها الأعرابي الجلف الجافي في كل ما ذكرت ووصفت. انصرفوا من عندي وليس بيني وبينكم إلا السيف " (1).

لم ينصت معاوية لصوت الحجة. لأن وصية أمه وأبيه وفتوى كعب الأحبار. كل ذلك كان قد استولى عليه. وما استولى عليه هذا إلا لأنه يوافق هواه الذي تحت جلده.

2 - معاوية وسياسة التشكيك:

سارت سياسة تعبئة الناس تحت لافتة " قميص عثمان " جنبا إلى جنب مع سياسة التشكيك في الأحاديث التي رويت في فضل أهل البيت ومناقب علي بن أبي طالب فمعاوية كان يدرك خطورة هذه الأحاديث وغيرها من الأحاديث التي حذر فيها النبي صلى الله عليه وسلم من الفتن. ولعن فيها قبائل وبيوتا نظرا لخطورتها على الدعوة. لهذا رفع معاوية أمام هذه الأحاديث لافتة " أساطير الأولين " ولم يكتف معاوية بهذه اللافتة وإنما تاجر بقتل طلحة والزبير وهزيمة

____________

(1) الكامل 146 / 3، الطبري 243 / 5.

الصفحة 46
عائشة. وحاول أن يجذب علي بن أبي طالب إلى معركة كلامية. حول الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن دخول الإمام في هذه الدائرة سيجعله من وجهة نظر معاوية يفقد أصوات العامة في الأمصار مما يسهل على معاوية اختراق الساحة بعد ذلك. وبالجملة: لم يترك معاوية طريقا فيه هواه إلا وطرقه ووضع فيه العوائق.

وسياسة شكيك في الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ظهرت معالمها في رسالة أرسلها معاوية إلى أمير المؤمنين علي يقول له فيها:

أما بعد. فدعني من أساطيرك. واكفف عني من أحاديث. وأقصر عن تقولك على رسول الله صلى الله عليه وسلم وافترائك من الكذب ما لم يقل. وغرور من معك والخداع لهم. فقد استغويتهم. ويوشك أمرك أن ينكشف لهم فيعتزلوك. ويعلموا أن ما جئت به باطل مضمحل. والسلام " (1).

فكتب إليه أمير المؤمنين: أما بعد. فطالما دعوت أنت وأولياؤك أولياء الشيطان الرجيم الحق أساطير الأولين ونبذتموه وراء ظهوركم. وجهدتم بإطفاء نورا الله بأيديكم وأفواهكم. والله متم نوره ولو كره الكافرون. ولعمري ليتمن النور على كرهك. ولينفذن العلم بصغارك. ولتجازين بعملك. فعث في دنياك المنقطعة عنك ما طاب لك. فكأنك بباطلك وقد انقضى. وبعملك وقد هوى.

ثم تصير إلى لظى. لم يظلمك الله شيئا. وما ربك بظلام للعبيد.

ولم تكتف الحملة الإعلامية للقاسطين على رفع لافتة " أساطير الأولين " وإنما قامت بتغذية الساحة بمادة إعلامية هدفها التقليل من شأن أمير المؤمنين في أول الطريق ليتمكنوا من سبه في نهاية الطريق. يقول معاوية في رسالة له إلى أمير المؤمنين: أما بعد فما أعظم الدين على قلبك. والغطاء على بصرك. الشره من شيمتك. والحسد من خليقتك. فشمر للحرب واصبر إلى الضرب. فوالله ليرجعن الأمر إلى ما علمت. والعاقبة للمتقين!!... " (2).

____________

(1) ابن أبي الحديد 769 / 4.

(2) المصدر السابق 769 / 4.

الصفحة 47
يقول ابن أبي الحديد: وأعجب وأطرب ما جاء به الدهر، وإن كانت عجائبه وبدائعه جمة - أن يفضي أمر علي كرم لله وجهه إلى أن يصير معاوية ندا له ونظيرا مماثلا. يتعارضان الكتاب والجواب. ويتساويان فيما يواجه به أحدهما صاحبه. ولا يقول له علي كرم الله وجهه كلمة إلا قال مثلها. وأخشن مسا منها.

فليت محمد صلى الله عليه وسلم كان شاهد ذلك ليرى عيانا لا خبرا أن الدعوة التي قام بها. وقاسي أعظم المشاق في تحملها. وكابد الأهوال في الذب عنها. وضرب بالسيوف عليها لتأييد دولتها. وشيد أركانها. وملأ الآفاق بها.

خلصت صفوا عفوا لا عدائه الذين كذبوه لما دعا إليها. وأخرجه عن أوطانه لما حصن عليها. وأدموا وجهه وقتلوا عمه وأهله. فكأنه كان يسعى لهم ويدأب لراحتهم، كما قال أبو سفيان في أيام عثمان.

وقد مر بقبر حمزة. وضربه برجله وقال: يا أبا عمارة: إن الأمر الذي اختلفنا عليه بالسيف أمسي في يد غلماننا اليوم يتلعبون به ثم آل الأمر أن يفاخر معاوية عليا. كما يتفاخر الأكفاء والنظراء! ثم أقول ثانيا لأمير المؤمنين علي كرم الله وجهه ليت شعري. لماذا فتح باب الكتاب والجواب بينه وبين معاوية؟

وإذا كانت الضرورة قد قادت إلى ذلك فهلا اقتصر في الكتاب إليه على الموعظة من غير تعرض للمفاخرة (1) والمنافرة. وإذا كان لا بد منهما. فهلا اكتفى بهما من غير تعرض لأمر آخر يوجب المقابلة والمعارضة بمثله. وبأشد منه (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم) (2)، وهلا دفع هذا الرحل العظيم الجليل نفسه عن سباب هذا السفيه الأحمق. هذا مع أنه القائل: من واجه الناس بما يكرهون قالوا فيه ما لا يعلمون. أي افتروا عليه

____________

(1) المصدر السابق 769 / 4.

(2) كان الإمام قد تفاخر في رسالة وقال: إن كنت صادقا فيما تسطر.. فدع الناس جانبا.

وتيسر لما دعوتني إليه من الحرب... واعف الفريقين من القتال. ليعلم أينا المرين على قلبه. المغطي على بصره، فأنا أبو الحسن، قاتل جدك وأخيك وخالك. (ابن أبي الحديد 770 / 4).

الصفحة 48
وقالوا فيه الباطل " (1).

وأقول: شاء الله أن يرد الإمام ردا يوجب المقابلة والمعارضة. وشاء الله أن نجد هذه الرسائل في أكثر من مصدر لتعلم منها أصول الحقيقة الغائبة. والإمام لا يضره سباب ألف سفيه أحمق. لأن هؤلاء لا يكتب لسبابهم وعروشهم الخلود. فانظر إلى الوراء منذ عهد آدم عليه السلام كم من كلاب نبحت على قافلة الأنبياء. لقد ذهب النباح كهباء ضائع في خلاء يصلي أصحابه لظى. وكتب الخلود لدعوة الرسل والأنبياء. وكذلك ترى سيرة الأئمة والهداة لقد رصدتهم ألسنة أصحاب السوء وشوهتهم الأقلام المأجورة. وفي النهاية ذهب أهل السوء والباطل ولم يكتب لأقوالهم الخلود ولم يبق إلا السائرون على طريق الفطرة.

وبعد التكذيب بالحديث بدأ إعلام معاوية يتاجر بمقتل طلحة والزبير وهزيمة عائشة. روي أن عمرو بن العاص قال لعائشة: لوددت أنك كنت قتلت يوم الجمل. فقالت: ولم لا أبا لك؟ فقال: تموتين بأجلك وتدخلين الجنة ونجعلك أكبر التشنيع على علي بن أبي طالب " (2)، ومن هذا نعلم أن المتاجرة بأهل الجمل لها جذور وأصول. وفي رسالة من معاوية إلى أمير المؤمنين علي يقول: معاوية:... دعوت الناس إلى نفسك. وأكرهت أعيان المسلمين على بيعتك. ثم كان منك بعدما كان من قتلك شيخي المسلمين أبا محمد طلحة وأبا عبد الله الزبير. وهما من الموعودين بالجنة. والمبشر قاتل أحدهما بالنار في الآخرة هذا إلى تشريدك بأم المؤمنين عائشة. وإحلالها محل الهون. مبتذلة بين أيدي الأعراب وفسقة أهل الكوفة. فمن بين مشهر لها، وبين شامت بها. وبين ساخر منها. ترى ابن عمك كان بهذا لو رآه راضيا. أم يكون عليك ساخطة.

ولك عنه زاجرا. أن تؤذي أهله وتشرد بحليلته. وتسفك دماء أهل ملته. ثم تركك دار الهجرة التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها: " إن المدينة لتنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد " فلعمري قد صح وعده وصدق قوله.

____________

(1) سورة الأنعام: الآية 108.

(2) ابن أبي الحديد 770 / 4.

الصفحة 49
ولقد نفت خبثها. وطردت عنها من ليس بأهل أن يستوطنها. فأقمت بين المصرين. وبعدت عن بركة الحرمين. ورضيت بالكوفة بدلا من المدينة.

وبمجاورة الخورنق والحيرة. عوضا عن مجاورة خاتم النبوة... " (1).

ورد أمير المؤمنين عليه في رسالة طويلة منها:... فرق بيننا وبينكم أمس أنا آمنا وكفرتم. واليوم أنا استقمنا وفتنتم. وما أسلم مسلمكم إلا كرها. وبعد أن كان أنف الإسلام كله لرسول الله صلى الله عليه وسلم حربا. وذكرت أني قتلت طلحة والزبير. وشردت بعائشة. ونزلت بين المصرين. وذلك أمر غبت عنه - فلا عليك. ولا العذر فيه إليك... " (2).

وقال ابن أبي الحديد: فأما الجواب المفصل فأن يقال: إن طلحة والزبير قتلا أنفسهما ببغيهما ونكثهما. ولو استقاما على الطريقة لسلما ومن قتله الحق فدمه هدر... وأصحابنا يذهبون إلى أنهما تابا وفارقا الدنيا نادمين على ما صنعا. وكذلك نقول نحن... فهما من أهل الجنة لتوبتهما. ولولا توبتهما لكانا هالكين كما هلك غيرهما. فإن الله تعالى لا يحابي أحدا في الطاعة والتقوى.

(ليهلك من هلك عن بينة ويحي من حي عن بينة) (3)، وأما الوعد لهما بالجنة فمشروط بسلامة العاقبة. والكلام في سلامتهما. وإذا ثبتت توبتهما فقد صح الوعد لهما وتحقق... أما أم المؤمنين عائشة فقد صحت توبتها. والأخبار الواردة في توبتها أكثر من الأخبار الواردة في توبة طلحة والزبير. لأنها عاشت زمانا طويلا. وهما لم يبقيا. والذي جرى لها كان خطأ منها. فأي ذنب لأمير المؤمنين كرم الله وجهه في ذلك؟ ولو أقامت في منزلها لم تبتذل بين الأعراب وأهل الكوفة، على أن أمير المؤمنين كرم الله وجهه أكرمها وصانها وعظم من شأنها... ولو كانت فعلت بعمر بن الخطاب ما فعلت به. وشقت عصا الأمة عليه. ثم ظفر بها. لقتلها وفرقها إربا إربا. ولكن عليا كان حليما كريما.

____________

(1) الكامل / للمبرد ط ليدن ص 151 / 1.

(2) ابن أبي الحديد 178 / 5.

(3) ابن أبي الحديد 177 / 5.