الخامس عشر:
وروى ايضاً محمد بن عباس القصيري قال: كتبت في سنة ثلاثة وسبعين إلى الناحية اسأل الدعاء بالحج ولم يكن عندي ما يحملني، وان أرزق السلامة، وان اكفى أمر بناتي. فوقع تحت المسألة: سألت بالدعاء عليها. فرزقت الحج والسلامة ومات لي ثلاث بنات من الستة(1)(2).
السادس عشر:
وروى ايضاً عن أبي العباس الخالدي: قال كتب رجلان من اخواننا بمصر إلى الناحية يسألان صاحب الزمان عليه السلام في جملين(3) فخرج الدعاء لأحدهما بالبقاء، وخرج الآخر: وأمّا انت يا حمدان فآجرك الله بجملك فمات الجمل الذي له(4).
السابع عشر:
وروى ايضاً عن أبي الحسن علي بن الحسن اليماني: قال: كنت ببغداد(5) فتهيأت قافلة لليمانيين فأردت الخروج معهم، وكتبت ألتمس الأمر من صاحب الزمان فخرج إليّ الأمر لا تخرج مع هذه القافلة فليس لك بالخروج معهم خير، وأقم بالكوفة، قال فأقمت كما أمرني، وخرجت القافلة فخرجت عليهم حنظلة فأباحتهم(6) قال: وكتبت استأذن في ركوب الماء من البصرة فلم يؤذن لي وسارت
____________
1- في الترجمة وماتت لي أربع بنات وبقيت لي بنت واحدة. والظاهر ان العبارة فيها سقط في المصدر والترجمة.
2- الهداية الكبرى: ص 371.
3- في الترجمة (حملين) بدل (جملين).
4- الهداية الكبرى: ص 371.
5- في المصدر المطبوع (بالكوفة) ولكن في الترجمة وكذلك في (مدينة المعاجز): ص 601، الطبعة الحجرية، والكافي وغيرها (بغداد).
6- عن الكافي (فاحتاجتهم) ـ وفي مدينة المعاجز: ص 601 (فاجتاحتهم).
قال الشيخ أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في دلائله:
" وكان أحمد بن اسحاق القمي الأشعري شيخ الصدوق وكيل أبي محمد فلما مضى أبو محمد إلى كرامة الله عزّ وجلّ وأقام على وكالته مع مولانا صاحب الزمان تخرج إليه توقيعاته ويحمل إليه الأموال من سائر النواحي التي فيها موالي مولانا فتسلمها، إلى أن استأذن في المسير إلى قم، فخرج الاذن بالمضي، وذكر انه لا يبلغ إلى قم وانه يمرض ويموت في الطريق فمرض بحلوان ومات ودفن بها رضي الله عنه، وأقام مولانا عليه السلام بعد مضي أحمد بن اسحاق الأشعري بسر من رأى مدة ثم غاب "(4).
____________
1- في مدينة المعاجز: ص 601 عن الهداية " إلى المنزل. فقلت: لعلك أرسلت إلى غيري، فقال: لا ما أرسلت الّا اليك، فقلت: من أنا، فقال: أنت علي بن... الخ ".
2- في مدينة المعاجز: ص 601 (خاطباً لله).
3- الهداية الكبرى: ص 372.
4- دلائل الامامة (الطبري): ص 272.
احمد بن اسحاق من اعاظم اصحاب الائمة عليهم السلام وكان صاحب المراتب العالية عندهم ومن وكلائهم المعروفين، وقد ذكرت وفاته بنحو آخر ايضاً، وانها كانت في حياة الامام العسكري عليه السلام، وقد أرسل مع خادمه كافور كفناً له بحلوان وكان غسله وكفنه بيد كافور أو من هو مثله بدون علم أحد ممن معه كما هو في خبر سعد بن عبد الله القمي الطويل الذي كان معه، وكانت وفاته في ذلك السفر.
ولكن النجاشي نقل عن بعض تضعيف هذا الخبر.
و (حلوان) هي (ذهاب) المعروفة التي تقع في طريق كرمنشاه ـ بغداد.
ويقع قبر هذا المعظم قرب نهر تلك القرية ببعد ألف قدم تقريباً من جانب الجنوب، وعلى القبر بناء متواضع خرب وذلك لعدم همة وعدم معرفة اغنياء بل سكان تلك المنطقة بل سكان كرمانشاه والمارة، لذلك بقي هكذا بلا اسم ولا علامة ; ولا يذهب من كل ألف زائر ولا زائرٌ واحد لزيارته مع انّه ذلك الانسان الذي بعث الامام عليه السلام خادمه بطي الأرض لتكفينه وتجهيزه، وهو الذي بنى المسجد المعروف بقم بأمره عليه السلام، وكان سنيناً وكيله عليه السلام في تلك المناطق.
فكان من المناسب أن يُتعامَل معه بشكل أفضل وأحسن من هذا، ولابدّ أن يكون قبره مزاراً مهمّاً ليُحصَل ببركة صاحب القبر وبواسطته على الفيوضات الالهية.
الثامن عشر:
وروى ايضاً عنه عن أبي محمد عيسى بن مهدي الجوهري قال: خرجت في سنة ثمانية وستين ومائتين إلى الحج وكان قصدي المدينة وصاريا حيث صح عندنا ان صاحب الزمان عليه السلام رحل من العراق إلى المدينة فجلست بالقصر بصاريا في ظلة(1) أبي محمد عليه السلام ودخل عليه قوم من خاصة شيعته فخرجت بعد
____________
1- في الترجمة ما معناه: " في ظلة له عليه السلام بجنب ظلة أبيه أبي محمد عليه السلام).
____________
1- قال المؤلف رحمه الله: " قلعة في مكة ".
التاسع عشر:
روى الشيخ المحدّث الفقيه عماد الدين أبو جعفر محمد بن علي بن محمد الطوسي المشهدي المعاصر لابن شهر آشوب، في كتاب (الثاقب في المناقب) عن جعفر بن احمد بن متيل قال: دعاني أبو جعفر محمد بن عثمان فأخرج لي ثوبين معلمة وصرّة فيها دراهم، فقال لي: تحتاج أن تصير بنفسك إلى واسط في هذا الوقت، وتدفع ما دفعته اليك إلى أول رجل يلقاك عند صعودك من المركب إلى الشط بواسط.
قال: فتداخلني من ذلك غم شديد، وقلت: مثلي يرسل في هذا الأمر ويحمل هذا الشيء الوتح(3)!
قال: فخرجت إلى واسط، وصعدت المركب، فأول رجل لقيته سألته عن الحسن بن قطاة الصيدلاني وكيل الوقف بواسط فقال: أنا هو، من أنت؟ فقلت: أبو جعفر العمري يقرأ عليك السلام ودفع اليّ هذين الثوبين وهذه الصرّة لأسلّمها اليك، فقال: الحمد لله، فانّ محمد بن عبد الله الحائري قد مات وخرجت لاصلاح كفنه، فحلّ الثياب فاذا فيها ما يحتاج إليه من حبرة وثياب وكافور، وفي الصرّة كرى
____________
1- قال المؤلف رحمه الله بعد أن حذف هذه الكلمة (لما رأيتني) (إلى أن يقول) ولعل الكلمة لم تكن واضحة في نسخته.
2- قال المؤلف رحمه الله: " يعني الايمان ".
3- الوتح: القليل من كل شيء، التافه.
قال: فشيّعنا جنازته وانصرفت(1).
العشرون:
وروى ايضاً عن محمد بن شاذان بن نعيم قال: أهديت مالا ولم أفسر لمن هو، فورد الجواب: " وصل كذا، وكذا منه لفلان بن فلان، ولفلان كذا "(2).
الحادي والعشرون:
وروى ايضاً عن أبي العباس الكوفي، قال: حمل رجل مالا ليوصله، وأحب أن يقف على الدلالة(3)، فوقع عليه السلام: " ان استرشتدت أرشدت، وان طلبت وجدت، يقول لك مولاك: احمل ما معك ".
قال الرجل: فأخرجت ممّا معي ستة دنانير بلا وزن وحملت الباقي، فخرج التوقيع: " يا فلان رد الستة دنانير التي أخرجتها بلا وزن، ووزنها ستة مثاقيل وخمسة دوانق وحبة ونصف ".
قال الرجل: فوزنت الدنانير، فاذا هي كما قال عليه السلام(4).
الثاني والعشرون:
وروى ايضاً عن اسحاق بن حامد الكاتب، قال: كان بقم رجل بزاز مؤمن، وله شريك مرجئ(5)، فوقع بينهما ثوب نفيس فقال المؤمن: يصلح هذا الثوب لمولاي. فقال شريك؟ لست أعرف مولاك، لكن افعل ما تحب بالثوب.
فلما وصل الثوب شقّه عليه السلام نصفين طولا فأخذ نصفه وردّ النصف وقال:
____________
1- الثاقب في المناقب (ابن حمزة): ص 598.
2- الثاقب في المناقب (ابن حمزة): ص 599.
3- قال المؤلف رحمه الله: " يعني المعجزة ".
4- الثاقب في المناقب (ابن حمزة): ص 600.
5- قال المؤلف رحمه الله: " يعني من أهل السنة، أو طائفة منهم ".
الثالث والعشرون:
وروى ايضاً عن محمد بن الحسن الصيرفي، قال: أردت الخروج إلى الحج، وكان معي مال بعضه ذهب وبعضه فضة، فجعلت ما كان معي من ذهب سبائك، وما كان معي من الفضة نقراً. وكان قد دُفع ذلك المال إليه ليسلّمه إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه.
قال: فلمّا نزلت بسرخس ضربتُ خيمتي على موضع فيه رمل، فجعلت أميز تلك السبائك والنقر، فسقطت سبيكة من تلك السبائك منّي، وغاصت في الرمل، وأنا لا أعلم.
قال: فلمّا دخلت همدان ميّزت تلك السبائك والنقر مرّة اُخرى اهتماماً منّي بحفظها، ففقدت منها سبيكة ووزنها مائة مثقال وثلاثة مثاقيل. أو قال: ثلاثة وتسعون مثقالا.
قال: فسبكت مكانها من مالي بوزنها سبيكة وجعلتها بين السبائك، فلمّا وردت مدينة السلام قصدت الشيخ أبا القاسم الحسين بن روح فسلّمت إليه ما كان معي من السبائك والنقر، فمدّ يده من بين السبائك إلى السبيكة التي كنت سبكتها من مالي بدلا ممّا ضاع منّي، فرمى بها اليّ وقال لي: ليست هذه السبيكة لنا، وسبيكتنا ضيعتها بسرخس حيث ضربت الخيمة في الرمل، فارجع إلى مكانك وانزل حيث نزلت، واطلب السبيكة هناك تحت الرمل، فانك ستجدها وستعود الي هاهنا فلا تراني.
قال: فرجعت إلى سرخس ونزلت حيث كنت نزلت، ووجدت السبيكة
____________
1- الثاقب في المناقب (ابن حمزة): ص 600.
الرابع والعشرون:
وروى ايضاً عن الحسين بن علي بن محمد القمي، المعروف بأبي علي البغدادي قال: كنت ببخارى فدفع اليّ المعروف بابن جاشير عشر سبائك وأمرني أن أسلمها بمدينة السلام إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح قدس الله سرّه فحملتها معي.
فلمّا وصلت مفازة أمويّة ضاعت منّي سبيكة من تلك السبائك، ولم أعلم بذلك حتى دخلت مدينة السلام فأخرجت السبائك لأسلمها إليه، فوجدتها قد نقصت واحدة منها، فاشتريت سبيكة مكانها بوزنها وأضفتها إلى التسع سبائك، ثم دخلت على الشيخ أبي القاسم الروحي، ووضعت السبائك بين يديه، فقال لي: خذ تلك السبيكة التي اشتريتها قد وصلت الينا وهي ذا هي. ثم أخرج تلك السبيكة التي ضاعت منّي بأمويّة(3) فنظرت اليها وعرفتها.
[ قال الحسين بن علي المعروف بأبي علي البغدادي: ورأيت تلك السبيكة بمدينة السلام ](4)(5).
____________
1- سقطت هذه الجملة من الترجمة.
2- الثاقب في المناقب (ابن حمزة): ص 600 ـ 601.
3- أموية: مدينة مشهورة في غربي جيحون على طريق القاصد إلى بخارى من مرو، ويطلق عليها عدة اسماء منها: آمل الشط، وآمل المفازة، معجم البلدان: ج 1، ص 58 ـ وص 255.
4- سقطت من الترجمة.
5- الثاقب في المناقب (ابن حمزة): ص 601 ـ 602.
الخامس والعشرون:
وروى ايضاً عن الحسين بن علي قال: وسألتني امرأة عن وكيل مولانا عليه السلام من هو؟ فقال لها بعض القميين: انّه أبو القاسم بن روح. وأشار لها إليه.
فدخلت عليه وأنا عنده، فقالت له: ايها الشيخ، أي شيء معي؟ فقال: ما معك فالقيه في دجلة، فألقته، ثم رجعت ودخلت إلى أبي القاسم الروحي رضي الله عنه وأنا عنده، فقال أبو القاسم لمملوكة له: أخرجي إليّ الحقّة، فأخرجت إليه حقّة، فقال للمرأة: هذه الحقة التي كانت معك ورميت بها في دجلة؟ قالت: نعم، قال: أخبرك بما فيها، أم تخبريني؟ فقالت: بل أخبرني أنت.
فقال: في هذه الحقّة زوج سوار من ذهب، وحلقة كبيرة فيها جوهر، وحلقتان صغيرتان فيهما جوهر، وخاتمان، أحدهما فيروزج والآخر عقيق. وكان الأمر كما ذكر، لم يغادر منه شيئاً، ثمّ فتح الحقة فعرض عليّ ما فيها، ونظرت المرأة إليه فقالت: هذا الذي حملته بعينه ورميت به في دجلة! فغشي عليّ وعلى المرأة فرحاً بما شاهدنا من صدق الدلالة.
ثم قال(1) الحسين لي بعدما حدّثنا بهذا الحديث: اشهد عند الله يوم القيامة بما حدّثت به انّه كما ذكرته، لم أزد فيه ولم أنقص منه، وحلف بالائمة الاثني عشر صلوات الله عليهم لقد صدق فيه، وما زاد ولا أنقص(2).
السادس والعشرون:
وروى ايضاً عن أبي محمد الحسن بن احمد المكتب، قال:
____________
1- قال المؤلف رحمه الله: " قال ابن البغدادي: ثم قال الحسين المذكور لي بعدما حدّثنا بهذا الحديث... ".
2- الثاقب في المناقب (ابن حمزة): ص 602 ـ 603.
قال: فنسخنا ذلك التوقيع وخرجنا من عنده، فلمّا كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه، قيل له: من وصيّك من بعدك؟ فقال: لله أمرٌ هو بالغه. وقضى رحمه الله. وهذا آخر كلام سُمع منه قدس سره(4).
السابع والعشرون:
وروى ايضاً عن احمد بن محمد بن فارس الأديب، قال: سمعت حكاية بهمذان(5) حكيتها كما سمعتها لبعض إخواني، فسألني أن أكتبها له بخطي، ولم أجد إلى مخالفته سبيلا، وقد كتبتها، وعهدتها على من حكاها.
وذلك انّ بهمذان أناساً يعرفون ببني راشد، وهم كلهم يتشيعون، ومذهبهم مذهب أهل الامامة، فسألت عن سبب تشيّعهم من بين أهل همدان، فقال لي شيخ منهم رأيت فيه صلاحاً وسمتاً حسناً: انّ سبب ذلك انّ جدّنا الذي ننتسب إليه خرج
____________
1- قال المؤلف رحمه الله: " الظاهر ان المراد منها مدينة السلام يعني بغداد ".
2- في الترجمة (الغيبة التامة).
3- في الترجمة (وسيأتي سبعون ممن يدّعي...).
4- الثاقب في المناقب (ابن حمزة): ص 603 ـ 604.
5- في الترجمة (ببغداد).
قال فنشطتُ للنزول والمشي، فمشيت طويلا حتى أعييت وتعبت، فقلت في نفسي: أنام نومة تريحني فاذا جاءت القافلة قمت.
قال: فما انتبهت الّا بحر الشمس، ولم أر أحداً، فتوحشت ولم أر طريقاً، ولا أثراً، فتوكلت على الله تعالى وقلت: أتوجه حيث وجهني ومشيت غير طويل فوقعت في أرض خضراء نضِرة كأنها قريبة عهد بغيث، فاذا تربتها أطيب تربة، ونظرت في سواد تلك الأرض إلى قصر يلوح كأنّه سيف، فقلت في نفسي: ليت شعري ما هذا القصر الذي لم أعهده ولم أسمع به؟! فقصدته، فلمّا بلغت الباب رأيت خادمين أبيضين(1)، فسلّمت عليهما فردّا رداً جميلا وقالا: اجلس، فقد أراد الله بك خيراً. وقام أحدهما فدخل، فاحتبس غير بعيد ثمّ خرج، فقال: قم فادخل. فقمت ودخلت قصراً لم أر شيئاً احسن ولا أضوأ منه، وتقدّم الخادم الى ستر على بيت فرفعه، ثم قال لي: ادخل، فدخلت البيت وقد علّق فوق رأسه من السقف سيفاً طويلا تكاد ظُبَتُهُ تمس رأسه، وكان الفتى يلوح في ظلام، فسلّمت، فردّ السلام بألطف كلام وأحسنه، ثمّ قال: " أتدري من أنا؟ " فقلت: لا والله. فقال: " أنا القائم من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلّم، أنا الذي أخرج آخر الزمان بهذا السيف ـ وأشار إليه ـ فأملأ الأرض عدلا كما ملئت جوراً ".
قال: فسقطت على وجهي وتعفرت، فقال: " لا تفعل، ارفع رأسك أنت فلان من مدينة بالجبل يقال لها: همذان " قلت: صدقت يا سيدي ومولاي.
قال: " أفتحب أن تؤوب إلى أهلك؟ " قلت: نعم يا مولاي، وأبشرهم بما يسرّ الله تعالى. فأومأ إلى خادم وأخذ بيدي وناولني صرّة، وخرج بي ومشى معي خطوات، فنظرت إلى ظلال وأشجار ومنارة ومسجد، فقال: أتعرف هذا البلد؟
____________
1- في الترجمة (خادمين عليهما ثياب بيض).
ودخلت أسد آباد، ونظرت فاذا في الصرّة أربعون ـ أو خمسون ـ ديناراً فوردت همدان وجمعت أهلي وبشّرتهم بما يسرّ الله تعالى لي، فلم نزل بخير ما بقي معنا من تلك الدنانير(1).
الثامن والعشرون:
وروى ايضاً عن علي بن سنان الموصلي، عن أبيه، قال: لمّا قبض أبو محمد عليه السلام وقدم وفد من قم والجبل وفود بالأموال التي كانت تحمل على الرسم، ولم يكن عندهم خبر وفاة أبي محمد الحسن عليه السلام، فلمّا أن وصلوا إلى سرّ من رأى سألوا عنه، فقيل لهم: انّه قد فقد: فقالوا: ومن وارثه؟ فقالوا: جعفر أخوه فسألوا عنه فقيل: خرج متنزهاً، وركب زورقاً في الدجلة يشرب الخمر ومعه المغنّون.
قال: فتشاور القوم وقالوا: ليس هذه صفة الامام. وقال بعضهم لبعض: امضوا بنا حتى نردّ هذه الأموال على أصحابها.
فقال أبو العباس محمد بن جعفر الحميري القمي: قفوا بنا حتى ينصرف هذا الرجل، ونختبر أمره على الصحة.
قال: فلمّا انصرف دخلوا عليه وسلّموا عليه وقالوا: يا سيدنا، نحن من أهل قم، فينا جماعة من الشيعة وغيرهم، وكنّا نحمل إلى سيّدنا أبي محمد عليه السلام الأموال.
فقال: وأين هي؟ قالوا: معنا.
قال: احملوها إليّ. قالوا: إنّ لهذه الأموال خبراً طريفاً، فقال: وما هو؟
____________
1- الثاقب في المناقب (ابن حمزة): ص 605 ـ 606.
قال: فلمّا سمع القوم كلام جعفر جعل بعضهم ينظر إلى بعض، فقال لهم: احملوا هذا المال اليّ. فقالوا: انّا قوم مستأجرون، لا يُسلّم المال الّا بالعلامات التي كنّا نعرفها من سيّدنا الحسن عليه السلام، فإن كنت الامام فبرهن لنا، والّا رددناها على أصحابها، يرون فيها رأيهم.
قال: فدخل جعفر بن علي على الخليفة، وكان بسر من رأى، فاستعدى عليهم، فلمّا اُحضروا قال الخليفة: احملوا هذا المال إلى جعفر. فقالوا: أصلح الله الخليفة، نحن قوم مستأجرون، ولسنا أرباب هذه الأموال، وهي لجماعة، وأمرونا أن لا نسلّمها الّا بالعلامة والدلالة، وقد جرت بهذه العادة مع أبي محمد عليه السلام.
فقال الخليفة: وما كانت الدلالة التي كانت مع أبي محمد؟
قال القوم: كان يصف لنا الدنانير، وأصحابها، والأموال، وكم هي، فاذا فعل ذلك سلّمناها إليه، وقد وفدنا عليه مراراً، وكانت هذه علامتنا معه، وقد مات. فإنْ يكن هذا الرجل صاحب الأمر فليقم لنا ما كان يقيمه لنا أخوه، والّا رددناها الى أصحابها الذين بعثوها بصحبتنا.
قال جعفر: يا أمير المؤمنين، هؤلاء قوم كذّابون، يكذبون على أخي، وهذا علم الغيب. فقال الخليفة: القوم رسل، وما على الرسول الّا البلاغ المبين.
قال: فَبَهُتَ جعفر، ولم يرد جواباً، فقال القوم: يا أمير المؤمنين، تطول باخراج أمره إلى من يبدرقنا حتى نخرج من هذا البلد.
فسرنا معه حتى دخلنا دار مولانا الحسن بن علي عليهما السلام، فاذا ولده القائم سيدنا عليه السلام قاعد على سرير، كأنه فلقة قمر، عليه ثياب خضر، فسلّمنا عليه، فردّ علينا السلام، ثمّ قال: " جملة المال كذا وكذا، ديناراً وحمل فلان كذا " ولم يزل يصف حتى وصف الجميع، ووصف ثيابنا ورواحلنا، وما كان معنا من الدواب، فخررنا سجّداً لله تعالى، وقبّلنا الأرض بين يديه، ثم سألناه عمّا أردنا فأجاب، فحملنا إليه الأموال وأمرنا عليه السلام أن لا نحمل إلى سرّ من رأى شيئاً من المال، وانّه ينصب لنا ببغداد رجلا نحمل إليه الأموال، وتخرج من عنده التوقيعات.
قالوا: فانصرفنا من عنده، ودفع إلى أبي العباس محمد بن جعفر الحميري القمّي شيئاً من الحنوط والكفن، فقال له: " أعظم الله أجرك في نفسك ".
قال:(1) فلمّا بلغ أبو العباس عقبة همدان حمّ وتوفي رحمه الله.
وكان بعد ذلك تحمل الأموال إلى بغداد، إلى نوّابه المنصوبين، وتخرج من عندهم التوقيعات(2).
التاسع والعشرون:
وروى ايضاً عن محمد بن صالح: كتبت أسأله الدعاء لبادا شاله وقد حبسه عبد العزيز، واستأذنت في جارية استولدها، فورد: " ستولد الجارية، ويفعل الله ما يشاء، والمحبوس يخلّصه الله " فاستولدت الجارية فولدت
____________
1- في الترجمة (قال الراوي).
2- الثاقب في المناقب (ابن حمزة): ص 608 ـ 611.
الثلاثون:
وروى ايضاً عن محمد بن صالح وهو من الوكلاء قال: وحدّثني أبو جعفر، قال: ولد لي مولود وكتبت، أستأذن في تطهيره يوم السابع أو الثامن، فكتب يخبر بموته، وكتب: " سيخلف عليك غيره، فسمّه احمد، ومن بعد احمد جعفراً " فجاء كما قال عليه السلام(2).
الحادي والثلاثون:
وروى ايضاً عن محمد بن صالح عن أبي جعفر قال: وتزوجت امرأة سراً، فلمّا وطأتها علقت وجاءت ببنت، فاغتممت وضاق صدري، وكتبت أشكو ذلك، فورد: " ستكفاها " فعاشت أربع سنين ثمّ ماتت فورد: " الله ذو أناة، وأنتم تستعجلون "(3).
الثاني والثلاثون:
وروى ايضاً عن أبي محمد الحسن بن وجناء، قال: كنت ساجداً تحت الميزاب في رابع أربع وخمسين حجة بعد العمرة وأنا أتضرّع في الدعاء إذ حرّكني محرك، فقال لي: قم يا حسن بن وجناء فرعشت.
قال: فقمت، فاذا جارية صفراء نحيفة البدن، أقول انّها من بنات أربعين فما فوقها، فمشت بين يدي، وأنا لا أسألها عن شيء، حتى أتت دار خديجة عليها السلام، وفيها بيت بابه في وسط الحائط، وله درج ساج يرتقى إليه، فصعدت الجارية، وجاءني النداء: " اصعد يا حسن " فصعدت، فوقفت بالباب، فقال لي صاحب
____________
1- الثاقب في المناقب (ابن حمزة): ص 611.
2- الثاقب في المناقب (ابن حمزة): ص 611 ـ 612.
3- الثاقب في المناقب (ابن حمزة): ص 612.