الباب الخامس
في اثبات ان المهدي الموعود صلوات الله عليه
هو الحجة بن الحسن العسكري عليهما السلام
الباب الخامس
في ذكر اثبات ان المهدي الموعود صلوات الله عليه المتفق عليه بين المسلمين هو الحجة بن الحسن العسكري عليهما السلام بنص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وأمير المؤمنين عليه السلام وبعض الائمة الذين لا خلاف في فضلهم وعلمهم وتديّنهم وزهدهم وتقواهم ; من طرق أهل السنة ومن طرق الخاصة بدون استيفاء لتمام متن اخبارهم لما يوجب التطويل، بل الهدف ايصال هذا المقدار من المدّعى وهو ان هذا الشخص المخصوص هو نفسه الموعود المنتظر بنص رسول الله والائمة صلوات الله عليهم نصاً متواتراً بالتواتر اللفظي أو المعنوي المورث للقطع للمنصف الخالي من العناد والشبهة.
وليس لجميع أحاديث وأخبار أهل السنة المعتبرة معارض، فأنت تدري انّ جمهورهم لا يدّعي المهدوية لشخص مخصوص، ويسمحون لكل وضيع ان يكون محلا للمهدوية فيكون هو المهدي!
فباب تأويل تلك الأخبار مسدود بالمرّة، فضلا عن عدم المعارض العقلي كما ظهر في الباب السابق، وعن المعارض النقلي حيث اعترفوا هم انفسهم بذلك. وبعد وضوح ضعف وبطلان عدة من الأخبار المتقدمة، فلا يجوز التصرف والتأويل في النص الصحيح القطعي وكلام النبي الصريح المؤيد في هذا المقام بالخبر المتفق عليه بين
يعني يخرج من الدنيا على غير فطرة الاسلام.
روى السيوطي في تاريخ الخلفاء بعدة طرق عن البخاري، ومسلم، واحمد، وابي داوُد، والبزاز وغيرهم بألفاظ مختلفة ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قال: " يمضي اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش "(2).
وبرواية احمد والبزاز: " اثنا عشر كعدّة نقباء بني اسرائيل "(3).
وبرواية المسدد في المسند الكبير: "... اثنى عشر خليفة كلهم يعمل بالهدى ودين الحق... "(4).
ثم نقل عن القاضي عياض المالكي انّه قال:
" لعلّ المراد بالاثني عشر في هذه الاحاديث وما شابهها انهم يكونون في مدة عزّة الخلافة وقوّة الاسلام، واستقامة اموره، والاجتماع على مَنْ يقوم بالخلافة، وقد وجد هذا فيمن اجتمع عليه الناس إلى ان اضطرب أمر بني امية ووقعت بينهم الفتنة زمن الوليد بن يزيد، فاتصلت بينهم إلى أن قامت الدولة العباسية فاستأصلوا أمرهم.
قال شيخ الاسلام ابن حجر في شرح البخاري: كلام القاضي عياض أحسن ما قيل في الحديث... " إلى أن يقول: " والذي وقع أن الناس اجتمعوا على أبي بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، إلى أن وقع أمر الحكمين في صفّين فتسمى معاوية يومئذ بالخلافة، ثم اجتمع الناس على معاوية عند صلح الحسن، ثم اجتمعوا على ولده يزيد، ولم ينتظم للحسين امر بل قُتِلَ قبل ذلك، ثم لما مات يزيد وقع الاختلاف إلى
____________
1- كشف الاستار: ص 113، عن (الجمع بين الصحيحين) للحميدي وغيره.
وراجعه في مسند الطيالسي: ص 259، طبعة حيدر آباد الدكن.
وراجعه في ينابيع المودة (القندوزي الحنفي): ص 117، وغيرها من المصادر الكثيرة.
2 و 3- راجع تاريخ الخلفاء (السيوطي): ص 10.
4- تاريخ الخلفاء (السيوطي): ص 12.
ويظهر من هذا الكلام ان يزيد بن معاوية من الخلفاء الاثني عشر الذين اخبر عنهم صلى الله عليه وآله وسلّم انهم هداة والعلماء الذين هم بين الحق والخلق، وهم على الحق، ومن يخرج عليهم باغ وخارج على امام زمانه، وهذا من الشواهد الواضحة على ما تدّعيه الامامية ان سيد الشهداء عليه السلام بقواعد اهل السنة خارج على امام زمانه.
والأدلة والبراهين والشواهد على هذا المدّعى كثيرة، ولا يسع المقام اكثر من هذا ; ومن ذلك صرّح ابن حجر المذكور في كتاب (التقريب) ان عمر بن سعد ثقة وان ارتكاب ذلك الامر العظيم لا ينافي عدالته.
وقد وقع علماء أهل السنة في حرج ـ وأي حرج ـ من هذا الخبر الشريف كلما ارادوا ان يتخلصوا منه لم يتمكنوا بحمد الله، واعطوا احتمالات افتضحوا فيها، فهم يقولون احياناً انهم خلفاء بني اُمية وبني العباس الارجاس، ومن لم يقتدِ بأولئك المتجاهرين باكثر الكبائر الضروريّة(2) المقطوع عليها عند أهل الاسلام ولم يجعلهم اماماً مات كافراً وعلى هذا النسق سائر السلاطين.
وأحياناً اخذوا القرآن اماماً لكل زمان.
____________
1- تاريخ الخلفاء (السيوطي): ص 11.
2- يعني التي من الكبائر التي لا خلاف فيها عند أهل الاسلام كشرب الخمر والزّنا والكذب وأكل أموال الناس بالباطل وغيرها.
أمّا من طريق أهل السنة، فيذكر عدة اخبار:
الأول:
روى العالم الحافظ منتخب الدين محمد بن مسلم بن ابي الفوارس في كتاب اربعينه باسناده عن احمد بن أبي رافع البصري(1) قال:
قال: حدثني أبي وكان خادماً للامام أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام، قال: حدّثني ابي العبد الصالح موسى بن جعفر، قال: حدّثني ابي جعفر الصادق، قال: حدّثني أبي باقر علم الانبياء محمد بن علي، قال: حدّثني أبي سيد العابدين علي بن الحسين، قال: حدّثني ابي سيد الشهداء الحسين بن علي، قال: حدثني ابي سيد الاوصياء علي بن أبي طالب عليهم السلام، انّه قال: قال لي اخي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: من أحبّ أن يلقى الله عزوجل وهو مقبل عليه غير معرض عنه فليوالِ علياً عليه السلام، ومن سره أن يلقى الله عزوجل وهو راض عنه فليوالِ ابنك الحسن عليه السلام، ومن أحبّ أن يلقى الله ولا خوف عليه فليوالِ ابنك الحسين، ومن أحبّ أن يلقى الله وهو تمحص عنه(2) ذنوبه فليوالِ علي بن الحسين عليهما السلام فانّه كما قال الله تعالى: { سيماهم في وجوههم من أثر السجود }، ومن أحبّ أن يلقى الله عزوجل وهو قرير العين فليوالِ محمد بن علي عليهما السلام، ومن أحبّ أن يلقى الله عزوجل فيعطيه كتابه بيمينه فليوالِ جعفر بن محمد عليهما السلام، ومن أحبّ أن يلقى الله طاهراً مطهراً فليوالِ موسى ابن جعفر النور الكاظم عليهما السلام، ومن أحبّ أن يلقى الله وهو ضاحك فليوالِ علي بن موسى الرضا عليهما السلام، ومن أحبّ أن يلقى الله وقد
____________
1- في كشف الاستار: (احمد بن نافع البصري).
2- هكذا في المصدر كما في كشف الأستار وان كان الصّواب (وقد حطت عنه ذنوبه) والله العالم.
الثاني:
روى اخطب خطباء خوارزم ابو المؤيد موفق بن احمد المكي في مناقبه عن ابي سليمان(2) راعي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يقول: ليلة أسري بي إلى السماء، قال لي الجليل جل وعلا: { آمن الرسول بما انزل إليه من ربّه } قلت: والمؤمنون قال: صدقت يا محمد، من خلفت في امتك قلت: خيرها، قال: علي بن ابي طالب، قلت: نعم يا رب، قال يا محمد انّي اطلعت إلى الأرض اطلاعة فاخترتك منها فشققت لك اسماً من أسمائي فلا اُذكر في موضع الّا ذُكِرْتَ معي فأنا المحمود وأنت محمد، ثم اطلعت الثانية فاخترت علياً وشققت له اسماً من أسمائي فأنا الأعلى وهو علي. يا محمد! انّي خلقتك وخلقت علياً وفاطمة والحسن والحسين والائمة من ولده من سنخ نور من نوري وعرضت ولايتكم على أهل السماوات وأهل الأرض فمن قَبِلَهَا كان عندي من المؤمنين، ومن جحدها كان عندي من الكافرين. يا محمد! لو ان عبداً من عبيدي عبدني حتى ينقطع أو يصير كالشن البالي، ثم أتاني جاحداً لولايتكم ما غفرت له حتى يقرَّ بولايتكم. يا محمد! أتحبّ أن تراهم، قلت: نعم يا رب، فقال لي: التفت عن يمين العرش، فالتفتُّ فاذا أنا بعلي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد
____________
1- راجع كشف الاستار: ص 60 ـ 61.
2- وفي المصدر وفي مقتضب الأثر وغيرهما اسم الراوي (ابي سلمى).
يقول المؤلف:(1)
نقل هذا الخبر الشريف ابن شاذان في (المناقب المائة) بسند الخوارزمي هذا، وكذلك ابن عياش في (مقتضب الأثر) بنفس السند، نقلوه جميعاً عن رواته.
وفي نسخة مناقب الخوارزمي والمناقب المائة التي عند الحقير، وكذلك نقله المير لوحي في كفاية المهتدي: (عن أبي سليمان راعي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم).
وفي المقتضب، وغيبة الشيخ الطوسي: (ابو سلمى)، والظاهر انّه هو الصحيح كما قال ابن اثير الجزري في (اسد الغابة) في باب الكنى: " أبو سلمى راعي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قيل: اسمه حريث كوفي. وقيل: شامي.
روى عنه ابو سلام الأسود، وأبو معمر عباد بن عبد الصمد.. إلى آخر ما قاله... "(2).
ونقل عن الاستيعاب وابي نعيم وأبي موسى وصرح انّه بالسين المضمومة.
وراوي هذا الخبر الشريف عنه هو ابو سلام الذي عدّ من رواة أبي سلمى.
الثالث:
ونقل هناك بسنده عن علي بن ابي طالب عليه السلام انّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم:
" أنا واردكم على الحوض، وانت يا علي الساقي، والحسن الذائد، والحسين
____________
1- أقول لم نجده في مناقب الخوارزمي في النسخة المطبوعة، وانما وجدناه في (مقتل الحسين عليه السلام) للخوارزمي نفسه: ص 95 ـ 96.
2- اُسد الغابة (ابن الاثير الجزري): ج 6، ص 153 ـ 154.
ونقله ابن شاذان في (المناقب المائة) بنفس اسناد الخوارزمي، وكذلك رواه ابراهيم بن محمد الحمويني شيخ الاسلام في (فرائد السمطين) مسنداً.
الرابع:
روى أبو عبد الله احمد بن محمد بن عياش في (مقتضب الأثر) عن أبي الحسن ثوابة بن احمد الموصلي الوراق الحافظ من علماء العامة بسنده عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام عن سالم بن عبد الله بن عمر(2) انّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: ان الله تعالى أوحى اليّ ليلة اُسري بي: يا محمد:.... إلى آخر ما تقدم مختصراً في باب الخصائص.
وقال أبو عبد الله بن عياش بعد ان ذكر الخبر: وقد كنت قبل كتبي هذا الحديث عن ثوابة الموصلي رأيته في نسخة وكيع بن الجراح التي كانت عند أبي بكر محمد بن عبد الله بن عتاب، حدّثنا بها عن ابراهيم بن عيسى القصار الكوفي عن وكيع بن الجراح رأيتها في أصل كتابه، فسألت أن يحدّثني به فأبى(3)، وقال: لست أحدث بهذا الحديث عداوة ونصباً، وحدّثنا بما سواه، ومن فروع كتاب أخرج فيه احاديث وكيع بن الجراح، ثم حدثني به بعد ذلك ثوابة، ورواية ابن عتاب أعلى لو كان
____________
1- راجع مقتل الحسين عليه السلام (الخوارزمي): ج 1، ص 94 ـ 95.
2- لا يخفى ان سالم يروي عن أبيه كما في المصدر ـ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم.
3- قال المؤلف (رحمه الله): (يعني: اقرئه عليّ، أو اقرأه عليه وهو يسمع، أو يجيزني بحيث اتمكن من نقله عنه).
يقول المؤلف:
انظر إلى مقدار ما كانوا يهتمون بنقل الأخبار خصوصاً إذا نقلوها عن أهل السنة، فمع انّه رأى الخبر في كتاب وكيع بن الجراح فانه لم ينقله عنه لأنه لم يأذن له بذلك ; وان نقل الخبر في ذلك العصر بهذه الصورة كان سبباً لضعفه وعدم اعتباره ويسمونه (وجادة).
وكذلك فهو يتأسف حيث ذهب من يده سند (وكيع) لأنّه كان اعلى، يعني ان واسطته أقل، وبذلك تكون قوة الخبر اكثر.
و (وكيع) المذكور، والموجود هذا الخبر في كتابه من العلماء المعروفين ; وهو (وكيع بن الجراح بن مليح بن عدي) وينتهي نسبه الى عامر بن صعصعة الرواسي.
نقل في (عبقات الانوار) عن كتاب (الثقات) لمحمد بن حيان البستي: انّه كان حافظاً متقناً.
ويقول الفياض ابن زهير: ما رأينا في يد وكيع كتاباً، يقرأ كتابه من حفظه.
وتوفي سنة 197.
وعن النووي في (تهذيب الاسماء) بعد ان ذكر مشايخه مثل الاعمش والسفيانين والاوزاعي وامثالهم، ورواته مثل ابن حنبل وابن راهويه، والحميدي، وابن المبارك، وابن معين، وابن المدائني ونظائرهم من اعيان المحدثين، قال: واجمعوا على جلالته ووفور علمه وحفظه واتقانه وورعه وصلاحه وعبادته وتوفيقه واعتماده.
وقال أحمد بن حنبل: ما رأيت اَعْرَفَ بالعلوم واَحْفَظَ من وكيع.
وقال ابن عمار: لم يكن في الكوفة في زمان وكيع أفقه وأعلم بالحديث منه.
____________
1- مقتضب الاثر (ابن عياش): ص 23 ـ 25.
الخامس:
نقل أبو عبد الله احمد بن عياش في (المقتضب) باسناده إلى وكيع بن الجراح المذكور عن الربيع بن سعد بن عبد الرحمن بن سليط(1) قال: قال الحسين بن علي عليه السلام: منّا اثنا عشر مهديّاً اولهم أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام وآخرهم التاسع من ولدي وهو القائم بالحق، يحيي الله به الأرض بعد موتها، ويُظهر به الدين على الدين كله ولو كره المشركون، له غيبة، يرتد فيها قوم ويثبت على الدين فيها آخرون، فيؤذَوْن [ ويقال لهم: متى هذا الوعد ان كنتم صادقين ](2) اما ان الصابر في غيبته على الاذى والتكذيب، بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم(3).
السادس:
وروى هناك عن عبد الرحمن بن صالح بن رعيدة قال:
حدثني الحسين بن حميد بن الربيع، قال: حدّثنا الاعمش، عن محمد بن خلف الطاطري، عن زاذان عن سلمان قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يوماً فلما نظر اليّ قال: يا سلمان! ان الله عزوجل لم يبعث نبياً ولا رسولا الّا جعل له اثني عشر نقيباً، قال:
قلت له: يا رسول الله! لقد عرفت هذا من أهل الكتابين، قال: يا سلمان! فهل عرفت مَنْ نقبائي الاثنا عشر الذين اختارهم الله للامامة من بعدي، فقلت: الله ورسوله أعلم، فقال: يا سلمان خلقني الله من صفوة نوره، ودعاني فأطعته وخلق من نوري نور علي عليه السلام فدعاه إلى طاعته فأطاعه، وخلق من نوري ونور علي
____________
1- في الترجمة (ساويط) بدل (سليط).
2- سقطت من الترجمة.
3- مقتضب الاثر (ابن عياش): ص 23.
____________
1- سقطت هذه الجملة من الترجمة. وقد أشار المؤلف (رحمه الله) إلى ذلك في تعقيبه على الخبر، واثبتا ما في المصدر المطبوع مع التنبيه.
2- مقتضب الاثر (ابن عياش): ص 6 ـ 7.
3- اخرجه المحدّث النوري في نفس الرحمن عن هذا الكتاب مع اختلاف في بعض العبارات، وقال: وفي الباب التاسع والستين من مصباح الشريعة للصادق روي باسناد صحيح عن سلمان، واخرجه علي بن محمد بن يونس العاملي النباطي البياضي المتوفى 877 في الصراط المستقيم في الباب العاشر في القطب الثاني مختصراً، والبحراني في بهجة النظر في اثبات الوصية والامامة للأئمة الاثني عشر بسنده إلى سلمان وأخرجه حسن بن سليمان الحلي تلميذ الشهيد الاول في المختصر: ص 106 وابن جرير الطبري في دلائل الامامة بسنده عن زاذان واخرجه في اثبات الهداة مختصراً: ج 3، ص 197 وأخرجه في البحار: ج 13، ص 236 عن هذا الكتاب وغيره.
وقال ابن عياش بعد ان ذكر الخبر بكامله:
سألت أبا بكر محمد بن عمر الجعابي الحافظ عن محمد بن خلف الطاطري؟
فقال: هو محمد بن خلف بن موهب الطاطري ثقة مأمون، وطاطر سيف(1)من اسياف البحر تنسج فيها الثياب تسمّى الطاطرية كانت تنسب اليها(2).
ومن هذا الكلام يظهر ان باقي رجال السند من الثقات المعروفين عند اهل السنة.
السابع:
وروى ايضاً عن أبي محمد عبد الله بن اسحاق بن عبد العزيز الخراساني المعدل ـ وهو من رجال أهل السنة ـ عن شهر بن حوشب عن سلمان الفارسي قال: كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم والحسين بن علي عليهما السلام على فخذه، إذ تفرس في وجهه، وقال له: يا أبا عبد الله أنت سيد من السادة، وانت امام ابن امام، أخو امام، أبو ائمة تسعة تاسعهم قائمهم، امامهم اعلمهم احكمهم افضلهم(3).
الثامن:
وروى عن محمد بن عثمان بن محمد الصيداني وغيره بطريق معتبر عن جابر بن عبد الله الانصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: انّ الله اختار من الايام يوم الجمعة، ومن الليالي ليلة القدر، ومن الشهور شهر رمضان، واختارني
____________
1- قال في الترجمة (ساحل من سواحل) كما هو معناه في اللغة العربية.
2- مقتضب الاثر (ابن عياش): ص 7 ـ 8.
3- مقتضب الأثر (ابن عياش): ص 8 ـ 9.
التاسع:
وروى عن أبي الحسن محمد بن احمد بن عبد الله بن احمد بن عيسى المنصوري الهاشمي باسناده خبراً طويلا انّه عثر في عهد عبد الله بن الزبير على كتاب قديم كتب فيه احوال وصفات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وكذلك واحداً واحداً من الائمة بالاسم والوصف، وقد ذكرنا ما هو متعلق بالامام المهدي عليه السلام في باب الالقاب في اللقب السادس عشر.
العاشر:
وروى ايضاً هناك خبراً شريفاً عجيباً يكفي ان يقال انّه يوازي كل ما رواه أهل السنة.
والخبر الذي رواه هو خبر ام سليم صاحبة الحصاة وليست بحبابة الوالبية ولا بأم غانم صاحبتي الحصاة هذه ام سليم غيرهما وأقدم منهما، من طريق العامة حدّثنا أبو صالح سهل بن محمد الطرطوسي القاضي ـ قدم علينا من الشام في سنة أربعين وثلاثمائة ـ قال: حدّثنا أبو فروة زيد بن محمد الرهاوي قال: حدّثنا عمار بن مطر، قال: حدّثنا أبو عوانة عن خالد بن علقمة، عن عبيدة بن عمرو السلماني، قال: سمعت عبد الله بن خباب بن الأرت قتيل الخوارج يقول: حدّثني سلمان الفارسي والبراء بن عازب قالا: قالت ام سليم.
ومن طريق أصحابنا حدّثني أبو القاسم علي بن حبشي بن قوني، قال: حدّثنا جعفر بن محمد بن ملك الفزاري، قال: حدّثني الحسين بن أحمد المنقري التميمي، قال: حدّثني الحسن بن محبوب، قال: حدّثني أبو حمزة الثمالي عن زر بن حبيش الاسدي، عن عبد الله بن خباب بن الأرت قتيل الخوارج عن سلمان الفارسي والبراء
____________
1- مقتضب الاثر (ابن عياش): ص 9.
____________
1- العقوة: الساحة واسرة الرجل: أهله المعروفون بالعائلة.
____________
1- الكسر: جانب البيت.
" قال زر بن حبيش خاصة دون غيره، وحدّثني جماعة من التابعين سمعوا هذا الكلام من تمام حديثها، منهم: مينا مولى عبد الله بن عوف وسعيد بن جبير مولى بني اسد، سمعاها تقول هذا، وحدّثني سعيد بن المسيب المخزومي ببعضه عنها ".
قالت: فجئت إلى علي بن الحسين عليه السلام وهو في منزله قائماً يصلّي، وكان يطول فيها ولا يتحوز(2) فيها، وكان يصلى ألف ركعة في اليوم والليلة فجلست مليّاً فلم ينصرف من صلواته، فأردت القيام فلمّا هممت به حانت منّي التفاتة إلى خاتم في اصبعه، عليه فص حبشي، فاذا هو مكتوب مكانك يا اُمّ سليم انبؤك بما جئتني له قالت: فأسرع في صلاته فلمّا سلّم قال لي: يا أم سليم! ايتيني بحصاة ـ من غير ان
____________
1- ذبل النبات: قل ماؤه وذهبت نضارته.
2- تحوز: تنحى وقال المجلسي (رحمه الله) لعلّه كناية عن عدم الفصل بين الصوات وكثرة التشاغل بها.
قال الشيخ أبو عبد الله: سألت أبا بكر محمد بن عمر الجعابي عن هذه ام سليم ; وقرأت عليه اسناد الحديث للعامة واستحسن طريقها وطريق أصحابنا فيه، فما عرفت أبا صالح الطرطوسي القاضي فقال: كان ثقة عدلا حافظاً ; وأما أم سليم فهي امرأة من النمر بن قاسط، معروفة من النساء اللاتي روين عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، قال: وليست أم سليم الانصارية ام انس بن مالك، ولا ام سليم الدوسية، فانها لها صحبة ورواية(1) ; ولا أم سليم انما الخافضة التي كانت تخفض
____________
1- قال المؤلف (رحمه الله): (يعني: رأت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وروت عنه).
ولو ان كل الحديث لا يناسب الموضوع ولكنّا تبرّكنا بنقله كلّه لشرفه وقلّة وجوده واتقان سنده.
الحادي عشر:
وروى هناك عن طريق أهل السنة عن داود بن كثير الرقي ; قال: دخلت على جعفر بن محمد، فقال لي: ما الذي أبطأ بك عنّا يا داود؟ فقلت له: حاجة عرضت لي بالكوفة هي التي أبطأت بي عنك جعلت فداك، فقال لي: ماذا رأيت بها؟ قلت: رأيت عمك زيداً على فرس ذَنُوب(2) قد تقلّد مصحفاً وقد حفّ به فقهاء الكوفة وهو يقول: يا أهل الكوفة انّي العلم بينكم وبين الله تعالى، قد عرفت ما في كتاب الله من ناسخه ومنسوخه، فقال أبو عبد الله: يا سماعة بن مهران ايتني بتلك الصحيفة ; فأتاه بصحيفة بيضاء فدفعها اليّ وقال لي: اقرأ هذه مما أخرج الينا أهل البيت يرثه كابر عن كابر منّا من لدن رسول لله صلى الله عليه وآله وسلّم، فقرأتها فاذا فيها سطران: السطر الاول لا الـه الّا الله محمد رسول الله، والسطر الثاني: ان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم على علي بن أبي طالب ; والحسن بن علي، والحسين بن علي، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، والخلف منهم الحجة لله. ثم قال لي: يا داود أتدري أين كان ومتى كان مكتوباً؟ قلت: يا ابن رسول الله! الله أعلم
____________
1- واخرجه في البحار: ص 226 و227، ح 7 ـ وفي اثبات الهداة: ج 3، ص 200 مختصراً عن هذا الكتاب.
2- الذنوب من الخيل: الوافر الذنب.
الثاني عشر:
وروى ايضاً عن الشيخ ابو الحسين(2) عبد الصمد بن علي وأخرجه اليّ من أصل كتابه وتاريخه في سنة خمس وثمانين ومائتين سماعة من عبيد بن كثير ابي سعد العامري قال: حدّثني نوح بن دراج(3) عن يحيى ابن الاعمش عن زيد بن وهب عن ابن أبي جحيفة السوائي(4) ـ من سواة بن عامر ـ والحرث بن عبد الله الحارثي الهمداني، والحرث بن شرب، كل حدّثنا انهم كانوا عند علي بن أبي طالب عليه السلام، فكان إذا أقبل ابنه الحسن عليه السلام يقول: مرحباً يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، وإذا أقبل الحسين يقول: بأبي أنت وأمّي يا أبا ابن خير الاماء فقيل له: يا أمير المؤمنين ما بالك تقول هذا للحسن وتقول هذا للحسين؟ ومن ابن خيرة الاماء؟ فقال: ذلك الفقيد الطريد الشريد: محمد بن الحسن بن علي [ بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي ](5) بن الحسين عليهم السلام هذا ووضع يده على رأس الحسين عليه السلام(6).
الثالث عشر:
وقال هناك:
ومن اتقن الأخبار المأثورة وغريبها وعجيبها ومن المصون المكنون في اعداد الائمة وأسمائهم من طريق العامة مرفوعاً وهو خبر الجارود بن المنذر واخباره عن قس بن ساعدة ما حدّثنا به ابو جعفر محمد بن لاحق بن سابق بن قرين الانباري،
____________
1- مقتضب الاثر (ابن عياش): ص 29 ـ 30.
2- في الترجمة (ابو الحسن).
3- في الترجمة (نوح ابن جراح).
4- في الترجمة (ابن جحيفة السواي).
5- سقطت من الترجمة، والظاهر انّه سهو مطبعي.
6- مقتضب الاثر: ص 30.
ثم اقبلت على اصحابه فقلت: على علم به آمنتم به قبل مبعثه كما آمنت به أنا؟ فنصت إلى رجل منهم وأشارت إليه وقالوا: هذا صاحبه وطالبه على وجه الدهر وسالف العصر، وليس فينا خير منه ولا أفضل فبصرت به أغر أبلج قد وفذته الحكمة أعرف ذلك في أساير وجهه(2) وان لم أحط علماً بكنهه قلت: ومن هو؟ قالوا: هذا سلمان الفارسي ذو البرهان العظيم، والشأن القديم فقال سلمان: عرفته يا أخا عبد القيس من قبل اتيانه، فأقبلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وهو يتلألأ ويشرق وجهه نوراً وسروراً، فقلت: يا رسول الله ان قساً كان ينتظر زمانك ويتوكف ابّانك(3) ويهتف باسمك واسم أبيك وأمك، وبأسماء لست اصيبها معك ولا أراها فيمن اتبعك، قال سلمان: فأخبرنا فأنشأت أحدّثهم ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يسمع والقوم سامعون واعون، قلت: يا رسول الله لقد شهدت قسّاً خرج من ناد
____________
1- سقطت هذه العبارة من الترجمة.
2- اساير وجهه: يعني تقاطيع وخطوط وجهه.
3- توكف الخبر: انتظر ظهوره. إبان الشيء: أوله.
وأنشد ابياتاً ; ثم سأل الجارود رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم عن اسمائهم ; فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ما رآه ليلة المعراج من الاشباح النورانية للائمة عليهم السلام وذكر الله تعالى اسمائهم واحداً واحداً إلى المهدي عليه السلام كما تقدم في باب الالقاب في لقب المنتقم ; ثم قال الجارود:(10) هؤلاء المذكورون في التوراة والانجيل والزبور(11).
____________
1- الصحصح: ما استوى من الأرض وكان أجرد.
2- القتاد: شجر صلب له شوك كالابر. والسمرة: بالضم شجر الطلع وهي اشجار عظيمة كثيرة الشوك. والعتاد بالفتح: كل ما اعدّ من سلاح وخيل وآلة حرب.
3- أضحيان ليل: وهي الليالي المضيئة.
4- الارقعة: جمع رقيع وهي السماء.
5- الممرعة: المخصبة.
6- قال المؤلف (رحمه الله): (وفي رواية الكراچكي بعد السبطين، والحسن صاحب الرفعة).
7- قال المؤلف (رحمه الله): (والنهر اللامع، يعني جعفر عليه السلام لأنّ أحد معاني جعفر النهر).
8- المهيع: الطريق الواسع البيّن.
9- بعد لأي: أي بعد شدّة ومحنة.
10- في المصدر: (قال الجارود: فقال لي سلمان: يا جارود هؤلاء المذكورون... الخ).
11- مقتضب الاثر (ابن عياش): ص 31 ـ 39.