لئلا يتقوى علي (عليه السلام) بحاصلها
وغلتها على المنازعة؟
وقلت لمتكلم من متكلّمي الإمامية يعرف بعلي بن تقي من بلدة النيل(1) وهل كانت فدك إلا نخلا يسيراً وعقاراً ليس بذلك الخطير!
فقال لي: ليس الأمر كذلك، بل كانت جليلة جدّاً. وكان فيها من النخل نحو ما بالكوفة الآن من النخل، وما قصد أبو بكر وعمر بمنع فاطمة (عليها السلام) عنها إلا ألا يتقوى علي (عليه السلام) بحاصلها وغلّتها على المنازعة في الخلافة، ولهذا أتبعا ذلك بمنع فاطمة وعلي (عليهما السلام) وسائر بني هاشم وبني المطلب حقّهم في الخمس، فإن الفقير الذي لا مال له تضعف همّته ويتصاغر عند نفسه، ويكون مشغولا بالاحتراف والاكتساب عن طلب الملك والرياسة(2).
أما كان يقتضي التكريم والإحسان أن
يُطيّب قلب فاطمة (عليها السلام)؟
قال ابن أبي الحديد: قرأت على النقيب أبي جعفر يحيى بن أبي زيد البصري العلوي (رحمه الله)، هذا الخبر(3) فقال: أترى أبا بكر وعمر
____________
1- النيل: بليدة في سواد الكوفة، قرب حلة بني مزيد.
2- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 16 / 236 ـ 237، أعلام النساء، كحالة: 4 / 124 ذكره باختصار.
3- وهو خبر فداء زينب ـ أخت فاطمة الزهراء (عليها السلام) ـ لأبي العاص زوجها، وذلك لما يروى إنه لما بعث أهل مكة في فداء أساراهم في يوم بدر ـ وكان معهم أبو العاص ابن الربيع ـ بعثت زينب في فداء أبي العاص بمال. وكان فيما بعث به قلادة كانت خديجة أمها أدخلتها بها على أبي العاص ليلة زفافها عليه فلما رآها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رق لها رقة شديدة، وقال للمسلمين: إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها، وتردوا عليها ما بعثت به من الفداء فافعلوا، فقالوا: نعم يا رسول الله، نفديك بأنفسنا وأموالنا فردوا عليها ما بعثت به، وأطلقوا لها أبا العاص بغير فداء. راجع: شرح النهج لابن أبي الحديد: ج 14 ص 190، السيرة النبوية لابن هشام: ج 2 ص 296 ـ 297.
فقلت له: فدك بموجب الخبر الذى رواه أبو بكر قد صار حقاً من حقوق المسلمين، فلم يجز له أن يأخذه منهم.
فقال: وفداء أبي العاص بن الربيع قد صار حقّاً من حقوق المسلمين، وقد أخذه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منهم.
فقلت: رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صاحب الشريعة، والحكم حكمه، وليس أبو بكر كذلك.
إنهما لم يأتيا بحسن في شرع التكرم
فقال: ما قلت: هلا أخذه أبو بكر من المسلمين قهراً فدفعه إلى فاطمة (عليها السلام)، وإنّما قلت: هلاّ استنزل المسلمين عنه واستوهبه منهم
أتراه لو قال: هذه بنت نبيّكم قد حضرت تطلب هذه النخلات، أفتطيبون عنها نفساً، أكانوا منعوها ذلك؟
فقلت له: قد قال قاضي القضاة أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد نحو هذا، قال: إنهما لم يأتيا بحسن في شرع التكرّم(1).
____________
1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 14 / 190 ـ 191.
وفرقتها أيدي سبأ
عثمان يقطع فدك لمروان
ومن المتّفق عليه أن عثمان بن عفان أقطع فدكاً في أيام خلافته لمروان بن الحكم وعلى بعضهم في سبب ذلك قال: وكان (عثمان) مستغنياً عنها بماله فجعلها لأقربائه ووصل بها رحمهم(1).(2)
قال ابن أبي الحديد: وأقطع مروان فدك وقد كانت فاطمة (عليها السلام)طلبتها بعد وفاة أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) تارة بالميراث وتارة بالنحلة فدفعت عنها(3).
وقال: وأقطع مروان فدك.(4)
____________
1- السنن الكبرى، البيهقي: 6 / 301، ك قسم الفيء والغنيمة، تاريخ الخلفاء، السيوطي: 232.
2- أقول: لم يجد عثمان ليصل رحمه به غير أموال وممتلكات فاطمة الزهراء (عليها السلام) أم أنها سيرة جرت على غصب أهل هذا البيت حقهم!!
3- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 198.
4- معجم ما استعجم: 4 / 1275.
في يد مروان بن الحكم
وروي أيضاً: انه لما وليَّ معاوية بن أبي سفيان أقطع مروان بن الحكم ثلثها، وأقطع عمرو بن عثمان بن عفان ثلثها، وأقطع يزيد بن معاوية ثلثها، وذلك بعد موت الحسن بن علي (عليه السلام)، فلم يزالوا يتداولونها حتى خلصت كلها لمروان بن الحكم أيام خلافته.
فوهبها لعبد العزيز ابنه، فوهبها ابنه عبد العزيز لابنه عمر بن عبد العزيز.
فلما وليَّ عمر بن عبد العزيز الخلافة، كانت أول ظلامة ردها دعا حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وقيل: بل دعا علي بن الحسين (عليه السلام) فردها عليه.(1)
عمر بن عبد العزيز أوّل من ردّ فدك
وروى البلاذري: أن عمر بن عبدالعزيز قال في خطبته لما وليَّ الخلافة: أن فدك كانت مما أفاء الله على رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب ـ إلى أن قال: ـ ثم وليَّ معاوية فأقطعها مروان بن الحكم فوهبها مروان لأبي ولعبد الملك فصارت لي وللوليد وسليمان، فلما وليَّ الوليد سألته
____________
1- السقيفة وفدك، الجوهري: 104، أعلام النساء، كحالة: 4 / 120.
قال ياقوت الحموي: فلما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة كتب إلى عامله بالمدينة يأمره بردّ فدك إلى ولد فاطمة (عليها السلام) فكانت في أيديهم في أيام عمر بن عبد العزيز(2).
وروي مرفوعاً، أن عمر بن عبد العزيز لما استخلف قال: أيها الناس إني قد رددت عليكم مظالمكم وأول ما أردّ منها ما كان في يدي قد رددت فدك على ولد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وولد علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فكان أول من ردها.
ورد عليهم سهام الخمس
وروي أنه لما صارت الخلافة إلى عمر بن عبد العزيز ردّ عليهم سهام الخمس، سهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وسهم ذي القربى، وهما من أربعة أسهم رد على جميع بني هاشم، وسلم ذلك إلى محمد بن علي الباقر (عليهما السلام)، وعبد الله بن الحسن(3).
____________
1- فتوح البلدان، البلاذري: 45 ـ 46، معجم البلدان، الحموي: 4 / 240.
2- معجم البلدان، الحموي: 4 / 239.
3- السقيفة وفدك، الجوهري: 145 ـ 146.
قالوا لعمر بن عبد العزيز: هجنت فعل الشيخين؟!
قال أبو المقدام ـ هشام بن زياد مولى آل عثمان ـ: فنقمت بنو اُميّة ذلك على عمر بن عبد العزيز، وعاتبوه فيه، وقالوا له: هجّنت فعل الشيخين؟
وخرج إليه عمر بن قيس في جماعة من أهل الكوفة، فلما عاتبوه على فعله!!
قال: إنكم جهلتم وعلمتُ، ونسيتم وذكرت، إن أبا بكر محمد بن عمرو بن حزم، حدّثني عن أبيه، عن جدّه أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)قال: فاطمة بضعة مني يسخطها ما يسخطني، ويرضيني ما أرضاها(1)، وإن فدك كات صافية على عهد أبي بكر وعمر، ثمّ صار أمرها إلى مروان، فوهبها لعبد العزيز أبي، فورثتها أنا وإخوتي عنه، فسألتهم أن يبيعوني حصتهم منها، فمن بائع وواهب حتى استُجمعت
____________
1- صحيح البخاري: 5 / 26 و 36، السنن الكبرى البيهقي: 7 / 64 و 10 / 201، المستدرك على الصحيحين، الحاكم: 3 / 158، كنز العمال، الهندي: 2 / 108 ح 34222 و 24223، اتحاف السادة المتقين، الزبيدي: 6 / 244 وج 7 / 281، فتح الباري، ابن حجر: 7 / 78 و 105، مشكاة المصابيح، التبريزي: 3 / 1732 ح 6130، شرح السنة، البغوي: 14 / 158 (نشر المكتب الإسلامي)، فضائل الصحابة، أحمد بن حنبل: 2 / 755 ح 1324، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 16 / 273.
قالوا لعمر بن عبد العزيز: نقمت على
أبي بكر وعمر فعلهما؟
وروي أنّه ردّها بغلاتها منذ ولي، فقيل له: نقمت على أبي بكر وعمر فعلهما، فطعنت عليهما ونسبتهما إلى الظلم والغصب، وقد اجتمع عنده في ذلك قريش ومشايخ أهل الشام من علماء السوء فقال عمر بن عبد العزيز: قد صحّ عندي وعندكم أنّ فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ادّعت فدك وكانت في يدها، وما كانت لتكذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مع شهادة عليّ (عليه السلام) واُمّ أيمن واُمّ سلمة، وفاطمة عندي صادقة فيما تدعي، وإن لم تقم البينة(2)، وهي سيدة نساء أهل الجنة، فأنا اليوم أردها على ورثتها أتقرب بذلك إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأرجو أن تكون فاطمة والحسن والحسين يشفعون لي في يوم القيامة، ولو كنت بدل أبي بكر، وادّعت فاطمة (عليها السلام)كنت أصدقها على دعواتها، فسلمها إلى محمد بن علي الباقر (عليهما السلام)، وعبدالله بن الحسن فلم تزل في أيديهم
____________
1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 16 / 278.
2- وأي بيّنة أعظم من شهادة القرآن في حقّها بالطهارة والعصمة، قال تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)، ثمّ شهادة أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي هو مع الحقّ والحقّ معه، ألم تكن بينة على ذلك لا تقبل الشكّ.
في يد يزيد بن عبد الملك
قال ياقوت الحموي: فلما ولي يزيد بن عبد الملك قبضها فلم تزل في أيدي بني اُمية حتى ولي أبو العباس السفاح الخلافة فدفعها إلى الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فكان هو القيم عليها يفرقها في بني علي بن أبي طالب (عليه السلام).
في يد المنصور
فلما ولي المنصور وخرج عليه بنو الحسن قبضها عنهم.
فلما ولي المهدي بن المنصور الخلافة أعادها عليهم.
ثمّ قبضها موسى الهادي ومن بعده إلى أيام المأمون.(2)
وقال الجوهري: وكانت بيد أولاد فاطمة (عليها السلام) مدة ولاية عمر بن عبد العزيز، فلما ولي يزيد بن عاتكة قبضها منهم، فصارت في أيدي بني مروان كما كانت يتداولونها، حتى انتقلت الخلافة عنهم.
فلما ولي أبو العباس السفاح، ردّها على عبدالله بن الحسن بن
____________
1- السقيفة وفدك، الجوهري: 145 ـ 146.
2- معجم البلدان، الحموي: 4 / 239.
ثمّ قبضهما موسى بن المهدي وهارون أخوه، فلم تزل في أيديهم حتى وليَّ المأمون، فردّها على الفاطميين سنة 210 هـ.(1)
هارون الرشيد: يا أبا الحسن خذ فدك
حتى أردها إليك
روي أنّ الرشيد كان يقول لموسى بن جعفر (عليه السلام): يا أبا الحسن خُذ فدك حتى أردّها إليك فيأبى، حتى ألحّ عليه!
فقال (عليه السلام): لا أخذها إلاّ بحدودها!
قال: وما حدودها؟
قال (عليه السلام): يا أمير المؤمنين إن حدّدتها لم تردّها.
قال: بحقّ جدّك إلاّ فعلت.
قال (عليه السلام): أمّا الحدّ الأوّل فعدن، فتغيّر وجه الرشيد، وقال: هيه! قال (عليه السلام): والحدّ الثاني سمرقند، فأربدَّ وجهه، قال: والحدّ الثالث أفريقية، فاسودَّ وجهه وقال: هيه! قال: والرابع سيف البحر ممّا يلي
____________
1- السقيفة وفدك، الجوهري: 104، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 16 / 216 ـ 217، أعلام النساء، كحالة: 4 / 120.
قال الرشيد: فلم تبق لنا شيئاً! فتحول من مجلسي.
قال موسى (عليه السلام): قد أعلمتك أنّي إن حددتها لم تردّها!!(2)
المأمون ووكيل فاطمة (عليها السلام)
أبو بكر الجوهري: حدّثني محمد بن زكريا قال: حدثني مهدي بن سابق قال: جلس المأمون للمظالم، فأول وقعة وقعت في يده نظر فيها وبكى وقال للذي على رأسه: ناد أين وكيل فاطمة (عليها السلام)، فقدم شيخ عليه دراعة وعمامة وخف تعزى، فتقدم فجعل يناظره في فدك، والمأمون يحتج عليه وهو يحتج على المأمون، ثمّ أمر أن
____________
1- يمكن أن يقال: إنّ المقصود من حدود فدك هو: الخلافة الإسلامية ولذلك قال له هارون: فلم تبق لنا شيئاً! إذ أن الغاصب إذا أراد ارجاع الحق إلى أهله فليرجعه كاملا لا أن يمسك شيئاً ويعطي آخر إذ أن الخلافة الإسلامية أيضاً حق من حقوقهم كفدك التي هي ملك لهم، وللمغصوب أيضاً أن لا يرضى إلاّ برجوع كامل حقّه! وهذا كما قال العباس بن عبد المطلب لأبي بكر لما قال له أبو بكر: ولقد جئناك ونحن نريد أن نجعل لك في هذا الأمر نصيباً يكون لك؟ فقال له العباس:... فإن كان لنا فلم نرض ببعضه دون بعض...؟
راجع: تاريخ اليعقوبي: 124 ـ 126، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 220.
2- التذكرة الحمدونية، ابن حمدون: 9 / 289، رقم: 550، ربيع الأبرار، الزمخشري: 1 / 315 ـ 317، تذكرة الخواص، سبط ابن الجوزي: 314.
أصبح وجه الزمان قد ضحكا | برد مأمون هاشم فدكاً(1) |
المأمون: وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
أعطى فاطمة (عليها السلام) فدك
البلاذري: لما كانت سنة عشر ومائتين أمر المأمون، عبدالله بن هارون الرشيد فدفعها إلى ولد فاطمة (عليها السلام) وكتب بذلك إلى قثم بن جعفر عامله على المدينة:
أمّا بعد، فإن أمير المؤمنين بمكانه من دين الله، وخلافة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والقرابة به أولى من استتن بسنته، ونفذ أمره وسلم لمن منحه منحة، وتصدق عليه بصدقة منحته وصدقته، وبالله توفيق أمير المؤمنين وعصمته، وإليه في العمل بما يقربه إليه رغبته.
وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أعطى فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فدك، وتصدق بما عليها، وكان ذلك أمراً ظاهراً معروفاً لاختلاف فيه بين آل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم تزل تدعى منه ما هو أولى به من صدق عليه.
____________
1- السقيفة وفدك، الجوهري: 104، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 16 / 217، معجم البلدان، الحموي: 4 / 239، ديوان دعبل بن علي الخزاعي: 247.
فرأى المأمون أن يردها إلى ورثتها
فرأى أمير المؤمنين أن يردها إلى ورثتها ويسلمها إليهم تقرباً إلى الله تعالى بإقامة حقّه وعدله وإلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بتنفيذ أمره وصدقته.
إنّ فاطمة (عليها السلام) لأولى بأن يصدق قولها
فأمر باثبات ذلك في دواوينه والكتاب به إلى عماله، فلأن كان ينادي في كلّ موسم بعد أن قبض الله نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يذكر كلّ من كانت له صدقة أو هبة أو عدة ذلك فيقبل قوله وينفذ عدته.
إنّ فاطمة (عليها السلام) لأولى بأن يصدق قولها فيما جعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لها.
المأمون يأمر المبارك بردّ فدك
وقد كتب أمير المؤمنين إلى المبارك الطبري مولى أمير المؤمنين يأمره بردّ فدك على ورثة فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)بحدودها وجميع حقوقها المنسوبة إليها وما فيها من الرقيق والغلات
وكتب يوم الأربعاء لليلتين خلتا من ذي القعدة سنة عشر ومائتين، فلما استخلف المتوكل.. أمر بردّها إلى ما كانت عليه قبل المأمون.(1)
في أيام المتوكل
وقال الجوهري: فلم تزل في أيديهم حتى كان في أيام المتوكل، فأقطعها عبد الله بن عمر البازيار، وكان فيها إحدى عشرة نخلة غرسها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بيده، فكان بنو فاطمة يأخذون ثمرها، فإذا أقدم الحجاج أهدوا لهم من ذلك التمر فيصلونهم، فيصير إليهم من
____________
1- فتوح البلدان، البلاذري: 46 ـ 47، معجم البلدان، الحموي: 4 / 240، أعلام النساء، كحالة: 4 / 120 ـ 122.
فصرم عبد الله بن عمر البازيار ذلك التمر، وجّه رجلا يقال له بشران بن أبي اُميّة الثقفي إلى المدينة فصرمه، ثمّ عاد إلى البصرة ففلج.(1)
____________
1- السقيفة وفدك، الجوهري: 104 ـ 105، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 16 / 217.
الفصل الخامس
خطبة فاطمة (عليها السلام) في المهاجرين والأنصار
واحتجاجاتها
1 ـ برواية أحمد بن طاهر أبي طيفور (ت 280 هـ)
في كتابه بلاغات النساء
الرواية الاُولى: خطبتها (عليها السلام) في المهاجرين والأنصار
قال أبو الفضل ذكرت لأبي الحسين زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم كلام فاطمة (عليها السلام) عند منع أبي بكر إياها فدك(1) وقلت له: إنّ هؤلاء(2) يزعمون أنّه مصنوع وأنه من كلام أبي العيناء الخبر منسوق البلاغة على الكلام(3).
فقال لي: رأيت مشايخ آل أبي طالب يروونه عن آبائهم ويعلمونه أبناءهم، وقد حدثنيه أبي عن جدي يبلغ به فاطمة (عليها السلام).
على هذه الحكاية ورواه مشايخ الشيعة وتدارسوه بينهم قبل أن يولد جد أبي العيناء، وقد حدّث به الحسن بن علوان عن عطية
____________
1- أي إرثها من فدك وهي قرية كان للنبي نصفها فلما توفي صلوات الله عليه وآله أرادت فاطمة أن تأخذ نصيبها في الإرث منها فمنع أبو بكر دون ذلك محتجاً بقول النبي: "نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة".
2- يشير إلى قوم في عصره كانوا يغضون من قدر آل البيت.
3- يعني أنّ الطعن هو في نسبة هذا الكلام البليغ إلى فاطمة أما نفس الواقعة وهي منع الإرث فهي صحيحة ومثبوتة في كتب التاريخ.
ثمّ ذكر الحديث قال: لما أجمع أبو بكر على منع فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فدك، وبلغ ذلك فاطمة لاثت خمارها(2) على رأسها، وأقبلت في لمة من حفدتها(3)، تطأ ذيولها، ما تخرم(4) من مشية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شيئاً، حتى دخلت على أبي بكر وهو في حشد(5)من المهاجرين والأنصار، فنيطت(6) دونها ملاءة، ثمّ أنّت أنّة أجهش القوم لها بالبكاء، وارتج المجلس، فأمهلت حتى سكن نشيج(7) القوم وهدأت فورتهم، فافتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه، والصلاة
____________
1- وقد ذكر ذلك أيضاً عن الشريف المرتضى ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة 16 / 252.
2- اللوث عصب العمامة والخمار ما يستر به الانسان، وفي نسخة واشتملت بجلبابها.
3- اللمة الصاحب أو الأصحاب في السفر والمؤنس للواحد والجمع والحفدة أبناء الابن.
4- أي ما تترك ويروى ما تخرم مشيتها مشية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
5- جماعة.
6- علقت.
7- من نشج الباكي غص بالبكاء في حلقه ويروى فأمهلت هنيئة حتى إذا سكن نشيج القوم الخ.
____________
1- سورة التوبة: 128.
2- ويروى فإن تعزوه "أي تنسبوه" تجدوه أبي دون نسائكم.
3- الإنذار من أنذره حذَّره وخوَّفه في إبلاغه وصادعاً أي مجاهراً.
4- المدرج المسلك.
5- الثبج وسط الشيء ومعظمه وما بين الكاهل إلى الظهر والكظم مخرج النفس أو الفم وينكث يروى في نسخة ويجذ، والجذ القطع المستأصل وتروى هذه الجملة في نسخة هكذا "ضارباً لثبجهم يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة آخذاً بأكظام المشركين يهشم الأصنام ويفلق الهام، وقولها على الرواية الأولى ينكث الهام لعله ينكس الهام من نكسه قلبه على رأسه.
6- أي أسفر.
7- الشقاشق جمع شقشقة، شيء كالرئة يخرجه البعير من فمه إذا هاج ويروى وتمت كلمة الإخلاص.
8- حرف.
____________
1- المذقة: الجرعة والنهزة الفرصة والقبسة ما تقبضه بيدك، وتريد أنّهم كانوا ضعافاً مهانين يتخطفهم الناس.
2- الطرق: الماء الذي خاضته الإبل وبالت فيه، ويروى تقتاتون القد.
3- خاسئين.
4- ويروى وبعد أن مني منهم الرجال الخ. وبهم الرجال شجاعتهم جمع بهمة وذؤبان العرب: لصوصهم ومردتهم.
5- هكذا في بعض النسخ.
6- أوقدوا.
7- نجم أي ظهر.
8- فغر فاه فتحه وأوسعه واللهوات جمع اللها وهي أقصى الحلق وينكفي يرجع.
9- ويروى يطفىء عادية لهبها بسيفه والصماخ داخل الآذان والأخمص إصبع القدم.
10- مكدوداً من كد جد وتعب.
11- كر فهنية وهي غضاضة العيشة ونعيمها.
____________
1- أي خلِق ورثَّ.
2- الفنيق الجمل البازل القوي.
3- العرصات: ساحات الدور.
4- من رقدته، يقال: هو غارز رأسه في سنة.
5- ويروى "فدعاكم فألفاكم لدعوته مستجيبين".
6- أي مغترين فيه.
7- ويروى: فأحمشكم.
8- من الوسم وهو العلامة.
9- الشرب ـ بالكسر ـ: مكان الشرب ـ بالضم ـ تريد أنّهم أخذوا ما ليس لهم واغتصبوا حقوق غيرهم.
10- الجرح، ورحيب: واسع.
11- يلتئم.
12- تشير إلى ما كان منهم عند وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنهم انصرفوا عن غسله إلى تنصيب خليفة عليهم يلي أُمورهم بعد النبي ولم يشتغل بتكفينه إلاّ آل البيت وآخرون معهم.
ثم انحرفت إلى قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهي تقول:
____________
1- أنى: كيف، والإفك أشنع الكذب.
2- سورة آل عمران: 85.
3- تريثوا: تبطئوا، ويروى "لم تريثوا أختها إلا ريث الخ"، ويروى: لم يلبثوا إلا ريث ـ أي لم تبطئوا عن منع الإرث عنا إلاّ ريثما تم لكم أمر الخلافة دوننا فبدأتم بهذه وثنيتم بتلك.
4- ويروى: أيها المسلمة المهاجرة ابتز إرث أبي أبا لله في الكتاب يا ابن أبي قحافة ـ تريد أبا بكر ـ أن ترث أباك ولا أرث أبي، وفي رواية ابتز إرث أبيه.
5- إلى هنا تجده في أعلام النساء، كحالة: 4 / 116 ـ 118.
قد كان بعدك أنباء وهنبثة | لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب(1) |
إنا فقدناك فقد الأرض وابلها | واختل قومك فاشهدهم ولا تغب(2) |
قال: فما رأينا يوماً كان أكثر باكياً ولا باكية من ذلك اليوم.(3)
____________
1- الهنبثة: الأُمور الشديدة والاختلاط في القول والخطب الخطوب أي الاُمور العظيمة.
2- الوابل: المطر الغزير ـ وهذان البيتان فيهما الإقواء قال الإمام الشنقيطي الكبير: لم أجدهما إلاّ هكذا.
3- بلاغات النساء، ابن طيفور: 23 ـ 26، نقلناها مع هوامشها، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 16 / 249 ـ 251.
الرواية الثانية: خطبتها (عليها السلام) في المهاجرين والأنصار أيضاً:
قال ابن طيفور: حدّثني جعفر بن محمد رجل من أهل ديار مصر لقيته بالرافقة قال: حدّثني أبي، قال: أخبرنا موسى بن عيسى، قال: أخبرنا عبدالله بن يونس، قال: أخبرنا جعفر الأحمر، عن زيد بن علي رحمة الله عليه، عن عمّته زينب بنت الحسين (عليهما السلام)قالت: لما بلغ فاطمة (عليها السلام) إجماع أبي بكر على منعها فدك لاثت خمارها، وخرجت في حشدة نسائها، ولمة من قومها، تجر أذراعها، ما تخرم من مشية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)شيئاً، حتى وقفت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار، فأنّت أنّة أجهش لها القوم بالبكاء.
فلما سكنت فورتهم(1) قالت: أبدأ بحمد الله، ثمّ أسبلت بينها وبينهم سجفاً(2) ثمّ قالت: الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والثناء بما قدم، من عموم نعم ابتداها، وسبوغ آلاء أسداها(3)، وإحسان منن والاها، جمَّ(4) عن الإحصاء عددها، ونأى عن المجازاة أمدها(5)، وتفاوت(6) عن الإدراك امالها، واستثن الشكر بفضائلها(7)،
____________
1- أي روعهم من البكاء.
2- أي أرخت ستراً.
3- سبوغ النعم: اتساعها، الإسداء: الإحسان.
4- كثر.
5- غايتها.
6- تباعد ما بينها.
7- يروى: بأفضالها واستثنه استحقه.
____________
1- والندب من ندبه إلى الأمر دعاه وحثه.
2- موصول كلمة لا إله إلا الله توحيده وخشيته.
3- أنى أي بلغ غايته.
4- أي قدرها بلا شبيه.
5- أي دفعاً لهم.
6- أي إقبالا.
7- يخلقه.
8- ابتعثه أي أرسله بالنبوة واستنجبه اختاره.
9- الأهاويل جمه أهوال واحدها هول وهي المخافة من الأمر لا يدري وكأنّها صلّى الله عليها تكني بذلك عن حيرة الناس قبل ظهور نور النبوة.