فقال: إنّ هذا الأمر لا تجوز فيه إلاّ شهادة رجل وامرأتين.(1)
إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نحلنيها
7 ـ السمهودي عن المجد في ترجمة فدك... قالت فاطمة (عليها السلام): إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)نحلنيها.
فقال أبو بكر: أريد بذلك شهوداً، فشهد لها علي (عليه السلام) فطلب شـاهداً آخر، فشهدت لها اُمّ أيمن، فقال: قد علمت يا بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) انّه لا يجوز إلاّ شهادة رجل وامرأتين، وانصرفت.(2)
____________
1- فتوح البلدان، البلاذري: 44، معجم البلدان، الحموي: 4 / 239.
2- وفاء الوفا، السمهودي: 3 / 999.
ب ـ الميراث
فغضبت فاطمة (عليها السلام)
1 ـ عن عائشة أنّ فاطمة (عليها السلام) سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقسم لها ميراثها مما ترك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ممّا أفاء الله عليه، فقال لها أبو بكر: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا نورث، ما تركناه صدقة، فغضبت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فهجرت أبا بكر، فلم تزل مهاجرته حتى توفيت، وعاشت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ستة أشهر.
قالت: وكانت فاطمة (عليها السلام) تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة، فأبى أبو بكر عليها ذلك.(1)
فهجرته فاطمة (عليها السلام)
2 ـ عن عائشة أنّ فاطمة (عليها السلام) والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان
____________
1- صحيح البخاري: 4 / 96، ك فرض الخمس، الطبقات الكبرى، ابن سعد: 2 / 315 و8 / 28، مسند أحمد: 1 / 6، وبما معناه في 1 / 214، 2 / 353، وفاء الوفاء، السمهودي: 3 / 995 و 996، مسند أبي عوانة: 4 / 251 ح6679، المصنف: عبد الرزاق: 5 / 472 ح 9774، تاريخ الطبري: 2 / 236.
قال أبو بكر: والله لا أدع أمراً رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يصنعه فيه إلاّ صنعته.
قال: فهجرته فاطمة (عليها السلام)، فلم تكلّمه حتى ماتت(1)، فدفنها علي (عليه السلام) ليلا، ولم يؤذن بها أبا بكر...(2).
فوجدت فاطمة (عليها السلام)
3 ـ عن عائشة، أن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ممّا أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر.
فقال أبو بكر: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا نورث، ما تركناه صدقة، إنما يأكل آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا المال، وإني والله لا أغير شيئاً من صدقة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)ولأعملنّ فيها بما عمل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأبى أبو
____________
1- صحيح البخاري: 8 / 185، ك الفرائض ب قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): لا نورث ما تركناه صدقة، تاريخ المدينة المنورة، ابن شبّة: 1 / 197.
2- السنن الكبرى، البيهقي: 6 / 300، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 6 / 46.
فوجدت فاطمة (عليها السلام) على أبي بكر في ذلك.
قال: فهجرته، فلم تكلّمه حتى توفيت.
وعاشت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ستّة أشهر، فلمّا توفيت دفنها زوجها علي بن أبي طالب (عليه السلام) ليلا، ولم يؤذن بها أبا بكر، وصلّى عليها عليّ (عليه السلام).(1)
فما لنا لا نرث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
4 ـ عن أبي سلمة أن فاطمة (عليها السلام) قالت لأبي بكر: من يرثك إذا مُتَّ؟
قال: ولدي وأهلي.
قالت (عليها السلام): فما لنا لا نرث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)!؟
____________
1- صحيح مسلم: 3 / 1380، ك الجهاد والسير 16، ب قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا نورث ما تركنا صدقة، السنن الكبرى، البيهقي: 4 / 29 و 6 / 300، صحيح ابن حبان: 11 / 152 ـ 153 ح 4823 و 14 / 573 ح 6607، نصب الراية: 2 / 306، الوقوف على الموقوف: 1 / 94، مسند فاطمة الزهراء (عليها السلام)، السيوطي: 13 ـ 14 ح 22، الطبقات الكبرى، ابن سعد: 2 / 315، تاريخ المدينة المنورة، ابن شّبه: 1 / 196 ـ 197، وفاء الوفاء، السمهودي: 3 / 995، تاريخ الخميس: 2 / 174، كنز العمال، المتقي الهندي: 5 / 604 ح 14069، مشكل الآثار، الطحاوي: 1 / 47 ـ 48.
فما لي لا أرث أبي
5 ـ وقال الحلبي: وفي لفظ أنّها (عليها السلام) قالت له: من يرثك؟
قال: أهلي وولدي.
فقالت (عليها السلام): فما لي لا أرث أبي؟
فقال لها: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: لا نورث، فغضبت من أبي بكر وهجرته إلى أن ماتت.(2)
وعن أبي هريرة قال: جاءت فاطمة (عليها السلام) إلى أبي بكر فقالت: من يرثك؟
قال: أهلي وولدي.
قالت (عليه السلام): فما لي لا أرث أبي (صلى الله عليه وآله وسلم)!؟
فقال أبو بكر: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: لا نورث، ولكني
____________
1- مسند فاطمة الزهراء (عليها السلام)، السيوطي: 19 ـ 20 ح 30، الترمذي في الشمائل: 533.
2- السيرة الحلبية، الحلبي: 3 / 487.
أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي
6 ـ اليعقوبي: وأتته فاطمة ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تطلب ميراثها من أبيها، فقال لها: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّا معشر الأنبياء لا نورث، ما تركنا صدقة!
فقالت (عليها السلام): أفي (كتاب) الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟
أما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): المرءُ يُحفظ ولده!؟
فبكى أبو بكر بكاءً شديداً.(2)
أأنزل الله في الكتاب إلاّ فاطمة (عليها السلام)؟
7 ـ قال ابن طيفور (ت 380 هـ) قال: وحدّثني عبدالله بن أحمد العبدي، عن الحسين بن علوان، عن عطية العوفي انّه سمع أبا بكر يومئذ يقول لفاطمة (عليها السلام): يا ابنة رسول الله لقد كان (صلى الله عليه وآله وسلم)
____________
1- سنن الترمذي: 4 / 157 ح 1608، ك السير 44، ب ما جاء في تركة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، الطبقات الكبرى، ابن سعد: 2 / 314، علل الترمذي، القاضي: 1 / 265 ح 484، فتح الباري: 6 / 202.
2- تاريخ اليعقوبي: 2 / 127.
وأمّا منعك ما سألت فلا ذلك لي؟! وأمّا فدك وما جعل لك أبوك، فإنّ منعتكِ فأنا ظالم!
وأمّا الميراث فقد تعلمين انّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا نورث ما أبقيناه صدقة؟
قالت (عليها السلام): إنّ الله يقول عن نبي من أنبيائه: (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ)(1) وقال: (وَوَرثَ سليمانُ داودَ)(2) فهذان نبيّان؟ وقد علمت أنّ النبوّة لا تُورَّث، وإنّما يورث ما دونها؟!
فما لي أمنع إرث أبي؟ أأنزل الله في الكتاب إلاّ فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فتدلّني عليه!؟
قفال: يا بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنت عينُ الحجّة، ومنطق الرسالة، لا يدَ لي بجوابك، ولا أدفعك عن صوابك!(3)
____________
1- سورة مريم: 5.
2- سورة النمل: 16.
3- بلاغات النساء، ابن طيفور: 18 ـ 19، أعلام النساء، كحالة: 4 / 118 ـ 119.
وورثَ سليمانُ داودَ
8 ـ قال المسعودي:: وقد صنّف هؤلاء ـ يعني أتباع بن العباس من أهل خرسان وغيرهم ـ كتباً في هذا المعنى الذي ادعوه هي متداولة في أيدي أهلها ومنتحليها، منها كتاب صنّفه عمرو بن بحر الجاحظ، وهو المترجم بكتاب إمامة ولد العباس، يحتج فيه لهذا المذهب، ويذكر فعل أبي بكر في فدك وغيرها وقصّته مع فاطمة (عليها السلام)، ومطالبتها بإرثها من أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم)، واستشهادها ببعلها وابنيها واُمّ أيمن، وما جرى بينها وبين أبي بكر من المخاطبة، وما كثر بينهم من المنازعة، وما قالت، وما قيل لها عن أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم)، من انّه قال (صلى الله عليه وآله وسلم): نحن معاشر الأنبياء نرثُ ولا نورث!
وما احتجّت به (عليها السلام) من قوله عزّ وجل: (وورثَ سليمانُ داودَ)(1) على أنّ النبوة لا تُورث، فلم يبق إلاّ التوارث وغير ذلك من الخطاب.(2)
هذا كتاب الله ينطق
9 ـ عن أبي جعفر (عليه السلام): قال: جاءت فاطمة (عليها السلام) إلى أبي بكر
____________
1- سورة النمل: 16.
2- مروج الذهب، المسعودي: 3 / 237.
فقال أبو بكر: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا نورث، ما تركنا صدقة، وما كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يعول فعليَّ.
فقال علي (عليه السلام): (وورثَ سليمانُ داودَ)(1)، وقال زكريا: (يرثُني ويرثُ من آلِ يعقوب)(2).
قال أبو بكر: هو هكذا، وأنت والله تعلم مثل ما أعلم.
فقال علي (عليه السلام): هذا كتاب الله ينطق.
فسكتوا وانصرفوا؟(3)
وعهدت إلى ما أنزل الله من السماء فرفعته عنا
10 ـ الجوهري: حدثنا أبو زيد عن هارون بن عمير، عن الوليد بن مسلم، عن إسماعيل بن عباس، عن محمد بن السائب، عن أبي صالح، عن مولى بن هاني، قال: دخلت فاطمة (عليها السلام) على أبي بكر
____________
1- سورة النمل: 16.
2- سورة مريم: 5.
3- الطبقات الكبرى، ابن سعد: 2 / 315، مسند فاطمة الزهراء (عليها السلام)، السيوطي: 17 ح 27، كنز العمال، الهندي: 5 / 625 ح 14101.
فمنعها؟ فقالت له: لئن مت اليوم من كان يرثك؟
قال: ولدي وأهلي.
قالت (عليها السلام): فلم ورثت أنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دون ولده وأهله!
قال: فما فعلت يا بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟
قالت: بلى، إنّك عهدت إلى فدك، وكانت صافية لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخذتها! وعهدت إلى ما أنزل الله من السماء فرفعته عنا؟!
فقال: يا بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم أفعل، حدثني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)إنّ الله تعالى يطعم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الطعمة ما كان حياً، فإذا قبضه الله إليه رفعت.
فقالت (عليها السلام):... ما أنا بسائلتك بعد مجلسي، ثمّ انصرفت!(1)
فما شأنك ورثت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دوننا
11 ـ عن اُمّ هاني أنّ فاطمة (عليها السلام) قالت: يا أبا بكر من يرثك إذا مت؟
قال: ولدي وأهلي.
____________
1- السقيفة وفدك، الجوهري: 116 ـ 117، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 16 / 232.
قال: يا ابنة رسول الله! والله ما ورثته ذهباً ولا فضة ولا شاةً ولا بعيراً ولا داراً ولا غلاماً ولا مالا.
قالت (عليها السلام): فسهم الله الذي جعله لنا، وصافيتنا التي بيدك(1).
فقال: إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: إنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يطعم أهله ما دام حياً فإذا مات رفع ذلك عنهم.(2)
أرثها كما يرثك بناتك إذا مت
12 ـ عن عمر بن الخطاب قال: لما كان اليوم الذي توفي فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)بويع لأبي بكر في ذلك اليوم، فلما كان من الغد جاءت فاطمة (عليها السلام) إلى أبي بكر معها علي (عليه السلام) فقالت: ميراثي من رسول الله أبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟
فقال أبو بكر: من الرّثة أو من العُقد؟
قالت: فدك وخيبر وصدقاته بالمدينة أرثُها كما يرثُك بناتك إذا متّ؟
____________
1- في فتوح البلدان: قالت (عليها السلام): سهمنا بخيبر وصدقتنا فدك.
2- مسند فاطمة الزهراء (عليها السلام)، السيوطي: 13 ح 21، فتوح البلدان، البلاذري: 44 ـ 45، الطبقات الكبرى، ابن سعد: 2 / 314 ـ 315، تاريخ المدينة المنورة، ابن شبّه: 1 / 197 ـ 198.
أترثك بناتك ولا ترثُ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بناتهُ
13 ـ عن أبي سلمة: أن فاطمة (عليها السلام) بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أتت أبا بكر، فذكرت له ما أفاء الله على رسوله بفدك، فقال أبو بكر: إنّي سمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: إنّ النبي لا يورث، من كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)يعوله فأنا أعوله، ومن كان ينفق عليه فأنا أنفق عليه.
قالت (عليها السلام): يا أبا بكر، أترثك بناتك ولا ترثُ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)بناته؟!
قال: هو ذاك.(2)
والله لا أكلمكما أبداً
14 ـ عن أبي هريرة أنّ فاطمة (عليها السلام) جاءت أبا بكر وعمر تسأل ميراثها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟
فقالا: سمعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: إني لا أورث.
____________
1- الطبقات الكبرى، ابن سعد: 2 / 315 ـ 316، مسند فاطمة الزهراء (عليها السلام)، السيوطي: 15 ـ 16 ح 25.
2- تاريخ المدينة المنورة، ابن شبّه: 1 / 198 ـ 199.
فماتت (عليها السلام) ولا تكلمهما!(1)
وبصق في الكتاب فمحاه وخرقه؟
15 ـ روى إبراهيم بن السيد الثقفي، عن إبراهيم بن ميمون قال: حدّثنا عيسى بن عبدالله بن محمد بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، عن أبيه، عن جدّه، عن علي (عليه السلام) قال: جاءت فاطمة (عليها السلام) إلى أبي بكر وقالت: إن أبي أعطاني فدك، وعليٌّ وأم أيمن يشهدان.
فقال: ما كنت لتقولي على أبيك إلاّ الحق، قد أعطيتُكها، ودعى بصحيفة من أدَم فكتب لها فيها.
فخرجت فلقيت عمر، فقال: من أين جئت يا فاطمة؟
قالت (عليها السلام): جئت من عند أبي بكر، أخبرته أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)أعطاني فدك وأن علياً وأم أيمن يشهدان لي بذلك، فأعطانيها، وكتب لي بها.
فأخذ عمر منها الكتاب، ثمّ رجع إلى أبي بكر فقال: أعطيت فاطمة فدك وكتبت بها لها؟
____________
1- سنن الترمذي: 4 / 157 ـ 158 ح 1609، ك السير 44، ب ما جاء في تركة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، علل الترمذي، القاضي: 1 / 265.
فقال: إن علياً يجر إلى نفسه وأم أيمن امرأة!! وبصق في الكتاب فمحاه وخرقه.
وقد رُوي هذا المعنى من طرق مختلفـة، على وجـوه مختلفة، فمن أراد الوقـوف عليها، واسـتقصاءها أخذها من مواضعها.(1)
أخذ الكتاب فشقّه
16 ـ قال الحلبي: وفي كلام سبط ابن الجوزي رحمه الله أن أبا بكر كتب لها بفدك، ودخل عليه عمر فقال: ما هذا؟
فقال: كتاب كتبته لفاطمة (عليها السلام) بميراثها من أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم)!
فقال: مماذا تنفق على المسلمين وقد حاربتك العرب كما ترى؟
ثمّ أخذ الكتاب فشقّه!(2)
____________
1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 16 / 274.
2- السيرة الحلبية، الحلبي: 3 / 488، تاريخ الأحمدي: 132.
فقالت (عليها السلام): بقر الله بطنك؟
17 ـ ذكر ابن أبي الحديد عن رجال الشيعة والأخباريين في كتبهم أنّ أبا بكر وعمر أسمعا فاطمة (عليها السلام) كلاماً غليظاً وأن أبا بكر رقّ لها حيث لم يكن عمر حاضراً فكتب لها بفدك كتاباً.
فلما خرجت به وجدها عمر فمد يده إليه ليأخذه مغالبة فمنعته!! فدفع بيده في صدرها!!
وأخذ الصحيفة فحرقها بعد أن تفل فيها فمحاها وأنّها دعت عليه فقالت: بقر الله بطنك كما بقرت صحيفتي.(1)
____________
1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 16 / 234، أعلام النساء، عمر رضا كحالة: 4 / 124.
ج ـ سهم ذوي القربى
ومنعها أبو بكر إياه أيضاً
1 ـ قال ابن أبي الحديد: واعلم أنّ الناس يظنّون أنّ نزاع فاطمة (عليها السلام) أبا بكر كان في أمرين، في الميراث والنحلة، وقد وجدت في الحديث أنّها نازعت في أمر ثالث، ومنعها أبو بكر إياه أيضاً، وهو سهم ذوي القربى(1).(2)
____________
1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 16 / 230.
2- إنّ سهم ذوي القربى هو حقّ من حقوق أهل البيت (عليهم السلام) بنصّ الآية الشريفة وهي قوله تعالى: (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْء فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ...)الأنفال، الآية: 41.
وسوف يأتي استشهاد الصديقة فاطمة (عليها السلام) على حقهم في سهم ذوي القربى بالآية الشريفة عند أبي بكر واحتجت عليه بها، ولم ينكر ذلك أبو بكر.
ثانياً: تصريح ابن عباس بانّ لقرابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الخمس وأن عمر عرض عليهم عرضاً فردوه عليه، فقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْء...) قال: كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)وذو قرابته لا يأكلون من الصدقات شيئاً لا يحل لهم، فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خمس الخمس، ولذي قراباته خمس الخمس... الدر المنثور: 4 / 67.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر من وجه آخر عن ابن عباس أن نجدة الحروري أرسل إليه يسأله عن سهم ذوي القربى الذين ذكر الله، فكتب إليه: انّا كنا نرى إنا هم، فأبى ذلك علينا قومنا وقالوا: ويقول لمن تراه؟
فقال ابن عباس: هو لقربى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قسمه لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد كان عمر عرض علينا عرضاً رأيناه دون حقنا، فرددناه عليه وأبينا أن نقبله، وكان عرض عليهم أن يعين ناكحهم، وأن يقضي عن غارمهم، وأن يعطي فقيرهم، وأبى أن يزيدهم على ذلك... الدر المنثور 4 / 68.
ثالثاً: أخرج ابن المنذر عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: سألت علياً (عليه السلام) فقلت: يا أمير المؤمنين، أخبرني كيف كان صنع أبي بكر وعمر في الخمس نصيبكم؟ الخ. ودلالته واضحة على المطلوب فإنّه من المرتكز في ذهن السائل والأذهان أن لأهل البيت (عليهم السلام)نصيب في الخمس كما قرره الامام (عليه السلام) على ذلك وكأنّه أمر مفروغ عنه. وممّا أجابه (عليه السلام)السائل هو قوله: انّ الله حرم الصدقة على رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) فعوضه سهماً من الخمس عوضاً مما حرم عليه، وحرمها على أهل بيته خاصة دون اُمته فضرب لهم مع رسول الله سهماً عوضاً مما حرم عليهم. الدر المنثور 4 / 68.
رابعاً: ذكر ابن عساكر في تاريخه: ج 42 ص 435 وغيره أنّ من احتجاجات أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم الشورى على القوم أن قال (عليه السلام) لهم: أفيكم أحدٌ كان يأخذ الخمس غيري وغير فاطمة (عليها السلام)؟
قالوا: اللهمَّ لا.
وقال الطبري في تفسيره 10 / 8: وقال آخرون: الخمس كلّه لقرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذكر من قال ذلك، حدثني الحرث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا عبد الغفار قال: حدثنا المنهال بن عمرو قال: سألت عبدالله بن محمد بن علي وعلي بن الحسين (عليهم السلام) عن الخمس فقالا: هو لنا. فقلت لعلي: إن الله يقول: (وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ)؟ فقال: يتامانا ومساكيننا.
أضف إلى ذلك الروايات الاُخرى الدالة على حقهم في الخمس والتي منها ما أخرجه ابن مردويه عن زيد بن أرقم قال: آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الذين أعطوا الخمس، آل علي، وآل عباس، وآل جعفر، وآل عقيل. وأخرج ابن أبي شبة عن مجاهد قال: كان آل محمد لا تحل لهم الصدقة فجعل لهم خمس الخمس، الدر المنثور: 4 / 69.
فأبى عليها وجعلها في مال الله!
2 ـ قال أبو بكر: وأخبرنا أبو زيد قال: حدثنا هارون بن عمير، قال: حدثنا الوليد، عن ابن أبي لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، قال: أرادت فاطمة (عليها السلام) أبا بكر على فدك وسهم ذوي القربى، فأبى عليها، وجعلها في مال الله تعالى.
منع فاطمة (عليها السلام) وبني هاشم
3 ـ قال أبو بكر: وأخبرنا أبو زيد، قال: حدثنا أحمد بن معاوية، عن هيثم، عن جويبر، عن أبي الضحاك، عن الحسن بن محمد ابن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أن أبا بكر منع فاطمة (عليها السلام) وبني هاشم سهم ذوي القربى، وجعله في سبيل الله في السلاح والكراع(1).
____________
1- السقيفة وفدك، الجوهري: 115، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 16 / 231.
أتت تسأله سهم ذوي القربى
4 ـ وروي عن أم هانيء بنت أبي طالب أن فاطمة (عليها السلام) أتت أبا بكر تسأله سهم ذوي القربى؟
فقال لها أبو بكر: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: سهم ذوي القربى لهم في حياتي وليس لهم بعد موتي(1).
لقد علمت الذى ظلمتنا عنه أهل البيت
من الصدقات
5 ـ قال أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ: أخبرني أبو زيد عمر بن شبّة، قال: حدثني هارون بن عمير، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثني صدقة أبو معاوية، عن محمد بن عبدالله، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك:
أن فاطمة (عليها السلام) أتت أبا بكر فقالت: لقد علمت الذي ظلمتنا عنه أهل البيت من الصدقات، وما أفاء الله علينا من الغنائم في القرآن من سهم ذوي القربى! ثمّ قرأت عليه قوله تعالى: (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم
____________
1- مسند فاطمة الزهراء (عليها السلام)، السيوطي: 17 ح 27.
قالت (عليها السلام): ليس هذا حكم الله؟!
فقال لها أبو بكر: بأبي انت وأمي ووالد ولدك! السمع والطاعة لكتاب الله، ولحق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وحق قرابته، وأنا أقرأ من كتاب الله الذي تقرئين منه، ولم يبلغ علمي منه أن هذا السّهم من الخمس يسلّم إليكم كاملا.
قالت (عليها السلام): أفلك هو ولأقربائك؟
قال: لا، بل أنفق عليكم منه، وأصرف الباقي في مصالح المسلمين.
قالت (عليها السلام): ليس هذا حكم الله تعالى؟!(2)
____________
1- سورة الأنفال: 41.
2- السقيفة وفدك، الجوهرى: 114، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 16 / 230.
فدك والخلفاء
تمهيد
لِمَ لم يأخذ أمير المؤمنين (عليه السلام) فدك؟
وروي عن أبي عبدالله (عليه السلام) وقد سأله أبو بصير فقال: لِم لم يأخذ أمير المؤمنين (عليه السلام) فدكاً لما ولي الناس، ولأي علة تركها؟
فقال: لأن الظالم والمظلومة قدما على الله وجازى كلاً على قدر استحقاقه، فكره أن يسترجع شيئاً عاقب الله عليه الغاصب وأثاب المغصوبة.
كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) في ترك فدك
اُسوة برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
وقد روي أنه كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) في ترك فدك اُسوة برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فانه لما خرج من مكة باع عقيل داره فلما فتح مكة قيل له: يا رسول الله ألا ترجع إلى دارك؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): وهل ترك لنا عقيل داراً وأبى أن يرجع إليها، وقال: إنا أهل بيت لا نسترجع ما أخذ منا في الله عزّ وجل(1).
____________
1- السقيفة وفدك، الجوهرى: 145.
بلى كانت في أيدينا فدك
وقد جاء في نهج البلاغة من كلام له (عليه السلام) في أمر فدك، قال(عليه السلام): بلى كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماءُ، فشحت عليها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس آخرين، ونعم الحكم الله. وما أصنع بفدك وغير فدك، والنفس مظانها في غد جدثٌ تنقطع في ظلمته آثارها وتغيب أخبارها، وحفرةٌ لو زيد في فسحتها، وأوسعت يدا حافرها، لأضغطها الحجر والمدر، وسدَّ فرجها التراب المتراكم، وإنما هي نفسي أروضها بالتقوى لتأتيَ آمنة يوم الخوف الأكبر، وتثبت على جوانب المزلق(1).
ماذا لو أعطاها اليوم فدك...وغداً...؟!
قال ابن أبي الحديد: وسألت علي بن الفارقي مدرس المدرسة الغربية ببغداد، فقلت له: أكانت فاطمة (عليها السلام) صادقة؟
قال: نعم.
قلت: فلِم لم يدفع إليها أبو بكر فدك وهي عنده صادقة؟ فتبسم، ثم قال كلاماً لطيفاً مستحسناً مع ناموسه وحرمته وقلة دعابته!
____________
1- نهج البلاغة، للإمام علي (عليه السلام): 416 ـ 417، كتاب رقم: 45، تحقيق صبحي الصالح، شرح نهج البلاغة، ابن ابى الحديد: 16 / 208.
وهذا كلام صحيح، وإن كان أخرجه مخرج الدعابة والهزل(1).
ما تظن قصدهما بمنع فاطمة (عليها السلام) فدك؟
قال لي علوي من الحلة(2) يعرف بعلي بن مهنأ، ذكي ذو فضائل: ما تظن قصد أبي بكر وعمر بمنع فاطمة (عليها السلام) فدك؟
قلت: ما قصدا؟
قال: أرادا ألا يُظهرا لعلي (عليه السلام) ـ وقد اغتصباه الخلافة ـ رقة وليناً وخذلاناً، ولا يرى عندهما خوراً، فأتبعا القرح بالقرح.
____________
1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 16 / 284.
2- الحلة: مدينة كبيرة بين الكوفة وبغداد.