تشجيع الخلفاء لهذا الاتجاه:
وقد شجع الخلفاء هذه النحلة، أو فقل هذا الاتجاه، واستمروا يناصرونه إلى زمن هارون.
وقد حصل مروان ابن أبي حفصة من الخليفة العباسي «المهدي» على أعظم جائزة تعطى لشاعر في تلك الفترة، على قوله مخاطبا آل علي:
هل تطمسون من السماء نجومها | بأكفكم أو تسترون هلالها |
أو تدفعون مقالة عن ربكـــم | جبريل بلغها النبي فقالها |
نزلت من الأنفال آخر آيـــة | بتراثهم، فأردتم إبطالهـا |
يشير إلى آية:(أولوا الأرحام..).
فزحف المهدي من صدر مصلاه إعجاباً، وأعطاه مئة ألف درهم، لكل بيت ألف درهم. وكانت هذه أول مئة ألف تعطى لشاعر في دولة بني العباس(1).
وأعطاه هارون بدوره على هذه الأبيات، بعد أن أصبح خليفة مئة ألف أيضاً.
كما أن المهدي قد أعطى مروان هذا على قوله:
أنى يكون وليس ذاك بكائــن | لبني البنات وراثة الأعمام |
أعطاه ثلاثين ألفاً من صلب ماله، وكساه جبة، ومطرفاً، وفرض على أهله ومواليه ثلاثين ألفاً أيضاً(2).
____________
(1) تاريخ بغداد ج 13 ص 144، 145، ومرآة الجنان ج 1 ص 321.
(2) ولكن في العقد الفريد ج 1 ص 312، الطبعة الثالثة، والمحاسن والمساوي ص 219: أنه أخذ منه ثلاثين، ومن أهل بيته سبعين. ولعل هذا هو الأقرب إلى الواقع، فقد
=>
وبعد ذلك يقف مروان بن أبي الجنوب [ويقال: بل مروان بن أبي حفصة، وقد أنشدها المتوكل، على ما في الغدير ج 4 ص 175]، وينشد الخليفة قصيدته التي مطلعها:
لكم تراث محمــد | وبعدلكم تشفى الظلامة |
إلى أن يقول:
ما للذين تنحــلوا | ميراثكم إلا الندامــة |
فيخلع عليه أربع خلع، وينثر ثلاثة آلاف دينار، يأمره بالتقاطها، ويعطيه عشرة آلاف درهم،. ثم يعقد له ـ مع ذلك كله ـ ولاية على البحرين واليمامة(1).
بل لقد تمادى هارون، وأراد أن يذهب إلى أبعد من ذلك، حيث أراد أن ينكر حتى شرعية خلافة الإمام علي (عليه السلام)، فأحضر «أبا معاوية الضرير» وهو أحد محدثي المرجئة(2)، وقال له: «هممت أنه من يثبت خلافة علي فعلت به وفعلت..». فنهاه أبو معاوية عن ذلك، واستدل له بما أعجبه، فارتدع، وانصرف عما كان عزم عليه(3).
____________
<=
ذكر في المحاسن والمساوي ص 220: أن مروان هذا قال في هذه المناسبة: بسبعين ألفاً راشي من حبائه وما نالها في الناس من شاعر قبلي بل هذا البيت يدل على أن السبعين كانت منه، لا من أهل بيته..
وفي طبقات الشعراء ص 51 اكتفى بالقول: أنه أخذ بهذا البيت مالاً عظيماً..
(1) راجع: الكامل لابن الأثير ج 7 ص 38، والإمام الصادق والمذاهب الأربعة، المجلد الثاني، جزء 3، ص 228.
(2) المرجئة الأولى كانوا لا يتولون عثماناً ولا علياً، ولا يتبرأون منهما.
(3) راجع تفصيل ذلك في تاريخ بغداد ج 5 ص 244، ونكت الهميان في نكت العميان ص 247.
الإمام علي في ميزان الاعتبار:
وإذا ما عرفنا أن إظهار المأمون حبه لعلي بن أبي طالب، وولده، ليس إلا لظروف سياسية معينة كما سيأتي توضيحه. فإننا سوف نرى أنفسنا مقتنعين بأن تأرجح الإمام علي (عليه السلام) في ميزان الاعتبار في تلك الفترة والتي بعدها عند العباسيين، لم يكن إلا أمراً ظاهريا أملته الظروف السياسية، والاجتهادات المختلفة في أساليب مواجهة العلويين.
ولهذا نرى ارتباكهم في ذلك ظاهراً للعيان من وقت لآخر، ومن فترة لأخرى. وهكذا. نجد أن الإمام علياً لم يكن معتبراً عند المأمون،
____________
(1) فقد ذكر ابن الأثير في الكامل ج 5 ص 72، والطبري في تاريخه حوادث سنة 169 ه.: أن المهدي عندما رأى في وصية القاسم بن مجاشع التميمي المروزي عبارة: «.. ويشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأن علي بن أبي طالب وصي رسول الله، ووارث الإمامة من بعده. الخ».. رماها من يده، ولم ينظر في باقيها..
كما أنه عندما ذهب لعيادة أبي عون، الذي كان من كبار رجال الدعوة، والذي أرسله أبو مسلم في ثلاثين ألفاً في طلب مروان بن محمد، وكان هو الذي أنهى أمره في مصر على ما في الإمامة والسياسة ج 2 ص 116، 119، 120. ـ عندما ذهب المهدي لعيادته ـ، وطلب منه أبو عون أن يرضى عن ولده، الذي كان يرى رأي الشيعة في الخلافة، أجاب: أنه على غير الطريق، وعلى خلاف رأينا. فقال له أبو عون: هو والله يا أمير المؤمنين، على الأمر الذي خرجنا عليه، ودعونا إليه، فإن كان قد بدا لكم، فمرونا، حتى نطيعكم.. راجع الإمام الصادق والمذاهب الأربعة، المجلد الأول، جزء 2 ص 569، وقاموس الرجال ج 5 ص 373، والطبري، وغير ذلك.
استغلال لقب المهدي:
هذا.. ونلاحظ: أن المنصور أيضاً قد حاول أن يقارع العلويين بالحجة، ولكن بنحو آخر، وأسلوب آخر..
فإنه عندما رأى أن الناس قد قبلوا على نطاق واسع [ما عدا الإمام الصادق (عليه السلام)] بأن محمد بن عبد الله العلوي هو المهدي.. حاول أن يموه هو بدوره على الناس، فلقب ولده، والخليفة بعده ب «المهدي» من أجل أن يصرف الناس عن محمد بن عبد الله هذا..
فقد أرسل مولى له إلى مجلس محمد بن عبد الله، وقال له: «اجلس عند المنبر، فاسمع ما يقول محمد» قال: فسمعته يقول:
إنكم لا تشكون أني أنا المهدي، وأنا هو «فأخبرت بذلك أبا جعفر، فقال:» كذب عدو الله، بل هو ابني»(1).
ثم. ومن أجل إقناع الناس بهذا الأمر، وجد المنصور من يضع له الأحاديث، ويكذب على النبي (صلى الله عليه وآله)، وطبق واضعوها «مهدي الأمة» على ولده الخليفة «المهدي»(2). ويقول القاضي النعمان الإسماعيلي في أرجوزته:
____________
(1) مقاتل الطالبيين ص 240، والمهدية في الإسلام ص 117.
(2) تجد بعض هذه الأحاديث في: الصواعق المحرقة 98، 99، وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص 259، 260، 272، والبداية والنهاية ج 6 ص 246، 247، وغير ذلك.
من انتظاره وقد تسمــى | بهذه الأسماء ناس لمـــــا |
تغلبوا ليجعلوها حجــة | فعدلوا عن واضح المحجـــة |
إذ مثلوا الجوهر بالأشباه | منهم محمد بن عبد اللــــه |
ابن علي من بني العباس | ذوي التعدي الزمرة الأرجاس(1). |
وقد أقر أحمد أمين المصري بكذب هذه الأحاديث، ووضعها(2)، كما أقر غيره بذلك..
بل إن المنصور نفسه ـ الذي كان قد اعترف بمهدوية محمد بن عبد الله العلوي، وتبجح، وافتخر بها(3) ـ قد كذب نفسه في ذلك، وكذبها في مهدوية ولده أيضاً.
يقول مسلم بن قتيبة: «أرسل إلي أبو جعفر، فدخلت عليه، فقال: قد خرج محمد بن عبد الله، وتسمى بالمهدي، ووالله، ما هو به، وأخرى أقولها لك. لم أقلها لأحد قبلك، ولا أقولها لأحد بعدك.. وابني والله، ما هو بالمهدي، الذي جاءت به الرواية، ولكنني تيمنت به، وتفاءلت به..» (4) والخليفة المهدي نفسه يقر بأن أباه فقط يروي أنه المهدي الذي بعده في الناس(5).
وأما اتخاذهم الزندقة ذريعة للقضاء على خصومهم، سواء من العلويين، أو من غيرهم.. فسيأتي توضيحه إن شاء الله تعالى.
____________
(1) الأرجوزة المختارة ص 31، (2) ضحى الإسلام ج 3 ص 240.
(3) مقاتل الطالبيين ص 239، 240، والمهدية في الإسلام ص 116، وجعفر بن محمد لعبد العزيز سيد الأهل ص 116، (4) مقاتل الطالبيين ص 247، والمهدية في الإسلام ص 117.
(5) الوزراء والكتاب ص 127.
وكل ذلك لم يكفهم:
ولكن العباسيين قد وجدوا أن ذلك كله لم يكن ينطلي على أحد، وأن الأمور ـ مع ذلك ـ تسير في غير صالحهم، ولهذا فإن من الأفضل والأجدى لهم أن لا يفسحوا المجال للعلويين للمنطق والحجاج، فإن ذلك من شأنه أن يظهر كل ما كان يتمتع به العلويون من خصائص ومميزات عليهم. هذا إن لم ينته الأمر بفضيحة ساحقة للعباسيين، وكشف حقيقتهم وواقعهم أمام الملأ، الأمر الذي كان يزعجهم، ويقض مضاجعهم إلى حد كبير..
وإذن.. فإن من الحكمة أن يتبعوا أساليب أخرى من أجل القضاء على العلويين..
ولم تكفهم مراقبتهم لهم، حتى لم يكونوا يغفلون عنهم طرفة عين أبداً، من أجل التعرف على أحوالهم، وإحصاء كل حركاتهم، ابتداء من السفاح، ثم اتبعه الخلفاء على ذلك من بعده.
كما لم يكفهم.. التهديد والوعيد الذي كانوا يواجهونهم به، بهدف إضعاف شخصياتهم، وتحطيم معنوياتهم..
كما لم يكفهم مصادرة أموالهم، وهدم بيوتهم، ومنعهم من السعي من أجل الحصول على لقمة العيش، حتى لقد بلغ البؤس بهم أن: العلويات كن يتداولن الثوب الواحد من أجل الصلاة(1).
وكذلك لم يكفهم. عزلهم عن الناس، ومنع كل أحد من الوصول إليهم، تمهيداً لتشويه سمعتهم بما أمكنهم من أساليب الكذب والافتراء،
____________
(1) كان ذلك في زمن المتوكل، راجع: بند تاريخ ج 1 ص 72، ومقاتل الطالبيين ص 599.
وأما الاضطهاد والتشريد، وزج العشرات والمئات منهم في السجون الرهيبة، التي كان من يدخل إليها لا يأمل بالخروج منها، حيث إن دخول السجن إنما كان يعني في الحقيقة دخول القبر.. وأما دسهم السم لكل شخصية لا يستطيعون الاعتداء عليها جهاراً ـ أما ذلك ـ فلم يكن ليكفيهم أيضاً، ولا ليقنعهم قطعا. حيث إنهم إنما كانوا متعطشين إلى الولوغ في دمائهم، ومشتاقين إلى التفنن في تعذيبهم، واختراع أساليب جديدة في ذلك، فسمروا بالحيطان من سمروا، وأماتوا جوعاً من أماتوا، ووضعوا في الأسطوانات منهم من وضعوا. إلى غير ذلك مما يظهر لكل من له أدنى اطلاع على تاريخهم، وتاريخ سلوكهم مع أبناء عمهم العلويين..
وأما قتلهم لهم جماعات، فأشهر من أن يحتاج إلى بيان.. وقضية المنصور مع بني حسن لا يكاد يخلو منها كتاب تاريخي. وكذلك قضية الستين علوياً، الذين قتلوا بأمر من الخليفة «المنصور» باستثناء غلام منهم، لا نبات بعارضيه(1).
____________
(1) هذا ما نقله في شرح شافية أبي فراس ص 174 عن الدر النظيم، عن أحمد بن حنبل، الذي رأى رجلاً متعلقا بأستار الكعبة، يضرع إلى الله بالمغفرة، وأقر له بأنه بنى على هؤلاء ما عدا الغلام المذكور بأمر من المنصور.. وفي عيون أخبار الرضا ج 1 ص 108، فما بعدها، وشرح ميمية أبي فراس ص 176، 177، والبحار ج 48 ص 176 فما بعدها. قصة شبيهة بهذه ينقلها عن حميد بن قحطبة الذي كان يفطر في شهر رمضان، ليأسه من مغفرة الله، لأنه قتل ستين علوياً في ليلة واحدة بأمر من الرشيد.. ولكن الظاهر أن ذكر الرشيد اشتباه من الراوي، ولعله عمدي، لأن حميدا قد مات سنة 158، على ما صرح به في البحار ج 48 ص 322، وخلافة هارون الرشيد إنما بدأت سنة 170، ولعل القصة الحقيقية هي ما عن أحمد بن حنبل، وإنما حرفها المحرفون لحاجة في نفس يعقوب، لا تخفى على المتتبع الخبير، والناقد البصير.
موقف كل خليفة منهم على حدة:
وإننا من أجل أن نلم بموقف كل خليفة منهم على حدة من أبناء عمهم العلويين، نقول:
أما السفاح:
فقد قال عنه أحمد أمين: «.. وكانت حياته حياة سفك للدماء، وقضاء على المعارضين..» (1).
وقال عنه الجنرال جلوب: «.. وكان السفاح والمنصور قد نُشِئا نشأة المتآمرين، ولذا وطدا ملكهما ـ بعد نجاح الثورة ـ بكثير من سفك الدما، ولا سيما من دماء أولاد أعمامهم، من بني أمية، وبني علي بن أبي طالب..»(2).
ويقول الخوارزمي عن السفاح: «.. وسلط عليهم [يعني على العلويين] أبا مجرم، لا أبا مسلم، يقتلهم تحت كل حجر ومدر، ويطلبهم في كل سهل، وجبل..»(3).
ومن ذلك يعلم أن إظهاره اللين اتجاههم أمام الناس ما كان إلا من أجل تثبيت دعائم حكمه، وتحكيم قواعد سلطانه، لكنه لم يغفل لحظة واحدة عن مراقبتهم، والتجسس على أحوالهم، بل وقتلهم، إذا ما سنحت الفرصة له لذلك، كما قدمنا.
____________
(1) ضحى الإسلام ج 1 ص 105.
(2) إمبراطورية العرب ص 499.
(3) رسائل الخوارزمي ص 130، وضحى الإسلام ج 3 ص 296، 297، وسيأتي شطر من هذه الرسالة. راجع ما علقناه على هذه الفقرة في فصل: قيام الدولة العباسية.
وأما المنصور:
الذي لم يتورع عن قتل ابن أخيه السفاح(1)، وعمه عبد الله بن علي. وأبي مسلم. مؤسس دولته. والذي سافر سنة 148 ه. إلى الحج، وعزم على القبض على الإمام الصادق (عليه السلام)، إن كان لم يتم له ذلك(2).
والذي سمى نفسه المنصور بعد انتصاره على العلويين(3).
أما المنصور هذا. فهو أول من أوقع الفتنة بين العباسيين والعلويين(4). وقد اعترف عندما عزم على قتل الإمام الصادق (عليه السلام)، بعدد ضخم من ضحاياه من العلويين، حيث قال: «.. قتلت من ذرية فاطمة ألفاً، أو يزيدون، وتركت سيدهم، ومولاهم، وإمامهم، جعفر بن محمد»(5).
ولقد كان هذا القول منه في حياة الإمام الصادق (عليه السلام)، أي في صدر خلافة المنصور. فكيف بمن قتلهم بعد ذلك!!
وقد ترك خزانة رؤوس ميراثاً لولده المهدي، كلها من العلويين، وقد علق بكل رأس ورقة كتب فيها ما يستدل به على صاحبه، ومن بينها رؤوس شيوخ، وشبان، وأطفال(6).
____________
(1) تاريخ التمدن الإسلامي المجلد الثاني جزء 4 ص 494، نقلاً عن: نفح الطيب ج 2 ص 715.
(2) النجوم الزاهرة ج 2 ص 6.
(3) التنبيه والإشراف ص 295، وطبيعة الدعوة العباسية ص 119.
(4) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 261، ومروج الذهب ج 4 ص 222. وشرح ميمية أبي فراس ص 117، ومشاكلة الناس لزمانهم لليعقوبي ص 22، 23.
(5) شرح ميمية أبي فراس ص 159، والأدب في ظل التشيع ص 68.
(6) تاريخ الطبري ج 10 ص 446، والنزاع والتخاصم للمقريزي ص 52، وغير ذلك.
وهو الذي يقول للإمام الصادق (عليه السلام): «لأقتلنك، ولأقتلن أهلك، حتى لا أبقي على الأرض منكم قامة سوط..»(2).
وعندما قال المنصور للمسيب بن زهرة: إنه رأى أن الحجاج أنصح لبني مروان. أجابه المسيب: «يا أمير المؤمنين، ما سبقنا الحجاج إلى أمر، فتخلفنا عنه، والله، ما خلق الله على جديد الأرض خلقاً أعز علينا من نبينا (صلى الله عليه وآله)، وقد أمرتنا بقتل أولاده، فأطعناك، وفعلنا، فهل نصحناك؟!»(3).
وهو أول من سن هدم قبر الحسين (عليه السلام) في كربلاء(4).
وهو الذي كان يضع العلويين في الأسطوانات، ويسمرهم في الحيطان ـ كما نص عليه اليعقوبي، وغيره ـ ويتركهم يموتون في المطبق جوعاً، وتقتلهم الروائح الكريهة، حيث لم يكن لهم مكان يخرجون إليه لإزالة الضرورة، وكان يموت أحدهم، فيترك معهم، حتى يبلى من غير دفن، ثم يهدم المطبق على من تبقى منهم حيا، وهم في أغلالهم ـ كما فعل ببني حسن، كما هو معروف ومشهور.
____________
(1) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 267، وإمبراطورية العرب ص 491، والإمام الصادق والمذاهب الأربعة، المجلد الأول جزء 2 ص 534.
(2) مناقب ابن شهرآشوب ج 3 ص 357، والبحار ج 47 ص 178.
(3) مروج الذهب ج 3 ص 224.
(4) تاريخ كربلاء، لعبد الجواد الكليدار آل طعمه ص 193.
لم يروه ما أراق البغي من دمنـا | في كل أرض فلم يقصر من الطلب |
وليس يشفي غليلا في حشاه سوى | أن لا يرى فوقها ابن لبنت نبي(1) |
وعلى كل: فإن معاملة المنصور لأولاد علي، تعتبر من أسوأ صفحات التاريخ العباسي(2).
وستأتي عبارة الخضري عنه عن قريب..
وأما المهدي:
الذي حبس وزيره يعقوب بن داوود، وبني على المطبق الذي هو فيه قبة، وبقي فيه حتى عمي، وطال شعر بدنه، حتى صار كالأنعام ـ وحبسه ـ لاتهامه إياه بأنه يمالئ الطالبيين، كما قدمنا..
المهدي الذي عرفنا فيما تقدم موقفه من أبي عون، وولده، الذي كان يذهب مذهب الشيعة في الخلافة.. وكذلك موقفه من وصية القاسم ابن مجاشع.
أما المهدي هذا فقد اتخذ الزندقة ذريعة للقضاء على كل مناوئيه، وخصوصاً العلويين، والمتشيعين لهم:
وقال الدكتور أحمد شلبي: «إن الرمي بالزندقة اتخذ وسيلة للإيقاع بالأبرياء في كثير من الأحايين»(3).
____________
(1) النزاع والتخاصم للمقريزي ص 51.
(2) مختصر تاريخ العرب، للسيد أمير علي ص 184.
(3) التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية ج 3 ص 200.
وقد ألف له ـ أي للمهدي ـ ابن المفضل كتاباً في الفرق، اخترع فيه فرقا من عند نفسه، ونسبها لأولئك الذين يريد المهدي أن يتتبعهم، ويقضي عليهم. مع أنهم لم يكونوا أصحاب فرق أصلاً. كزرارة، وعمار الساباطي، وابن أبي يعفور، وأمثالهم، فاخترع فرقة سماها «الزرارية» نسبة لزرارة. وفرقة سماها «العمارية» نسبة لعمار، وفرقة سماها «اليعفورية» وأخرى سماها «الجواليقية»، وأصحاب سليمان الأقطع.
وهكذا. إلا أنه لم يذكر «الهشامية» نسبة لهشام بن الحكم(2).
____________
(1) ضحى الإسلام ج 1 ص 157. هذا. وقد اتهم شريك بن عبد الله القاضي بالزندقة، لأنه لم يكن يرى الصلاة خلف الخليفة المهدي، فراجع: البداية والنهاية ج 10 ص 153، وحياة الإمام موسى بن جعفر ج 2 ص 137، والإمام الصادق والمذاهب الأربعة المجلد الثاني جزء 3 ص 232. وأيضاً. فقد أراد هارون أن يقتل عمه، الذي قال: كيف لقي آدم موسى؟ عندما ذكرت رواية مفادها ذلك. وذلك بتهمة الزندقة، راجع: تاريخ بغداد ج 14 ص 7، 8 والبداية والنهاية ج 10 ص 215، وحياة الإمام موسى بن جعفر ج 2 ص 138، وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص 285، والبصائر والذخائر ص 81..
وهذا يعني أن لفظ الزنديق قد أطلق على كل من يناقش في أحاديث الصحابة، وعلى كل من يعارض نظام الحكم، والحكام وأهوائهم، وأطلق أيضاً على كل ماجن خليع كما يبدو لمن راجع رواية شريك القاضي في مظانها وغيرها..
ولا بأس بمراجعة عبارة هامة لأحمد أمين تتعلق بهذا الموضوع في كتاب الإمام الصادق والمذاهب الأربعة، المجلد الثاني جزء 3 ص 232.
(2) رجال المامقاني ج 3 ص 296، وقاموس الرجال ج 9 ص 324، والبحار ج 48 ص 195، 196، ورجال الكشي ص 27، طبع كربلاء،. وأشار إلى ذلك المسعودي أيضاً، فراجع: ضحى الإسلام ج 1 ص 141، واليعقوبي في كتابه مشاكلة الناس لزمانهم ص 24.
يقول أبو حنيفة أو الطغرائي في جملة أبيات له:
ومتى تولى آل أحمد مسلم | قتلوه أو وصموه بالإلحاد(2). |
إلى غير ذلك مما لا يمكننا تتبعه واستقصاؤه في مثل هذه العجالة..
وأما الهادي:
«فقد أخاف الطالبيين خوفاً شديداً، وألح في طلبهم، وقطع أرزاقهم وأعطياتهم، وكتب إلى الآفاق بطلبهم..»(3).
ولم تكن واقعة فخ المشهورة إلى بسبب الاضطهاد الذي لحق العلويين، والمعاملة القاسية لهم. حسبما نص عليه المؤرخون.. والتي بلغ عدد الرؤوس فيها مئة ونيفا، وسبيت فيها النساء والأطفال، وقتل السبي حتى الأطفال منهم على ما قيل.
وأما الرشيد:
«الذي حصد شجرة النبوة. واقتلع غرس الإمامة»، على حد تعبير الخوارزمي.
____________
(1) من تاريخ الالحاد في الإسلام ص 37.
(2) نسب إلى الأول ملحقات إحقاق الحق ج 9 ص 688 نقلاً عن مفتاح النجا في مناقب آل العبا للعلامة البدخشي ص 12 مخطوط وعن قلندر الهندي الحنفي في روض الأزهر ص 359 طبع حيدر آباد وهو منسوب للطغرائي أيضاً وهو مثبت في إحدى قصائده في ديوانه فلعله أخذه على سبيل الاستشهاد على عادة الشعراء في ذلك..
(3) تاريخ اليعقوبي ج 3 ص 136، 137.
والذي كان على حد تعبير أحمد شلي: «يكره الشيعة ويقتلهم..»(2).
والذي بلغ من كرهه لهم: أن الشعراء كانوا يتقربون إليه بهجاء آل علي (عليه السلام)، كما يظهر بأدنى مراجعة للتاريخ.
أما الرشيد هذا.
فقد أقسم على استئصالهم، وكل من يتشيع لهم. فقال: «.. حتام أصبر على آل بني أبي طالب، والله لأقتلنهم، ولأقتلن شيعتهم، ولأفعلن وأفعلن..»(3).
وعندما تولى الخلافة أمر بإخراج الطالبيين جميعاً من بغداد، إلى المدينة(4) كرهاً لهم ومقتاً.
«وكان شديد الوطأة على العلويين يتتبع خطواتهم، ويقتلهم»(5).
«.. وأمر عامله على المدينة بأن يضمن العلويون بعضهم بعضاً»(6).
وكان: «يقتل أولاد فاطمة وشيعتهم»(7).
____________
(1) الفخري في الآداب السلطانية ص 20.
(2) التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية ج 3 ص 352.
(3) الأغاني، طبع دار الكتب بالقاهرة ج 5 ص 225.
(4) الكامل لابن الأثير ج 5 ص 85، والطبري ج 10 ص 606، وغير ذلك.
(5) العقد الفريد ج 1 ص 142.
(6) الولاة والقضاة للكندي ص 198، وليراجع: تاريخ كربلاء، لعبد الجواد الكليدار ص 196.
(7) العقد الفريد، طبع دار الكتاب العربي ج 2 ص 180.