الصفحة 50
وأما قوله: " لو عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم. فبربك هل كان يرضي لك أن تؤذي حليلته ". فلعلي كرم الله وجهه أن يقلب الكلام عليه.

فيقول: " افتراه لو عاش. أكان يرضي لحليلته أن تؤذي أخاه ووصيه. وأيضا أتراه لو عاش أكان يرضي لك يا ابن أبي سفيان أن تنازع عليا الخلافة، وتفرق جماعة هذه الأمة. وأيضا أتراه لو عاش أكان يرضي لطلحة والزبير أن يبايعا. ثم ينكثا لا لسبب. بل قالا: جئنا تطلب الدراهم. فقد قيل لنا: إن بالبصرة أموالا كثيرة هذا الكلام يقوله لمثلهما.

فأما قوله: " تركت دار الهجرة " فلا عيب عليه إذا انتقضت عليه أطراف الإسلام بالبغي والفساد أن يخرج من المدينة إليها، ويهذب أهلها، وليس كل من خرج من المدينة كان خبثا. فقد خرج عنها عمر مرارا إلى الشام. ثم لعلي كرم الله وجهه أن يقلب عليه الكلام فيقول له: وأنت يا معاوية قد نفتك المدينة أيضا عنها. فأنت إذن خبث. وكذلك طلحة والزبير وعائشة الذين تتعصب لهم وتحتج على الناس بهم، وقد خرج من المدينة الصالحون. كابن مسعود وأبي ذر وغيرهما وماتوا في بلاد نائية عنها.

وأما قوله: " بعدت عن حرمة الحرمين، ومجاورة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم "، فكلام إقناعي ضعيف، والواجب على الإمام أن يقدم الأهم فالأهم من مصالح الإسلام. وتقديم قتال أهل البغي على المقام بين الحرمين أولى... (1).

إن خطاب معاوية ليس فيه علم يرى. وهو خطاب إعلامي في المقام الأول يخاطب به غوغاء الشام ومن على شاكلتهم على الرغم من أن الرسالة موجهة إلى أمير المؤمنين علي: وعلى هذا المنوال بعث معاوية برسالة أخرى إلى أمير المؤمنين علي يقول له فيها: أما بعد، يقول الله تعالى في محكم كتابه (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من

____________

(1) سورة الأنفال: الآية 42.

الصفحة 51
الخاسرين) (1)، وإني أحذرك الله أن تحبط عملك وسابقتك بشق عصا هذه الأمة وتفريق جماعتها. فاتق الله واذكر موقف القيامة. وأقلع عما أسرفت فيه من الخوض في دماء المسلمين. وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لو تمالا أهل صنعاء وعدن على قتل رجل واحد من المسلمين. لأكبهم الله على مناخرهم في النار " فكيف يكون حال من قتل أعلام المسلمين وسادات المهاجرين. بل ما طحنت رحا حربه من أهل القرآن. وذي العبادة والإيمان. من شيخ كبير. وشاب غرير. كلهم بالله تعالى مؤمن. وله مخلص وبرسوله مقر عارف. فإن كنت أبا الحسن أنما تحارب على الإمرة والخلافة. فلعمري لو صحت خلافتك لكنت قريبا من أن تعذر في حرب المسلمين. ولكنها ما صحت لك. أني بصحتها وأهل الشام لم يدخلوا فيها. ولم يرتضوا بها؟ وخف الله وسطوته. واتق بأسه ونكاله. وأغمد سيفك عن الناس. فقد والله أكلتهم الحرب... " (2).

وهذا أيضا خطاب إعلامي كتبه معاوية لتبدأ إذاعته في بثه بمجرد أن يتحرك حامل الرسالة في اتجاه أمير المؤمنين. ولقد رد أمير المؤمنين علي على هذه الرسالة وغيرها من باب إقامة الحجة.

فقال: أما بعد. فقد أتتني منك موعظة موصلة. ورسالة محبرة. فمقتها بضلالك. وأمضيتها بسوء رأيك. وكتاب امرئ ليس له بصر يهديه. ولا قائد يرشده. دعاه الهوى فأجابه. وقاده الضلال فاتبعه. فهجر لا غطا. وضل خابطا.

فأما أمرك لي بالتقوى فأرجو أن أكون من أهلها، واستعيذ بالله من أن أكون من الذين إذا أمروا بها أخذتهم العزة بالإثم. وأما تحذيرك إياي أن يحيط عملي وسابقتي في الإسلام. فلعمري لو كنت الباغي عليك. لكان لك أن تحذرني ذلك. ولكني وجدت الله تعالى يقول: (فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر

____________

(1) ابن أبي الحديد 180 / 5.

(2) سورة الزمر: الآية 65.

الصفحة 52
الله) (1)، فنظرنا إلى الفئتين. أما الفئة الباغية فوجدناها الفئة التي أنت فيها. لأن بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام. كما لزمتك بيعة عثمان بالمدينة. وأنت أمير لعمر على الشام. وكما لزمت يزيد أخاك بيعة عمر وهو أمير لأبي بكر على الشام. وأما شق عصا هذه الأمة. فأنا أحق أن أنهاك عنه. فأما تخويفك لي من قتال أهل البغي. فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني بقتالهم وقتلهم.

وقال لأصحابه: " إن فيكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله "، وأشار إلي وأنا أولى من اتبع أمره. وأما قولك: إن بيعتي لم تصح لأن أهل الشام لم يدخلوا فيها. كيف وإنما هي بيعة واحدة. تلزم الحاضر والغائب. لا يثني فيها النظر. ولا يستأنف فيها الخيار. الخارج منها طاعن. والمروي فيها مداهن. فأربع على ظلعك، وانزع سربال غيك... (2).

لقد خاطبه، وفقا لثقافته وما سارت عليه الأمور بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ليحاكمه بما ارتضوه واتفقوا عليه وهو أن الاختيار طريق الخلافة. فبين له أن الخلافة ليس بعد عقدها خيار لمن عقدها ولا لغيرهم. لأنها تلزم غير العاقدين كما تلزم العاقدين. فيسقط الخيار فيها. ووفقا لهذا التعريف فقد لزمت أمراء الشام من قبل. وعليه فهي تلزم معاوية.

كان هذا بعضا من سياسة التشكيك في الحديث حتى يتم التعتيم مرة أخرى على مناقب أمير المؤمنين، وسارت سياسة التقليل من شأن أمير المؤمنين جنبا إلى جنب مع سياسة التشكيك في الحديث. ووصف بأن يفرق الكلمة ويقتل المتقين ويفارق المدينة. وكان هذا لهدف لا يخفي على الباحث عن الحقيقة.

وفي حياة أمير المؤمنين عتموا على مناقبه مرة، ثم أرادوا أن يعتموا عليها ويشوهوه مرة... وبعد وفاته سبوه على المنابر. وكما زج معاوية بأصحاب الجمل في حربه الإعلامية. زج أيضا بقضية الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولقد كان يريد من وراء هذا أن يقول أمير المؤمنين في أبي بكر.

____________

(1) ابن أبي الحديد 316 / 4.

(2) سورة الحجرات: الآية 9.

الصفحة 53
وعمر، بما لا يرضي الرأي العام لأن الغالب الأعم في الأمصار كانوا يعتقدون إمامة الشيخين إلا القليل... من خواص أمير المؤمنين، كان معاوية يريد أن يسجل عليه قوله أنهما غصباه حقه. فيجعل ذلك حجة عليه عند أهل الشام ويضيفه إلى ما وضعه في عقولهم من انتقاص علي كما زعم. كان يريد أن وينسبهما إلى الظلم ومخالفة الرسول في أمر الخلافة. فالحصول على تسجيل مثل هذا كفيل بأن يفسد عليه أهل العراق أيضا وهم جنده وبطانته وأنصاره. لأن الغالب الأعم فيهم كانوا يعتقدون إمامة الشيخين. لهذا لم يدخر معاوية جهدا من أجل فتح هذا الباب. فأرسل كتابا مع أبي مسلم الخولاني قصد أن يغضب عليا ويجرحه إذا قرأ ذكر أبي بكر وأنه أفضل المسلمين إلى أن يخلط خطة في الجواب بكلمة تقتضي طعنا في أبي بكر. فجاءه الرد من علي غير واضح غير بين. ليس فيه تصريح بالتظلم لهما وتارة يترحم عليهما. وتارة يقول: أخذا حقي وقد تركته لهما. فأشار عمرو به العاص مع معاوية أن يكتب كتابا ثانيا للكتاب الأول ليستفزا فيه عليا. ويحمله الغضب أن يكتب كلاما يتعلقان به في تقبيح حاله. فكتب معاوية إلى أمير المؤمنين كتابا أنفذه مع أبي أمامة الباهلي ومما جاء فيه: " لقد حسدت أبا بكر والتويت عليه. ورمت إفساد أمره. وقعدت في بيتك واستغويت عصابة من الناس حتى تأخروا عن بيعته. ثم كرهت خلافة عمر.

وحسدته واستطلت مدته. وسررت لقتله. وأظهرت الشماتة بمصابه. حتى أنك حاولت قتل ولده لأنه قتل قاتل أبيه. ثم لم تكن أشد منك حسدا لابن عمك عثمان نشرت مقابحه. وطعنت في فقهه. ثم في دينه. ثم في سيرته ثم في عقله. وأغريت به السفهاء من أصحابك وشيعتك. حتى قتلوه بمحضر منك " وجاء فيها: " فدع اللجاج، والعبث جانبا، وادفع إلينا قتلة عثمان، وأعد الأمر شوري بين المسلمين ليتفقوا على من هو لله رضا. فلا بيعة لك في أعناقنا. ولا طاعة لك علينا ولا عتبي لك عندنا. وليس لك ولأصحابك عندي إلا السيف "، وجاء فيها: " فأما ما لا تزال تمن به من سابقتك وجهادك. فإني وجدت الله سبحانه يقول: " يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم

الصفحة 54
صادقين) (1)، ولو نظرت في حال نفسك لوجدتها أشد الأنفس امتنانا على الله بعملها، وإذا كان الامتنان على السائل يبطل أجر الصدقة. فالامتنان على الله يبطل أمر الجهاد، ويجعله (كمثل صفوان عليه تراب...) الآية (2)، فهكذا نسج معاوية وابن العاص شباك الصيد التي تخدم أهواءهما كي يركبا على أعناق الأمة. ورد أمير المؤمنين وكان رده من محاسن الكتب. وجاء فيه: " أما بعد فقد أتاني كتابك تذكر فيه اصطفاء الله محمدا صلى الله عليه وسلم لدينه. وتأييده إياه لمن أيده من الصحابة. فلقد خبأ لنا الدهر منك عجبا، إذ طفقت تخبرنا ببلاء الله تعالى عندنا. ونعمته علينا في نبينا. فكنت في ذلك كناقل التمر إلى هجر أو داعي مسدده إلى النضال.

والمعنى: " فلقد خبأ لنا الدهر منك عجبا " موضع التعجب أن معاوية يخبر عليا كرم الله وجهه باصطفاء الله تعالى محمدا وتشريفه له. وتأييده له. وهذا ظريف لأنه يجري كإخبار زيد عمرا عن حال عمرو. إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم وعلي كرم الله وجهه كالشئ الواحد وقوله: " فكنت في ذلك كناقل التمر إلى هجر " وهجر اسم مدينة. وهي بلدة كثيرة النخل يحمل منها التمر إلى غيرها (3). ثم قال الإمام في خطابه: " وزعمت أن أفضل الناس في الإسلام فلان وفلان، فذكرت أمرا إن تم اعتزلك كله. وإن نقص لم يلحقك ثلمه. وما أنت والفاضل والمفضول. والسائس والمسوس، وما للطلقاء وأبناء الطلقاء والتمييز بين المهاجرين الأولين وترتيب درجاتهم. هيهات لقد جن قدح ليس منها (4).

وطفق يحكم فيها من عليه الحكم لها (5). ألا تربع أيها الإنسان على ظلعك (6).

____________

(1) ابن أبي الحديد 316 / 4.

(2) سورة الحجرات: الآية 17.

(3) سورة البقرة: الآية 264.

(4) ابن أبي الحديد 605 / 4.

(5) هذا مثل يضرب لمن يدخل نفسه بين قوم ليس له أن يدخل بينهم.

(6) أي وطفق يحكم في هذه القصة أو في القضية من يجب أن يكون الحكم لها عليه لا له فيها.

الصفحة 55
وتعرف قصور ذرعك. وتتأخر حيث أخرك القدر (1) فما عليك غلبة المغلوب ولا ظفر الظافر (2). فإنك لذهاب في التيه. رواغ عن القصد " (3)، ثم كشف له أمير المؤمنين عن أمور يعرفونها فقال: " ومنا النبي ومنكم المكذب ومنا أسد الله ومنكم أسد الأحلاف، ومنا سيد شباب أهل الجنة ومنكم صبية النار. ومناخير نساء العالمين، ومنكم حمالة الحطب، في كثير مما لنا وعليكم. فإسلامنا ما قد سمع. وجاهليتنا لا تدفع. وكتاب الله يجمع لنا ما شذ عنا. وهو قوله سبحانه وتعالى: (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) (4)، وقوله تعالى:

(إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين) (5). فنحن مرة أولى بالقرابة، وتارة أخرى أولى بالطاعة، ولما احتج المهاجرون على الأنصار يوم السقيفة برسول الله صلى الله عليه وسلم فلجوا عليهم - فإن يكن الفلج به. فالحق لنا دونكم. وإن يكن بغيره فالأنصار على دعواهم. وزعمت أنى لكل الخلفاء حسدت، وعلى كلهم بغيت. فإن يكن ذلك كذلك. فليست الجناية عليك. فيكون العذر إليك. وقلت: إني كنت أقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتى أبايع، ولعمر الله لقد أردت أن تذم فمدحت.

وأن تفضح فافتضحت. وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوما ما لم يكن شاكا في دينه. ولا مرتابا ببقينه. وهذه حجتي إلى غيرك قصدا. ولكني أطلقت لك منها بقدر ما سنح من ذكرها. ثم ذكرت ما كان من أمري وأمر عثمان، فلك أن تجاب عن هذه لرحمك منه. فأينا كان أعدي له وأهدي إلى مقاتله؟ أمن بذل له نصرته فاستقعده واستكفه، أمن استنصره فتراخي عنه وبث

____________

(1) أي ألا ترفق بنفسك وتكف ولا تحمل عليها ما لا تطيقه.

(2) مثل قولك: ضع نفسك حيث وضعها الله.

(3) أي ما الذي أدخلك بيني وبين أبي بكر وعمر وأنت من بني أمية لست هاشميا ولا تيميا ولا عدويا، ولست مهاجرا.

(4) أي تترك ما يلزمك فعله وتتحدث عن الصحابة وما جرى بعد موت النبي. ونحن إلى الكلام في غير هذا أحوج منا إلى الكلام في البيعة وحقن الدماء والدخول تحت طاعة الإمام (5) سورة الأنفال: الآية 75.

الصفحة 56
المنون إليه حتى أتى قدره عليه... " (1).

لقد فتح معاوية بابا فيه من الحجج الكثير. وكان الإمام لا يريد لهذا الباب أن يفتح على مصراعيه. لأنه كان في حاجة لحقن الدماء بالدخول تحت بيعته.

وعندما أصر معاوية قال الإمام في رسالته: " ألا ترى غير مخير لك. ولكن بنعمة الله أحدث " أي لست عندي أهلا لأن أخبرك بذلك. فإنك تعلمه. ومن يعلم الشئ لا يجوز أن يخبر به. ولكن أذكر ذلك. لأنه تحدث بنعمة الله علينا.

وقد أمرنا بأن نتحدث بنعمته سبحانه (2).

ويبدو أن حديث معاوية في هذا الباب الذي يعلمه. دفع بآخرين كي يذكروه إن كان قد نسي رغبة منهم في حقن الدماء. ومن هؤلاء محمد بن أبي بكر. فلقد بعث برسالة إلى معاوية ومما جاء فيها " إن الله بجلاله وعظمته وسلطانه وقدرته خلق خلقا بلا عبث ولا ضعف في قوة: لا حاجة به إلى خلقهم. ولكنه خلقهم عبيدا وجعل منهم شقيا وسعيدا وغويا ورشيدا. ثم اختارهم على علمه. فاصطفى منهم محمدا صلى الله عليه وسلم. فاختصه برسالته. واختاره لوحيه. وائتمنه على أمره. وبعثه رسولا مصدقا لما بين يديه من الكتب. ودليلا على الشرائع. فدعا إلى سبيل أمره بالحكمة والموعظة الحسنة. فكان أول من أجاب وأناب، وصدق ووافق فأسلم وسلم. أخوه وابن عمه علي بن أبي طالب. فصدقه بالغيب المكتوم وآثره على كل حميم - ووقاه كل هول، وواساه بنفسه في كل خوف. فحارب حربه، وسالم سلمه " (3)، وقال محمد بن أبي بكر في رسالته: " وقد رأيتك تساميه وأنت أنت.. وهو هو السابق المبرز في كل خير... وأنت اللعين ابن اللعين. لم تزل أنت وأبوك تبغيان لدين الله الغوائل وتجتهدان على إطفاء نور الله. وتجمعان على ذلك الجموع وتبذلان فيه المال. وتحالفان في ذلك القبائل. على هذا مات أبوك. وعلى ذلك

____________

(1) سورة آل عمران: الآية 68.

(2) ابن أبي الحديد 599 / 4.

(3) ابن أبي الحديد 607 / 4.

الصفحة 57
خلفته. والشاهد عليك بذلك من يأوي ويلجأ إليك من بقية الأحزاب ورؤوس النفاق والشقاق لرسول الله صلى الله عليه وسلم. والشاهد لعلي مع فضله وسابقته القديمة أنصاره الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن. ففضلهم وأثنى عليهم من المهاجرين والأنصار. فهم معه كتائب وعصائب. يجالدون حوله بأسيافهم ويهرقون دماءهم دونه. يرون الفضل في اتباعه والشقاق والعصيان في خلافه.

فكيف يا لك الويل تعدل نفسك بعلي. وهو وارث رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصيه وأبو ولده، وأول الناس له اتباعا وآخرهم به عهدا بخبره بسره ويشركه في أمره. وأنت عدوه وابن عدوه. فتمتع ما استطعت بباطلك وليمددك ابن العاص في غوايتك. فكأن أجلك قد انقضى وكيدك قد وهى. وسوف تستبين لمن تكون العاقبة العليا. واعلم أنك إنما تكابد ربك الذي قد أمنت كيده وأيست من روحه وهو لك بالمرصاد. وأنت منه في غرور بالله. وبالله وأهل رسوله عنك الغناء. والسلام على من اتبع الهدى " (1).

لقد أراد محمد بن أبي بكر أن يذكر معاوية لعله يعقل الأمور. وإذا كانت لهجة الخطاب بها قوة فإن هذه القوة دعوة ليتخطى معاوية حواجز النفس الأمارة بالسوء. وينتصر على نفسه فيدخل فيما دخل فيه الناس. لتحقن دماء المسلمين ويفوز برضا رب العالمين. فماذا كان جواب معاوية؟ لقد كتب إلى محمد بن أبي بكر: من معاوية بن أبي سفيان إلى الزاري على أبيه محمد بن أبي بكر. سلام على أهل طاعة الله. أما بعد. فقد أتاني كتابك تذكر فيه ما الله أهله في قدرته وسلطانه. وما اصطفى به نبيه. مع كلام ألفته ووضعته. لرأيك فيه تضعيف ولأبيك فيه تعنيف. ذكرت حق ابن أبي طالب وقديم سابقته وقرابته من نبي الله ونصرته له ومواساته إياه في كل خوف وهول. واحتجاجك علي وفخرك يفضل غيرك لا بفضلك.. فأحمد إلها صرف ذاك الفضل عنك. وجعله لغيرك. فقد كنا وأبوك معنا في حياة نبينا نرى حق ابن أبي طالب لازما لنا وفضله مبرزا علينا، فلما اختار الله لنبيه ما عنده وأتم له ما وعده، وأظهر دعوته. وأفلج

____________

(1) ابن أبي الحديد 632 / 1.

الصفحة 58
حجته (1). قبضه الله إليه فكان أبوك وفاروقه أول من ابتزه وخالفه. على ذلك اتفقا واتسقا. ثم دعواه إلى أنفسهما فأبطأ عنهما وتلكأ عليهما. فهما به الهجوم وأرادا به العظيم - فبايعهما وسلم لهما. لا يشركانه في أمرهما. ولا يطلعانه على سرهما حتى قبضا وانقضى أمرهما. ثم أقاما بعدهما ثالثهما عثمان بن عفان.

يهتدي بهديهما ويسير بسيرتهما. فعبته أنت وصاحبك حتى طمع فيه الأقاصي من أهل المعاصي. وبطنتما له وظهرتما وكشفتما له عداوتكما وغلكما حتى بلغتما منه مناكما. فخذ حذرك يا ابن أبي بكر فستري وبال أمرك. وقس شبرك بفترك كقصر عن أن تساوي أن توازي من يزن الجبال بحلمه. ولا تلين على قسر قناته.

ولا يدرك ذو مدى أناته. أبوك مهد له مهاده وبنى ملكه وشاده. فإن يكن ما نحن فيه صوابا فأبوك أولى. وإن يكن جورا فأبوك أسه ونحن شركاؤه. فبهديه أخذنا وبفعله اقتدينا ورأينا أباك فعل ما فعل فاحتذينا مثاله واقتدينا بفعاله. فعتب أباك بما بدا لك. أو دع. والسلام على من أناب ورجع من غوايته وناب " (2).

إن سياسة معاوية التي اعتمدها ليشكك بها في مناقب أمير المؤمنين علي.

لم تقف عند التشكيك والمتاجرة بحرب الجمل وإنما اندفعت نحو الخلافة لتسجل على أمير المؤمنين أي اعتراض يخدم القاسطين في بلوغ أهدافهم.

وعندما أدلى محمد بن أبي بكر بدلوه رغبة منه في الاصلاح. كانت رسالة معاوية التهديدية إليه. فمعنى الرسالة: أنك إذا تكلمت مس جذورك ما تقول. وما تقوله لن يبطل دم عثمان وستهتف الجماهير بالقصاص تكلمت أو صمت، ولن تجد الجماهير بديلا عن اختيار المسلمين لأنفسهم.

ولكن محمد بن أبي بكر تكلم بدليل أن خطابه وخطاب معاوية إليه بين أيدينا في أكثر من مصدر. ولقد ظهرت في الساحة قبل وبعد صفين أحاديث وأسئله حائرة. جاءت نتيجة لسياسة معاوية الإعلامية في هذا الباب. وما كان لهذه الأسئلة أن تطرح في هذا الوقت العصيب الذي يبحث فيه الإمام عن وحدة

____________

(1) أي قومها وأظهرها.

(2) ابن أبي الحديد 632 / 1.

الصفحة 59
الأمة. لولا أن معاوية فتح لها الباب بغية أن تصب نتائجها المرجوة في سلته.

ولكن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن. صحيح أن هناك من هاجر إلى معاوية وكان الدافع إلى هجرتهم الحصول على الأموال. وليس الاقتناع بما يقول، ولكن الأهم أن أهل البصائر فارقوه بعد أن عرفوه. يقول أمير المؤمنين له في رسالة أثناء تلك الحملة الإعلامية: وأرديت (1) جيلا من الناس كثيرا (2).

خدعتهم بغيك (3). وألقيتهم في موج بحرك تغشاهم الظلمات. وتتلاطم بهم الشبهات. فجاروا (4). عن وجهتهم (5). ونكصوا على أعقابهم. وتولوا على أدبارهم. وعولوا على أحسابهم (6). إلا من فاء من أهل البصائر. فإنهم فارقوك بعد معرفتك. وهربوا إلى الله من موازرتك. إذ حملتهم على الصعب. وعدلت بهم عن القصد، فاتق الله يا معاوية في نفسك. وجاذب الشيطان قيادك. فإن الدنيا منقطعة عنك. والآخرة قريبة منك " (7).

3 - الإعلام العلوي:

كان من نتائج التشكيك الأموي بروز أسئلة لا بد أن يجيب عليها الإمام وحده وليس أحدا غيره. سأله بعض أصحابه: كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنتم أحق به؟ فقال: أما الاستبداد (8) علينا بهذا المقام. ونحن الأعلون نسبا والأشدون بالرسول صلى الله عليه وسلم نوطا (9). فإنها كانت

____________

(1) أرديتهم / أهلكتهم.

(2) جيلا من الناس / أي صنفا من الناس.

(3) الغي / الضلال.

(4) وجاروا / أي عدلوا عن القصد.

(5) ووجهتهم / يقال: هذا وجهه الرأي، أي هو الرأي بنفسه.

(6) أي لم يعتمدوا على الدين وإنما أردتهم الحمية ونخوة الجاهلية فأخلدوا إليها وتركوا الدين.

(7) ابن أبي الحديد 767 / 4.

(8) الاستبداد بالشئ / التفرد به.

(9) النوط / الالتصاق.

الصفحة 60
أثرة (1) شحت (2) عليها نفوس قوم. وسخت (3) عنها نفوس آخرين. والحكم الله والمعود إليه يوم القيامة.

ودع عنك نهبا صيح في حجراته * ولكن حديثا ما حديث الرواحل

وهلم الخطب في ابن أبي سفيان. فلقد أضحكني الدهر بعد إبكائه (4).

ولا غرر والله. فيا له خطبا يستفرغ العجب. ويكثر الأود (5). حاول القوم إطفاء نور الله من مصباحه. وسد فواره من ينبوعه. وجد جوا بيني وبينهم شربا وبيئا.

فإن ترتفع عنا وعنهم محن البلوي، أحملهم من الحق. وإن تكن الأخرى " فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليهم بما يصنعون " (6).

وقال الإمام ردا على ما يشاع في الساحة، وقد قال قائل: إنك على هذا الأمر يا ابن أبي طالب لحريص. فقلت: بل أنتم والله لأحرص وأبعد. وأنا أخص وأقرب. وإنما طلبت حقا لي وأنتم تحولون بيني وبينه. وتضربون وجهي دونه. فلما قرعته بالحجة في الملأ الحاضرين. هب كأنه بهت لا يدري ما يجيبني به. اللهم إني أستعديك (7) على قريش ومن أعانهم. فإنهم قطعوا رحمي (8). وصغروا عظيم منزلتي (9)، وأجمعوا على منازعتي أمرا هو لي. ثم قالوا: إلا إن في الحق أن تأخذه. وفي الحق أن تتركه " (10).

كان الإمام يجيب على أسئلة الحاضر بوقائع حدثت في الماضي فبين أنهم

____________

(1) أي استئثار بالأمر واستبدادا به.

(2) شحت / نحلت.

(3) سخت / جادت.

(4) يشير إلى ما كان عنده من الكآبة لتقدم من سلف عليه، ثم جاء معاوية نظيرا له.

(5) الأود / العوج.

(6) ابن بي الحديد 303 / 3.

(7) أي أطلب أن تساعدني عليهم.

(8) لم يرعوا قربه من النبي.

(9) أي لم يقفوا مع النصوص الواردة فيه.

(10) ابن أبي الحديد 350 / 3.

الصفحة 61
لم يقتصروا على أخذ حقه ساكتين عن الدعوى. ولكنهم أخذوه وادعوا أن الحق لهم وأنه يجب عليه أن يترك المنازعة فيه. فيا ليتهم أخذوه معترفين بأنه حقه.

فكانت المصيبة به أخف وأهون (1).

ولقد ذكرنا في هذا الكتاب أن الساحة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كان بها العديد من التيارات التي تصد عن سبيل الله. وذكرنا أن الصحابة الكبار أرادوا أن يحيدوا هذه التيارات حتى لا تبطش بالدعوة فكان ما جرى في السقيفة. والإمام هنا لا يخص إنسانا بعينه نازعه الأمر. وإنما يذكر قريشا إذ تحدث عن الذين قطعوا رحمه وصغروا منزلته وأجمعوا على منازعته. وهذا يؤيد ما ذهبنا إليه في أن قريشا دبرت أمرا. وبعضي قريش هموا بعمل كان في رأيهم إنقاذا للدعوة. وبعد السقيفة اعتزل الإمام علي وكانت له مكانته بين القوم حتى كان يوم الشورى وفيه رفعت أعلام " إنك على هذا الأمر يا ابن أبي طالب لحريص ".

وبعد أن وضع الإعلام العلوي النقاط فوق الحروف في قضية طرحها الإعلام الأموي الذي يبتغي التشكيك والمتاجرة بكل شئ.

طالب الإمام أتباعه إذا سألوا أن يسألوا تفقها فقال: سل تفقها. ولا تسأل تعنتا، فإن الجاهل المتعلم شبيه بالعالم. وإن العالم المتعنت شبيه بالجاهل " (2).

وقال: " لا تجعلوا علمكم جهلا ويقينكم شكا. إذا علمتم فاعملوا. وإذا تيقنتم فأقدموا " (3)، وقال: " اعقلوا الخبر إذا سمعتموه عقل رعاية.

لا عقل رواية. فإن رواة العلم كثير ورعاته قليل " (4)، ثم طالب الإمام بكتابة العلم ليكون حجة على امتداد الزمان فقال: " الق دواتك. وأطل جلفة قلمك. وفرج بين السطور. وقرمط بين الحروف فأن ذلك أجدر بصباحة

____________

(1) ابن أبي الحديد 351 / 3.

(2) ابن أبي الحديد 620 / 5.

(3) ابن أبي الحديد 579 / 5.

(4) ابن أبي الحديد 374 / 5.

الصفحة 62
الخط " (1)، وقال، " العلم علمان. مطبوع ومسموع. ولا ينفع المسموع إذا لم يكن المطبوع " (2) وجبت الناس في العلم فقال: " كل وعاء يضيق بما جعل فيه:

إلا وعاء العلم فإنه يتسع " (3)، وساق الناس إلى طريق الفكر فقيل له: صف لنا العاقل، فقال: هو الذي يضع الشئ في مواضعه فقيل: فصف لنا الجاهل، قال: قد فعلت (4). وقيل له: ما هو الخير؟ فقال: ليس الخير أن يكثر مالك وولدك. ولكن الخير أن يكثر علمك. وأن يعظم حلمك " (5).

لقد كان الإعلام العلوي يدق أوتاد العلم في كل مكان ويعمل على دوام العلم ليكون حجه على كل زمان. قال الإمام حين سأله رجل أن يعرفه ما الإيمان قال له: إذا كان غدا فأتني حتى أخبرك على أسماع الناس، فإن نسيت مقالتي حفظها عليك غيرك فإن الكلام كالشاردة يثقفها هذا ويخطئها هذا " (6).

وبينما كان الإعلام الأموي يدق أوتاد البدعة والفرقة كان الإعلام العلوي يدق أوتاد السنة والجماعة. عن يحيى بن عبد الله بن الحسن عن أبيه، قال: كان علي يخطب فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين. أخبرني من أهل الجماعة ومن أهل الفرقة. ومن أهل السنة ومن أهل البدعة؟ فقال: ويحك أما إذا سألتني فافهم عني، ولا عليك أن تسأل عنها أحدا بعدي. فأما أهل الجماعة فأنا ومن تبعني وإن قلوا. ذلك الحق من أمر الله وأمر رسوله. فأما أهل الفرقة فالمخالفون لي ومن اتبعني وإن كثروا. وأما أهل السنة المتمسكون بما سنه الله لهم ورسوله وإن قلوا، وأما أهل البدعة. فالمخالفون لأمر الله ولكتابه ورسوله العاملون برأيهم وأهوائهم وإن كثروا. وقد مضى الفوج الأول وبقيت أفواج. وعلى الله

____________

(1) ابن أبي الحديد 614 / 5.

(2) المصدر السابق 631 / 5.

(3) المصدر السابق 490 / 5.

(4) المصدر السابق 517 / 5.

(5) المصدر السابق 372 / 5.

(6) المصدر السابق 572 / 5.

الصفحة 63
قصهما واستئصالها عن حدبة الأرض " (1).

وقال له رجل: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن الفتنة؟ فقال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كيف صبرك إذا خضبت هذه من هذا. وأهوي بيده إلى لحيتي ورأسي؟ فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله ليس ذلك من مواطن الصبر ولكن من مواطن البشري والكشر. فقال لي: أجل. ثم قال لي: يا علي إنك باق بعدي ومبتلي بأمتي. ومخاصهم يوم القيامة بين يدي الله تعالى. فأعدد جوابا فقلت: بأبي أنت وأمي. بين لي ما هذه الفتنة التي يبتلون بها، وعلى ما أجاهدهم بعدك؟ فقال: إنك ستقاتل بعدي الناكثة والقاسطة والمارقة. وجلاهم وسماهم رجلا رجلا!!. ثم قال لي: وتجاهد أمتي على كل من خالف القرآن ممن يعمل في الدين بالرأي. ولا رأي في الدين. إنما هو أمر من الرب ونهيه فقلت: يا رسول الله فأرشدني إلى الفلج عند الخصومة يوم القيامة، فقال:

نعم. إذا كان ذلك فاعتصر على الهدى. إذا قومك عطفوا الهدى على العمى.

وعطفوا القرآن على الرأي فتأولوه برأيهم. تتبع الحجج من القرآن بمشتبهات الأشياء الكاذبة عند الطمأنينة إلى الدنيا والتهالك والتكاثر. فأعطف أنت الرأي على القرآن إذا قومك حرفوا الكلم عن مواضعه عند الأهواء الساهية والهرج الآثم والقادة الناكثة والفرقة القاسطة والأخرى المارقة. أهل الإفك المردى والهوى المطغى والشبهة الحالقة. فلا تتكلن عن فضل العاقبة فإن العاقبة للمتقين... " (2)، والحديث طويل ويشهد بصحته فضلا عن أنه حديث صحيح ما رواه حذيفة وعمار وأبو أيوب الأنصاري حين تحدث عن قتال علي للبغاة وسيأتي في موضعه.

ثم قال إمام المتقين. وقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: وإياك يا علي أن يكون خصمك أولى بالعدل والإحسان والتواضع لله والاقتداء بسنتي والعمل بالقرآن منك. فإن من فلج الرب على العبد يوم القيامة، أن يخالف

____________

(1) رواه وكيع (كنز العمال 183 / 16).

(2) رواه وكيع في الغرر (كنز العمال 183 / 16.

الصفحة 64
فرض الله أو سنة سنها نبي أو يعدل عن الحق ويعمل بالباطل. فعند ذلك يملي لهم فيزدادوا إثما قال تعالى: (إنما نملي لهم ليزدادوا إثما)، يا علي إن القوم سيفتنون ويفتخرون بأحسابهم وأموالهم ويزكون أنفسهم، ويمنون دينهم على ربهم. ويتمنون رحمته ويأمنون عقابه. ويستحلون حرامه بالمشتبهات الكاذبة.

فيستحلون الخمر بالنبيذ والسحت بالهدية والربا بالبيع ويمنعون الزكاة ويطلب البر. ويتخذون فيما بين ذلك أشياء من الفسق لا توصف صفتها. ويلي أمرهم السفهاء ويكثر تتبعهم على الجور والخطأ، فيصير الحق عندهم باطلا والباطل حقا. ويتعاونون عليه ويرمونه بألسنتهم، ويعيبون العلماء ويتخذونهم سخريا.

قلت: يا رسول الله فبأية المنازل هم إذا فعلوا ذلك. بمنزلة فتنة أو بمنزلة ردة؟

قال: بمنزلة فتنة. ينقذهم الله بنا أهل البيت عند ظهورنا (1)... (يوجد بياض في المتن) ثم تحدث عن الفتن فبين أن الله فتح بأهل البيت وبهم يختم وبهم يقصم كل جبار وكل منافق. ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي:

يا علي إنما مثل هذه الأمة كمثل الغيث لا يدري أوله خير أم أخره. وبين ذلك نهج أعوج لست منه وليس مني " (2)، وهذا حديث رواه أيضا الإمام أحمد والرامهرمزي.

وفي الفترة بين موقعة الجمل وبين صفين. كان الإعلام العلوي يسوق الناس إلى صراط الله العزير الحميد ولم يترك الإمام موقفا إلا وأقام عليه حجة.

ولم يترك باطلا إلا وضربه ليخرج الحق من جنبه. لقد كان الإمام يعرف المنافقين. نظرا لأن النبي صلى الله عليه وسلم وضع عنده أصول الأحداث في المستقبل. فوفقا لهذه الأصول ترى النفاق يشع بدون تدخل من أحد. لذا كان الإمام يسوق الناس إليه في عالم ترك بنو أمية بصماتهم على امتداد طريقه فكان يقول: " أنا يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الفجار "، وقال: معنى ذلك أن المؤمنين يتبعوني. والفجار يتبعون المال. كما تتبع النحل يعسوبها. وهو

____________

(1) المصدر السابق.

(2) المصدر السابق.

الصفحة 65
رئيسها (1)، وقال الإمام: لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني. ولو صببت الدنيا بجماتها على المنافق على أن يحبني ما أحبني وذلك أنه قضى فانقضى على لسان النبي الأمي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يا علي. لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق (2)، وفي وصف المنافقين يقول الإمام:

" أوصيكم عباد الله بتقوى الله. وأحذركم أهل النفاق. فإنهم الضالون المضلون. والزالون المزلون. يتلونون ألوانا. ويفتنون افتنانا (3). ويعمدونكم بكل عماد (4). ويرصدونكم بكل مرصاد (5). قلوبهم دوية (6). وصفاحهم نقية (7). يمشون الخفاء. ويدبون الضراء. وصفهم دواء. وقولهم شفاء وفعلهم الداء العياء (8)، حسدة الرخاء (9). وموكدو البلاء (10)، ومقنطوا الرجاء (11). لهم بكل طريق صريع. وإلى كل قلب شفيع (12). ولكل شجو دموع (13). يتقارضون الثناء (14). ويتراقبون الجزاء (15). إن سألوا الحفوا (16). وإن عذلوا

____________

(1) ابن أبي الحديد 614 / 5.

(2) ابن أبي الحديد 324 / 5 والحديث روى شطره الأخير مسلم والترمذي وغيرهم.

(3) أي يتشعبون فنونا أي ضروبا.

(4) يعمدونكم / يهدونكم ويفدحونكم. عماد / بأمر فادح.

(5) أي يعدون المكايد لكم.

(6) قلب دو / أي فاسد.

(7) جمع صفحة الوجه.

(8) أي أقوالهم أقوال الزاهدين وأفعالهم أفعال الفاسقين الفاجرين.

(9) أي يحسدون كل النعم.

(10) أي إذا وقع واحد من الناس في البلاء أكدوه عليه بالسعايات وإغراء السلطان عليه.

(11) أي يبدلون بشرورهم رجاء الراجي قنوطا.

(12) أي يستحوذوا على قلوب الناس بالرياء والتصنع.

(13) أي يبكون عند أهل كل حزن ومصاب.

(14) أي يثني زيد على عمرو، ليثني عمرو عليه في ذلك المجلس.

(15) أي يرتقب كل واحد منهم على ثنائه ومدحه لصاحبه جزاء منه إما بالمال أو بأمر آخر.

(16) الالحاف في السؤال: الاستقصاء فيه. وهو مذموم.

الصفحة 66
كشفوا (1)، وإن حكموا أسرفوا (2). قد أعدوا لكل حق باطلا (3)، ولكل قائم مائلا. ولكن حي قاتلا، ولكل باب مفتاحا (4)، ولكل ليل مصباحا (5).

يتوصلون إلى الطمع باليأس ليقيموا به أسواقهم (6). وينفقوا به أعلاقهم (7).

يقولون فيشبهون. ويصفون فيموهون. قد هونوا الطريق، وأضلعوا المضيق (8).

فهم لمة الشيطان. وحمة النيران (9)، (أولئك حزب الشيطان ألا أن حزب الشيطان هم الخاسرون) (10).

وبعد أن وصف أمير المؤمنين مربع النفاق وصفا جامعا شاملا سئل عن الإيمان فقال: الإيمان على أربع دعائم: على الصبر واليقين. والعدل والجهاد.

والصبر منها على أربع شعب: على الشوق، والشفق، والزهد، والترقب، فمن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار اجتنب المحرمات، ومن زهد في الدنيا استهان بالمصيبات. ومن ارتقب الموت سارع في الخيرات.

واليقين منها على أربع شعب: على تبصرة الفطنة، وتأول الحكمة، وموعظة العبرة، وسنة الأولين، فمن تبصر في الفطنة، تبينت له الحكمة، ومن تبينت له الحكمة، عرف العبرة، ومن عرف العبرة فكأنما كان في الأولين.

والعدل منها على أربع شعب: على غائض الفهم. وغور العلم. وزهرة الحكم، ورساخة الحلم، فمن فهم علم غور العلم. ومن علم غور العلم صدر.

____________

(1) أي إذا عزلك أحدهم كشف عيوبك في ذلك اللوم والعذل. وربما كشفها لك بمختصر ممن لا تحب ذكرها بحضرته.

(2) إذا سأل أحدهم ففوضته في مالك أسرف ولم يقنع بشئ.

(3) يقيمون الباطل في معارضة الحق.

(4) أي ألسنتهم ذلقة قادرة على فتح المغلقات.

(5) أي كل أمر مظلم فقد أعدوا له كلاما ينيره ويضيئه.

(6) أي لتنفق سلعتهم.

(7) الإعلاق / السلعة الثمينة.

(8) أضلعوا الطريق / أي أمالوه.

(9) ابن أبي الحديد 482 / 3.

(10) سورة المجادلة: الآية 19.

الصفحة 67
عن شرائح الحلم. ومن حلم لم يفرط في أمره. وعاش في الناس حميدا، والجهاد منها على أربع شعب: على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصدق في المواطن، وشنآن الفاسقين، فمن أمر بالمعروف شد ظهور المؤمنين، ومن نهى عن المنكر أرغم أنوف المنافقين، ومن صدق في المواطن قضى ما عليه. ومن شنأ الفاسقين وغضب لله غضب الله له وأرضاه يوم القيامة.

والكفر على أربع دعائم: على التعمق، والتنازع، والزيغ، والشقاق، فمن تعمق لم ينب إلى الحق، ومن كثر نزاعه بالجهل دام عماه عن الحق.. ومن زاغ ساءت عنده الحسنة، وحسنت عنده السيئة. وسكر سكر الضلالة، ومن شاق وعرت عليه طرقه. وأعضل عليه أمره. وضاق عليه مخرجه.

والشك على أربع شعب: على التمادي، والهول، والتردد والاستسلام، فمن جعل المراء ديدنا لم يصبح ليلة، ومن هاله ما بين يديه نكص على عقبيه.

ومن تردد في الريب. وطئته سنابك الشيطان. ومن استسلم لهلكة الدنيا والآخرة هلك فيهما " (1).

وبعد أن تحدث الإمام عن النفاق والإيمان. تحدث عن الإسلام فقال:

" لأنسبن الإسلام نسبة لم ينسبها أحد قبلي. الإسلام هو التسليم، والتسليم هو اليقين. واليقين هو التصديق، والتصديق هو الاقرار، والإقرار هو الأداء والأداء هو العمل " (2)، وقال إمام المتقين: " غدا ترون أيامي ويكشف لكم عن سرائري.

وتعرفونني بعد خلو مكاني وقيام غيري مقامي " (3)، وقال الإمام: إن أمرنا صعب مستصعب لا يحمله إلا عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان ولا يعي حديثنا إلا صدور أمينة، وأحلام رزينة، أيها الناس: سلوني قبل أن تفقدوني! (4)، الله أكبر

____________

(1) ابن أبي الحديد 302 / 5، ووكيع وابن عساكر وابن أبي الدنيا (كنز العمال 183 / 16، 206 / 96).

(2) ابن أبي الحديد 413 / 5.

(3) المصدر السابق 212 / 30.

(4) ابن أبي الحديد 135 / 4، وروى ابن سعد " سلوني عن كتاب الله... "، الطبقات. 338 / 2.

الصفحة 68
يا أمير المؤمنين!! إنه قول باب مدينة العلم الذي يجلس على ذروتها أحمد صلى الله عليه وسلم:. أيها الناس: سلوني قبل أن تفقدوني. فلأنا بطرق السماء أعلم مني بطرق الأرض، قبل أن تشغر برجلها فتنة تطأ في خطامها.

وتذهب بأحلام قومها " (1).

يقول ابن أبي الحديد: أجمع الناس كلهم على أنه لم يقل أحد من الصحابة، ولا أحد من العلماء " سلوني " غير علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ذكر ذلك ابن عبد البر المحدث في كتاب " الإستيعاب " والمراد بقوله: " فلأنا أعلم بطرق السماء مني بطرق الأرض "، ما اختص به من العلم بمستقبل الأمور.

ولا سيما في الملاحم والدول. وقد صدق هذا القول عنه ما تواتر عنه من الأخبار بالغيوب المتكررة. لا مرة ولا مائة مرة. حتى زال الشك والريب في أنه إخبار عن علم. وأنه ليس عن طريق الاتفاق. وقد تأول قوم على وجه آخر قالوا: أراد أنا بالأحكام الشرعية والفتاوى الفقهية أعلم مني بالأمور الدنيوية، فعبر عن تلك بطرق السماء، لأنها أحكام إلهية، وعبر عن هذه بطرق الأرض لأنها من الأمور الأرضية (2).

وقال ابن أبي الحديد فيقول الإمام: " إن أمرنا هذا صعب مستصعب، ولا يحمله إلا عبد مؤمن امتحن الله قلبه بالإيمان "، قال: هذه الكلمة قد قالها كرم الله وجهه مرارا. ووقفت في بعض الكتب على خطب من جملتها: إن قريشا طلبت السعادة فشقيت، وطلب النجاة فهلكت. وطلبت الهدى فضلت، ألم يسمعوا ويحهم قوله تعالى: " والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم) (3)، فأين المعدل المنزع عن ذرية الرسول، الذين شيد الله بنيانهم فوق بنيانهم. وأعلى رؤوسهم فوق رؤوسهم، واختارهم عليهم، ألا إن الذرية أفنان

____________

(1) ابن أبي الحديد 135 / 4.

(2) ابن أبي الحديد 138 / 4.

(3) سورة الطور: الآية 21.

الصفحة 69
أنا شجرتها. ودوحة أنا ساقها. وإني من أحمد بمنزلة الضوء من الضوء... إن أمرنا صعب مستصعب. لا يعرف كنهه إلا ثلاثة: ملك مقرب. أو نبي مرسل.

أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان. فإذا انكشف لكم سر. أو وضح لكم أمر فاقبلوه. وإلا فاسكتوا تسلموا وردوا علمنا إلى الله. فإنكم في أوسع مما بين السماء والأرض " (1).

ودائرة الملك المقرب أو النبي المرسل. هي دائرة الوحي حيث يوجد النبي صلى الله عليه وسلم ودائرة العبد الذي امتحن الله قلبه للإيمان هي دائرة أهل البيت. والدائرة الأولى تعطي الثانية، حيث طهر على طهر ويقول ابن أبي الحديد: إعلم أن أمير المؤمنين كرم الله وجهه لو فخر بنفسه. وبالغ في تعديد مناقبه وفضائله بفصاحته التي آتاه الله تعالى إياها. واختصه بها، وساعده على ذلك فصحاء العرب كافة لم يبلغوا إلى معشار ما نطق به الرسول الصادق صلوات الله عليه في أمره. ولست أعني بذلك الأخبار العامة الشائعة التي يحتج بها الإمامية على إمامته كخبر الغدير والمنزلة وقصة براءة، وخبر المناجاة وقصة خيبر وخبر الدار بمكة في ابتداء الدعوة ونحو ذلك. بل الأخبار الخاصة التي رواها فيه أئمة الحديث التي لم يحصل أقل القليل منها لغيره " (2).

ومما سبق علمنا أن أهل الشام رفضوا كل نصيحة وشككوا في كل حقيقة، واستغلوا كل حادثة وكل حركة فشقوا طورا فيها. على أمل أن يصلوا إلى غايتهم حيث كرسي الحكم. وعلمنا كيف واجه الإمام هذا الإعلام وهذه المخططات.

وكيف أمر بالعلم وتدوينه نظرا لما سيترتب فيما بعد على هذه الأحداث. وما ترك الإمام دربا من الدروب إلا وأقام عليه الحجة وحدد الحركة فيه تحديدا دقيقا. ومما سبق يمكن بوضوح معرفة أي دائرة من الدوائر هي التي تقاتل لتكون كلمة الله هي العليا. وأبن يوجد لواء الضلالة والأمراء الذين سيتمنون يوم القيامة أن ذوائبهم كانت معلقة بالثريا. يتذبذبون بين السماء والأرض ولم يكونوا عملوا.

____________

(1) ابن أبي الحديد 138 / 4.

(2) ابن أبي الحديد 249 / 3.

الصفحة 70
على شئ أو أنهم لم يولوا شيئا. كما ورد في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخبر بالغيب عن ربه جل وعلا.

4 - الاصطفاف للقتال:

على أرض صفين رفعت رايتان لا ثالث لهما. راية النبي صلى الله عليه وسلم بمودة أهلها وأعلن أن حربهم حربه وسلمهم سلمة.. وبين أنهم يؤدون عنه وأنهم يدورون مع الكتاب ولن يفترقا حتى يردا على الحوض. وأخبر أن الأمة ممتحنة بأصحاب هذه الراية ولذلك أوصي بهم في كل موضع من المواضع وقال: " أوصيكم الله في أهل بيتي ".

وراية حذر النبي صلى الله عليه وسلم من فتح الطريق لها. وحدد أسماء وبين معالم للفتن. كيف يقف الصحابة عند الأبواب ويمنعوا الناس من الدخول فيها. لأن الدخول يعني فتح طريق آخر على امتداده ترفع رايات أكثر من سبعين فرقة ويرى على امتداده الأئمة المضلون وأمراء الجور الذين يقتتلون على الملك ويحرصون على الإمارة. وفي نهاية المطاف عندما تنهدم الدنيا يتمنوا أن يخروا من الثريا ولم يلوا من أمر الناس شيئا. وأخبر النبي أن التكالب على الدنيا يعني عدم الورود على الحوض لأن الكتاب لا يأمر الناس بالحرص على الإمارة واكتناز الذهب والفضة.

لقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ويل لبني أمية " ثلاث مرات (1)، ولقد وردت أحاديث صحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أسماء قادة الفتن وحذر منهم. وكان حذيفة يقول: أنسي أصحابي أم تناسوا. والله ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من قائد فتنة إلى أن تنقضي الدنيا... ألا وقد سماه لنا باسمه واسم أبيه واسم قبيلته " (2)، وروي عن الإمام علي وعمار

____________

(1) رواه ابن منده وأبو نعيم عن حمران بن جابر ورواه ابن قانع عن سالم الحضرمي (كنز العمال 165 / 11).

(2) رواه أبو داود، وسبق تخريجه.

الصفحة 71
بمثل ذلك. وإذا كان النبي قد أخبر بأسماء رؤوس الفتن. فإنه أخبر أيضا بأسماء.

أعلام الهدى. ولقد ذكرنا ما ورد في أهل البيت. وأخبر عنهم أيضا آخر الزمان ولكن يبدو أن الصحابة نسوا هذه الأسماء كما ذكر حذيفة. وهذا الإخبار جاء في صحيح مسلم في مواضع. منها عندما تحدث عن القيادة الإسلامية التي ستفتح المدينة العظمى قبل خروج الدجال. يقول النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الفتح "... ويقبلون فيبعثون عشر فوارس إني لأعرف أسماءهم وأسماء آبائهم وألوان خيولهم هم خير فوارس على وجه الأرض " (1)، فهنا توجد أسماء وعند مسلم أيضا " لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا إلى اثني عشر خليفة " ولكن الراوي لم يسمع كلمة قالها النبي بعد ذلك: فقال: " فقال كلمة أصمنيها الناس فقلت لأبي: ما قال؟ قال: كلهم من قريش " (2).

هذه أحاديث ذكرت فيها أسماء. ولا يمكن لعاقل أن يقول إن النبي احتفظ بهذه الأسماء لنفسه ولم يبلغها لأمته. لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه الله ليقيم حجة. وليس معنى أن في الصحابة من نسي أن جميعهم تناسوا. فبنوا أمية راية رويت فيهم أحاديث تحذر الناس من طريقهم. فعند الباب أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أشد قومه بغضا له قبائل منهم بنو أمية (3)، وأخبر أن بني أمية إذا تقلدوا المناصب وبلغوا أربعين - وفي رواية - ثلاثين رجلا. فإنهم سيتخذون مال الله دولا أي يكون لقوم دون قوم. ودين الله دخلا أي يدخلوا فيه أمورا لم ترد في كتاب أو سنة. وعباد الله خولا أي عبيدا يستخدمونهم ويستعبدونهم " (4).

____________

(1) رواه مسلم كتاب الفتن (الصحيح 178 / 8).

(2) رواه مسلم كتاب الإمارة (4 / 6).

(3) رواه البيهقي عن عمران وقال ابن كثير رجاله ثقات (البداية 268 / 6) ورواه نعيم ابن حماد عن أبي سعيد (كنز العمال 169 / 11).

(4) الحديث رواه الإمام أحمد والطبراني والبزار والحاكم وأبو يعلى والبيهقي عن أبي سعيد وأبي ذر وابن عباس وفي الحديث تحذير من بني أمية أو بني الحكم، ولقد تحدثنا عنه فيما سبق.