غيبته (عليه السلام)


بالنسبة إلى الغيبة كم ولى لله تعالى يقطع الارض بعبادة ربه تعالى والتفرد من الظالمين بعمله ـ منهم الخضر عليه السلام موجود قبل زمان موسى عليه السلام الى وقتنا هذا، باجماع أهل النقل واتفاق أصحاب السير والأخبار سائحاً في الأرض لا يعرف له أحد مستقراً ولا يدعى له اصطحاباً إلاّ ما جاء في القرآن به من قصته مع موسى عليه السلام.

وقد كان من غيبة موسى بن عمران عليه السلام عن وطنه وفراره من فرعون ورهطه ما نطق به الكتاب، ولم يظهر عليه أحد مدة غيبته عنهم فيعرف له مكانا، حتى ناجاه الله عزوجل وبعثه نبياً فدعا اليه وعرفه الولى والعدو اذ ذاك.

وكان من قصة يوسف بن يعقوب عليهم السلام ما جاءت به سورة كامله بمعناه، وتضمنت ذكر استتار خبره عن أبيه، وهو نبي الله تعالى يأتيه الوحي منه سبحانه صباحاً ومساءً، وأمره مطويٌ عنه وعن إخوته، وهم يعاملونه ويبايعونه ويبتاعون منه ويلقونه ويشاهدونه فيعرفهم ولا يعرفونه حتى مضت على ذلك السنون وانقضت فيه الأزمان...

وكان من أمر يونس نبي الله عليه السلام مع قومه وفراره عنهم عند تطاول المدة في خلافهم عليه واستخفافهم بحقوقه، وغيبته عنهم لذلك عن كل احد من الناس حتى لم يعلم بشر من الخلق مستقره ومكانه إلا الله تعالى.

وأمر أصحاب الكهف نظير لما ذكرناه، وقد نزل القرآن بخبرهم وشرح أمرهم، في فرارهم بدينهم من قومهم وحصولهم في كهف ناءٍ عن بلدهم فاماتهم الله فيه، وبقى كلبهم باسطاً ذراعيه بالوسيط، ودبّر أمرهم في بقاء اجسامهم على حال أجساد الحيوان لا يلحقها بالموت تغيّر ـ فبقوا على ذلك ثلاث مائة سنة وتسع سنين على ما جاء به الذكر الحكيم ثم احياهم فعادوا الى معاملة قومهم ومبايعتهم.

وقد كان من أمر صاحب الحمار الذي نزل بذكر قصته القرآن... فبقى طعامه وشرابه بحاله لم يغيّره تغيير طبائع الزمان... فلما احياه الله تعالى المذكور بالعجب من حياة الأموات وقد أماته مائة عام.

وليس في زماننا الآن مثل ذلك، ولا سمعنا بنظير له في سواه، وهو بعيد عن تعارفنا، ولولا أن القرآن جاء بذكر هؤلاء القوم وخبرهم لتسرعت الناصبة الى إنكار ذلك كما يتسرع الى إنكاره الملحدون والزنادقة والدهريون ويحيلون صحة الخبر به.

وعلى هذا ذهب اليه الامامية في تمام استتار صاحبها وغيبته ومقامه على ذلك طول مدّته أقرب في العقول والعادات مما أوردناه من أخبار المذكورين في القرآن. (الشيخ المفيد / الفصول العشرة / ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/ 83 ـ 87).

1 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف

شبهة:

اذا كان الامام عندكم غائباً، ومكانه مجهولاً، فكيف يصنع المسترشد؟ وعلى ماذا يعتمد الممتحن فيما ينزل به من حادث لا يعرف له حكماً؟ والى من يرجع المتنازعون، لا سيما والامام انما نصب لما وصفناه؟ (الشيخ المفيد / الرسالة الاولى في الغيبة / ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 7 / 13، 14).

2 ـ تنافي الغيبة مع اللطف

شبهة:

ان الامامية تناقض مذهبها في ايجابهم الامامة، وقولهم بشمول المصلحة للأنام بوجود الإمام وظهوره وأمره ونهيه وتدبيره واستشهادهم على ذلك بحكم العادات في عموم المصالح بنظر السلطان العادل وتمكنه من البلاد والعباد. وقولهم مع ذلك إن الله تعالى قد أباح للامام الغيبة عن الخلق وسوّغ له الاستتار عنهم، وأن ذلك هو المصلحة وصواب التدبير للعباد. وهذه مناقضة لا تخفى على العقلاء. (الشيخ المفيد / الفصول العشرة / ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/ 50 و 113).

شبهة:

إدعى المخالفون أنّ الامامية ساوت بمذهبها في غيبة صاحبها السبائية في قولها: إن امير المؤمنين عليه السلام لم يقتل وانه حي موجود، وقول الكيسانية في محمد بن الحنفية، ومذهب الناووسية: في أن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام لم يمت، و قول الممطورة: في موسى بن جعفر عليه السلام إنه لم يمت وأنه حي الى أن يخرج بالسيف، وقول أوائل الاسماعيلية وأسلافها: أن اسماعيل بن جعفر هو المنتظر وأنه حي لم يمت، وقول بعضهم: مثل ذلك في محمد بن إسماعيل، وقول الزيدية مثل ذلك فيمن قتل من ائمتها حتى قالوه في يحيى بن عمر المقتول بشاهي.

واذا كانت هذه الأقاويل باطلة عند الامامية وقولها في غيبة صاحبها نظيرها فقد بطلت ايضاً ووضح فسادها. (الشيخ المفيد / الفصول العشرة في الغيبة / ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/ 47 و109).

شبهة:

إن غيبته متى صحت على الوجه الذي تدعيه الإمامية بطلت الحاجة اليه، اذ كان وجود منعها كعدمه من العالم، ولا تظهر له دعوة، ولا تقوم له حجة، ولا يقيم حداً، ولا ينفذ حكماً، ولا يرشد مسترشداً، ولا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر، ولا يهدي ضالاً، ولا يجاهد في الاسلام. (الشيخ المفيد / الفصول العشرة / ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/ 47 و 105).

شبهة:

اذا كان الامام صلوات الله عليه غائباً طول هذه المدة لا ينتفع به، فما الفرق بين وجوده وعدمه. (الشيخ المفيد/ الرسالة الثانية في الغيبة/ ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 7/15).

شبهة:

ما هو السبب الموجب لاستتار إمام الزمان (صلوات الله عليه) وغيبته التي طالت مدتها، فإن قلتم أن سبب ذلك صعوبة الزمان عليه بكثرة أعدائه وخوفه منهم على نفسه قيل لكم: فقد كان الزمان الأول على آبائه عليهم السلام أصعب، وأعداؤهم فيما مضى أكثر، وخوفهم على أنفسهم أشد وأكثر، ولم يستتروا مع ذلك ولا غابوا عن أشياعهم بل كانوا ظاهرين حتى أتاهم اليقين، وهذا يبطل اعتلال الشيعة في غيبة صاحب الزمان عنهم. (الشيخ المفيد/ الرسالة الرابعة في الغيبة/ ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 7/ 11).

شبهة:

إن رسول الله قد ظهر قبل استتاره ودعا إلى نفسه قبل هجرته، وكانت ولادته معروفة ونسبه مشهوراً وداره معلومة، هذا مع الخبر عنه في الكتب الأولى والبشارة به في صحف إبراهيم وموسى عليه السلام، وادراك قريش وأهل الكتاب علاماته ومشاهدتهم لدلائل نبوته وأعلام عواقبه، فكيف لم يخف مع ذلك على نفسه، ولا امر الله بستر ولادته، وفرض عليه إخفاء أمره كما زعمت الشيعة أنه فرض ذلك على ابن الامام لما كان المنتظر عندكم من بين الأئمة، والمشار اليه بالقيام بالسيف دون آبائه، فاوجب ذلك على ما ادعيتموه واعتللتم به في الفرق بين آبائه وبينه في الظهور على خبره وكتم ولادته والستر على الأنام شخصه، وهل قول الشيعة في الغيبة مع ما وصفناه من حال النبي الاّ فاسد متناقض. (السيد المرتضى / الفصول المختارة من العيون والمحاسن / ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 2/ 327).

جواب الشبهة:

لا يسعنا إنكار الغيبة والتستر بولادة الامام المهدي لعدم وقوع ذلك بالنسبة الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لان المصلحة لا تكون من جهة القياس، ولا تعرف ايضاً بالتوهم، ولا يتوصل اليها بالنظائر والأمثال...

ويدل على ما بيناه أنه لم يتعرض احد من عبدة الأوثان، ولا أهل الكتاب، ولا... مع ما قد اتصل بهم من البشارة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لأحد من آباء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالإخافة، ولا لاستبراء واحدة من أمهاته لمعرفة الحمل به، ولا قصدوا الإضرار به في حال الولادة، ولا طول زمانه إلى أن صدع بالرسالة، كما وقع ذلك بالنسبة للامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.

وشي آخر وهو أن الخوف قد كان مأمونا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بني هاشم وبني عبد المطلب وجميع اهل بيته وأقاربه، لأن الشرف المتوقع له بالنبوة كان شرفهم، والمنزلة التي تحصل له بذلك فهي تختص بهم، وأما البعداء منهم في النسب فيعجزون عن ايقاع الضرر به لموضع أهل بيته، وإنهم أمنع العرب جانباً، وأشدهم بأساً، وأعزهم عشيرةً، فيصدهم ذلك عن التعرض له.

وشيء آخر أن ملوك العجم في زمان مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكونوا يكرهون مجيء نبي يدعو الى شرع مستأنف، ولا يخافون بمجيئه على أنفسهم، ولا على ملكهم، لأنهم كانوا ينفرون الإيمان به والاتباع له، ولم يجر أمر الامام المنتظر عليه السلام هذا المجرى، بل المعلوم من حال لجميع الملوك زمان مولده ومولد آبائه خلاف ذلك من اعتقادهم فيمن ظهر منهم يدعو الى امامة نفسه، أو يدعو إليه داع سفك دمه.

وبهذا النحو يجب أن يجاب من سأل فقال: أليس الرسول قد ظهر في أول أمره وعرفت العامة والخاصة وجوده ثم استتر بعد ذلك عند الخوف على نفسه(السيد المرتضى / الفصول المختارة من العيون والمحاسن/ ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 2/ 328 ـ 330).

3 ـ الخبر بغيبته

كان الخبر بغيبته ثابتا قبل وجوده وبدولته مستفيضاً قبل غيبته، وهو صاحب السيف من أئمة الهدى عليهم السلام. (الشيخ المفيد/ الارشاد ج2/ ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 11/ 340).

4 ـ تنافي الغيبة مع اللطف

فان قيل: قد تقدم ان الامامة لطف واللطف واجب على الله تعالى فاذا كان الامام مستتراً كان الله تعالى مخلاً بالواجب وتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

فالجواب: اللطف الواجب على الله تعالى في الامام هو نصبه وتكليفه بالامامة، والله تعالى قد فعل ذلك فلم يكن مخلاً بالواجب، وإنما الاخلال بالواجب من قبل الرعية، فانهم يجب عليهم أن يتابعوه ويمتثلوا أوامره ونواهيه ويمكنوه من أنفسهم، فحيث لم يفعلوا ذلك كانوا مخلّين بالواجب فهلاكهم من قبل انفسهم. (الشيخ المفيد/ النكت الاعتقادية / ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 10/45).

5 ـ طريقة معرفته

الطريق الى معرفة الحجة حين ظهوره بعد استتاره هو ظهور المعجز على يده. (الشيخ المفيد/ النكت الاعتقادية/ ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 10/45).

6 ـ دليل غيبته

وجه استتار الحجة كثرة العدو وقلة الناصر، وجاز أن يكون لمصلحة خفية استأثر الله تعالى بعلمها. (الشيخ المفيد/ النكت الاعتقادية/ ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 10/45).

7 ـ دليل الغيبة

من الشواهد التي تدعم الغيبة وثيقة الحجة هي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أقام بمكة ثلاثة عشر سنة يدعو الناس الى الله تعالى ولا يرى سل السيف ولا الجهاد، ويصبر على التكذيب له والشتم والضرب وصنوف الأذى، واستتر صلى الله عليه وآله وسلم خائفاً على دمه في الشعب ثلاث سنين، ثم هرب من مكة بعد موت عمه ابي طالب مستخفياً بهربه، واقام في الغار ثلاثة ايام ثم هاجر عليه السلام الى المدينة، ورأى النهي منه للقيام، واستنفر أصحابه وهم يومئذ ثلاثمائة وبضعة عشر ولقي بهم ألف رجل من أهل بدر ورفع التقية عن نفسه إذ ذاك.

8 ـ أقسام الغيبة

سبب غيبة الامام المهدي هي التقية، والتقية له عجل الله تعالى فرجه الشريف على اقسام:

  • التقية من أعدائه وهو أمر لا محالة منه إذ بظهوره يسفك دمه.

  • التقية ممن لا يعرفه لأنه لو ظهر اليهم لكانوا بين أمور، أما أن يسفكوا دمه بانفسهم لينالوا بذلك المنزلة عند المتغلب على الزمان، ويحوزوا به المال والرئاسة أو يسعوا به إلى من يحل هذه الفعل به.

  • التقية من بعض من يعتقد امامته، لأن هؤلاء ليسوا بمعصومين عن الغلط، ولا مأموناً عليهم الخطأ بل ليس مأموناً عليهم العناد والارتداد، فلا ينكر أن تدعوهم دواعي الشيطان الى الإغراء به والسعى عليه، والأخبار بمكانه طمعاً في العاجلة ورغبة فيها.

  • أما بالنسبة الى من عرفه حق معرفته، وكان عارف بالله عزوجل وبرسوله صلى الله عليه وآله وسلم وبالائمة، فإن هذه المعرفة تمنعه من إيقاع كفر غير مغفور، فهؤلاء لا يتقى الامام منهم (ويدعي الشيخ المفيد أنه من هؤلاء) وعدم التقية، لان التقية إنّما هي الخوف على النفس، والاخافة للامام لا تقع من عارف بالله عزوجل.

    وعدم تقية الامام من هؤلاء لا تستوجب له ان يظهر لهم، ويعرف نفسه لهم بالمشاهدة، ويريهم المعاجز، ويبين لهم كثيراً من المشكلات، لاننا لا نقول أن الامام يعلم السرائر وأنه مما لا يخفى عليه الضمائر، بل أنه يعلم الظواهر كما يعلم البشر، وإن علم الامام بالباطن فانه يتم باعلام الله له خاصه على لسان نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بما أودعه آباؤه عليهم السلام من النصوص على ذلك أو بطرق اخرى، ومع فقد الامام لذلك العلم اوجبت الحكمة تقيته من هؤلاء، ولا نقل أن الله عزوجل قد اطلع الامام على باطن هؤلاء وعرّفه حقيقتهم، واننا ايضاً لو قطعنا على ذلك لكان لترك ظهوره لبعض هؤلاء ممن تعرف عليه وجه واضح آخر غير التقية، وهو أن مع عدم ظهوره لحواسهم يصلح لهم في تعاظم الثواب وعلو المنزله باكتساب الاعمال، إذ يكون عملهم أعظم ثواباً مما يقع بالسهولة فلما علم عليه السلام ذلك من حالهم وجب عليه الاستتار ليصلوا الى معرفته وطاعته على حد يكسبهم من المثوبة اكثر مما يكسبهم العلم به الطاعة له مع المشاهدة. أما بالنسبة الى هؤلاء الاولياء عند ظهوره إذ يقول قائل اليس يجب أن يكون الله عزوجل قد منعهم اللطف في شرف طاعتهم وزيادة ثوابهم؟

    فالجواب: ليس في ذلك منع لهم من اللطف إذ لا ينكر أن يعلم الله سبحانه وتعالى منهم أنه لو أدام ستره عنهم في ذلك الزمان بدلاً من الظهور لفسق هؤلاء الأولياء فاظهره سبحانه لهذه العلة. والوجه الاخر أنه لا يستحيل أن يكون الله تعالى قد علم من حال كثير من اعداء الامام عليه السلام أنهم يؤمنون عند ظهوره، ويعترفون بالحق عند مشاهدته ويسلمون له الأمر، وأنه إن لم يظهر في ذلك الزمان أقاموا على كفرهم وازدادو طغيانا بزيادة الشبهة عليهم، فوجب في حكمته تعالى اظهاره لعموم الصلاح، إذ لا يجب عليه تعالى أن يفعل اللطف له في النفع بما يمنع غيره من اضعاف ذلك النفع.

    وأما بالنسبة الى غيبته عليه السلام من عامة الشيعة فلا يعني أنهم من أهل النفاق، بل أنّ جماعة من معتقدي التشيع غير عارفين في الحقيقة، وإنّما يعتقدون الديانة على ظاهر القول بالتقليد، لأن فيهم جماعة لم يكلفوا المعرفة لنقصان عقولهم عن الحد الذي به يجب تكليف ذلك، وإن كانوا مكلفين للقول والعمل، وهذا هو مذهبنا في جماعة من أهل السواد والنواحي الغامضة والبوادي والأعراب والعجم والعامة.

    والفرق بين تقيته عليه السلام من اعدائه وأوليائه هو أن التقية من أعدائه هي لأجل خوفه من ظلمهم له وقصدهم الإضرار به، لكن تقيته من اوليائه فهي لاجل خوفه من إذاعتهم على سبيل السهو أو للتجمل والتشرف بمعرفته بالمشاهدة فيعقبه ذلك ضرراً عليه فبان الفرق بين الأمرين. (السيد المرتضى/ الفصول المختارة من العيون والمحاسن/ ضمن مجموعة مؤلفات الشيخ المفيد: 2/ 110 ـ 117).

    9 ـ مكانة الفقهاء زمن الغيبة

    الرجوع الى الفقهاء في زمن الغيبة لا يعني الاستغناء عن الإمام، لأن الحاجة الى الشيء قد تكون قائمة مع فقد ما يسدها، لولا ذلك ما كان الفقير محتاجاً الى المال مع فقده، ولا المريض محتاجاً الى الدواء وان بعد وجوده، والجاهل محتاجاً الى المال وان عدم الطريق إليه، والمتحير محتاجاً الى الدليل وان لم يظفر به.

    ولو لزمنا ما ادعيتموه وتوهمتموه للزم جميع المسلمين أن يقولوا أن الناس كانوا في حال غيبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وللهجرة وفي الغار اغنياء عنه، وكذلك كانت حالهم في وقت استتاره بشعب ابي طالب عليه السلام، وكان قوم موسى عليه السلام أغنياء عنه في حال غيبته عنهم لميقات ربه، وكذلك أصحاب يونس... وهذا مما لا يذهب اليه مسلم ولا ملّي. (الشيخ المفيد/ الرسالة الاولى في الغيبة/ ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 7/16).

    10 ـ تنافي غيبته مع معرفته

    لا مضادة بين معرفة الإمام وبين غيبته واستتاره، لان العلم بوجوده في العالم لا يفتقر الى العلم بمشاهدته لمعرفتنا ما لا يصح ادراكه بشيء من الحواس، فضلاً عمن يجوز ادراكه واحاطة العلم بما لا مكان له، فضلاً عمن يخفى مكانه والظفر بمعرفة المعدوم والماضي والمنتظر، فضلاً عن المستخفي المستتر.

    وقد بشر الله تعالى الأنبياء المتقدمين نبينا صلى الله عليه وآله وسلم قبل وجوده في العالم وفرض عليهم الإيمان به والإقرار به وانتظاره والنبي لم يخرج بعد الى الوجود. (الشيخ المفيد/ الرسالة الاولى في الغيبة/ ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 7/12).

    11 ـ الغيبة الكبرى

    بعد وقوع الغيبة الكبرى صارت مهمة التبليغ الاسلامي بصورة عامة، وتثبيت عقائد الشيعة بامامة المهدي المنتظر، وغيبته بصورة خاصة على عهدة الفقهاء والمحدثين.

    ففي التوقيع الخارج عن محمد بن عثمان العمري رضوان الله عليه:

    .... وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم وانا حجة الله عليهم. (الشيخ فارس الحسون/مقدمة تحقيق كتاب الفصول العشرة في الغيبة للشيخ المفيد/ ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/10. كمال الدين 2: 684 رقم4).

    12 ـ تمهيد غيبته

    كلما كان يقرب موعد ولادة الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف كان الاهتمام بذكره، والخبر باحواله وصفاته وغيبته اكثر، حتى أن الامامين العسكريين عليه السلام كان عندهما نوع ما من الغيبة وعدم الاتصال المباشر باصحابهم، وكانت التوقيعات تخرج من قبلهم ليتعوّد الشيعة على ما سيحصل من غيبة الإمام القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف. (الشيخ فارس الحسون/ مقدمة تحقيق كتاب الفصول العشرة في الغيبة للشيخ المفيد/ ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/9).

    13 ـ شبه الشيعة بالسبئية

    إدّعى المخالفون أن الامامية ساوت بمذهبها في غيبة صاحبها السبائية في قولها: إن امير المؤمنين عليه السلام لم يقتل وأنه حي موجود، وقول الكيسانية في محمد بن الحنفية، ومذهب الناووسية: في أن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام لم يمت، وقول الممطورة: في موسى بن جعفر عليه السلام انه لم يمت وأنه حي الى أن يخرج بالسيف، وقول أوائل الإسماعيلية وأسلافها: أن إسماعيل بن جعفر هو المنتظر، وأنه حي لم يمت وقول بعضهم: مثل ذلك في محمد بن إسماعيل، وقول الزيدية مثل ذلك فيمن قتل من ائمتها حتى قالوه في يحيى بن عمر المقتول بشاهي.

    وإذا كانت هذه الأقاويل باطلة عند الامامية وقولها في غيبة صاحبها نظيرها فقد بطلت أيضاً ووضح فسادها.

    فإنا نقول: إن هذا توهم من الخصوم لو تيقظوا لفساد ما اعتمدوه... وذلك أن قتل من سموه قد كان محسوساً مدركاً بالعيان وشهد به أئمة قاموا بعدهم ثبتت امامتهم بالشيء الذي به ثبتت امامة من تقدمهم، والانكار للمحسوسات باطل عند كافة العقلاء، وشهادة الائمة المعصومين بصحة موت الماضين منهم مزيلة لكل ريبة فبطلت الشبهة فيه على ما بيناه.

    وليس كذلك قول الامامية في دعوى وجود صاحبهم عليه السلام لان دعوى وجود صاحبهم عليهم السلام لا تتضمن دفع المشاهد، ولا له إنكار المحسوس، ولا قام بعد الثاني عشر من ائمة الهدى عليهم السلام إمام عدل معصوم يشهد بفساد دعوى الامامية، او وجود إمامها وغيبته. فاي نسبة بين الامرين لولا التحريف في الكلام، والعمل على أوّل خاطر يخطر للانسان من غير فكر فيه ولا إثبات. ونحن فلم ننكر غيبة من سماه الخصوم لتطاول زمانها، فيكون ذلك حجة علينا في تطاول مدة غيبة صاحبنا، وإنما أنكرناها بما ذكرناه من المعرفة واليقين بقتل من قتل منهم وموت من مات من جملتهم، وحصول العلم بذلك من جهة الادراك بالحواس.

    ولأن في جملة من ذكروه لمن لم يثبت له إمامة من الجهات التي تثبت لمستحقها على حال، فلا يضر لذلك دعوى من ادعى لها الغيبة والاستتار. ومن تأمّل ما ذكرناه عرف الحق منه، ووضح له الفرق بيننا وبين الضالة من المنتسبين الى الامامية والزيدية، ولم يخف الفصل بين مذهبنا في صاحبنا عليه السلام، ومذاهبهم الفاسدة بما قدمناه والمنة لله. (الشيخ المفيد/ الفصول العشرة في الغيبة/ ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/109 ـ 112).

    14 ـ تنافي الغيبة مع المصلحة

    من قول الخصوم: إنّ الامامية تناقض مذهبها في ايجابهم الإمامة، وقولهم بشمول المصلحة للأنام بوجود الامام وظهوره وامره ونهيه وتدبيره واستشهادهم على ذلك بحكم العادات في عموم المصالح بنظر السلطان العادل وتمكنه من البلاد والعباد. وقولهم مع ذلك إن الله تعالى قد اباح للامام الغيبة عن الخلق وسوّغ له الاستتار عنهم، وأن ذلك هو المصلحة وصواب التدبير للعباد.وهذه مناقضة لا تخفى على العقلاء.

    وأقول:... إن المصالح تختلف باختلاف الأحوال، ولا تتفق مع تضادها، بل يتغير تدبير الحكماء في حسن النظر، والاستصلاح بتغيّر آراء المستصلحين وأفعالهم وأغراضهم في الاعمال.

    ألا ترى أن الحكيم من البشر يدبر معاش ولده ويحثه لاكتساب المعرفة والآداب، ولكنه إن عدل عن ذلك الى السفه والظلم كانت المصلحة له قطع مواد السعة عنه في الأموال والاستخفاف بهم، وليس في ذلك تناقض بين اغراض العاقل... وهكذا تدبير الله تعالى لخلقه: إن تمسكوا باوامره سهل عليهم سبيله، وإن خالفوه يوجب قطع مواد التوفيق عنهم ووجب عليهم له العقاب، وكان ذلك هو الأصلح لهم، والأصوب في تدبيرهم.

    فمصلحة الخلق تظهر بظهور الأئمة عليهم السلام متى اطاعوهم وانطووا على النصرة لهم والمعونة، وإن عصوهم وسعوا في سفك دمائهم تغيّرت الحال فيما يكون به تدبير مصالحهم، وصارت المصلحة له ولهم غيبته واستتاره، ولم يكن عليه في ذلك لوم، وكان الملوم هو المسبب له بافساده وسوء اعتقاده، ويكون هذا هو الأصلح والأولى في التدبير. (الشيخ المفيد/ الفصول العشرة / ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/113 ـ 119).

    15 ـ تنافي الغيبة مع أداء واجبه

    فاما قول الخصوم: إنه إذا استمرت غيبة الامام على الوجه الذي تعتقده الامامية فلم يظهر له شخص، ولا تولى اقامة حد، ولا إنفاذ حكم، ولا دعوة الى حق، ولا جهاد العدو بطلت الحاجة اليه في حفظ الشرع والملّه، وكان وجوده في العالم كعدمه.

    فإنا نقول فيه: إن الأمر بخلاف ما ظنوه، وذلك أن غيبته لا تخل بما صدقت الحاجة اليه من حفظ الشرع والملّة، واستيداعها له، وتكليفها التعرف في كل وقت لأحوال الأمّة وتمسكها بالديانة او فراقها لذلك إن فارقته، وهو الشيء الذي ينفرد به دون غيره من كافة رعيته. الا ترى أن الدعوة اليه انما يتولاها شيعته وتقوم الحجة بهم في ذلك، ولا يحتاج هو إلى تولي ذلك بنفسه كما كانت دعوة الانبياء عليهم السلام تظهر نايباً عنهم والمقربين بحقهم، وينقطع بها فيما يأتي عن علتهم ومستقرهم، ولا يحتاجون الى قطع المسافات لذلك بأنفسهم، وقد قامت ايضاً نايبا عنهم بعد وفاتهم، وكذلك اقامة الحدود وتقيد الاحكام، وقد يتولاها امراء الأئمة وعمالهم دونهم، وكذلك القول في الجهاد.....

    فعلم بما ذكرناه أن الذي احوج الى وجود الامام ومنع من عدمه ما اختص به من حفظ الشرع الذي لا يجوز ائتمان غيره عليه... فمن وجد منهم قائماً بذلك فهو في سعة من الاستتار والصموت، ومتى وجدهم قد اطبقوا على تركه وضلوا عن طريق الحق فيما كلفوه من نقله ظهر لتولي ذلك بنفسه، ولم يسعه اهمال القيام به. فلذلك ما وجب من حجة العقل وجوده وفسد منها عدمه المباين لوجوده أو موته المانع له من مراعاة الدين وحفظه...

    وشيء آخر وهو انه اذا غاب الامام للخوف على نفسه من القوم الظالمين، فضاعت لذلك الحدود وانهملت به الاحكام، ووقع في الارض الفساد، فكان السبب لذلك فعل الظالمين دون الله عز اسمه، وكانوا المأخوذين بذلك المطالبين به دونه.

    فلو أماته الله تعالى واعدم ذاته، فوقع لذلك الفساد وارتفع بذلك الصلاح، كان سببه فعل الله دون العباد، ولن يجوز من الله تعالى سبب الفساد ولا رفع ما يرفع الصلاح فوضح بذلك الفرق بين موت الامام وغيبته واستتاره وثبوت وسقط ما اعترض المستضعفون فيه من الشبهات والمنّة لله. (الشيخ المفيد/ الفصول العشرة/ ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/ 105 ـ 107).

    16 ـ هادى بودن امام

    گفتند امام مهدى در غيبت چطور وظيفه هدايت را انجام ميدهد؟ جواب ما اينست كه شيطان چطور غائبانه مردم را گمراه ميسازد. يا حضرت خضر عليه السلام چطور تا حالا مردم را هدايت ميكند در حاليكه غائب است. (عبد الكريم مشتاق/ مذهب شيعة حق 3 ص 50).

    17 ـ غيبت

    فعل الحكيم لا يخلو عن الحكمة: ما نمىدانيم كه در طواف كعبه رمى جمرات چه حكمت پوشيده است؟ همچنين در غيبت امام عليه السلام چه حكمت در كار است نميدانيم؟ (عبد الكريم مشتاق/ مذهب شيعة حق3 ص61).

    18 ـ غيبت امام عليه السلام

    1 ـ از سورة قدر معلوم ميشود كه شب قدر ملائكه نازل ميشوند، واين يك حقيقت خيلى پر واضح است كه نزول ملائكه بر حجت خدا ميشود، ودر اين زمان غير از حضرت مهدى عليه السلام كسى حجت خدا نيست.

    2 ـ در غيبت امام مهدى عليه السلام مصالح زياد وجود دارد، اگر چه عقل ما نرسد مثلاً خدا فرموده رمى جمرات خوب در فعل چه مصلحت وجود دارد ما نميدانيم؟

    3 ـ امام صادق فرموده كه خدا بوسيله غيبت ميخواهد امتحان كند كه كيان باطل را مىپرستند وكيان پيروى حق ميكنند.

    4 ـ كليه قاعده داريم. من خاف على نفسه احتاج الى الاستتار.

    5 ـ خيلى از علماى با امام زمان عليه السلام ملاقات وديدار كردند وانكار اين مطلب حماقت را مىطلبد. (عبد الكريم مشتاق ـ شيعه مذهب حق 3 ص 60 ـ 62).

    19 ـ غيبت امام

    ... هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب، مراد از بالغيب امام مهدى هستند. وجعلها كلمته باقية في عقبه، مراد از باقيه باقى بودن امام مهدي است. در نور الابصار آمده ـ كه ليظهره على الدين كله، مربوط به امام زمان عليه السلام است كه وقتى امام بحكم خدا ظهور ميفرمايند بر همه دنيا غلبه پيدا مىكنند. (عبد الكريم مشتاق ـ شيعه مذهب حق3 ص 57 ـ ينابيع المودة مطبوعه بمبىء ص370 مؤلفه مفتي اعظم سليمان بلخي قندوزي).

    20 ـ غيبت امام عليه السلام

    از طرف غير شيعه سؤال ميشود كه امام چطور در غيبت هدايت ميكند؟ ما جواب ميدهيم كه همانطور كه شيطان مردم را گمراه ميكند، چون هدايت ضد ضلالت است، واين مثال از لحاظ علمى هيچ اشكالى ندارد. وما در انبياء عليهم السلام هم مىبينيم كه بعض ها از نگاه مردم پوشيده شدند، حضرت خضر عليه السلام را همه قبول دارند وهدايت كردن ايشان را قبول ميكنند ولى تا الان كسى حضرت خضر را نديده.... (عبد الكريم مشتاق ـ شيعه مذهب حق 3 ـ ص 50).

    21 ـ رفع الخلاف بين الشيعة

    سئل ابن طاووس رحمه الله: اما كان يمكن ان يلقي {الامام} أحداً من شيعته ويزيل الخلاف عنهم في عقائد تتعلّق بدين جدّه وشريعته؟...

    قلت له: أيهما أقدر على إزالة الخلاف بين العباد، وأيما أعظم وأبلغ في الرحمة والعدل والارفاد، أليس الله جل جلاله؟ فقال: بلى، فقلت: فما منع الله ان يزيل الخلاف بين الأمم أجمعين وهو أرحم الراحمين، وهو أقدر على تدبير ذلك بطرق لا يحيط بها علم الآدميين، أفليس أن ذلك لعذر يقتضيه عدله وفضله على اليقين؟ فقال: بلى، فقلت: فعذر نائبه عليه السلام هو عذره على التفصيل، لانه ما يفعل فعلاً الا ما يوافق رضاه على التمام. (ابن طاووس ـ كشف المحجة: 208 فصل: 105).

    22 ـ المهدي:

    أورد صاحب فضائح الروافض ان المهدي لماذا لا يخرج؟ فإن قادة السنة يدافعون عن الاسلام ويقتلون الكفار، والمهدي في السرداب، فايّ حق له على المسلمين؟

    واجابه القزويني... راجع النقض: 343 ـ 346.

    23 ـ الغيبة:

    يقول الميلاني:

    قال علي عليه السلام: (... لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر وما اخذ الله على العلماء... لالقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس اولها....) قال ابن ميثم في شرحه: (أنه عليه السلام ذكر من تلك الاعذار ثلاثة: احدها حضور الحاضرين لمبايعته، والثاني قيام الحجة عليه بوجود الناصر له في طلب الحق لو ترك القيام، الثالث: ما اخذ الله على العلماء من العهد على انكار المنكرات... والغدر أن الاولان هما شرطان في الثالث، إذ لا ينعقد ولا يجب انكار المنكر بدونهما...). (شرح النهج 1: 178 ـ 179).

    إذن ظهور الحجة عليه السلام وإرادته إجراء الأحكام تستلزم حضور الحاضرين لمبايعته ووجود الناصرين له، ولعدم توفرهما لم يظهر ولو ظهر لقتل، ولابتلي بما ابتلى به علي عليه السلام وكذلك الحسن عليه السلام، لأنه يريد اقامة الحكومة العادلة ونفي الظلم والمنكر، وهذا يحتاج الى قوة واستعداد عالمي...(والله العالم).

    24 ـ حكم الجهاد في الغيبة

    ان الجهاد ينقسم من جهة اختلاف متعلقاته خمسة اقسام:

    1 ـ الجهاد لحفظ بيضة الدين اذا أراد اعداء الله مسّها بسوء وهموا بأن يجعلوا كلمتهم أعلا من كلمة الايمان بالله....

    2 ـ الجهاد لدفع العدو عن التسلط على دماء المسلمين بالسفك واعراضهم بالهتك.

    3 ـ الجهاد للدفاع عن طائفة من المسلمين التقت مع طائفة من الكفار فخيفت من استيلائهم عليها.

    4 ـ الجهاد لدفعهم عن ثغور المسلمين وقراهم وأرضهم أو لاخراجهم منها بعد تسلطهم عليها بالجور....

    ويجب الجهاد في هذه الاقسام الاربعة باجماع الشيعة وجوباً كفائياً... ومن قتل في كل من هذه الاقسام الاربعة من المؤمنين فهو من الشهداء... ولا فرق في وجوب الجهاد في كل هذه الاقسام الاربعة بين حضور الامام وغيبته ووجود المجتهد وعدم وجوده...

    5 ـ الخامس من اقسام الجهاد ابتداء الكفار بجهادهم في سبيل دعوتهم الى الايمان بالله عزوجل وغزوهم لاجل ذلك في عقر ديارهم، وهذا المقام عندنا من خواص النبي صلى الله عليه وآله وسلم او الامام النائب عن رسول الله نيابة صحيحة، او المنصوب الخاص من احدهما فلا يتولاه المجتهدون النائبون عن الامام ايام غيبته ولا غيرهم. (ثم ذكر جهاد علماء الشيعة ضد العدو). (شرف الدين ـ اجوبة مسائل موسى جار الله: 62ـ 66).

    25 ـ وجود 313 رجل

    شنّع صاحب فضائح الروافض على الشيعة بأنّه لا يوجد فيهم (313) رجلاً ولد من حلال حتى يظهر المهدي.

    أجاب القزويني: لم تقل الشيعة انّ ظهور المهدي عليه السلام موقوف على هذا العدد، ولم يذكر في ايّ كتاب من كتبهم، بل ورد انه يتفق مع ظهوره عليه السلام تواجد (313) رجلاً معتقداً من انحاء العالم في الكعبة فيعاهدوه، وتكون البيعة الأولى لهم، وهم بعدد أهل بدر، وليس هذا من شروط الظهور ولا ركن من اركانه، وغيابه لمصلحة لا لانتظار هذا العدد، والا ففي العالم كثيرون من شيعته معتقدون به ومنتظرون خروجه ليفدوه بانفسهم واموالهم، وهذا العدد من علامات الظهور لا من شرائطه. (القزويني ـ النقض: 465).

    26 ـ المهدي (عدد 313).

    قالوا: قلتم انصاره ثلاثمائة وثلاثة عشر فلم لا يخرج اليوم وانصاره اكثر؟

    قلنا: علمنا ذلك بالخبر على انّ الكثرة لا تعتبر فان النبي حارب في بدر بذلك العدد، ولم يكن فيهم الا سبعة أسياف والباقي بجريد النخل، ولم يحارب في الحديبية ومع الف وسبعمائة بحسب المصلحة، وصالح الحسن معاوية في الاف، وحارب الحسين في قوم قليلين. (البياضي ـ الصراط المستقيم 2: 223).

    27 ـ عدم الظهور مع كثرة الشيعة واستكمال (313)

    انّ علام الغيوب قد يعلم عدم نصرتهم وإن كثروا، وقد أخّر الله اغراق فرعون وقوم نوح مع امكان تقديمه، ونصر نبيه بالملائكة في بدر مع إمكان تقديمه، ولعلّ نصرته بهم كانت مشروطة باجتماع الانصار من الناس، وتكون نصرة المهدي موقوفة على اجتماع ثلاثمائة وثلاثة عشر من غيرهم لاشتمالهم على صفات تختص بهم، فلا اعتراض للفجار الاشرار على الحكيم المختار. (البياضي ـ الصراط المستقيم 2: 266).

    28 ـ ردّ من قال: لا حاجة الى ظهور الحجة

    ليس لاحد أن يقول: فاذا كنتم معشر القائلين بامامة الحجة حال الغيبة عندكم كحال الظهور في ازاحة العلة في التكليفين عقلاً وسمعاً بل قدر حجتهم الغيبة في بعض المواضع على الظهور، فلا حاجة بكم خاصة الى ظهوره، ولا وجه لتمنيكم ذلك.

    الجواب: لانا وان كانت علتا مزاحة في تكليفنا على ما وضح برهانه، ففي ظهور الحجة على الوجه الذي نص عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوائد كثيرة، وتكاليف تتعيّن بظهوره، ومنافع حاصلة بذلك ليس شيء منها حاصلاً في حال الغيبة، لانه عليه السلام يظهر لزوال دول الظالمين المخيفين لشيعته وذراري آبائه، ورفع جورهم بعدله وإبطال أحكام اهل الضلال بحكم الله، والسيرة بالملة الاسلامية التي لم يحكم بجملتها منذ قبض الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم.

    ومنها الأمر بكل معروف والنهي عن كل منكر وجهاد الكفار، مع سقوط ذلك أجمع عنا في حال الغيبة، وهذه احكام... تتعيّن بظهوره.

    ومنها زوال الخوف عن شيعته وذرّية آبائه وارتفاع التقية وسهولة التكليف الشرعي.

    ومنها براءة الذمم من الحقوق الواجبة له في الاموال المتعذّر ايصالها اليه في الغيبة.

    ومنها ظهور الدعوة الى جملة الحق في المعارف والشرائع بظهوره....

    وهذه فوائد عظيمة لها رغبنا الى الله تعالى في ظهوره لنفوز بها.... (ابو الصلاح ـ تقريب المعارف: 447 ـ 448).

    29 ـ كيفية الجمع بين فقد اللطف بعدم الظهور وثبوت التكليف

    واما فقد اللطف بظهوره متصرفاً، ورهبة لرعيته مع ثبوت التكليف الذي وجوده مرهوباً لطف فيه مع عدمه، فان اختصاص هذا اللطف بفعل المكلف لتمكنه من ازاحة علّة نفسه بمعرفة الحجة المدلول على وجوده وثبوت امامته وفرض طاعته، وما في ذلك من الصلاح وقدرته على الانقياد وحسن تكليفه ما تمكين الامام وارهابه أهل البغي لطف فيه، وان كانا مرتفعين بغيبته الحاصلة عن جناية المكلف عن نفسه، فالتبعة عليه دون مكلّفه سبحانه ودون الحجة الملطوف له بوجوده، وتكليفه لازم له، وان فقد لطفه بالرئاسة لوقوف المصلحة في ذلك على ايثاره معرفة الامام، والانقياد له باختياره دون إلجائه.... (ابو الصلاح ـ تقريب المعارف: 442 ـ 443).

    30 ـ الغيبة

    واعلم يا ولدي محمد ان غيبة مولانا المهدي صلوات الله عليه التي حيرت المخالف وبعض المؤالف هي من جملة الحجج على ثبوت امامته وامامة آبائه الطاهرين صلوات الله عليهم، لانك اذا وقفت على كتب الشيعة أو غيرهم... وجدتها او أكثرها تضمنت قبل ولادته انه يغيب عليه السلام غيبة طويلة حتى يرجع عن امامته بعض من كان يقول بها، فلو لم يغب هذه الغيبة كان ذلك طعناً في امامة آبائه وفيه، فصارت الغيبة حجة لهم عليهم السلام وحجة له على مخالفيه في ثبوت امامته وصحة غيبته، مع أنه عليه السلام حاضر مع الله على اليقين، وانما غاب من لم يلقه عنهم لغيبتهم عمن حضره المتابعة له ولرب العالمين.

    ... فانه موجود حيّ على التحقيق، ومعذور عن كشف أمره الى أن يؤذن له تدبير الله الرحيم الشفيق كما جرت عليه عادة كثير من الأنبياء والأوصياء..... (ابن طاووس ـ كشف المحجة: 104 فصل 77).

    31 ـ لماذا لم يغب سائر الأئمة

    اعترض صاحب فضائح الروافض على الشيعة: بان الائمة في زمن بني امية وبني العباس مع كثرة الظلم لم يغيبوا فلماذا غاب المهدي؟

    اجاب القزويني: كانت المصلحة لهم وللرعية في الظهور، ومصلحة المهدي وهذه الرعية في الغيبة، والله ورسوله والامام أعلم بالمصالح، ولا يحق لاحد الاعتراض... مثلاً نوح عليه السلام مع كثرة الاعداء لم يغب، فان مصلحته كانت في الظهور، وادريس كان غائباً عن الاعداء برهة في الارض وبرهة اخرى في السماء لان المصلحة كانت في غيبته لا ظهوره، وابراهيم كان في البداية غائباً خائفاً، ولموسى غيبة ايضاً في أوّل الامر واوسطه، وامر الله تعالى يحيى وزكريا بالصبر على الضرب والقتل لعدم المصلحة في الغيبة، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم كانت مصلحته في الغيبة فاستتر في الغار... فالله تعالى غير عاجز والأنبياء معصومون لا يخطأون لكن مصلحة كل زمان وكل نبي تختلف... فلابد من قياس امر الأئمة على الانبياء.

    مضافاً الى أن السعيد من وعظ بغيره، ولما رأى المهدي ما فعله بني أمية وبني العباس بآبائه من قتل وسلب ونهب غاب خوفاً من الاعداء.

    ويمكن أن يقال بأن الائمة كان لهم نواباً ذرية بعضها من بعض، والمهدي آخر العترة وحافظ الشريعة ووجوده امان للامة فغاب الى أن يظهر بعد زوال الخوف، كما أن الإجماع والكتاب حجة لخروجه وظهوره. (القزويني، النقض: 472 ـ 474).

    ان قلت: لو كان سبب ستره خوفه لا ستتر آباؤه، قلت: آباؤه خوطبوا بالتقية وخوطب هو بالخروج باالسيف، ومن ثم لم يخافوا كخوفه خصوصاً فيمن عرف من اعدائه انه القائم بأمر ربه دون آبائه وستره لم يخرجه عن امامته كما أن ستر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في شعبه وغاره لم يخرجه عن نبوته. (البياضي، الصراط المستقيم 2: 224).

    32 ـ لماذا لم يستتر الأئمة

    فان قيل: إن كان الخوف احوجه الى الاستتار فقد كان آباؤه عندكم في تقية وخوف من اعدائهم فكيف لم يستتروا؟ قلنا: ما كان على آبائه عليهم السلام خوف من اعدائهم مع لزومهم التقية والعدول عن التظاهر بالامامة ونفيها عن نفوسهم وامام الزمان كان الخوف عليه، لانه يظهر بالسيف ويدعو الى نفسه ويجاهد من خالف عليه، فايّ نسبة بين خوفه من الاعداء وخوف آبائه عليهم السلام منهم لولا قلّة التأمّل؟. (المرتضى ـ المقنع: 54، 55، وانظر الشافي 1: 147 وايضاً 3: 148، 150بتفصيل اكثر، تلخيص الشافي للطوسي 4: 217، والمنقذ للرازي 2: 375، ورسالة في الغيبة للمرتضى (ضمن كلمات المحققين):533).

    اما الفرق بينه وبين آبائه عليهم السلام فواضح، لان خوف من يشار إليه بانه القائم المهدي الذي يظهر بالسيف ويقهر الأعداء ويزيل الدول والممالك لا يكون كخوف غيره ممن يجوز له مع الظهور التقية وملازمة منزله، وليس من تكليفه ولا مما سبق أنه يجري على يده الجهاد واستيصال الظالمين. (المرتضى، تنزيه الانبياء: 234).

    ... والفرق بين استتاره وظهور آبائه انه لم يكن المعلوم من حالهم، انهم يقومون بالامر، ويزيلون الدول ويظهرون بالسيف، ويقومون بالعدل، ويميتون الجور، وصاحب الزمان عليه السلام بالعكس من ذلك، ولهذا يكون مطلوباً مرموقاً والاولون ليسوا كذلك، على أن آبائه عليهم السلام ظهرواً، لانه كان المعلوم انهم لو قتلوا لكان هناك من يقوم مقامهم ويسدّ مسدّهم وليس كذلك صاحب الزمان.... (الطوسي، الاقتصاد: 369، 370).

    وحاله في ذلك { أي الغيبة} يخالف حال آبائه اما لانهم آمنوا على انفسهم وخاف هو، او لانه عليه السلام يلزمه مع العروض مع ظهوره ما لا يلزمهم فيكون الحذر في جانبه اتمّ من غيره وهذا من الممكن. (المحقق الحلي، المسلك: 282).

    33 ـ الغيبة

    إن مسألة الغيبة للامام الثاني عشر عليه السلام مما نص عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة قبل ولادته وغيبته... {ثم ذكر عده احاديث} ثم قال: قال الشيخ الطوسي: ويدل على إمامة ابن الحسن وصحة غيبته ما ظهر واشتهر من الاخبار الشايعة الذايعة عن آبائه قبل هذه الأوقات بزمان طويل من ان لصاحب هذا الامر غيبة وصفة غيبته... موافق ذلك على ما تضمنته الاخبار، ولولا صحتها وصحة امامته لما وافق ذلك. (اثبات الهداة 7: 3 ـ 4) قال المحقق اللاهيجي: ان وجوب غيبة الامام الثاني عشر متواتر عن النبي وكل واحد من الأئمة. (سرمايه ايمان: 146) وقال المحقق القمي: ان كثيراً من جوامع الشيعة الفت قبل ولادة جنابه عليه السلام، فهذه الاخبار مضافاً الى كونها متواترة مفيدة لليقين. (اصول دين: 63) و (الخرازي ـ بداية المعارف 2: 142 ـ 144)

    34 ـ اعدة اللطف وغيبة الامام

    ... إن وجود الانسان الكامل في نظام العالم مما يقتضيه علمه تعالى بالنظام الأحسن ورحمته المطلقة واطلاق كماله ولا مانع منه فيلزم وجوده والالزام الخلف في كونه كمالاً مطلقاً، فوجود الامام الذي هو انسان كامل لطف، وتصرفه وظهوره لطف آخر، فلا يضر فقد لطف من جهة المانع بوجود اللطف من جهة او جهات اخر، لان المفروض عدم وجود مانع من جهة اخرى، هذا مضافاً الى أن ارشاد الامام وتصرفه لا يختص بالانسان بل يعم الجن ايضاً، لانهم مكلفون ومحجوجون بوجوده، على ان بعض الخواص كانوا يسترشدون بارشاده وعناياته في الغيبة الصغرى، بل الكبرى ايضاً كما تشهد له التشرفات المكررة لبعض المكرمين من العباد، هذا مع الغمض عما يتصرف في النفوس من وراء الحجاب.

    قال الحكيم محمد مهدي النراقي: (أن ظهور الامام الثاني عشر ارواحنا فداه وتصرفه فائدة من فوائد وجوده، لان فوائد وجوده كثيرة وان كان غائباً، الاول: انه قد ورد في الحديث القدسي: (كنت كنزاً مخفياً فاحببت...) (مصابيح الانوار 2: 405).

    فيعلم منه ان الباعث على الايجاد هو المعرفة بالله تعالى، فليكن في كل وقت فرد بين آحاد الانسان يعرفه كما هو حقه، ولا تحصل المعرفة كما هو حقه في غير النبي والامام، فلابد من وجود الحجة في الارض حتى تحصل المعرفة به كما هو حقه.

    والثاني: ان مجرد وجوده لطف وفيض في حق الناس ولو لم يكن ظاهراً، لان وجوده باعث نزول البركات والخيرات، ومقتضٍ لدفع البليات والآفات، وسبب لقلة سلطة الشياطين من الجن والانس على البلاد، فان آثار الشيطان كما وصلت الى البشر دائماً، كذلك لزم ان تصل اثار رئيس الموحدين وهو الحجة الالهية اليهم، فوجود الحجة في مقابل الشيطان للمقاومة مع جنوده، فلو لم يكن للامام وجود في الارض صارت سلطة الشيطان ازيد من سلطة الاولياء، فلا يمكن للانسان المقاومة في مقابل جنود الشيطان.

    والثالث: ان غيبة الامام الثاني عشر عليه السلام تكون عن اكثر الناس لا عن جميعهم لوجود جمع يتشرفون بخدمته، ويأخذون جواب الغوامض من المسائل ويهتدون بهدايته وان لم يعرفوه) (انيس الموحدين: 132 ـ 134) انتهى.

    سؤال: ان الامام يجب وجوده لو لم يعم لطف آخر مقامه كعصمة جميع الناس. الجواب: ان المفروض عدم اقامة هذا اللطف والا فلا موجب لبعث الرسل....

    سؤال: ان الامام يجب وجوده فيما اذا علم بخلوّه عن المفسدة، وحيث لا علم به فلا يكون وجود الامام واجباً، ولا فائدة في دعوى عدم العلم بالمفسدة، لأن احتمالها قادح في وجوب نصب الامام. اجاب المحقق الهيدجي: ان الامور المتعلقة بالامام على قسمين: الدنيوية والأخروية، ومن المعلوم ان مفسدة وجود الامام بالنسبة الى الامور الدينية معلومة الانتفاء، فان المفاسد الشرعية في الامور الدينية معلومة شرعاً، ولا يترتب شيء منها على وجود الامام... وحيث كان كل واحد منا مكلفون بترك المفاسد الشرعية، فلا يجوز ان تكون تلك المفاسد معلومة لنا والا لزم التكليف بالمجهول، وايضاً من الواضح ان نصب الامام بالنسبة الى الامور الدنيوية لا مفسدة فيه اذ الامور الدنيوية راجعة الى مصالح العباد ومفاسدهم في حياتهم الدنيوية وحفظ النوع والاخلال به، وهي معلومة لكافة العقلاء، ولا يترتب من وجود الامام شيء من المفاسد فيها، بل العقل جازم بأن لا يمكن سد مفاسد امور المعاش الا بوجود سلطان قاهر عادل، فاذا عرفت ذلك فنقول بطريق الشكل الاول نصب الامام عن الله تعالى لطف خال عن المفاسد، وكل لطف خال عن المفاسد واجب على الله تعالى، فنصب الامام واجب عليه تعالى وهو المطلوب.(سرمايه ايمان: 108، شرح التجريد: 362) و (الخرازي، بداية المعارف 2: 27 ـ 29).

    35 ـ ما هي فائدة المهدي مع غيبته

    قيل: ما فائدته وهو مستور غائب لا ينفع منه احد.

    وفيه اولاً: ان الجهل بفائدة وجوده قبل قيامه بعد ما ثبت إمامته ومهدويته وخروجه في آخر الزمان غير مضر، فانا نجهل فائدة كثير من افعاله تعالى نعم نحن نعلم ان الله حكيم لا يفعل الا لحكمة وغرض، بل لا يفعل الا الأصلح. وثانياً: ان لوجوده عليه السلام وإن لم يكن فائدة من حيث التشريع لكن له فائدة عظيمة من جهة التكوين، فقد روى ابن حجر (الصواعق: 150 ذيل الاية السابعة من الايات الواردة في أهل البيت عليهم السلام): (النجوم امان لاهل السماء وأهل بيتي امان لامتي) و(أهل بيتي امان لاهل الأرض فاذا هلك اهل بيتي جاء أهل الأرض من الآيات ما كانوا يوعدون) (فاذا ذهب النجوم ذهب أهل السماء واذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الارض) و(لا يزال هذا الدين قائماً الى اثنى عشر اميراً من قريش فاذا مضوا ساخت الارض بأهلها)... فهو عليه السلام سبب البركة والنعمة للمؤمنين في دينهم ودنياهم، وفي بعض التوقيعات الواردة من الناحية المقدسة (البحار 52: 92): (وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكلانتفاع بالشمس إذا غيبها عن الابصار السحاب، واني امان لاهل الارض كما أن النجوم امان لاهل السماء).

    نعم ما ذكره بعض افاضل اهل المعقول (نهاية الدراية 2: 159) في مدخلية وجوده عليه السلام في نظام التكوين لا يمكن لنا تصديقه، بل يمكن أن يقال ان بوجوده فائدة تشريعية ايضاً لكن لا بالنسبة الينا، بل بالنسبة الى بقية الكرات حتى من سائر المنظومات الشمسية، واما ما يقال من ان الامام لابد أن يكون سائساً متصرفاً في الامور فهو جزاف، كما يظهر من مراجعة سيرة الانبياء، فمنهم مقتول، ومنهم مغلوب ينتصر الله، ومنهم من فرّ خائفاً يترقب، ومنهم القوم استضعفوه... والله تعالى يقول: (يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول الا كانوا به يستهزؤن). (المحسني، صراط الحق 3: 457 ـ 458).

    36 ـ الغيبة

    {قالوا: هل غاب المهدي؟}

    الجواب: ان النصوص النبوية الشريفة التي رواها حفاظ الحديث... تكرر كلمة الغيبة وفي بعضها (تكون له غيبة وحيرة تضل فيها الامم) (ينابيع المودة: 488).

    (يغيب عن اوليائه غيبة لا يثبت على القول بامامته الا من امتحن الله قلبه للايمان) (ينابيع المودة: 495) (يبعث المهدي بعد اياس وحتى يقول الناس لا مهدي). (الحاوي 2: 152).

    وكلمة الغيبة في الاحاديث لا تعني احياء المهدي بعد موته واعادته الى الدنيا بعد وفاته، وانما هي ناظرة الى اختفائه واحتجاجه، وعدم رؤية الناس له ومشاهدتهم اياه، وهذا هو الذي يتبادر الى كل ذهن عند قراءة تلك الاحاديث والمرور بكلمة الغيبة المتكررة فيها، والحديث الشريف الذي اتفق المسلمون على روايته: (من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية) صريح في ضرورة وجود امام في كل عصر وكل حين، وبعد أن ثبتت ولادة محمد بن الحسن بما لا يقبل الشك تكون كلمة الغيبة وضرورة وجود الامام في كل زمان دليلين جليين على استمرار حياة المهدي طيلة هذه القرون، وعلى رد سائر ما يقال في هذا الصدد من تردد واستبعاد، والقول بوفاة المهدي ـ بالاضافة الى مخالفته لاحاديث الغيبة وحديث استمرار الامامة ـ لم ينص عليه أحد من المؤرخين ولم يرد ذكره في أي كتاب بما فيها كتب المنكرين... ان هذا كله يؤكد ان المهدي حي لم يمت وانه غاب واختفى....(آل ياسين ـ اصول الدين: 412 ـ 415).

    37 ـ الغيبة

    ... انا اذا علمنا امامته لعلمنا بان الزمان لا يخلو من امام، وان الامام لابد من أن يكون مقطوعاً على عصمته من كبائر الذنوب وصغائرها، وان الحق لا يخرج من الأمة، ووجدنا الامة بين قائل يقول: بجواز خلوّ الزمان من امام... وقائل يقول: بامامة من ليس بمقطوع على عصمته، وقائل: يقول بامامة من ثبت هذه الفرقة قد انقرضت... وقائل يقول: بامامة صاحبنا عليه السلام، فيتعين صحة وجوده وامامته، والا ادّى الى أن الحق خارج عن الامة اذا لا قول للامة في هذه المسألة غير ما ذكرناه وذلك باطل بالاتفاق، ثم وجدناه غائباً عن الناس علمنا انه لم يغب مع عصمته وتعين فرض القيام بالامامة فيه الا لسبب اباح له ذلك وإن لم نعلم ذلك السبب مفصلاً كما نقول في خلق الموذيات من الهوام والسباع... وكما نقول في الايات المتشابهات التي تقتضي ظواهرها الجبر والتشبيه... وكذلك القول في الغيبة سواء، فان تشاغلنا بايراد العلة المعينة في غيبته واستتاره في الوجه المخرج له الى الاستتار والغيبة مفصلاً كان ذلك تبرعاً منّا....(الرازي ـ المنقذ 2: 372 ـ 373).

    ... أنّه لما وجب كون الامام معصوماً علمنا ان غيبته طاعة والا لكان عاصياً، ولم يجب علينا ذكر السبب غير أنّا نقول: لا يجوز أن يكون ذلك السبب من الله تعالى لكونه مناقضاً لغرض التكليف، ولا من الامام نفسه لكونه معصوماً، فوجب أن يكون من الامة وهو الخوف الغالب، وعدم التمكين ولا إثم في ذلك....(ابن ميثم، قواعد المرام: 190 ـ 191).

    وغيبة الحجة عليه السلام ليست بقادحة في امامته لثبوتها بالبراهين التي لا شبهة فيها على متأمل....(الديلمي، اعلام الدين: 53).

    38 ـ وجوده وغيبته

    وقد عرفت قيام الأدلة، على إن الزمان لا يخلو من امام، وأنه يجب ان يكون معصوماً، وكل من قال بذلك قال بأن الامام الان هو الذي نشير اليه، وثبت ايضاً من الاخبار المتواترة عن النبي والائمة عليهم السلام ما تتضمن النص على اسمه ونسبه ووجوده، فاغنى ذلك عن التعرض للزيادة في الدلالة.

    ويكفي في الجواب عن سبب الغيبة ان يقال: مع ثبوت عصمته يجب أن نحمل افعاله على الصواب وإن خفي الوجه، فلولا مصلحة مبيحة للاستتار لما استتر....(المحقق الحلي ـ المسلك: 276).

    ... واذا ثبتت إمامته { أي امامة امير المؤمنين} عليه السلام ثبتت امامة أحد عشر من ذريته، لتواتر الاخبار بنص كل واحد منهم على من بعده، وبتواتر الاخبار عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالنص على الأئمة الاثنى عشر عليهم السلام.(المحقق الحلي ـ الرسالة الماتعية: 310).

    ... قد بينا أنه لا يجوز خلوّ الزمان من معصوم، ولا شك في أنه غير ظاهر، فيجب ان يكون مستتراً، ولانا قد بينا بالتواتر النص من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بوجوده وتعيينه وغيبته.... ان استتاره... فيه مصلحة خفية لا نعلمها نحن، اما من خوف على نفسه، أو لأمر آخر غير معلوم لنا على التفصيل.(العلامة الحلي ـ مناهج اليقين: 482).

    الامام الثاني عشر عليه السلام حي موجود من حين ولادته وهي سنة ست وخمسين ومائتين الى آخر زمان التكليف لان كل زمان لابد فيه من امام معصوم....(مقداد السيوري ـ شرح الباب الحادي عشر: 52).

    واعلم أن الامام الثاني عشر اعني... المهدي عليه السلام حي موجود من حين ولادته وهو سنة ست وخمسين وماتين من الهجرة الى آخر زمان التكليف لان الامام لطف، وهو يجب على الله تعالى ما بقي مكلف على وجه الارض، وقد ثبت في الأخبار الصحيحة انه عليه السلام آخر الائمة فيجب بقائه الى آخر زمان التكليف قطعاً.(ابن مخدوم: شرح الباب الحادي عشر: 205).

    قال العلامة الحلي: (ويجب ان يعتقد ان الامام الحجة عليه السلام حي موجود في كل زمان بعد موت ابيه الحسن عليه السلام، لان كل زمان لابد فيه من امام معصوم وغيره ليس بمعصوم بالاجماع، والا لخلا الزمان من امام معصوم، مع أن اللطف واجب على الله تعالى في كل وقت).

    قال المقداد السيوري: لما ثبت أن الامامة لطف، وأن اللطف واجب على الله تعالى، وأن الله تعالى حكيم لا يخل بالواجب، وان الامام يجب ان يكون معصوماً، وان لا معصوم سوى الائمة الاثنى عشر وجب القول بوجود الامام الثاني عشر وهو المهدي عليه السلام وبقاؤه الى منتهى الدنيا، والدليل عليه انه لولا ذلك للزم احد امور ثلاثة:

    اما القول بامامة غيره... او القول بعصمة غيره... او خلو الزمان من الامام، فيلزم ان يكون الله تعالى مخلاً بالواجب... وقد نقل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لو لم يبق من الدنيا يوم أو بعض يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يظهر فيه قائمنا أهل البيت) (سنن أبي داود 4: 106 ح4282، الترمذي 4: 505 ح2230 _ 2231، ابن ماجة 2: 928 ح2779، الجامع الصغير 2: 131)، واما وجوده فقد شاهده جماعة كثيرة في زمان ابيه عليه السلام وبعد موته ايضاً.(المقداد السيوري، الاعتماد: 96 ـ 99).

    39 ـ ما الفرق بين مفهوم الغيبة عند الشيعة وغيرها

    ... الفرق بيننا وبين من ذكر اظهر من الشمس لذا تأمل الانسان بعين الانصاف، وذلك لان كان فرقة من أولئك الفرق يدعون ماعوين وعلم خلافه ضرورة في وقته، ونحن من كان بعد ذلك الوقت فانه ايضاً يعلم خلاف ما يدعونه بالتواتر، اما ضرورة ان كان العلم بمخبر الأخبار عن الوقائع والبلدان ضرورياً، واما علماً لا يتخالجه شك وريب إن لم يكن العلم بمخبر الاخبار المشار اليها ضرورياً، ألا ترى أن السبئيّة يزعمون ان أمير المؤمنين عليه السلام لم يقتل، وكل من كان في ذلك الوقت في المسجد بالقرب منه عاين وشاهد ضربة اللعين ابن ملجم اياه وعلم قتله له ضرورة... وغير السبئية من الفرق المذكورة يدعون حياة قوم علم كل من حضرهم عند وفاتهم موتهم بالضرورة... ومن لم يحضرهم عند وفاتهم فانه علم موتهم بنقل المتواترين اليهم... ثم وقول الكيسانية يبطل من وجه آخر، وهو ادعاؤهم امامة من لم يكن مقطوعاً على عصمته بالاتفاق وليس كذلك ما نقوله... لانا نقول بوجود صاحب الزمان وولادته وخلاف ذلك هو... مما لا يشاهد ولا يعاين، ولا يعلم ضرورة بل ثبوت الولادة مما يشاهد فاما نفيها فليس بمشاهد....(المنقذ، الرازي 2: 395 ـ 396).

    40 ـ المهدي والشريعة

    قال صاحب فضائح الروافض: (تعتقد الشيعة أن الشرع موقوف بالقائم...)، قال القزويني في نقضه: ان الشريعة لم تتوقف على ظهور القائم لانه امام وليس بنبي ولا صاحب كتاب وشريعة....(القزويني، النقض: 275).

    ليست الحاجة الى الامام {المهدي} لبيان الشريعة لانها علمت من الرسول والائمة والكتاب والاجماع ولا خلل فيها... ولو حصل اختلاف بين الفقهاء في مسألة واشتبه الامر عليهم، وجب على الامام اعلامهم والعلم بوجود الامام وتصرفه لطف للمكلفين....(القزويني، النقض: 414).

    وقال صاحب الفضائح ايضاً: (تقول الشيعة ان الشريعة لابد وأن تصل الينا من قبل المعصوم ولا معصوم اليوم سوى صاحب الزمان، فيلزم منه بطلان الاحكام جميعاً وعدم الاعتماد على ايّ خبر لاننا لا نسمعها من المعصوم والناقل لنا يجوز عليه الخطأ...).

    اجاب القزويني: ان الخبر المتواتر عندنا يوجب العلم والعمل، بل جوّز بعض فقهاء الشيعة العمل بالخبر الواحد وان كان المعصوم غائباً، اذا كان الخبر مسنداً الى المعصوم او الرسول فلا حاجة في هذه الموارد الى القائم عليه السلام وشريعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا تتغيّر ولا تتبدل، فلو ظهر الامام نقل لنا ما نقل عن آبائه متواتراً، ولا ضير لو كان الراوي جائز الخطأ ولا يختلّ تواتر الخبر وطريقه.(القزويني، النقض: 573 و575).

    فان حصل بين الوصي المتصل بالنبي المتصل بالله فترة من الزمان الى وصيّ آخر حفظ تلك الوصية الرجال المؤمنون بشريعة ذلك النبي وايمان ذلك الوصي، ولا يزالون ينقلونها سرّاً الى أن يظهرها الله جهراً.(الفيض، علم اليقين 1: 416)

    41 ـ الامام حافظ الشريعة

    ويدل ايضاً على وجوب الإمامة بعد التعبد بالشريعة انه قد ثبت وجوب التعبد بشريعة الاسلام ولزوم العمل بها الى انقطاع التكليف فلابد لها والحال هذه من حافظ، لان ما اقتضى وجوب ادائها ـ وهو تمكين المكلفين من الوصول الى العلم بما كلفوه وازاحة علتهم فيه ـ يقتضي وجوب حفظها، وإذا ثبت انه لابد لها من حافظ فليس إلا الامام المعصوم.

    وانما قلنا ذلك من حيث انه لا يجوز ان تكون محفوظة بالتواتر لانه انما يوجب العلم اذا وقع وحصل، وقد يجوز أن يترك تعمداً أو لشبهة فلا يقع ولا يحصل، على أنه لا يمتنع فيما قد حصل من ذلك أن يضعف دواعي ناقليه فيقلّ نقله ويصير آحاداً، ومع جواز ما ذكرناه لا يمكن ان يكون التواتر حافظاً لجميع الشريعة، على انا اذا اعتبرنا المتواترة بها وجدناه سيراً من كثير، فكيف يصح مع ذلك القول بكون التواتر حافظاً لجملتها؟ وبهذا يبطل ان تكون محفوظة بالكتاب، على انه يحتاج في اكثر ما تضمنه من العبادات والاحكام الى مترجم ومفسر يقطع بقوله على الحق في المراد بذلك. ولا يجوز ان تكون محفوظة بالاجماع لانه كما يجوز ان يقع يجوز أن يرتفع، فمن أين انه لابد من حصوله في كل حكم، على أنّا نعلم بالاختبار انتفاؤه عن اكثر الشريعة ومعظمها، فكيف يكون حافظاً لجملتها؟ على ان العقل يجيز اجماع الامة على الخطأ وليس في السمع ما يؤمن من ذلك... ولا يجوز ان تكون محفوظة بأخبار الاحاد والقياس، لان التعبد لم يرد بالعمل بهما فيها... فلم يبق الا الامام المعصوم على ما قلناه.(ابن زهرة ـ غنية النزوع 2: 151 ـ 152).

    42 ـ الغيبة وبيان الشرع

    ... فاما حال الغيبة فغير مانعة من المعرفة بالشرع ومن حفظه ايضاً... ولم نقل انا نحتاج الى الامام في كل حال لنعرف الشرع بل لنثق بوصوله الينا، ونحن نثق بذلك في حال الغيبة لعلمنا بانه لو اخل الناقلون منه بشيء يلزمنا لظهر الامام وبين بنفسه عنه.

    قال صاحب المغني: (قال شيخنا أبو علي: ان كان الغرض اثبات امام في الزمان وان لم يبلغ ولم يقم بالامور في الامان من انه جبرئيل او بعض الملائكة في السماء ويستغني عن امام في الارض، لان المعنى الذي لاجله يطلب الامام عندكم يقتضي ظهوره، فاذا لم يظهر كان وجوده كعدمه، وكان كونه في الزمان ككون جبرئيل في السماء).

    الجواب: لا شك في ان الغرض ليس هو وجود الامام فقط بل امره ونهيه وتصرفه، لان بهذه الامور ما يكون المكلفون من القبيح ابعد والى فعل الواجب اقرب، غير ان الظالمين منعوه مما هو الغرض واللوم فيه عليهم والله المطالب لهم، ولما كان الغرض لا يتم الا بوجوده اوجده الله تعالى وجعله بحيث لو شاء المكلفون ان يصلوا اليه وينتفعوا به لوصلوا وانتفعوا بان يعدلوا عما اوجب خوفه وتقيته فيقع منه الظهور الذي أوجبه الله تعالى عليه مع التمكن، ولما كان المانع من تصرفه وأمره ونهيه غير مانع من وجوده لم يجب من حيث امتنع عليه التصرف بفعل الظلمة أن يعدمه الله تعالى او ألاّ يوجده في الاصل، ولو فعل ذلك لكان هو المانع حينئذ للمكلفين لطفهم....

    فجميع ما ذكرناه يفرق بين وجود الامام مع الاستتار وبين عدمه بما تقدم يعلم أيضاً الفرق بينه وبين جبرئيل في السماء، لان الامام اذا كان موجوداً مستتراً كانت الحجة لله تعالى على المكلفين به ثابتة، لانهم قادرون على افعال تقتضي ظهوره... وكل هذا غير حاصل في جبرئيل عليه السلام.(المرتضى ـ الشافي 1: 278، 280).

    فاما زمان الغيبة فليس يجب الجهل بمراد الله تعالى كما الزمت، لانا قد علمنا تأويل مشكل الدين ببيان من تقدم من الائمة صلوات الله عليهم الذين لقيتهم الشيعة وأخذت عنهم الشريعة فقد بثوا من ذلك ونشروا ما دعت الحاجة اليه، ونحن آمنون من ان يكون من ذلك شيء لم يتصل بنا هو لكون امام الزمان من وراء الناقلين....(المرتضى، الشافي 1: 307).

    الشرع محفوظ مع الغيبة، لانه لو جرى فيه ما لا يمكن العلم به لفقد ادلته وانسداد الطريق اليه لوجب ظهور الامام لبيانه واستداركه... على أن الذي جوزّناه اخيراً ان جوزونا أن يكون بعض الشريعة لم يصل الينا ويكون عنده عليه السلام فلا يجب اسقاط التكليف عنا من حيث أتينا من قبل نفوسنا لفعلنا ما أوجب استتاره وغيبته....(المرتضى، شرح جمل العلم: 232 ـ 233، وللرازي في المنقذ مناقشة مع المرتضى هنا راجع 2: 377 ـ 380).

    ... واللطف به حاصل وبمكانه ايضاً يثق بوصول جميع الشرع اليه لانه لو لم يصل اليه ذلك لما ساغ له الاستتار الا بسقوط التكليف عنهم، فاذا وجدنا التكليف باقياً والغيبة مستمرة علمنا أن جميع الشرع واصل اليه....(الطوسي ـ الاقتصاد: 369).

    43 ـ حفظ الشريعة في حال الغيبة

    اما حفظه عليه السلام للشريعة وتبليغها في حال الغيبة، فانها لم تحصل له الا بعد تبليغ آبائه جميع الشريعة الى الخلق وابانتهم عن احكامها، وايداع شيعتهم من ذلك ما يزاح به علة كل مكلف وحفظهم عليهم السلام عليهم في حال وجودهم وحفظه هو عليه السلام بعد فقدهم بكونه من وراء الناقلين واحد المجمعين من شيعته وشيعة آبائه، فقام والحال هذه اجماع العلماء من شيعته وتواترهم بالاحكام عن آبائه مع كونه حافظاً من ورائهم مقام مشافهة الحجة، ووجب على كل مكلف العمل بالشريعة الرجوع الى علماء شيعته والناقلين عن آبائه، لكونه أمناً من الخطأ فيما اجمعوا عليه لكون الحجة المأمون واحداً من المجمعين، وفيما تواتروا به عن الصادقين من آبائه لصحة الحكم المعلوم بالتواتر اسناده الى المعصوم في تبليغه المامون في أدائه وقطع على بلوغه جملة من تعبد به من الشريعة لوجود الحجّة المعصوم المنصوب لتبليغ الملّة، وبيان ما لا يعلم الا من جهته، وامساكه عن النكير فيما أجمعوا عليه وفقد فتياه بخلاف له أو زيادة فيه.

    فمن أراد الشريعة في حال الغيبة فالطريق اليها ما ذكرناه والحجة به قائمة، ولا معضل ولا مشكل الاّ وعند العلماء من شيعته منه تواتر، ولهم على الصحيح منه برهان من طلب ذلك ظفر به العلماء من شيعته ومن عدل عنه ورغب عن الحجة مع لزومها له بتخويف شيعته ووضوح الحق على جملة الشريعة وقيام البرهان على جميعها، فالتبعة عليه لتقصيره عما وضح برهان لزومه له والمحنة بينهم وبين منكر ذلك....(ابو الصلاح ـ تقريب المعارف: 444 ـ 445 ونحوه المنقذ للرازي 2: 377 وفيه مناقشة للمرتضى).

    وأورد الرازي نحو هذا الكلام في المنقذ 2: 377، وناقش فيه قول المرتضى رحمه الله في أنّه لا يمتنع ان يكون اموراً كثيرة غير واصلة الينا علمها مودع عند الامام وأن كتمها الناقلون، ولا يلزم من هذا سقوط التكليف عن الخلق لانهم السبب في الغيبة... فراجع.

    44 ـ ايّ حاجة اليه مع تكميل الشريعة

    ... انّا قد بينا قبح التكليف العقلي من دون الرئاسة لكونها لطفاً في فعل الواجب وترك القبيح، وقولنا الان بامكان العلم بالتكليف العقلي في حال الغيبة منفصل من حصول اللطف برئاسة الغائب بغير شبهة على متأمل، ولزوم التكليف به لعدوه ووليه في زمان الغيبة لا يقتضي القدح في وجوب وجوده، لان تقدير عدمه يقتضي سقوط تكليفها او ثبوته من دون اللطف، وكذلك قد بينا ان العلم بوصول المكلف الى جملة التكليف الشرعي لا يمكن مع عدم الحجة المنصوص لحفظه، وإن علم احكاماً كثيرة لتجويزه بقاء اكثر ما كلّفه من الشرعيات لم يصل اليه.... ابو الصلاح ـ تقريب المعارف: 447.

    45 ـ الغيبة وعدم الوجود وكيفية حصول اللطف

    ... ان لطف الرئاسة ذو ثلاث شعب: احدها متعلقة بالله تعالى، وهو خلق الرئيس واكمال شروط تكليف الإمامة فيه وتكليفه الامام، والثانية متعلقة بالرئيس نفسه، وهي الانتصاب للامر وقبول أمانة الله عزوجل فيما كلفه وتحمل اعباء الامامة، والعزم على تنفيذ ما فوّضه الله عزوجل اليه عند التمكن، والثالثة متعلقة بالرعية التي الرئاسة لطف لها، وهي الانقياد للرئيس والنزول تحت تصرفه... فما يتعلق بالله تعالى من هذه الشعب الثلاثة هو الأصل، لأنه ما لم يخلق الله الرئيس ولم يكلفه الرئاسة... لا يصح ولا يتأتى ما يتعلق بالرئيس من الانتصاب للرئاسة وتحمل أعبائها، وما يتعلق بالرئيس أصل ثان فيما يتعلق بالرعية... فجرى لطف الرئاسة وإن كان واحداً مجرى ثلاثة ألطاف بعضها من فعل الله تعالى، وبعضها من فعل الرئيس، وبعضها من فعل الرعية، واذا كان كذلك فكما اذا علم الله تعالى أنّ بعض افعال المكلف لطف له في افعال اُخر... فإنه لا يحسن أن يكلفه الفعل الملطوف فيه الاّ ويكلفه اللطف الذي هو من فعله ومتعلق به من المعارف، والشرعيات كذلك لا يحسن أن يكلفه ما الرئاسة لطف فيه إلا ويكلفه ما به يتم الرئاسة واللطف المتعلق بها من نصرة الرئيس... ولا يحسن ان يكلفه ما أشرنا اليه من نصرة الرئيس وغيرها، والرئيس معدوم لانه تكليف بما لا يطاق، فعند عدم الرئيس لا يخلو من أن يكلفهم ما يتعلق بهم أو لا يكلفهم ذلك إن كلفهم فقد كلفهم ما لا يطيقونه، وذلك قبيح وإن لم يكلفهم ذلك لم يكن قد أزاح علتهم وذلك ايضاً قبيح، وليس كذلك اذا كان الرئيس موجوداً لأنه يحسن مع وجوده أن يكلف الرعيّة ما يتعلق بهم مما لا تتم الرئاسة الا به من حيث أنّ مع وجود الرئيس يتأتى منهم ويصح ما ذكرناه، فاذا لم يفعلوا ما يجب عليهم في ذلك فقد أتوا من قبل نفوسهم في فوات لطفهم بالرئاسة ويكون اللوم راجعاً اليهم لا اليه تعالى، لأنه عزوجل يكون قد أزاح علتهم وجرى ذلك مجرى من كلفه الله سبحانه المعارف فلم يحصلها....(الرازي، المنقذ 2: 254 ـ 256).

    لا يقال: تصرف الإمام إن كان شرطاً في كونه لطفاً وجب على الله تعالى فعله وتمكينه وإلا فلا لطف، لانا نقول: إن تصرفه لابد منه في كونه لطفاً، ولا نسلم انه يجب عليه تعالى تمكينه، لانّ اللطف إنما يجب اذا لم يناف التكليف، وخلق الله تعالى الاعوان للامام ينافي التكليف، وإنما لطف الإمامة يحصل ويتم بامور: منها خلق الإمام وتمكينه بالقدر والعلوم والنص عليه باسمه ونسبه، وهذا يجب عليه تعالى وقد فعله، ومنها تحمله للإمامة وقبوله، وهذا يجب على الامام وقد فعله، ومنها النصرة للإمام والذب عنه وامتثال أوامره وقبول قوله، وهذا يجب على الرعية.(العلامة الحلي، مناهج اليقين: 446).

    46 ـ الفرق بين الغيبة وعدم الوجود

    فان قيل: أي فرق بين وجوده غائباً لا يصل إليه احد ولا ينتفع به بشر وبين عدمه؟ وإلا جاز أن يعدمه الله تعالى حتى اذا علم ان الرعية تمكنه وتسلم له أوجده، كما جاز ان يبيحه الاستتار حتى يعلم منهم التمكين له فيظهره، واذا جاز أن يكون الاستتار سببه أخافة الظالمين فألا جاز ان يكون الإعدام سببه ذلك بعينه؟

    قيل: ما يقطع على أن الامام لا يصل اليه احد ولا يلقاه لان هذا الامر مغيب عنا، وهو موقوف على الشك والتجويز والفرق بعد هذا ـ بين وجوده غائباً من أجل التقية وخوف الضرر من اعدائه، وهو في اثناء ذلك متوقع ان يمكنوه ويزيلوا خيفته فيظهر ويقوم بما فوّض اليه من امورهم وبين ان يعدمه الله تعالى ـ جليّ واضح: لانه اذا كان معدوماً كان ما يفوت العباد من مصالحهم ويعدمونه من مراشدهم ويحرمونه من لطفهم وانتفاعهم به منسوباً اليه تعالى، ومغصوباً لا حجة فيه على العباد ولا لوم يلزمهم ولا ذم، واذا كان موجوداً مستتراً بإخافتهم له كان ما يفوت من المصالح ويرتفع من المنافع منسوباً الى العباد وهم الملومون عليه المؤاخذون به، فاما الاعدام فلا يجوز أن يكون سببه اخافة الظالمين، لانّ العباد قد يلجىء بعضهم بعضاً الى افعاله.

    على أنّ هذا ينقلب عليهم في استتار النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيقال لهم: ايّ فرق بين وجوده مستتراً وبين عدمه؟ فايّ شيء قالوا في ذلك أجبناهم بمثله، وليس لهم أن يفرقوا بين الأمرين بان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما استتر من كل احد وإنما استتر من أعدائه وإمام الزمان عليه السلام مستتر من الجميع، وذلك ان النبي لما استتر في الغار كان مستتراً من أوليائه وأعدائه ولم يكن معه الا ابو بكر وحده، وقد كان يجوز عندنا وعندكم أن يستتر بحيث لا يكون معه احد من وليّ ولا عدو اذا اقتضت المصلحة ذلك، واذا رضوا لانفسهم بهذا الفرق قلنا مثله، لانا قد بينا أن الإمام يجوز أن يلقاه في حال الغيبة جماعة من أوليائه وأن ذلك مما لا يقطع على فقده.(المرتضى، المقنع: 55 ـ 57، نحوه باختصار الشافي 1: 145، وتنزيه الانبياء: 235، رسالة في الغيبة: 533).

    ... ولا يلزم على جواز الغيبة جواز عدمه، لانه لو كان معدوماً لما امكننا طاعته ولا تمكينه فلا يكون علتنا مزاحة، واذا كان موجوداً امكننا ذلك، فاذا لم يظهر تكون الحجة علينا، واذا كان معدوماً تكون الحجة على الله تعالى... فالوجود {الوجوب} أصل لتمكيننا اياه، ولا يمكن حصول الفرع بلا حصول الأصل واولياء الامام ومن يعتقد طاعته فاللطف بمكانه حاصل لهم في كل وقت عند كثير من اصحابنا، لانهم يرتدعون لوجوده من كثير من القبائح، ولانهم لا يأمنون كل ساعة من ظهوره وتمكينه فيخافون تأديبه... بل ربما كانت الغيبة ابلغ لانّ معها يجوز أن يكون حاضراً فيهم مشاهداً لهم....(الطوسي، الاقتصاد: 300، 301).

    تصرف الامام وامره ونهيه متى ارتفع لا يلزم على ذلك سقوط التكليف، لانه انما ارتفع لعلة ترجع الى المكلفين، وهم قادرون على ازاحتها، وهي اخافتهم وظلمهم اياه وتغلبهم على موضعه... وليس كذلك وجوده لأنه متى لم يكن موجوداً لم يتمكنوا من ايجاده ولم يقدروا على تحصيله يكونوا قد أتوا في لطفهم من قبل الله تعالى....(الطوسي، تلخيص الشافي 1: 80).

    إن الفرق بين عدمه وغيبته ظاهر لوجود اللطف في غيبته دون عدمه.(ابن ميثم، قواعد المرام: 191).

    47 ـ الفرق بين الغيبة والانعدام

    ان قيل: ايّ فرق بين الغيبة وبين عدم وجود الامام؟

    قلنا: ان المقصود بهذا السؤال الزامنا تجويز كون امام زماننا هذا معدوماً بدلاً من كونه غائباً وهذا غير لازم لانه ينتفع به في حال غيبته جميع شيعته والقائلين بامامته وينزجرون بمكانه وهيبته من القبائح، فهو لطف لهم في حال الغيبة كما يكون لطفاً في حال الظهور... وهم ايضاً منتفعون به من وجه آخر لانه يحفظ عليهم الشرع وبمكانه يتقون، بأنه لم يكتم من الشرع ما لم يصل اليهم واذا كان معدوماً فات هذا كله، وهذه الجملة تفسد مقصود المخالفين في هذا السؤال لكنا نجيب عنه على كل حال اذا بني على التقدير، وقيل: اجيزوا في زمان غير هذا الزمان ان يعدم الامام اذا لم يكن من الظهور والتدبير، ونفرض ان احداً لم يقر بامامته فينتفع به وإن كان غير ظاهر الشخص له فنقول: انتفاع الأمة من الامام لا يتم الا بامور من فعله تعالى فعليه ان يفعلها وامور من جهة الامام عليه السلام فلابد ايضاً من حصولها وامور من جهتنا فيجب على الله تعالى ان يكلفنا فعلها ويجب علينا الطاعة فيها.

    والذي من فعله تعالى هو ايجاد الامام وتمكينه بالقدر والالات والعلوم من القيام بما فوّض اليه والنص على عينه والزامه القيام بأمر الامة، وما يرجع الى الامام فهو قبول هذا التكليف وتوطينه نفسه على القيام به، وما يرجع الى الامة هو تمكين الامام من تدبيرهم ورفع الحوائل والموانع من ذلك ثم طاعته والانقياد له او التصرف على تدبيره، فما يرجع الى الله تعالى هو الاصل والقاعدة فلا تقدمه وتمهده وتتلوه ما يرجع الى الامام وتتلوا الامرين ما يرجع الى الامة، فمتى لم يتقدم الاصلان الراجعان الى الله والى الامام نفسه لم يجب على الامة ما قلنا انه يجب عليهم ما هو فرع الاصلين ليس يخرج ما ذكرناه، وقلنا انه اصل في هذا الباب وواجب فعله من كونه اصلاً، ومن وجوب التقديم اخلال الامة بما يجب عليها والعلم بانها تطيع او تعصى فيجب على كل حال ان يكون الامام موجوداً مزاح العلة في القدر والعلوم وما جرى مجراها... على أن الامام بهذا الفرض الذي فرضوه وإن كان معدوماً في حكم الوجود، لانه تعالى اذا أعلم الامة ودلها على أنه يوجد الامام لا محالة متى مكنوه وازالوا خوفه وإن كانوا مكلفين بالشريعة ثم انطوى عنهم منها شيئاً وجده في الحال ليتزحم عنه فالامام كالموجود بل مع هذه العناية منه تعالى والتقدير المفروض الامام هو...(المرتضى، الذخيرة: 419 ـ 420، عنه تلخيص الشافي للطوسي 1: 96ـ 97).

    48 ـ عدم سقوط التكليف في الغيبة

    ... لا يلزم اذا كان الامام غائباً ان يسقط التكليف عنّا، لانّا اتينا من قبل نفوسنا بأن أخفناه وأحوجناه الى الاستتار ولو اطعناه ومكناه لظهر وتصرف فحصل اللطف، وكل من لم يظهر له الامام فلابد ان تكون العلة ترجع اليه، لأنه لو رجع إلى غيره لأسقط الله تكليفه، وفي بقاء التكليف عليه دليل على أن الله تعالى ازاح علته وبين له ما هو لطف له فعل هو أم لم يفعل، كما نقول ان الصلاة لطف لكل مكلف فمن لم يصل لم يجب سقوط تكليفه، لانه اتى من قبل نفسه وكذلك ها هنا.(الشيخ الطوسي ـ الاقتصاد: 300، وتلخيص الشافي 1: 80).

    ... وإن من اصحابنا من قال: أنه لا يلزم اسقاط التكليف عن الشيعة لان لطفهم حاصل بالامام وإن كان غائباً، ألا ترى انهم اذا اعتقدوا إمامته واعتقدوا أنهم لا حال من الاحوال الا ويجوز أن يظهر ويتمكن من التصرف... فهم يخافون تأديبه وردعه وإن كان غائباً....(الطوسي ـ تلخيص الشافي 7: 93).

    49 ـ الغيبة (كيفية اقامة الحدود)

    فان قيل: فالحدود في حال الغيبة ما حكمها؟ فان سقطت عن فاعلي ما يوجبها فهذا اعتراف بنسخ الشريعة، وإن كانت ثابتة فمن يقيمها مع الغيبة؟

    قلنا: الحدود المستحقة ثابتة في جنوب الجناة بما يوجبها من الافعال، فان ظهر الامام والمستحق لهذه الحدود باق أقامها عليه بالبينة او الاقرار، وإن فات ذلك بموته كان الاثم في تفويت اقامتها على من اخاف الامام وألجأه الى الغيبة، وليس هذا بنسخ لاقامة الحدود، لان الحد أنّما تجب اقامته مع التمكن وزوال الموانع ويسقط مع الحيولة، وانما يكون ذلك نسخاً لو سقط فرض اقامة الحد مع التمكن وزوال الاسباب المانعة من اقامته.

    ثم يقلب هذا عليهم فيقال لهم: كيف قولكم في الحدود التي تستحقها الجناة في الاحوال التي لا يتمكن فيها أهل الحل والعقد من اختيار الامام ونصبه، فايّ شيء قالوه في ذلك قيل لهم مثله.(المرتضى، المقنع: 58، نحوه الشافي 1: 280، نحوه باختصار شرح جمل العلم للمرتضى: 231، وتنزيه الانبياء: 236. والطوسي، تلخيص الشافي 4: 218، والمنقذ للرازي 2: 376، ورسالة في الغيبة للمرتضى: 533).

    ... والتمسك بانّ الحدود زمان الغيبة، اما أن لا تسقط فتحتاج الى ظهوره او تسقط وهو نسخ للشريعة باطل، لانّ الحدود ثابتة في جنوب مستحقيها، فان ادركهم ظهوره استوفاها والا فأمرهم الى الله واثمهم على المخيف له.(ابراهيم بن نوبخت، الياقوت: 78، 79).

    فامّا ما شرط القيام من الشرعيات وجوده كالحدود وغيرها من الاحكام فانها لا تسقط لغيبته، بل تكون باقية في جنب من استحقت عليه، فان ظهر والحق عليه باق استوفاه، والا كان اللوم على من كان سبب خوفه.(المحقق الحلي، المسلك: 283).

    ... وما يستلزمه من تعطيل الحدود والاحكام عليهم {أي على الامة المسببة للغيبة}....(ابن ميثم، قواعد المرام: 191).

    ... مع أنّ ما في الغيبة من الخيرات والحكم ـ من تضاعف مثوبات المؤمنين بها المصدقين بوجود الامام في اعمالهم الصالحات ـ ما يسهل معها فوات اقامة الحدود ونحوها.(الفيض، علم اليقين 1: 376).

    50 ـ ايصال الحقوق اليه

    قالوا: كيف يمكن الغاصب التوبة وهي بتسليم حقه اليه مع غيبته؟

    قلنا: يكفيه خروج الغصب من يده والوصاءة لكل احد به وشهرة أمره.(البياضي، الصراط المستقيم 2: 223).

    51 ـ كيفية احقاق الحقوق وارشاد الضال في الغيبة

    واما تنفيذه عليه السلام الاحكام وردع الجناة باليد العالية واقامة الحدود وجهاد الاعداء فساقط {عنه} عليه السلام لتقيته وقصور يده باخافة الظالمين له واعوانهم، ولا تبعة عليه في شيء من ذلك لوقوف فرضه على التمكن منه باتفاق، بل التبعة فيه على مخيفه ومسبب ضعفه عن القيام... واما ارشاد الضال عن الحق اليه فالادلة على التكليف العقلي ثابتة والتخويف من ترك النظر فيها حاصل، والبراهين على الحق من التكليف الشرعي قائمة، والتخويف من الاعراض ثابت ظاهر وان كان الحجة غائباً.

    فمن ضل عن تكليف عقلي أو شرعي والحال هذه اُتي من قبل نفسه ولم يجب على الامام ارشاده لكونه قادراً على النظر في ادلة المعارف ومستطيعاً لتأمل فتيا الشيعة، وما يستند اليه من وجود الحجة المعصوم من ورائهم وفرض النظر في ذلك مضيق عليه بالتخويف الشديد من تركه، فلو فعل كل مكلف ما يجب عليه منه لعلم ما يلزم من تكليفه عقلاً وسمعاً، ولما لم يفعل فالحجة لازمة له، ولا عذر له في تقصيره عمّا يجب عليه علمه وعمله وان كان الامام غائباً.

    واما حقوق الاموال الواجب حملها اليه ففرض قبضها وتصرفها في وجوهها موقوف على تمكنه عليه السلام من ذلك ومع عدم التمكين له التبعة على مسبب هذا المنع ولا تبعة عليه....(ابو الصلاح، تقريب المعارف: 445، 447).

    ... والحدود المستحقة في حال الغيبة في جور أصحابها والذم لاحق بمن أحوج الامام الى الغيبة....(الطوسي، الاقتصاد: 371).

    52 ـ الغيبة (كيفية اصابة الحق)

    فان قيل: كيف السبيل مع غيبة الامام الى اصابة الحق؟ فإن قلتم: لا سبيل اليه فقد جعلتم الناس في حيرة وضلالة وريب في سائر امورهم، وان قلتم: يصاب الحق بادلته قيل لكم: هذا تصريح بالاستغناء عن الامام بهذه الادلة ورجوع الى الحق.

    قلنا: الحق على ضربين: عقلي وسمعي، فالعقلي يصاب بأدلته ويدرك بالنظر فيها والسمعي عليه ادلة منصوبة من اقوال النبي عليه السلام ونصوصه وأقوال الأئمة من ولده عليهم السلام، وقد بينوا ذلك وأوضحوه ولم يتركوا منه شيئاً لا دليل عليه، غير ان هذا وان كان على ما قلناه فالحاجة الى الامام ثابتة لازمة، لان جهة الحاجة اليه المستمرة في كل زمان، وعلى كل وجه هي كونه لطفاً لنا في فعل الواجب وتجنب القبيح وهذا مما لا يغني عنه شيء ولا يقوم مقامه فيه غيره، فاما الحاجة اليه المتعقلة بالسمع والشرع فهي ايضاً ظاهرة، لان النقل وان كان وارداً عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعن آباء الامام عليهم السلام بجميع ما يحتاج اليه في الشريعة فجائز على الناقلين أن يعدلوا عن النقل اما اعتماداً او اشتباهاً فينقطع النقل او يبقى فيمن ليس نقله حجة، فيحتاج حينئذ الى الامام ليكشف ذلك ويوضحه ويبين موضع التقصير فيه، فقد بان ان الحاجة ثابتة على كل حال وإن امكنت اصابة الحق بأدلته.

    فان قيل: أرأيتم ان كتم الناقلون بعض مهمّ الشريعة واحتيج الى بيان الامام ولم يعلم الحق الا من جهته وكان خوفه القتل من اعدائه مستمراً كيف يكون الحال؟ فأنتم بين ان تقولوا: انه يظهر وإن خاف القتل فيجب على هذا أن يكون خوف القتل غير مبيح للغيبة ويجب ظهوره على كل حال، أو تقولوا: لا يظهر ويسقط التكليف في ذلك الشيء المكتوم عن الأمّة فتخرجوا بذلك من الاجماع لان الاجماع منعقد، على ان كل شيء شرعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأوضحه فهو لازم للأمة الى ان تقوم الساعة، وان قلتم: ان التكليف لا يسقط صرحتم بتكليف ما لا يطاق وايجاب العلم بما لا طريق اليه.

    قلنا: قد أجبنا عن هذا السؤال وفرعناه... في الشافي وجملته ان الله تعالى لو علم أنّ النقل لبعض الشريعة المفروضة ينقطع في حال تكون تقية الامام فيها مستمرة وخوفه من الاعداء باقياً لاسقط ذلك التكليف عمن لا طريق له اليه، واذا علمنا بالاجماع الذي لا شبهة فيه أن تكليف الشرائع مستمر ثابت على جميع الامة الى أن تقوم الساعة ينتج لنا هذا العلم انه لو اتفق ان ينقطع النقل بشيء من الشرائع لما كان ذلك الا في حال يتمكن فيها الامام من الظهور والبروز والاعلام والانذار.(المرتضى، المقنع: 59، 61، نحوه تنزيه الانبياء: 236، 237، والطوسي، تلخيص الشافي 4: 218).

    53 ـ عدم الحاجة اليه عند اصابة الحق

    ان قيل: فحال غيبته إن أمكن الوصول الى الحق بغيره استغنى عنه وإن امتنع كان الناس في حيرة لاجله.

    قلنا: النظر كاف في العقليات، والاصول المتواترة والقواعد التي ألقوها الى الناس كافية في السمعيات، فاذا انقطعت فان ظهر فلا كلام والا كان اللوم على من أخاف الامام، على انّا اذا علمنا امامته من الايات والروايات لم تقدح فيها هذه الايهامات الواهيات.(البياضي، الصراط المستقيم 2: 244).

    54 ـ امكان استخلاف الامام لغيره في الغيبة والظهور

    فاما ما مضى في السؤال من ان الامام اذا كان ظاهراً متميزاً وغاب عن بلد فلن يغيب عنه الا بعد أن يستخلف عليه من يرهب كرهبته؟ فقد ثبت ان التجويز في حال الغيبة لان يكون قريب الدار منا مخالطاً لنا كاف في قيام الهيبة وتمام الرهبة.

    لكننا ننزل على هذا الحكم فنقول: ومن الذي يمنع من قال بغيبة الامام من مثل ذلك، فنقول: ان الامام لا يبعد في اطراف الارض الا بعد أن يستخلف من اصحابه واعوانه فلابد من ان يكون له، وفي صحبته اعوان واصحاب على كل بلد يبعد عنه من يقوم مقامه في مراعاة ما يجري من شيعته فان جرى ما يوجب تقويماً ويقتضي تأديباً تولاه هذا المستخلف كما يتولاه الامام بنفسه.

    فاذا قيل: وكيف يطاع هذا المستخلف ومن أين يعلم الولي الذي يريد تأديبه أنه خليفة الامام؟

    قلنا: بمعجز يظهره الله تعالى على يده، فالمعجزات على مذاهبنا تظهر على ايدي الصالحين فضلاً عمن يستخلفه الامام ويقيمه مقامه.

    فان قيل: انما يرهب خليفة الامام مع بعد الامام اذا عرفناه وميزناه.

    قيل: قد مضى من هذا الزمان ما فيه كفاية، واذا كنا نقطع على وجود الامام في الزمان والمراعاة لامورنا فحاله عندنا منقسمة الى امرين لا ثالث لهما: اما أن يكون معنا في بلد واحد فيراعي امورنا بنفسه ولا يحتاج الى غيره، أو بعيداً عنا فليس يجوز مع حكمته ان يبعد الا بعد أن يستخلف من يقوم مقامه كما يجب أن يفعل لو كان ظاهر العين متميّز الشخص، وهذه غاية لا شبهة بعدها.(المرتضى: 81، 82).

    55 ـ الفرق بين الغيبة والظهور في الانتفاع بالامام

    فان قيل: هذا {أي امكان استخلاف الامام لغيره في الغيبة والظهور} تصريح منكم بانّ ظهور الامام كاستتاره في الانتفاع به والخوف منه ونيل المصالح من جهته وفي ذلك ما تعلمون.

    قلنا: انا لا نقول ان ظهوره في المرافق ـ به ـ والمنافع كاستتاره، وكيف نقول ذلك وفي ظهوره وانبساط يده وقوّة سلطانه انتفاع الولي والعدو والمحب والمبغض؟ وليس ينتفع به في حال الغيبة ـ الانتفاع الذي اشرنا اليه ـ الا وليه دون عدوه، وفي ظهوره وانبساطه ايضاً منافع جمة لأوليائه وغيرهم لانه يحمي بيضتهم ويسد ثغورهم ويؤمن سبلهم فيتمكنون من التجارات والمكاسب والمغانم ويمنع من ظلم غيرهم فتتوفر اموالهم وتدر معايشهم إلى أن هذهِ منافع دنياوية لا يجب ـ اذا فاتت بالغيبة ـ أن يسقط التكليف معها والمنافع الدينية الواجبة في كل حال بالامامة قد بينا انها ثابتة مع الغيبة فلا يجب سقوط التكليف لها.

    ولو قلنا وان كان ذلك ليس بواجب: ان انتفاعهم به على سبيل اللطف في فعل الواجب والامتناع من القبيح ـ وقد بينا ثبوته في حال الغيبة ـ يكون اقوى في حال الظهور للكل وانبساط اليد في الجميع لجاز، لان اعتراض ما يفوت قوة اللطف مع ثبوت اصله لا يمنع من الانتفاع به على الوجه الذي هو لطف فيه ولا يوجب سقوط التكليف.

    فان قيل: ألا جوّزتم أن يكون اولياؤه غير منتفعين به في حال الغيبة، الاّ انّ الله تعالى يفعل لهم من اللطف في هذه الاحوال ما يقوم في تكليفهم مقام الانتفاع بالامام كما قاله جماعة من الشيوخ في اقامة الحدود اذا فاتت فان الله تعالى يفعل ما يقوم مقامها في التكليف.

    قلنا: قد بينا ان اولياء الامام ينتفعون به في احوال الغيبة على وجه لا مجال للريب عليه وبهذا القدر يسقط السؤال، ثم يبطل من وجه آخر، وهو أنّ تدبير الامام وتصرفه واللطف لرعيته به مما لا يقوم عندنا شيء من الامور مقامه، لولا انّ الامر على ذلك لما وجبت الامامة على كل حال وفي كل مكلف، ولكان تجويزنا قيام غيرها مقامها في اللطف يمنع من القطع على وجوبها في كل الازمان، وهذا السؤال طعن في وجوب الامامة فكيف نتقبله ونسأل عنه في علة الغيبة؟ وليس كذلك الحدود لانها اذا كانت لطفاً ولم يمنع دليل عقلي ولا سمعي من جواز نظير لها وقائم في اللطف مقامها جاز ان يقال: ان الله تعالى يفعل عند فوتها ما يقوم مقامها وهذا على ما بيناه فلا يتأتى في الامامة.(المرتضى، المقنع: 82، 84).

    56 ـ المهدي

    قال القاضي: (... فيجب على زعمكم اذا لم يظهر الامام حتى يزول النقص به أن يكون الحال فيه كالحال ولا حجة في الزمان لان النقص لا يزول بوجود الامام وانما يزول بما يظهر منه ويعلم من قبله، وهذا يوجب عليهم في هذا الزمان، وفي كثير من الازمنة ان يكون المكلف معذوراً والتكليف ساقطاً....) (المغني 20 ق1 / 58).

    فيقال له: ليس يجب اذا لم يظهر الامام ففات النفع به يكون الحال عند عدم ظهوره كالحال عند عدم عينه، لانّه اذا لم يظهر لاخافة الظالمين له، ولانهم احوجوه الى الغيبة والاستتار كانت الحجة في فوت المصلحة به عليهم، فكانوا هم المانعين انفسهم من الانتفاع به، واذا عدمت عين الامام ففات المكلفين الانتفاع به كانت الحجة في ذلك على من فوتهم النفع به وهو القديم تعالى، واذا وجب ازاحة علل المكلفين عليه تعالى علمنا انه لابد من أن يوجد امام ويأمر بطاعته والانقياد له سواء علم وقوع الطاعة من المكلفين او علم أنهم يخيفونه ويلجئونه الى الغيبة، وهذا بخلاف ما ظنه من كون المكلفين معذورين او سقوط التكليف عنهم.

    فان قال: ان كان المكلفون غير معذورين وقد اخافوا الامام على دعواكم وأحوجوه الى السكوت بحيث لا ينتفعون به ولا يصلون الى مصالحهم من جهته، فيجب أن يسقط عنهم التكليف الذي أمر الامام به ونهيه وتصرفه لطف فيه لانهم ما فعلوه، وقد منعوا من هذا اللطف وجروا في هذا الوجه مجري من قطع رجل نفسه في أن تكليفه بالصلاة قائماً لا يلزمه ويجب سقوطه عنه، ولا يفرق في سقوط التكليف حال قطعه لرجل نفسه وقطع الله تعالى لها.

    قيل له: ليس يشبه حال المكلفين المانعين للامام من الظهور والقيام بأمر الامامة بحال القاطع لرجل نفسه في سقوط تكليف الصلاة مع القيام عنه بأنّ من قطع رجل نفسه قد أخرج نفسه عن التمكن من الصلاة قائماً، لانه لا وصول الى هذه الصلاة بشيء من افعاله ومقدوراته، وليس كذلك حال الظالمين والمخيفين للامام، لانهم قادرون ومتمكنون من ازالة اخافته وما أحوجه الى الغيبة، ويجرون في هذا الوجه مجرى من شد رجل نفسه في أن تكليفه للصلاة قائماً لا يسقط عنه، وإن كان في حال شدها غير متمكن من الصلاة، لانه قادر على ازالة الشد فيصح منه فعل الصلاة.(المرتضى، الشافي 1: 144، 146).

    57 ـ الفرق بين استتار النبي واستتار الامام

    فان قيل: النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما استتر عن قومه الا بعد ادائه اليهم ما وجب اداؤه ولم تتعلق بهم اليه حاجة، وقولكم في الامام بخلاف ذلك، ولانّ استتاره صلى الله عليه وآله وسلم ما تطاول ولا تمادي، واستتار امامكم قد مضت عليه العصور وانقضت دونه الدهور.

    قلنا: ليس الامر على ما ذكرتم، لان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنما استتر في الشعب والغار بمكة وقبل الهجرة وما كان أدى جميع الشريعة، فان اكثر الاحكام ومعظم القرآن نزل بالمدينة، فكيف ادعيتم انه كان بعد الاداء؟ ولو كان الامر على ما زعمتم من تكامل الاداء قبل الاستتار لما كان ذلك رافعاً للحاجة الى تدبيره عليه السلام وسياسته وامره في امته ونهيه، ومن هذا الذي يقول: ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد اداء الشرع غير محتاج اليه ولا مفتقر الى تدبيره الا معاند مكابر؟ واذا جاز استتاره عليه السلام مع تعلق الحاجة اليه لخوف الضرر وكانت التبعة في ذلك لازمة لمخيفيه ومحوجيه الى التغيب سقطت عنه اللائمة، وتوجهت الى من احوجه الى الاستتار وألجأه الى التغيب، وكذلك القول في غيبة امام الزمان عليه السلام.

    فاما التفرقة بطول الغيبة وقصرها فغير صحيحة، لانه لا فرق في ذلك بين القصير المنقطع وبين الممتد المتمادي، لانه اذا لم يكن في الائمة على المستتر اذا أحوج اليه جاز أن يتطاول سبب الاستتار كما جاز أن يقصر.(المرتضى، المقنع: 53، 54، تلخيص الشافي للطوسي 4: 216، ونحوه المنقذ للرازي 2: 374 ـ 375، ورسالة في الغيبة للمرتضى ايضاً (كلمات المحققين: 532)).

    وليس لهم ان يقولوا: ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما استتر من كل احد وانما استتر من أعدائه وامام الزمان مستتر عن الجميع، لانا قد بينا انا لا نقطع على أنه مستتر عن جميع اوليائه والتجويز في هذا الباب كاف، على ان النبي لما استتر في الغار كان مستتراً من اوليائه واعدائه ولم يكن معه الا ابي بكر وحده، وقد كان يجوز أن يستتر بحيث لا يكون معه أحد من ولي ولا عدو اذا اقتضت المصلحة.(الطوسي، تلخيص الشافي 4: 217).

    لا يقال: النبي عليه السلام استتر يسيراً وليس كذلك حال غيبة امامكم، لانا نقول: التفاوت غير مؤثر في واحد من الحالين اذ تفوت مصالح دينية فاذا جاز تفويت المصالح مع الخوف وقصر المدة جاز مع تطاولها.(المحقق الحلي، المسلك: 282).

    ان قيل: انما استتر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد أداء ما وجب عليه فلا ضرورة حينئذٍ اليه، قلنا: ومن الذي يسوغ استغناء، الأمة عن النبي حال ستره، واكثر الاحكام انما ظهرت بعد خروجه عن غاره.

    قالوا: غيبة النبي قصيرة غير ضائرة وغيبة مهديكم طويلة وهي ضائرة، قلنا: لا فرق بين طول الغيبة وقصرها اذا استمر سببها.(البياضي، الصراط المستقيم 2: 244).

    على أن جميع ما يسألون عنه في استتار صاحب الزمان عليه السلام ينقلب عليهم في استتار النبي صلى الله عليه وآله وسلم فانه استتر في الشعب تارة وفي الغار اخرى، فمهما اجابوا عن ذلك قوبلوا بمثله، وليس لهم أن يفرقوا بين الامرين بان استتار النبي كان مدة يسيرة، وكان بعد اداء الشرع وارتفاع الحاجة اليه فيه، ولم يكن من كل احد، وانما كان من الاعداء خاصة، وليس كذلك استتار الامام، لان الاستتار اذا جاز لعلة فلا فرق بين طول المدة وقصرها وجاز دوام الاستتار لدوام العلة، لان المراعي ثبوت العلة وزوالها على أن الاستتار في الشعب قد دام ثلاث سنين على ما نقله الرواة، وقولهم: ان استتاره كان بعد اداء الشرع باطل، لان ذلك انما كان بمكة وقبل الهجرة، ومعظم القرآن والشرع نزل بالمدينة على أن مع تسليم ذلك يلزمهم السؤال، لان في ظهوره وامره ونهيه وتصرفه لطفاً ومصلحة للمكلفين بلا شبهة، فكيف جاز استتاره مع تعلق الحاجة به؟ وجوابهم عن ذلك هو جوابنا في استتار صاحب الزمان بعينه، وقولهم: استتار النبي لم يكن عن اوليائه غير صحيح، لان استتاره في الغار كان عن اوليائه واعدائه ولم يكن معه سوى ابو بكر، على انّه قد كان يجوز بلا خلاف أن يستتر عن كل احد اذا اقتضت المصلحة ذلك.(ابن زهرة ـ غنية النزوع 2: 219 ـ 220).

    58 ـ علمه بما يجري واقامة الحدود وبقاء اللطف

    فان قيل: ومن اين يعلم الامام في حال الغيبة والاستتار بوقوع القبائح من شيعته حتى يخافوا تأديبه عليها، وهو في حال الغيبة ممن لا يقر عنده مقر ولا يشهد لديه شاهد وهل هذا الا تعليل باطل؟

    قلنا: ما المتعلل بالباطل الا من لا ينصف نفسه... فاما معرفة الامام بوقوع القبائح من بعض اوليائه فقد يكون من كل الوجوه التي يعلم منها وقوع ذلك منهم وهو ظاهر نافذ الامر باسط اليد، فمنها انه قد يجوز أن يشاهد ذلك فيعرفه بنفسه، وحال الظهور في هذا الوجه كحال الغيبة بل حال الغيبة أقوى، لانّ الامام اذا لم تعرف عينه ويميز شخصه كان التحرز من مشاهدته لنا على بعض القبيح أضيق وأبعد، ومع المعرفة له بعينه يكون التحرز اوسع وأسهل ومعلوم لكل عاقل الفرق بين الامرين، لانا اذا لم نعرفه جوزنا في كل من نراه ولا نعرف نسبه انه هو حتى انّا لا نأمن ان يكون بعض جيراننا واضيافنا او الداخلين والخارجين الينا وكل ذلك مرتفع مع المعرفة والتمييز، واذا شاهد الامام منّا قبيحاً يوجب تأديباً وتقويماً ادّب عليه وقوم ولم يحتج الى اقرار وبينة لانهما يقتضيان غلبة الظن والعلم أقوى من الظن.

    ومن الوجوه ايضاً: البينة، والغيبة ايضاً لا تمنع من استماعها والعمل بها لانه يجوز ان يظهر على بعض الفواحش من أحد شيعته العدد الذي تقوم به الشهادة عليها ويكون هؤلاء العدد ممن يلقى الامام ويظهر له، فقد قلنا: انا لا نمنع من ذلك وان كنا لا نوجبه، فاذا شهدوا عنده بها ورأى اقامة حدّها تولاه بنفسه او بأعوانه، فلا مانع له من ذلك ولا وجه يوجب تعذره.

    فان قيل: ربما لم يكن من شاهد هذه الفاحشة ممن يلقى الامام فلا يقدر على اقامة الشهادة؟ قلنا: نحن في بيان الطرق الممكنة المقدّرة في هذا الباب لا في وجوب حصولها، واذا كان ما ذكرناه ممكناً فقد وجب الخوف والتحرز وتم اللطف، على ان هذا بعينه قائم مع ظهور الإمام وتمكنه، لأن الفاحشة يجوز أولاً أن يشاهدها من يشهد بها ثم يجوز أن يشاهدها من لا عدالة له فلا يشهد وإن شهد لم تقبل شهادته، وإن شاهدها من العدول من تقبل مثل شهادته يجوز أن لا يختار الشهادة... ومع ذلك كله فالرهبة قائمة والحذر ثابت ويكفي التجويز دون القطع. فاما الإقرار فيمكن أيضاً مع الغيبة، لان بعض الاولياء الذين ربما ظهر لهم الإمام قد يجوز أن يواقع فاحشة فيتوب منها، ويؤثر التطهير له بالحد الواجب فيها فيقرّ بها عنده، فقد صارت الوجوه التي تكون مع الظهور ثابتة في حال الغيبة.

    فان قيل: أليس ما احد من شيعته الا وهو يجوّز أن يكون الامام بعيد الدار منه، وأنّه يحلّ اما المشرق او المغرب فهو آمن من مشاهدته له على معصيته او أن يشهد بها عليه شاهد، وهذا لا يلزم مع ظهور الامام والعلم ببعد داره، لانه لا يبعد من بلد الا ويستخلف فيه من يقوم مقامه ممن يرهب ويخشى ويتقى انتقامه؟

    قلنا: كما لا احد من شيعته الا وهو يجوز بعد محل الامام عنه، فكذلك لا احد منهم الا وهو يجوز كونه في بلده وقريباً من داره وجواره والتجويز كاف في وقوع الحذر وعدم الامان، وبعد فمع ظهور الامام وانبساط يده ونفوذ أمره في جميع الامة لا أحد من مرتكبي القبائح الا وهو يجوز خفاء ذلك على الامام ولا يتصل به، ومع هذا فالرهبة قائمة واللطف بالإمام ثابت، فكيف ينسى هذا من يلزمنا بمثله مع الغيبة؟.(المرتضى، المقنع: 77 ـ 80).

    59 ـ الاستتار عن المخالفين

    فاما المخالف فسبب استتاره عنه اعتقاده بطلان امامته، وأن من ادعى هذا المنصب ممن أشرنا اليه صار مضلاً، ولا يحتاج أن يخرج علة في الاستتار عنه.(الطوسي، الاقتصاد: 369).

    60 ـ المعجزة مختصه بالرسل

    شبهة: الامامية اضطرت عند قولهم بالغيبة في اثبات الاعلام بالمعجزات لامامهم عند ظهوره، اذ لا يعرفه احد بشخصه عند ظهوره، وانما يصل الى معرفته بمعجزة تدل على صدقه، وهذا اخراج للايات عن دلائلها، وفي ذلك افساد لادلة النبوة واعلام الرسالة وذلك باطل باتفاق اهل الملة كلّها.(الشيخ المفيد، الفصول العشرة، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/ 50، 121).

    61 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف

    جواب نقضي لشبهة فائدة الغيبة وامكانها:

    ليست غيبة الامام المهدي بدعاً في تاريخ الاولياء. فهذا موسى بن عمران، قد غاب عن قومه قرابه اربعين يوماً وكان نبيا ولياً. {راجع الاعراف: 142}.

    وهذا يونس كان من انبياء الله سبحانه ومع ذلك فقد غاب في الظلمات {الانبياء: 87، 88}.(جعفر سبحاني، الالهيات: 4/143).

    62 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف

    س ـ كيف يكون اماماً وهو غائب وما الفائدة المترقبة منه في غيبته؟

    الجواب الحلي: إن عدم علمنا بفائدة وجوده في زمان غيبته، لا يدل على عدم كونه مفيداً في زمن غيبته، فالسائل جعل عدم العلم، طريقاً الى العلم بالعدم! وكم لهذا السؤال من نظائر في التشريع الاسلامي، فيقيم البسطاء عدم العلم بالفائدة، مقام العلم بعدمها، وهذا من اعظم الجهل في تحليل المسائل العلمية، ولا شك أن عقول البشر لا تصل الى كثير من الامور المهمة في عالم التكوين والتشريع، بل لا يفهم مصلحة كثير من سننه، وإن كان فعله سبحانه منزهاً عن العبث، بعيداً عن اللغو.

    وعلى هذا فيجب علينا التسليم امام التشريع اذا وصل الينا بصورة صحيحة، كما عرفت من تواتر الروايات على غيبته.(جعفر سبحاني، الالهيات: 4/144).

    63 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف

    س ـ كيف يكون إماماً وهو غائب وما الفائدة المترقبة منه في غيبته؟

    الجواب الحلي: إن الغيبة لا تلازم عدم التصرف في الامور، وعدم الاستفادة من وجوه، فهذا مصاحب موسى كان ولياً، لجأ اليه، أكبر انبياء الله في عصره، خرق السفينة التي يمتلكها المستضعفون، ليصونها عن غصب الملك، ولم يعلم اصحاب السفينة بتصرفه، والا لصَدُّوه عن الخرق، جهلاً منهم بغاية عمله. كما أنه بنى الجدار ليصون كنز اليتيمين، فاي مانع، حينئذ من أن يكون للامام الغائب في كل يوم وليلة تصرفاً من هذا النمط من التصرفات.

    ويؤيد ذلك ما دلّت عليه الروايات من أنه يحضر الموسم في أشهر الحج ويحج ويصاحب الناس ويحضر المجالس، كما دلّت على أنه يغيث المضطرين، ويعود المرضى، وربما يتكفل بنفسه الشريفة قضاء حوائجهم وإن كان الناس لا يعرفونه.(جعفر سبحاني، الالهيات: 4/144).

    64 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف

    س: كيف يكون إماماً وهو غائب وما الفائدة المترقبة منه في غيبته؟

    الجواب الحلي: المسلم هو عدم امكان وصول عموم الناس اليه في غيبته، وأما عدم وصول الخواص اليه، فليس بأمر مسلم، بل الذي دلت عليه الروايات خلافه، فالصلحاء من الامة، الذين يستدر بهم الغمام، لهم التشرف بلقائه، والاستفادة من نور وجوده وبالتالي، تستفيد الامة بواسطتهم.(جعفر سبحاني، الالهيات: 4/144).

    65 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف

    س ـ كيف يكون إماماً وهو غائب وما الفائدة المترقبة منه في غيبته؟

    الجواب الحلي: لا يجب على الامام أن يتولى التصرف في الامور الظاهرية بنفسه، بل له توليته غيره على التصرف في الامور كما فعل الامام المهدي ارواحنا له الفداء في غيبته ففي الغيبة الصغرى كان له وكلاء اربعة يقومون بحوائج الناس وكانت الصلة بينه وبين الناس مستمرة بهم. وفي الغيبة الكبرى نصب الفقهاء والعلماء العدول العالمين بالاحكام للقضاء واجراء السياسات، واقامة الحدود وجعلهم حجة على الناس، فهم يقومون في عصر الغيبة بصيانة الشرع عن التحريف، وبيان الاحكام، ورفع الشبهات وبكل ما يتوقف عليه نظم اموال الناس.

    والى هذه اشار الامام المهدي في آخر توقيع له الى بعض نوابه، بقوله (وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي، فكالانتفاع بالشمس اذا غيبها عن الابصار السحاب).(جعفر سبحاني، الالهيات: 4/145. والحديث في كمال الدين الصدوق الباب 45 ح4 ص 485 البحار ج52 ب20 ص93 ـ 94).

    66 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف

    لماذا غاب المهدي عن الناس حتى حرموا من الاستفادة من وجوده، وما هي المصلحة التي اخفته من اعين الناس؟

    الجواب النقضي:

    إن قصور عقولنا عن ادراك اسباب غيبته، لا يجرنا الى انكار المتظافرات من الروايات، فالاعتراف بقصور افهامنا اولى من رد الروايات المتواترة بل هو المتعين.(جعفر سبحاني، الالهيات: 4/146).

    الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف لماذا غاب المهدي عن الناس حتى حرموا من الاستفادة من وجوده، وما هي المصلحة التي اخفته من اعين الناس؟

    الجواب الحلي:

    إن اسباب غيبته واضحة لمن امعن فيما ورد حولها من الروايات، فان الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف هو آخر الائمة الاثنى عشر الذين وعد بهم الرسول، واناط عزة الاسلام بهم، ومن المعلوم أن الحكومات الاسلامية لم تقدرهم، بل كانت بالمرصاد، تلقيهم في السجون، وتريق دمائهم الطاهرة، بالسيف أم السمّ، فلو كان ظاهراً لا قدموا على قتله اطفاءً لنوره، فلاجل ذلك اقتضت المصلحة أن يكون مستوراً من اعين الناس، يراهم ويرونه، ولكن لا يعرفونه، الى أن تقتضي مشية الله سبحانه ظهوره، بعد حصول استعدادٍ خاص في العالم لقبوله، والانضواء تحت لواء طاعته....

    وقد ورد في بعض الروايات اشارة الى هذه النكتة روى زرارة قال سمعت ابا جعفر يقول: إن للقائم غيبة قبل أن يقوم قال: قلت: ولم، قال: يخاف، قال زرارة: يعني القتل وفي رواية اخرى: يخاف على نفسه الذبح.(جعفر سبحاني، الالهيات: 4/146).

    67 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف

    س ـ كيف يكون اماماً وهو غائب وما الفائدة المترقبة منه في غيبته؟

    ج ـ اما النقض، فان التركيز على هذا السؤال يعرب عن عدم التعرف على اولياء الله، وانهم بين ظاهر قائم بالامور، ومختف قائم بها من دون أن يعرفه الناس.

    إن كتاب الله العزيز يعرفنا على وجود نوعين من الائمة والاولياء والقادة للامة.

    ولي غائب مستور، لا يعرفه حتى نبي زمانه، كما يخبر سبحانه عن مصاحب موسى عليه السلام بقوله:

    (فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علماً، قال له موسى هل اتبعك على أن تعلمن مما عُلمت رشدا){الكهف: 65 ـ 66}.

    وولي ظاهر باسط اليد، تعرفه الامة وتقتدي به.

    فالقرآن اذن يدل على أن الولي ربما يكون غائباً، ولكنه مع ذلك لا يعيش في غفلة عن أمته، بل يتصرف في مصالحها ويرعى شؤونها، من دون أن يعرفه ابناء الامة.

    فعلى ضوء الكتاب الكريم يصح لنا أن نقول بأن الولي اما ولي حاضر مشاهد أو غائب محجوب، والى ذلك يشير الامام علي عليه السلام في كلامه لكميل بن زياد النخعي: (اللهم بلى، لا تخلوا الارض من قائم لله بحجة، إما ظاهراً مشهوراً، او خائفاً مغموراً لئلا تبطل حجج الله وبيناته).(جعفر سبحاني، الالهيات: 4/142، الحديث في نهج البلاغة بتعليقات محمد عبده 4/37 قصار الحكم الرقم 147).

    68 ـ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف

    شبهة:

    خروج دعوى الامامية في غيبة الامام عن حكم العادة في استتاره عن الخلق طول المدة التي يدعونها لصاحبهم، وانسداد الطرق الى الوصول اليه وعدم معرفة مكان له على حال.(الشيخ المفيد، الفصول العشرة، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/46).

    الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف

    شبهة:

    اذا كان الحكم في زمن الغيبة هو الرجوع الى الفقهاء فهذا يعني الاستغناء عن الامام.(الشيخ المفيد، الرسالة الاولى في الغيبة، ضمن مصنفات الشيخ المفيد 9: 7/16).

    السرداب

    ادعى صاحب فضائح الروافض: ان الشيعة عند الصلاة تنحرف عن القبلة الى اليسار نحو السرداب في سامراء. اجاب القزويني: ان القائم عليه السلام ليس في السرداب بل ولد هناك، وتياسر أهل العراق حكم شرعي، ولو كانت العلة ما ذكرها لزم لشيعة الشام واليمن والطائف التياسر أيضاً، ولو اراد القياس فليعلم أن امير المؤمنين عليه السلام افضل عندنا من المهدي وانه ولد في الكعبة فلو توجهوا نحوها كان اولى بل الكعبة قبلة الرسول والتوجه اليها مأمور به شرعاً، والتياسر حكم منقول عن الائمة.(القزويني، النقض: 569).

    69 ـ المرأة والاولاد

    قال صاحب فضائح الروافض: لو كان القائم موجوداً وكاملاً، فكمال المرء بالزواج قال الرسول: (النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني) فلو كان له زوجة فأين اولاده، ولو لم يكن له زوجة وأولاد كان ناقصاً وعاجزاً وعلى غير سنة جدّه.

    أجاب القزويني: ان من الخطأ الفاحش القول بان كمال الرجل في الزواج والا لزم نقصان عيسى ويحيى مع عصمتهم ونبوتهم، وكذلك نقصان الرسول مدة (37) سنة الى أن تزوج خديجة، وكذلك نقصان الزهاد والعباد الذين اختارهم المصنف بدلاً عن السجاد والباقر عليهما السلام حيث كانوا غالباً مجردين... ثم من قال انه عليه السلام لم يتزوج... وقوله ايضاً ان كمال الرجل بأولاد جهل منه، فان الولد من الله تعالى إن شاء اعطى وان شاء منع: (ويجعل من يشاء عقيماً)... ونحن نجوّز ان له عليه السلام زوجة وأولاداً وقطعى نيست بر آن.(القزويني، النقض: 467 ـ 468).