المسائل العشر
الحمد لله الّذي ضمِن النصر لمن نصره، وأيّد بسلطان الحقّ مَن عرف سبيله فأبصره، وسلب التوفيق عمّن(2) ألحد فيه وأنكره.
وإليه الرغبة في إدامة النعمة، وبه نعوذ من العذاب والنقمة.
وصلواته على سيّدنا محمّد وآله الأئمّة المهديّة، وسلّم كثيراً.
وبعد، فإنّي قد خلّدتُ(3) من الكلام في وجوب الإِمامة، واختصاص مستحقّيها(4) عليهم السلام بالعصمة، وتمييزهم من رعاياهم بالكمال والفضل بمحاسن(5) الأفعال والأعلام الدالة على الصدق منهم في الدعوى إلى ما دعوا إليه من الاعتقادات والأعمال، والنصوص الثابتة عليهم من الله تعالى، بجليّ المقال.
____________
(1) ر. ع. س: ربّ يسّر.
(2) ع. ل: مَن.
(3) ر. ع: جلدت، ل: حللت.
(4) ر. ع: مستحقّها.
(5) ر. ع. س: محاسن.
وبيّنتُ عن أسباب ظهور دعوة الناطقين منهم إلى الدين، وصمتِ المتّقين عن ذلك، لضرورتهم إليه بظلم الجبارين، والاشفاق على مهجهم(1) [ من ] المبيحين لدمائهم، المعتدين بخلافٍ قِتْلَهَ (2) النبيّين والمرسلين فيما استحلّوه من ذلك. بما ضمّه الفرقان والقرآن(3) المبين، فيما ثبت في غيبة خاتم الأئمّة المهديّين عليهم أفضل السلام والتسليم، واستتاره من دولة الظالمين، ما دلّ على ايجابه إلى ذلك وضرورته إليه. مثمّر العلم به واليقين.
وتجدّد بعد الّذي سطرته في هذه الأبواب، وشرحتُ معانيه على وجه السؤال فيه والجواب(4)، وشواهد الحقّ فيه بحجّة العقل والسنّة والكتاب، رغبةٌ مّمن أُجب له حقّاً، وأُعظم له محلاً وقدراً، وأعتقد في قضاء حقّه(5)ووفاق مشربه(6) لازماً وفرضاً، في إثبات نكت من فصول خطرَتْ بباله في مواضع ذكرها، يختصّ القول فيها بإمامة صاحب الزمان عليه وعلى آبائه أفضل السلام، وآثر أن يكون القول فيها على ترتيب عيّنه وميّزه من جملة ما في بابه وبيّنه.
فاستخرتُ الله تعالى في رسم ما ذكره من الفصول، والقول فيها بما تعم معرفته ذوي العقول، ولا يحتاج معه إلى فكرٍ(7) يمتدّ زمانه ويطول، ويستغني به
____________
(1) ر. ع. ل. ط: إلى منهجهم.
(2) ع. س: لخلاف قتله، ل. ط: لخلاف قتلهم، ر: بخلاف قتلهم.
(3) ع. ل. ط: الفرقان القرآن.
(4) ر. ع: وجه السؤال فيه والسؤال والجواب.
(5) ر. ل. س. ط: فصاحته.
(6) ر. ع. س: مسرّته.
(7) ل: ذكر.
____________
(1) راجع ما كتبناه في المقدّمة من مؤلفات المفيد مستقلاً وضمناً عن الإِمام الحجّة عليه السلام.
(2) س. ط: ومهّدته.
ذكر الفصول على ترتيبها ونظامها وشرحها ومواضع الشبهات فيها
الفصل الأوّل:
القول فيما يدّعيه الإِمامية من وجود خلفٍ لأبي محمّد الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ الرضا وُلِدَ في حياته، مع خفاء ذلك على أهله، واستتاره عن بني عمّه وأوليائهم وأعدائهم في وقته إلى هذه الغاية، لم يشرك الإِمامية في دعوى ذلك غيرهم من الناس.
الفصل الثاني:
إنكار جعفر بن عليّ بن محمّد بن عليّ(1) ـ أخي الحسن بن عليّ ـ دعوى الإِمامية ولداً له، وحوزه ميراثه، والتظاهر بتكذيب من ادّعى لأخيه ولداً في حياته وبعد وفاته، ورفع خبر المدّعين ذلك إلى السلطان، حتّى بعثه(2) على حبس جواريه(3) واستبراء حالهم(4) في الحمل، فلم يَظْهر لواحدة منهنّ
____________
(1) خرج التوقيع على عثمان العمري من الناحية المقدّسة جواب أسئلة سألها إسحاق بن يعقوب: …
وأمّا سبيل عمّي جعفر وولده سبيل أخوه يوسف عليه السلام.
كمال الدين: 483 ـ 484.
وراجع البحار 50: 227 ـ 232 باب 6 أحول جعفر، و37: 8.
(2) ر. ع: يعنه.
(3) ر. ع: جواره.
(4) ط: حالهنّ.
الفصل الثالث:
وصيّة الحسن المشهورة إلى والدته ـ المسمّاة بحديث(1) المكناة بأُمّ الحسن ـ في وقوفه وصدقاته، وامضائها(2) على شروطها، ولم يذكر فيها ولداً له موجوداً(3) ولا منتظراً.
الفصل الرابع:
ما الداعي إلى ستر ولادته، والسبب إلى خفاء أمره وغيبته؟ مع ظهور نسب آبائه وولادتهم ونشئهم(4) واشتهار وجودهم، وقد كانوا في ازمانٍ التقيّة فيها أشدّ من زمن الحسن بن عليّ بن محمّد، وخوفهم فيها من ملوك بني أُميّة ومن بعدهم أعظم، ولم يغِبْ أحدٌ منهم، ولا خفيَتْ ولادته ووجوده عن الناس.
الفصل الخامس:
خروج دعوى الإِماميّة في غيبة الإِمام عن حكم العادة في استتاره عن
____________
(1) هي أُمّ الحسن حديث أو حديثة، وقيل: سوسن، وقيل سليل، وكانت من الصالحات المتقيات العارفات بهذا الأمر.
الاعيان 1: 40.
(2) ع: وأمضا بها.
(3) ل. ط: ولداً موجوداً.
(4) ل: وموتهم.
الفصل السادس:
انتقاض العادة في دعوى طول عمره وبقائه منذ ولد على قول الإِماميّة قبل وفاة أبيه بسنين، وكانت وفاته في سنة ستين ومائتين إلى وقتنا هذا وهو سنة عشرة وأربعمائة.
الفصل السابع:
انّ غيبته متى صحّت على الوجه الّذي تدّعيه الإِماميّة بطلت الحاجة إليه، إذ كان وجود منعها كعدمه(4) من العالم، ولا تظهر له دعوة، ولا تقوم له حجّة، ولا يُقيم حداً، ولا ينفذ حكماً، ولا يرشد، مسترشداً، ولا يأمر بمعروف، ولا ينهى عن منكر، ولا يهدي ضالاً، ولا يجاهد في الإِسلام.
الفصل الثامن:
بطلان دعوى الإِماميّة
____________
(1) ع. ل: في استتار الخلق، ر. س: في استتار الحقِّ، والمثبت من ط ونسخة بدل في س.
(2) أي: إلى صاحبهم.
(3) ل. ع. ط: وعدم خبر معرفة.
(4) س. ط: إذا كان وجوده ومعها كعدمه.
____________
(1) هم: الواقفة الّذين وقفوا على موسى بن جعفر عليه السلام، وهم فِرقٌ كثيرة:
فمنهم من قال: بأنّه حيّ لم يمت ولا يموت حتّى يملك شرق الأرض وغربها، ويملأها كلّها عدلاً كما ملئت جوراً، وأنّه القائم.
ومنهم من قال: إنّه القائم وقد مات، ولا تكون الإمامة لغيره حتّى يرجع، وزعموا أنّه قد رجع بعد موته إلاّ أنّه مختف في موضع من المواضع.
ومنهم من قال: إنّه القائم وقد مات ويرجع وقت قيامه.
وأنكر بعضهم قتله وقال: مات ورفعه الله إليه وانّه يردّه عند قيامه.
وإنّما لقبوا بالممطورة، لأن علي بن إسماعيل الميثمي ويونس بن عبد الرحمن ناظرا بعض الواقفية فقال عليّ بن إسماعيل ـ وقد اشتدّ الكلام بينهم ـ: ما أنتم إلاّ كلاب ممطورة، أراد: انتن من الجيف، لأنّ الكلب إذا أصابه المطر فهو انتن من الجيف.
فرق الشيعة: 90 ـ 92.
(2) ل. س. ط: شكوا.
(3) هم الّذين يعتقدون بإمامة محمّد بن الحنفية، وهم فرق متعدّدة:
فمنهم من قال بإمامة محمّد بن الحنفية بعد أمير المؤمنين عليه السلام.
ومنهم من قال بإمامته بعد الحسن والحسين عليهما السلام.
ومنهم من قال بأنه هو الإِمام المهدي، سمّاه به ابوه عليه السلام لم يمت ولا يموت، وليس لأحد أن يخالفه، وإنّما خرج الحسن والحسين بإذنه.
وإنّما سمّوا بالكيسانية، لأن محمّد بن الحنفية استعمل المختار على العراقين، وأمر بالطلب بدم الحسين وثأره وقتل قاتليه، وسمّاه كيسان لكيسه.
فرق الشيعة: 41 ـ 45.
أقول: عند التأمّل في كتب التاريخ والتراجم نجزم بأنّ محمّد بن الحنفيّة لم يؤسّس هذه الفرقة، ولا له بهم صِلة، وإنّما هم نسبوا أنفسهم إليه، وانّه كان يعلم بإمامة ابن أخيه السجاد، ولم يدّع الإمامة لنفسه قط.
____________
(1) هم فرقه قالوا: إنّ جعفر بن محمّد حيّ لم يمت ولا يموت، حتّى يظهر ويلي أمر الناس وإنّه هو المهدي، وزعموا أنّهم رووا عنه أنّه قال: ان رأيتم رأسي قد أهوى عليكم من جبل فلا تصدّقوه، فإنّي أنا صاحبكم.
وإنما سمّيت بالناووسة، لأن رئيساً لهم من أهل البصرة كان يقال له فلان بن فلان الناووس، وقيل: اسمه عجلان بن ناووس، وقيل: اسمه ناوس، وقيل نُسبوا إلى قرية ناوسا.
فرق الشيعة: 78.
(2) فرقة قالوا: إنّ الإِمام بعد جعفر بن محمّد ابنه إسماعيل بن جعفر، وأنكرت موت إسماعيل في حياة أبيه، وقالوا: كان ذلك على جهة التلبيس من أبيه على الناس، لأنّه خاف عليه فغّيبه عنهم، وزعموا أنّ اسماعيل لا يموت حتّى يملك الأرض يقوم بأمر الناس، وأنّه هو القائم، وهذه الفرقة هي الإسماعيلية الخالصة.
فرق الشيعة: 80.
أقول: منشأ اشتباه هذه الفرقة هو أنّ إسماعيل كان أكبر ولد أبيه الصادق، وكان رجلاً صالحاً، وكان أبوه شديد المحبّة له والبرّ به، وكان يظنّ قوم من الشيعة في حياة أبيه انّه القائم بعده.
ولّما مات اسماعيل في حياة أبيه بالعريض وحمل على رقاب الرجال إلى المدينة، أمر الإِمام بوضع السرير على الأرض قبل دفنه مراراً، وكان يكشف عن وجهه وينظر إليه، يريد بذلك تحقيق أمر وفاته عن الظانّين خلافته له من بعده وإزالة الشبهة عنه.
ومع كلّ هذه الإجرائات منه، نرى تمسّك فرقة بإمامة اسماعيل بعد أبيه.
(3) هو: أبو القاسم محمّد الأكبر بن عليّ بن أبي الطالب، والحنفية لقب أُمّه خولة بنت جعفر، كان كثير العلم والورع شديد القوة، وحديث منازعته في الإمامة مع عليّ بن الحسين عليه السلام وإذعانه بإمامته بعد شهادة الحجر له مشهور، بل في بعضها: وقوعه على قدمي السجاد بعد شهادة الحجر، ولم ينازعه بعد ذلك بوجه، توفّي سنة 80 هـ وقيل: 81 هـ.
الطبقات الكبرى 5: 91، وفيات الأعيان 4: 169، تنقيح المقال 3: 115.
الفصل التاسع:
اعتراف الإِماميّة بأنّ الله تعالى أباح للإِمام(3) الاستتار عن الخلق، وسوّغ له الغيبة عنهم بحيث لا يلقاه أحدٌ منهم فيعرفه بالمشاهدة لطفاً له في ذلك ولهم، وإقرارهم بأنّ الله سبحانه لا يبيح إلاّ ما هو صلاح ولا يسوّغ إلاّ ما هو في التدبير صواب ولا يفعل بعباده إلاّ ما بهم حاجة إليه ما دامت المحنة(4) والتكليف باقياً، وهذا ينقض قولهم في مشاهدته وأخذ معالم الدين فيه(5) مصلحة تامّة وأنّ بظهوره تمام المصالح والنظام والتدبير(6).
الفصل العاشر:
اضطرار الإِماميّة عند
____________
(1) اسماعيل بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب الهاشمي المدني، رجل صالح، مات في حياة أبيه بالعريض، وحمل على رقاب الرجال إلى المدينة حتّى دفن بالبقيع، وحزن عليه الصادق حزناً عظيماً، وتقدّم سريره بغير حذاء ولا رداء.
تنقيح المقال 1: 131 ـ 132، وفيه بحث كامل حول ما تصوّره البعض من ورود الذمّ لإسماعيل.
(2) ع: ويناقض.
(3) ع. ل: الإِمام.
(4) ر: المحبّة.
(5) ط: عنه.
(6) ع. ل. ر: والنظام التدبير.
____________
(1) ر: لصحّة.
(2) ع: للآيات.
(3) ط: والحاد لظهورها على غير من اختصّت به.
الكلام في الفصل الأوّل
وأقول: إنّ استتار ولادة المهدي بن الحسن بن عليّ عليهم السلام عن جمهور أهله وغيرهم، وخفاء ذلك عليهم، واستمرار استتاره عنهم ليس بخارج عن العرف، ولا مخالفاً لحكم العادات، بل العلم محيطٌ بتمام مثله في أولاد الملوك والسُّوقَة(1)، لأسباب تقتضيه لا شبهة فيها على العقلاء.
فمنها: أن يكون للإِنسان(2) ولد من جارية فد أستر(3) تملّكها من زوجته وأهله، فتحمل منه فيخفي ذلك عن كل مَن يشفق(4) منه أن يذكره ويستره عمّن لا يأمن إذاعة الخبر به، لئلاً يفسد الأمر عليه مع زوجته بأهلها وأنصارها، ويتم الفساد به ضرر(5) عليه يضعف عن دفاعه عنه، وينشؤ الولد وليس أحدٌ من أهل الرجل وبني عمّه وإخوانه وأصدقائه يعرفه، ويمرّ(6) على ذلك إلى أن يزول خوفه من الإخبار عنه، فيعرّف به إذ ذاك،
____________
(1) هم بمنزلة الرعيّة التي تسوسها الملوك، سمّوا بذلك لأن الملوك يسوقونهم فينساقون لهم.
لسان العرب: 10: 170 سوق.
(2) ر. ل: الانسان.
(3) ر. س. ط: استتر.
(4) ل: شفق.
(5) ط: ويتمّ الفساد به ويترتّب ضررّ.
(6) ل. ط: يمرّ، بدون واو.
وقد يولد للملك ولدٌ يؤِذن به حتّى ينشؤ ويترعرع، فإن رآه على الصورة التي تعجبه …(2) وقد ذكر الناس ذلك عن جماعة من ملوك الفرس والروم(3) والهند(4) في الدولتين معاً(5)، فسطروا(6) أخبارهم في ذلك، وأثبتوا قصّة كيخسرو بن سياوخش بن كيقاوس ملك الفرس(7)، الّذي جمع ملك بابل(8) والمشرق،
____________
(1) س. ط: تضيع.
(2) كذا في جميع النسخ، ويصلح أن يكون مكانه عبارة: فيؤذن به ويعلن عنه، وإلاّ فلا.
(3) جيل معروف في بلادٍ واسعة، واختلف في أصل نسبهم، فقيل: انّهم من وُلد روم بن سماحيق … بن إبراهيم عليه السلام، وحدود الروم: من الشمال والشرق: الترك والخزر ورسّ وهم الروس، ومن الجنوب: الشام والاسكندرية، ومن المغرب: البحر والاندلس وكانت الرقة والشامات كلّها تعدّ في حدود الروم أيام الأكاسرة.
معجم البلدان 3: 97 ـ 98.
(4) دولة في جنوب آسيا، يحدّها من الغرب باكستان الغربية، ومن الشمال الصين ونيبال، ومن الشرق بورما وباكستان الشرقية، عاصمتها نيودلهي.
المنجد: 731.
(5) كذا في النسخ.
(6) ر. س: فينظروا.
(7) هذه الأسماء وردت مضطربة في النسخ: وما أثبتناه من س والمصدر.
ففي ع: كيسخرو بن سواخس وكنفار بن ملك الفرس.
وفي ل. ر: كسيخرو بن سواخس وكنفان بن ملك الفرس.
وفي ط: كيخسرو أو ابن سياوخش وكيقاوس ملك الفرس.
وفي المصادر الفارسية: كيخسرو بن سياوش بن كيكاوس.
(8) ناحية من الكوفة والحلّة، وكان ينزلها الكلدانيون، ويقال: اوّل من سكنها نوح عليه السلام بعد الطوفان.
معجم البلدان 1: 309.
والخبر بأمره مشهور، وسبب ستره وإخفاء شخصه معروف، قد ذكره علماء الفرس(7)، وأثبته محمّد بن جرير الطبري(8) في كتابه التاريخ(9).
____________
(1) س. ط: للكيخسرو.
(2) في النسخ: أو أُمّه، والظاهر ما اثبتناه، لتعارف كثير من المستنسخين على أن يضعوا ألفاً بعد الواو دائماً.
(3) ر. ع. ل: يوسفارند، س: يوسفافريد، والمثبت من ط والمصدر.
وفي المصادر الفارسية: فرانكيس أو فرانكيز.
(4) س. ط: افراسياب.
وكذا في المصادر الفارسيّة.
(5) أي: الإجتهاد، ويحتمل أن تكون العبارة هكذا: مع الجِدّ وما كان من …
(6) ع: له أعظم.
(7) ذكر الخبر ومصادره علي أكبر دهخدا في كتابه «لغتنامه» 29/744 حرف السين، و38/457 حرف الكاف، و35/200 حرف الفاء، و22/535 حرف الخاء.
(8) أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري، المؤرخ، عامي، ولد بآمل طبرستان سنة 224 وتوفي سنة 310 ببغداد، له مؤلّفات كثيرة منها التفسير الكبير وكتاب طرق حديث الغدير الّذي قال الذهبي: إنّي وقفت عليه فاندهشت لكثرة طرقه.
وامّا كتابه التاريخ (تاريخ الأَمم والملوك) فهو من أحسن كتب التاريخ، جمع فيه أنواع الأخبار وروى فنون الآثار واشتمل على صنوف العلم.
النجاشي: 322 رقم 879، الكنى والألقاب 1: 236 ـ 237.
(9) تاريخ الأَمم والملوك (تاريخ الطبري) 1/504 ـ 509.
وملخّص القصّة: أنّه وُلد لكيقاوس ابنُ، لم يُر مثله في عصره في جماله وكماله وتمام خلقه، فسمّاه أبوه سياوخش … وربّاه أحسن تربية إلى أن كبر، وكان كيقاوس تزوّج ابنة فراسياب ملك الترك، وكانت ساحرة، فهويت ابن زوجها سياوخش ودعته إلى نفسها، وأنه امتنع عليها، فلمّا رأت امتناعه عليها حاولت إفساده على أبيه، فتغير كيقاوس على ابنه، وتوجّه سياوخش لحرب فراسياب ـ لسبب منع فراسياب بعض ما كان ضمن لكيقاوس عند انكاحه ابنته إيّاه ـ مريداً بذلك البعد عن والده والتنحّي عمّا تكيده به زوجة والده، فلمّا صار سياوخش إلى فراسياب جرى بينهما صلح، وكتب بذلك سياوخش إلى أبيه يعلمه ما جرى بينه وبين فراسياب من الصلح، فكتب إليه والده بمناهضة فراسياب ومناجزته الحرب، فرأى سياوخش أنّ في فعله ما كتب به إليه أبوه عاراً عليه، فمتنع من انفاذ أمر أبيه وارسل فراسياب في أخذ الأمان لنفسه منه، فأجابه فراسياب، فلمّا صار سياوخش إلى فراسياب بوّأه وأكرمه وزوجه ابنة له يقال لها وسفافريد ثمّ لم يزل له مكرماً حتّى ظهر له أدب سياوخش وعقله وكماله ما اشفق على ملكه منه وسعى على سياوخش إلى فراسياب ابنين لفراسياب واخ، حتّى قتل فراسياب سياوخش ومثّل به، وامرأته ـ أبنة فراسياب ـ حامل منه، فطلبوا الحيلة لإسقاطها ما في بطنها فلم يسقط، فوضعوها تحت رقابة فيران إلى ان تضع ليقتل الطفل، فلمّا وضعت فراسياب حملها: كيخسرو، رقّ فيران لها وللمولود، فترك قتله وستر أمره حتّى بلغ المولود فوجّه كيقاوس إلى بلاد الترك بيّ ليبحث عن المولود ليأتي به إليه مع أُمّه، وانّ بيّ لم يزل يفحص عن أمر ذلك المولود متنكراً حيناً من الزمان فلا يعرف له خبراً ولا يدلّه عليه أحد ثم وقف بعد ذلك على خبره، فاحتال فيه وفي أُمّه حتّى أخرجهما من أرض الترك إلى كيقاوس ….
إلى آخر القصة، وهي طويلة جدّاً اقتصرنا على محلّ الشاهد منها، من أرادها فليراجعها.
وللتفصيل راجع مروج الذهب 1: 250.
ومن الناسَ من يستر ولده عن أهله مخافة شنعتهم(2) في حقّه وطمعهم في ميراثه ما لم يكن له ولد، فلا يزال مستوراً حتّى يتمكّن من
____________
(1) ر: واستتاره.
(2) ع. ر: سعيهم.
ومنهم مَن يستر ذلك ليرغب في العقد له مَن لا يؤثر مناكحة صاحب الولد من الناس، فيتمّ له(1) في ستر ولده وإخفاء شخصه وأمره، والتظاهر بأنّه لم يتعرّض بنكاح من قبل ولا له ولدٌ من حرّة ولا أمة، وقد شاهدنا مَن فعل ذلك، والخبر عن النساء به(2) أظهر منه عن الرجال(3).
واشتهر من الملوك من ستر ولدٍ وإخفاء شخصه(4) من رعيّته لضربٍ من التدبير، وفي إقامة خليفة له، وامتحان جنده بذلك في طاعته، إذ كانوا يرون انّه لا يجوز في التدبير استخلاف مَن ليس له بنسيب(5) مع وجود ولده ثم يُظهر بعد ذلك أمر الولد عند التمكّن من إظهاره برضى القوم، وصرف الأمر عن الولد إلى غيره، أو لعزل مستخلفٍ عن المقام، على وجه ينتظم للملك أُمور لم يكن يتمكّن من التدبير الّذي كان منه على ما شرحناه.
وغير ذلك ممّا يكثر تعداده من أسباب ستر الأولاد وإظهار موتهم، واستتار الملوك أنفسهم، والإرجاف بوفاتهم، وامتحان رعاياهم بذلك، وأغراض لهم معروفة قد جرت من المسلمين بالعمل عليها العادات.
وكم وجدنا من نسيب(6) ثبت بعد موت أبيه بدهرٍ طويل، ولم يكن أحد من الخلق يعرفه بذلك حتّى شهد له بذلك رجلان مسلمان، وذلك لداعٍ دعا الأب إلى ستر ولادته عن كلّ أحد من قريب وبعيد، إلاّ مَن شهد
____________
(1) أي: العقد.
(2) لفظ: به، لم يرد في ل.
(3) ل. س. ط: أظهر من الرجال.
(4) س. ط: مَن ستر ولده وأخفى شخصه.
(5) ل. س. ط: بنسب.
(6) س. ط: نسبٍ.
فصل:
وقد أجمع العلماء من الملل على ما كان من ستر ولادة أبي(2) إبراهيم الخليل عليه السلام وأُمّه لذلك، وتدبيرهم في إخفاء أمره عن(3) ملك زمانه لخوفهم عليه منه(4).
وبستر(5) ولادة موسى بن عمران عليه السلام، وبمجيء القرآن بشرح(6) ذلك على البيان، والخبر بأنّ أُمّه ألقته في اليمّ على ثقةٍ منها بسلامته وعوده إليها، وكان ذلك منها بالوحي إليها به بتدبير الله جلّ وعلا(7) لمصالح العباد(8).
فما الّذي ينكر خصوم الإِماميّة من قولهم في ستر الحسن عليه السلام ولادة ابنه المهديّ عن أهله وبني عمّه وغيرهم من الناس، وأسباب ذلك أظهر من أسباب ستر من عددناه وسمّيناه، وسنذكرها عند الحاجة إلى ذكرها من بعد إن شاء الله.
____________
(1) ع: السرّ.
(2) لفظ: أبي، لم يرد في ل.
(3) س. ط: من.
(4) تاريخ الطبري 1: 234، كمال الدين 1: 138 رقم 1، قصص الأنبياء: 103.
(5) س. ط: وستر.
(6) ل: ومحيء القرآن يشرح.
(7) ل. ط: عزّ وجلّ.
(8) راجع سورة القصص 28: 7 ـ 13، وسورة طه 20: 38 ـ 40.
وللتفصيل راجع: كمال الدين 1: 147 رقم 13، قصص الأنبياء: 148 ـ 150.
وقد ثبتت أخبار عن جماعة من أهل الديانة والفضل والورع والزهد والعبادة والفقه عن الحسن بن عليّ(3) عليهما السلام: أنّه اعترف بولده المهديّ عليه السلام، وآذنهم بوجوده، ونصّ لهم على إمامته من بعده، وبمشاهدة بعضهم له طفلاً، وبعضهم له يافعاً وشاباً كاملاً، وإخراجهم إلى شيعته بعد أبيه الأوامر والنواهي والأجوبة عن المسائل، وتسليمهم له حقوق الأئمّة من أصحابه.
وقد ذكرتُ اسماء جماعة مّمن وصفتُ حالهم من ثقات الحسن بن عليّ عليهما السلام وخاصّته المعروفين بخدمته والتحقيق به، وأثبتُ ما رووه عنه في وجود ولده ومشاهدتهم من بعده وسماعهم(4) النصّ بالإِمامة عليه.
وذلك موجود في مواضع من كتبي، وخاصّة في كتابيّ المعروف أحدهما:
____________
(1) ع: ما ثبتت.
(2) س. ط: معونتهنّ.
(3) ر. س. ع: عن الحسن بن محمّد بن عليّ. وهو سهوٌ.
(4) ل. ع. ر: ومشاهدتهم من بعد لمن سماتهم، والظاهر أن لفظة لمروياتهم هي المقصودة من لمن سماتهم، والمثبت من س.ط.
ووجود ذلك فيما ذكرت يغني عن تكلّف(5) إثباته في هذا الكتاب.
____________
(1) لفظ: حجج، اثبتناه من س، ولم يرد في بقيّة النسخ.
(2) الإٍرشاد: 350، باب ذكر من رأى الإِمام الثاني عشر.
وكتاب الإٍرشاد في معرفة حجج الله على العباد، فيه تواريخ الأئمّة الطاهرين الأثني عشر عليهم السلام، والنصوص عليهم، ومعجزاتهم، وطرف من أخبارهم من ولادتهم ووفياتهم ومدّة اعمارهم وعدّة من خواص أصحابهم وغير ذلك.
طبع في إيران مكرراً، وطبعت ترجمته الفارسية الموسومة بتحفه سليمانية.
نسخة منه في المكتبة العامّة لآية الله المرعشي رقم 1144 كتب سنة 565، وأُخرى في المجلس النيابي كتبت سنة 575 رقم 14302، وأُخرى في مكتبة آية الله الكلبايكاني من القرن السابع والثامن.
النجاشي: 399، الذريعة 1: 509 ـ 510 رقم 2506، ومعلومات أُخرى متفرقة.
(3) ع. ل. ط: الإٍيضاح.
(4) بدأ فيه بردّ شبهات العامّة وأدلّتهم على إثبات الخلافة، ثمّ ذكر أدلّة إمامة المعصومين عليهم السلام، له نسخة في مكتبة السيّد راجه محمّد مهدي في ضلع فيض آباد الهند.
وما ربّما يتوهّم من كونه متحداً مع الإِفصاح فهو بعيد جدّاً، لأنّ ما أحال عليه في هذا الكتاب في عدّة موارد غير موجود في الإِفصاح، وصرّح النجاشي بتعدّدهما.
راجع: النجاشي: 399، الذريعة 2: 490 رقم 1925.
(5) س. ط: تكليف.
الكلام في الفصل الثاني
وأمّا المتعلّق بإنكار جعفر بن عليّ شهادة الإٍمامية (1) بولدٍ لأخيه الحسن ابن عليّ عليهما السلام وُلد في حياته بعده، والحوز لتركته بدعوى استحقاقها بميراثه مثلاً دون ولدٍ له، وما كان منه من حمل أمير الوقت على حبس جواري الحسن عليه السلام واستبذالهنّ (2) بالاستبراء لهنّ من الحمل ليتأكّد (3) بقيّة (4) لولد أخيه، إباحته دماء شيعة الحسن بدعواهم خلفاً من بعده كان أحقّ بمقامه من بعده من غيره وأولى بميراثه مّمن حواه.
فليس بشبهةٍ (5) يعتمدها عاقلٌ في ذلك، فضلاً عن حجّةٍ، لا تفاق الأُمّة على أنّ جعفراً لم تكن له عصمة الأنبياء فيمتنع عليه لذلك إنكار حقٍّ ودعوى باطلٍ، بل كان من جملة الرعيّة الّتي يجوز عليها الزلل، ويعتريها السهو، ويقع منها الغلط، ولا يؤمن منها تعمد الباطل، ويتوقّع منها
____________
(1) ل. ع: الإِمامة. وهو خطأً.
(2) الاستبذال: ترك الاحتشام والتصرّف.
وفي ر. ل. ع: واستبدالهنّ.
(3) ر: لتأكّد.
(4) ل. س. ط: نفيه.
(5) س. ط: لشبهةٍ.
وقد نطق القرآن بما كان من أسباط يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن ـ عليه وعلى ولده الأنبياء وآبائه المنتجبين الأصفياء وكافّة المرسلين الصلاة الدائمة والتحيّة والسلام ـ في ظلم أخيهم يوسف عليه السلام، وإلقائهم له في غيابة الجبّ، وتغريرهم(1) بدمه بذلك، وبيعهم إيّاه بالثمن البخس، ونقضهم(2) عهده في حراسته، وتعمدهم معصيته في ذلك وعقوقه(3)، وإدخال الهمّ عليه بما صنعوه بأحبّ ولده إليه وأوصلوه إلى قلبه من الغمّ بذلك، وتمويههم على دعواهم على الذئب أنّه أكله بما جاءوا به على قميصه من الدم، ويمينهم بالله العظيم على براءتهم ممّا اقترفوه في ظلمه من الإِثم، وهم لِما أنكروه متحقّقون، وببطلان ما ادعوه في أمر يوسف عليه السلام عارفون(4).
هذا وهو أسباط النبييّن، وأقرب الخلق نسباً بنبيّ الله وخليله إبراهيم.
فما الذي يُنكر(5) مّمن هو دونهم في الدنيا والدين: أنِ اعتمدَ باطلاً يُعلم خطؤه فيه على اليقين، ويَدفع حقّاً قد قامت عليه الحجج الواضحة والبراهين.
____________
(1) ط: وتقريرهم.
(2) ع. ل: وبغضهم. ر: وبعضهم.
والضمير في عهده يعود على والدهم، وكذا الضمائر الآتية، تعود على يعقوب والدهم.
(3) س. ط: وحقوقه.
(4) انظر: سورة يوسف 14: 8 ـ 20.
(5) ل: نكر. ط: انكر.
فصل:
وما أرى المتعلّق(1) في إنكار(2) وجود ولد الحسن بن عليّ بن محمّد عليهم السلام وقد قامت بيّنة العقل والسمع به، ودلّ الاعتبار الصحيح على صواب معتقده، بدفع عمّه (3) لذلك مع دواعيه الظاهرة كانت إليه، بحوز(4) تركة أخيه دونه، مع جلالتها وكثرتها وعظم خطرها، لعتجّل المنافع بها، والنهضة بمآربه عند تملّكها، وبلوغ شهواته من الدنيا بحوزها، ودعوى مقامه الّذي جلّ قدره عند الكافة، باستحقاقه له دون مَن عداه من الناس، وبخعت(5) الشيعة كلّها بالطاعة له بما انطوت عليه(6) من اعتقادها ولوجوبه له دونَ من سواه، وطمعه بذلك في مثل ما كان يصل إليه من خمس الغنائم التي كانت تحملها شيعته إلى وكلائه في حياته، واستمرارها(7) على ذلك بعد وفاته، وزكوات الأموال، لتصل إلى مستحقّها من فقراء أصحابه.
إلاّ كتعلّق أهل الغفلة من الكفار في إبطال عمّه(8) أبي لهب(9) صدق
____________
(1) ط: التعلّق.
(2) ل. ط: إنكاره.
(3) س. ط: همّه.
(4) س: يجوز.
(5) أي: أقرّت به وأذعنت. ولعل الصحيح: بخوع الشيعة.
(6) لم يرد: ر. ل. ط.
(7) س. ط: واستمراره.
(8) أي: النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم.
(9) عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم، من قريش، عمّ النبيّ، وأحد الشجعان في الجاهلية، ومن أشدّ الناس عداوةً للمسلمين في الإسلام، كان غنيّاً عتيّاً، كبُر عليه أن يتبع ديناً جاء به ابن اخيه، فآذاه وآذى انصاره وحرّض عليهم وقاتلهم، وفيه الآية: (تبّت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب) مات بعد وقعة بدر بأيّام.
راجع: الأعلام 4: 12، وراجع المصادر التي ذكرها.
هذا مع ظهور حجّته، ووضوح برهانه في نبوّته، وضيق الطريق في معرفة ولادة الحجّة بن الحسن على جعفر وأمثاله من البعداء عن علم حقيقته.
ومَن صار في إنكار شيءٍ أو إثباته أو صحّته وفساده(2) إلى مثل التعلّق بجعفر بن عليّ في جحد وجود خلف لأخيه، وما كان(3) من أبي جهل(4) وشركائه من أقارب النبيّ صلّى الله عليه وآله وجيرانه وأهل بلده والناشئين معه في زمانه والعارفين بأكثر سرّ أمره(5) وجهره وأحواله في دفع نبوّته وإنكاره صدقه في دعوته.
سقط كلامه عند العلماء ولم يعدّ في جملة الفقهاء، وكان في أعداد ذوي
____________
(1) ر. ع: عدوانه.
(2) ط: أو فساده.
(3) ع. ل. ر: ما كان، والمثبت من س. ط.
(4) ل. ع. ر. س: وما كان ابن أبي جهل، والمثبت من ط.
وأبو جهل هو عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي، كان من اشدّ الناس عدواة للنبي، قتل يوم بدرٍ كافراً، وأخباره مع النبيّ وكثرة اذاه إيّاه مشهورة.
الكنى والالقاب 1: 38، الأعلام 5: 87 وراجع المصادر التي ذكرها.
(5) ط: سراره.
فصل:
وبعد، فإنّ الشيعة وغيرهم مّمن عني بأخبار الناس والجواد من الآراء وأسبابها، والأغراض كانت له فيها، قد ذكروا أخباراً عن أحوال جعفر بن عليّ في حياة أخيه أبي محمّد الحسن بن عليّ عليهما السلام، وأسباب إنكاره خلفاً له من بعده، وجحد ولدٍ كان له في حياته، وحمل السلطان على ما سار به في(1) مخلّفيه وشيعته(2)، لو أوردتها على وجهها لتصور(3) الأمر في ذلك على حقيقته، ولم يخف على متأمل بحاله، وعرفه على خطيئته.
لكنّه يمنعني عن ذلك(4) موانع ظاهرة:
أحدها: كثرة مَن يعترف(5) بالحقّ من وُلد جعفر بن عليّ في وقتنا هذا، ويُظهر التدّين بوجود ولد الحسن بن عليّ في حياته، ومقامه بعد وفاته في الأمر مقامه، ويكره(6) إضافة خلافه لمعتقده فيه إلى جدّه (7)، بل لا أعلم أحداً من وُلد جعفر بن عليّ في وقتنا هذا يُظهر خلاف الإِماميّة في وجود ابن الحسن عليهما السلام والتديّن بحياته والانتظار لقيامه.
____________
(1) ل: شاركه في، س. ط: وشى به في.
(2) راجع: كمال الدين 2: 383 ـ 484، البحار 50: 227 ـ 232 باب 6 أحول جعفر و37: 8.
(3) س: لنصوّر.
(4) س. ط: من ذلك.
(5) ل. ر: يعرف.
(6) ر. س: ونكره، ل: وذكره.
(7) أي ويكره إضافة خلاف الحقّ الّذي يعتقد به إلى جدّه، وذلك لِما ورد في بعض الأخبار من توبة جعفر.
مع غناي عن ذلك بما أثبتُّ من موجز(2) القول في بطلان الشبهة، لتعلّق ضعفاء المعتزلة(3) والحشوية(4) والزيديّة(5) و الخوارج(6) والمرجئة (7) في
____________
(1) ر. ل: جلدوها.
(2) ل: مؤخّر القول.
(3) أوّل من سمّي بهذا اللقب: جماعة بايعوا عليّاً عليه السلام بعد قتل عثمان واعتزلوا عنه وامتنعوا عن محاربته والمحاربة معه، منهم سعد بن مالك وعبدالله بن عمر.
فرق الشيعة: 4ـ5.
(4) جماعة قالوا: انّ عليّاً وطلحة وزبير لم يكونوا مصيبين في حربهم، وأنّ المصيب هو الّذي قعد عنهم، وهو يتولّونهم جميعاً ويتبرّؤون من حربهم ويردّون امرهم إلى الله عزّوجلّ.
فرق الشيعة: 15.
(5) فرقة تدّعي أنّ من دعا إلى الله عزّ وجلّ من آل محمّد فهو مفترض الطاعة، وكان عليّ بن أبي طالب إماماً في وقت ما دعا الناس وأظهر أمره، ثمّ كان بعده الحسين اماماً عند خروجه، ثمّ زيد بن عليّ بن الحسين المقتول بالكوفة، ثمّ يحيى بن زيد بن عليّ المقتول بخراسان.
فرق الشيعة: 58.
(6) جماعة قالوا: الحكمان كافران، وكفّرا عليّاً حين حكّمهما.
ومسألة التحكيم كان مفروضة على أمير المؤمنين عليه السلام، وذلك عندما أبى أصحابه إلاّ التحكيم وامتنعوا من القتال، رضي التحكيم بشرط الحكم بكتاب الله، فخالف الحكمان، فالحكمان هما اللذان ارتكبا الخطأ وهو الّذي اصاب.
فرق الشيعة: 16.
(7) لّما قتل عليّ عليه السلام اتفق الناكثون والقاسطون وتَبَعه الديا على معاوية، وسمّوا بالمرجئة، وزعموا أنّ أهل القبلة كلّهم مؤمنون بإقرارهم الظاهر بالإيمان، ورجوا لهم جميعاً المغفرة، وافترقت المرجئة على أقسام:...
فرق الشيعة: 6.
____________
(1) ل: بوجود.
الكلام في الفصل الثالث
وأمّا تعلّقهم بوصيّة أبي محمّد الحسن بن عليّ بن محمّد عليهم السلام في مرضه الّذي توفي فيه إلى والدته المسمّاة بحديث المكناة بأُمّ الحسن رضي الله عنها، بوقوفه وصدقاته، وإسناد النظر في ذلك إليها دون غيرها(1)
فليس بشيء يُعتمد في إنكار ولدٍ له قائم من بعده مقامه، من قِبل أنّه أمرٌ بذلك تمام ما كان من غرضه في إخفاء ولادته وستر حاله عن متملّك الأمر في زمانه ومَن يسلك سبيله في إباحة دم داعٍ إلى الله تعالى منتظَر لدولة الحقّ.
ولو ذكر في وصيّته ولداً له وأسندها إليه، لناقض ذلك الغرض منه فيما ذكرناه، ونافى مقصده في تدبير أمره له على ما وصفناه، وعدل عن النظر بولده وأهله ونسبه(2)، ولا سيّما مع اضطراره كان إلى شهادة خواصّ الدولة العباسية عليه في الوصيّة وثبوت خطوطهم فيهما ـ كالمعورف بتدبر مولى الواثق(3) وعسكر الخادم مولى محمّد بن المأمون والفتح بن عبد ربّه وغيرهم
____________
(1) البحار 50: 329، وفي س: المسمّاة حديث.
(2) ع. ل: وتسفيه، ر: وتسقيه.
(3) هو: هارون بن محمّد بن هارون الواثق بالله، ويكنى بأبي جعفر، بويع في سنة سبع وعشرين ومائتين وهو ابن احدى وثلاثين سنة، وتوفي بسامراء وهو ابن سبع وثلاثين سنة، وكانت خلافته خمس سنين، وقيل: توفي سنة اثنين وثلاثين ومائتين وهو ابن اربع وثلاثين سنة.
مروج الذهب 3: 477.
ومَن اشتبه(4) عليه الأمر فيما ذكرناه، حتّى ظنّ أنّه دليلٌ على بطلان مقال الإمامية في وجود ولدٍ للحسن عليه السلام مستور عن جمهور الأنام، كان بيعداً من الفهم والفطنة، بائناً(5) عن الذكاء والمعرفة، عاجزاً بالجهل عن التصّور أحوال العقلاء وتدبيرهم(6) في المصالح وما يعتمدونه (7) في ذلك من صواب الرأي وبشاهد الحال، ودليله من العرف والعادات.
فصل:
وقد تظاهر الخبر فيما كان عن تدبير أبي عبدالله جعفر بن محمّد عليه السلام، وحراسته(8) ابنه موسى بن جعفر عليه السلام بعد وفاته من ضرر (1) س. ط: حراسته.
(2) ع. ل: البيّنة.
(3) كذا في النسخ، ويحتمل أن يكون: والتنزيه.
(4) ر. ع. ل: وفراسته، س. ط: وحراسته، وما أثبتناه من حاشية نسخة ل.
(5) ل: ثابتاً، س.ط: نائياً.
(6) ل.ر.ع. س: وقد يتوهّم، وما اثبتناه من ط: وحشاية ل.
(7) ل. س. ط: وما يعتمدوه.
(8) ل. س. ط: وحراسة.
بوصيته(1) إليه، واشاع(2) الخبر عن الشيعة إذا ذاك باعتقاد إمامته من بعده، والاعتماد في حجّتهم على إفراده بوصيّته مع نصّه(3) عليه بنقل خواصّه.
فعدل عن إقراره(4) بالوصيّة عند وفاته، وجعلها إلى خمسة نفر: أوّلهم المنصور(5) ـ وقدّمه على جماعتهم إذ هو سلطان الوقت ومدبّر أهله ـ ثمّ صاحبه الربيع من بعده، ثمّ قاضي وقته، ثمّ جاريته وأُمّ ولده حميدة البربرية(6)، وختمهم بذكر ابنه موسى بن جعفر عليه السلام(7)، يستر أمره ويحرس بذلك نفسه.
____________
(1) ر. ع: بوصيّة.
(2) ل: واشباع.
(3) ر. ل: نصبه.
(4) س. ط: إفراده.
(5) هو: أبو جعفر عبدالله بن محمّد بن عليّ بن عبدالله بن العبّاس بن عبدالمطلب، بويع سنة ستّ وثلاثين ومائة وهو ابن احدى واربعين سنة، ومولده سنة خمس وتسعين، ووفاته سنة ثمان وخمسين ومائة، فكانت ولايته اثنتين وعشرين سنة.
مروج الذهب 3: 281.
(6) هي أُمّ الإِمام الكاظم، والبربرية نسبة إلى بربر، وهم قبائل كثيرة في جبال المغرب، وتلقب حميدة بالمصفاة ولؤلوة، ويقال: هي اندلسية، وكانت من التقيات الثقات، وكان الصادق يرسلها مع أُمّ فروة تقضيان حقوق أهل المدينة، ولها كرامات.
تنقيح المقال 3: 76ـ77.
(7) ذكر هذا الخبر الكليني في الكافي 1: 310، وابن شهرآشوب في المناقب 3: 310، والمجلسي في البحار 47: 3.
وفي هذه المصادر أنّه أوصى إلى خمسة: أبو جعفر المنصور، ومحمّد بن سليمان، وعبدالله بن جعفر، وموسى بن جعفر، وحميدة.