الصفحة 432

«السلام عليك من إمام عصيب، وإمام نجيب، وبعيد قريب، ومسموم غريب..»(1).

وفي كامل الزيارة لابن قولويه، وهو من الكتب المعتمدة، والموثوقة، وغيره: قد ورد قولهم (عليهم السلام) في زيارته: «قتل الله من قتلك بالأيدي والألسن»(2). وفقرة أخرى في زيارته تقول: «السلام عليك أيها الشهيد السعيد، المظلوم المقتول.. إلى أن قال: لعن الله أمة قتلتك، لعن الله أمة ظلمتك»(3).

وأما قولهم (عليهم السلام): أيها الصديق الشهيد، فهي موجودة في غير مورد من زيارته، وفي مختلف الكتب الموردة لها.

القمة الشامخة الخالدة:

والآن.. وبعد أن أصبح الصبح واضحاً لكل ذي عينين، وبان وظهر ما جهد المأمون ومن يدور في فلكه في إخفائه وطمسه ـ الآن ـ قد آن لنا أن نقول:

فليكد المأمون كيده، وليسع سعيه، وليناصب جهده، فلقد بقي الإمام (عليه السلام) رغم كل مؤامراته ودسائسه: قمة شامخة، لم تدنسه الأهواء، ولم تنل منه العوادي.. ويبقى ـ وإلى الأبد ـ كعبة الزوار، ومهوى الأفئدة، من شرق الأرض وغربها.

أما المأمون.. فيبوء بعارها وشنارها، ويذهب إلى.... لعنة الله والتاريخ.

____________

(1) البحار ج 102 ص 53.

(2) كامل الزيارات ص 313. ومفاتيح الجنان ص 501، وعيون أخبار الرضا ج 2 ص 270 (3) عيون أخبار الرضا ج 2 ص 269.


الصفحة 433

دعبل والمأمون!

الموقف الجريء

جاء في أمالي الشيخ ج 1 ص 98، 99، وأمالي المفيد ص 200، 201، و ط الحيدرية في النجف ص 192 ـ 193 والأغاني 8 ص 57، والغدير ج 2 ص 375، 376 عنه، وعن ابن عساكر في تاريخه ج 5 ص 233 وأخبار شعراء الشيعة للمرزباني ص 94 ـ 95 ما يلي:

عن يحيى بن أكثم، قال: إن المأمون أقدم دعبل رحمه الله، وآمنه على نفسه، فلما مثل بين يديه، وكنت جالساً بين يدي المأمون، فقال له: أنشدني قصيدتك «الرائية» فجحدها دعبل، وأنكر معرفتها، فقال له: لك الأمان عليها كما آمنتك على نفسك، فأنشده:


تأسفت جارتي لمــا رأت زوريوعدت الحلم ذنباً غير مغتفــر
ترجو الصبا بعدما شابت ذوائبهـاوقد جرت طلقا في حلبة الكبـر
أجارتي: إن شيب الدهر يعلمنـيذكر المعاد، وأرضاني عن القدر
لو كنت أركن للدنيا وزينتهـــاإذن بكيت على الماضين من نفر


الصفحة 434

أخنى الزمان على أهلي فصدعهـمتصدع الشعب لاقى صدمة الحجر
بعض أقام، وبعض قد أصار بــهداعي المنية والباقي على الأثـر
أما المقيم: فأخشى أن يفارقنـــيولست أوبة من ولى بمنتظــر
أصبحت أخبر عن أهلي وعن ولديكحالم قص رؤيا بعد مدكـــر
لولا تشاغل عيني بالأولى سلفـوامن أهل بيت رسول الله لم أقـر
وفي مواليك للحرين مشغلــــةمن أن تبيت لمشغول على أثـر
كم من ذراع لهم بالطف بائنـــةوعارض بصعيد الترب منعفـر
أمسى الحسين ومسراهم لمقتلـــهوهم يقولون هذا سيد البشـــر
يا أمة السوء ما جازيت أحمد فــيحسن البلاء على التنزيل والسور
خلفتموه على الأبناء حين مضــىخلافة الذئب في انفاد ذي بقــر

قال يحيى: وأنفذني المأمون في حاجة، فقمت، فعدت إليه، وقد انتهى إلى قوله:


لم يبق حي من الأحياء نعلمـــهمن ذي يمان، ولا بكر، ولا مضـر
إلا وهم شركاء في دمائهـــــمكما تشارك أيسار على جــــزر
قتلاً، وأسراً، وتخويفاً ومنهبـــةفعل الغزاة بأهل الروم والخـــزر
أرى أمية معذورين إن قتلــــواولا أرى لبني العباس من عـــذر
قوم قتلتم على الإسلام أولهــــمحتى إذا استمكنوا جازوا على الكفـر
أبناء حرب، ومروان، وأسرتهــمبنو معيط، ولاة الحقد والوغــــر
إربع بطوس على قبر الزكي بهـاإن كنت تربع من دين على وطـر


الصفحة 435

قبران في طوس: خير الناس كلهموقبر شرهم، هذا من العبـــــر
ما ينفع الرجس من قرب الزكي ولاعلى الزكي بقرب الرجس من ضرر
هيهات كل امرئ رهن بما كسبتله يداه فخذ من ذاك أو فـــــذر

قال: فضرب المأمون بعمامته الأرض، وقال: «صدقت والله يا دعبل».


الصفحة 436

كلمة ختامية

وفي الختام:

فإنني أرجو أن أكون قد وفقت في هذه الدراسة، للكشف عن الحقائق التي أريد لها أن تبقى طي الكتمان.. وأن يكون القارئ قد وجد فيها ما يصح أن يكون جوابا على الأسئلة الكثيرة، التي قد يثيرها لديه هذا الحدث التاريخي الهام، الذي لم يكن طبيعياً، وعاديا كسائر ما يجري وما يحدث..

الاكثار من النصوص التاريخية في الكتاب:

ولعل المطلع على هذا الكتاب يكون قد لاحظ: أنني أكثرت فيه من النصوص التاريخية، ولم يكن هدفي إلا أن لا يجد القارئ كبير عناء في استخلاص الحقائق، بعيداً عن نزوات العاطفة، وعثرات الميول..

ولا شك أنه يكون قد لاحظ أيضاً: أنني لم أحاول انتقاء ألفاظه، ولا صياغة جمله صياغة فنية أنيقة.. وإذا كنت مقتنعاً بأن ذلك من مميزاته وحسناته، لاعتقادي بأن ذلك هو ما تفرضه طبيعة البحث

الصفحة 437
الموضوعي الهادئ. فلسوف لا أستغرب، ولا أتألم إذا كان هناك الكثيرون، ممن يعتقدون أنه عيب ونقص، كان بالإمكان تجنبه، والابتعاد عنه.

ومع ذلك: فلن أجد نفسي مغبوناً حين أقدم ـ بإخلاص ـ اعتذاري لهم، وطلب المسامحة، وغض النظر منهم.

رجاء واعتذار:

وإذا كان يجوز لي أخيراً: أن أطلب من إخواني الأعزاء شيئاً، فإن رجائي الأكيد من كل من يقرأ كتابي هذا: أن يتحفني بملاحظاته، وأن ينبهني لما يجده، أو يراه خطأ، أو نقصاً، فإن الإنسان ـ إلا من اصطفى الله ـ معرض للخطأ وللصواب.. وإذا كان كثيراً ما يكون له فضل فيما أصاب، فكثيراً ما يكون له العذر أيضاً فيما أخطأ.

شكر وتقدير:

هذا.. ولا يسعني هنا إلا أن أتقدم بجزيل شكري، وعميق تقديري لسماحة حجة الإسلام المحقق السيد مهدي الروحاني، ولأصحاب السماحة والفضيلة. من أساتذتي وإخواني، الذين تفضلوا بمطالعة هذا الكتاب، حيث كان لآرائهم الصائبة، وتوجيهاتهم السديدة، وملاحظاتهم الدقيقة أكبر الأثر على هذا الكتاب، إن في الشكل، وإن في المحتوى..

وأخيراً.. فإنني أتقدم أيضاً بخالص شكري، وفائق تقديري للقارئ الكريم. الذي جعلني مدينا له، بما منحني من وقته. وعقله، وفكره. وأرجو أن أكون قد وفقت للفوز بثقته أيضاً.

ولا أطيل عليك ـ قارئي الكريم ـ، فقد كان الفراغ من نقله إلى

الصفحة 438
المبيضة ليلة الأحد السابع من صفر، الساعة التاسعة منها سنة 1396 ه‍ ـ ق. الموافق 8 شباط سنة 1976 م ـ ش.

والحمد لله، وله المنة، وصلاته وسلامه على عباده الذين اصطفى..


نزيل قم المقدسة       
جعفر مرتضى الحسيني العاملي


الصفحة 439

رسالة نقد وجوابها

وبعد.. فإن سماحة الأخ الجليل، والفاضل النبيل، الشيخ عفيف النابلسي حفظه الله، قد تفضل مشكوراً برسالة.. أبدى فيها رضاه وإعجابه بالكتاب، ثم أشار فيها إلى المآخذ التالية:

1 ـ لقد ورد في ص133: أن زبيدة، زوجة الرشيد، كانت تتشيع.. مع أن سلوكها، وظروفها، وأجواءها، وأيضاً تاريخ أهلها وذويها.. كل ذلك يبعدها كل البعد عن نسبة التشيع لها؛ لا بمعناه الخاص، ولا العام، الذي يعني الوقوف مع الإمام الكاظم (عليه السلام)، ضد خصومه. والتعاطف معه، والاستنكار للظلم..

وإرادة الرشيد طلاقها، لعله لمضايقتها له، في محاولاتها منعه من التمتع بحسناوات القصر.. وأما إحراق قبرها فهو لعدم تمييز العامة بين قبرها، وبين قبر آل بويه..

2 ـ جاء في ص133 أيضاً: أن نكبة البرامكة يقال: إن سببها هو تشيعهم للعلويين، وهذا لا يتلاءم مع موقف يحيى حينما شكا إلى الرشيد أمر الكاظم (ڑليه السلام)، وشحن صدره غيظاً على العلويين، وبالأخص على الإمام الرضا (عليه السلام) منهم.. مع أن هذا ينافي ما ذكر في ص263 من أن البرامكة كانوا أعداء لأهل البيت (عليهم السلام)..

3 ـ ما جاء في هامش ص355 من عدم الجزم بأن الأبيات، التي أولها: ذكروا بطلعتك النبي محمداً الخ..

هي للبحتري، وقد كان اللازم الجزم بذلك؛ لانسجام هذه الأبيات مع سائر أبيات قصيدة البحتري.. هذا بالإضافة إلى أن الشاعر يقول: [حتى انتهيت إلى المصلى لابساً] ومعلوم أن الإمام (عليه السلام) لم يصل إلى المصلى، بل رجع من وسط الطريق.. الأمر الذي يدل على أن الأبيات قد قيلت في غير الإمام (عليه السلام)، وقضية صلاته..


الصفحة 440

أما نحن فنقول:

ونستميح سماحة الأخ العذر، إذا أشرنا إلى ما يلي:

1 ـ أما بالنسبة إلى النقطة الأولى، وهي تشيع زبيدة، فإننا نقول: إننا لربما نجدهم في كتب التاريخ يقولون عن مثل المغيرة بن شعبة، والأشعث بن قيس، وأمثالهما، ممن بايع علياً (عليه السلام) في خلافته، وكذلك كل من ناصر قضايا أهل البيت سياسياً، وبذل نفسه في سبيلها: إنه من شيعة الإمام علي (عليه السلام) وأهل البيت.. من دون نظر إلى سلوكه، وميوله، وعقائده، ومذهبه.. وهذا الإطلاق كان في الصدر الأول طبعاً.. والمقصود منه: أنه من أتباع علي وأهل البيت وأنصارهم..

وإذا تجاوزنا تلك المرحلة.. فإننا لا بد وأن نؤكد على الفرق بين كلمتي «شيعي»، و«تشيع».. فإن «الشيعي» في اصطلاحهم هو من كان من الإمامية، أو الزيدية، أو الكيسانية، أو غيرهم من فرق الشيعة.

وكلمة: «يتشيع»، أو «فيه تشيع» يقصد منها في كتب المتقدمين من أهل السنة ـ كما يرى العلامة المحقق السيد مهدي الروحاني ـ كل من كان يحب علياً (عليه السلام)، وأهل بيته الطاهرين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.. ونشأت هذه الكلمة على شكل تهمة وطعن؛ بتأثير من الأجهزة الحاكمة، كمعاوية والمروانيين بعده، ثم كل الحكام المعادين لأهل البيت (عليهم السلام)؛ فكانت المحبة لأهل البيت ـ مجرد المحبة ـ تعد عند الناس أتباع السلطة الحاكمة جريمة كبرى، وعظيمة لا تغفر.. قال الكميت رحمه الله..


بأي كتاب أم بأية سنةترى حبهم عاراً علي وتحسب
وطائفة قد كفرتني بحبهموطائفة قالوا مسيء ومذنب
يعيبونني من حبهم وضلالهمعلى حبكم، بل يسخرون وأعجب

فمحبة آل الرسول كانت في دولة بني أمية تعد تشيعاً، استبشاعاً لها، وتقبيحاً لأمرها، ثم زالت بشاعتها في عصر بني العباس لأمور تاريخية ذات طابع خاص، حتى كان يطلق على كل من كان من غير الشيعة كلمة «التشيع»..


الصفحة 441
ولأجل هذا قال ابن النديم في الفهرست: إن الإمام الشافعي كان شديد التشيع، وقالوا في محمد بن جرير الطبري: فيه تشيع يسير، وموالاة لا تضر.. مع أن من الواضح: أنهما ليسا من الشيعة.. وهذا الإطلاق يوجد كثيراً في كتب التراجم والرجال في مقام الجرح والتعديل..

وعلى كل حال.. فإن هذا الفرق بين «الشيعة» و«المتشيعة» قد خفي على سيدنا آية الله الإمام شرف الدين رحمه الله؛ حيث إنه.. قد ذكر عدداً ممن كان فيه «تشيع» فجعلهم من «الشيعة»..

ولعل الذي أوقعه في الاشتباه هو أن بعض «أهل الجرح والتعديل» ممن تغلب عليه نزعة النصب، قد عد جماعة من هؤلاء «المتشيعة» من الروافض، توهيناً لنزعتهم، وتسفيهاً لرأيهم في محبة علي (عليه السلام)، وأهل بيته الطاهرين.

وهارون الرشيد كان ناصبياً، وقد تقدم في فصل «موقف العباسيين من العلويين» وغيره بعض مواقفه وأفعاله.. فلعله لما رأى حب زوجته لأهل البيت أراد طلاقها..

وواضح.. أن «التشيع» على النحو الذي ذكرناه، لا يتنافى، ولا يتعارض مع الإعلان عن مواقف هي ضد الجهة التي يتعاطف معها، بوحي من مصالحه المعيشية والأمنية ونحوها.. كما أنه لا يتنافى، ولا يتعارض مع عدم الالتزام العملي بالتعاليم المذهبية، بل إنه قد يكون مستهتراً عملاً، وينتهج سلوكاً شاذاً، وبعيداً عن روح وتعاليم الدين الحنيف. ومع ذلك يدعي أنه ملتزم بدين، ومنتم إلى مذهب، شأن الكثيرين من السياسيين المعاصرين وغيرهم.. كما أنه لا ملازمة بين التشيع وبين وجوب القيام بثورة مسلحة ضد نظام الحكم القائم.. وعليه.. فتشيع زبيدة ربما يكون مقتصراً على هذا التعاطف والحب لأهل البيت، ولا يتنافى ذلك مع ما ذكره سماحة الأخ الكريم.

كما أن من البعيد جداً: أن لا يكون قبر زبيدة، أعظم عباسية في التاريخ متميزاً، ومعروفاً لدى الناس، حتى العامة منهم.. كما أن تعليل طلاقه لها بأنها: كانت تضايقه، وتمنعه من التمتع بحسناوات القصر، ما هو إلا اجتهاد في مقابل النص!!..


الصفحة 442
2 ـ وأما البرامكة، فإن ما ذكره الأخ لم يغب عن بالي وقتها، وهو صحيح مئة بالمئة.. ولكنه لا يعني أن النص الآخر كذب محض؛ إذ ربما يكون القصد منه: ليس أنهم كانوا يتشيعون حقيقة، وإنما المراد أنه: حين رأى الرشيد نفوذهم وقوتهم، وخافهم على الملك، تعلل عليهم بذلك؛ ليقتلهم، ويتخلص منهم..

كما أنه ليس من البعيد.. أنهم كانوا يجارون التيار، فيتظاهرون بالتشيع للعلويين؛ ليحافظوا على مكانتهم في العامة.. في نفس الوقت الذي كانوا يتآمرون فيه على آل علي (عليه السلام)، ويبغون لهم فيه الغوائل، تماماً، كما كان المتوكل يكرم الهادي (عليه السلام) في الظاهر، ويبغي له الغوائل في الباطن والشواهد التاريخية على مثل هذا كثيرة جداً..

3 ـ وأما قضية الشعر.. فإننا لا نصر على أنه للبحري.. وإن كنا قد أشرنا إلى أن من الجائز أن يكون البحترى قد أخذه على سبيل الاستشهاد، والتضمين؛ فإن ذلك أمر شائع ومعروف بين الشعراء.. كما أنني قد بينت أن من الجائز أن يكون البحترى قد صُحف عمداً أو سهواً فصار: البحري.. كما أنه قد يكون العكس هو الصحيح. وأما أنه لم يصل إلى المصلى، فإن للشاعر أن يدعي ذلك إذا كان الإمام (عليه السلام) قد قرب منه على سبيل المبالغة..

وبعد.. فإننا نستميح الأخ الشيخ العذر، ونسأل الله له دوام التوفيق والتسديد.


جعفر مرتضى الحسيني العاملي..
22/1/1400 ه‍ ـ ق.     


الصفحة 443


وثائق هامة



1 ـ رسالة الفضل بن سهل إلى الإمام (عليه السلام).

2 ـ وثيقة ولاية العهد.

3 ـ رسالة المأمون إلى العباسيين.

4 ـ رسالة عبد الله بن موسى إلى المأمون.

5 ـ رسالة سفيان إلى هارون.

قصيدة الأمير أبي فراس الحمداني.


الصفحة 444

الصفحة 445

رسالة الفضل بن سهل إلى الإمام (عليه السلام)

هذه الرسالة:

هذه الرسالة هي التي أرسلها الفضل بن سهل إلى الإمام (عليه السلام)، يطلب فيها منه القدوم، من أجل عقد ولاية العهد له..

وقد اطلعت عليها في وقت متأخر، وتحدثت عن بعض ما يمكن استخلاصه منها في بعض فصول الكتاب.

ونظراً لأهميتها.. فقد آثرت أن أجعلها مع الوثائق الهامة، ليطلع عليها القارئ بنفسه.

وقد أورد هذه الرسالة أبو القاسم عبد الكريم بن محمد، بن عبد الكريم الرافعي، الشافعي، القزويني المتوفى سنة 623 ه‍. في كتابه: «التدوين».

والكتاب موجود منه نسختان خطيتان: إحداهما في مكتبة «ناصرية» القسم الثاني رقم 782 في لكنهو. والأخرى: خطية أيضاً موجودة في الإسكندرية.. وهناك نسختان مصورتان عنهما:

إحداهما: في دفتر تبليغات إسلامي في قم مصورة عن نسخة لكنهو.

والأخرى: في مكتبة المرعشي النجفي العامة في قم مصورة في طهران عن نسخة الإسكندرية.


الصفحة 446
وهي في النسخة المصورة عن لكنهو موجودة في المجلد الثاني. وفي المصورة عن مكتبة الإسكندرية موجودة في ج 4 ص 51. ونقلها عن هذه النسخة السيد المرعشي النجفي في ج 12 من ملحقات الاحقاق ص 381، 382:

نص الرسالة:

قال في التدوين: والنص لنسخة: لكنهو: ولما عزم المأمون على تفويض العهد إليه [أي إلى الرضا]، بسعي ذي الرياستين الفضل بن سهل.. كتب إليه ذو الرياستين:

بسم الله الرحمن الرحيم

لعلي بن موسى الرضا، وابن رسول الله المصطفى، المهتدى بهديه، المقتدى بفعله، الحافظ لدين الله، الخازن لوحي الله، من وليه الفضل ابن سهل، الذي بذل في رد حقه إليه مهجته، ووصل ليله فيه بنهاره..

سلام عليك أيها المهتدي ورحمة الله وبركاته.

فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، وأسأله أن يصلي على محمد عبده ورسوله.

أما بعد:

فإني أرجو أن الله قد أدى لك، وأذن لك في ارتجاع حقك ممن استضعفك، وأن يعظم مننه عليك، وأن يجعلك الإمام الوارث. ويري أعداك، ومن رغب عنك، منك ما كانوا يحذرون..

وإن كتابي هذا عن إزماع من أمير المؤمنين، عبد الله الإمام المأمون

الصفحة 447
ومني: على رد مظلمتك عليك، وإثبات حقوقك في يديك، والتخلي منها إليك، على ما أسأل الله الذي وقف عليه: أن تبلغني ما أكون بها أسعد العالمين، وعند الله من الفائزين، ولحق رسول الله من المؤدين. ولك عليه من المعاونين، حتى أبلغ في توليتك ودولتك كلتا الحسنتين(1).

فإذا أتاك كتابي ـ جعلت فداك ـ وأمكنك أن لا تضعه من يدك، حتى تسير إلى باب أمير المؤمنين، الذي يراك شريكاً في أمره، وشفيعاً في نسبه، وأولى الناس بما تحت يده.. فعلت ما أنا بخيرة الله محفوفاً، وبملايكته محفوظاً، وبكلاءته محروساً. وإن الله كفيل لك بكل ما يجمع حسن العائدة عليك، وصلاح الأمة بك.

وحسبنا الله ونعم الوكيل، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته..

وكتبت بخطي.

____________

(1) الظاهر أنها: الحسنيين، لأنها اقتباس من الآية الكريمة..


الصفحة 448

وثيقة ولاية العهد

مصادر الوثيقة:

نذكر من المصادر التي أوردت هذه الوثيقة، على سبيل المثال لا الحصر:

القلقشندي في صبح الأعشى ج 9 من ص 362، إلى ص 366، وأكملها بذكر ما كتبه الرضا (عليه السلام) والشهود في نفس الجزء من 391 وحتى 393، وأوردها أيضاً في مآثر الإنافة في معالم الخلافة ج 2 من ص 325 حتى ص 336، وهي أيضاً في شرح ميمية أبي فراس من 299 إلى 303، وفي نور الأبصار 142، 143، وفي البحار ج 49 ص 148، إلى 153 ومسند الإمام الرضا ج 1 قسم 1 من ص 102 إلى ص 107، والفصول المهمة لابن الصباغ ابتداء من ص 293.

ووسيلة النجاة لمحمد مبين الهندي ابتداء من ص 387، طبع لكنهو، ورواها أيضاً الكاشاني في معادن الحكمة، والشبراوي في الإتحاف بحب الأشراف مختصراً وابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب، والإربلي في كشف الغمة، والسيد الأمين في المجالس السنية، وأعيان الشيعة، وابن الجوزي في التذكرة، وذكر الأخيران إنها قد ذكرها عامة المؤرخين، وعن التفتازاني إن الوثيقة كانت موجودة في عهده، والإربلي أيضاً يقول

الصفحة 449
بأنها كانت موجودة في عهده، وأنه في سنة سبعين وستماية اطلع على وثيقة العهد الأصلية، ونقلها في كتابه حرفاً فحرفاً.. وأشار إليها أيضاً ابن الطقطقي في الفخري في الآداب السلطانية.

وغير هؤلاء كثير. ونحن نذكر الوثيقة موافقة لما في صبح الأعشى، ومآثر الإنافة، فنقول:

نص الوثيقة

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا كتاب كتبه عبد الله بن هارون الرشيد، أمير المؤمنين، لعلي بن موسى بن جعفر، ولي عهده.

أما بعد:

فإن الله عز وجل اصطفى الإسلام ديناً، واصطفى من عباده رسلاً دالين عليه، وهادين إليه، يبشر أولهم بآخرهم. ويصدق تاليهم ماضيهم، حتى انتهت نبوة الله إلى محمد (صلى الله عليه وآله)، على فترة من الرسل، ودروس من العلم، وانقطاع من الوحي، واقتراب من الساعة، فختم الله به النبيين، وجعله شاهداً لهم، ومهيمناً عليهم. وأنزل عليه كتابه العزيز، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، بما أحل وحرم، ووعد وأوعد، وحذر وأنذر، وأمر به، ونهى عنه، لتكون له الحجة البالغة على خلقه، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حي عن بينة، وإن الله لسميع عليم.

فبلغ عن الله رسالته، ودعا إلى سبيله بما أمره به: من الحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة التي هي أحسن، ثم بالجهاد والغلظة،

الصفحة 450
حتى قبضه الله إليه، واختار له ما عنده (صلى الله عليه وآله)، فلما انقضت النبوة، وختم الله بمحمد (صلى الله عليه وآله) الوحي والرسالة، جعل قوام الدين، ونظام أمر المسلمين بالخلافة، وإتمامها وعزها، والقيام بحق الله فيها بالطاعة، التي يقام بها فرائض الله تعالى وحدوده، وشرائع الإسلام وسننه، ويجاهد بها عدوه.

فعلى خلفاء الله طاعته فيما استحفظهم واسترعاهم من دينه وعباده، وعلى المسلمين طاعة خلفائهم، ومعاونتهم على إقامة حق الله وعدله، وأمن السبيل، وحقن الدماء، وصلاح ذات البين، وجمع الألفة، وفي خلاف ذلك اضطراب حبل المسلمين، واختلالهم، واختلاف ملتهم، وقهر دينهم، واستعلاء عدوهم، وتفرق الكلمة، وخسران الدنيا والآخرة.

فحق على من استخلفه الله في أرضه، وائتمنه على خلقه، أن يجهد الله نفسه، ويؤثر ما فيه رضا الله وطاعته، ويعتد لما الله مواقفه عليه، ومسائله عنه، ويحكم بالحق، ويعمل بالعدل فيما أحله الله وقلده، فإن الله عز وجل يقول لنبيه داود: (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى، فيضلك عن سبيل الله، إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب) .

وقال الله عز وجل: (فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون)، وبلغنا أن عمر بن الخطاب قال: «لو ضاعت سخلة بشاطئ الفرات، لتخوفت أن يسألني الله عنها».

وأيم الله، إن المسؤول عن خاصة نفسه، الموقوف على عمله فيما بينه وبين الله، ليعرض على أمر كبير، وعلى خطر عظيم، فكيف بالمسؤول عن رعاية الأمة، وبالله الثقة. وإليه المفزع والرغبة في التوفيق والعصمة، والتسديد والهداية إلى ما فيه ثبوت الحجة، والفوز من الله بالرضوان والرحمة..


الصفحة 451
وأنظر الأمة لنفسه، وأنصحهم لله في دينه وعباده، من خلائقه في أرضه، من عمل بطاعة الله وكتابه، وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) في مدة أيامه، وبعدها، وأجهد رأيه فيمن يوليه عهده، ويختاره لإمامة المسلمين ورعايتهم بعده، وينصبه علماً لهم. ومفزعا في جمع ألفتهم. ولم شعثهم، وحقن دمائهم، والأمن بإذن الله من فرقتهم. وفساد ذات بينهم واختلافهم، ورفع نزغ الشيطان وكيد عنهم، فإن الله عز وجل جعل العهد بعد الخلافة من تمام الإسلام وكماله، وعزه، وصلاح أهله، وألهم خلفاءه من توكيده لمن يختارونه له من بعدهم ما عظمت به النعمة، وشملت فيه العافية، ونقض الله بذلك مكر أهل الشقاق والعداوة، والسعي والفرقة، والتربص للفتنة.

ولم يزل أمير المؤمنين منذ أفضت إليه الخلافة، فاختبر بشاعة مذاقها، وثقل محملها، وشدة مؤونتها، وما يجب على من تقلدها من ارتباط طاعة الله، ومراقبته فيما حمله منها. فأنصب بدنه، وأسهر عينه، وأطال فكره فيما فيه عز الدين، وقمع المشركين، وصلاح الأمة، ونشر العدل، وإقامة الكتاب والسنة، ومنعه ذلك من الخفض والدعة، ومهنأ العيش، علما بما الله سائله عنه، ومحبة أن يلقى الله مناصحا له في دينه، وعباده، ومختاراً لولاية عهده. ورعاية الأمة من بعده: أفضل من يقدر عليه: في دينه وورعه، وعلمه، وأرجاهم للقيام في أمر الله وحقه، مناجياً بالاستخارة في ذلك. ومسألته إلهامه ما فيه رضاه وطاعته، في آناء ليله ونهاره. معملاً في طلبه والتماسه في أهل بيته: من ولد عبد الله بن العباس، وعلي بن أبي طالب فكره، ونظره. مقتصراً ممن علم حاله ومذهبه منهم على علمه، وبالغاً في المسألة عمن خفي عليه أمره جهده وطاقته.. حتى استقصى أمورهم معرفة، وابتلى أخبارهم مشاهدة، استبرأ أحوالهم معاينة، وكشف ما عندهم مسألة، فكان خيرته بعد

الصفحة 452
استخارته الله، وإجهاده نفسه في قضاء حقه في عباده وبلاده في البيتين جميعاً:

علي بن موسى، بن جعفر، بن محمـــــد
ابن علي، بن الحسين، بن علي، بن أبي طالب

لما رأى من فضله البارع، وعلمه النافع، وورعه الظاهر، وزهده الخالص، وتخليه من الدنيا، وتسلمه من الناس..

وقد استبان له ما لم تزل الأخبار عليه متواطئة، والألسن عليه متفقة، والكلمة فيه جامعة، ولما لم يزل يعرفه به من الفضل: يافعاً، وناشئاً، وحدثاً، ومكتهلاً، فعقد له بالعقد والخلافة من بعده(1).

واثقاً بخيرة الله في ذلك. إذ علم الله أنه فعله إيثاراً له، وللدين، ونظراً للإسلام والمسلمين، وطلباً للسلامة، وثبات الحجة، والنجاة في اليوم الذي يقوم الناس فيه لرب العالمين.

ودعا أمير المؤمنين ولده، وأهل بيته، وخاصته، وقواده، وخدمه فبايعوا مسارعين مسرورين، عالمين بإيثار أمير المؤمنين طاعة الله على الهوى في ولده وغيرهم. ممن هو أشبك منه رحماً، وأقرب قرابة.

وسماه «الرضا»(2) إذ كان رضا عند أمير المؤمنين

____________

(1) في بعض نسخ كشف الغمة في الهامش: أنه (عليه السلام) كتب بقلمه الشريف تحت قوله: «والخلافة من بعده» قوله: «بل جعلت فداك».

(2) في بعض نسخ كشف الغمة في الهامش: أنه (عليه السلام) كتب بقلمه الشريف تحت كلمة: «الرضا» قوله: «رضي الله عنك وأرضاك، وأحسن في الدارين جزاك» وفي أخرى: أنه كتب تحت ذكر اسمه (عليه السلام) بقلمه الشريف: «وصلتك رحم، وجزيت خيراً»، وكتب بقلمه الشريف تحت الثناء عليه: «أثنى الله عليك فأجمل، وأجزل لديك الثواب فأكمل».