الصفحة 81

وَكَيْفَ شِئتَ إقْرأَ لإدْراكِ المُنَىإنْ لَمْ يَصِلْ ذَاكَ إِلىَ حَدِّ الغِنا
قامَ عَلى تَحْريمِهِ الإِجْماعُوَحَيْثُ يُعْصى اللهُ لا يُطاعُ
واحْذَرْ مِنَ التَحريفِ والألحانِوَخُذْ مِنَ العارِفِ باللسانِ
وَاقْرأَ مِنَ النَحْوِ ومِنْ عِلْمِ الأَدَبِشَيْئاً بهِ تعرفُ أقوالَ العَرَبِ
تَدْري بهِ إنْ قُلْتُ ما تَقُولُوما هُو المردودُ والمَقْبُولُ
وأَقْبحَ العيوبِ في اللسانِعِنْدَ الأديبِ وصمة الألحانِ
تنشأ مِنْهُ سيّئات جَمَّةْكِذْب وتَحرْيف مقال عجمةْ(1)

الموضع الثاني:

قال السيّد الأمين في ردّه على الشيخ عبد الحسين صادق العامليّ:

"وغالبهم ـ أي خُطباء المنبر الحسينيّ ـ عوام، يخلطون الحابل بالنابل، ولا ننكر أنّ فيهم الفضلاء الكاملين الذين يُفتخر بأمثالهم، وقليل ما هم، ولكن الكثير منهم ليسوا كذلك كما هو مُشاهد بالعيان، ويجهل أو يتجاهل قراءتهم حديث: "أين ضلّت راحلتك يا حسّان" الذي اختلقه بعض آل قفطان على سطح مسجد الكوفة، كما هو مشهور عند فضلاء النجف وغيرهم.

أو حديث: "خرجت أتفقّد هذه التلاع مخافة أن تكون مظنّاً لهجوم الخيل على مخيّمنا يوم يحملون وتحملون"، وإلاّ فليدلّنا في أيّ كتاب هذا الحديث؟ وأيّ رواية جاءت به ضعيفة أو صحيحة؟

أم حديث: "إنّ البرد لا يزال الجبل الأصم، ولفحة الهجير لا تُجفّف البحر

____________

1 ـ حكاها الشيخ محمد الگنجي في رسالته "كشف التمويه": 29 ـ 30.


الصفحة 82
الخضم".

أم حديث قول شمر للحسين (عليه السلام): "بعدك حيّاً بابن الخارجي".

أم حديث: "أي جُرح تشدّه لك زينب".

أم حديث مخاطبة زينب للعباس حين عرض شمر عليه وعلى إخوته الأمان.

أم حديث مجيء زين العابدين لدفن أبيه مع بني أسد.

أم حديث درّة الصدف التي حاربت مع الحسين (عليه السلام).

أم حديث مجيء الطيور التي تمرّغت بدم الحسين (عليه السلام) إلى المدينة، ومعرفة فاطمة الصغرى بقتل أبيها من تلك الطيور"(1) والنظر في هذا الكلام في عدّة نقاط:

الاُولى:

أكثر الموارد التي ذكرها السيّد الأمين وجعلها مصداقاً لكذب الخطباء; لعدم وجودها في المصادر، موجودة في كتب معتبرة عندنا، وبعضها مذكور كمراسيل في كتب المقاتل سمعها مؤلّفو المقاتل من مشايخهم الذين يثقون بهم، وموردان منها فقط لم أعثر عليهما في المصادر، وسألت الكثير من الخطباء عنهما فلم يعرفانهما، وسيأتي تفصيل ذلك قريباً.

الثانية:

يذكر السيّد الأمين في كتابه "المجالس السنيّة" ـ الذي ألّفه لتهذيب أخبار واقعة الطف ـ الكثير من الأحاديث المرسلة المساوية من حيث السند للأحاديث التي ذكرها في رسالته "التنزيه" والتي استنكر على الخطباء قراءتها:

كقوله في ج2 ص 47: إنّ الإمام زين العابدين (عليه السلام) شاهد شمر بن ذي الجوشن يفري بسيفه وريدي الحسين (عليه السلام) حتّى فصل رأسه المكرّم عن جسده.

____________

1 ـ رسالة التنزية: 55 ـ 56.


الصفحة 83
وقوله في ج3 ص 6 وج4 ص 3: إنّ الرباب أخذت رأس الحسين (عليه السلام) ووضعته في حجرها وقبّلته وقالت:


واحسيناً فلا عدمت حسيناًأقصدته أسنّة الأعداء

والغريب في الأمر أنّه ـ السيّد الأمين ـ يستنكر قراءة الخطباء فقرة من حديث مسلم الجصّاص وهو: "أنّ زينب (عليها السلام) نطحت جبينها بمقدّم المحمل". ويذكر هو في كتابه "المجالس السنيّة" ج2 ص 47 فقرة اُخرى منه وهي: "كانت لحيته المباركة مخضوبة بالوسمة كأنّها سواد السبج".

الثالثة:

ينسب السيّد الأمين لبعض آل قفطان وضعه لحديث: "أينَ ضلّت راحلتك يا حسان".

والمقصود بـ "بعض آل قفطان" هو الشيخ حسن قفطان (ت 1287هـ)(1) .

وإنّي رغم تتبّعي لكثير من الكتب لم أعثر على هذا الحديث، ولم أجد مَن ينسبه للشيخ حسن قفطان سوى السيّد الأمين(رحمه الله).

علماً بأنّه ـ أيّ السيّد الأمين ـ في كتابه "أعيان الشيعة" يتردّد في الحديث الذي وضعه بعض آل قفطان على سطح مسجد الكوفة هل هو حديث "أين ضلّت راحلتك يا حسان" أو حديث مكالمة العباس (عليه السلام) مع حبيب بن مظاهر الأسدي ليلة العاشر من محرم(2) .

وقد تتبّعتُ ترجمة الشيخ حسن قفطان فلم أجد من يغمز فيه أو يشكّ في

____________

1 ـ انظر النقد النزيه: 21.

2 ـ أعيان الشيعة 5:199.


الصفحة 84
وثاقته، نعم الذي يُؤخذ عليه أنّ له كتاباً في مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) فيه مراسيل غريبة أخذها من مشايخ أهل الكوفة.

ونقدّم هنا ترجمة مختصرة له، نبيّن فيها أقوال علمائنا فيه(1) .

الشيخ حسن قفطان:

هو الشيخ حسن ابن الشيخ علي بن نجم بن عبد الحسين السعدي الرباحي الدجيلي، الشهير بـ"قفطان".

والسعدي، نسبة إلى بني سعد: وهي عشيرة عربيّة يرجع نسبها إلى بني تميم.

والرباحي، نسبة إلى آل رباح: فخذ من بني سعد.

والدجيلي، نسبة إلى مدينة الدجيل الواقعة بين سامراء وبغداد.

ولد الشيخ حسن في النجف الأشرف حدود سنة 1200هـ ـ وقيل غير ذلك ـ ودرس الفقه أوّلا عند الشيخ علي كاشف الغطاء (ت 1253هـ)، والاُصول عند الميرزا أبي القاسم القمّي (ت 1231هـ) صاحب "القوانين"، ثمّ حضر درس الشيخ محمّد حسن النجفي (ت 1266هـ) صاحب "الجواهر" حتّى أصبح من أخصّ تلامذته وأفاضلهم وأقربهم إليه.

"اتّخذ المُتَرجَم الوراقة مهنة له، وورث ذلك عنه أبناؤه وأحفاده، إلاّ أنّه كان يمتاز عنهم بإتقان اللغة والبراعة فيها، وهذا ما حدى باُستاذه صاحب "الجواهر" أن يُحيل إليه وإلى ولده تصحيح "الجواهر" ووراقته حتّى قيل: إنّه لولاهما لما خرجت

____________

1 ـ انظر ترجمته في: معارف الرجال 1:219، أعيان الشيعة 5:198، طبقات أعلام الشيعة (الكرام البررة في القرن الثالث بعد العشرة): 339.


الصفحة 85
"الجواهر"; لأنّ خطّ المؤلّف كان رديئاً، وقد كتبا النسخة الاُولى عن خطّ المؤلّف ثمّ صارا يحترفان بكتابتها وبيعها على العلماء وطلاّب العلم، وأكثر النُسخ المخطوطة بخطهما، وهذا دليل على أنّ المترجَم كان يعرف ما يكتب وكان جيّد الخطّ والضبط"(1) .

وله عدّة مؤلّفات منها: "طب القاموس"، "أمثال القاموس"، "رسالة الأضداد"، "رسالة المثلثات"، "رسالة في الأفعال اللازمة والمتعدّية"، "تعليقات على المصباح المنير"، كتب ورسائل في الفقه، أشعار كثيرة، كتاب في مقتل الإمام الحسين (عليه السلام).

وقد مدحه وأطراه ووثّقه كلّ من ذكره وترجَم له، منهم:

(1) المحدّث الميرزا حسين النوري (ت 1320هـ)، قال عنه: "العالم العليم، والفقيه الحكيم، المقتدى المؤتمن الشيخ حسن"(2) .

(2) السيّد حسن الصدر (ت 1354هـ) قال عنه: "كان من مقدّمي فقهاء الطائفة، مشاركاً في العلوم، فقيهاً اُصوليّاً، حكيماً إلهيّاً. وكذلك له التقدّم والبروز في الأدب وسبك القريض، وله شعر من الطبقة العليا"(3) .

(3) الشيخ محمّد حرز الدين (ت 1356هـ) قال عنه: "عالم محقّق جليل ضابط، أديب شاعر"(4) .

____________

1 ـ انظر طبقات أعلام الشيعة (الكرام البررة في القرن الثالث بعد العشرة): 339.

2 ـ حكاه عنه الشيخ عبد الحسين قاسم الحلّي في رسالته "النقد النزيه": 17.

3 ـ حكاه عنه الشيخ الطهراني في طبقات أعلام الشيعة (الكرام البررة في القرن الثالث بعد العشرة): 339.

4 ـ معارف الرجال 1: 219.


الصفحة 86
(4) السيّد محسن الأمين (ت 1371هـ) قال عنه: "في "الطليعة": كان فاضلا شاعراً تقيّاً ناسكاً محبّاً للأئمة الطاهرين، وأكثر شعره فيهم، وله مطارحات مع اُدباء زمانه وتواريخ في أغلب الوقائع وتقاريظ.

وفي مجموعة الشبيبي: كان أديباً شاعراً، أصبح من مشاهير الفقهاء الاُدباء.

وعن مجموعة الشبيبي أيضاً ـ كما في مجلّة الحضارة ـ أنّه قال في حقّه: فقيه لغوي... وكان أديباً صحيح الطبع وسليم الذوق"(1) .

(5) الشيخ الطهراني (ت 1389هـ) قال عنه: "أحد مشاهير وأعلام عصره في العلم والأدب"(2) .

وبعد كلّ هذه الترجمة التي ذكرناها له والتوثيقات التي صدرت بحقّه من كبار الأعلام، فهل يمكن الشكّ في وثاقته، أو احتمال وضعه لأحاديث تتعلّق بواقعة الطف لا وجود لها أساساً؟!

أمّا الأحاديث والوقائع الغريبة التي ذكرها في كتابه "مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) " فقد حكاها عن مشايخه الكوفيّين الثقات، والذين يروونها هم أيضاً عن مشايخهم الثقات، وحكم هذه الأحاديث والوقائع حكم المراسيل التي تُذكر في كثير من المقاتل.

الرابعة:

الأحاديث التي وصفها السيّد الأمين بالوضع، واستنكر على الخطباء قراءتها، حيث قال بعد ذكر أحدها: "وإلاّ فليدلّنا في أيّ كتاب هذا الحديث؟! وأيّ رواية جاءت به ضعيفة كانت أو صحيحة؟!".

____________

1 ـ أعيان الشيعة 5: 199.

2 ـ طبقات أعلام الشيعة (الكرام البررة في القرن الثالث بعد العشرة): 339.


الصفحة 87
هذه الأحاديث أوردها الشيخ محمّد باقر بن عبد الكريم الدهدشتي البهبهاني النجفي (ت 1285هـ) في كتابه "الدمعة الساكبة" حيث قال فيه: "عثرتُ على أشياء أرسلها بعض معاصرينا في مؤلّفاتهم فأحببتُ ذكرها هنا وإن لم أقف عليها في الكتب".

وعلّق الشيخ عبد الحسين قاسم الحلّي (ت 1375هـ) على هذه العبارة في رسالته "النقد النزيه" حيث قال: "وهذا المعاصر هو العالم العامل الشيخ حسن الملقّب بابن قفطان"(1) .

مع العلم بأنّ الشيخ البهبهاني ذكر في مقدّمة كتابه المصادر التي اعتمد عليها في التأليف حيث قال: "إنّ أكثر الكتب التي اعتمدنا عليها في النقل مشهورة معلومة الانتساب إلى مؤلّفيها"(2) .

وقال في مكان آخر منه مبيّناً منهجه في التأليف.

"اقتصرتُ في هذا الكتاب على متون الأخبار، وعدلتُ عن الإطالة والإكثار، وحذفتُ أسانيد بعضها; لشهرتها، وصرّحتُ برواتها وطرقها بالكتب المنتزعة منها; لتخرج بذلك عن حدّ المراسيل وتُلحق بالمسندات"(3) .

وقد طعن الشيخ محمّد الگنجي ـ في رسالته "كشف التمويه" التي دافع فيها عن السيّد الأمين ـ في كتاب "الدمعة الساكبة" حيث قال:

"إنّ السيّد ـ أي الأمين ـ يُريد من الكتب التي هي للقدماء، لا مَن كان في هذا

____________

1 ـ النقد النزيه: 20.

2 ـ الدمعة الساكبة 1:43.

3 ـ الدمعة الساكبة 1: 48.


الصفحة 88
العصر أو عصر قبله، اللهمّ إلاّ إذا نقلوا عن القدماء وهو المطلوب، وإن نقلوا عن المعاصرين بغير مستند فغير مفيد.

وهذا الخبر ذكره صاحب "الدمعة الساكبة" إلاّ أنّه قال قبله: "وعثرت على أشياء أرسلها بعض معاصرينا في مؤلّفاتهم فأحببتُ ذكرها هنا وإن لم أقف عليها في الكتب المعتبرة" فصاحب "الدمعة الساكبة" نقلها عن بعض معاصريه ولم يطّلع عليها في الكتب، وليست هي موجودة في غير كتابه ممّا بين أيدينا.

ولا يحتجّ على السيّد بأنّ هذا المؤلّف ذكرها، وهو مثله غير قديم، وكلّ منهما ينقل عن كتب القدماء، وصاحب "الدمعة" نفسه بالكلام المتقدّم يطعن بهذا الخبر"(1) .

وقد طُبع هذا الكتاب "الدمعة الساكبة" كاملا في بيروت سنة 1408هـ في ثمانية أجزاء، وفي مقدّمته مجموعة من التقاريظ للمؤلّف وكتابه، كتبها عدد من أعلام الطائفة الحقّة ومراجع تقليدها، تدلّ على وثاقة المؤلِّف وصحة الكتاب، ونحن نورد هنا مقاطع من هذه التقاريظ ليقف عليها القارى:

(1) قال العالم الفاضل الشيخ جعفر ابن الشيخ محسن الأعسم (ت 1287هـ):

"جاءت الألطاف الربانيّة والنفحات الروحانيّة بالعلم العلاّمة الملاّ باقر الدهدشتي النجفي، فجمع وكتب هذا السفر العظيم المحيي للدين، والمحكم لشريعة سيّد المرسلين، والمبيّن بأوضح التبيين إمامة الأئمة الميامين.

فياله من كتاب حَسنت أساليبه وعمّت شعائبه، إذا وقف عليه أرباب السّير في المعارف يقفون منه على موارد لم يكونوا وردوها، وعلى كشف من حقائق لم يكونواأوصلوها، وإذا وقف عليه الضّال عن الهدى والرشاد هدي إلى الصراط المستقيم

____________

1 ـ كشف التمويه: 22.


الصفحة 89
والسداد.

فهي النور الجالي للغياهب، والواقع لعمي العائمين في ضلال السباسب،فلا عذر لمخالف بعد الوقوف على أبوابه وفصوله وتحقيقات فروعه واُصوله. فهو الموقظ للجاهل من رقدته، والمنبّه للغافل عن غفلته، والحسام القاطع للمعاند، والصاعقة المحرقة للجاحد.

ولعمري إنّي أراه أنّه آية الآيات وحجّة المعجزات الباهرة، تقصر الألسن عن تأدية مدح باريه، وتقف الأقلام عن إنهاء فضل دقائق خافيه، فحقيق فيه التمثيل بقول القائل:


تجاوز قدر المدح حتّى كأنّهأحسن ما يثني عليه يعاب(1)

(2) قال العالم الجليل الشيخ مهدي كاشف الغطاء (ت 1289هـ):

"فإنّي طالما طالعت هذا المؤلّف الشريف، المستغني عن التعريف والتوصيف، الذي قد ألّفه الحبر البصير الماهر، وكوكب هداية الزاهر، جناب الحاج ملاّ محمّد باقر الدهدشتي البهبهاني النجفي عامله الله بلطفه الخفي، فرأيتُ أنّه لم يورد فيه إلاّ الأخبار المشهورة المتواترة من كتب الأخبار التي جمعها العلماء الأبرار، المعلوم أخذها عن الأئمّة الأطهار صلوات الله عليهم ما غسق ليل وأضاء نهار، مع ضيق حاله وقلّة مجاله واشتغال باله. فنسأل الله أن ينفعه به في الدارين، ويحبوه بسببه بما تقرّ به العين، إنّه على ذلك لقدير وبالإجابة جدير"(2) .

(3) قال الفقيه الكبير الشيخ راضي النجفي (ت 1290هـ):

____________

1 ـ الدمعة الساكبة 1: 16 ـ 17.

2 ـ الدمعة الساكبة 1:13 ـ 14.


الصفحة 90
"فإنّي لما سرحتُ نظري في هذا الكتاب الباهر، وأجليتُ طرفي في نوره الشعشعاني الزاهر، وجدته حريّ بأن يكون تبصرة للناظرين، وجلاء لعيون المتدبّرين، وعماداً يلجأ إليه أهل الدين من العلماء والمتعلّمين.

فإنّه قد جمع فيه من الأحاديث التي هي محلّ للاعتماد، ومنهج واضح إلى الرشاد، وسبيل لنهاية السداد. فيه جلاء للصدور، وكشف عن غوامض الاُمور. فحقّ له أن يكتب بالنور على جبهات الحور، قد جمع فيه ما لم تجمعه آحاد كتب الأواخر والأوائل من الأحكام والمعاجز والدلائل، وكان حقيقاً بأن يتمثّل بقول القائل:


وإنّي وإن كنتُ الأخير زمانهملآتي بما لم تستطعه الأوائل

فهنيئاً لمؤلِّفه الحبر الباهر والقمر الزاهر، جناب الملاّ محمّد باقر البهبهاني النجفي"(1) .

(4) قال العلاّمة الكبير السيّد علي بحر العلوم (ت 1298هـ):

"فقد نظرتُ في تضاعيف هذا المؤلَّف الشريف، الغني عن التوصيف والتعريف; لظهور مزاياه بأدنى نظر، وبدو نكات محاسنه بأقل فكر، المسمّى بـ "الدمعة الساكبة في المصيبة الراتبة" الذي ألّفه الحبر البصير الماهر، وكوكب الهداية المنير الزاهر، ذو الفضل الواضح الباهر، والعلم الناشر المتقاطر، المؤيّد المسدّد الفاخر، الحاج ملاّ محمّد باقر البهبهاني الغروي عامله الله بلطفه الخفي والجَليّ.

فرأيته حريّاً أن يُكتب بالنور على وجنات الحور، لا بالحبر على صفحات التبر; إذ أورد فيه أخباراً من الكتب المعتبرة المتداولة لدى الأصحاب، عليه رضوان من الله مع التحيّات، وأودع فيه تفاصيل أحاديث لم يودعها غيره ممّن هو ماض أو هو آت.

____________

1 ـ الدمعة الساكبة 1:13.


الصفحة 91
فمن حضره هذه المجلّدات استغنى بها عن الكتب المتفرّقات، بل يجد به مالا يجده من تلك المطوّلات. شكر الله مساعيه، حيث بذل جدّه وأعطى غاية جهده في جمعها وتأليفها، مع عسر حاله وضيق مجاله، وما هو إلاّ بتأييد من خالقه وفضل منه يؤتيه من يشاء من خلقه. ويحقّ له على الإخوان أن يساعدوه على بثّ ما كتب، ونشر ما جمعه بحسب ما يحق ويجب، أعانهم الله لكلّ خير، فإنّ نشره من أفضل القربات وإذاعته من أكمل المثوبات"(1) .

(5) قال الزاهد الورع الشيخ نوح النجفي (ت 1300هـ):

"اهتمّ أهل الدين والعلماء في ضبط ما ورد عنهم (عليهم السلام) وجعلوه زبراً وكتباً، وكان من جملة من اقتدى بهم واتّبع أثرهم جناب العالم الخبير والناقد البصير، وحيد العصر وفريد الدهر، الحبر الربّاني والعالم الصمداني، الحاج الملاّ محمّد باقر البهبهاني. فكتب كتاباً سمّاه بـ"الدمعة الساكبة في المصيبة الراتبة" وهو كتاب مشتمل على ما يشفي العليل ويروي الغليل، ما تقصر عنه كتب المتقدّمين مجتمعاً من كتب مشهورة وصحاح ونصوص مأثورة.

ولعمري فهو من خوارق العادات، بل من معجزات السادة الهداة. ولقد بذل جهده وتحمّل فوق وسعه وطاقته، جزاه الله عن الإسلام وأهله خير الجزاء"(2) .

(6) قال العالم الربّاني الكبير الشيخ محمّد المعروف بالفاضل الايرواني (ت 1306هـ):

____________

1 ـ الدمعة الساكبة 1:9.

2 ـ الدمعة الساكبة 1: 14.


الصفحة 92
"فإنّي لمّا طالعتُ المجلّدات الخمسة المسمّيات بـ"الدمعة الساكبة في المصيبة الراتبة" التي ألّفها المؤلّف الخبير والمحدّث البصير، وحيد عصره وعميد مصره، الحبر الربّاني والعالم الهمداني، الحاج ملاّ محمّد باقر النجفي الدهدشتي، وجدتها أخباراً جمعها من الصحاح المشهورة، والنصوص الصريحة المأثورة، والأحاديث المستفيضة المتواترة، من المصنّفات المعروفة لدى المحاورة.

ولقد بذل جهده في ترويج الشريعة الغرّاء، وجدّ جدّه لإعلاء الحقّ في السرّاء والضرّاء، وتحمّل الشاقة فوق الوسع والطاقة، جزاه الله عن الإسلام خيراً، ووفّقه لخدمة طريقة آل الرّسول، وتلقونه بالعزّ والقبول، وأعلاه يوم الأجر في عباده"(1) .

(7) قال العالم الفاضل الشيخ محمّد حسين الكاظمي (ت 1308هـ):

"ومن جملة من وفّقهم الله تعالى لعمل هذا الخير، جناب الورع التقي الألمعي، صاحب الفهم الوافر والحلم المتكاثر الماهر، الفقيه المحدِّث العارف الخبير، الذي ليس له ثان، جناب ملاذنا ملاّ محمّد باقر الدهدشتي البهبهاني، أدام الله تعالى وجوده وأعلا سعوده، حيث تصدّى لتأليف كتاب لم يسمح الدهر بمثله لغيره، المسمّى بـ"الدمعة الساكبة في المصيبة الراتبة".

ولعمري لقد نظرتُ إليه نظر اعتبار، ونقدته نقد الصيرفي للدينار، فوجدته مشتملا على صحيح الأخبار عن الأئمّة الهداة الأطهار، باُسلوب حسن لطيف، وترتيب متقن منيف، يليق أن يكتب بالنور على وجنات الحور.

فحقيق على مَن تمكّن من ترويجه وتكثيره أن يسعى بتمام جهده في تكثيره، فإنّ تكثيره من أفضل القربات; لما فيه عن الأئمّة الهداة. جزى الله عنّا المؤلّف خير الجزاء

____________

1 ـ الدمعة الساكبة 1:11.


الصفحة 93
حيث بذل الجدّ وأعطى غاية الجهد، مع العلم بعسر أحواله وضيق مجاله، نسأل الله تعالى أن ينفعه به في اُولاه واُخراه، وأن يبلّغه ما يتمّناه، بمحمّد صلّى الله عليه وآله الطيّبين الطاهرين"(1) .

(8) قال العالم الجليل الميرزا حبيب الله الغروي الجيلاني (من أعلام القرن الثالث عشر):

"ومن هنا قد بالغ العلماء السابقون قدّس الله أرواحهم، والمحدّثون الماضون طيّب الله مرامسهم، في تصنيف كتب الفضائل والمصائب والمعجزات، وسائر ما يتعلّق بتلك الذوات عليهم صلوات الله الزاكيات الطيّبات.

ولكن لما كان الزمان غير مأمون، وجب ـ كالقرآن ـ حفظها وتشييد أركانها في تصنيف جديد وتأليف سديد; خوفاً من تطرّق أيادي الهوان، واستكثاراً في توضيح طرائق السلوك إلى الجنان، وسبل النجاة من النيران.

2ومن أجل ذلك أقدم بعض صلحاء العصر وأتقياء الزمان وخدّام الشرع، أن يؤلّف كتاباً جامعاً لما فيها وزيادة، ويأتي بما لم يأتِ به غيره من العائدة. فجهد وأجهد وأجاد وأفاد، وأتى بما فوق المراد، مع اشتغال باله وقلّة ماله وكثرة عياله.

فصنّف كتاباً لم يسمح الزمان بمثله، وبخلت اُمّهات الأقدار عن توليد عدله. واشتملت على مزايا لا تجدها في زبر الأوائل، وعليه من نفسه واُسلوبه أقوى شواهد ودلائل، كما لا يخفى على مَن خاض زواجر بحاره، واطّلع على لطائف أسراره، وتطلّع على عجائب أطواره، وأبرز حسان مضامينه عن خدره وأستاره.

____________

1 ـ الدمعة الساكبة 1:12.


الصفحة 94
فيا لها من نعمة لمن شكر، وعبرة لمن اعتبر، وموعظة بالغة لمن تدبّر. جعله الله ذخيرة يوم حشره، ومنحه وإيّانا جزائل أجره، وهو المسمّى بـ"الدمعة الساكبة" فطوبى لمن سعى في ترويجه وكتبه ونسخه وطبعه"(1) .

وبعد كلّ هذه التقاريظ التي تقدّمت من قبل علمائنا، هل يمكن الشكّ في وثاقة هذا العالم الجليل الشيخ محمّد باقر الدهدشتي البهبهاني؟! وهل يُحتمل في حقّه نقلهِ لأحاديث موضوعة؟! حتّى تلك التي لا وجود لها في كتب اُخرى فإنّه حكاها عن مشايخه الثقات، كما تقدّمت الإشارة إلى ذلك.

والظاهر أنّ أصحاب التقاريظ تنبّهوا إلى إمكان الطعن في هذا الكتاب، لذلك أجابوا عليه مسبقاً. فانظر إلى قول العالم الجليل السيّد علي بحر العلوم: "فرأيت حريّاً أن يكتب بالنور على وجنات الحور لا بالحبر على صفحات التبر; إذ أورد فيه أخباراً من الكتب المعتبرة المتداولة لدى الأصحاب، وأودع فيه تفاصيل أحاديث لم يودعها غيره ممّن هو ماض أو هو آت".

وإلى قول الفاضل الإيرواني: "جمعها من الصحاح المشهورة، والنصوص الصريحة المأثورة، والأحاديث المستفيضة المتواترة من المصنّفات المعروفة لدى المحاورة".

وإلى قول العالم الكبير الشيخ محمّد حسين الكاظمي: "ولعمري لقد نظرتُ إليه نظر اعتبار، ونقدته نقد الصيرفي للدينار، فوجدته مشتملا على صحيح الأخبار عن الأئمة الهداة الأطهار".

الخامسة:

حديث "خرجتُ أتفقّد هذه التلاع... إلى آخره" ذكره الشيخ محمّد باقر

____________

1 ـ الدمعة الساكبة 1:7 ـ 8.


الصفحة 95
البهبهاني في كتابه "الدمعة الساكبة" حيث قال:

"عن المفيد عليه الرحمة أنّه قال: لمّا نزل الحسين (عليه السلام) في كربلاء كان من أخصّ أصحابه به وأكثرهم ملازمة له هلال بن نافع، سيّما في مظانّ الاغتيال; لأنّه كان حازماً بصيراً بالسياسة. فخرج الحسين (عليه السلام) ذات ليلة إلى خارج الخيم حتّى أبعد، فتقلّد هلال سيفه وأسرع في مشيهِ حتّى لحقه، فرآه يختبر الثنايا والعقبات والأكمات المشرفة على المنزل، ثمّ التفت إلى خلفه فرآني فقال: "من الرجل هلال؟".

قلت: نعم، جعلني الله فداك، أزعجني خروجك ليلا إلى جهة معسكر هذا الطاغي.

فقال: "يا هلال خرجتُ أتفقد هذه التلاع مخافة أن تكون مظنّاً لهجوم الخيل على مخيّمنا يوم تحملون ويحملون".

ثمّ رجع وهو قابض على يساره ويقول: "هي هي والله وعدٌ لا خلف فيه"(1) .

ولم أعثر على هذا الحديث في "الإرشاد"، فلعلّه في غيره من كتب الشيخ المفيد، أو المقصود بالمفيد هو غير الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان العُكبري البغدادي (ت 412هـ).

السادسة:

حديث: "إنّ البرد لا يزلزل الجبل الأصم... إلى آخره" ذكره الشيخ جعفر النقدي (ت 1370هـ) في كتابه "الأنوار العلويّة"(2) ، وجعله المحدّث الميرزا حسين النوري (ت 1320هـ) في كتابه "اللؤلؤ والمرجان" من الأحاديث الموضوعة

____________

1 ـ الدمعة الساكبة 4:372 ـ 373.

2 ـ حكاه عنه الشيخ محمّد الگنجي في "كشف التمويه":22.


الصفحة 96
حيث قال ما ترجمته:

"روى الذاكرون عن حبيب بن عمرو أنّه تشرّف بعيادة أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد ما جرحه اللعين عبد الرحمن بن ملجم على اُمّ رأسه الشريف، والأشراف ورؤساء القبائل وشرطة الخميس حضور، وما منهم أحد إلاّ ودمع عينيه يترقرق على سوادها; حزناً على أمير المؤمنين (عليه السلام).

يقول: ورأيت أولاده مطرقين برؤوسهم، وما تنفّسَ منهم متنفّس إلاّ وظننتُ أنّ شظايا قلبه تخرج من أنفاسه، فجمعوا الأطباء، وأمر أثير بن عمرو منهم برئة شاة ونفخ فيها وأدخلها في جرحه وأخرجها، فإذا هي ملطّخه بمخ رأسه، فسأله الحاضرون عن ذلك فخرس وتلجلج(1) لسانه، وفهموا منه ذلك فيئسوا من حياته وأطرقوا برؤوسهم يبكون عليه من غير صوت; حذراً من اطّلاع الحرم عليه، إلاّ الأصبغ بن نباته فإنّه لم يطق دون أن شرق بعبرته(2) عالياً، ففتح عينيه (عليه السلام) وتكلّم بكلمات.

يقول حبيب: قلت: يا أبا الحسن لا يهولنّك ما ترى، وأنّ جرحك غير ضائر، فإنّ البرد لا يزلزل الجبل الأصم، ولفحة الهجير لا تجفّف البحر الخضم، والصلّ يقوى إذا ارتعش، والليث يضرى إذا خُدش.

يقول: فأجابني (عليه السلام)، وسمعته أمّ كلثوم وبكت، فدعاها للحضور عنده فدخلت ـ ويظهر من هذا النقل أنّها حضرت والجماعة حضور ـ فقالت: أنت شمس الطالبيين وقمر الهاشميين، وساس كثيبها المترصد وأرقم أجمتها المتفقد، عزّنا إذا شاهت

____________

1 ـ التلجلج: التردّد في الكلام. الصحاح 1:337 "لجج".

2 ـ شرق بعبرته: أي غصّ بها. انظر الصحاح 4:1501 "شرق".


الصفحة 97
الوجوه ذلاّ، وجمعنا إذا قلّ الموكب الكثير قلا".

علماً بأنّ حضور الطبيب أثير بن عمرو بن هاني السكوني عند الإمام علي (عليه السلام)، ومخاطبة حبيب بن عمرو له (عليه السلام)، وارد في كثير من المصادر خالياً عن قوله: "إنّ البرد لا يزلزل الجبل الأصم... إلى آخره" فقد ذكره عاصم بن حميد في "أصله"(1) ، وأبو الفرج الأصفهاني في "مقاتل الطالبيين"(2) ، وحكاه العلاّمة المجلسي في "بحار الأنوار"(3) عن "أمالي الشيخ الصدوق"(4) ، وحكاه عنهم الشيخ محمّد باقر البهبهاني في "الدمعة الساكبة"(5) ، ونصّ الحديث هكذا:

عن حبيب بن عمرو قال: "دخلت على أمير المؤمنين (عليه السلام) في مرضه الذي قبضُ فيه، فحلّ عن جراحته، فقلت: يا أمير المؤمنين ما جرحك هذا بشيء وما بك من بأس. فقال: "يا حبيب أنا والله مفارقكم الساعة"، قال: فبكيتُ عند ذلك، وبكت اُمّ كلثوم".

السابعة:

حديث قول شمر للحسين (عليه السلام): "بعدك حيّاً يابن الخارجي"، وحديث: "أيّ جرح تشدّه لك زينب"، وحديث مخاطبة زينب للعباس (عليه السلام) حين عرض شمر بن ذي الجوشن عليه وعلى إخوته الأمان، لم أعثر عليها في أيّ مصدر رغم تتبّعي للكثير منها، وسألتُ بعض الخطباء عنها فلم يعرفوها، ويمكن أن يكون قد ذكرها

____________

1 ـ أصل عاصم بن حميد: 33.

2 ـ مقاتل الطالبيين: 23.

3 ـ بحار الأنوار 42: 201 ـ 202.

4 ـ أمالي الصدوق: 192.

5 ـ الدمعة الساكبة 3: 125.