الصفحة 173

____________

<=

كشف الغطاء.

وقد اشتهرت في كتب الأصحاب المتقدّمين وقد ذكرهم المؤلف رحمه الله في تعليقاته بعد هذه الحكاية، واليك سرداً لمجموع من ذكرها:

منهم العلامة الشيخ عبد الله افندي في: رياض العلماء وحياض الفضلاء: ج 4، ص 376.

ومنهم الشهيد الثالث العلامة السيد نور الله التستري في: مجالس المؤمنين: ج 1، ص 78.

ومنهم الشيخ علي الحائري في: الزام الناصب في اثبات الحجة الغائب: ج 2، ص 85.

ومنهم المقدّس الأردبيلي في: حديقة الشيعة: ص 729 اشارة ـ وذكر القصة المتقدّمة التي تشبه هذه القصة في: ص 765.

ومنهم الفيض الكاشاني في: نوادر الأخبار: كتاب انباء القائم عليه السلام، ص 300، الطبعة المحققة، وذكر القصة الأولى بنفس هذا الكتاب في: ص 295.

ومنهم الشهيد الأول محمد بن مكي، كما نقله عنه الشهيد الثالث في مجالس المؤمنين: ج 1، ص 79، قال ما ترجمته: " وقد روى هذه القصة مفصلا وهي طويلة الشيخ الأجل السعيد الشهيد محمد بن مكي (قدّس الله روحه) وهو من اعاظم مجتهدي الشيعة الاماميّة باسناد إلى ذلك الشخص الصالح وقد سجّلها في بعض أماليه ".

ومنهم السيد الأجل الأمير شمس الدين محمد أسد الله الشوشتري ـ كما نقله عنه الشهيد الثالث في مجالس المؤمنين: ج 1، ص 79، قال ما ترجمته:

" وقد كتبها السيد الأجل المقدّم الأمير شمس الدين محمد اسد الله الشوشتري رحمه الله... في طي رسالة في بيان الحكمة والمصلحة في غيبة الامام صاحب الزمان عليه السلام... ".

ومنهم السيد هاشم البحراني في: تبصرة الولي في من رأى القائم المهدي، والحكاية التي قبلها.

ومنهم الشيخ أسد الله التستري المعروف بالمحقق الكاظمي في: كشف القناع عن وجوه حجية الاجماع: ص 231، الطبعة الحجرية، ونسب الرواية إلى الشهيد بقوله: " وكما هو مروي عنه في قصة الجزيرة الخضراء المعروفة... ".

ومنهم المير لوحي في: كفاية المهتدي ـ مخطوط.

ومنهم العلامة الميرزا محمد رضا الاصفهاني في: تفسير الائمة لهداية الأمة، كما نسبها إليه المحقق الكاظمي في كشف القناع: ص 231 وغيره.

ومنهم الحرّ العاملي في: اثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: ج 7، ص 371، الطبعة

=>


الصفحة 174

____________

<=

المترجمة.

ومنهم الشيخ البياضي في: الصراط المستقيم في مستحق التقديم: ج 2، ص 264 ـ 266، وقد ذكر ملخص القصة السابقة.

ومنهم المحقق الكركي الشيخ نور الدين علي بن حسين بن عبد العالي المتوفّى سنة 940 وقد ترجم (الجزيرة الخضراء) وهو مطبوع بالهند ومصدر باسم السلطان شاه طهماسب الصفوي، كما نقل ذلك المحقق آغا بزرگ الطهراني في الذريعة: ج 4، ص 93 ـ 94.

ومنهم الأستاذ الأكبر مؤسس المدرسة الأصولية الوحيد البهبهاني وقد ضمنها في بحث استدلالي فقهي مما يعطيها رفعة في الاعتبار والاعتماد في حاشيته على مدارك الأحكام في بحث صلاة الجمعة: ص 221.

ومنهم الشيخ أسد الله التستري في: مقابس الأنوار، ص 16، الطبعة الحجرية.

ومنهم السيد شبّر بن محمد الموسوي الحويزي في (الجزيرة الخضراء) وهي رسالة فيما يتعلّق بحكاية تلك الجزيرة، كما ذكر المحقق آغا بزرگ الطهراني في: الذريعة: ج 5، ص 105، تحت رقم (444).

ومنهم العلامة الخوانساري في: روضات الجنّات: ج 4، ص 298.

ومنهم الشيخ علي اكبر النهاوندي المتوفى سنة 1369 هـ في: العبقري الحسان: ج 2، ص 127 ـ 130، الطبعة الحجرية.

ومنهم السيد عبد الله شبّر في: جلاء العيون.

ومنهم السيد مهدي بحر العلوم صاحب الكرامات والمقامات في: الفوائد الرجالية: ج 3، ص 136.

إلى غير اولئك الافذاذ مما لا يسع الوقت تتبعهم اضافة إلى ما ذكره المؤلف رحمه الله هنا من أمثال الهزار جريبي وغيره.

وإلى جانب هذه الأسماء التي سجلت في قائمة ناقلي الحكاية مع اختلاف أذواقهم في درجة القبول، وأعلى مرتبة تبنيت هي دعوى الوحيد البهبهاني في تعليقته بقوله: "... ومن الآثار حكاية المازندراني الذي وصل إلى جزيرة الصاحب عليه السلام وهي تنادي بالاختصاص... " حاشية المدارك: ص 221.

وعلى كل حال، فهناك من رفض هذه الحكاية ونسب إلى الشيخ جعفر ذلك وليس عندنا الكتاب.

=>


الصفحة 175

____________

<=

وانما الموضوع في ردّ هذه الحكاية وتكذيب وجود تلك الجزيرة تصاعد أخيراً في كتابات مجموعة من المؤلفين وقد صرّح أربعة من الفضلاء:

1 ـ العلامة آغا بزرگ الطهراني في الذريعة: ج 5، ص 105 ـ 108 بمناقشة طويلة.

ولكن نقطة الضعف في المناقشة انّه (رحمه الله) سلّم بصحّة الجزيرة الخضراء، وانما ناقش في صحة القصة الثانية التي تشبهها التي يرويها الرجل المسيحي.

والأحسن مراجعة نصّ المناقشة ليتّضح الحال لمن أراد الاستزادة وليس هنا محلّ التفصيل.

2 ـ العلامة الشيخ محمد تقي التستري في كتابه الأخبار الدخيلة: ص 128 ـ 140 بعد أن ذكر القصّتين وكلام الشيخ النوري في جنّة المأوى تعقيباً على القصة الثانية، ويتلخّص اعتراضه على قصّة الجزيرة:

الف ـ " اشتماله على أنّ حسّان بن ثابت من القراء في موضعين مع انّه انما كان شاعراً، وانّما كان أخوه زيد بن ثابت من القرّاء مع انّ باقي مَنْ عدّه لم يكن جميعهم من القرّاء، وانّما القارئ منهم ابن مسعود وأبيّ ".

وردّ هذا الوجه بأنّه اشتبه عليه الأمر فلم يطرح حسّان بن ثابت بعنوان انّه من القرّاء، وكل ما في الحكاية انّ السيد شمس الدين نقل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم انّه اجتمع عليه نفر من الصحابة بعد حجة الوداع وفيهم علي بن أبي طالب وولداه الحسن والحسين وأبي بن كعب وعبد الله بن مسعود وحذيفة بن اليمان وجابر بن عبد الله الأنصاري وأبو سعيد الخدري وحسّان بن ثابت وجماعة من الصحابة رضي الله عن المنتجبين منهم فقرأ النبي صلى الله عليه وآله وسلّم القرآن من أوّله إلى آخره...

فليس في القصّة اكثر من انّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قرأ القرآن الكريم كلّه من أوّله إلى آخره قبل وفاته بحضور جماعة من الصحابة، وهل اشترط في من حضر أن يكون من القرّاء؟! ولا أدري من أين جاء هذا الاشتباه؟

ثمّ قال التستري: " وانما كان أخوه زيد بن ثابت من القرّاء ".

واشتبه عليه الأمر مرّة اُخرى فلم يكن زيد بن ثابت أخاً لحسّان، وانما زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عبد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار ; كما في الاصابة (ابن الأثير): ج 2، ص 278.

بينما حسّان بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك

=>


الصفحة 176

____________

<=

بن النجار، كما في الاصابة (ابن الأثير): ج 2، ص 5.

فليسا هما أولاد عمّ ولا غير ذلك وانما يلتقون بالجدّ الثامن.

واشتبه عليه الأمر مرّة ثالثة عندما قال: " مع أنّ باقي من عدّه لم يكن جميعهم من القرّاء وانما القارئ منهم ابن مسعود وأبي ".

وعلى قوله فإنّ القارئ هو ابن مسعود وأبي فحسب، فأين علي وأين الحسن وأين الحسين؟ فقد عدّوا من القرّاء حتى عند العامة، فراجع كتب القراءات والتفسير، وليس هنا محل التفصيل ; فضلا عن الشيعة الذين لا يعترفون بغير أهل البيت عليهم السلام.

ب ـ وقد اشتبه الأمر عليه مرّة اُخرى حينما قال: " ثمّ جمع أبي سعيد الخدري مع أبي عبيدة واضرابه بلا وجه، حيث انّ أبا سعيد كان امامياً وباقي من ذكر من معاندي أمير المؤمنين عليه السلام ".

والعجب ما في كلامه هذا من مصادرات واشتباهات منها:

انّه ذكر حضور أبي عبيدة في القصة ولا أدري من أين جاء به، فانّه لا ذكر له في ذلك الاجتماع، ولو راجع القصة التي نقلها هو في كتابه ونظر فيها سريعاً لعرف اشتباهه بأدنى التفات.

والاشتباه الآخر تسميته ابي سعيد الخدري امامياً، وهل يصح إطلاق الامامي على من لم يعاصر الائمة، بل لا يوجد هذا الاصطلاح الّا في عصر متأخّر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم.

وأنكر اجتماع أبي سعيد مع المعاندين، ولا أدري كيف يفسّر جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم اصحاب يوم الغدير وأخذ البيعة منهم لعلي عليه السلام، بل كيف كان يجمعهم في مسجده ومجلسه، بل هل ميّز بينهم في المجالس.

وعلى فرض كلّ ذلك والذي لم يقع، فيقال انّ وجه الجمع هو القاء الحجة على الخصم.

واشتبه عليه الأمر عندما قال: " ثمّ جَمْعُ أبي سعيد الخدري مع أبي عبيدة واضرابه بلا وجه، حيث انّ أبا سعيد كان اماميّاً وباقي من ذكر من معاندي أمير المؤمنين عليه السلام ".

فكيف جاز له وصف من بقي ممن ذكرهم انهم كانوا من معاندي أمير المؤمنين عليهم السلام وفيهم الحسن والحسين وعبد الله بن مسعود وحذيفة بن اليمان وجابر بن عبد الله الأنصاري، وكلّهم معروفون بالإخلاص لأمير المؤمنين عليه السلام، وانما المعاند حسّان بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم لا في زمانه فأبياته يوم الغدير في مدح علي عليه السلام معروفة، وانما أخذته العصبية القبلية والاقبال على الدنيا، وأما أبي ففيه كلام ليس هنا محل تفصيله.

=>


الصفحة 177

____________

<=

ج ـ " واشتماله على انّه لم يرَ لعلماء الاماميّة عندهم ذكراً سوى خمسة: الكليني وابن بابويه والمرتضى والطوسي والمحقق، فبعد فتح باب العلم عليهم بحضور النائب الخاص بأمر صدر عنه عليه السلام عندهم وانّه يزور قبّته عليه السلام في كلّ جمعة ويجد ورقة مكتوب فيها جميع ما يحتاج إليه في المحاكمة، وكون أبيه سمع حديثه وجدّه رأى شخصه ; أي حاجة كانت لهم إلى هؤلاء الخمسة الذين كان باب العلم عليهم منسداً مع انّ لكلّ منهم فتاوى غير فتاوى الآخرين؟ ".

فاشكاله ناشئ من الاشتباه مرّة اُخرى، فلم يذكر في القصة انّهم يأخذون احكامهم من هؤلاء الخمسة أو يرجعون إلى كتبهم وآرائهم أبداً، بل كان في القصة تصريح انّ أحكامهم واقعية يأخذونها من الحجة (عج) في كل يوم جمعة.

وانما قال راوي القصة انّه لم يجد عندهم ذكراً لعلمائنا الّا لهؤلاء الخمسة، والذكر بمعنى المعرفة والاهتمام، وقد قيل في تفسير هذه العبارة انّ الراوي لم يجد عندهم في خلال فترة وجوده الّا ذكر هؤلاء الخمسة، يعني انّه لم تسعه الظروف الوقتيّة والحاليّة لسماع اكثر من ذلك، ولا يمنع انهم يعرفون غيرهم.

وقد قيل في هذه الكلمة: ما هو المانع من أن يكون هؤلاء الخمسة في الواقع أفضل من غيرهم؟ ولا داعي لأكثر من هذا.

وعلى فرض التسليم بأنّ هذا الاشكال موجود فهو لا يصلح للتشكيك في القصة فضلا على اعتبارها من الموضوعات.

د ـ واخيراً قال: " ووجه وضعهما عموماً عدم سند معتبر لهما، أما الأول فقد عرفت اعتراف المجلسي به... الخ ".

وقد ذكر المؤلف المحقق النوري رحمه الله في كتابه هذا سند الحديث واعتباره بل صحّته، وعلى فرض انّه كان بالوجادة فليست الوجادة دليل الوضع مع انّ كاتب القصة هو الشهيد الأول رحمه الله.

وأمّا ادّعاؤه اعتراف المجلسي به، فهو عجيب منه، فأين اعترف المجلسي بذلك؟ وانما غاية ما في الأمر انّه قال بأنه لم يظفر به في الأصول المعتبرة فأفرده، فهل معنى ذلك انّ سند الحديث ضعيف؟ بل انّه لم يجده في أصولنا المشهورة المعتبرة فلذلك أفرد لها باباً لأنّه وجدها في خزانة أمير المؤمنين عليه السلام ولم يحصلها بالرواية، بينما الأصول المعتبرة التي ينقل عنها قد حصل عليها بالرواية لا بالوجادة، وهذا هو ديدن المحدّثين، ولا يضرّ ذلك بالاعتبار، كما هو واضح

=>


الصفحة 178

____________

<=

لخريتي هذا الفنّ.

ولا نطيل الوقفة اكثر من هذا فلا تصلح تلك الكلمات في اثبات ضعف الحكاية، فضلا عن وضعها، والغريب موقفه في ذلك الكتاب من الأخبار فكأنّه تأثّر ببعض علماء السنّة الذين كتبوا في الأخبار الدخيلة والموضوعة فأراد أن يجاريهم بأحاديثنا، وهو مسلك غير صحيح في دراسة الأخبار والأحاديث، وخرقاً للسنّة المتبعة بين علماء السلف الصالح في فهم الأحاديث ومعرفة السقيم من المستقيم، والصحيح من الضعيف، والمعتبر من الموضوع.

3 ـ العلامة الشهيد السيد القاضي قدّس سرّه تعالى روحه الزكيّة:

وقد ردّ حكاية الجزيرة الخضراء بشدّة في موضعين: أولاهما في تعليقاته على كتاب الأنوار النعمانية للسيد نعمة الله الجزائري، وثانيهما في تعليقاته على كتاب انيس الموحّدين، وقد اعتمد في أولاهما على ما نسب إلى الشيخ آغا بزرگ الطهراني وقد ناقش في هذه النسبة بعضٌ فادّعى انّ تلك التعليقات للمنزوي المصحح للكتاب وليست للمؤلف، وان المؤلف قد قطع بوجود تلك الجزيرة في مواضع من ذريعته.

وقد نقل الشهيد القاضي (قدّس سرّه) كلاماً للشيخ جعفر الكبير رحمه الله رادّاً تلك الحكاية، وختم كلامه في تعليقاته على الأنوار النعمانية: ج 2، ص 69 بقوله:

"... وتعيين جزيرة الخضراء في البحر الأبيض مع اطّلاع البشر اليوم بنقاط الأرض من البرّ والبحر يوجب الالتزام بأن تلك الجزائر غائبة عن الأبصار ومستورة عن الأنظار ولا يمكن الوصول إليها من الأغيار، وهذا الادّعاء يحتاج إلى دليل يدلّ عليه ولا يثبت بمجرّد الادّعاء، فأي داع لنا بهذه الأقاويل ونقل هذه الحكايات والقصص الغريبة وضبطها في الكتب حتى نحتاج للالتزام بهذه المطالب واثباتها.

والمحدّث النوري رحمه الله وان التزم بها وادّعى بأن تلك البلاد مستورة عن الأبصار، وأورد الشواهد وذكر الأدلّة العامة والمقرّبات على ادّعائه ـ اُنظر إلى كتابه (نجم ثاقب): ص 117 ـ وص 217.

ولكن مع ذلك كلّه غير خفي على القارئ العزيز انّ ما ادّعاه انما هو في حيز الإمكان وفي مقام الثبوت، وأما في مقام الاثبات وان هذه البلاد والجزائر مستورة عن الأنظار كسائر ما هو مستور عنها يحتاج إلى دليل... الخ ".

ويعتمد كلامه هنا قدّس سرّه على نقطتين مهمّتين بالاستدلال:

أولاهما: " اطلاع البشر بنقاط الأرض من البرّ والبحر... ".

=>


الصفحة 179

____________

<=

وقد ناقش بعض الكتّاب المعاصرين في الكليّة وبرهنوا على وجود أماكن لم يطّلع عليها البشر ومنها (مثلّث برمودا) وأماكن أخرى مسجلة في محلّها. راجع كتاب (جزيره خضراء وتحقيقى پيرامون مثلث برمودا) ترجمة وتحقيق: على اكبر مهدى پور ـ وكتاب (الجزيرة الخضراء في بحار المجلسي) للشيخ ناجي النجار ـ وقد اُلّفت عشرات الكتب بمختلف اللغات حول المناطق المجهولة في الأرض.

وثانيهما: انّ وجود تلك الجزيرة خفيّة عن الأنظار ولا يمكن الوصول إليها من الأغيار. ويحتاج لاثباتها إلى الدليل والبرهان، معّ انّه سلّم بالكبرى بامكان وجود مثل تلك الجزيرة نظراً لقوّة أدلّة المؤلف النوري رحمه الله ولكنّه ناقش في الوقوع ووجود تلك الجزيرة.

هذا ملخّص كلامه قدّس سرّه.

ولكن التسليم بالامكان يرجح كفّة احتمال الصحة للطرف الآخر كما هو بيّن وواضح.

أضف إلى ذلك ان الدليل الذي ذكره المؤلف النوري قدّس سره على وجود الجزيرة ادّى المطلوب الذي أراده الشهيد (قدّس سرّه).

ودليل الشيخ النوري رحمه الله هو صحّة سند حكاية الجزيرة الخضراء.

أضف إلى ذلك ما حققّه المتأخرون المطّلعون على الاستكشافات الجغرافية العلمية الحديثة بوجود منطقة في المحيط الأطلسي محصنة بقوانين طبيعية غيبية لم يكتشفوها لحدّ الآن ويحيط بها ماء أبيض... إلى آخره يكون مؤيد لدعوى صحة الحكاية.

4 ـ العلامة السيد محمد الصدر في كتاب الغيبة الكبرى:

وقد بحث رواية الجزيرة الخضراء بنحو من التفصيل وأثبت ثلاثة اعتراضات عليها تتلخّص بما يلي:

الاعتراض الأول: انّ الكرة الأرضية.. قد عرفت شبراً شبراً.. واطلع الناس على خفاياها وزواياها.. ولو كانت تلك الجزائر موجودة لعرفت يقيناً ولكانت من أهم العالم الاسلامي.

وقد ناقش بعض الكتّاب هذه النقطة بالذات من خلال وجود مناطق مجهولة في العالم لم تكتشف لحدّ الآن مثل مثلّث برمودا وغيره.

الاعتراض الثاني: انّ هذه الرواية تتعارض مع اخبار التمحيص والامتحان الالهي، وأخبار سكنى المهدي عليه السلام في أماكن اخرى كالمدينة المنوّرة والبراري والأحجار ; ومع الأخبار الدالّة على مشاهدة المهدي عليه السلام في غير هذه المدن، فتدلّ على وجود المهدي عليه

=>


الصفحة 180

____________

<=

السلام ردحاً من الزمن خارج تلك المناطق المفروضة، وانها تتعارض مع الخبر المتواتر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم انه عليه السلام بعد ظهوره يملأ الأرض قسطاً وعدلا بعد ما ملئت ظلماً وجوراً وهو يستلزم انّ اكثر أهل الأرض أصبحوا ظالمين منحرفين.

وقد أجيب على هذا الاعتراض بوجوه كثيرة تنصب في رفع التعارض باستثناء هذه المنطقة الصغيرة من العالم من التمحيص تخصصاً حيث انّهم من الأصل غير مخاطبين وشاء الله تعالى لهم أن يكون مجتمعاً مكلفاً لحكمة إلهية عن العالم الآخر. وأما الرواية فليس فيها انّ سكناه الدائمي هو في الجزيرة، وانما الجزيرة محطّ رحله يمرّ عليها في بعض الأوقات، ولم يقصد من تلك الجزيرة أن تكون القدوة في المجتمع الالهي كمجتمع المهدي عليه السلام، وانما هي مجتمع نشأ تحت رعاية خاصّة منه عليه السلام، ولا يوجد في الخبر المتواتر ملازمة أن يكون كلّ أهل الأرض فسّاق، فليس المقصود هو الامتلاء المكاني وانّما المقصود الامتلاء للظلم بظلمه، بحيث يتألم منه أصحاب الحق وإن كانوا حكاماً وهذا الشيء توضّح وظهر وتبيّن بعد قيام دولة الاسلام في الجمهورية الاسلامية بقيادة الامام الخميني. وكيف انّ الاستكبار العالمي وقف بوجه هذه الدولة المباركة وظلمها بشتى أنواع الظلم عسكرياً واقتصادياً واعلامياً وغير ذلك.

الاعتراض الثالث: انّ مجتمع الجزيرة الخضراء لا ينسجم مع عدد من تعاليم الاسلام المهمة في تكوينه الفكري ونظامه الاجتماعي. وقد أجيب عليه بنفي ذلك.

والنتيجة: انّ النقطة المركزية لمناقشة هذه الرواية ; انّ الأرض قد عرفت واكتشفت ولو كان لهذه الجزيرة وجود لظهر لمجموعة من الناس ولَعُرفَتْ. وقد أجاب الشيخ النوري رحمه الله على هذا الاشكال انها مختفية عن أعين الأغيار، وقد سلّم اصحاب الفضل بامكان مثل تلك الحالة، ولكن الاشكال في الصغرى وهي انطباق هذا العنوان ـ الاختفاء عن الأعين ـ على هذه الجزيرة.

وربّما يكون الموقف الصحيح هو الذي اتّخذه السلف الصالح من هذه الحكاية وهو موقف المتأمّل المحتمل الذي لا يقطع بالنفي أو الاثبات، ومن هذا الموقف كان ذكرهم لها في كتبهم الفقهيّة والأصولية، كما عمل ذلك المحقق الشيخ الوحيد استاذ الكل في حاشيته على المدارك، والمحقق اسد الله التستري الكاظمي في كتابه الفقهي الاستدلالي (مقاييس الأنوار) وفي كتابه الأصولي الاستدلالي (كشف القناع).

والحق انّ الرواية لا يثبتها سندها وان صحّ، لأنّه خبر واحد لا يفيد اكثر من الظنّ وهو حجة شرعية ولكنّه غير كاشف عن الواقع وانما ينفع في التكاليف ليس الّا من المنجزية

=>


الصفحة 181

نصّ الرسالة المذكورة:

وبعد: فقد وجدت في خزانة أمير المؤمنين عليه السلام، وسيّد الوصيّين، وحجة ربّ العالمين، وامام المتّقين، علي بن أبي طالب عليه السلام بخطّ الشيخ الفاضل والعالم العامل، الفضل بن يحيى بن عليّ الطيّبي الكوفي قدّس الله روحه ما هذا صورته:

الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمد وآله وسلّم.

وبعد: فيقول الفقير إلى عفو الله سبحانه وتعالى الفضل بن يحيى بن عليّ الطيّبي الاماميّ الكوفي عفا الله عنه: قد كنت سمعت من الشيخين الفاضلين العاملين الشيخ شمس الدين بن نجيح الحلّي والشيخ جلال الدين عبد الله بن الحرام الحلّي قدّس الله روحيهما ونوّر ضريحيهما في مشهد سيّد الشهداء وخامس أصحاب الكساء مولانا وامامنا أبي عبد الله الحسين عليه السلام في النصف من شهر شعبان سنة تسع وتسعين وستمائة من الهجرة النبويّة على مشرّفها محمد وآله أفضل الصلاة وأتمّ التحيّة، حكاية ما سمعاه من الشيخ الصالح التقي والفاضل الورع الزّكيّ زين الدين علي بن فاضل المازندراني، المجاور بالغريّ ـ على مشرّفيه السلام ـ حيث اجتمعا به في مشهد الامامين الزّكيين الطاهرين المعصومين السعيدين عليهما السلام بسرّ من رأى وحكى لهما حكاية ما شاهده ورآه في

____________

<=

والمعذرية.

أما انّه لا يكشف عن واقع القضية، ولا يبت في وجودها ولا في عدمها.

خصوصاً في مثل هذه القضية فانّه من الصعب جداً حصول الاطمئنان بخبر الواحد بل المتعدّد بل حتى حصول الظنّ فانّه من العسير والصعب جدّاً حصوله في خبر الواحد بل وحتى المتعدّد احياناً.

نعم، قد يحصل اليقين أو الظنّ عند بعض الأشخاص، أما لحالات خاصّة عندهم أو لقرائن تورثهم اليقين أو غير ذلك.

وليس من العقلي أو المنطقي اتّهامهم في يقينهم أو سلب الحجية من يقينهم لأن للقطع حجية ذاتية، حتى مع يقين الطرف الآخر بأن اُولئك ابتنى يقينهم على أصول خاطئة، نعم له الحق في توضيح نقاط الضعف والسعي لاقناع ذلك الطرف بخطئه باعمال تلك الأصول التي انتهت به الى تلك النتيجة.

وكم أعجبني البحث العلمي الذي سلكه العلامة السيد محمد الصدر في مناقشة الفكرة بطريقة تجريدية علمية، وإن كانت اعتراضاته تناقش كل واحدة منها بأكثر من مناقشة، وهكذا كلّ مفردة من تفريعات تلك المناقشات.

وأما الأسلوب الذي استخدمه بعض المؤلفين في اثبات انّ الجزيرة الخضراء هي نفسها تلك الجزيرة التي تقع في مثلث برمودا مع اقامة الشواهد والقرائن ; فانّ هذه الطريقة بعمومها تفيده في القضية الأولى وهي نفي دعوى انّ الكرة الأرضية قد عرفت شبراً شبراً، ولكنّها لا تثبت انّ هذه المنطقة هي الجزيرة الخضراء، وان صلحت مؤيدة للاحتمال، وهذا التأييد لا يخرج الاحتمال عن حالته الترديدية وإن رفعت مستواه بنفسه، والله العالم.


الصفحة 182
البحر الأبيض، والجزيرة الخضراء من العجائب فمرّ بي باعث الشوق إلى رؤياه، وسألت تيسير لُقياه، والاستماع لهذا الخبر من لقلقة فيه باسقاط رواته، وعزمت على الانتقال إلى سرّ من رأى للاجتماع به.

فاتّفق انّ الشيخ زيد الدين علي بن فاضل المازندراني انحدر من سرّ من رأى إلى الحلّة في أوائل شهر شوال من السنة المذكورة ليمضي على جاري عادته ويقيم في المشهد الغروي على مشرّفيه السلام.

فلمّا سمعت بدخوله إلى الحلّة وكنت يومئذ بها قد أنتظر قدومه فاذا أنا به وقد أقبل راكباً يريد دار السيّد الحسيب، ذي النسب الرّفيع، والحسب المنيع، السيد فخر الدين الحسن بن عليّ الموسوي المازندراني نزيل الحلّة أطال الله بقاه ولم أكن إذ ذاك الوقت أعرف الشيخ الصالح المذكور لكن خلج في خاطري انّه هو.

فلمّا غاب عن عيني تبعته إلى دار السيد المذكور فلمّا وصلت إلى باب الدّار رأيت السيد فخر الدّين واقفاً على باب داره مستبشراً فلمّا رآني مقبلا ضحك في وجهي وعرّفني بحضوره فاستطار قلبي فرحاً وسروراً ولم أملك نفسي على الصبر على الدّخول إليه في غير ذلك الوقت.

فدخلت الدّار مع السيّد فخر الدّين فسلّمت عليه، وقبّلت يديه، فسأل السيّد عن حالي، فقال له: هو الشيخ فضل بن الشيخ يحيى الطيّبي صديقكم فنهض واقفاً وأقعدني في مجلسه ورحّب بي وأحفى السؤال عن حال أبي وأخي الشيخ صلاح الدّين لأنّه كان عارفاً بهما سابقاً، ولم أكن في تلك الأوقات حاضراً بل كنت في بلدة واسط، أشتغل في طلب العلم عند الشيخ العالم العامل الشيخ أبي اسحاق ابراهيم بن محمد الواسطي الامامي تغمّده الله برحمته، وحشره في زمرة أئمته عليهم السلام.

فتحادثت مع الشيخ الصالح المذكور متّع الله المؤمنين بطول بقائه فرأيت في كلامه امارات تدلّ على الفضل في أغلب العلوم من الفقه والحديث، والعربيّة بأقسامها، وطلبت منه شرح ما حدّث به الرجلان الفاضلان العالمان العاملان الشيخ

الصفحة 183
شمس الدين والشيخ جلال الدين الحلّيان المذكوران سابقاً عفا الله عنهما فقصّ لي القصّة من أوّلها إلى آخرها بحضور السيد الجليل السيّد فخر الدين نزيل الحلّة صاحب الدّار، وحضور جماعة من علماء الحلّة والأطراف، قد كانوا أتوا لزيارة الشيخ المذكور وفّقه الله، وكان ذلك في اليوم الحادي عشر من شهر شوّال سنة تسع وتسعين وستمائة وهذه صورة ما سمعته من لفظه أطال الله بقاءه، وربّما وقع في الألفاظ التي نقلتها من لفظه تغيير، لكنّ المعاني واحدة قال حفظه الله تعالى:

قد كنت مقيماً في دمشق الشام، منذ سنين، مشتغلا بطلب العلم، عند الشيخ الفاضل الشيخ عبد الرحيم الحنفي وفّقه الله لنور الهداية في علمي الاصول والعربيّة، وعند الشيخ زين الدّين بن علي المغربي الأندلسي المالكي في علم القراءة لأنّه كان عالماً فاضلا عارفاً بالقراءات السبع، وكان له معرفة في أغلب العلوم من الصرف والنحو والمنطق والمعاني والبيان والأصولين(1) وكان ليّن الطبع لم يكن عنده معاندة في البحث ولا في المذهب لحسن ذاته.

فكان إذا جرى ذكر الشيعة يقول: قال علماء الاماميّة، بخلاف من المدرّسين فانّهم كانوا يقولون عند ذكر الشيعة: قال علماء الرّافضة، فاختصصت به وتركت التردّد إلى غيره، فأقمنا على ذلك برهة من الزّمان أقرأ عليه في العلوم المذكورة.

فاتّفق انّه عزم على السّفر من دمشق الشام، يريد الدّيار المصريّة، فلكثرة المحبّة التي كانت بيننا عزّ عليّ مفارقته، وهو ايضاً كذلك، فآل الأمر إلى انّه هداه الله صمّم العزم على صحبتي له إلى مصر، وكان عنده جماعة من الغرباء مثلي، يقرؤون عليه فصحبه اكثرُهم.

فسرنا في صحبته إلى أن وصلنا مدينة بلاد مصر المعروفة بالقاهرة، وهي أكبر من مدائن مصر كلّها، فأقام بالمسجد الأزهر مدّة يدرّس، فتسامع فضلاء مصر

____________

1- الأصولين: هما علم أصول الدين، وعلم أصول الفقه.


الصفحة 184
بقدومه، فوردوا كلّهم لزيارته وللانتفاع بعلومه، فأقام في قاهرة مصر مدّة تسعة أشهر، ونحن معه على أحسن حال وإذا بقافلة قد وردت من الأندلس ومع رجل منها كتاب من والد شيخنا الفاضل المذكور يعرّفه فيه بمرض شديد قد عرض له وانّه يتمنّى الاجتماع به قبل الممات، ويحثّه فيه على عدم التأخير.

فرقّ الشيخ من كتاب أبيه وبكى، وصمّم العزم على المسير إلى جزيرة الأندلس، فعزم بعض التلامذة على صحبته، ومن الجملة أنا، لأنّه هداه الله قد كان أحبّني محبّة شديدة وحسّن لي المسير معه، فسافرت إلى الأندلس في صحبته فحيث وصلنا إلى أوّل قرية من الجزيرة المذكورة، عرضت لي حمّى منعتني عن الحركة.

فحيث رآني الشيخ على تلك الحالة رقّ لي وبكى، وقال: يعزّ عليّ مفارقتك، فأعطى خطيب تلك القرية التي وصلنا اليها عشرة دراهم، وأمره أن يتعاهدني حتى يكون منّي أحد الأمرين، وانّ من الله بالعافية اتّبعه إلى بلده، هكذا عهد إليّ بذلك وفّقه الله بنور الهداية إلى طريق الحقّ المستقيم، ثمّ مضى إلى بلد الأندلس، ومسافة الطريق من ساحل البحر إلى بلده خمسة أيام.

فبقيت في تلك القرية ثلاثة أيام لا أستطيع الحركة لشدّة ما أصابني من الحمّى ففي آخر اليوم الثالث فارقتني الحمّى، وخرجت أدور في سكك تلك القرية فرأيت قَفلا قد وصل من جبال قريبة من شاطئ البحر الغربي يجلبون الصوف والسمن والأمتعة، فسألت عن حالهم فقيل: انّ هؤلاء يجيئون من جهة قريبة من أرض البربر، وهي قريبة من جزائر الرافضة.

فحيث سمعت ذلك منهم ارتحت اليهم، وجذبني باعث الشوق إلى أرضهم، فقيل لي: انّ المسافة خمسة وعشرون يوماً، منها يومان بغير عمارة ولا ماء، وبعد ذلك فالقرى متّصلة، فاكتريت معهم من رجل حماراً بمبلغ ثلاثة دراهم، لقطع تلك المسافة التي لا عمارة فيها، فلمّا قطعنا معهم تلك المسافة، ووصلنا أرضهم العامرة، تمشّيت راجلا وتنقّلت على اختياري من قرية إلى اُخرى [إلى ] أن وصلت إلى أوّل

الصفحة 185
تلك الأماكن، فقيل لي: انّ جزيرة الروافض قد بقي بينك وبينها ثلاثة أيام، فمضيت ولم أتأخّر.

فوصلت إلى جزيرة ذات أسوار أربعة، ولها أبراح محكمات شاهقات، وتلك الجزيرة بحصونها راكبة على شاطئ البحر، فدخلت من باب كبيرة يقال لها: باب البربر، فدُرت في سككها أسأل عن مسجد البلد، فهُديت عليه، ودخلت إليه فرأيته جامعاً كبيراً معظماً واقعاً على البحر من الجانب الغربي من البلد، فجلست في جانب المسجد لأستريح وإذا بالمؤذّن يؤذّن للظهر ونادى بحيّ على خير العمل ولمّا فرغ دعا بتعجيل الفرج للامام صاحب الزمان عليه السلام.

فأخذتني العبرة بالبكاء، فدخلت جماعة بعد جماعة إلى المسجد، وشرعوا في الوضوء على عين ماء تحت شجرة في الجانب الشرقي من المسجد، وأنا أنظر اليهم فرحاً مسروراً لما رأيته من وضوئهم المنقول عن ائمة الهدى عليهم السلام.

فلمّا فرغوا من وضوئهم وإذا برجل قد برز من بينهم بهيّ الصورة، عليه السكينة والوقار، فتقدّم إلى المحراب، وأقام الصلاة، فاعتدلت الصفوف وراءه وصلّى بهم اماماً وهم به مأمومون صلاة كاملة بأركانها المنقولة عن ائمّتنا عليهم السلام على الوجه المرضيّ فرضاً ونفلا وكذا التعقيب والتسبيح، ومن شدّة ما لقيته من وعثاء السفر، وتعبي في الطريق لم يمكنّي أن أصلّي معهم الظهر.

فلمّا فرغوا ورأوني أنكروا عليّ عدم اقتدائي بهم، فتوجّهوا نحوي بأجمعهم وسألوني عن حالي ومن أين أصْلي، وما مذهبي؟ فشرحت لهم أحوالي وانّي عراقي الأصل، وأمّا مذهبي فانّني رجل مسلم أقول أشهد أن لا إلـه الّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله أرسله [ بالهدى ] ودين الحقّ ليظهره على الأديان كلّها ولو كره المشركون.

فقالوا لي: لم تنفعك هاتان الشهادتان الّا لحقن دمك في دار الدنيا لم لا تقول الشهادة الأخرى لتدخل الجنّة بغير حساب؟ فقلت لهم؟ وما تلك الشهادة الأخرى؟


الصفحة 186
اهدوني إليها يرحمكم الله، فقال لي إمامُهم: الشهادة الثالثة هي أن تشهد أنّ أمير المؤمنين، ويعسوب المتّقين، وقائد الغرّ المحجّلين علي بن أبي طالب والائمة الأحد عشر من ولده أوصياء رسول الله، وخلفاؤه من بعد بلا فاصلة، قد أوجب الله عزوجل طاعتهم على عباده، وجعلهم أولياء أمره ونهيه، وحججاً على خلقه في أرضه، وأماناً لبريّته، لأنّ الصادق الأمين محمداً رسول ربّ العالمين صلى الله عليه وآله وسلّم أخبر بهم عن الله تعالى مشافهة من نداء الله عزوجل له عليه السلام في ليلة معراجه إلى السماوات السبع، وقد صار من ربّه كقاب قوسين أو أدنى، وسمّاهم له واحداً بعد واحد، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.

فلمّا سمعت مقالتهم هذه حمدت الله سبحانه على ذلك، وحصل عندي أكمل السرور، وذهب عنّي تعب الطريق من الفرح، وعرّفتهم انّي على مذهبهم، فتوجّهوا اليّ توجّه إشفاق، وعيّنوا لي مكاناً في زوايا المسجد، وما زالوا يتعاهدونني بالعزّة والاكرام مدّة إقامتي عندهم، وصار امام مسجدهم لا يفارقني ليلا ولا نهاراً.

فسألته عن ميرة أهل بلده من أين تأتي اليهم فانّي لا أرى لهم أرضاً مزروعة، فقال: تأتي اليهم ميرتهم من الجزيرة الخضراء من البحر الأبيض، من جزائر أولاد الامام صاحب الأمر عليه السلام، فقلت له: كم تأتيكم ميرتكم في السنة؟ فقال: مرّتين، وقد أتت مرّة وبقيت الأخرى، فقلت: كم بقي حتى تأتيكم؟ قال: أربعة أشهر.

فتأثّرت لطول المدّة، ومكثت عندهم مقدار أربعين يوماً أدعو الله ليلا ونهاراً بتعجيل مجيئها، وأنا عندهم في غاية الاعزاز والاكرام، ففي آخر يوم من الأربعين ضاق صدري لطول المدّة فخرجت إلى شاطئ البحر، أنظر إلى جهة المغرب التي ذكروا أهل البلد انّ ميرتهم تأتي اليهم من تلك الجهة.

فرأيت شبحاً من بعيد يتحرّك، فسألت عن ذلك الشبح أهل البلد وقلت لهم: هل يكون في البحر طير أبيض؟ فقالوا لي: لا، فهل رأيت شيئاً؟ قلت: نعم،