الصفحة 9

5) محمد بن علي بن النعمان الأحول(29)

كنيته أبو جعفر. و هو كوفي بجلي، مختلف في أصله، إذ قال الطوسي أنه عربي، و قال الكشي و أبو داود و العلامة الحلي أنه مولى. و كان يعمل صيرفيا ً أي أنه يتعامل بالنقود، و كان له دكان في محلة طاق المحامل في الكوفة.

ذكروه فيمن أدرك الإمام محمد الباقر (ع)، و عليه يمكن التخمين بأنه ولد قبل سنة 100 هـ، و الله أعلم.

اكتسب شهرته من علاقته الوثيقة بالإمام جعفر الصادق (ع)، الذي اعبره واحدا ً من أربعة هم أحب الناس إليه أحياءً و أمواتا ً.

و كان يمتلك قدرة كبيرة عل الجدل و المناظرة، و عنده سرعة بديهة مكنته من إجابة مناظريه إجابات سريعة و مفحمة. و يبدو من بعض الروايات أن الإمام جعفر الصادق (ع) صقل مواهبه في هذا الاتجاه، إذ يروى أنه دخل على الإمام (ع) ذليلا ً مستكينا ً منكسرا ً لفشله في إحدى المناظرات، فهدّأ الإمام (ع) روعه، و سأله عن الحجج التي كان يخاصم بها الناس، ثم علمه كيف يخاصمهم و بأي شيء يناظرهم.

و لاقى هذا التعليم و غيره أرضية خصبة في شخصية محمد بن علي بن النعمان الأحول فأصبح مناظرا ً لا يشق له غبار. و معظم أخباره هي في الحقيقة مناظرات جرت بينه و بين آخرين، على رأسهم أبو حنيفة النعمان بن ثابت، حيث وردت روايات كثيرة ع مناظرات جرت بينهما، بعضها أقرب إلى الطرائف منها إلى المناظرات.

و يعتد أن مناظراته و خصوماته هذه هي التي جعلت الناس يختلفون في تلقيبه. فالشيعة الذين ينتمي إليهم يلقبونه بمؤمن الطاق، و الآخرون الذين كان يجادلهم و يناظرهم يلقبونه بشيطان الطاق. و لكن هناك روايات أخرى تفيد بأن لقب شيطان الطاق لا علاقة له بالمناظرات التي كان يخوض غمارها ضد الآخرين، بل هو الذي لقب نفسه بهذا اللقب اعتزازا ً منه بقدرته على كشف النقود المزيفة.

و بعد وفاة الإمام جعفر الصادق (ع) وقع الشيعة في حيرة بخصوص الإمام الذي يكون بعده، فدخل محمد الأحول مع هشام بن سالم على عبد الله بن الإمام جعفر الصادق (ع) الذي كان يدعو إلى نفسه، و سألوه عن أشياء فلم يجدوا عنده جوابا ً لها، فأيقنوا أنه لا يصلح للإمامة. فخرجوا متحيرين حتى دخلوا على موسى الكاظم (ع)، فوجدوه عالما ً لا يسأل عن شيء إلا أجاب عليه، فاقتنعوا بإمامته و خرجوا من عنده و أخذوا يدعون الناس إليه.

ومات محمد الأحول في أيام موسى الكاظم (ع)، و لا نعرف بالتحديد سنة وفاته، لأن إمامة الكاظم (ع) امتدت من سنة 148 حتى 183 هـ، و هي فترة طويلة جدا ً. و من باب التخمين فقط يمكن القول أنه توفي في حوالي سنة 170 هـ، و الله أعلم.

مدحه علماء الرجال الشيعة كثيرا ً، و وصفوه بأن له في العلم و الخاطر و الفضل و الدين منزلة عالية، و أنه أحد الأربعة الذين كان يحبهم الإمام جعفر الصادق (ع) أحياءً و أمواتا ً، و أنه كان ثقة متكلما ً حاذقا ً حاضر الجواب.

أما علماء الرجال السنة فوصفوه بأنه شيعي جَـلـْد، و رووا بعض أخبار مناظراته، و خصوصا ً مع أبي حنيفة، و لكنهم تجنبوا إطلاق الأحكام الموثقة أو الجارحة عليه.

و قد وردت روايات في بعض المصادر الشيعية بأن الإمام جعفر الصادق (ع) ذمه بسبب كثرة مناظراته و استخدامه أساليب غير مقبولة في الجدال. غير أن السيد الخوئي علق

____________

29 - يمكن مراجعة المراجع التالية حول سيرته و مكانته : ابن داود ، الرجال ، ص326 - 327 و 394 ** و البرقي ، الرجال ، ص17 ** و الطوسي ، الرجال ، ص296 ** و الطوسي ، الفهرست ، ص131 - 132 ** و العلامة الحلي ، الرجال ، ص138 ** و الكشي ، الرجال ، ص185 ** و النجاشي ، الرجال ، ص325 ** و الذهبي ، سير أعلام النبلاء ، ج10 ص553 ** و ابن حجر العسقلاني ، لسان الميزان ، ج5 ص300 ** و الخطيب البغدادي ، تاريخ بغداد ، ج13 ص436 ** و أبو الفرج النديم ، الفهرست ، ص250 ** و صائب عبد الحميد ، معجم مؤرخي الشيعة ، مجلة " تراثنا " العدد 61 ص105 ** و أغا بزرك الطهراني ، الذريعة إلى تصانيف الشيعة ، ج5 ص141 و ج15 ص177 ** و ابن شهر آشوب ، معالم العلماء ، ص95 .

الصفحة 10
على ذلك قائلا ً: " الروايات المادحة على أنها متظافرة، فيها ما هو صحيح السند، فلا ينبغي الشك في عظمة الرجل و جلالته، و قد عرفت من الشيخ [ الطوسي ] توثيقه صريحا ً. و أما الروايتان اللتان عدهما الكشي من الذامة فلا تعارضان ما تقدم من روايات المدح.

أما أولا ً فلضعف الروايتين سندا ً، فإن في سندهما علي بن محمد القمي، و هو لم يوثق (....) مضافا ً إلى أن الرواية الثانية في سندها المفضل بن عمر و هو مطعون.

و أما ثانيا ً فلأن الروايتين لا تدلان على الذم، فإن غاية ما تدل عليه الرواية الأولى أن مؤمن الطاق كانت له مناظرات مبنية على الجدل، و قد يناظر الخصم بالقياس، و هذا النحو من الكلام غير مرضي عند الإمام، إلا إذا كانت الضرورة مقتضية له، و قد كانت الضرورة دعت مؤمن الطاق على ذلك، كما صرح به في رواية أبي مالك الأحمسي المتقدمة، و كان ذلك موجبا ً لسرور الإمام عليه السلام. و لعل هذا هو المراد بقول مؤمن الطاق في ذيل الرواية الأولى: صدق بأبي و أمي ما يمنعني من الرجوع عنه إلا الحمية. يريد بذلك أنه في نفسه لا يريد أن يتكلم بالجدل، إلا أن الحماية عن الدين و العصبية له دعته إلى ذلك.

و أما الرواية الثانية فهي غير قابلة للتصديق، فإن الصادق عليه السلام، كان يسره مناظرات مؤمن الطاق، و يأمره الإمام عليه السلام بذلك كما يظهر من الروايات المتقدمة "(30).

و لمحمد الأحول كتاب عن يوم الجمل، اختلفوا في تسميته.

فقد سماه الطوسي في الفهرست " كتاب الجمل في أمر طلحة و الزبير و عائشة ".

و سماه الذهبي في سير أعلام النبلاء " كتاب طلحة و عائشة ".

و سماه أبو الفرج النديم في الفهرست " كتاب في أمر طلحة و الزبير و عائشة ".

و سماه صائب عبد الحميد " كتاب الجمل ".

و سماه ابن شهر آشوب " في أمر طلحة و الزبير و عائشة ".

و سماه أغا بزرك الطهراني في موضع " كتاب الجمل في أمر طلحة و الزبير و عائشة "، و في موضع آخر " كتاب طلحة و الزبير و عائشة ".

و استنادا ً إلى اسم الكتاب، و إلى ما هو معروف من سيرة محمد الأحول، من المتوقع أن هذا الكتاب هو في الجدل و المناظرات حول مواقف الأطراف المتصارعة في يوم الجمل، أكثر من كونه كتابا ً في التاريخ، و إن كان من المؤكد أنه يحتوي على روايات تاريخية مهمة، فإن أمثال هذه الروايات أدوات لا يُستغنى عنها في الجدل.

6) سيف بن عمر(31)

لم نجد أحدا ً من علماء الرجال ذكر اسم جده، أو ذكر له نسبا ً أطول من هذا. الأمر الذي يترك لدينا انطباعا ً بأنه كان غريبا ً عن المجتمع الذي عاش فيه، و أنه كان يتعمد إخفاء أصله. و يتأكد هذا الانطباع عند ملاحظة الاختلاف في لقبه، إذ قال بعضهم أنه ضبي، و قال آخرون أنه ضبي أسيدي، و قال غيرهم أنه تميمي، أو تميمي برجمي، أو سعدي.

____________

30 - الخوئي ، معجم رجال الحديث ، ج18 ص34 و ما بعدها .

31 - يمكن مراجعة المراجع التالية حول سيرته و مكانته : أبو نعيم الأصبهاني ، المسند المستخرج على صحيح الإمام مسلم ، ج1 ص68 ** أبو نعيم الأصبهاني ، كتاب الضعفاء ، ص91 ** ابن أبي حاتم الرازي ، الجرح و التعديل ، ج4 ص278 ** ابن الجوزي ، الضعفاء و المتروكين ، ج2 ص35 ** الذهبي ، ميزان الاعتدال ، ج3 ص353 ** الذهبي ، المغني في الضعفاء ، ص292 ** ابن عدي ، الكامل في ضعفاء الرجال ، ج3 ص435 ** ابن العجمي ، الكشف الحثيث ، ص131 ** العقيلي ، الضعفاء ، ج2 ص175 ** ابن حبان ، المجروحين ، ج1 ص345 ** أبو الحجاج المزي ، تهذيب الكمال ، ج12 ص324 ** أبو زرعة الرازي ، سؤالات البرذعي ، ص320 ** يحيى بن معين ، التاريخ ( برواية عباس الدوري ) ، ج3 ص459 ** أبو الفرج النديم ، الفهرست ، ص137 ** أحمد راتب عرموش ، الفتنة و وقعة الجمل ، المقدمة ** سيف بن عمر ، كتاب الردة و الفتوح و كتاب الجمل و مسير عائشة و علي ، مقدمة المحقق الدكتور قاسم السامرائي ** كما إننا بحثنا سيرته و مكانته و رواياته في كتابنا غير المنشور " عبد الله بن سبأ ، نصوص و مقارنات في التاريخ الإسلامي " .

الصفحة 11
و اتفق أغلب علماء الرجال على أنه كوفي، و لم يخالف في ذلك إلا ابن حبان الذي قال عنه أنه من أهل البصرة و كان أصله من الكوفة. و لعل ابن حبان أخطأ في عده من أهل البصرة و الله أعلم.

لا يوجد في كتب الرجال أي شيء من سيرته، سوى أنه اتهم بالزندقة، و مصدر هذه التهمة رجل من بني تميم حدّث بأنه " قد اتهم بالزندقة "، فردد علماء الرجال ذلك، و لا تتوفر أية تفاصيل عن هذا الموضوع. فلا تعرف، مثلا ً، من الذي اتهمه بالزندقة؟ و هل هذا الاتهام كان أحاديث يتداولها الناس فيما بينهم، أم كان اتهاما ً رسميا ً وجه إليه؟ و هل أجريت له محاكمة أم لا؟ و من الذي حاكمه إن كان قد حوكم؟ و ماذا كانت نتيجة المحاكمة؟ هل أدين أم بُـرأ؟ لا نعرف أي شيء عن كل ذلك.

و لكن المعروف أن سيف بن عمر عاش في أيام الخليفة العباسي المهدي، الذي تولى الخلافة من سنة 158 إلى سنة 169 هـ، و في أيامه بدأت " حملة منظمة و على الصعيد الرسمي في محاربة أهل البدع و الزندقة سياسيا ً و فكريا ً (....) و قد أنشأ من أجل ذلك ديوان الزنادقة، يرأسه صاحب الديوان عبد الجبار، ثم رأس الديوان عمر الكلواذي، ثم محمد بن عيسى بن حمدويه، و بلغت عملية المطاردة ذروتها سنة 166 هـ / 782 م (....) و كانت عمليات منظمة تنظيما ً مركزيا ً دقيقا ً يشرف عليها الخليفة بنفسه، و يعتبر صاحب الزنادقة أو عريف الزنادقة المسؤول المباشر عن هذه العمليات في العاصمة و هو رئيس ديوان الزنادقة. أما الطريقة التي يحاكم بها الزنديق بعد القبض عليه فكانت مثوله أمام الخليفة أو القاضي، و يطلب إليهم أن يرجعوا عن الزندقة إذا اعترفوا بها، و هذه هي الاستتابة فإذا رجعوا أطلق سراحهم (....) و هنا لعبت العداوات الشخصية و التنازع على السلطة و الجاه (....) دورها في اتهام البعض بالزندقة. فقد كان من السهل على الفقيه أو الوزير أو صاحب الديوان أن يؤلب السلطة على خصمه "(32).

في ظل هذه الأجواء عاش سيف بن عمر مرحلة مهمة من حياته، و توجه إليه الاتهام بالزندقة، و لكننا لا نعرف أي شيء عن ظروف هذا الاتهام.

و قد توفي سيف في أيام هارون الرشيد، و قد حدد بعضهم ذلك بحوالي سنة 180 هـ.

و مع أن سيرة سيف بن عمر مجهولة تماما ً إلا إن موقف علماء الرجال منه واضح تماما ً. إذ أجمعوا على أنه ساقط الحديث، لا شيء، ضعيف الحديث، متروك الحديث، فلس خير منه (أي أنه لا يساوي فلسا ً واحدا ً)، يروي الموضوعات عن الأثبات، يضع الحديث، يروي عن خلق كثير من المجهولين، ليس بشيء، عامة حديثه منكر، و بعض أحاديثه مشهورة و عامتها منكرة لم يتابع عليها، و هو إلى الضعف أقرب منه إلى الصدق، لا يتابع على كثير من حديثه، متروك باتفاق. و لم ينس علماء الرجال الذين رددوا تلك الأوصاف عنه أن يقولوا أنه متهم في دينه رمي بالزندقة. و لا نعرف أحدا ً من علماء الرجال ذكره بخير اللهم إلا أن الذهبي قال عنه " كان أخباريا ً عارفا ً "، و هي عبارة ليست لها أية قيمة أمام العبارات السابقة. فما فائدة المعرفة إذا كان صاحبها مشبوها ً؟

و قد قال بعض علماء الرجال أن حديثه يشبه حديث الواقدي أو هو كالواقدي. و لكن في ذلك ظلما ً كبيرا ً للواقدي، فالواقدي رجل مختلف فيه وثـّـقه و طعن فيه آخرون. أما سيف بن عمر فلم يذكره أحد بخير أبدا ً.

و لسيف بن عمر ثلاثة كتب كانت إلى وقت قريب ضائعة. واحد منها اسمه " كتاب الجمل و مسير عائشة و علي "، نقل منه الطبري روايات كثيرة جدا ً، حتى أن أحمد راتب عرموش جمع الروايات التي نقلها الطبري من كتاب سيف بن عمر عن يوم الجمل، و أصدرها في كتاب مستقل اسمه " الفتنة و وقعة الجمل ". ثم أن الدكتور قاسم السامرائي عثر على مخطوطة للكتاب في مكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، يعود تاريخها إلى

____________

32 - د . فاروق عمر فوزي ، التاريخ الإسلامي و فكر القرن العشرين ، ص122 - 125 .

الصفحة 12
ما قبل سنة 786 هـ بسنوات ليست كثيرة. فحققها و نشرها، و هي تحتوي على روايات كثيرة لم ينقلها عنه الطبري و لا غيره.

7) هشام بن محمد بن السائب الكلبي(33)

كنيته أبو المنذر.

ولد في الكوفة في الربع الأول من القرن الثاني الهجري، أي بعد سنة 100 هـ و لكن لا نعرف التاريخ على وجه التحديد.

و هناك رواية بأنه التقى بالإمام جعفر الصادق (ع) ففسر له آية من القرآن(34). و لكن الرواية نفسها مروية عن أبيه في الحيرة، و ليس فيها ذكر الإمام جعفر الصادق (ع)(35).

و هناك رواية أخرى أنه مرض فنسي علمه، فجلس إلى الإمام جعفر الصادق (ع) فسقاه العلم في كأس، فعاد إليه علمه.

و ذكر هو عن نفسه أنه كان له عم يعاتبه على حفظ القرآن، فدخل بيتا ً و حلف أن يخرج منه حتى يحفظ القرآن، فحفظه في ثلاثة أيام.

و مع ذلك فقد وردت عنه روايات يفهم منها أنه كانت فيه غفلة شديدة.

فمنها أنه روى عن نفسه أنه نظر في المرآة فوجد لحيته طويلة، فقبض عليها بيده، و أراد قصها من تحت القبضة، فقصها من فوق القبضة.

و روى أحد أصحابه أنه تناول الطعام معه في بيته، فقال له هشام: لما مات أبي ندم المأمون أشد ندامة في الدنيا.

فسأله صاحبه: أكان عذبه حتى مات؟

قال: لا.

فعاد يسأله: أحبسه في ضيق؟

قال: لا.

فسأله: إذن مات حتف أنفه؟

قال: نعم.

فسأله: فما سبب ندامة المأمون إذن؟

قال: و الله لا أدري، هكذا حدثني سعد غلامنا.

و مع أن البعض فسر هذه القصص و أمثاله بأنها تدل على غفلته الشديدة و لكني أميل إلى تفسيرها بأنها تدل على تمتعه بروح النكتة و حب المزاح.

و كان هشام يتردد على مجلس المأمون، و لكن يبدو أن المأمون لم يكن يرتاح إليه، فقد سأل المأمون حاجبه يوما ً: من بالباب؟

فقال الحاجب: أبو الهذيل، و عبد الله بن أبان الخارجي، و هشام بن الكلبي.

فقال المأمون: ما بقي من رؤوس جهنم إلا من حضر.

و توفي هشام سنة 204 أو 206 هـ.

____________

33 - بالإضافة إلى المراجع المذكورة في متن البحث يمكن الرجوع إلى المراجع التالية فيما يخص سيرته : ابن داود ، الرجال ، ص368 - 369 ** العلامة الحلي ، الرجال ، ص179 ** النجاشي ، الرجال ، ص434 - 435 ** الخطيب البغدادي ، تاريخ بغداد ، ج14 ص45 ** مسلم بن الحجاج ، الكنى و الأسماء ، ج1 ص772 ** البخاري ، التاريخ الكبير ، ج8 ص200 ** القيسراني ، تذكرة الحفاظ ، ج1 ص343 ** الذهبي ، سير أعلام النبلاء ، ج10 ص101 ** الذهبي ، طبقات المحدثين ، ج1 ص79 ** الذهبي ، ميزان الاعتدال ، ج7 ص88 - 89 ** الذهبي ، المغني في الضعفاء ، ج2 ص711 ** ابن الجوزي ، الضعفاء و المتروكين ، ج3 ص176 ** ابن حجر العسقلاني ، لسان الميزان ، ج6 ص196 ** ابن عدي ، الكامل في ضعفاء الرجال ، ج7 ص110 ** العقيلي ، الضعفاء ، ج4 ص339 ** ابن حبان ، المجروحين ، ج3 ص91 ** ابن أبي حاتم ، الجرح و التعديل ، ج9 ص69 ** ابن سعد ، كتاب الطبقات الكبير ، ج6 ص358 ** أبو الفرج النديم ، الفهرست ، ص140 ** أبو القاسم الخوئي ، معجم رجال الحديث ، ج20 ص 336 - 337 ** صائب عبد الحميد ، معجم مؤرخي الشيعة ، مجلة " تراثنا " ، العدد 62 ص119 - 125 .

34 - المجلسي ، بحار الأنوار ، ج89 ص284 ** و أحمد بن فهد الحلي ، عدة الداعي ، ص295 .

35 - ابن طاوس ، الأمان ، ص117 - 118 .

الصفحة 13
اشتهر هشام بعلمه بالأنساب، و وصفوه بأنه " فتح هذا الباب و ضبط علم الأنساب (....) و صنف فيه خمسة كتب (....) ثم اقتفى أثره جماعة "(36). و وصفه ابن حجر العسقلاني بأنه " إمام أهل النسب "، و رد ّ أقوال الآخرين إذا خالفت قوله(37).

و مع ذلك فقد اتفق علماء الرجال السنة على تضعيفه، و وصفوه بأنه صاحب سمر و نسب لا يُروى عنه الحديث، و أنه أحد المتروكين، و أنه ضعيف جدا ً واه ٍ، و ليس بثقة، و أنه يروي العجائب و الأخبار التي لا أصول لها، و أخباره في الأغلوطات أشهر من أن يُحتاج إلى الإغراق في وصفها. و مما أدانوه به أنه رافضي شيعي، بل كان غاليا ً في التشيع.

أما علماء الرجال الشيعة فقد وصفوه بأنه عالم فاضل مشهور بالفضل و العلم، و أن الإمام جعفر الصادق كان يقربه و يدنيه. و لكنهم اختلفوا في تشيعه، فقال النجاشي أنه كان مختصا ً بالمذهب الشيعي. و أما ابن طاوس فقد وصفه بأنه " من رجال السنة " و " من علماء الجمهور " و " من علمائهم " و " من رجالهم "(38). و اختلف فيه العلامة الحلي، فذكر مرة أنه " كان مختصا ً بمذهبنا "(39)، و ذكر مرة أخرى أنه من " علماء الجمهور " و " من رجال السنة "(40). و لم يذكره الطوسي في " الرجال " و لا في " الفهرست " و كأنه لا يقبل بنسبته إلى التشيع.

ذكر النجاشي قائمة طويلة من كتبه، من بينها " كتاب الجمل "، و لكن هذا الكتاب غير مذكور في القائمة التي أوردها أبو الفرج النديم في " الفهرست ". و الأرجح أن هذا الكتاب موجود، فقد أورد ابن أبي الحديد رسالة كتبتها أم سلمة إلى علي (ع) يخبره فيها بعزم طلحة و الزبير على جمع جيش ضده و الخروج إلى البصرة، و أرسلت إليه ابنها عمر ليكون معه. و صرح ابن أبي الحديد بأنه نقل هذه الرسالة من " كتاب الجمل " لهشام بن محمد(41).

و ذكر أغا بزرك الطهراني كتابا ً آخر لهشام اسمه " من شهد الجمل مع علي (ع) من الصحابة "، و قال: " نقل عنه في الاستيعاب(42) و الإصابة(43) ترجمة زيد بن صوحان العبدي في الجمل و أخويه صيحان و سيحان، و بقي صعصعة بعد شهادة الأمير و لقي معاوية "(44).

8) إسحاق بن بشر بن محمد بن عبد الله بن سالم(45)

كنيته أبو حذيفة البخاري.

خلط عدد من علماء الرجال بينه و بين شخص آخر اسمه إسحاق بن بشر أيضا ً، و يلقب بالكاهلي، و الفرق بينهما في الكنية، فهذا كنيته أبو حذيفة، و الكاهلي كنيته أبو يعقوب.

ولد أبو حذيفة في بلخ. ثم انتقل إلى بخارى فتوطن فيها، و قد بعث إليه هارون الرشيد فأقدمه بغداد، فكان يحدث في أحد مساجدها. و لكنه لم يستقر في بغداد، بل عاد إلى بخارى، و مات فيها سنة 206 هـ.

____________

36 - الرومي الحنفي ، كشف الظنون ، ج1 ص178 ** و القنوجي ، أبجد العلوم ، ج2 ص114 .

37 - ابن حجر العسقلاني ، فتح الباري ، ج6 ص535 .

38 - ابن طاوس ، الطرائف ، ج2 ص405 و 469 و 495 و 498 و 500 .

39 - العلامة الحلي ، الرجال ، ص179 .

40 - العلامة الحلي ، نهج الحق و كشف الصدق ، ص348 و 356 .

41 - ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ، ج6 ص218 ** و المجلسي ، بحار الأنوار ، ج32 ص168 - 169 .

42 - يقصد كتاب " الاستيعاب في معرفة الأصحاب " لابن عبد البر .

43 - يقصد كتاب " الإصابة في معرفة الصحابة " لابن حجر العسقلاني .

44 - أغا بزرك الطهراني ، الذريعة إلى تصانيف الشيعة ، ج22 ص228 .

45 - تراجع حوله المراجع التالية : الذهبي ، المغني في الضعفاء ، ج1 ص69 - 70 ** الذهبي ، ميزان الاعتدال ، ج1 ص335 ** أبو نعيم الأصبهاني ، المسند المستخرج على صحيح مسلم ، ج1 ص59 ** أبو نعيم الأصبهاني ، كتاب الضعفاء ، ص61 ** مسلم بن الحجاج ، الكنى و الأسماء ، ج1 ص265 ** ابن حجر العسقلاني ، لسان الميزان ، ج1 ص354 ** ابن عدي ، الكامل في ضعفاء الرجال ، ج1 ص377 ** ابن العجمي ، الكشف الحثيث ، ص64 ** الخطيب البغدادي ، تاريخ بغداد ، ج6 ص326 ** الطوسي ، الرجال ص162 ** العلامة الحلي ، الرجال ، ص200 ** النجاشي ، الرجال ، ص72 ** أبو القاسم الخوئي ، معجم رجال الحديث ، ج3 ص198 - 199 .

الصفحة 14
اتفق علماء الرجال السنة على تركه، و اتهموه بالكذب، و أنه لا تحل كتابة أحاديثه إلا على جهة التعجب، و أنه يروي عن ابن إسحاق و ابن جريج و الثوري العظائم التي لا يرويها غيره، و أنه يضع الحديث، و أحاديثه منكرة إما إسنادا ً و إما متنا ً لا يتابعه عليها أحد، و أحاديثه مناكير ليس لها أصل، و أنه ساقط.

و ذكروا أنه كان يحدث عن ابن طاوس و كبار التابعين ممن ماتوا قبل حميد الطويل، فسألوه: هل كتبت عن حميد الطويل؟

فرد عليهم: جئتم تسخرون بي؟ جدي لم يرَ حميدا ً.

فقالوا له: فأنت تروي عمن مات قبل حميد!

فعلموا ضعفه و أنه لا يدري ما يقول.

و ذكروا أيضا ً أنه قدم مكة، فجعل يقول: حدثني ابن طاوس. فقيل لسفيان بن عيينة: قدم إنسان من أهل بخارى و هو يقول حدثنا ابن طاوس! فقال: سلوه ابن كم هو؟ فسألوه، فنظروا فإذا ابن طاوس مات قبل مولده بسنتين.

و ابن طاوس هو عبد الله بن طاوس بن كيسان اليماني، و قد توفي سنة 132 هـ(46). فمن الصعب أن يكون أبو حذيفة البخاري المتوفى سنة 206 هـ قد سمع من ابن طاوس مباشرة، فروايته عنه غير صحيحة بالتأكيد. و هذه القصة تصرح بأن أبا حذيفة البخاري ولد في سنة 134 هـ.

أما علماء الرجال الشيعة فقد اعتبروه من رجال الإمام جعفر الصادق (ع)، و لكن بناءً على الاستنتاج السابق يكون عمر أبي حذيفة البخاري 14 سنة فقط عندما توفي الإمام جعفر الصادق (ع) في سنة 148 هـ، الأمر الذي يجعلنا نشكك في كونه من رجال الصادق (ع)، فالأرجح أنه في هذا العمر المبكر كان ما يزال في بلخ لم يغادرها بعد، و الله أعلم.

و قد صرح علماء الرجال الشيعة بكونه من العامة، أي أنه لم يكن شيعيا ً. و قال عنه الشيخ المفيد: " و نحن نثبت بتوفيق الله مختصرا ً من الأخبار فيما ذكرناه من كون طلحة و الزبير و عائشة - فيما صنعوه أيام عثمان - من أوكد أسباب ما تم عليه من الخلع و الحصر و سفك الدم و الفساد. فمن ذلك ما رواه أبو حذيفة إسحاق بن بشر القرشي، و أثبته في كتابه الذي صنفه في مقتل عثمان. و كان هذا الرجل، أعني أبا حذيفة، من وجوه أصحاب الحديث المنتسبين إلى السنة و المباينين للشيعة، لا يتهم فيما يرويه لمفارقة خصومه، و لا يظن به تخرص فيما يجتنيه من جميع الأخبار "(47).

و يبدو أن رواياته التاريخية، تقترب من وجهة النظر الشيعية، و لذلك هاجمه علماء الرجال السنة، و تقبله علماء الرجال الشيعة. و لكن لم يصل به الأمر إلى حد اعتباره شيعيا ً، إذ اتفق الطرفان على أنه ليس كذلك.

ذكر أبو الفرج النديم أن له " كتاب الجمل "(48).

____________

46 - ابن حجر العسقلاني ، تهذيب التهذيب ، ج5 ص234 .

47 - الشيخ المفيد ، الجمل ، ص137 .

48 - أبو الفرج النديم ، الفهرست ، ص137 .

الصفحة 15

9) الواقدي، محمد بن عمر بن واقد(49)

كنيته أبو عبد الله، و لقبه الأسلمي، و هو مولى لبني سهم من قريش.

ولد في المدينة المنورة سنة 130 هـ.

طلب العلم منذ صغره، حتى برز فيه. و كانت له طريقة فريدة في طلب العلم. فهو لا يكاد يسمع برجل من أبناء الصحابة و أبناء الشهداء، و لا مولى لهم، إلا ذهب إليه و سأله عما سمعه من أهله عن المشاهد التي شهدها أبوه و أين قتل. فإذا أخبره مضى إلى الموضع فعاينه. فما علم بغزوة إلا و مضى إلى الموضع الذي وقعت فيه ليعاينه. و قد شوهد في مكة و معه ركوة (و هي قربة يوضع فيها الماء) متوجها ً إلى حنين ليرى الموضع و الوقعة.

و أكسبته هذه الطريقة شهرة كبيرة، حتى أن ألواحه التي كان يكتب عليها كانت تضيع منه في المدينة، فيعيدها الناس إليه من شهرتها، يقال: هذه ألواح ابن واقد.

و في إحدى السنوات حج هارون الرشيد، و معه وزيره يحيى بن خالد البرمكي، فوردا المدينة. فطلب الرشيد من وزيره يحيى أن يأتيهم برجل عارف بالمدينة و المشاهد و كيف كان نزول جبريل على النبي صلى الله عليه و آله و سلم، و من أي وجه كان يأتيه، و قبور الشهداء. فسأل يحيى عن رجل مناسب، فدله الجميع على الواقدي. فبعث إليه فأتاه، و تواعدوا إلى ما بعد صلاة العشاء. فقادهما الواقدي فلم يدع مشهدا ً و لا موضعا ً إلا أراهما إياه. فأخذ هارون الرشيد و يحيى البرمكي يصليان و يجتهدان في الدعاء حتى طلع الفجر. و رضيا عنه جدا ً، و كافأه الرشيد بعشرة آلاف درهم، و قال له يحيى: لا عليك أن تلقانا حيث كنا.

و بهذه المكافأة توسعت الدنيا على الواقدي، فوسّـع على أهله، و زوّج أولاده. و يبدو أن الناس افترضوا أن الواقدي أصبح من المقربين من الرشيد و البرامكة، فأعطوه أموالهم ليضارب لهم بها، حتى تجمع لديه مائة ألف درهم من أموال الناس، فتاجر في الحنطة. و لكن مهارته في التجارة لم تكن مثل مهارته في العلم، فخسرت تجارته و تلفت الأموال التي أعطاه إياها الناس و أثقلته الديون، و ذلك في سنة 180 هـ.

و سافر الواقدي إلى بغداد ليقابل يحيى البرمكي، على حسب الوعد الذي وعده إياه يحيى. و هناك عرف أن الرشيد و يحيى موجودان في الرقة و ليس في بغداد. فسافر إلى الرقة، و لكنه لم يتمكن من الدخول على مجلس يحيى إلا بعد قصة طويلة أصابه خلالها اليأس من مقابلة يحيى، حتى توسط له في ذلك صديقه بكار الزبيري. و تأثر يحيى كثيرا ً لما رآه عليه من خسة الحال و رثاثة الثياب، فأخذ يعطيه كل ليلة خمسمائة دينار و يأمره بالعودة إليه في الليلة التالية، و الواقدي في كل مرة يحسن حاله، و الوزير يقربه أكثر. و كان ذلك في رمضان، حتى إذا كانت ليلة العيد أمره أن يلبس أحسن ما عنده و يتجهز ليراه الرشيد عند خروجه لصلاة العيد، و كانت النتيجة أن عينه الرشيد قاضيا ً و أمر له بثلاثين ألف درهم.

عاد الواقدي إلى المدينة و قضى دينه، و أخذ أهله، و انتقل إلى بغداد ليكون قريبا ً من يحيى البرمكي. و عاش عيشة هانئة.

و في سنة 187 هـ كانت نكبة البرامكة. و لا نعرف بالضبط ما الذي حدث للواقدي خلالها، و هل تعرض إلى مكروه باعتباره من المقربين إلى البرامكة، أم لا؟ و لكن المؤكد أنه فقد منزلته التي كان عليها، و ابتعد عن واجهة الحياة. و مع ذلك ظل الواقدي محتفظا ً بإخلاصه و

____________

49 - مصادر ترجمة الواقدي : أبو نعيم الأصبهاني ، المسند المستخرج على صحيح الإمام مسلم ، ج1 ص82 ** أبو نعيم الأصبهاني ، كتاب الضعفاء ، ص146 ** البخاري ، التاريخ الكبير ، ج1 ص178 ** البخاري ، التاريخ الصغير ، ج2 ص311 ** البخاري ، الضعفاء الصغير ، ص104 ** الجوزجاني ، أحوال الرجال ، ص135 ** الربعي ، مولد العلماء و وفياتهم ، ج2 ص463 ** ابن أبي حاتم الرازي ، الجرح و التعديل ، ج8 ص20 ** الذهبي ، سير أعلام النبلاء ، ج9 ص454 - 469 ** الذهبي ، ميزان الاعتدال ، ج6 ص273 ** الذهبي ، المغني في الضعفاء ، ص619 ** الذهبي ، الكاشف ، ج2 ص205 ** السيوطي ، طبقات الحفاظ ، ص149 ** النسائي ، الضعفاء و المتروكين ، ج3 ص87 ** ابن حجر العسقلاني ، لسان الميزان ، ج7 ص521 ** ابن حجر العسقلاني ، تهذيب التهذيب ، ج9 ص323 ** ابن حجر العسقلاني ، تقريب التهذيب ، ص498 ** ابن العجمي ، الكشف الحثيث ، ص243 ** العقيلي ، الضعفاء ، ج4 ص107 ** ابن حبان ، المجروحين ، ج2 ص290 ** أبو الحجاج المزي ، تهذيب الكمال ، ج26 ص180 - 194 ** الخطيب البغدادي ، تاريخ بغداد ، ج3 ص3 - 20 ** ابن سعد كتاب الطبقات الكبير ، ج5 ص425 - 433 ** أبو الفرج النديم ، الفهرست ، ص144 .

الصفحة 16
ولائه للبرامكة، و كان بعض أصدقائه يلومونه على ذلك فيقول لهم: كيف ألام على حب يحيى؟ و يروي لهم قصته معه، و يذكر فضله عليه.

و في أيام المأمون استعاد الواقدي شيئا ً من مكانته التي كان عليها، إذ عينه المأمون قاضيا ً بعسكر المهدي في الجانب الشرقي من بغداد (الرصافة)، فتولى القضاء هناك حتى وفاته سنة 207 هـ.

كان الواقدي كريما ً سخيا ً، له قصص عديدة في إنفاقه الأموال بدون حساب، حتى أنه قال ذات مرة: صار إلي من السلطان ستمائة ألف درهم ما وجبت علي زكاة فيها. يقصد أنه كان يسارع في إنفاقها فلا يتركها حتى يحول عليها الحول و تجب فيها الزكاة.

و كانت له مكتبة ضخمة جدا ً، فلما انتقل من الجانب الغربي إلى الجانب الشرقي من بغداد حمل كتبه على مائة و عشرين وقرا ً. و يقال أنه كان لديه ستمائة قمطر كتبا ً، كل قمطر منها حمل رجلين. و كان له غلامان مملوكان يكتبان له ليل نهار. و قبل ذلك بيعت له كتب بألفي دينار.

و ذكر أبو الفرج النديم أنه " كان يتشيع، حسن المذهب يلزم التقية، و هو الذي روى أن عليا ً عليه السلام كان من معجزات النبي صلى الله عليه و آله و سلم، كالعصا لموسى عليه السلام، و إحياء الموتى لعيسى بن مريم عليه السلام، و غير ذلك من الأخبار ". و لكن هذا شيء انفرد به النديم و لم يقل أحد غيره من علماء الرجال أنه كان شيعيا ً، كما أن علماء الرجال الشيعة لم يذكروه في كتبهم الرجالية. فالمؤكد أن الرجل ليس شيعيا ً، و رواية الأحاديث في فضائل علي (ع) لا تعني التشيع بالضرورة.

اختلف علماء الرجال اختلافا ً كبيرا ً في مواقفهم من الواقدي.

مدحه بعضهم بأنه " ممن طبق ذكره شرق الأرض و غربها و سارت بكتبه الركبان في فنون العلم من المغازي و السير و الطبقات و الفقه "، و أنه عالم دهره، أمين الناس على أهل الإسلام، كان أعلم الناس بأمر الإسلام، فأما الجاهلية فلم يعلم فيها شيئا ً، و أنه أمير المؤمنين في الحديث، ما رأينا مثله قط، و كانت له في وقته جلالة عجيبة و وقع في النفوس بحيث أن أبا عامر العقدي لما سأله بعض التلاميذ عن رأيه في الواقدي قال: نحن نـُسأل عن الواقدي؟ ما كان يفيدنا الشيوخ و الحديث إلا الواقدي. و كذلك قال عنه عبد الله بن المبارك: كنت أقدم المدينة فما يفيدني و يدلني على الشيوخ إلا الواقدي. و قال مجاهد بن موسى: ما كتبنا عن أحد أحفظ من الواقدي. و سئل معين بن موسى عن الواقدي فقال: أنا اُسأل عن الواقدي؟ الواقدي يُسأل عني. و قالوا أنه ثقة مأمون. و هو إمام كبير في الفقه و إن أخطأ في اجتهاده، و من قال أن مسائل مالك و ابن أبي ذئب تؤخذ عمن هو أوثق من الواقدي فلا يُصدّق.

و في مقابل هذا المدح و الثناء تعرض الواقدي إلى مطاعن شديدة. فقال عنه عدد من علماء الرجال أنه متروك الحديث، و تركه أحمد و ابن نمير، و أنهم سكتوا عنه، و أن كتبه كذب، و أنه كان يقلب الأحاديث، أي يغير في أسانيدها و يرويها عن غير رواتها الأصليين، و أنه كان ممن يضع الحديث، و أنه ليس بشيء، لا يكتب حديثه، و أنه ضعيف، خلط الغث بالسمين و الخرز بالدر الثمين فطرحوه لذلك، ليس بثقة، و أنه روى ثلاثين ألف (أو عشرين ألف) حديث غريب، لم يسمع بها أحد، و أنه كذاب. و اعتبره النسائي واحدا ً من أربعة اشتهروا بوضع الحديث. و كان أحمد بن حنبل أشد الناس في انتقاده، حتى أنه حـّول كتبه إلى ظهائر (أي أغلفة) للكتب.

و قال الذهبي: " تقرر أن الواقدي ضعيف يُحتاج إليه في الغزوات و التاريخ. و نورد آثاره من غير احتجاج. أما في الفرائض فلا ينبغي أن يذكر. فهذه الكتب الستة و مسند أحمد و عامة من جمع في الأحكام نراهم يترخصون في إخراج أحاديث أناس ضعفاء، بل و متروكين، و مع هذا لا يخرجون لمحمد بن عمر شيئا ً. مع أن وزنه عندي أنه مع ضعفه يكتب حديثه و يروى، لأني لا أتهمه بالوضع. و قول من أهدره فيه مجازفة من بعض الوجوه. كما إنه لا