الصفحة 65

قال: نعم، أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأُمّة.(1)

أحضر الحطب ليحرق عليهم الدار

7 ـ المسعودي (ت 346 هـ) قال: وكان عروة بن الزبير يعذر أخاه عبدالله في حصر بني هاشم في الشعب، وجمعه الحطب ليحرقهم، ويقول: إنما أراد بذلك ألا تنتشر الكلمة، ولا يختلف المسلمون، وأن يدخلوا في الطاعة فتكون الكلمة واحدة، كما فعل عمر بن الخطاب ببني هاشم، لما تأخروا عن بيعة أبي بكر، فإنّه أحضر الحطب ليحرق عليهم الدار.(2)

____________

1- العقد الفريد، الأندلسي: 5 / 13، نشر دار الكتب العلمية، و4 / 259 ـ 260 ط دار الكتاب العربي بيروت.

2- ذكره المسعودي في مروج الذهب ط الميمنية: 3 / 86، ولا يوجد في طبعات الكتاب الاُخرى، إذ حذفت جملة: كما فعل عمر بن الخطاب ببني هاشم الخ، فراجع على سبيل المثال مروج الذهب 3 / 86 ط السعادة، القاهرة سنة 1384 هـ ـ 1964 م و3 / 77 نشر دار الاندلس، بيروت ط الاُولى 1385 هـ ـ 1965 م تحت عنوان ابن الزبير وآل بيت الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). و3 / 276 رقم: 1943 نشر الجامعة اللبنانية.

لكن محقق الكتاب الأخير أشار في هامش الصفحة المذكورة معلقاً على كلمة عروة بن الزبير: إنّما أراد بذلك إرهابهم ليدخلوا في طاعته.

قال: زيادة عن م، حيث جاء بعد ذلك: كما أرهب بنو (= بني) هاشم وجمع لهم الحطب لإحراقهم.

وهذا ما يدلنا على أنّ يد التلاعب والتمويه تريد أن تخفي الحقائق التي لا يمكن ولا يتسنى لأحد إخفاءها، إذ لا بدّ أن تثأر الحقيقة لنفسها.

وكما يشهد على هذه الحقيقة ـ التي أرادوا التعتيم عليها وحذفها من كتاب مروج الذهب ـ كاملا ابن أبي الحديد المعتزلي، فقد ذكر النصّ المذكور كاملا عن المسعودي في شرح نهج البلاغة: 20 / 147 فراجع لترى الحقيقة.


الصفحة 66

أحرقوا دارها بمن فيها

8 ـ الشهرستاني (ت 548 هـ) عن إبراهيم بن سيار بن هانىء النظام: أنّ عمر كان يصيح: أحرقوا دارها بمن فيها، وما كان في الدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام).(1)

أجئت لتحرق دارنا

9 ـ أبو الفداء، عماد الدين إسماعيل (ت 732 هـ): ثمّ أنّ أبا بكر بعث عمر بن الخطاب إلى علي (عليه السلام) ومن معه ليخرجهم من بيت فاطمة (عليها السلام) وقال: إن أبوا عليك فقاتلهم! فأقبل عمر بشيء من نار على أن يضرم الدار، فلقيته فاطمة (عليها السلام)وقالت: إلى أين يا ابن الخطاب أجئت لتحرق دارنا؟!

قال: نعم، أو تدخلوا فيما دخل فيه الأُمّة... كذا نقله القاضي

____________

1- كتاب الملل والنحل، الشهرستاني: 1 / 59.


الصفحة 67
جمال الدين بن واصل وأسنده إلى ابن عبد ربّه المغربي.(1)

حرقت دارك لا أبقي عليك بها!!

10 ـ قال شاعر النيل حافظ ابراهيم تحت عنوان عمر وعلي:


وقولة لعليّ قالها عمرأكرم بسامعها أعظم بملقيها
حَرَّقْتُ دارك لا أُبقي عليك بهاإن لم تبايع وبنت المصطفى فيها
ما كان غيرُ أبي حفص يفوه بهاأمام فارس عدنان وحاميها(2)

____________

1- المختصر في أخبار البشر، أبو الفداء: 1 / 156.

2- قال الأميني عليه الرحمة في موسوعته الغدير (8 / 85):

ثمّ ما عساني أن أقول بعدما يعربد شاعر النيل اليوم، ويؤجّج النيران الخامدة ويجدّد تلكم الجنايات المنسية (لاها الله لا تنسى مع الأبد) ويعدّها ثناء على السلف، ويرفع عقيرته بعد مضي قرون على تلكم المعرّات، ويبتهج ويتبجّح بقوله في (القصيدة العمرية) تحت عنوان: عمر وعلي:... وذكر الأبيات.

ماذا أقول بعدما تحتفل الاُمة المصريّة في حفلة جامعة في أوائل سنة 1918 بإنشاد هذه القصيدة العمرية التي تتضمن ما ذكر من الأبيات؟ وتنشرها الجرائد في أرجاء العالم، ويأتي رجال مصر نظراء أحمد أمين، وأحمد الزين، وإبراهيم الأبياري، و علي جارم، وعلي أمين، وخليل مطران، ومصطفى الدمياطي بك وغيرهم، ويعتنون بنشر ديوان هذا شعره! وبتقدير شاعر هذا شعوره! ويخدشون العواطف في هذه الأزمة في هذا اليوم العصبصب، ويعكّرون بهذه النعرات الطائفية صفو السلام والوئام في جامعة الإسلام، ويشتّتون بها شمل المسلمين، ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً.

وتراهم يجدّدون طبع ديوان الشاعر وقصيدته العمرية خاصة مرّة بعد أُخرى، ويعلّق عليها شارحها الدمياطي قوله في البيت الثاني: المراد أنّ علياً (عليه السلام) لا يعصمه من عمر سكنى بنت المصطفى في هذه الدار!!


الصفحة 68
وجاء في هامش الديوان المذكور ما يلي: يشير بهذه الأبيات إلى امتناع عليّ (عليه السلام) عن البيعة لأبي بكر يوم السقيفة، وتهديد عمر إيّاه بتحريق بيته إذا استمر على امتناعه، وكان فيه زوجة علي فاطمة بنت الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)...(1)

قصة حطب أمر به ابن الخطاب

11 ـ قال الدكتور عبد الفتاح عبد المقصود:

وكذلك سبقت الشائعات خطوات ابن الخطاب ذلك النهار، وهو يسير في جمع من صحبه ومعاونيه إلى دار فاطمة (عليها السلام)، وفي باله أن يحمل ابن عمّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ طوعاً وإن كرهاً ـ على إقرار ما أباه حتى الآن.

____________

1- ديوان حافظ إبراهيم: 1 / 82.


الصفحة 69
وتحدّث أُناس بأنّ السيف سيكون وحده متن الطاعة!... وتحدّث آخرون بأنّ السيف سوف يلقى السيف!... ثمّ تحدّث غير هؤلاء وهؤلاء بأنّ "النار" هي الوسيلة المثلى إلى حفظ الوحدة، وإلى "الرضا" والإقرار!...

وهل على ألسنة الناس عقال يمنعها أن تروي قصة حطب أمر به ابن الخطاب فأحاط بدار "فاطمة (عليها السلام)" وفيها عليّ (عليه السلام) وصحبه، ليكون عدّة الإقناع، أو عدّة الإيقاع؟... على أنّ هذه الأحاديث جميعها، ومعها الخطط المدبّرة أو المرتجلة كانت كمثل الزبد، أسرع إلى ذهاب ومعها دفعة ابن الخطاب!!!

أقبل الرجل، محنقاً مندلع الثورة، على دار عليّ (عليه السلام)، وقد ظاهره معاونوه ومن جاء بهم فاقتحموها، أو أوشكوا على اقتحام.

فاذا وجه كوجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يبدو بالباب حائلا من حزن، على قسماته خطوط آلام، وفي عينيه لمعات دمع، وفوق جبينه عبسة غضب فائر، وحنق ثائر... وتوقّف عمر من خشية، وراحت دفعته شعاعاً، وتوقف خلفه ـ أمام الباب ـ صحبه الذين جاء بهم، إذ رأوا حيالهم صورة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)تطالعهم من خلال وجه حبيبته الزهراء (عليها السلام)وغضّوا الأبصار، من خزي أو من استحياء....

ثمّ ولّت عنهم عزمات القلوب، وهم يشهدون فاطمة (عليها السلام)تتحرّك كالخيال، وئيداً وئيداً، بخطوات المحزونة الثكلى، فتقترب

الصفحة 70
من ناحية قبر أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم)... وشخصت منهم الأنظار، وأرهفت الأسماع إليها، وهي ترفع صوتها الرقيق الحزين النبرات، تهتف بمحمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)الثاوي بقربها، تناديه باكية مرير البكاء: "يا أبت رسول الله! يا أبت رسول الله!..." فكأنّما زلزلت الأرض تحت هذا الجمع الباغي، من رهبة النداء.

وراحت الزهراء (عليها السلام) وهي تستقبل المثوى الطاهر، تستنجد بهذا الغائب الحاضر: "يا أبت رسول الله!! ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب، وابن أبي قحافة!؟".

فما تركت كلماتها إلاّ قلوباً صدّعها الحزن، وعيوناً جرت دمعاً، ورجالا ودّوا لو استطاعوا أن يشقّوا مواطىء أقدامهم، ليذهبوا في طوايا الثرى مغيّبين!!(1)

____________

1- المجموعة الكاملة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام): 1 / 190.


الصفحة 71

الفصل الثالث
إسقاط فاطمة (عليها السلام) محسناً


الصفحة 72

الصفحة 73

إنّ محسناً (عليه السلام) فسد من زخم قنفذ العدوي

1 ـ ابن قتيبة، محمد بن مسلم (ت 276 هـ):

قال ابن شهراشوب (ت 588 هـ) في المناقب: وفي معارف القتيبي: أن محسناً فسد من زخم قنفذ العدوي.(1)

أقول: بعد اطلاعي على هذه النسبة لابن قتيبة راجعت كتاب المعارف وفتشته لعلي أجد ما نسب إليه إلاّ انّي لم أجد شيئاً من ذلك والموجود هو هذه العبارة: وأما محسن بن علي (عليه السلام) فهلك، وهو صغير.(2)

وراجعت لعلي أجده أيضاً في كتابه الآخر "عيون الأخبار" لعلّي أجد المصدر فلم أعثر على ذلك أيضاً ودار في خلدي أنّ اليد الآثمة العابثة هي التي حرفت كتاب المعارف لابن قتيبة وأسقطت هذه الكلمة التي شاء الله إظهارها بأقلام بعض المؤرخين، وشاهد حق على هذه اليد الجبانة والمحرفة شهادة ابن شهراشوب واثباته لها في كتابه المناقب.

____________

1- مناقب آل أبي طالب، ابن شهراشوب: 3 / 407، نشر دار الأضواء، و3 / 358 نشر المطبعة العلمية.

2- المعارف، ابن قتيبة: 211.


الصفحة 74
وقد تأكدت لي هذه النسبة حينما رأيت السيد جعفر مرتضى العاملي يؤكد ذلك أيضاً في كتابه مأساة الزهراء وذكر ما قاله الكنجي الشافعي (المقتول سنة 685 هـ) عن الشيخ المفيد عليه الرحمة:

وزاد على الجمهـور، وقال: إنّ فاطمة (عليها السلام) أسـقطت بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذكراً، كان سماه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)محسناً.(1)

وهذا شيء لم يوجد عند أحد من أهل النقل إلاّ عند ابن قتيبة(2).

وقال: ويظهر أنّه يقصد بذلك: نقل ابن قتيبة له في كتاب المعارف وذلك بقرينة كلام ابن شهرأشوب.(3)

حتى أسقطت محسناً

2 ـ المؤرخ المسعودي (ت 346 هـ): فوجهوا إلى منزله فهجموا عليه، وأحرقوا بابه، واستخرجوه منه كرهاً، وضغطوا سيدة النساء بالباب حتى أسقطت محسناً.(4)

____________

1- الارشاد، المفيد: 1 / 355، ط وتحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لاحياء التراث 1413 هـ.

2- كفاية الطالب، الكنجي الشافعي: 413.

3- مأساة الزهراء (عليها السلام)، جعفر مرتضى العاملي: 2 / 197.

4- إثبات الوصية، المسعودي: 124.


الصفحة 75

أسقطته من ضربة عمر

3 ـ المقدسي (ت 507 هـ): وولدت (عليها السلام) محسناً، وهو الذي تزعم الشيعة أنّها أسقطته من ضربة عمر، وكثير من أهل الآثار لا يعرفون محسناً!!(1)

ضرب بطن فاطمة (عليها السلام) يوم البيعة

4 ـ الشهرستاني (548 هـ): عن إبراهيم بن سيار بن هانيء النظام قال: إن عمر ضرب بطن فاطمة (عليها السلام) يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها.(2)

لو كان حياً (صلى الله عليه وآله وسلم) لأباح دم من روّع فاطمة (عليها السلام)

5 ـ قال ابن أبي الحديد (ت 656 هـ): وهذا الخبر أيضاً قرأته(3) على النقيب أبي جعفر (رحمه الله).

____________

1- البدء والتاريخ، المقدسي: 5 / 20.

2- كتاب الملل والنحل، الشهرستاني: 1 / 59 في ذكر النظامية.

3- وهو خبر خروج زينب من مكة إلى المدينة، وذلك لما خرجت خرج بعضهم في طلبها سراعاً حتى أدركوها بذي طوى، فكان أول من سبق إليها هبّار بن الأسود، ونافع بن عبد القيس الفهري، فروعها هبّار بالرمح وهي في الهودج، وكانت حاملا، فلما رجعت طرحت ما في بطنها، وقد كانت من خوفها رأت دماً وهي في الهودج، فلذلك أباح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم فتح مكة دم هبّار بن الأسود. راجع: شرح النهج لابن أبي الحديد: 14 / 192، السيرة النبوية لابن هشام: 2 / 298 ـ 299.


الصفحة 76
فقال: إذا كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أباح دم هبّار بن الأسود لأنّه روّع زينب فألقت ذا بطنها؟

فظهر الحال أنّه لو كان حياً (صلى الله عليه وآله وسلم) لأباح دم من روّع فاطمة (عليها السلام)حتى ألقت ذا بطنها!(1)

وأسقطت جنينها وهي تنادي

6 ـ الجويني (ت 730 هـ): روى بسنده عن ابن عباس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ في حقّ فاطمة (عليها السلام) ـ: وإني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي كأني بها وقد دخل الذلّ بيتها، وانتهكت حرمتها، وغصب حقها، ومنعت إرثها، وكسر جنبها، وأسقطت جنينها، وهي تنادي: يا محمداه فلا تجاب، وتستغيث فلا تغاث، فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية، فتذكر انقطاع الوحي من بيتها مرة، وتتذكر فراقي اُخرى، وتستوحش إذا جنّها الليل لفقد صوتي التي كانت تستمع إليه إذا تهجّدت بالقرآن، ثمّ ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة، وعند ذلك يونسها الله تعالى ـ إلى أن قال (صلى الله عليه وآله وسلم): ـ اللهمَّ العن من ظلمها وعاقب من غصبها، وذلّل من أذلّها،

____________

1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 14 / 193.


الصفحة 77
وخلّد في نارك من ضرب جنينها حتى ألقت ولدها، فتقول الملائكة عند ذلك: آمين.(1)

رفس فاطمة حتى أسقطت

7 ـ الذهبي (748 هـ): قال في ترجمة أحمد بن محمد بن السري بن يحيى بن أبي دارم المحدّث (ت 357 هـ).

قال محمد بن أحمد بن حماد الكوفي الحافظ ـ بعد أن أرخ موته ـ: كان مستقيم الأمر عامّة دهره، ثمّ في آخر أيامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب، حضرته ورجل يقرأ عليه: إن عمر رفس فاطمة حتى أسقطت بمحسن.(2)

حتى ألقت المحسن من بطنها

8 ـ الصفدي (ت 764 هـ): عن إبراهيم بن سيّار بن هانيء البصري المعروف بالنظام قال: إن عمر ضرب بطن فاطمة (عليها السلام) يوم البيعة حتى ألقت المحسن من بطنها.(3)

____________

1- فرائد السمطين، الجويني: 2 / 34 ـ 35 ح 371.

2- ميزان الاعتدال، الذهبي: 1 / 139 ترجمة رقم: 552.

3- كتاب الوافي بالوفيات، الصفدي: 6 / 17 ترجمة رقم: 2444.


الصفحة 78

حتى أسقطت بمحسن

9 ـ ابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ): في ترجمة أحمد بن محمد بن السري بن يحيى بن أبي دارم المحدث أبي بكر الكوفي (ت 357) ـ المذكور سابقاً ـ قال محمد بن أحمد بن حماد الكوفي الحافظ بعد أن أرخ موته كان مستقيم الأمر عامة دهره ثمّ في آخر أيامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب حضرته ورجل يقرأ عليه أن عمر رفس(1) فاطمة (عليها السلام) حتى أسقطت بمحسن.(2)

____________

1- قال في هامش لسان الميزان: الرفس الصدمة بالرجل في الصدر.

2- لسان الميزان، ابن حجر: 1 / 268، ترجمة رقم: 824.


الصفحة 79


الفصل الرابع
قصّة فدك



أ ـ النحلة.

ب ـ الميراث.

جـ ـ سهم ذوي القربى.




الصفحة 80

الصفحة 81

أ ـ النحلة


فدك لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خاصة

روى أبو داود قال: حدثنا حسين بن علي العجلي، حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا ابن أبي زائدة، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، وعبدالله بن أبي بكر، وبعض ولد محمد بن مسلمة، قالوا: بقيت بقية من أهل خيبر تحصنوا، فسألوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يحقن دمائهم ويسيّرهم، ففعل، فسمع بذلك أهل فدك، فنزلوا على مثل ذلك، فكانت لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خاصة، لأنّه لم يوجب(1) عليها بخيل ولا ركاب.(2)

قال أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري: وروى محمد بن إسحاق أيضاً أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لمّا فرغ من خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك، فبعثوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فصالحوه على

____________

1- الوَجَب: الخطَرُ، وهو الشَّبق الذي يُناضَلُ عليه، عن لسان العرب: 1 / 794.

2- سنن أبي داود: 3 / 218، رقم: 3016، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 16 / 210، السقيفة وفدك، الجوهري: 97.


الصفحة 82
النصف من فدك، فقدمت عليه رسلهم بخيبر أو بالطريق، أو بعدما أقام بالمدينة، فقبل ذلك منهم، وكانت فدك لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)خالصة له، لأنّه لم يوجب عليها بخيل ولا ركاب.(1)

وقال عمر في حديث له: إن الله عزّ وجل قد خصّ رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)في هذا الفيء بشيء لم يعطه أحداً غيره، ثمّ قرأ: (وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ)(2). فكانت هذه خاصة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).(3)

وقال ابن إسحاق: لما سمع أهل فدك بما صنع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)بأهل خيبر، بعثوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يسألونه أن يسيرهم ويحقن دماءهم ويُخلّون له الأموال ففعل. فكانت خيبر فيئاً بين المسلمين، وفدك خالصةً لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لأنّهم لم يجلبوا عليها بخيل ولا ركاب.(4)

وقال ابن إسحاق: وبعث أهل فدك إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فصالحوه على النصف من فدك، فقبل ذلك منهم، فكانت له خاصة، لأنّه لم يوجف(5) عليها بخيل ولا ركاب.(6)

____________

1- السقيفة وفدك، الجوهري: 97، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 16 / 210.

2- سورة الحشر: 6.

3- وفاء الوفاء، السمهودي: 3 / 997.

4- تاريخ خليفة بن خياط: 83، السيرة النبوية، ابن هشام: 2 / 353.

5- الوَجْفُ: سُرعة السير. عن لسان العرب: 9 / 352.

6- تاريخ خليفة بن خياط: 85، السيرة النبوية، ابن هشام: 2 / 353.


الصفحة 83
حدثنا سريج بن يونس، قال: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب عن الزهري في قول الله تعالى: (فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْل وَلاَ رِكَاب)(1)، قال: هذه قرى عربية لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فدك وكذا وكذا.(2)

الحموي: فدك... وهي التي قالت فاطمة (عليها السلام):
إن رسول الله نحلنيها

وقال ياقوت الحموي: فدك، قرية بالحجاز، بينها وبين المدينة يومان، وقيل ثلاثة، أفاءها الله تعالى على رسوله(صلى الله عليه وآله وسلم) في سنة سبع صلحاً، وذلك أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)لما نزل خيبر وفتح حصونها ولم يبق إلاّ ثلث، واشتد بهم الحصار راسلوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)يسألونه أن يُنزلهم على الجلاء وفعل، وبلغ ذلك أهل فدك فأرسلوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)أن يصالحهم على النصف من ثمارهم وأموالهم فأجابهم إلى ذلك.

فهي مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، فكانت خالصة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفيها عيّن فوّارة ونخيل كثيرة، وهي التي قالت فاطمة (عليها السلام): إن رسول الله نحلنيها.

____________

1- سورة الحشر: 6.

2- فتوح البلدان، البلاذري: 45.


الصفحة 84
فقال أبو بكر أريد لذلك شهوداً، ولها قصة.(1)

دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة فأعطاها فدك

قال ابن كثير: قال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا عباد بن يعقوب، حدثنا أبو يحيى التيمي، حدثنا فضيل بن مرزوق، عن عطية، عن أبي سعيد قال: لما نزلت (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ)(2) دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة (عليها السلام) فأعطاها فدك.(3)

وقال السيوطي: وأخرج البزار وأبو يعلى وابن أبي حاتم وابن مردويه، عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه)قال: لما نزلت هذه الآية (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ) دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة فأعطاها فدك.

أقطع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة فدكاً

وأخرج ابن مردويه، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ) أقطع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة فدكاً.(4)

____________

1- معجم البلدان، الحموي: 4 / 238.

2- سورة الإسراء: 26.

3- تفسير القرآن العظيم: ابن كثير: 3 / 39.

4- الدر المنثور، السيوطي: 5 / 273 ـ 274.


الصفحة 85
وأخرج ابن جرير، عن علي بن الحسين (عليه السلام) انّه قال لرجل من أهل الشام: أقرأت القرآن؟ قال: نعم. قال: أفما قرأت في بني إسرائيل (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ)؟ قال: وانكم للقرابة الذي أمر الله أن يؤتى حقّه؟

قال: نعم.(1)

ورواه الطبري بسنده قال: حدثني محمد بن عمارة الأسدي قال: حدثنا إسماعيل بن أبان، قال: حدثنا الصباح بن يحيى المزني عن السدي عن أبي الديلم عن علي بن الحسين... الخ.(2)

ورواه الشيعة عن الصادق (عليه السلام): وحقّهم توقيرهم وأعطاؤهم الخمس.(3)

وقال القرطبي: قال علي بن الحسين (عليه السلام) في قوله تعالى: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ) هم قرابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).(4)

وروي عن السدي: انّ المراد بذي القربى هم: أقارب

____________

1- الدر المنثور، السيوطي: 5 / 271، روح المعاني، الآلوسي: 15 / 62، فتح القدير: 3 / 224 و 21 / 44.

2- جامع البيان في تفسير القرآن، الطبري: 15 / 53 وط اُخرى: 15 / 72.

3- روح المعاني، الآلوسي: 15 / 62.

4- الجامع لأحكام القرآن، القرطبي: 10 / 247.


الصفحة 86
الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).(1)

نصوص الحوار في شأن فدك


نحن أحق الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)

1 ـ الطبراني بسنده عن عمر قال: لما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)جئت أنا وأبو بكر إلى علي (عليه السلام) فقلنا: ما تقـول فيما ترك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟

قال: نحن أحق الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبما ترك.

أما والله حتى تحزّوا رقابنا بالمناشير فلا!!

قال: فقلت: والذي بخيبر؟!

قال: والذي بخيبر.

قلت: والذي بفدك؟

قال: والذي بفدك.

____________

1- روح المعاني، الآلوسي: 15 / 62.


الصفحة 87
فقلت: أما والله حتى تحزّوا رقابنا بالمناشير فلا!!(1)

إن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) جعلها في حياته لفاطمة

وقد ذكر ذلك الحموي قال:

فكان علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول: إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جعلها في حياته لفاطمة (عليها السلام).(2)

إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أعطاني فدك

2 ـ ابن شبّه النميري البصري (المتوفّى سنة 262 هـ) حدثنا محمد بن عبدالله بن الزبير قال: حدّثنا فضيل بن مرزوق، قال: حدثني النميري بن حسان، عن زيد بن علي أن فاطمة (عليها السلام) أتت أبا بكر فقالت: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)أعطاني فدك.

فقال لها: هل لك على هذا بيّنة؟

فجاءت بعليّ (عليه السلام) فشهد لها، ثمّ جاءت بأمّ أيمن فقالت: أليس تشهد أنّي من أهل الجنّة؟(3)

____________

1- المعجم الأوسط، الطبراني 6 / 162 ـ 163 ح 5335، مجمع الزوائد، الهيثمي: 9 / 39 ـ 40 ب فيما تركه (صلى الله عليه وآله وسلم).

2- معجم البلدان، الحموي: 4 / 239.

3- هذا وقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال في حقّ اُمّ أيمن رضي الله تعالى عنها: من سرّه أن يتزوّج امرأة من أهل الجنّة فليتزوج اُمّ أيمن.

راجع: الطبقات الكبرى، ابن سعد: 8 / 224،الإصابة، ابن حجر: 8 / 171، سير أعلام النبلاء، الذهبي: 2 / 224، فيض القدير، المناوي: 6 / 152، كنز العمال، الهندي: 12 / 146 ح 34416.

وكما روي أيضاً عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال في حقّها: هي أمي بعد أمي.

راجع: فتح الباري: 7 / 88، تحفة الأحوذي: 10 / 217، شرح النووي على صحيح مسلم: 16 / 9، فيض القدير، المناوي: 2 / 184، تهذيب التهذيب: 12 / 486، تهذيب الكمال، المزي: 35 / 329، الاستيعاب، ابن عبد البر: 4 / 1794، الإصابة، ابن حجر: 8 / 169، تهذيب الأسماء واللغات، النووي: 2 / 621.


الصفحة 88
قال: بلى.

قالت: فأشهد أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أعطاها فَدك.

فقال أبو بكر: فبرجل وامرأة تستحقينها أو تستحقين بها القضية.(1)

فجاءت بعلي (عليه السلام) فشهد لها

3 ـ وقد روى حديث الإشهاد أبو بكر الجوهري أيضاً قال: أخبرنا أبو زيد قال: حدثنا محمد بن عبدالله بن الزبير، قال حدثنا فضيل بن مرزوق، قال: حدثني النميري بن حسان، عن زيد بن علي (عليه السلام) قال: إن فاطمة (عليها السلام) أتت أبا بكر فقالت: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)

____________

1- تاريخ المدينة المنورة، ابن شبّه: 1 / 199 ـ 200، وفاء الوفاء للسمهودي: 3 / 1000.


الصفحة 89
أعطاني فدك.

فقال لها: هل لك على هذا بيّنة؟

فجاءت بعليّ (عليه السلام) فشهد لها.

فأنا أشهد أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أعطاها فَدك

ثمّ جاءت بأمّ أيمن فقالت: ألستما تشهدان أنّي من أهل الجنّة؟

قالا: بلى.

(قال أبو زيد: يعني انّها قالت لأبي بكر وعمر).

قالت: فأنا أشهد أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أعطاها فَدك.

فقال أبو بكر: فرجل آخر وامرأة اُخرى لتستحقي بها القضية.(1)

فشهد لها علي (عليه السلام) واُمّ أيمن

4 ـ وقال الحلبي (ت 1044 هـ) عن الواقدي: ولعل طلب إرثها (عليه السلام) من فدك كان منها بعد أن أدعت (عليها السلام) أنّ النبي (عليه السلام) أعطاها فدكاً.

____________

1- السقيفة وفدك، الجوهري: 107، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 16 / 219، الصواعق المحرقة: 79 ب 2، معجم البلدان: 4 / 239.


الصفحة 90
وقال لها: هل لك بينة؟ فشهد لها علي كرم الله وجهه واُمّ أيمن، فقال لها: أبرجل وامرأة تستحقينها.(1)

إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جعل لي فدك

5 ـ وقال البلاذري (ت 279 هـ): وحدثنا عبدالله بن ميمون المكتب، قال: أخبرنا الفضيل بن عياض، عن مالك بن جعونة، عن أبيه، قال: قالت فاطمة (عليها السلام)لأبي بكر: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جعل لي فدك، فأعطني إياها. وشهد لها علي بن أبي طالب (عليه السلام).

فسألها شاهداً آخر فشهدت لها اُمّ أيمن!

فقال: قد علمت يا بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه لا تجوز إلاّ شهادة رجلين أو رجل وامرأتين، فانصرفت.

فقد جعلها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لي

6 ـ وقال: وحدثني روح الكرابيسي قال: حدثني زيد بن الحباب، قال: أخبرنا خالد بن طهمان، عن رجل حسبه روح جعفر ابن محمد أنّ فاطمة (عليها السلام) قالت لأبي بكر: أعطني فدك، فقد جعلها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لي.

فسألها البينة فجاءت باُمّ أيمن ورباح مولى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فشهدا

____________

1- السيرة الحلبية، الحلبي: 3 / 487.