وستنبئك ابنتك بتضافر أمتك على هضمها
روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال عند دفن سيدة النساء فاطمة (عليها السلام)، كالمناجي به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عند قبره.السلام عليك يا رسول الله عني، وعن ابنتك النازلة في جوارك، والسريعة اللحاق بك، قلّ، يا رسول الله، عن صفيّتك صبري، ورَقَّ عنها تجلُّدي، إلا أنّ في التأسّي لي بعظيم فُرقتك، وفادح مصيبتك، موضع تعزٍّ، فلقد وسّدتُك في ملحدةِ قبرك، وفاضت بين نحري وصدري نفسُكَ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون. فلقد استرجعت الوديعة، وأخذت الرهينةُ!
أما حزني فسرمَدٌ، وأما ليلي فمُسهّدٌ، إلى أن يختارَ الله لي دارك الّتي أنت بها مقيم. وستنبئك ابنتك بتضافر أُمتك على هضمها، فأحفها السُّؤال، واستخبرها الحال، هذا ولم يطل العهدُ، ولم يخل منك الذِّكرُ، والسلام عليكما سلام مُوَدِّع، لا قال ولا سئم، فإن أنصرف فلا عن ملالة، وإنْ أُقِمْ فلا عن سوء ظنٍّ بما وعَدَ الله الصابرين(1).
____________
1- نهج البلاغة، للإمام علي (عليه السلام): 319 ـ 320 من كلام له (عليه السلام) رقم: 202، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 10 / 265، أعلام النساء، كحالة: 4 / 131.
وستخبرك ابنتك بما لقينا بعدك؟
قال سبط ابن الجوزي: ولما دفنها علي (عليه السلام) أنشد:
لكل اجتماع من خليلين فرقة | وكل الذي دون الفراق قليل |
وإن افتقادي فاطماً بعد أحمد | دليل على أن لا يدوم خليل(1) |
ثم جاء إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: السلام عليك يا رسول الله وعلى ابنتك النازلة في جوارك، السريعة اللحاق بك، قل تصبري عنها، وضعف تجلدي على فراقها، ألا إن في التأسي لي بعظيم فرقتك وقادح مصيبتك مقنع، فإنا لله وإنا إليه راجعون، فلقد استرجعت الوديعة واخذت الرهينة.
اما حزني عليكما فسرمد وأما ليلي فمسهد، إلى أن يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم، وينقلني من دار التكدير والتأثيم، وستخبرك ابنتك بما لقينا بعدك! فأحفها بالسؤال واستعلم منها الأمور والأحوال.هذا ولم يطل العهد، ولم يمتد الزمان، فعليكما مني السلام، سلام مودع لا قال ولا سئم، فإن أنصرف فلا عن ملالة وإن أقم لاعن سوء ظن بما وعد الله الصابرين، واُعد للمجرمين.
____________
1- المستدرك على الصحيحين، الحاكم: 3 / 163.
هذا أحد الركنين
وقال أحمد في الفضائل حدثنا محمد بن يونس حدثنا حماد ابن عيسى الجهني حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا أبا الريحانتين عن قليل يذهب ركناك فلما توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال علي (عليه السلام): هذا أحد الركنين، فلما توفيت فاطمة (عليها السلام) قال: وهذا الدكن الآخر(1).
دفنوها ليلا وغيبوا قبرها
قال الشيخ كاظم الأزري عليه الرحمة:
ولأي الأمور تدفنُ يسراً | بضعة المصطفى ويُعفى ثراها |
فمضت وهي أعظم الناس وجداً | في فم الدّهر غصّة من جواها |
وثوت لا يرى لها الناس مثوىً | أيّ قدس يضمّه مثواها |
روى القاضي أبو بكر أحمد بن كامل في تاريخه،.. أن علياً والحسن والحسين (عليهم السلام) دفنوها ليلا، وغيبوا قبرها.
وروي أنه (عليه السلام) عفى قبرها وعلَّم عليه، ورشّ أربعين قبراً في البقيع، ولم يرشّ قبرها حتى لا يُهتدى إليه، وأنهما عاتباه على ترك
____________
1- تذكرة الخواص، سبط ابن الجوزي: 287.
أمّا حقي فقد تركته مخافة أن يرتد الناس
قال الأستاذ توفيق أبو علم: وقد رأينا أنه تنفيذاً لوصية الزهراء (عليها السلام)، فقد دفنت ليلا، ولم يحضر مع الإمام (عليه السلام) سوى الصفوة المختارة من أصحابه، ولمّا علم المسلمون وفاتها جاءوا إلى البقيع فوجدوا أربعين قبراً، فأشكل عليهم موضع قبرها من سائر القبور، فضجّ الناس، ولام بعضهم بعضاً، وقالوا:
لم يخلّف نبيّكم إلاّ بنتاً واحدة تموت وتدفن، ولم تحضروا وفاتها والصلاة عليها، ولا تعرفوا قبرها؟!
ثم قال ولاة الأمر منهم: هاتوا من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور حتّى نجدها فنصلّي عليها، ونزور قبرها!
فبلغ ذلك الإمام علي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فخرج مغضباً، قد أحمرّت عيناه ودرّت أوداجه، عليه قباؤه الأصفر الذي كان يلبسه في كلّ كريهة، وهو متكىء على سيفه ذي الفقار، حتى ورد البقيع.
فبادر إلى الناس النذير، وقالوا: هذا عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، قد أقبل كما ترونه يقسم بالله لئن حوّل من هذه القبور حجر ليضعنّ
____________
1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 16 / 280 ـ 281.
فضرب الإمام بيده إلى جوامع ثوبه، فهزّه ثمّ ضرب به الأرض، وقال: أمّا حقي فقد تركته مخافة أن يرتدّ الناس، وأمّا قبر فاطمة، فوالله الذي نفس عليّ بيده لئن رمت وأصحابك شيئاً من ذلك لأسقينَ الأرض من دمائكم، فإن شئت فأعرض!
فتلقّاه، أخر فقال: يا أبا الحسن! بحقّ رسول الله، وبحقّ من فوق العرش، إلاّ خلّيت عنه، فإنّا غير فاعلين شيئاً تكرهه.
فخلّى عنه، وتفرّق الناس، ولم يعودوا إلى ذلك(1).
____________
1- أهل البيت (عليهم السلام)، توفيق أبو علم: 185 ـ 186.
ظلامة فاطمة (عليها السلام)
في الشعر
بحقّ التي ظلمت حقها
1 ـ كتب عوام صاحب أبي نؤاس إلى بعض عُمال ديار ربيعة:
بحقِّ النبيِّ بحقِّ الوصي | بحقِّ الحسين بحقِّ الحسن |
بحقِّ التي ظلمت حقّها | ووالدها خيرُ ميت دُفن |
ترفَّق بأرزاقنا في الخرا | ج بترفيهها وبحط المؤن |
قال: فأسقط عنه الخراج طول ولايته(1).
وحقّ التي غصبت حقّها
وقد رويت هذه الأبيات بصورة أخرى كما عن الراغب الأصبهاني (ت 502 هـ) قال: اعترضت امرأة المأمون وكان قد غصبها ضيعة فقالت:
ألا أيّها الملكُ المرتجى | لريب المنون وصرفِ الزمن |
بحقّ النبي وحقِّ الوصي | وحقِّ الحسين وحقُ الحسن |
وحقّ التي غصبت حقّها | ووالدها بعد ذا ما اندفن |
شفعتُ إليكَ بأهل الكساء | فإنْ لم تشفَّع شفيعي فمن؟(2) |
____________
1- العقد الفريد، الأندلسي: 5 / 349.
2- محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء، الراغب الأصبهاني: 1 / 485.
آه لبنت محمد
2 ـ وقال القاضي أبو بكر بن قريعة(1) (ت 367 هـ):
لولا اعتذار رعية | ألغى سياستها الخليفة |
وسيوف أعداء بها | هاماتنا أبداً نقيفة |
لكشفت من أسرار آ | ل محمد جُملا ظريفة |
تغني بهلا عماروا | ه مالك وأبو حنيفة |
ونشرت طيَّ صحيفة | فيها أحاديث الصحيفة |
وأريتكم أنّ الحسـ | ـين اُصيب في يوم السقيفة |
ولأي حال اُلحدت | بالليل فاطمة الشريفة |
ولما ختت سنحيكم | عن طيء حجرتها المنيفة |
آه لبنت محمد | ماتت بغُصّتها أسيفة |
كما تحيفها عتيق
وقال أيضاً عليه الرحمة:
إن كان عندي درهمٌ | أو كان في بيتي دقيق |
____________
1- راجع ترجمته في: شذرات الذهب، الحنبلي: 3 / 60، وفيات الأعيان، ابن خلكان: 4 / 382، ترجمة رقم: 655، تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي: 2 / 317، ترجمة رقم: 806.
فبرئت من أهل الكسا | وكفرت بالبيت العتيق |
وظلمت فاطمة البتو | ل كما تحيّفها عتيق(1) |
شرع الغدر أخو غلٍّ
مهيار الديلمي: أولها:
يا بنة القوم تراك | بالغ قتلى رضاك |
إلى أن يقول:
يا بنة الطاهر كم تقـ | ـشر بالظلم عصاك |
غضب الله لخطب | ليلة الطفِّ عراك |
ورعى النار غداً جسـ | ـمٌ رعى أمس حماك |
شرع الغدر أخو غلٍّ | عن الإرث زواك |
يا قبوراً بالغرييـ | ـن إلى الطفِّ سقاك |
كلّ محلول عُرى المر | زم محلوب السِّماك |
حامل من صلوات الله | ما يرضي ثراك |
وإن استغنيت عن وكـ | ـف حيّاً غير حياك |
إنه لو أجدب البحـ | ـر اجتدى فضل نداك |
أو أضل البدرُ في الأفـ | ـق سناه لاهتداك |
____________
1- كتاب الوافي بالوفيات، الصفدي: 3 / 227 ـ 228.
يا هداة الله والنجـ | ـوة في يوم الهلاك |
بكم استدللت في خيـ | ـرة أمري وارتباكي |
أظلم الشكّ وكنتم | لي مصابيح المشاكي(1) |
وعلى مثلك فلتبك البواكي
وري انّه ذيّل عليها بعضهم وأتمها فقال:
يا بنة الطاهر كم تقـ | رع بالظلم عصاك |
غضب الله لخطب | ليلة الطفّ عراك |
ورعى الناس غداً قط | رعى أمس حماك |
مرّ لم يعطفه شكوا | ه ولا استحيا بكاك |
واقتدى الناس به بعـ | ـد فأردى ولداك |
يا ابنة الراقي إلى السد | رة في لوح السكاك |
لهف نفسي وعلى مثـ | ـلك فلتبك البواكي |
كيف لم تقطع يد مدَّ | إليك ابن صهاك |
فرحوا يوم أهانو | كِ بما ساء أباكِ |
ولقد أخبرهم أنّ | رضاه في رضاك |
دفعاً النصّ على إر | ثك لمّا دفعاك |
____________
1- ديوان مهيار الديلمي: 2 / 369 ـ 370.
وتعرّضت لقدر | تافه وانتهراك |
وادعيت النحلة المشـ | ـهود فيها بالصكاك |
فاستشاطا ثمّ ما إن | كذبا إن كذباك |
فزوى الله عن الرحـ | ـمة زنديقاً ذواك |
ونفى عن بابه الوا | سع شيطاناً نفاك(1) |
جاءتهم الزهراء تطلب ارثها
حدثني فضيلة العلامة الحجّة آية الله المحقّق استاذنا الشيخ محمد رضا الجعفري دامت تأييداته قال: حدّثني الأخ الأستاذ ضياء شهاب العلوي الاندونيسي ـ وذلك في أيام زيارتي لاندونيسيا عام 1962 م ـ 1381 هـ أنّه عندما كان صبياً يتعلم الكتابة والقراءة قال: بعثني والدي إلى العلامة السيد العلوي الحداد الهدّار صاحب القول الفصل فيما لبني هاشم من الفضل كي يرسم لي كتابة بالحروف العربية لأتعلم الخط العربي، فكتب:
ما المسلمون بأمة محمد | كلا، ولكن أمة لعتيق |
جاءتهم الزهراء تطلب إرثها | فتقاعدوا عنها بكل طريق |
وتجمعوا وتجمهروا وتألّبوا | لما دعتهم ابنة الصديق |
____________
1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 16 / 235 ـ 236.
فقعودهم عن هذه وقيامهم | مع هذه يغني عن التحقيق |
ولما رأى أبي وقرأ أمرني بأن أطلب منه نسخة القائل فكلّما أصررت عليه أبى أن يذكر، وقال: انك طلبت رسماً لتتعلّم الكتابة فكتبت لك!(1)
مظلومة والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والدها
ومن شعر منصور بن الزبرقان النمري:
نفسي فداء الحسين يوم عدا | إلى المنايا عدو لا قافل |
ذاك يوم أنحى بشفرته | على سنام الاسلام والكاهل |
ما لشك عندي في كفر قاتله | وإنما قلت بكفر الخاذل |
كأنما أنت تعجبين ألاّ | ينزل بالقوم نقمة العاجل |
لا بعجل الله إن عجلت وما | ربك عمّاترين بالغافل |
مظلومة والنبي والدها | بدير أرجاء مقلة جافل |
____________
1- وقد تتبعت العشرات من المصادر لعلي أجد هذه الأبيات أو أعثر على قائلها فوجدتها في كتاب الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم: 3 / 162 تأليف العلامة المتكلم الشيخ زين الدين العاملي النباطي المتوفى سنة 877 هـ وإليكها كما يلي:
ما صحَّ أن المسلمين بأمة | لمحمد، بل أمة لعتيق |
جاءت تطالب فاطم بتراثها | فتقاعدوا عنها بكلّ طريق |
وتسارعوا نحو القتال جميعهم | لمّا دعتهم ابنة الصديق |
فقعودهم عن هذه ونهوضهم | مع هذه يغني عن التحقيق |