المقدّمة
وبعد،
لكلّ اُمّة من الاُمم، بل لكلّ جماعة من الناس ـ على اختلاف أديانهم ومذاهبهم ومعقتداتهم ـ شعائر وطقوس يؤمنون بها ويؤدّونها على أنّها فرضٌ لايمكن التساهل به.
والاُمم والجماعات: السالفة منها، والتي نعاصرها الآن، وحتّى التي تأتي بعدنا، كلّها سواء من حيث المعتقدات، إلاّ أنّ الاختلاف في طبيعتها وكيفيّتها يكون تابعاً لعنصري المكان والزّمان والمستوى الثقافي للأفراد، فالشعائر التي يؤدّيها المثقّف تختلف عن تلك التي يؤدّيها الاُمّي وإن كانت متّحدة من حيث المنشأ والمعتقد.
والشعائر الحسينيّة التي يقيمها أتباع أهل البيت (عليهم السلام) ومحبّوهم، قديمة قدِم واقعة الطف الخالدة، ومتأصّلة في النفوس أصالة المبادىء التي ثار من أجلها الإمام الحسين (عليه السلام).
وقد مرّت هذه الشعائر بفترات مدٍّ وجزر; تبعاً للظروف السياسيّة التي عمّت المجتمع الإسلامي آنذاك، ونزولا عند رأي الحكّام المتسلّطين على رقاب المسلمين وموليهم لهذه الشعائر وعدمها.
فلعلّ أوّل هذه الشعائر، وهو البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه، جرى بعد واقعة الطّف مباشرة وفي بيت يزيد بن معاوية، كما حدّثنا
قال الطبري في تأريخه:
"فخرجنَ ـ أي النساء السبايا ـ حتّى دخلنَ دار يزيد، فلم يبقَ من آل معاوية امرأة إلاّ استقبلتهنّ تبكي وتنوح على الحسين، فأقاموا عليه المناحة ثلاثاً"(1) .
وتتابعت مجالس الحزن والبكاء في الكوفة والمدينة المنوّرة وغيرهما، وأقام التوّابون عند قبر الحسين (عليه السلام) مأتماً عظيماً يصفه ابن الأثير في تأريخه قائلا:
"فما رُئي أكثر باك من ذلك اليوم، وأقاموا عنده يوماً وليلة يبكون ويتضرّعون ويترحّمون عليه وعلى أصحابه"(2) .
واُقيمت هذه المجالس في العهد الأُموي سرّاً; خوفاً من أعداء أهل البيت.
وفي العهد العبّاسي اُقيمت علناً أحياناً وسرّاً أحياناً اُخرى، ففي أيّام المأمون اُقيمت علناً، وفي أيّام المتوكّل أقيمت سرّاً، حتّى تفاقم الوضع في أيّامه ومنعَ من إقامة هذه الشعائر، وتطرّف كثيراً في عدائه للإمام الحسين (عليه السلام) إذ أمرَ بهدم قبره الشريف، يقول ابن الأثير في تأريخه في حوادث سنة 236هـ.
"وفي هذه السنة أمرَ المتوكّل بهدم قبر الحسين بن علي (عليه السلام)، وهدم ما حوله من المنازل والدور، وأن يُبْذر ويُسقى موضع قبره"(3) .
وانتشرت هذه الشعائر أيام الاخشيديين وكافور، واتّسع نطاقها أيّام الفاطميين(4) .
____________
1 ـ تأريخ الطبري 5:462.
2 ـ الكامل في التأريخ 4: 178.
3 ـ الكامل في التأريخ 7: 55.
4 ـ الخطط المقريزيّة 2:290.
وانتعشت هذه المجالس في أيّام الدولة الصفويّة، واتسعت مساحتها، ودخلتها اُمور كثيرة مُستحدثة.
وعندما سيطر العثمانيّون على العالم الإسلامي ـ ومنه العراق ـ منعوا من إقامة هذه الشعائر بشتّى الأساليب والطُرق، فاُقيمت سرّاً.
وبعد رحيل الأتراك عن العراق أصبحت المجالس تقام علناً وبشكل واسع النطاق.
وعند حصول العراق على استقلاله الوطني انتعشت هذه المجالس كثيراً، وأصبح لها دويّ واسع، لا في المحرّم فحسب، بل وفي أربعينيّة الإمام الحسين (عليه السلام) وذكرى وفاة الرّسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، والأئمّة الأطهار.
وفي العقود الثلاثة الأخيرة من زماننا هذا، وبعد سيطرة حزب البعث على العراق، منعتّ الحكومة العراقيّة من إقامة أكثر هذه الشعائر، وعاقبت المتمسّكين بها أشدّ عقاب، فأعدمت بعضهم وسجنت البعض الآخر.
أمّا في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة فقد مرّت هذه الشعائر بأدوار مختلفة مُنعت في بعضها واُقيمت في اُخرى. ففي زمن الشاه رضا الپهلوي مُنعت هذه الشعائر أشدّ المنع، وجرت عقوبات مجحفة بحقّ المقيمين لها.
وفي أيّامنا هذه نُشاهد ـ بحمد الله تعالى ومنّه ـ رواجاً وانتشاراً واسعاً لهذه الشعائر بشكل لم يسبق له مثيل، وهذا من ثمار الجمهوريّة الإسلاميّة المباركة التي
____________
1 ـ الشيعة في الميزان: 163.
إلاّ أنّ هذا لا يعني بقاء جميع تلك الشعائر سالمة من بعض الجوانب السلبيّة، ومحافظةً على أصالتها والأهداف التي اُقيمت من أجلها. فمن المؤسف جدّاً أن نرى محاولات مُغرضة ومُبرمجة ـ لايبعد أن يكون وراءها أيادي معادية للإسلام ـ لإصراف هذه الشعائر عن مسيرها الصحيح، وتفريغ الثورة الحسينيّة المباركة من محتواها الفكري والعقائدي، الذي يتحدّى الظالمين ويسخّر من الطغاة.
والغريب في الأمر أنّ بعض محبّي أهل البيت: أدخلوا في هذه الشعائر ما يشينها ويبعدها عن روح الإسلام المحمّدي الأصيل، وهم يتصوّرون ـ في أعمالهم هذه ـ بأنّهم يخدمون الإمام الحسين (عليه السلام) الذي استرخص دمه ودم أهل بيته وأصحابه من أجل أهداف ساميّة، عبّر عنها بقوله:
"ما خرجتُ أشراً ولا بطراً ولا مُفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجتُ لطلب الإصلاح في اُمّة جدّي، لآمر بالمعروف وأنهى عن المنكر".
وبقوله (عليه السلام): "اللهمّ إنّك تعلم إنّه لم يكن الذي كان منّا منافسةً في سلطان ولا التماساً لفضول الحطام، ولكنّ لنردّ المعالم من دينك، ونُظهر الإصلاح في بلادك، ويأمن المظلومون من عبادك، ويُعمل بفرائضك وسنّتك وأحكامك".
إذاً فثورة الحسين (عليه السلام) جمعت بين الفكر والعاطفة، واحتوت العقل والسيف، وضمّت الشعار إلى الحكمة، والعِبرة إلى العَبرة، والدمعة الساكبة إلى التأمّل والفكرة.
فما أحوجنا في هذه الأيّام ـ التي نشاهد فيها الغزو الثقافي الغربي قد دخل إلى عقر ديارنا الإسلاميّة ـ إلى التركيز على العِبرة والخطاب الفكري العقائدي، إلى جانب العَبرة والخطاب التعبويّ الذي يعرض الجانب المأساوي لواقعة الطفّ.
والساحة الإسلاميّة الآن بحاجة ماسّة إلى تلاحم واتّحاد واقعي بين مدارس
وما هذه الرّسالة "التنزيه" إلاّ واحدة من تلك الصيحات المخلصة التي تعالت مطالبةً بتنزيه الشعائر الحسينيّة ممّا لحقها من شوائب أخرجتها عن مسيرها الصحيح، أطلقها أحد علماء أتباع أهل البيت (عليهم السلام) قبل سبع وسبعين سنة تقريباً، هو السيّد محسن الأمين العاملي (ت 1371هـ).
ونحن إذ نقوم بعرض هذه الرسالة، وقراءة ما ورد فيها، ومناقشة آراء مؤلّفها، وإيضاح الاُمور المبهمة والوقائع التاريخيّة وتراجم الرجال التي تحتاج إلى تبيين، نوكّد بأنّنا لسنا بصدد الترويج لها أو تبنّيها أو ردّها كاملة. بل الذي يهمّنا هنا هو رؤية صاحبها والأفكار التي طرحها فيها، التي نؤيّد بعضها ونتحفّظ على البعض الآخر، مع كامل احترامنا وتقديرنا لكلّ الآراء التي طُرحت حولها قدحاً ومدحاً أو رفضاً وقبولا.
وقبل أن نبدأ بعرض أثر هذه الرّسالة في المجتمع الإسلامي آنذاك وما قيل حولها وحول مؤلّفها، لابدّ من بيان ترجمة مختصرة لحياة صاحبها:
السيّد محسن الأمين
فنقول: "هو(1) السيّد محسن ابن السيّد عبد الكريم ابن السيّد علي ابن السيّد محمّد الأمين ابن أبي الحسن موسى بن حيدر بن أحمد الحسيني العاملي المعروف
____________
1 ـ اقتبسنا هذه الترجمة ممّا قاله فيه معاصره الشيخ محمّد حرز الدين (ت 1365 هـ) في معارف الرجال 2: 184 ـ 186.
ولد في قرية شقرة من جبل عامل سنة 1283هـ ونشأ فيها وأكمل مقدّماته العلميّة بها، ثمّ هاجر إلى العراق قاصداً الإقامة في النّجف الأشرف بلد العلم والهجرة للمجتهدين، وأقام فيها سنين يطلب العلم والمعارف الإسلاميّة والكمالات الأخلاقيّة، وجدَّ في دراسته حتّى حضر دروس الأعلام، وكان قويّ الحافظة فطناً ألمعيّاً لبيباً شاعراً ينظم الشعر المتين، وربّما أسمعنا بعض نظمه في المديح والرثاء والغزل.
ولمّا بلغ رتبة الاجتهاد والفضل الواسع غادر النجف داعياً إلى الحقّ مبشراً بالإيمان والصدق، وبثّ مكارم الأخلاق والفضائل الإسلاميّة، وأقام في دمشق والشام بطلب من وجوه المسلمين، وجعلها وطنه الدائمي. وهناك ظهرت علومه الجمّة وأخلاقه الساميّة، وطار صيته في الآفاق الإسلاميّة عامّة والأقطار العربيّة خاصّة. كما أَلَّفَ وصنّف الكثير، وكانت الأسئلة والانتقادات من المخالفين تردّ عليه بمختلف ألوانها وصورها فيجيب عنها.
من مؤلّفاته: "أعيان الشيعة في تراجم طبقات أعلام الشيعة"، و"معادن الجواهر" و"المجالس السنيّة" و"الدرّ المنتقاة" و"الدرّ الثمين" و"لواعج الأشجان" و"كشف الارتياب في أتباع محمّد بن عبد الوهّاب" و"مفتاح الجنّات" و"الرحيق المختوم" و"الدروس الدينيّة" و"الدرّ النضيد في رثاء الشهيد" و"حاشية على كتاب القوانين".
توفّي(رحمه الله) ليلة الأحد الرابع من شهر رجب سنة 1371هـ، الموافق لليوم الثلاثين في شهر اذار سنة 1952م.
الفصل الأوّل
أثر الرّسالة في المجتمع
تمهيد
في عام 1344هـ صرّح السيّد محسن الأمين من مقرّ إقامته في العاصمة السوريّة دمشق بمعارضته لبعض الشعائر الحسينيّة التي يُقيمها بعض محُبّي أهل البيت (عليهم السلام)، وكان لضرب الرؤوس بالسيوف القسط الأوفر من هذه المعارضة.
ولم يكتفِ الأمين بالتصريح فقط، بل دوّن آراءه في رسالة ألّفّها سمّاها "التنزيه في أعمال الشبيه"، إذ أثبت فيها لزوم تنزيه مجالس العزاء ومحافلها عن الأعمال غير المشروعة، ووجوب التحرّز عن إدخال بعض المحرّمات في التعزية وفساد هذا الأمر الخطير. وقد طُبعت هذه الرّسالة أوّلا بمطبعة العرفان سنة 1347هـ، ثم توالت طبعاتها، وتُرجمت إلى عدّة لغات.
وما أن انتشرت هذه الرسالة حتّى أحدثت ثورة عارمة، ليس في الشّام فحسب، بل في العالم الإسلامي عموماً، وعمّت دعوتها المسلمين في كلّ مكان، ووجد فيها الموافقون لآراء السيّد الأمين فرصتهم للتعبير عن رأيهم ورفع أصواتهم عالياً، وكأنّهم كانوا ينتظرون من يقوم بهذا الدور على مستوىً عال، فجاءت هذه الرسالة لتكون لهم درعاً واقياً، لا سيّما أنّ صاحبها علم من الأعلام لا يشكّ أحد في ولائه وإخلاصه وتفانيه من أجل الدين الحنيف.
ووجد فيها المخالفون لآرائه خطراً يُهدّد مستقبل هذه الشعائر، فعارضوها عن طيب نفس وخُلوص نيّة، وهم يعتقدون أنّ واجبهم الدينيّ يُحتّم عليهم ذلك.
واستغلّها البعض الآخر ذريعةً لتمرير ألآعيبهم على النّاس، واستثمار مصالحهم وحساباتهم الشخصيّة، فكيف كانت بداية تلك المعركة الثقافيّة؟
بداية المطاف
نستطيع أن نُقسّم الفترة الزمنيّة التي سبقت وصاحبت الأحداث التي أثارتها هذه الرسالة إلى أربع مراحل، هي:
المرحلة الاُولى:
وهي التي بدأ فيها السيّد مهدي البصري (ت 1358هـ) بكتابة عدّة مقالات في الصحف العراقيّة، ينتقد فيها بعض الشعائر الحسينيّة، وذلك بعد عودته من الكويت واستقراره في مدينة البصرة سنة 1343هـ، وكانت لصحيفة "الأوقات" ـ التي تصدر في البصرة آنذاك ـ مساهمة كبيرة في نشر تلك المقالات.
ولم يكتفِ السيّد مهدي ببيان آرائه في الصُحف، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، فألّف رسالة مستقلّة دوّن فيها جميع انتقاداته وإشكالاته على بعض الشعائر الحسينيّة، سمّاها "صولة الحقّ على جولة الباطل" التي طبعت في العراق سنة 1343هـ(1) .
وقد وجّه السيّد مهدي في مقالاته ورسالته انتقاده لبعض الشعائر الحسينيّة كضرب الرؤوس بالسيوف، وضرب الظهور بالسلاسل، وتمثيل واقعة الطفّ يوم العاشر من المحرّم، وخروج المواكب في الأزقّة والشوارع.
وإنّي لم أعثر على تلك المقالات ولا على رسالة "الصولة" لكي أقف على ما فيها من انتقادات بشكل واضح، نعم وقفتُ على فقرات منها في رسالة "نصرة المظلوم" للشيخ ابراهيم المظفر، التي يردّ فيها على السيّد مهدي البصري، والتي
____________
1 ـ الذريعة 15: 98/646.
ولم تكن رسالة "نصرة المظلوم" الوحيدة التي ردّت على السيّد مهدي، بل كافّة الرسائل التي اُلّفت في الرّد على السيّد محسن الأمين، وجّهت انتقادها أيضاً للسيّد مهدي ولرسالة "الصولة"، وسيأتي البحث مفصّلا عن هذه الرسائل في الفصل الثالث.
ونذكر هنا نبذة مختصرة عن حياة..
السيّد مهدي البصري
فنقول: هو السيّد مهدي ابن السيّد صالح الموسوي القزويني الكاظمي البصري، ولد بالكاظميّة سنة 1272هـ، ودرس فيها العلوم الإسلاميّة، ثمّ هاجر إلى 2سامراء سنة 1300هـ، وحضر دروس الميرزا ابراهيم ابن المولى محمّد علي المحلاّتي الشيرازي، والشيخ اسماعيل الترشيزي، ثمّ حضر بحث الخارج عند السيّد الشيرازي.
وفي سنة 1314هـ سافر إلى ايران لزيارة مشهد الإمام الرضا (عليه السلام)، ومنها ذهب إلى الكويت وأصبح مرجعاً للاُمور الشرعيّة فيها إلى سنة 1343هـ، فتركها وعاد إلى العراق واستقرّ في مدينة البصرة يمارس واجباته الدينيّة في الوعظ والإرشاد وإقامة الصّلاة جماعة والتأليف.
وكان(رحمه الله) مكثراً في التأليف، إذ خلّف مجموعة من الكتب والرسائل منها: "برهان الدين الوثيق في نقض عمدة التحقيق" و"بوار الغالين" في الردّ على الشيخيّة، و"خصائص الشيعة التي جاءت بها الشريعة" و"صولة الحقّ على جولة
وتوفي(رحمه الله) يوم الاثنين السادس من شهر ذي القعدة سنة 1358هـ، وحُمل جثمانه إلى مدينة النجف الأشرف ودفن في الصحن الشريف في الحجرة التي على يسار الداخل إلى الصحن من باب المغرب المعروفة بيان السلطاني(1) .
المرحلة الثانية:
وهي التي تلت المرحة السابقة، فبعد أن كتبَ السيّد مهدي البصري رسالته "الصولة" وكتب أيضاً عدّة مقالات في الصحف العراقيّة ينتقد فيها بعض الشعائر الحسينيّة، وجّه أهالي البصرة عدّة استفتاءات إلى علماء النجف الأشرف يطلبون منهم بيان الحكم الشرعي لهذه الشعائر، فكان جوابهم بين مؤيّد لها ومعارض. فأيّدها الميرزا حسين النائيني (ت 1355هـ) والشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء (ت1373هـ)، وعارضها السيّد أبو الحسن الأصفهاني (1365هـ)(2) .
وتصدّى الشيخ ابراهيم المظفّر لردّ الانتقادات التي أوردها السيّد مهدي البصري في رسالة "الصولة" فألّف رسالة مستقلّة في ذلك سمّاها "نصرة المظلوم" طبعت في أربع وستّين صفحة في ربيع الأوّل سنة 1345هـ في المطبعة العلويّة في مدينة النّجف الأشرف(3) .
____________
1 ـ انظر: الذريعة 3:95 و153/304 و531، 7:168/194، 15:98/646، 20:165/2410، 25:203/275، معجم المؤلّفين: 318.
2 ـ انظر: هكذا عرفتهم 3:229.
3 ـ الذريعة 24:178/921.
ثمّ قام بتأليف كتابين مهمّين في هذا الموضوع هما: "إقناع اللائم على إقامة المآتم"(1) ، و"المجالس السنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة"(2) ، طُبعاً معاً سنة 1343هـ.
و"المجالس السنّية" كتاب كبير يقع في خمسة أجزاء، ألّفه السيّد الأمين لكي يكون مرجعاً لخطباء المنبر الحسينيّ، إذ ضمّنه الوقائع التأريخيّة الصحيحة في حياة الأنبياء وأهل البيت (عليه السلام) وواقعة الطّف. الجزء الأوّل منه في واقعة الطّف، والثاني في قصص الأنبياء وغزوات نبيّنا (صلى الله عليه وآله)، والثالث في حروب أمير المؤمنين (عليه السلام)، والرابع في أخبار معاوية والإمام الحسن (عليه السلام)، والخامس في أخبار جميع المعصومين وتواريخهم. طبع عدّة مرّات، وتُرجم جزؤه الخامس إلى اللغة الفارسيّة.
المرحلة الثالثة:
تنحصر هذه المرحلة في وقوف الشيخ عبد الحسين صادق العاملي (ت 1361هـ) ضد الآراء التي أبداها السيّد الأمين حول بعض الشعائر الحسينيّة، التي نشرها في بعض الصحف البيروتيّة.
فتصدّى هذا الشيخ الجليل ـ وهو آنذاك أكبر رجال الدين في النبطيّة ـ لتلك الآراء قولا وعملا:
____________
1 ـ الذريعة 2: 275/1115.
2 ـ الذريعة 19: 360/1610.
وشجَّعَ الشعائر التي انتقدها السيّد الأمين وفي مقدّمتها ضرب الرؤوس بالسيوف، ممّا أدّى إلى توسّع هذه الظاهرة وانتشارها وكثرة الضاربين رؤوسهم.
وإنّي لم أعثر على هذه الرسالة حين كتابة هذه الأسطر; لأقف بشكل دقيق على محتواها، نعم وقفتُ على فقرات منها، نقلها السيّد الأمين في رسالته "التنزيه" في معرض ردّه على الشيخ عبد الحسين صادق، وسوف اُورد بعضها في الفصل الثالث إن شاء الله تعالى.
ونذكر هنا نبذة مختصرة عن حياة..
الشيخ عبد الحسين صادق العاملي
فنقول: هو(2) الشيخ عبد الحسين ابن الشيخ ابراهيم ابن الشيح صادق الخيّامي النباطي العاملي النّجفي، ولد سنة 1279هـ، وقرأ بعض مقدّمات العلوم في جبل عامل، ثمّ هاجر إلى النّجف بلد العلم والهجرة وعمره أنذاك احدى وعشرون سنة، أعني سنة 1300هـ في السنة التي توفّي فيها زعيم الإماميّة السيّد مهدي القزويني ورفيقه العالم الشيخ نوح القرشي.
وأكمل مقدّماته في النّجف على الشيخ محمود ذهب (ت 1324هـ)، والشيخ علي الخاقاني (ت 1334هـ) والسيّد علي ابن السيّد محمد البحراني الغريفي (ت
____________
1 ـ الذريعة 12: 292/1961.
2 ـ اقتبسنا هذه الترجمة ممّا قاله فيه معاصره الشيخ محمّد حرز الدين (ت 1365هـ) في معارف الرجال 2:40ـ47.
وكان كاملا، أديباً شاعراً، خفيف الرّوح، مستقيم الذوق، أريحي الطبع، على غزارة علمه وفضله وقداسته وتقاه، ويُعدُّ في عداد الطبقة الاُولى من شعراء عصره. له شعر كثير محفوظ لمتانته وحسن سبكه، فيه النكات الأدبيّة والمناسبات.
من أساتذته: الشيخ محمّد حسين الكاظمي، والميرزا الخليلي، والميرزا حبيب الله الرشتي، والشيخ محمّد طه نجف، والملاّ محمّد الشرابياني، والشيخ رضا الهمداني، والآخوند الخراساني.
ومن مؤلّفاته: "المواهب السنّية في فقه الإماميّة" و"جامع الفوائد" و"الشذرات في مباحث العقود والإيقاعات" و"منظومة في علم الكلام" و"منظومة في المواريث" و"كتاب في الإجارة والوصيّة والقضاء" و"أجوبة على مسائل عمر الرافعي" و"سيماء الصلحاء" و"رسالة في الرّد على القسّ الحلبي صاحب كتاب المشرح" و"ديوان شعر".
وخرج الشيخ عبد الحسين من النجف حدود سنة 1315هـ عائداً إلى بلده وهو عالم فقيه، أديب ماهر، متضلّع في الأدب، صلب الإيمان، ورع ثقة عدل، كريم النّفس دمث الأخلاق، يقوم بواجبه الديني إلى أن وافاه الأجل في شهر ذي الحجّة سنة 1361هـ ودفن في النبطيّة.
المرحلة الرابعة
وهي التي كتبَ فيها السيّد محسن الأمين رسالته "التنزيه" ردّاً على الشيخ عبد الحسين صادق العاملي، إذ نقل عبارات من "سيماء الصلحاء" ثمّ بدأ بردّها وبيان آرائه في الشعائر الحسينيّة، وسيأتي نصّها الكامل في الفصل الثاني.
ردود الفعل على الرسالة
جاءت ردود الفعل على رسالة "التنزيه" من مختلف طبقات المجتمع: علماء، وفضلاء، وخطباء، وشعراء، وعامّة الناس. واختلفت هذه الردود حسب مستوى الناس وثقافاتهم: فمنهم من اكتفى بكلمات الاستغفار والدعوة لصاحب الفتوى بالهداية، وأظهر آخرون معارضتهم لها باللسان والكتابة والشعر، وتجاوز البعضُ الحدودَ فاتّهم السيّد الأمين بتُهم باطلة، وتجاسر آخرون عليه وعلى مؤيّديه بالسب واللعن.
فاُحاول في هذه الأوراق أن اُبيّن ردود الفعل من المعارضين والمؤيّدين، وعلى عدّة مستويات:
رجال الدين:
عارض السيّد الأمينَ عددٌ كبير من رجال الدين، وفي مقدّمتهم مراجع دين، ومجتهدون، وكتّاب معروفون، منهم:
(1) المرجع الدينيّ الكبير الميرزا حسين النائيني (ت 1355هـ)، عارضه في النجف الأشرف بإصدار فتوى بالجواز(1) .
(2) المرجع الديني الكبير الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء (ت 1373هـ)، عارضه في النجف الأشرف بإصدار فتوى بالجواز(2) .
____________
1 ـ معارف الرجال 2: 284، هكذا عرفتهم 1: 207.
2 ـ معارف الرجال 2: 272، هكذا عرفتهم 1:207.
(3) المجتهد الكبير الشيخ عبد الحسين صادق العاملي (ت 1361هـ)، عارضه في النبطيّة بإصدار فتوى بالجواز(1) ، إضافةً لكتابته رسالة "سيماء الصلحاء".
(4) المجتهد الكبير السيّد عبد الحسين شرف الدين (ت 1377هـ)، عارضه بإصدار فتوى بالجواز(2) .
وكانت لفتوى هذين العلمين أثرٌ كبيرٌ في لبنان.
(5) المجتهد والكاتب المعروف المجاهد الشيخ محمّد جواد البلاغي (ت1352هـ)، وكانت معارضته فعليّة، فلم يُسمع منه أيّ كلام ضدّ السيّد الأمين، بل كان هذا الشيخ الجليل على ضعفه وكبر سنّه يخرج أمام مواكب العزاء يضرب على صدره ورأسه وقد حلّ أزاره وطيّن جبهته. وكان له مجلس عزاء كبير جدّاً يُقيمه في كربلاء المقدّسة يوم عاشوراء، لازال الناس يتحدّثون عنه(3) .
قال معاصره المؤرّخ الشيخ جعفر محبوبة (ت 1377هـ):
"وكم له أمام المناوئين للحسين (عليه السلام) من مواقف مشهودة، ولولاه لأمات المعاندون الشعائر الحسينيّة والمجالس العزائيّة، ولكنّه تمسّك بها والتزم بشعائرها وقام بها خير قيام"(4) .
وقال الشيخ محمّد هادي الأميني (ت 1421هـ) بعد أن حكى قول الشيخ جعفر
____________
1 ـ معارف الرجال 2: 41، هكذا عرفتهم 1:207.
2 ـ معارف الرجال 2: 51، هكذا عرفتهم 1: 207.
3 ـ شعراء الغري 2: 436.
4 ـ ماضي النجف وحاضرها 2: 62.
"فحين أفتى بعض العلويّين في الشام ـ وتبعه علويّ آخر في البصرة ـ بحرمة الشعائر الحسينيّة، وَزَّمَرَ وطَبَّلَ على هذه الفتوى كثير من المغرضين المعاندين، شُوهد هذا الشيخ الكبير على ضعفه وعجزه أمام الحشد المتجمهر للعزاء يمشي وهو يضرب على صدره وقد حلّ أزاره، وخلفه اللطم والأعلام، وأمامه الضرب بالطبل. ومن آثاره إقامة المآتم في يوم عاشوراء في كربلاء، فهو أوّل من أقامه هناك، وعنه اُخذ حتّى توسّع فيه ووصل إلى حدّه اليوم"(1) .
(6) الحجّة الشيخ ابراهيم المظفّر، عارضه بتأليف رسالة مستقلّة في ذلك، وكذلك الأسماء الواردة بعده كلّهم عارضوا السيّد الأمين بتأليف رسائل، يأتي الحديث عنها قريباً.
(7) الحجّة الشيخ عبد المهدي الحلّي.
(8) الحجّة الشيخ عبد المهدي المظفّر.
(9) الحجّة السيّد علي نقي اللكهنوي.
(10) الحجّة الشيخ محمّد جواد الحجامي.
(11) الحجّة الشيخ محمّد حسين المظفّر.
(12) الحجّة الشيخ مرتضى آل ياسين.
(13) الحجّة السيّد نور الدين شرف الدين(2) .
ومن المراجع ورجال الدين الذين أيّدوا السيّد محسن الأمين في فتواه:
____________
1 ـ معجم رجال الفكر والأدب في النجف خلال ألف عام 1: 353.
2 ـ أعيان الشيعة 10: 380.
(2) المجتهد المجاهد الشيخ عبد الكريم الجزائري (ت 1382هـ)، أيّده بإصدار فتوى بالحرمة، وقد أثّرت فتواه كثيراً في أوساط الشباب(2) .
(3) المجتهد المجاهد السيّد هبة الدين الشهرستاني (ت 1386هـ)، أصدر فتوى بالحرمة، وقد أثّرت فتواه في بعض مدن ايران(3) .
(4) المجتهد الحجّة الشيخ جعفر البديري (ت 1369هـ)، أيّده وسانده كثيراً(4) .
(5) الحجّة السيّد حسين الحسيني البعلبكي (ت 1391هـ)، أيّده كثيراً عندما كان في النجف الأشرف، وكذلك في لبنان(5) .
قال الاُستاذ جعفر الخليلي: "ومنهم ـ أي الذين أيّدوا السيّد الأمين ـ الجريىء العامل، والموالي المؤيّد بالعقيدة، السيد حسين البعلبكي، وهو صهر لأخت السيّد محسن الأمين"(6) .
(6) الحجّة الشيخ عبد المهدي الحجّار (ت 1358 هـ).
(7) الحجّة الزاهد الشيخ علي القمّي (ت 1371 هـ) وقد أظهر تأييده علناً وفي
____________
1 ـ أعيان الشيعة 2:331، هكذا عرفتهم 1: 207.
2 ـ هكذا عرفتهم 1: 209.
3 ـ أعيان الشيعة 10: 261، هكذا عرفتهم 2:212.
4 ـ هكذا عرفتهم 1: 209.
5 ـ هكذا عرفتهم 3: 229.
6 ـ هكذا عرفتهم 3: 231.
(8) الحجّة الشيخ محمّد الگنجي، أيّده بتأليف رسالة مستقلّة، يأتي الكلام عنها قريباً.
قال الاُستاذ جعفر الخليلي: "وكان من أبرز دعاة التحريم بعد طبقة العلماء الكبرى من النّجفيين الشيخ محمّد الگنجي، الذي سخّرَ قلمه ولسانه وكلّ نشاطه في شجب الضرب بالسيوف، وقد شجّعت جرأته الكثيرين على الالتفاق حوله"(2) .
(9) الحجّة الشيخ محسن شرارة (ت 1365هـ) أيّده بالكتابة في الصحافة.
قال الاُستاذ جعفر الخليلي: "أمّا البارزون من غير النجفيين ـ أي الذين أيّدوا السيّد الأمين ـ فقد كان الشيخ محسن شرارة، وكان من العناصر المليئة بالإيمان وحرارة الدعوة في تحريم هذه التقاليد، وهو رجل لم ينل بعد يومذاك درجة الاجتهاد، فالتفّ حوله من أهل بلده من العامليين جماعة"(3) .
رسائل اُلّفت حول هذا الموضوع:
تضمّ حوزة النجف الأشرف ـ التي أسّسها الشيخ الطوسي (ت 460هـ) قبل ألف عام تقريباً ـ علماء كبار، ومراجع دين أتقياء، وكتّاباً لامعين، يَصِلُونَ الليل بالنهار في عمل دؤوب، لا يعرفون الملل والضجر، همّهم الأوّل والأخير مرضاة الله سبحانه وتعالى، وذلك عَبْرَ المحافظة على الدين الإسلاميّ الحنيف وصونه عن أيّ تغيير
____________
1 ـ هكذا عرفتهم 1: 209.
2 ـ هكذا عرفتهم 3: 230.
3 ـ هكذا عرفتهم 3: 231.