الصفحة 229
حسن بن كبش أنه روى في كتابه باسناده عن الامام الصادق عليه السلام أنه أومأ إلى ابنه موسى عليه السلام وقال: " والخامس من ولده يغيب شخصه ولا يحل ذكره باسمه "(1).

وهذه الأخبار الكثيرة المعتبرة التامة الحجة والمؤيدة بالاجماع المنقول، والشهرة المحققه وافية في اثبات المدّعى.

ومع ذلك فانها مؤيدة بعدّة أشياء:

الأول:

أنه في جميع اخبار المعراج قد ذكر الله تعالى لنبيّه اسماء ائمّتنا واحداً واحداً إلّا المهدي عليه السلام فانه ذكره بلقبه.

وسوف تأتي هذه الأخبار متفرقة في هذا الباب والباب التالي.

الثاني:

أن في جميع الأخبار النبوية التي ذكر فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم اسماء اوصيائه ـ كما ستأتي جملة منها في الباب الخامس ـ فانه ذكرهم بأسمائهم إلاّ هو عليه السلام فقد ذكره باللقب أو قال (اسمه اسمي)، مع أن الامامين الباقر ومحمد التقي عليهما السلام كان اسمهما اسمه ايضاً.

الثالث:

كثرة القابه الشائعة والمتعارفة عليه السلام قبل ولادته، والتي كانت شائعة بعد ولادته.

حتى أنه قد بشر في جميع الامم السالفة بظهوره عليه السلام ـ كما سيأتي في خطبة يوم الغدير، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قال: " ألا أنه قد بشر به من سلف بين يديه " ـ وعند الجميع باللقب المعروف، وفي زيارته عليه السلام: " السلام على مهدي

____________

1- لم نجده في (المختصر) المطبوع، ولكنه موجود في البحار: ج 26، ص 309 عن المختصر وأثبت محقق البحار في الهامش رقم صفحة (المختصر) ولعله موجود في نسخة أخرى غير ما هو مطبوع والله العالم.


الصفحة 230
الأمم ".

وأما حمل هذه الأخبار على التقية، فلا يجوز لعدة وجوه:

الأول:

أنه نقل جمع محدثي الخاصة والعامة هذه الفقرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم انه قال: (اسمه اسمي) كما سيشار إلى اسانيده ومصادره في الباب الرابع، فالكل اذن يعرفون اسمه عليه السلام، فعلى من يراد اخفاؤه؟

الثاني:

أنه ذكر في كثير من هذه الأخبار وغيرها النهي عن ذكر الاسم مع انها صرحت ان اسمه اسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، ومعنى ذلك أن الراوي والسامع قد علما باسمه الاصلي، فاذا كان ذلك تقية فقد علما، وان كانت عن الغير فعليهما أن لا يذكراه في مكان آخر، اذن فالحذر من ذكره في ذلك المجلس لا معنى له، بل كان من اللازم تنبيههما على عدم ذكره في مجلس آخر ولم ينبهوا.

الثالث:

أن عدم ذكر الخضر اسمه عليه السلام في المحضر الشريف لأمير المؤمنين عليه السلام اثبت أن عدم ذكر اسمه من اجزاء الشهادة وصفاته عليه السلام، وكذلك عدم ذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) اسمه لجندل اليهودي الخيبري فلا يمكن حملها على التقية.

الرابع:

أنه كما تقدم قد ثبت أن غاية الحرمة هي الظهور، وهذا لايمكن اجتماعه مع كون الحرمة دائرة مدار الخوف.

الخامس:

أنه إذا كان مجرد ذكر الاسم هو منشأ الخوف والفساد بملاحظة أن الجبارين متصدين لاستئصاله وقتله عندما يصلون إليه لأنه على يده عليه السلام زوال ملكهم وانقطاع دولة الظالمين، فيكون من الافضل أن لا يذكر بأي اسم ولقب معروف به، وخصوصاً لقب المهدي، فان في كل تلك الوعود والمواعيد النبوية قد

الصفحة 231
ذكره عليه السلام بهذا اللقب، وعرف به بعد ذلك حتى أن (ابن الخطاب) سأل أمير المؤمنين عليه السلام عن المهدي، وعبد الملك سأل الزهري، والمنصور سأل (سيف) كما يأتي.

فليس هناك طريق في بيان اختصاصه بهذا الاسم إلاّ أن يكون من الأسرار المكنونة، والخصائص الالهية، مثل كون (أمير المؤمنين) من خصائص جده عليه السلام.

وقد احتمل بعض: أن سبب الحرمة هو أن العوام إذا سمعوا باسمه (عليه السلام) قد يصدقون بمعتقد أهل الكتاب القائل بأن نبي آخر الزمان سيظهر لاحقاً.

وأما تلك التي تدل على الجواز فهي عدة أخبار ضعيفة بحسب السند، مثل الخبر المتقدم في (لقب السيد) أن جارية الخيزراني قالت أن السيدة نرجس ماتت في حياة الامام الحسن العسكري وعلى قبرها لوح مكتوب عليه هذا قبر أم (م ح م د).

وعلاوة على ضعف هذا الخبر وجهالة الراوي وعدم معلومية الكتابة ودلالتها على جواز النطق، فهو معارض لعدة اخبار يأتي بعضها في الباب السادس أن السيدة نرجس خاتون كانت على قيد الحياة بعد وفاته عليه السلام ويحتمل أن أم محمد هي كنية السيدة نرجس خاتون فلا يكون في هذا الخبر دلالة على المدّعى.

وفي نفس خبر الجارية هذا أنه كان اسم امّه عليه السلام (صقيل)، والمروي في (كمال الدين) للصدوق أن صقيل كانت حاضرة وقت وفاة الامام العسكري عليه السلام فدعا بماء قد اُغلي بالمصطكي فجائته به وقد توفي بعد صلاة الصبح وشربه.

ومثل خبر (اللوح) وان كان بغاية الاعتبار ولكن في متنه اختلاف كثير، وفي أحاديث كثيرة ذكر باللقب والكنية، واذا اراد احد أن يراجع المجلد التاسع من البحار فسوف يثبت اكثرها.

علاوة على ذلك، أن ذكره في ذلك اللوح من الاسرار المخزونة، ولم يره أحد غير جابر، فلا يقال أن فيه دلالة على الجواز.


الصفحة 232
وهناك طريق رواه الصدوق وقد ذُكر فيه الاسم، ولكنه بعد أن ذكر الخبر قال: " جاء هذا الحديث هكذا بتسمية القائم عليه السلام، والذي اذهب إليه ما روي في النهي من تسميته "(1).

ومثله الخبر المنقول عن علي بن احمد أنه رأى حجراً في مسجد الكوفة قد نقش عليه اسمه الشريف بحسب الخلقة.

وضعف دلالته واضح ايضاً.

ورواية أبي غانم: " ولد لأبي محمد عليه السلام ولد فسماه... فلان "(2).

ومن المعلوم أن ذكر اسمه أو مثله من الرواة غير المعروفين ليس حجة، وخصوصاً أن تسمية الاسم هو غير ذكر الاسم.

وقد ذكر بالاسم في بعض الادعية، فهو علاوة على قلته فهو معارض للاكثر التي ذكر فيها باللقب.

ولم يعلم وصوله بهذا النحو فيحتمل أن الامام ذكر اوله وقد احال الباقي على القراء، كما صرّح بذلك في مواضع كثيرة، فهذا يرجع إلى عدم معرفة الراوي، ولا يدل على الجواز في غير ذلك الموضع.

واضعف من الجميع الاستشهاد بكنية الامام الحسن العسكري وهي (أبي محمد)، فالكنية له عليه السلام نظير الاسم، فعندما يكون (عَلَماً) فحينئذ لا يلتفت فيه إلى الولد، مثل ابو الحسن الاول، وابو الحسن الثاني ; واجزاء الاعلام المركبة لا تدل على جزء المعنى مثل عبد شمس، وأبي بكر وامثال ذلك.

وبالجملة فان رفع اليد عن تلك الأخبار الصحيحة الصريحة والمؤيدة بالاجماع

____________

1- كمال الدين: ج 1، ص 307. وقد نقله المؤلف في الترجمة مختصراً.

2- كمال الدين: ج 2، ص 431 ـ لا يخفى ان في المصدر اسمه الشريف وابدله المؤلف رحمه الله لقوله بالحرمة.


الصفحة 233
والشهرة والوجوه السابقة بسبب هذا النوع من الأخبار انما هو خروج عن قانون الاستدلال وطريقة الفقهاء.

وتوجد في المقام بعض المباحث العلمية التي لا تتناسب مع الكتاب الفارسي(1).

المائة والسابع والثلاثون: " نية الصابرين ".

عدّه في الهداية من القابه.

المائة والثامن والثلاثون: " المنتقم ".

وعدّه هناك وفي المناقب القديمة من الالقاب.

وفي خطبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم الغديرية في اوصافه عليه السلام: " ألا أنه المنتقم من الظالمين ".

وفي خبر الجارود بن المنذر الطويل والمشهور برواية ابن عياش في المقتضب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم أنه قال:

يا جارود ليلة اُسري بي إلى السماء أوحى الله عزّ وجلّ اليّ أن " سلْ من أرسلنا من قبلك من رسلنا " على ما بعثوا. فقلت: على ما بعثتم؟

قالوا: على نبوّتك، وولاية علي بن أبي طالب والائمة منكما.

ثم أوحى اليّ أن التفت إلى يمين العرش. فالتفت فاذا علي والحسن والحسين وعليّ بن الحسين ومحمد بن عليّ وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى

____________

1- باعتبار ان طريقة السلف الصالح كانوا يكتبون باللغة الفارسية إلى العامة بينما عندما يكتبون باللغة العربية فانما يقصدون من التأليف اهل البحث والنظر.

وان طرح المسائل العلمية يتناسب مع اهل الاختصاص.


الصفحة 234
ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والمهدي في ضحضاح من نور يصلّون.

فقال لي الربّ تعالى: " هؤلاء الحجج اوليائي وهذا(1) المنتقم من أعدائي "(2).

وروي في علل الشرائع عن الامام الباقر عليه السلام أنه قال:

أما لو قد قام قائمنا لقد ردت إليه الحميراء حتى يجلدها الحدّ وحتى ينتقم لابنة محمد فاطمة عليها السلام منها.

قلت(3): جعلت فداك ولِمَ يجلدها الحد؟

قال: لفريتها على أم ابراهيم.

قلت(4): فكيف أخّر الله القائم؟

فقال: لأن الله تبارك وتعالى بعث محمداً صلى الله عليه وآله وسلّم رحمة وبعث القائم عليه السلام نقمة(5).

وروي في الكافي عنه(6) عليه السلام أنه قال: إذا تمنّى احدكم القائم فليتمنه في عافية فانّ الله بعث محمداً صلى الله عليه وآله وسلّم رحمة ويبعث القائم نقمة(7).

والمروي في (كمال الدين) عن (الامام الحجة عليه السلام)(8) وهو في سنته الثالثة

____________

1- في الترجمة زيادة (يعني المهدي عليه السلام).

2- راجع العوالم (الشيخ عبد الله البحراني): ج (النصوص على الائمة الاثني عشر عليهم السلام)، ص 29 ـ عن كنز الكراجكي: ص 258 ـ ومقتضب الاثر: ص 38 ـ والمختصر: ص 151.

3- في الترجمة زيادة (فسأله الراوي).

4- في الترجمة زيادة (فسأله الراوي).

5- علل الشرائع (الصدوق): ج 2، ص 580.

6- في الكافي عن الامام الصادق عليه السلام. ولعله من سهو قلم المحدث النوري رحمه الله أو هكذا في نسخته والله تعالى العالم.

7- الكافي (الروضة): ج 8، ص 233.

8- في المتن (عنه) بدون ذكر الاسم عليه السلام، وبما انه لا يناسب الضمير بالتعريب، وانما كان ذلك يناسب اللغة الفارسية فلذلك وضعنا هذه العبارة.


الصفحة 235
قال لأحمد ابن اسحاق: أنا بقية الله في ارضه والمنتقم من اعدائه(1).

المائة والتاسع والثلاثون: " المهدي " صلوات الله عليه.

وهو اشهر اسمائه والقابه عليه السلام عند جميع الفرق الاسلامية.

روى الشيخ الطوسي في غيبته عن أبي سعيد الخراساني، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: لأي شيء سمّي المهدي؟

قال: لأنه يهدي إلى كل امر خفي(2).

وروى الشيخ المفيد في الارشاد عنه عليه السلام وانما سمّي القائم مهدياً لأنه يهدي إلى امر قد ضلّوا عنه...(3)

وروى يوسف بن يحيى السلمي في كتاب (عقد الدرر في اخبار الامام المنتظر) عن الامام الباقر عليه السلام أنه قال:

" وانما سمّي المهدي لأنه يهدي إلى أمر خفي ".

"...(4) ويستخرج التوراة والانجيل من أرض يقال لها انطاكية "(5).

وقال(6) في رواية أخرى: " انما سمّي المهدي لأنه يهدي إلى اسفار من اسفار

____________

1- كمال الدين (الصدوق): ج 2، ص 384.

2- الغيبة (الطوسي)، ص 282.

3- الارشاد (المفيد): ج 2، ص 383.

4- في الترجمة وصل هذه الرواية بالتي قبلها.

ولكن في المصدر المطبوع انتهت الرواية بقوله عليه السلام (إلى امر خفي) ثم قال بعدها " وعن كعب الأحبار... قال: انما سمي المهدي لأنه يهدي إلى امر خفي ويستخرج التوراة... الخ ".

5- عقد الدرر: ص 40، الطبعة الاولى سنة 1979 القاهرة.

6- هكذا في الترجمة، ولكن في المصدر المطبوع بعد ذكر الرواية السابقة: " اخرجه الامام ابو عبد الله نعيم بن حماد في كتاب (الفتن) من وجوه ".

وفي بعض رواياته عن كعب، قال: " انما سمّي المهدي... الخ ".


الصفحة 236
التوراة، فيستخرجها من جبال الشام يدعو(1) اليها اليهود، فيسلم على تلك الكتب جماعة كبيرة، ثم ذكر نحواً من ثلاثين الفاً "(2).

وفي رواية أخرى: " انما سمّي المهدي لأنه يُهْدى إلى جبل من جبال الشام، يستخرج منه اسفار التوراة يحاجّ بها اليهود، فيسلم على يديه جماعة من اليهود "(3).

وفي هذه الأخبار اشكال لأن ما ذكروه يتناسب مع معنى (الهادي) الذي بمعنى الذي يهدي وليس مع (المهدي) الذي بمعني الذي يُهدى إلى الطريق الصحيح، واذا ضُمّ الميم يعطى معناه أيضاً لأنه بمعنى أن يبعث شخص بهدية إلى شخص آخر.

وتوضيح الجواب على هذا الاشكال سوف يأتي في لقب (الهادي) أن شاء الله تعالى(4).

المائة والأربعون: " عبد الله ".

من اسمائه عليه السلام المباركة، كما تقدم في اسم (احمد) عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم انه قال: " اسمه(5) احمد وعبد الله والمهدي "(6).

____________

1- هكذا في المصدر، ولكن في الترجمة زيادة (ثم) قبل (يدعو اليها اليهود).

2- عقد الدرر: ص 40.

3- في المصدر الرواية عن (ابن شوذب): ص 40 ـ 41.

4- لا يخفى ان في المصدر المطبوع العبارة (يُهْدى) لا (يَهْدِي) كما قد قرأها المؤلف رحمه الله فان كانت العبارة هي ما في المصدر المطبوع فسوف ينتفي الاشكال. والله العالم.

5- هكذا في الرواية، واما في الترجمة فبزيادة (واسم المهدي احمد... الخ) وهو تسامح وقد تقدمت الرواية سابقاً.

6- الغيبة (الطوسي): ص 274.


الصفحة 237

المائة والواحد والأربعون: " المؤمَّل ".

روى الشيخ الكليني والشيخ الطوسي عن الامام الحسن العسكري عليه السلام انه قال حين ولد الحجة عليه السلام:

" زعم الظلمة انّهم يقتلونني ليقطع هذا النسل، فكيف رأوا قدرة الله، وسمّاه المؤمَّل "(1).

والظاهر أنه بفتح الميم الثانية، يعني أن الخلائق يتأملونه، وقد اشير في دعاء الندبة الى هذا المضمون: " بنفسي انت من(2) امنية شائق يتمنى من مؤمن ومؤمنة ذكرا فحنّا ".

المائة والثاني والأربعون: " المنتظر ".

روي في كمال الدين عن الامام محمد التقي عليه السلام أنه قال(3): " انّ مِنْ بَعْدِ الحسن ابنه القائم بالحق المنتظر...(4)

فقلت له(5): ولِمَ سمّي المنتظر؟

قال: لانّ له غيبة يكثر ايّامها ويطول امدها فينتظر خروجه المخلصون وينكره المرتابون، ويستهزئ بذكره الجاحدون، ويكذب فيها الوقاتون، ويهلك فيها المتسعجلون، وينجو فيها المسلّمون "(6).

____________

1- الغيبة (الطوسي): ص 138 ـ ولا يوجد الخبر في الكافي، وانما سند الشيخ الطوسي رحمه الله في الغيبة لهذا الحديث وقع عن الكليني رحمه الله.

2- في مفاتيح الجنان المطبوع لا توجد (من).

3- في الترجمة زيادة (الامام من بعد الحسن...).

4- ثم يسأله الراوي عن سبب تسميته بالقائم ويجيبه الامام ولم يذكر ذلك المؤلف رحمه الله هنا لأنه ذكره فيما سبق في لقب (القائم).

5- في الترجمة (فسأله الراوي).

6- كمال الدين: ج 2، ص 278.


الصفحة 238
يعني اولئك الذين يسلّمون ولا شأن لهم بالاشكالات عن سبب عدم خروجه.

وعليه فان هذا الخبر بفتح (الظاء) يعني المنتظَر الذي تعلقت كل الخلائق بانتظار قدومه.

المائة والثالث والأربعون: " الماء المعين ".

يعني الماء الظاهر الجاري على سطح الأرض.

والمروي في (كمال الدين) و(غيبة الطوسي) عن الامام الباقر عليه السلام أنه قال في الآية الشريفة: { قل أرأيتم إنْ أصبح ماؤكم غوراً فمن يأتيكم بماء معين }(1) فقال: هذه نزلت في القائم يقول: أن أصبح إمامكم غائباً عنكم لا تدرون اين هو فمن يأتيكم بامام ظاهر، يأتيكم باخبار السماء والأرض وحلال الله جلّ وعزّ وحرامه، ثم قال عليه السلام: والله ما جاء تأويل هذه الآية ولابد أن يجيء تأويلها(2).

وهناك عدة اخبار بهذا المضمون فيهما، وفي (الغيبة) للنعماني، (وتأويل الآيات).

ووجه تشبيهه عليه السلام بالماء، باعتباره سبباً لحياة كل ظاهر، بل أن تلك الحياة قد وجدت وتوجد بسبب وجوده المعظم بمراتب اعلى واتمّ واشد وادوم من الحياة التي يوجدها الماء، بل أن حياة نفس الماء من وجوده عليه السلام.

ومروي في (كمال الدين) عن الامام الباقر عليه السلام أنه قال في الآية الشريفة: { اعلموا ان الله يحيي الأرض بعد موتها }(3).

قال: يحييها الله عزّ وجلّ بالقائم عليه السلام بعد موتها ـ موتها بكفر اهلها ـ

____________

1- الآية 30: سورة الملك.

2- كمال الدين (الصدوق): ج 1، ص 326 ـ وفي الغيبة (الطوسي): ص 101 باختلاف يسير.

3- الآية 17، سورة الحديد.


الصفحة 239
والكافر ميت(1).

وفي رواية الشيخ الطوسي في الآية المذكورة: يعني يصلح(2) الأرض بقائم آل محمد(3) من بعد موتها، يعني من بعد جور اهل مملكتها(4).

ولا يخفى أن الناس يستفيدون في ايام الظهور من هذه العين التي هي الفيض الرباني لهذه العين بسهولة وبساطة، مثل العطشان بجنب النهر الجاري العذب فليس عنده من الانتظار الاّ الاغتراف، ولهذا عبّر عنه عليه السلام بـ (الماء المعين).

وبما أن الحق قد رفع من الخلق الالطاف الخاصة في أيام الغيبة وذلك بسوء أعمالهم فلزمهم أن يلتمسوا الفيض ويأخذوا الخير ويتعلموا منه عليه السلام بالمشقّة والتعب والعجز والخضوع والتضرع والانابة مثلهم مثل العطشان إذا أراد أن يخرج الماء من البئر العميقة فليس عنده طريق الاّ بذل الجهد باستخدام الآلات والوسائل ليطفئ نار عطشه. ولهذا عبّر عنه عليه السلام بـ (بئر معطلة) ; ولا يسع المقام للشرح أكثر من هذا.

المائة والأربع والأربعون: " المخبر بما يعلن ".

المائة والخمس والأربعون: " المجازي بالاعمال ".

ذُكر الأول في المناقب القديمة، والثاني في (الهداية) وعُدّا من القابه عليه السلام.

المائة والست والأربعون: " الموعود ".

____________

1- كمال الدين (الصدوق): ج 2، ص 668.

2- في الترجمة زيادة (يصلح الله).

3- في الترجمة زيادة (عليهم السلام).

4- الغيبة (الطوسي): ص 110.


الصفحة 240
عدّه في الهداية من القابه.

وروى الشيخ الطوسي عن الامام السجاد عليه السلام أنه قال في الآية الشريفة: { وفي السماء رزقكم وما توعدون فو ربّ السماء والأرض انّه لحق مثل ما انكم تنطقون }(1).

قال: قيام(2) القائم عليه السلام من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلّم(3).

ونقل ايضاً عن ابن عباس مثله(4).

ويحتمل أنه عليه السلام يريد تأويل الرزق في الآية بظهوره عليه السلام الذي يكون سبباً لانتشار الايمان والحكمة وانواع العلوم والمعارف وهي حقيقة الرزق وسند الحياة الانسانية وعيش الخلود، كما فسر الطعام في الآية الشريفة: { فلينظر الانسان إلى طعامه }(5) بـ (العلم) وما ذكر بعده من الحب والعنب والزيتون والنخل والبساتين والمراتع وغيره بأنواع العلوم.

والمروي في غيبة النعماني عن الامام الباقر عليه السلام أنه قال: " وتؤتون الحكمة في زمانه حتى أن المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله تعالى وسنة نبيّه صلى الله عليه وآله

____________

1- الآية 22 و23 من سورة الذاريات.

2- في الترجمة زيادة (وخروج) ولا توجد في الرواية.

ثم ان السند في الغيبة عن (اسحاق بن عبد الله بن علي بن الحسين).

ولكن في (المحجة فيما نزل في القائم الحجة) للسيد هاشم البحراني (اسحاق بن عبد الله عن علي بن الحسين).

3- الغيبة (الطوسي): ص 176 و177، الطبعة المحققة الاولى.

4- في الغيبة للطوسي (رحمه الله) عن ابن عباس في قوله تعالى: " وفي السماء رزقكم وما توعدون " قال: هو خروج المهدي عليه السلام ـ الغيبة: ص 175، الطبعة المحققة الاولى.

وفي (المحجة فيما نزل في القائم الحجة): "... قال هو: خروج القائم [ المهدي ] عليه السلام ": ص 211.

5- آية 24 من سورة عبس.


الصفحة 241
وسلّم "(1).

أو يكون المقصود من تفسير (وما توعدون) يعني ذلك الموعود الذي وعدتم به ووعد بمجيئه جميع انبياء الامم هو مجيئه عليه السلام، كما في زيارته عليه السلام: " السلام على المهدي الذي وعد الله به الاُمم أن يجمع به الكلم ".

وجاء في احدى الزيارات الجامعة في أوصافه عليه السلام:

" واليوم الموعود وشاهد ومشهود ".

المائة والسابع والأربعون: " مظهر الفضائح ".

المائة والثامن والأربعون: " مبلي السرائر ".

عدّ الأول في المناقب القديمة والهداية والثاني في الهداية من القابه عليه السلام.

وتعلم حقيقة هذين اللقبين من السير في سيرته عليه السلام فقد روى النعماني في (الغيبة) عن الامام الصادق عليه السلام أنه قال:

" بينا الرّجل على رأس القائم يأمره وينهاه إذ قال: أديروه، فيديرونه إلى قدّامه، فيأمر بضرب عنقه، فلا يبقى في الخافقين شيء الّا خافه "(2).

وفي الرواية الاخرى أنه يضرب عنقه في نفس المكان الواقف فيه(3).

المائة والتاسع والأربعون: " مبدئ الآيات ".

كما في الهداية.

____________

1- الغيبة (النعماني): ص 239.

2- الغيبة (النعماني): ص 239.

3- الغيبة (النعماني): ص 240 (عن أبي عبدالله عليه السلام انه قال: بينا الرجل على رأس القائم يأمر وينهى إذ امر بضرب عنقه، فلا يبقى بين الخافقين [ شيء ] الاّ خافه).


الصفحة 242
يعني مظهر آيات الله تعالى. أو محل ظهور وبروز الآيات الالهية. لأنه في ذلك اليوم يفرش بساط الخلافة في الأرض، البساط الذي قد وضع جميع الانبياء والرسل عليه أقدامهم فجاؤوا بتلك الآيات البينات والمعجزات الباهرات من اجل هداية الخلق في مقام الارشاد واعلاء كلمة الحق وازهاق الباطل.

ولم يعزّ الله تعالى أحداً بمثل هذا التعظيم ولم يعطِ لأحد مثل هذا المقدار من الآيات كما أعطى لمهديه صلوات الله عليه ويجريها له.

وقد اعطاه الله تعالى عمراً طويلا ولا يُعلم إلى أين سوف يمتد عندما يظهر في هيئة رجل ابن ثلاثين سنة، وتظلله غمامة بيضاء على رأسه، وتنادي بلسان فصيح: " هذا مهدي آل محمد عليهم السلام " ويمسح على رؤوس شيعته فتكمل عقولهم، وانه تظهر الملائكة في عسكره المبارك ويراها الناس كما كانوا يرونها إلى عهد ادريس النبي عليه السلام، وتظهر في جيشه عساكر من الجن.

وليس في عسكره طعام ولا شراب الاّ حجر يحمل وان طعامهم وشرابهم من ذلك الحجر.

وتشرق الأرض وتضيء بنور جماله فتنتفي الحاجة إلى ضوء القمر.

ويزول الشر والضرر من الوحوش والحشرات، ويرفع الخوف والرعب منها.

وتظهر الأرض كنوزها، ويخفف الفلك من سرعة حركته(1) ويمرّ جيشه من على وجه الماء، ويخبر الجبل والحجر عن الكافر الذي اختفى فيه، ويعلم الكافر بسيمائه، ويكون كثير من الأموات في ركبه المبارك ويضرب السّيف على هامات الأحياء.

وغير ذلك من الآيات العجيبة، وكذلك الآيات التي تظهر قبل ظهوره

____________

1- في الارشاد للشيخ المفيد: ج 2، ص 385 عن الامام الباقر عليه السلام في حديث طويل (يأمر الله تعالى الفلك باللبوث وقلة الحركة فتطول الايام لذلك والسنون).


الصفحة 243
وخروجه وهي لا تحصى، وقد ذكرت اكثرها في كتب الغيبة، وانها جميعاً مقدمة لمجيئه عليه السلام، ولم تقم الحجة بعشر منها.

المائة والخمسون: " المحسن ".

المائة والواحد والخمسون: " المنعم ".

المائة والثاني والخمسون: " المفضل ".

وعدّ الثلاثة في الهداية من القابه.

والثلاثة من الاسماء الحسنى، وقد جعله تعالى مظهرها(1) الاعظم كما روى السيد الجليل علي بن طاووس في كتاب الاقبال بسند صحيح في خبر طويل عندما اوفد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم إلى نجران لدعوة النصارى، فجُمع هناك علماؤهم لأجل تبيين صدق دعواه صلى الله عليه وآله وسلّم واُحضرت الكتب السماوية ونظروا فيها، ومنها صحيفة آدم صفي الله الكبرى المستودعة علم ملكوت الله جلّ جلاله وما ذرأ وما برأ في ارضه وسمائه.... فألفوا في المصباح الثاني من فواصلها....

(وبعد عدّة فقرات)(2)... " ثم نظر آدم إلى نور قد لمع فسدَّ الجو المنخرق فأخذ بالمطالع من المشارق ثم سرى كذلك حتى طبق المغارب، ثم سما حتى بلغ ملكوت السماء، فنظر فاذا هو نور محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم واذا الأكناف به قد تضوّعت طيباً واذا أنوار أربعة قد اكتنفته عن يمينه وشماله ومن خلفه وامامه، أشبه شيء به أرجاً ونوراً ويتلوها انوار من بعدها تستمد منها واذا هي شبيهةٌ بها في ضيائها وعظمها ونشرها ثمّ دنت منها فتكللت عليها، وحفت بها ونظر فاذا أنوار من بعد ذلك في مثل عدد الكواكب ودون منازل الأوائل جداً جداً، وبعض هذه أضوءُ

____________

1- يعني (تجليها) الاعظم.

2- هذه العبارة في الترجمة، فانه رحمه الله تعالى نقل مقطعاً من الرواية وقد وضعنا كلامه (رحمه الله) بين قوسين والباقي نقلناه من المصدر.