الصفحة 17
عبرة بتوثيق من وثقه كيزيد و أبي عبيد و الصاغاني و الحربي و معن و تمام عشرة محدثين. إذ قد انعقد الإجماع اليوم على أنه ليس بحجة، و أن حديثه في عداد الواهي رحمه الله ".

و قد انتقدوه في أشياء عديدة، و لكن عند التمحيص في هذه الانتقادات يتبين أنه أقرب إلى أن يكون مظلوما ً فيها.

فمن ذلك أن سنيد بن داود قال: كنا عند هشيم فدخل الواقدي، فسأله هشيم عن باب (من أبواب الفقه) ما يحفظ فيه؟.

فقال له الواقدي: ما عندك يا أبا معاوية؟

فذكر خمسة أو ستة أحاديث في الباب، ثم قال للواقدي: ما عندك؟

فحدثه ثلاثين حديثا ً عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم و أصحابه و التابعين، ثم قال: سألت مالكا ً، و سألت ابن أبي ذئب، و سألت و سألت....

فرأيت وجه هشيم يتغير. و قام الواقدي فخرج. فقال هشيم: لئن كان كذابا ً فما في الدنيا مثله، و إن كان صادقا ً فما في الدنيا مثله.

و واضح من هذه الرواية أن الواقدي أثبت لتلاميذ هشيم أن لديه من العلم أكثر كثيرا ً مما لدى أستاذهم، فتضايق هشيم من أجل ذلك. و لو كان لهشيم حجة لرد الواقدي في وجهه و لم ينتظر حتى يخرج ليقول عنه كلمة يتطاير منها شرر الحسد.

و منها أن هناك حديثا ً للزهري عن نبهان عن أم سلمة. و قد روى الواقدي هذا الحديث عن معمر عن الزهري. فاستعظم أحمد بن حنبل ذلك، و أصر على أن هذا الحديث لم يروه عن الزهري أحد غير يونس. ثم صار أحمد يشنع على الواقدي في ذلك قائلا ً: لم نزل ندافع أمر الواقدي حتى جاء بشيء لا حيلة فيه، فهذا حديث يونس ما رواه غيره عن الزهري. بل وصل الأمر بأحمد بن حنبل أنه كتب إلى ابن المديني قائلا ً: كيف تستحل تروي عن رجل يروي عن معمر حديث نبهان مكاتب أم سلمة؟

و قد أثبت عدد من علماء الحديث أن أحمد بن حنبل كان هو المخطئ، و أن هذا الحديث رواه آخرون غير معمر و يونس، منهم خالد بن عقيل. و أقروا أن هذا مما ظلم فيه الواقدي.

و مما أوخذ به الواقدي أنه كان سيء الحفظ للقرآن، و تروى في ذلك قصة مفادها أن المأمون طلب من الواقدي أن يصلي الجمعة غدا ً بالناس. فامتنع الواقدي، و أصر المأمون على طلبه. فاعتذر الواقدي بأنه لا يحفظ سورة الجمعة. فتبرع المأمون أن يحفظه إياها. و جعل يلقنه فكان الواقدي لا يحفظ شيئا ً حتى ينسى ما كان حفظه من قبل. و ظلا على هذا الحال حتى تعب المأمون و نعس، فطلب من علي بن صالح أن يحفظ الواقدي، و ذهب لينام. فلم يتغير الأمر كثيرا ً، فكلما حفـّظه علي شيئا ً نسي شيئا ً آخر. و استيقظ المأمون فوجد الأمر على ما تركه. فقال: هذا رجل يحفظ التأويل و لا يحفظ التنزيل، و أمره أن يذهب فيصلي بالناس و يقرأ أي سورة شاء.

و مع أن هذه الحكاية مرسلة، إلا أن الطريقة التي لجأ إليها الواقدي للتهرب من إمامة الناس يوم الجمعة طريقة اعتاد على اللجوء إليها كل من كان في موقف الواقدي. و مع الأسف الشديد لا تبين الرواية لنا الأسباب التي دعت المأمون إلى الإصرار على إمامة الواقدي لصلاة الجمعة، و لا الأسباب التي دعت الواقدي إلى الإصرار على الامتناع من ذلك. و على أية حال فالقصة لا تدل أبدا ً على أنه كان لا يحفظ القرآن.

و مما انتقدوا به الواقدي أن محمد بن عيسى الطباع قال: أخبرني أخي إسحاق أنه رأى الواقدي في طريق مكة يسيء الصلاة. و هذا كلام غير مقبول في حق من وصفوه بأنه أعلم الناس بفقه مالك و ابن أبي ذئب و اختلاف الناس. و لعله كان له رأي في بعض أفعال الصلاة يخالف ما كان يراه إسحاق، فاعتبره يسيء الصلاة. و هذا يحدث بين كثير من الناس إذا اختلفت مذاهبهم، فإنهم يتهمون بعضهم بعضا ً بإساءة الصلاة أو إساءة الحج أو إساءة الصوم و ما إلى ذلك.


الصفحة 18
و مما أنكره أحمد بن حنبل على الواقدي أنه كان يجمع الأسانيد و يأتي واحد على سياقة واحدة عن جماعة ربما كانوا مختلفين. و التجني واضح في هذا الكلام، و سارع علماء الحديث الآخرون إلى رده بأنه أمر فعله قبل الواقدي عديدون من أشهرهم الزهري و حماد بن سلمة و ابن إسحاق.

فهذه أمور أنكروها على الواقدي، و كلها مردودة، و الواقدي فيها مظلوم ظلما ً واضحا ً، و الله أعلم.

و للواقدي كتب كثيرة أحدها يدعى " كتاب الجمل ".

نقل المجلسي من هذا الكتاب أخبارا ً عديدة، منها خطبة لعلي (ع) قالها في المدينة حين بويع له بالخلافة(50)، و كتاب من علي (ع) إلى معاوية كتبه أول ما بويع بالخلافة(51)، و خطبة لعلي (ع) خطبها في ذي قار و هو متوجه إلى البصرة(52). و قد صرح المجلسي بأن هذه الأخبار الثلاثة منقولة من كتاب الجمل للواقدي. و هناك أيضا ً خطبة لعلي (ع) يمدح فيها الأنصار قالها بعد انتهاء معركة الجمل(53)، و كتابان أرسل علي (ع) أولهما إلى أهل الكوفة، و الثاني إلى أهل المدينة، يخبرهم فيهما بما جرى في البصرة(54)، و رواية عن جدل دار بين عائشة و عمار بن ياسر بعد انتهاء المعركة(55)، و رواية تصف عليا ً (ع) عندما جاءه ابن جرموز يخبره بأنه قتل الزبير(56)، و رواية أخرى تصف ذهاب ابن عباس إلى عائشة ليأمرها بالرجوع إلى المدينة(57). و مما يؤسف له أن هذه الأخبار كلها محذوفة الأسانيد.

و نقل الطبرسي رواية الجدل الذي جرى بين عائشة و عمار بن ياسر بعد انتهاء المعركة(58)، من كتاب الواقدي و لكنه لم يذكر سندها، و منه نقلها المجلسي.

كما نقل الشيخ المفيد 24 خبرا ً عن الواقدي تروي تفاصيل أحداث عديدة مما جرى يوم الجمل(59)، و قد أورد الشيخ المفيد بعض هذه الأخبار مسندة و لكنه لم يلتزم بإيراد السند في الأخبار كلها.

و نقل ابن أبي الحديد عددا ً من الأخبار الخاصة بيوم الجمل عن الواقدي(60).

و نقل البياضي ثلاثة أخبار خاصة بيوم الجمل عن الواقدي(61).

و في نهج البلاغة خطبة لعلي (ع) خطبها بذي قار و هو متوجه إلى البصرة(62)، و كتاب أرسله إلى معاوية أول ما بويع له بالخلافة(63).

أما الطبري فلم ينقل عن الواقدي إلا أن معركة الجمل حدثت يوم الخميس العاشر من جمادى الآخرة سنة 36 هـ(64).

و واضح من كثرة الروايات التي نقلها الشيعة عن الواقدي أنهم تقبلوا أخباره بالرضا بشكل عام.

____________

50 - المجلسي ، بحار الأنوار ، ج28 ص376 - 377 .

51 - المصدر السابق ، ج32 ص365 .

52 - المصدر السابق ، ج32 ص148 .

53 - المصدر السابق ، ج32 ص236 .

54 - المصدر السابق ، ج32 ص332 - 334 .

55 - المصدر السابق ، ج32 ص266 و ص340 .

56 - المصدر السابق ، ج32 ص334 - 335 .

57 - المصدر السابق ، ج32 ص339 .

58 - الطبرسي ، الاحتجاج ، ج1 ص164 .

59 - الشيخ المفيد ، الجمل و النصرة لسيد العترة في حرب البصرة ، ص111 - 112 و 131 و 231 - 233 و 257 و 273 و 290 و 297 و 299 و 302 - 305 و 309 - 310 و 355 - 356 و 361 و 373 - 378 و 381 و 402 و 413 و 420 .

60 - ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ، ج1 ص253 و 256 و 262 . و ج7 ص284 . و ج13 ص9 . و ج14 ص13 .

61 - علي بن يونس البياضي ، الصراط المستقيم ، ج3 ص162 و 170 و 171 .

62 - الشريف الرضي ، نهج البلاغة ، ص353 .

63 - المصدر السابق ، ص464 .

64 - الطبري ، التاريخ ، ج3 ص55 .

الصفحة 19

10) معمر بن المثنى(65)

كنيته أبو عبيدة. و هو تيمي من تيم قريش لا من تيم الرباب. مولاهم.

ولد في البصرة في سنة 110 أو 114 هـ.

كان الغالب عليه معرفة اللغة و الأدب و النحو و الشعر.

عاصر جماعة من أهل البصرة انتهى إليهم علم اللغة و الشعر و كانوا نحويين منهم الخليل بن أحمد الفراهيدي و الأصمعي و أبو زيد الأنصاري. و هؤلاء، بالإضافة إليه، هم المشاهير في اللغة و الشعر و لهم كتب مصنفة.

و كانت بينه و بين الأصمعي منافسة، و كان كل واحد منهما يقع في الآخر و يكيد له. و من الطرائف المذكورة في ذلك أنه دخل يوما ً على هارون الرشيد، و كان الأصمعي موجودا ً.

فقال الرشيد: يا معمر بلغني أن عندك كتابا ً حسنا ً في صفة الخيل أحب أن أسمعه منك.

فبادر الأصمعي قائلا ً: و ما تصنع بالكتب؟ أحضر فرسا ً و نضع أيدينا على عضو منه و نسميه و نذكر ما فيه.

فأمر الرشيد بإحضار فرس. و قام الأصمعي، فجعل يده على عضو عضو، و هو يقول: هذا كذا، قال فيه الشاعر كذا. حتى انقضى قوله.

فقال الرشيد لمعمر: ما تقول فيما قال؟

فقال معمر: قد أصاب في بعض و اخطأ في بعض، فالذي أصاب فيه مني تعلمه، و الذي أخطأ فيه لا أدري من أتى به.

و كان أبو عبيدة من أعلم الناس بأنساب العرب و أيامهم، و له كتب كثيرة في أيام العرب و حروبها. و كان كثير الطعن في أنساب الناس، فقال له رجل: يا أبا عبيدة قد ذكرت الناس و طعنت في أنسابهم فبالله إلا ما عرفتني ما كان أبوك؟ ما أصله؟

فقال أبو عبيدة: حدثني أبي أن أباه كان يهوديا ً بباجروان. و باجروان مدينة إيرانية واقعة على بحر قزوين الذي كان يسمى آنذاك بحر طبرستان أو بحر الخزر(66).

و كان أبو عبيدة يرى رأي الخوارج، و كان عنده سوء عبارة، و كان غليظ اللثغة، و لكن كان عنده علم جم و فوائد كثيرة.

و في سنة 188 استدعاه الفضل بن الربيع، وزير هارون الرشيد، من البصرة إلى بغداد، فدخل مجلسه و حدثه و أنشده من عيون الشعر الجاهلي، فطرب له. ثم دخل المجلس أحد كبار موظفي ديوان الوزير، و سأله عن أشياء من القرآن، فدخل في باله أن يؤلف كتابا ً عن المجاز في القرآن، أثار ضجة بين الناس ما بين مؤيد و معارض.

اعتبره علماء الرجال مقبولا ً، لا بأس به، و صححوا رواياته، و وثقه جماعة و أحسنوا ذكره. و لكن أبا الفرج النديم قال عنه: " و كان مع ذلك كله وسخا ً مدخول الدين مدخول النسب ".

و توفي أبو عبيدة سنة 208 أو 209 أو 210 أو 211 هـ. و لم يحضر جنازته أحد، إذ لم يسلم منه شريف و لا غيره.

و له من الكتب " كتاب الجمل و صفين ".

____________

65 - مصادر ترجمة معمر بن المثنى : ابن أبي حاتم ، الجرح و التعديل ، ج8 ص259 ** ابن حبان ، الثقاة ، ج9 ص196 ** الذهبي ، ميزان الاعتدال ، ج6 ص483 ** الذهبي ، المغني في الضعفاء ، ج2 ص671 ** الذهبي ، الكاشف ، ج2 ص282 ** ابن حجر العسقلاني ، لسان الميزان ، ج7 ص395 ** أبو الحجاج المزي ، تهذيب الكمال ، ج8 ص332 ، و ج28 ص316 ** و الخطيب البغدادي ، تاريخ بغداد ، ج13 ص252 ** و أبو الفرج النديم ، الفهرست ص79 .

66 - ياقوت الحموي ، معجم البلدان ، ج1 ص313 .

الصفحة 20

11) نصر بن مزاحم بن سيار المنقري(67)

أخطأ ابن أبي الحديد فسماه نصر بن مزاحم بن بشار العقيلي(68)، و لعله من تصحيفات النساخ القدامى أو من أخطاء الطباعة الحديثة.

كنيته أبو الفضل. و هو كوفي انتقل إلى السكن في بغداد.

و هو عطار، و ذكر ابن أبي حاتم الرازي أنه كان شبه عريف، و لا أعرف ما معنى هذا. و ذكر ابن حجر العسقلاني أنه كان على السوق أيام أبي السرايا. و أبو السرايا هو السري بن المنصور الشيباني، قاد ثورة شيعية في العراق في سنة 199 هـ في أيام المأمون، و كان يدعو إلى غمامة محمد بن إبراهيم العلوي، المعروف بابن طباطبا، و قد قضي على ثورته في السنة التالية (200 هـ)، و قتل و صلب على الجسر ببغداد(69).

و كان شيعيا ً قويا ً في تشيعه، و يدل على ذلك كثرة الروايات المنقولة عنه في الكتب الشيعية، فقد أحصينا له 320 رواية في القرص المضغوط " نور 2 "، الحاوي على 187 كتابا ً من أمهات الكتب الشيعية، و كثير من هذه الروايات منقولة من كتابه الشهير " صفين "، و بعضها مكرر. و في إحدى الروايات الطويلة ورد أن علي الرضا (ع) قدم إلى الكوفة فلقي شيعته بها، و كان من بينهم نصر بن مزاحم الذي سأله عن آبائه جعفر الصادق و موسى الكاظم (ع)، فأجابه الرضا (ع) عما سأل(70).

و توفي نصر بن مزاحم سنة 212 هـ.

و قد ذكر الطوسي في رجاله أنه من أصحاب الإمام محمد الباقر (ع). و لكن السيد الخوئي اعترض عليه و أبى التصديق بذلك. و اعتراض الخوئي صحيح و قوي. فلا يمكن أن يكون نصر بن مزاحم من أصحاب الإمام الباقر (ع)، الذي توفي على الأرجح قبل ولادة نصر بسنوات عديدة.

و اعتبره عدد من علماء الرجال من طبقة أبي مخنف، و لا يصح ذلك فإنه لم يرو ِ عن أبي مخنف إلا بواسطة.

قال عنه علماء الرجال الشيعة أنه ثقة مستقيم الطريقة صالح الأمر، و كتبه حسان، غير أنه يروي عن الضعفاء. و بسبب روايته عن الضعفاء اضطرب ابن داود في أمره، فذكره مرة مع الثقاة و أخرى مع الضعفاء، و مرة ثالثة مع من قيل أنه ثقة و لكنه يروي عن الضعفاء.

أما علماء الرجال السنة فقد شنوا عليه حملة شعواء، و وصفوه بأنه واهي الحديث، و متروك الحديث، و لا يكتب حديثه، و كذاب، و ليس حديثه بشيء، و ضعيف، و أنه روى عن الضعفاء أحاديث مناكير، و أنه غير محمود في حديثه، و أن في حديثه اضطرابا ً و خطأ ً كثيرا ً. و ركزوا على انتقاد تشيعه، فقالوا أنه كان زائغا ً عن الحق، غاليا ً في مذهبه، رافضيا ً جلدا ً، غاليا ً في الرفض. و من المفهوم طبعا ً أن المقصود بغلوه في الرفض انتقاده بعض الصحابة في رواياته، لا أنه يؤمن بألوهية علي أو أي من الأئمة (ع).

له عدة كتب منها " كتاب الجمل ".

____________

67 - مصادر ترجمة نصر بن مزاحم : ابن داود ، الرجال ، ص360 و 522 و 549 ** الطوسي ، الرجال ، ص148 ** الطوسي ، الفهرست ، ص171 ** العلامة الحلي ، الرجال ، ص175 ** النجاشي ، الرجال ، ص427 - 428 ** ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ، ج2 ص206 ** نصر بن مزاحم ، كتاب صفين ، المقدمة التعريفية بالكتاب ** الخوئي ، معجم رجال الحديث ، ج20 ص157 ** صائب عبد الحميد ، معجم مؤرخي الشيعة ، مجلة " تراثنا " ، العدد 62 ، ص111 ** البخاري ، التاريخ الكبير ، ج8 ص105 ** الجوزجاني ، أحوال الرجال ، ج1 ص82 ** ابن أبي حاتم الرازي ، الجرح و التعديل ، ج8 ص468 ** ابن حبان ، الثقاة ، ج9 ص215 ** ابن الجوزي ، الضعفاء و المتروكين ، ج3 ص160 ** الذهبي ، ميزان الاعتدال ، ج7 ص24 ** ابن حجر العسقلاني ، لسان الميزان ، ج6 ص157 ** ابن عدي ، الكامل في ضعفاء الرجال ، ج7 ص37 ** العقيلي ، الضعفاء ، ج4 ص300 ** الخطيب البغدادي ، تاريخ بغداد ، ج13 ص282 ** أبو الفرج النديم ، الفهرست ، ص137 .

68 - ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ، ج15 ص120 .

69 - المسعودي ، مروج الذهب ، ج3 ص439 - 440 .

70 - قطب الدين الراوندي ، الخرائج و الجرائح ، ج1 ص349 ** و المجلسي ، بحار الأنوار ج49 ص73 - 81 .

الصفحة 21
و هناك رواية منقولة عنه فيها حوار جرى بين عائشة و أم سلمة قبل خروج عائشة إلى البصرة(71).

و رواية أخرى أن علياً (ع) ذكـّر الزبير بقول رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: " إنك ستقاتل عليا ً و أنت له ظالم "، فترك الزبير المعركة و انصرف، فلحق به ابن جرموز و سأله عن الأمور الجارية، فلم تقنعه أجوبة الزبير، فصمم على قتله(72).

و رواية ثالثة فيها أن عائشة لمّا أتمت حجها، عادت إلى المدينة، فبلغها في الطريق خبر مقتل عثمان و خلافة علي (ع)، فعادت إلى مكة و أخذت تحرض الناس على الطلب بدم عثمان(73).

و رواية رابعة في أن بعض أهل البصرة أنكروا على عائشة خروجها للقتال، و رأوا أن الواجب عليها القعود في بيتها كما أمرها الله تعالى(74).

و رواية خامسة في أن بعض أهل الكوفة اعترضوا على أبي موسى الأشعري لمّا سمعوه يخذل الناس عن القتال إلى جانب علي (ع)(75).

و نعتقد أن هذه الروايات الخمس هي كل ما تبقى لنا من " كتاب الجمل " لنصر بن مزاحم.

12) المدائني، علي بن محمد بن عبد الله بن أبي سيف(76)

كنيته أبو الحسن، و يكنى أحيانا ً بابن أبي سيف.

ولد في البصرة سنة 132 أو 135 هـ.

و كان في صغره من غلمان (أي عبيد) معمر بن الأشعث. و يبدو أن عبد الرحمن بن سمرة اشتراه و أعتقه، إذ أنهم يذكرون أنه مولى عبد الرحمن بن سمرة. و المعروف في الشرع الإسلامي أن الولاء لمن أعتق.

هاجر إلى بغداد و اتصل فيها بإسحاق بن إبراهيم الموصلي، فأكرمه جدا ً، و كانت مظاهر النعمة ظاهرة عليه، فكان يركب حمارا ً فارها ً و يرتدي بزة حسنة، و يذكر دائما ً فضل إسحاق عليه، و يصفه بأنه " الكريم الذي يملأ كمّي دنانير و دراهم ".

و كان المدائني يدخل على المأمون و يحدثه بأحاديث علي بن أبي طالب (ع)، فيلعن بني أمية.

و قد سرد المدائني الصوم (أي واصله دون انقطاع) طوال السنوات الثلاثين الأخيرة من عمره.

و قيل له في مرض موته: ما تشتهي؟ فقال: أشتهي أن أعيش.

و توفي في سنة 224 أو 225 هـ في دار إسحاق بن إبراهيم الموصلي في بغداد.

مدحه علماء الرجال و قالوا أنه كان عجبا ً في معرفة السير و المغازي و الأنساب و أيام العرب، مصدّقا ً فيما ينقله، عالي الإسناد، و أنه أستاذ، و أنه كان عالما ً بأيام الناس صدوقا ً في ذلك. و قال عنه يحيى بن معين: ثقة ثقة ثقة. و لكنهم قالوا أنه صاحب أخبار و ليس له إلا القليل جدا ً من الروايات المسندة.

و خالف ابن عدي ذلك فقال أنه ليس قويا ً في الحديث.

____________

71 - الشيخ الصدوق ، معاني الأخبار ، ص375 - 376 ** المجلسي ، بحار الأنوار ، ج32 ص153 - 154 .

72 - الطبرسي ، الاحتجاج ، ج1 ص162 - 163 ** و المجلسي ، بحار الأنوار ، ج32 ص198 - 199 .

73 - الطبري ، تاريخ الرسل و الملوك ، ج3 ص12 .

74 - المصدر السابق ، ج3 ص15 - 16 .

75 - المصدر السابق ، ج3 ص27 - 28 .

76 - مصادر ترجمة المدائني : الربعي ، مولد العلماء و وفياتهم ، ج2 ص495 ** الذهبي ، سير أعلام النبلاء ، ج10 ص400 ** الذهبي ، ميزان الاعتدال ، ج5 ص184 ** الذهبي ، المغني في الضعفاء ، ج2 ص454 ** ابن حجر العسقلاني ، لسان الميزان ج4 ص253 ** ابن عدي ، الكامل في ضعفاء الرجال ، ج5 ص213 ** أبو الفرج النديم ، الفهرست ، ص147 - 149 .

الصفحة 22
و من بين علماء الرجال الشيعة انفرد ابن داود بذكر المدائني، و قال عنه أنه عامي المذهب. و قد ذكره في ثلاث مواضع من كتابه. الأول في القسم الخاص بالمجروحين و المجهولين(77)، و الثاني في الفصل الخاص بذكر جماعة من العامة(78)، و الثالث في باب كنى الضعفاء(79). و من ذلك يتبين رأي ابن داود فيه.

و للمدائني كتاب اسمه " يوم الجمل ".

و قد روى الطبري عن المدائني 37 خبرا ً من أخبار يوم الجمل(80). و هو يذكره بكنيته (أبي الحسن). و من الواضح أنه لم يطلع على كتاب المدائني مباشرة بل اطلع على ما نقله عمر بن شبة من ذلك الكتاب.

كما نقل ابن أبي الحديد عنه عددا ً من الأخبار و الشعار تخص يوم الجمل(81).

و نقل المجلسي عنه خبرين(82).

و نقل عنه الشيخ المفيد خبرا ً واحدا ً يروي ما جرى لعثمان بن حنيف أمير البصرة المعين من قبل علي بن أبي طالب (ع)(83).

13) محمد بن خالد بن عبد الرحمن بن محمد بن علي البرقي(84)

كنيته أبو عبد الله. و لقبه " البرقي " نسبة إلى قرية " برقة رود " و هي قرية من سواد مدينة قم على وادٍ هناك.

ذكروه في أصحاب الأئمة موسى الكاظم و علي الرضا و محمد الجواد (ع). و علق الخوئي على ذلك قائلا ً: " و هو و إن كان كثير الرواية جدا ً، إلا أنـّا لم نظفر بروايته عن المعصوم سلام الله عليه إلا في موردين ". و معنى ذلك أنه عاش في عصر هؤلاء الأئمة (ع) دون أن يلتقي بهم مباشرة، و لذلك لم يرو ِ عن أي واحد منهم.

و عليه يمكن تخمين تاريخ ولادته بحوالي سنة 150 هـ، و تاريخ وفاته بحوالي سنة 220 هـ، و الله أعلم.

و ذكروا أنه مولى أبي موسى الأشعري، أو جرير بن عبد الله. و علق الخوئي على ذلك قائلا ً: " إن النجاشي ذكر أن محمد بن خالد مولى أبي موسى الشعري، و ذكر ابن الغضائري أنه مولى جرير بن عبد الله، فلو صح ما في النجاشي فأبو موسى الأشعري غير من هو المعروف ".

و ذكروا في ترجمة ابنه أحمد أن أجداده هاجروا من الكوفة إلى قرية برقة رود منذ فترة طويلة. فبعد فشل ثورة زيد بن علي، اعتقل يوسف بن عمر والي العراق آنذاك جده محمد بن علي ثم قتله بعد ذلك، فهرب ابنه عبد الرحمن إلى برقة رود هذه، و كان معه ابنه الصغير خالد، فاستقرت العائلة هناك.

أقول: مدينة قم معروفة بكثرة من استقر فيها من الأشعريين. و لعل عبد الرحمن هذا لما فر إليها تحالف حلف ولاء مع أحد الأشعريين هناك اسمه جرير بن عبد الله و كنيته أبو موسى، فأصبح معروفا ً بأنه من موالي أبي موسى الأشعري، و الله أعلم.

____________

77 - ابن داود ، الرجال ، ص486 .

78 - المصدر السابق ، ص536 .

79 - المصدر السابق ، ص566 .

80 - الطبري ، التاريخ ، ج3 ص7 - 10 و 18 و 21 - 23 و 35 و 36 و 39 و 42 و 46 - 49 و 61 .

81 - ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ، ج1 ص253 و 256 ؛ و ج6 ص214 ؛ و ج7 ص284 ؛ و ج9 ص113 و 114 و 317 ؛ و ج14 ص13 .

82 - المجلسي ، بحار الأنوار ، ج32 ص137 و236 .

83 - الشيخ المفيد ، الجمل و النصرة ، ص273 .

84 - مصادر ترجمة البرقي : ابن داود ، الرجال ، ص309 ** ابن الغضائري ، الرجال ، ج5 ص205 ** البرقي ، الرجال ، ص50 ** الطوسي ، الرجال ، ص343 و 363 و 377 ** الطوسي ، الفهرست ، ص148 ** العلامة الحلي ، الرجال ، ص139 ** النجاشي ، الرجال ص335 ** الخوئي ، معجم رجال الحديث ، ج17 ص71 ** أبو الفرج النديم ، الفهرست ص309 ** محسن الأمين ، أعيان الشيعة ، ج9 ص273 .