يا من إذا ولج العبد في ليل من حيرته يهيم، فلم يجد له صريخاً يصرخه من وليّ ولا حميم، صلّ على محمد وآل محمد، وجد يا ربّ من معونتك صريخاً معيناً ووليّاً يطلبه حثيثاً، ينجيه من ضيق أمره وحرجه، ويظهر له المهمّ من أعلام فرجه.
اللهم فيا من قدرته قاهرة، وآياته باهرة، ونقماته قاصمة لكلّ جبّار، دامغة لكلّ كفور ختّار، صلّ يا ربّ على محمّد وآل محمد وانظر اليّ يا ربّ نظرة من نظراتك رحيمة، تجلو بها عنّي ظلمة واقفة مقيمة، من عاهة جفّت منها الضروع، وتلفت(1)منها الزروع، واشتمل بها على القلوب اليأس، وجرت بسببها الأنفاس.
اللهمّ صلّ على محمد وآل محمد، وحفظاً حفظاً لغرائس(2) غرستها يد الرحمان وشربها من ماء الحيوان، أن تكون بيد الشيطان تجزّ، وبفأسه تقطع وتحزّ.
الهي من أولى منك أن يكون عن حريمك دافعاً، ومن اجدر منك أن يكون عن حماك حارساً ومانعاً. الهي انّ الأمر قد هال فهوّنه، وخشن فألنه، وانّ القلوب كاعت فطمّنها والنفوس ارتاعت فسكّنها.
الهي تدارك أقداماً [ قد ](3) زلّت، وأفهاماً في مهابة الحيرة ضلّت، أجحف الضرّ بالمضرور، في داعية الويل والثبور، فهل يحسن من فضلك أن تجعله فريسة للبلاء وهو لك راج؟ أم هل يحمل من عدلك أن يخوض لجّة الغماء، وهو اليك لاج.
____________
1- أقول: في جنّة المأوى بدل (تلفت) (قلفت) ـ وفي الصحاح للجوهري: ج 4، ص 1419: " وقلفت الشجرة: أي نحّيت عنها لحاءها ".
فالأصح هو ما في الكتاب انها (تلفت) ولذلك اثبتناه.
2- ذكر المؤلف رحمه الله: " لغراس خ.ل ".
3- هذه الزيادة في الجُنّة.
أما عندك يا ربّ بهذه حرمة لا تضيع، وذمّة بأدناها يقتنع، فلم لا تمنعني يا ربّ وها أنا ذا غريق، وتدعني بنار عدوّك حريق، أتجعل أولياءك لأعدائك طرائد وبمكرهم مصائد، وتقلّدهم من خسفهم قلائد، وأنت مالك نفوسهم لو قبضتها جمدوا، وفي قبضتك موادّ أنفاسهم لو قطعتها خمدوا.
وما يمنعك يا ربّ أن تكفّ بأسهم، وتنزع عنهم من حفظك لباسهم، وتعريهم من سلامة بها في أرضك يسرحون(1)، وفي ميدان البغي على عبادك يمرحون.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، وأدركني ولمّا يدركني الغرق، وتداركني ولمّا غيّب شمسي الشفق.
الهي كم من عبد خائف التجأ إلى سلطان فآب عنه محفوفاً بأمن وأمان، أفأقصد يا ربّ بأعظم من سلطانك سلطاناً؟ أم أوسع من إحسانك إحساناً؟ أم أكثر من اقتدارك اقتداراً؟ أم أكرم من انتصارك انتصاراً؟ فما عذري يا الهي إذا حرمت في حسن الكفاية نائلك وأنت الذي لا يخيب آملك ولا يردّ سائلك؟
اللهمّ أين(2) كفايتك التي هي نصرة المستغيثين من الأنام؟ وأين(3) عنايتك التي هي جنّة المستهدفين لجور الأيام؟ اليّ اليّ بها، يا ربّ! نجّني من القوم الظالمين انّي
____________
1- في الترجمة (يفرحون) بدل (يسرحون) واثبتنا ما في جنّة المأوى.
2 و 3- في الترجمة (أين أين).
مولاي ترى تحيّري في أمري، وتقلّبي في ضرّي، وانطواي على حرقة قلبي وحرارة صدري، فصلّ يا ربّ على محمد وآل محمد، وجد لي يا ربّ بما أنت أهله فرجاً ومخرجاً، ويسّر لي يا ربّ نحو اليسرى(1) منهجاً، واجعل لي يا ربّ من نصب حبالا لي ليصرعني بها صريع ما مَكَر، ومن حفر لي البئر ليوقعني فيها واقعاً فيما حفر، واصرف اللّهم عنّي شرّه ومكره، وفساده وضرّه، ما تصرفه(2) عمّن قاد نفسه لدين الدّيان، ومناد ينادي للايمان.
الهي عبدك عبدك، أجب دعوته، وضعيفك ضعيفك فرّج غمّته، فقد انقطع كلّ حبل الّا حبلك، وتقلّص كلّ ظلّ الّا ظلّك.
مولاي دعوتي هذه إن رددتها أين تصادف موضع الإجابة؟ ومحيلتي إن(3)كذّبتها أين تلافي موضع الاخافة؟(4) فلا تردّ عن بابك من لا يعرف غيره باباً، ولا تمنع دون جنابك من لا يعرف سواه جناباً.
ويسجد ويقول: الهي إنّ وجهاً اليك برغبته توجّه، فالراغب خليق بأن تجيبه، وانّ جبيناً لك بابتهاله سجد، حقيق أن يبلغ ما قصد، وإنّ خدّاً اليك بمسألته تعفّر، جدير بأن يفوز بمراده ويظفر، وها أنا ذا يا الهي قد ترى تعفير خدّي، وابتهالي واجتهادي(5) في مسألتك وجدّي، فتلقّ يا ربّ رغباتي برأفتك قبولا وسهّل اليّ طلباتي برأفتك وصولا، وذلّل لي قطوف ثمرة إجابتك تذليلا.
الهي لا ركن أشدّ منك فآوي إلى ركن شديد، وقد أويت اليك وعوّلت في
____________
1- في الترجمة (البشرى).
2- في الترجمة زيادة (عن القوم المتقين خ.ل) 3- في الجنة (ويجعلني أن) بدل (ومحيلتي أن).
4- في الترجمة زيادة (العصابة خ.ل).
5- في الترجمة زيادة (واجتهالي خ.ل).
ربّ انصرني على القوم الظالمين، وافتح لي وأنت خير الفاتحين، والطف بي يا ربّ وبجميع المؤمنين والمؤمنات برحمتك يا أرحم الراحمين(1).
الحكاية الثالثة والعشرون:
نقل السيد الجليل علي بن طاووس في مهج الدعوات عن بعض كتب القدماء روى عن أبي علي أحمد بن محمد بن الحسين بن اسحاق بن جعفر بن محمد العلوي العريضي بحرّان قال: حدّثني محمد بن علي العلوي الحسيني وكان يسكن بمصر قال: دهمني أمر عظيم وهمّ شديد من قبل صاحب مصر فخشيته على نفسي وكان قد سعى بي إلى احمد بن طولون، فخرجت من مصر حاجّاً وصرت من الحجاز إلى العراق فقصدت مشهد مولاي وأبي عبد الله الحسين بن علي صلوات الله عليهما عائذاً به ولائذاً بقبره ومستجيراً به من سطوة من كنت أخافه فأقمت بالحائر خمسة عشر يوماً ادعو وأتضرّع ليلي ونهاري فتراءى لي قيّم الزمان ووليّ الرحمن وأنا بين النّائم واليقظان، فقال لي: يقول لك الحسين: يا بني خفت فلاناً؟ فقلت: نعم أراد بي هلاكي فلجأت إلى سيدي عليه السلام وأشكوا إليه عظيم ما أراد بي، فقال: هلاّ دعوت الله ربّك وربّ آبائك بالأدعية التي دعا بها ما سلف من الأنبياء عليهم السلام فقد كانوا في شدّة فكشف الله عنهم ذلك قلت: وماذا أدعوه؟ فقال: إذا كان ليلة الجمعة فاغتسل وصلِّ صلوة الليل، فاذا سجدت سجدة الشكر دعوت بهذا الدّعاء وأنت بارك على ركبتيك، فذكر لي دعاء قال: ورأيته في مثل ذلك الوقت يأتيني وأنا بين النّائم
____________
1- راجع جنّة المأوى: ص 221 ـ 225.
ونقل السيد هذه القضية بسند آخر عن أبي الحسن علي بن حماد المصري مع اختلاف في الجملة وآخرها هكذا:
فلمّا بلغت بعض الطريق إذا رسول أولادي وكتبهم بأن الرجل الذي هربت منه جمع قوماً واتّخذ لهم دعوة فأكلوا وشربوا وتفرّق القوم، فنام هو وغلمانه في المكان، فأصبح الناس ولم يسمع لهم حس.
فكشف عنه الغطاء فاذا به مذبوحاً من قفاه، ودماؤه تسيل... الخ(1).
ثم نقل السيد الدعاء، ونقل بعده عن علي بن حامد انّه قال:
أخذت هذا الدعاء من أبي الحسن العلوي العريضي واشرط عليّ أن لا أبذله لمخالف ولا أعطيه الّا لمن أعلم بمذهبه، وانّه من أولياء آل محمد عليهم السلام.
فكان عندي أدعو به واخواني، ثمّ قدم عليّ من البصرة بعض قضاة الأهواز وكان مخالفاً وله علي أياد، وكنت احتاج إليه في بلده، وأنزل عليه.
____________
1- مهج الدعوات: ص 281.
ورققت له ورحمته، ودفعت إليه هذا الدعاء، فدعا به، فما استتمّ اسبوعاً حتى أطلقه السلطان ابتداءاً ولم يلزمه شيئاً مما أخذ خطّه وردّه إلى بلده مكرماً، وشايعته إلى الابلة، وعدت إلى البصرة.
فلمّا كان بعد أيام طلبت الدعاء فلم أجده، وفتّشت كتبي كلّها فلم أَرَ له أثراً، وطلبته من أبي المختار الحسيني وكانت عنده نسخة بها، فلم يجده في كتبه، فلم نزل نطلبه في كتبنا فلا نجده عشرين سنة فعلمت ان ذلك عقوبة من الله عزوجل لمّا بذلته لمخالف.
فلمّا كان بعد العشرين سنة وجدناه في كتبنا وقد فتّشناها مراراً لا تحصى فآليت على نفسي أن لا أعطيه الّا لمن أثق بدينه ممن يعتقد ولاية آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم بعد أن آخذ عليه العهد أن لا يبذله الّا لمن يستحقّه(1).
ولمّا كان الدعاء طويلا، ويخرج الكتاب عن وضعه، وهو موجود في كثير من كتب الدعاء، ولهذا لم أنقله.
ولا يخفى: انّ مصدر هذا الدعاء المعروف بدعاء العلوي المصري هو كتاب مهج الدعوات للسيد، ولم ير قبله في كتب دعاء، وأوّله: " ربّ من ذا الذي دعاك فلم تجبه ومن ذا الذي سألك فلم تعطه ".
ولكن في رسالة (ملحقات مصباح الكفعمي) المعروف ـ والذي يتطابق غالباً مع نسخة المصباح ومؤلفه غير معروف ـ مذكور بهذا المضمون دعاء جليل القدر لدفع شرّ الأعداء وله قصّة عجيبة غريبة طويلة لا يسعها المقام.
وبالجملة فهو دعاء لما ذكر وصحيح نسبته إلى سيّد الأوصياء وامام الأتقياء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ولمن جرّبه ثبتت صحّة أثره عنده.
____________
1- مهج الدعوات: ص 293 ـ 294، الطبعة الحجرية.
ثمّ قال بعد ذلك، ثمّ اشرع في الدعاء بالخضوع والخشوع والتضرّع ورقّة القلب والنيّة الصادقة.
ومن بعد الفحص فلم يعلم لحدّ الآن مصدر ومرجع المؤلف في تلك النسبة وهذه الآداب، ما هي؟ وأين؟ والله تعالى العالم.
الحكاية الرابعة والعشرون:
نقل الشيخ الجليل القدر الفضل بن الحسن الطبرسي صاحب تفسير مجمع البيان في كتاب كنوز النجاح:
دعاء علّمه صاحب الزمان عليه سلام الله الملك المنّان أبا الحسن محمد بن احمد بن أبي الليث رحمه الله تعالى في بلدة بغداد، في مقابر قريش، وكان أبو الحسن قد هرب إلى مقابر قريش والتجأ إليه من خوف القتل، فنجّي منه ببركة هذا الدعاء.
قال أبو الحسن المذكور: انّه علّمني أن أقول:
" اللهم عظم البلاء، وبرح الخفاء، وانقطع الرجاء، وانكشف الغطاء، وضاقت الأرض ومُنعت السماء، واليك يا ربّ المشتكى، وعليك المعوّل في الشدّة والرخاء.
اللهم فصلّ على محمد وآل محمد أولي الأمر الذين فرضت علينا طاعتهم فعرفتنا بذلك منزلتهم، ففرج عنّا بحقّهم فرجاً عاجلا قريباً كلمح البصر أو هو أقرب.
يا محمد يا علي اكفياني فانّكما كافياي، وانصراني فانكما ناصراي.
يا مولاي يا صاحب الزمان الغوث الغوث أدركني أدركني أدركني ".
قال الراوي: انّه عليه السلام عند قوله " يا صاحب الزمان " كان يشير إلى صدره
يقول المؤلف:
الظاهر انّ مراده عليه السلام من هذه الاشارة عليه أن يكون قاصداً حينما يقول يا صاحب الزمان... وهذا الدعاء باختلاف عدّة مواضع تقدّم في ذيل الحكاية الأولى في تعقيب صلاته عليه السلام.
الحكاية الخامسة والعشرون:
روى الشيخ المتبحّر الصالح ابراهيم الكفعمي في كتاب البلد الأمين عن المهدي صلى الله عليه وسلّم: من كتب هذا الدعاء في إناء جديد، بتربة الحسين عليه السلام وغسّله وشربه شفي من علّته.
" بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله دواءً، والحمد لله شفاءً، ولا اله الّا الله كفاءً، هو الشافي شفاءاً، وهو الكافي كفاءاً اذهب البأس بربّ الناس شفاءً لا يغادره سقم وصلّى الله على محمد وآله النجباء ".
ورأيت بخط السيد زين الدين علي بن الحسين الحسيني رحمه الله انّ هذا الدعاء تعلّمه رجل كان مجاوراً بالحائر(2) على مشرّفه السلام عن المهدي سلام الله عليه في منامه، وكان به علّة فشكاها إلى القائم عجل الله فرجه فأمره بكتابته وغسله وشربه، ففعل ذلك فبرأ في الحال(3).
الحكاية السادسة والعشرون:
قال السيد المؤيد الجليل السيد علي خان الشيرازي صاحب شرح الصحيفة
____________
1- راجع جنّة المأوى: ص 275.
2- قال المؤلف رحمه الله: " يعني كربلاء ".
3- راجع جنة المأوى: ص 226 ـ 227.
رأيت بخطّ بعض أصحابي من السّادات الأجلاّء الصلحاء الثقات ما صورته:
سمعت في رجب سنة ثلاث وتسعين وألف، الأخ في الله المولى الصدوق العالم العامل، جامع الكمالات الإنسية، والصفات القدسية، الأمير اسماعيل بن حسين بيك بن علي بن سليمان الجابري الأنصاري أنار الله تعالى برهانه يقول: سمعت الشيخ الصّالح التقيّ الورع الشيخ الحاج عليّاً المكّي قال: انّي ابتليت بضيق وشدّة ومناقضة خصوم، حتى خفت على نفسي القتل والهلاك، فوجدت الدعاء المسطور بعد في جيبي من غير أن يعطينيه أحد، فتعجّبت من ذلك، وكنت متحيّراً فرأيت في المنام قائلا في زيّ الصلحاء والزّهاد يقول لي: انّا اعطيناك الدعاء الفلاني فادعُ به تنجُ من الضيق والشدّة ولم يتبيّن لي من القائل، فزاد تعجّبي، فرأيت مرّة اُخرى الحجة المنتظر عليه السلام فقال لي: ادعُ بالدعاء الذي اعطيتكه، وعلّم من أردت.
قال: وقد جرّبته مراراً عديدة، فرأيت فرجاً قريباً، وبعد مدّة ضاع منّي الدعاء برهة من الزمان، وكنت متأسّفاً على فواته، مستغفراً من سوء العمل، فجاءني شخص وقال لي: انّ هذا الدعاء قد سقط منك في المكان الفلاني وما كان في بالي انّي رحت الى ذلك المكان، فأخذت الدعاء، وسجدت لله شكراً وهو:
" بسم الله الرحمن الرحيم ربّ أسألك مدداً روحانياً تقوّي به قواى الكليّة والجزئيّة، حتى أقهر بمبادئ نفسي كلّ نفس قاهرة، فتنقبض لي اشارة رقائقها انقباضاً تسقط به قواها حتّى لا يبقى في الكون ذو روح الّا ونار قهري قد أحرقت ظهوره، يا شديد يا شديد، يا ذا البطش الشديد، يا قهّار، أسألك بما أودعته عزرائيل من أسمائك القهريّة، فانفعلت له النفوس بالقهر، أن تودعني هذا السرّ في هذه الساعة حتى أُليّن به كلّ صعب، واُذلّل به كلّ منيع، بقوّتك يا ذا القوّة المتين.
تقرأ ذلك سحراً ثلاثاً إن أمكن، وفي الصباح ثلاثاً وفي المساء ثلاثاً، فاذا اشتدّ الأمر على من يقرؤه يقول بعد قراءته ثلاثين مرّة: يا رحمان يا رحيم يا أرحم
الحكاية السابعة والعشرون:
قال العالم الفاضل المتبحّر النقّاد الآميرزا عبد الله الاصفهاني الشهير بالأفندي في المجلّد الخامس من كتاب رياض العلماء وحياض الفضلاء في ترجمة الشيخ بن أبي الجواد النعماني انّه ممّن رأى القائم عليه السلام في زمن الغيبة الكبرى، وروى عنه عليه السلام ; ورأيت في بعض المواضع نقلا عن خطّ الشيخ زين الدين علي بن الحسن بن محمد الخازن الحائري تلميذ الشهيد انّه قد رأى ابن أبي الجواد النعماني مولانا المهدي عليه السلام فقال له: يا مولاي لك مقام بالنعمانية، ومقام بالحلّة، فأين تكون فيهما؟ فقال له: أكون بالنعمانيّة ليلة الثلاثاء ويوم الثلاثاء، ويوم الجمعة وليلة الجمعة أكون بالحلّة ولكن أهل الحلّة ما يتأدّبون في مقامي، وما من رجل دخل مقامي بالأدب يتأدّب ويسلّم عليّ وعلى الائمة وصلّى عليّ وعليهم اثني عشر مرّة ثمّ صلّى ركعتين بسورتين، وناجى الله بهما المناجاة، الّا أعطاه الله تعالى ما يسأله، أحدها المغفرة.
فقلت: يا مولاي علّمني ذلك، فقال: قل: اللهم قد أخذ التأديب منّي حتّى مسّني الضرّ وأنت أرحم الراحمين، وإن كان ما اقترفته من الذّنوب استحقّ به أضعاف أضعاف ما أدّبتني به، وأنت حليم ذو أناة تعفو عن كثير حتّى يسبق عفوُك ورحمتُك عذابَك، وكرّرها عليّ ثلاثاً حتّى فهمتها(2)(3).
يقول المؤلف:
النعمانية بلدة عراقية ما بين واسط وبغداد، والظاهر انّ منها الشيخ الجليل أبو
____________
1- راجع الكلم الطيّب (السيد عليخان): ص 13 - 15 ـ وجنّة المأوى (الشيخ النوري): ص 225 - 226.
2- قال المؤلف رحمه الله: " يعني حفظتها ".
3- راجع جنّة المأوى: ص 270.
وليس خفيّاً انّ من جملة الأماكن المختصّة المعروفة بمقامه عليه السلام مثل (وادي السلام) ومسجد السهلة، والحلّة، وخارج قم، وغيرها.
والظاهر انّه تشرّف في تلك المواضع بعضُ من رآه عليه السلام أو ظهرت هناك معجزة، ولهذا دخلت في الأماكن الشريفة المباركة، وانّ هناك محلّ اُنس وهبوط الملائكة، وقلّة الشياطين، وهي أحد الأسباب المقربة لاجابة الدعاء وقبول العبادة.
وجاء في بعض الأخبار انّ الله عزوجل يحبّ أن يعبد في الأماكن التي هي أمثال هذه الأماكن مثل المساجد ومشاهد الائمة عليهم السلام ومقابر أولاد الائمة والصالحين والأبرار في أطراف البلاد، وهي من الألطاف العينية (الغيبية خ.ل) الالهية للعباد الضالين والمضطرين والمرضى والمستدينين والمظلومين والخائفين والمحتاجين ونظائرهم من أصحاب الهموم وموزعي القلوب ومشتتي الظاهر ومختلي الحواس ; فانّهم يلجئون إلى هناك ويتضرّعون ويتوسّلون إلى الله عزوجل بصاحب ذلك المقام، ويطلبون علاج أوجاعهم وشفاءَهم، ودفع شرّ الأشرار ; وكثيراً ما يُجابون فيعود الذي ذهب إلى هنا مريضاً مشافىً مشافياً، ويذهب المظلوم فيرجع بظلامته، ويذهب المضطرب فيرجع هادئ البال.
وبالطبع فكلّما يسعى أن يكون هناك أكثر أدباً واحتراماً فسوى يرى خيراً اكثر.
ويحتمل انّ جميع تلك المواضع داخلة في جملة بيوت الله تعالى التي أمر أن ترفع ويذكر فيها اسم الله عزوجل، ومدح من سبّح الحق تعالى بكرةً وأصيلا، ولا يسع المقام تفصيلا اكثر من هذا.
الحكاية الثامنة والعشرون:
نقل السيد الجليل علي بن طاووس في كتاب الاقبال عن محمد بن أبي الرّواد الرواسي ذكر انّه خرج مع محمد بن جعفر الدّهان إلى مسجد السهلة في يوم من أيام رجب فقال: قال: مرّ بنا إلى مسجد صعصعة فهو مسجد مبارك وقد صلّى به أمير المؤمنين (صلوات الله عليه وآله) ووطأه الحجج بأقدامهم.
فملنا إليه فبينا نحن نصلّي إذا برجل قد نزل عن ناقته وعقلها بالظلال ; ثمّ دخل وصلّى ركعتين أطال فيهما ; ثمّ مدّ يديه فقال:(1) وذكر الدعاء الذي يأتي ذكره، ثمّ قام إلى راحلته وركبها، فقال لي ابن جعفر الدهان: الآن نقوم إليه فنسأله مَنْ هو؟
فقمنا إليه، فقلنا له: ناشدناك الله مَنْ أنت؟
فقال: ناشدتكما الله مَنْ ترياني؟
قال ابن جعفر الدّهان: نظنّك الخضر عليه السلام.
فقال: وأنت أيضاً؟
فقلت: أظنّك اياه.
فقال: والله انّي لَمَن الخضر مفتقر إلى رؤيته، انصرفا فأنا امام زمانكما(2).
ونقل الشيخ محمد بن المشهدي في مزاره الكبير، والشيخ الشهيد الأول في المزار عن روي عن علي محمد بن عبد الرحمن التستري انّه قال مررتُ ببني رواس فقال لي بعض اخواني لو ملْتَ بنا إلى مسجد صعصعة فصلّينا فيه، فانّ هذا رجب ويستحبّ فيه زيارة هذه المواضع المشرّفة التي وطائها الموالي بأقدامهم وصلّوا فيها، ومسجد صعصعة منها، قال: فملت معه إلى المسجد واذا ناقة معقلة مُرحَّلة قد اُنيخت
____________
1- في الترجمة: " فقال: اللهم يا ذا المنن السابغة إلى آخر ما يأتي ثم قام... الخ ".
2- اقبال الأعمال (السيد ابن طاووس): ص 645، الطبعة الحجرية.
" اللهم يا ذا المنن السابغة... إلى آخره ".
ثم سجد طويلا، وقام وركب الراحلة وذهب، فقال لي صاحبي: نراه الخضر عليه السلام، فما بالنا لا نكلّمه؟ كأنّما أمسك على ألسنتنا! فخرجنا فلقينا ابن أبي رواد الرواسي فقال: من أين أقبلتما؟ قلنا: من مسجد صعصعة، وأخبرناه بالخبر: فقال هذا الراكب يأتي مسجد صعصعة في اليومين والثلاثة ولا يتكلّم، قلنا من هو؟ قال: مَنْ تريانه أنتما؟ قلنا: نظنّه الخضر عليه السلام، فقال: فأنا والله ما أراه الّا مَنْ الخضر عليه السلام محتاج إلى رؤيته، فانصَرفا راشدين، فقال لي صاحبي: هو والله صاحب الزمان [ صلوات الله عليه ](1)(2).
يقول المؤلف:
الظاهر انّ هاتين الواقعتين والدعاءين كانا قد سمعا منه عليه السلام في ذلك المسجد في أيام رجب.
وقد تعامل الرواسي مع علي بن محمد التستري بالنحو الذي تعامل معه هو عليه السلام وتكلّم معه.
وقد عدّ العلماء الأعلام هذا الدعاء في كتب المزار من آداب مسجد صعصعة، وفي كتب الأدعية وأعمال السنة من جملة أدعية شهر رجب.
وتذكر هذه الحكاية احياناً هنا وأحياناً هناك.
وقد يحتمل ان قراءته عليه السلام هذا الدعاء هناك لخصوصية المكان، فيكون من أعمال ذلك المسجد، وقد يحتمل لخصوصيّة الزمان فيكون من أدعية شهر رجب.
____________
1- في المطبوع: (عليه السلام).
2- المزار (الشهيد الأول): ص 264 ـ 266.
وبنظري انّ الأول أقوى، ولو يحتمل انّه من الأدعية المطلقة، وليس له اختصاص بالزمان أو المكان.
وهذا هو الدعاء:
اللهمّ يا ذا المنن السابغة والآلاء الوازِعة والرّحمة الواسعة والقُدرة الجامعة والنّعم الجسيمة والمواهب العظيمة والأيادي الجميلة والعطايا الجزيلة يا مَنْ لا ينعتُ بتمثيل ولا يُمثّل بنظير ولا يُغلبُ بظهير يا مَنْ خلق فرزق وألهمَ فأنطق وابتدع فشرع وعلا فارتفع وقدّر فأحسن وصوّر فاتقن واحتجّ فأبلغ وأنعم فأسبغ وأعطى فأجزل ومنح فأفضل يا مَنْ سمافي العزّ ففات خواطر الأبصار ودنا في اللُّطف فجاز هواجس الأفكار يا مَنْ توحّد بالملك فلا ندَّ له في ملكوت سلطانه وتفرّد بالآلاء والكبرياء(1)فلا ضدّ له في جبروت شأنه يا من حارت(2) في كبرياء الوهيّته(3) دقائق لطائف الأوهام وانحسرت دون ادراك عظمته خطائف ابصار الأنام يا من عَنَتِ الوجوه لهيبته وخضعت الرقاب لعظمته ووجلت القلوب من خيفته أسألك بهذه المدحة التي لا تنبغي(4) الّا لك وبما وأيت(5) به على نفسك لداعيك من المؤمنين وبما ضمنت الاجابة فيه على نفسكَ للداعينَ يا أسمع السامعين وأبصر الناظرين(6) واسرع الحاسبين(7) يا ذا القوّة المتين صلّ على محمد وآل محمد خاتم النبيّين وعلى أهل بيته [ الائمة
____________
1- في الترجمة (بالكبرياء والآلاء).
2- في الترجمة (حادت خ.ل).
3- في الترجمة (هيبته) بدل (الوهيّته).
4- في الترجمة (لا ينبغي) بدل (لا تنبغي).
5- في الترجمة (رأيت) بدل (وأيت) ولعلّها خطأ مطبعي.
6- في الترجمة (أبصر الباصرين ويا أنظر الناظرين).
7- في الترجمة (ويا أسرع الحاسبين ويا أحكم الحاكمين ويا أرحم الراحمين) وسقطت (يا ذا القوّة المتين).
الحكاية التاسعة والعشرون:
نقل العلامة المجلسي في البحار قصّة أمير اسحاق الأستر آبادي عن والده(9)وقد وجدنا على ظهر الدعاء المعروف بالحرز اليماني بخطّ والده العلامة التقي المجلسي قدّس سرّه بشكل أكثر تفصيلا عن ما هناك مع اجازة لبعض ما صورته:
" بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين والصلوة على أشرف المرسلين محمد وعترته الطاهرين ".
وبعد فقد التمس منّي السيد النجيب الأديب الحسيب زبدة السادات العظام والنقباء الكرام، الأمير محمد هاشم أدام الله تعالى تأييده بجاه محمد وآله الأقدسين أن أجيز له الحرز اليماني المنسوب إلى أمير المؤمنين عليه السلام وامام المتّقين وخير الخلايق بعد سيد النبيين
____________
1- في الترجمة بدل (الائمة الصادقين) (الطاهرين) وحدها بدون الائمة.
2- في الترجمة (أن تقسم لنا).
3- وفي نسخة (واختم) وفي الترجمة (وأن تختم لي) 120 ـ وفي نسخة (ختمت).
4- فى الترجمة (وتختم).
5- في الترجمة (فيمن).
6- في الترجمة (وارعني خ.ل).
7- سقطت من الترجمة.
8- سقطت من المصدر المطبوع.
9- راجع بحار الأنوار: ج 52، ص 175.