الصفحة 235
ونحن نتبرّك اولا بنقل أصل النسخة ثم بعدها نترجمه بقدر فهمنا:(1) (نسخة ما ينوب مناب العنوان)(2) للشيخ السديد(3) والمولى(4) الرشيد الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان أدام الله اعزازه من مستودع العهد المأخوذ على العباد (نسخة ما في الكتاب): بسم الله الرحمن الرحيم، أمّا بعد سلام عليك أيها الولي المخلص في الدين المخصوص فينا باليقين فانّا نحمد اليك الله الذي لا إلـه الّا هو ونسأله الصلوة على سيّدنا ومولانا ونبيّنا محمد وآله الطاهرين ولنعلمك أدام الله توفيقك لنصرة الحقّ وأجزل مثوبتك على نطقك عنّا بالصّدق انّه قد أذن لنا في تشريفك بالكتابة وتكليفك ما تؤديه عنّا إلى موالينا قبلك أعزهم الله تعالى بطاعته وكفاهم المهم برعايته [ لهم ](5) وحراسته فقف أيّدك الله بعونه على أعدائه المارقين من دينه على ما نذكره(6) واعمل في تأديته إلى من تسكن إليه بما نرسمه ان شاء الله نحن وإن كنّا ثاوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين حسب ما (الذي) أرانا الله من الصلاح لنا ولشيعتنا المؤمنين في ذلك، ما دامت دولة الدنيا للفاسقين فانّا نحيط علماً بأنبائكم ولا يعزب عنّا شيء من أخباركم ومعرفتنا بالأذى(7) الذي أصابكم مذ جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعاً ونبذوا العهد المأخوذ(8) منهم كأنهم لا

____________

1- ونحن نقتصر على الأصل لعدم الحاجة هنا إلى الترجمة الفارسية.

علماً اننا ننقل النص الذي أثبته المؤلف ونشير احياناً إلى موضع الاختلاف في الهامش والمتن مع المصدر المطبوع.

2- لا توجد هذه الزيادة في المصدر المطبوع.

3- في المصدر (الأخ السديد).

4- في المصدر (والولي).

5- هذه الزيادة في المصدر.

6- في المصدر (على ما أذكره).

7- في المصدر (بالذل).

8- في المصدر بدل (منهم) (المأخوذ وراء ظهورهم).


الصفحة 236
يعلمون وانا غير مهملين لمراعاتكم ولا ناسين [ لذكركم ](1) ولو لا ذلك لنزل بكم البلاء [ اللأواء ](2) واصطلمكم الأعداء فاتّقوا الله جلّ جلاله وظاهرونا على انتبائكم (انتياشكم خ) من فتنة قد أنافت عليكم يهلك فيها من حم أجله ويحيي(3) عنها من أدرك أمله وهي امارة لادرار(4) حركتها(5) ومناقشتكم(6) (احاقشتكم خ) لأمرنا ونهينا والله متمّ نوره ولو كره المشركون فاعتصموا بالتقية من شب نار الجاهلية يخشنها(7) (يخشها خ) عصب (جمع عصبه كغرف جمع غرفه وهي الجماعة) اموية ويهول بها فرقة مهدوية(8) أنا زعيم بنجاة من لم يرِم [ منكم ](9) فيها بمواطن (الحقية)(10) وسلك في الطعن عنها(11) السبل المرضية إذا أهلّ(12) جمادى الأولى من سنتكم هذه فاعتبروا بما يحدث فيه، واستيقظوا من رقدتكم لما يكون في (من خ) الذي يليه، ستظهر لكم من السماء آية جلية ومن الأرض مثلها بالسوية ويحدث في أرض المشرق ما يحزن [ ويحرق ](13) ويقلق ويغلب على أرض(14) العراق طوايف من الاسلام مضاق(15) (تضيق خ) بسوء فعالهم على أهله الأرزاق ثم تنفرج الغمة من

____________

1- اثبت في المصدر.

2- في المصدر، واللأواه: الشدّة وضيق المعيشة.

3- في المصدر (ويحمى).

4- في المصدر (لازوف): أي اقتراب.

5- في المصدر (حركتنا).

6- في المصدر (ومباثتكم).

7- في المصدر (يحششها). وحش النار: أوقدها وهيجها.

8- في المصدر (مهدية).

9 و 10- سقطت من المصدر.

11- في المصدر (منها).

12- في المصدر (حلّ).

13- سقطت من المصدر.

14- في المصدر بدل (ويغلب من بعد على العراق).

15- في المصدر بدل (عن الاسلام حراق تضيق بسوء فعالهم...).


الصفحة 237
بعد ببوار طاغوت من الأشرار يسر(1) بهلاكه المتقون والأخيار (ويتفق خ) لمريدي الحج من الآفاق ما يأملونه [ منه ](2) على توفير عليه منهم واتفاق، ولنا في تيسير حجهم على الاختيار منهم والوفاق شأن يظهر على نظام واتساق، ليعمل (فيعمل خ) كل امرء منكم بما يقربه من محبّتنا وليجتنب ما يدنيه من كراهتنا وسخطنا فانّ أمرنا يبعثه فجائة(3) حين لا تنفعه توبة ولا ينجيه من عقابها(4) ندم على حوبة، والله يلهمكم الرشد ويلطف لكم في التوفيق برحمته (ونسخ التوقيع باليد العليا على صاحبها السلام) هذا كتابنا اليك أيها الأخ الولي والمخلص في ودّنا الصفي الناصر لنا الوفي حرسك الله بعينه التي لا تنام، فاحتفظ به ولا تظهر على خطنا الذي سطرناه بما له ضمناه أحداً، وأدّ ما فيه إلى من تسكن إليه وأوصِ جماعتهم بالعمل عليه إن شاء الله تعالى وصلى الله على محمد وآله الطاهرين)(5).

وقبل الشروع في الترجمة لابدّ من التنبيه على نكتة وهي: انّه لم يعلم ما هو المراد بالناحية، ولم أرَهُ في كلام أحد قد تعرّض إليه الّا الشيخ ابراهيم الكفعمي في حاشية المصباح في الفصل السادس والثلاثين قال:

" الناحية: كل مكان الذي كان صاحب الأمر عليه السلام فيه في غيبته الصغرى، ويختلف إليه وكلاؤه "(6).

ولم يذكر مستنده، ولكن يمكن أن يستفاد من بعض الأخبار كما روى علي بن الحسين المسعودي في كتاب (اثبات الوصية): " أمر أبو محمد عليه السلام والدته بالحج

____________

1- في المصدر (ثم يستر).

2- هذه الزيادة في المصدر.

3- بغتة، فجأة.

4- في المصدر (عقابنا).

5- راجع الاحتجاج (الطبرسي): ج 1، ص 322 ـ 324.

6- المصباح (الكفعمي): ص 396 ـ 397.


الصفحة 238
في سنة تسع وخمسين ومائتين، وعرفها ما يناله في سنة ستين، وأحضر الصاحب عليه السلام فأوصى إليه وسلّم الاسم الأعظم والمواريث والسلاح إليه.

وخرجت أم أبي محمد مع الصاحب عليهم السلام جميعاً إلى مكة، وكان احمد بن محمد بن مطهر أبو علي، المتولي لما يحتاج اليه الوكيل.

فلمّا بلغوا بعض المنازل من طريق مكة تلقى الأعراب القوافل فأخبروهم بشدة الخوف، وقلّة الماء.

فرجع اكثر الناس، الّا مَنْ كان في الناحية، فانّهم نفذوا وسلموا.

وروي انّهم ورد عليهم عليه السلام بالنفوذ "(1).

ولكن علماء الرجال صرّحوا انّ الناحية تطلق على الامام الحسن العسكري بل على الامام علي النقي عليه السلام ايضاً.

الحكاية الحادية والخمسون:

وقال الشيخ الطبرسي في الاحتجاج:

وردّ عليه(2) كتاب آخر من قبله(3) صلوات الله عليه يوم الخميس الثالث والعشرين من ذي الحجة سنة اثنا عشر وأربعمائة.

نسخته: [ من عبد الله المرابط في سبيله إلى ملهم الحق ودليله ](4).

بسم الله الرحمن الرحيم، سلام عليك ايها [ العبد الصالح ](5) الناصر للحق

____________

1- اثبات الوصية (المسعودي): ص 217 ـ 218.

2- في المصدر بدل (عليه) (على الشيخ المفيد).

3- في المصدر بدل (قبله) (قبل امام العصر عليه السلام).

4- لا توجد هذه الزيادة في المصدر.

5- سقطت من المصدر.


الصفحة 239
الداعي إليه بكلمة الصدق فانّا نحمد اليك الله الذي لا إلـه الّا هو الهنا وإلـه آبائنا الأولين ونسأله الصلاة على سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وآله وسلّم خاتم النبيين وأهل بيته الطيّبين الطاهرين، وبعد فقد كنّا نظرنا مناجاتك عصمك الله تعالى بالسبب (بالسبت خ) الذي وهبه لك من أوليائه وحرسك من كيد اعدائه وشفعنا ذلك الآن من مستقرّ لنا [ ناصب ](1) (ينصب خ) في شمراخ من بهماء صرنا إليه آنفاً من غماليل الجأنا اليه السباريت من الايمان ويوشك أن يكون هبوطنا منه إلى صحيح(2) من غير بعد من الدهر ولا تطاول من الزمان، ويأتيك نبأ منّا بما يتجدّد لنا من حال فتعرف بذلك ما تعتمده من الزلفة الينا بالأعمال والله موفقك لذلك برحمته، فلتكن حرسك الله بعينه التي لا تنام أن تقابل لذلك فتنة(3) نفوس قوم حرست باطلا لاسترهاب المبطلين يبتهج لدمارها المؤمنون ويحزن لذلك المجرمون، وآية حركتنا من هذه اللوثة حادثة بالحرم المعظم من رجس منافق مذمم مستحل للدم المحرّم يعمد بكيده أهل الايمان ولا يبلغ بذلك غرضه من الظلم لهم والعدوان، لأننا من وراء حفظهم بالدعاء الذي لا يحجب عن ملك الأرض والسماء، فلتطمئن بذلك من اوليائنا القلوب وليثقوا بالكفاية وان راعتهم به الخطوب والعاقبة لجميل صنع الله [ سبحانه ](4) تكون حميدة لهم ما اجتنبوا المنهي عنه من الذنوب ونحن نعهد اليك أيّها الولي [ المخلص ](5) المجاهد فينا الظالمين، أيّدك الله بنصره الذي أيّد به السلف من أوليائنا الصالحين، انّه من اتقى ربّه من اخوانك في الدين وأخرج ما عليه إلى مستحقّه كان آمناً من فتنتها المبطلة ومحنتها المظلمة المظلة، ومن بخل منهم بما أعاده الله من نعمته على من أمر بصلته فانّه يكون خاسراً بذلك لأُولاه وآخرته، ولو اشياعنا ـ وفقهم الله لطاعته ـ على اجتماع

____________

1- سقطت من المصدر.

2- في المصدر (صحصح).

3- في المصدر (فتنة تسبّل).

4 و 5- هذه الزيادة في المصدر.


الصفحة 240
من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخر عنهم [ اليمن ](1) بلقائنا ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم الّا ما يتّصل بنا مما نكرهه ولا نؤثره منهم، والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلواته على سيدنا البشير النذير محمد وآله الطاهرين وسلامه.

وكتب في غرّة شوال من سنة اثنتى عشر وأربعمائة (نسخة التوقيع باليد العليا صلوات الله على صاحبها):

هذا كتابنا اليك أيّها الولي الملهم للحق العلي باملائنا وخطّ ثقتنا فاخفِهِ عن كل أحد واطوِهِ واجعل له نسخة يطّلع عليها مَنْ تسكن إلى أمانته من أوليائنا شملهم الله ببركتنا إن شاء الله تعالى والحمد لله والصلاة على سيّدنا محمد وآله الطاهرين(2).

يقول المؤلف:

توجد عدة تنبيهات تتعلّق بهـذين المرسومين المباركين لابدّ من الاشارة إليها:

الأول: يعلم من ظاهر كتاب الاحتجاج للشيخ الطبرسي انّه جاء من الامام الحجة عليه السلام للشيخ رحمه الله كتابان بخط بعض خاصته عليه السلام، وقد زيّن كل من الكتابين بخطّه الشريف وقد أظهر لطفاً كثيراً بعدّة أسطر منهما، ولكنّه وقع في كلمات جملة من العلماء التعبير بلفظ (توقيعات)، ويظهر من ذلك انّ التوقيع هو غير الاثنين، كما قال في اللؤلؤة بعد أن ذكر أبياتاً بخطّ الامام عليه السلام وجدت مكتوبة على قبره:(3)

____________

1- هذه الزيادة في المصدر.

2- الاحتجاج (الطبرسي): ج 2، ص 324 ـ 325.

3- أقول: قال الشيخ البحراني في (لؤلؤة البحرين): ص 363 (وقال في كتاب مجالس المؤمنين: وهذه الأبيات منسوبة لحضرة صاحب الأمر عليه السلام وجدت مكتوبة على قبره) انتهى.

وليست في العبارة تصريح ولا تلميح على انها مكتوبة بخطه عليه السلام، بل اكثر من ذلك قوله (منسوبة)، والله العالم.


الصفحة 241
" وليس هذا ببعيد بعد خروج ما خرج عنه عليه السلام من التوقيعات للشيخ المذكور... الخ "(1).

وقال الاستاذ الأكبر العلامة البهبهاني في التعليقة: " ذكر في الاحتجاج توقيعات عن الصاحب عليه السلام في جلالته... الخ ".

ولعلّهم عدّوا أصل الكتاب، وخطّه المبارك متعدداً.

ونقل الشيخ يوسف عن العالم المتبحّر يحيى بن بطريق الحلّي صاحب كتاب العمدة وهو من علماء المائة الخامسة ; انّه قال في رسالة (نهج العلوم إلى نفي المعدوم): " انّ صاحب الأمر صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه كتب إليه ثلاثة كتب في كلّ سنة كتاباً... "(2).

وعلى قوله فهناك كتابٌ بين ما مضى ذكره، لا يوجد في الكتب الموجودة.

الثاني:(3) قال الشيخ الطبرسي في أوّل كتاب الاحتجاج:

" ولا نأتي في [ اكثر ](4) ما نورده من الأخبار باسناده(5)، أمّا لوجود الاجماع عليه(6) ; أو موافقته لما دلّت عليه العقول عليه ; أو لاشتهاره في السير والكتب بين المخالف والمؤالف "(7).

يعني انّنا لا ننقل في الكتاب من الأخبار الّا ما وافق الاجماع أو الدليل العقلي، أو كان مشهوراً في كتب الفريقين(8).

____________

1- لؤلؤة البحرين (الشيخ يوسف البحراني): ص 363.

2- لؤلؤة البحرين: ص 367.

3- أي التنبيه الثاني.

4- سقطت من الترجمة.

5- في الترجمة (في هذا الكتاب).

6- قال المؤلف رحمه الله: " يعني بصحة الخبر ".

7- الاحتجاج (الطبرسي): ج 1، ص 4.

8- أقول: ولكن في عبارة الشيخ الطبرسي كلمة (اكثر) بقوله: " ولا نأتي في أكثر ما نورده من الأخبار باسناده... ".

فلا يلزم انطباق العنوان بأحد أقسامه على جميع ما في الكتاب، وانما ينطبق على الأكثر فيكون مجملا.


الصفحة 242
وقد أخبر عن هـذين الكتابين جازماً(1) انّه ورد من الامام عليه السلام، وليس فيه ترديد أو احتمال بأن يقول: روي، أو نقل. وحتى لو كان يقول هكذا، فهو معتبر ايضاً حسب ما وعد به في أوّل الكتاب، فلابدّ أن تحقق الاجماع على رواية هذين الكتابين، أو الشهرة في الكتب.

وقال الشيخ يحيى بن بطريق الحلّي في الرسالة المذكورة: طريقان في تزكية الشيخ (إلى أن يقول):

الثاني: في تزكيته(2) ما ترويه كافة الشيعة وتتلقّاه بالقبول من ان(3) صاحب الأمر صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه كتب اليه ثلاثة كتب(4).

وبعد أن ذكر عناوين الكتب قال: " وهذا أوفى مدح وتزكية، وأزكى ثناء وتطرية بقول امام الأمة، وخلف الائمة عليهم السلام(5) انتهى.

فظاهر نص هذين الشيخين المعظمين انّ هذين الكتابين كانا مشهورين ومقبولين عند الأصحاب، ولم يتأمّلوا في روايتهما، ولم يكن هذا الّا انهم وجدوا علامة الصدق وشاهد القطع في المبلغ والموصل لهما، كما انّ نفس ذلك الشخص الموصل قد وقف ايضاً على آية وعلامة بأنّهما منه عليه السلام. فكيف يمكن للأصحاب ان يتلقوهما ويقبلوهما بدون شواهد وآيات، وينسبوهما جازمين إليه عليه السلام؟

وأشار (بحر العلوم) في رجاله إلى هذه النكتة كما سيأتي كلامه مع اشكال آخر

____________

1- أقول راجع عبارته في: ج 1، ص 318 (ذكر كتاب ورد من الناحية المقدّسة حرسها الله ورعاها.... ذكر موصله انّه يحمله من ناحية متصلة بالحجاز).

فهل في هذه العبارة جزم؟ خصوصاً قوله: (ذكر موصله)، والله العالم.

2- في الترجمة (المختص بالشيخ وهو ما ترويه... الخ).

3- في الترجمة زيادة (مولانا).

4 و 5- راجع لؤلؤة البحرين: ص 367.


الصفحة 243
ورفعه في الباب الآتي.

الثالث:(1) في التوقيع الأول أشار إلى عدّة علامات من علامات ظهوره، وأردت أن أفصل فيها ولكن بعد التأمل رأيت انّ توضيحها متوقف على ذكر كثير من الأخبار المشتملة على الآيات والعلامات، وتطبيق الآيات المذكورة على بعض الموجود منها بطريق الحدس والتخمين الممنوع.

علاوة على وجود فائدة كبيرة في أصل ذكرها.

ومع كثرة الاختلاف والتعارض بينها يتعسر الجمع بين ظواهرها، بل متعذر.

ومعارضتها مع آيات وعلامات يوم القيامة، واختلاف رواة هذين الصنفين من الآيات فيما بينهم، واحتمال التغيير والتبديل في الأصل أو في الظاهر وصفاتها ـ حتى ذلك النوع الذي يُعدّ في أخبارها من المحتومات، وكما سيأتي في خبر صريح في الباب الحادي عشر ـ بأنّها قابلة للبداء ايضاً.

ويتبين انّ المراد من المحتوم ليس هو ظاهره.

ولعدم وجود ثمرة علمية وعملية فإنّ الأَوْلى ترك التعرّض لها.

والدعاء بتعجيل الفرج وانتظار ظهوره في كل آن، كما يأتي في الباب العاشر (فانّ الله يفعل ما يشاء).

الحكاية الثانية والخمسون:

قال الشهيد الثالث القاضي نور الله في مجالس المؤمنين:

" هذه عدّة أبيات منسوبة إلى صاحب الأمر عليه السلام قالها في رثاء جناب الشيخ المفيد وُجدت مكتوبة على قبره:

____________

1- أي التنبيه الثالث.


الصفحة 244

لا صوّتَ الناعي بفقدك انّهيومٌ على آل الرسول عظيمُ
إن كنتَ قد غُيّبتَ في جدث الثرىفالعلم والتوحيد فيك مقيمُ
والقائم المهديُّ يفرح كلّماتُلِيَتْ عليك من الدروس علومُ "(1)

والاشكال في العلم بأنّ هذه الأبيات منه عليه السلام مثل الاشكال السابق، والجواب نفس الجواب.

الحكاية الثالثة والخمسون:

روى القطب الراوندي في كتاب الخرائج عن ابي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه انّه قال:

لمّا وصلت بغداد في سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة للحجّ، وهي السنة التي ردّ القرامطة فيها الحجر إلى مكانه من البيت، كان أكبر همّي الظفر بمن ينصب الحجر؟ لأنّه مضى في اثناء الكتب قصة اخذه وانّه انّما ينصبه في مكانه الحجّة في الزّمان، كما في زمان الحجّاج وضعه زين العابدين في مكانه واستقرّ، فاعتللت علّة صعبة خفت منها على نفسي ولم يتهيّأ لي ما قصدته فاستنبت المعروف بابن هشام وأعطيته رقعة مختومة أسأل فيها عن مدّة عمري وهل يكون الموتة في هذه العلة أم لا، وقلت: همّي ايصال هذه الرّقعة الى واضع الحجر في مكانه وأخذ جوابه وانّما أندبك لهذا، قال: فقال المعروف بابن هشام: لمّا حصلت بمكة وعزم على إعادة الحجر بذلت لسدنة البيت جملة تمكّنت معها من الكون بحيث أرى واضع الحجر في مكانه، فأقمت معي منهم من يمنع عنّي ازدحام الناس فكلّما عمد انسان لوضعه اضطرب ولم يستقم، فأقبل غلام أسمر اللون حسن الوجه فتناوله ووضعه في مكانه فاستقام كأنّه لم يزل عنه، وعلت لذلك الأصوات، فانصرف خارجاً من الباب، فنهضت من مكاني أتبعه وأدفع الناس

____________

1- مجالس المؤمنين (التستري): ج 1، ص 477.


الصفحة 245
عنّي يميناً وشمالا حتى ظنّ بي الاختلاط في العقل، والنّاس يفرجون لي وعيني لا تفارقه حتّى انقطع عن الناس فكنت أسرع السير خلفه وهو يمشي على تؤدة السير ولا اُدركه.

فلمّا حصل بحيث لا أحد يراه غيري وقف والتفت اليّ فقال: هات ما معك، فناولته الرّقعة، فقال من غير أن ينظر إليها: قل له: لا خوف عليك في هذه العلّة، ويكون ما لابدّ منه بعد ثلاثين سنة، قال: فوقع عليّ الدّمع حتى لم اُطق حراكاً وتركني وانصرف.

قال أبو القاسم: فأعلمني بهذه الجملة فلمّا كان سنة سبع وستّين اعتلّ أبو القاسم وأخذ ينظر في أمره وتحصيل جهازه إلى قبره، فكتب وصيّته واستعمل الجدّ في ذلك، فقيل له: ما هذا الخوف؟ ونرجو أن يتفضّل الله بالسّلامة فما عليك بمخوفة، فقال: هذه السنة التي خوّفت فيها فمات في علّته(1).

الحكاية الرابعة والخمسون:

قال الشيخ الجليل منتجب الدين علي بن عبد الله بن بابويه في كتاب المنتجب: " ابو الحسن علي بن محمد بن أبي القاسم العلوي الشعراني.

عالم صالح، شاهد الامام صاحب الأمر، ويروي عنه أحاديث عليه وعلى آبائه السلام "(2).

____________

1- راجع الخرائج والجرائح (الراوندي): ج 1، ص 475 و478 ـ وعنه في البحار: ج 52، ص 58 و59 ـ كشف الغمة (الأربلي): ج 2، ص 502 ـ ومدينة المعاجز (السيد هاشم البحراني): ص 614، الطبعة الحجرية ـ واثبات الهداة (الحرّ العاملي): ج 7، ص 346.

2- راجع الفهرست (الشيخ منتجب الدين): ص 112، تحت رقم الترجمة 231.


الصفحة 246

الحكاية الخامسة والخمسون:

الصالح المتّقي الشيخ محمد طاهر النجفي وكان خادماً في مسجد الكوفة لسنوات ويسكن هناك مع عياله، ويعرفه أغلب أهل العلم في النجف الأشرف الذين يتشرّفون إلى هناك، ولم ينقل لحدّ الآن عنه غير الحسن والصلاح، وكنت أعرفه لمدّة سنوات بهذه الأوصاف، وذكره أحد العلماء المتّقين الذي كان معتكفاً هناك لمدّة طويلة بغاية التقوى والديانة، وهو فاقد البصر حالياً وما زال مبتلى بحاله، وقد نقل ذلك العالم هذه القضيّة عنه في السنة الماضية في ذلك المسجد الشريف وكنت أبحث عنه:

قبل سبع أو ثمان سنوات ولعدم مجيء الزوّار وذلك للمعارك بين طائفتي الزكَرت والشمرت في النجف مما سبّب انقطاع مجيء أهل العلم إلى هناك، فصارت حياتي مرّةً لأن معاشي كان منحصراً بين هاتين الطائفتين، مع كثرة عيالي وتكفّلي بعض الأيتام أيضاً ; ففي ليلة جمعة لم يكن شيء عندنا نقتات به، وكان الأطفال يئنّون من الجوع، فضاق صدري جداً، وكنت غالباً منشغلا ببعض الأوراد والختوم ولكن في تلك الليلة ولشدّة سوء حالتي جلست مستقبلا القبلة بين محل السفينة وهو المكان المعروف بالتنور، وبين دكة القضاء، وشكوت حالي إلى القادر المتعال مظهراً رضاي بتلك الحالة من الفقر ومضطرباً وقلت: ليس من الصعب أن تريني وجه سيدي ومولاي، ولا أريد شيئاً آخر. فاذا أنا أرى نفسي واقفاً على قدميَّ وبيدي سجادة بيضاء ويدي الأخرى بيد شاب جليل القدر تلوح منه آثار الهيبة والجلال لابساً لباساً نفيساً يميل إلى السواد، فتصوّرت في البداية انّه أحد السلاطين، ولكن كانت على رأسه المبارك عمامة وقريباً منه شخص آخر لابساً لباساً أبيض، وفي ذلك الحال مشينا إلى جهة الدكة قريب المحراب، فعندما وصلنا هناك قال ذلك الشخص الجليل الذي كانت يدي بيده: يا طاهر افرش السجادة.


الصفحة 247
ففرشتها، ورأيتها بيضاء تتلألأ ولم أعرف ماهيتها وقد كتب عليها بخطّ واضح، وقد فرشتها باتجاه القبلة مع ملاحظة الانحراف الموجود في المسجد ; فقال: كيف فرشتها؟ ففقدت الشعور لهيبته ودهشت وقلت بدون شعور: فرشتها بالطول والعرض.

فقال: من أين أخذت هذه العبارة؟

قلت: أخذت هذا الكلام من الزيارة التي كنت أزور بها القائم عجل الله فرجه.

فتبسّم في وجهي وقال: لك القليل من الفهم.

فوقف على تلك السجادة وكبر تكبيرة الصلاة وإذا بنوره وبهائه يزداد من فوره فصار كالخيمة حوله بحيث لا يمكن النظر إلى وجهه المبارك! ووقف ذلك الشخص خلفه عليه السلام متأخراً عنه بأربعة أشبار، فصلّى الاثنان، وكنت واقفاً أمامهما، فوقع في نفسي شيء من أمره، وفهمت من ذلك انّ هـذين الشخصين ليسا كما ظننت ; فلمّا فرغا من الصلاة، لم أَرَ ذلك الشخص الثاني، ورأيته عليه السلام على كرسي مرتفعاً ارتفاع أربعة أذرع تقريباً، له سقف وعليه من النور ما يخطف البصر، فالتفت لي وقال: يا طاهر! أي سلطان من السلاطين كنت تظنّني؟

قلت: يا مولاي أنت سلطان السلاطين، وسيد العالم ولست أنت من اُولئك.

قال: يا طاهر قد وصلت إلى بغيتك فما تريد؟ ألم نكن نرعاك كل يوم، ألم تعرض أعمالك علينا؟

وواعدني بحسن الحال، والفرج عند ذلك الضيق، فدخل في هذا الحال شخص إلى المسجد من طرف صحن مسلم أعرفه بشخصه واسمه، وكانت له اعمال سيئة ; فظهرت آثار الغضب عليه عليه السلام والتفت إليه بوجهه المبارك، وظهر العرق الهاشمي في جبهته، وقال: يا فلان! إلى أين تفر؟ لأرض لسنا فيها، أم لسماء لسنا فيها؟! فأحكامنا تجري فيها ولا طريق لخلاصك من ذلك الّا أن تكون تحت أيدينا.


الصفحة 248
ثم التفت إليّ وتبسّم وقال: يا طاهر! وصلت إلى بغيتك، فما تريد؟ فلم أقدر أن أتكلّم لهيبته عليه السلام ولِمَا اعتراني من الحيرة من جلاله وعظمته، فأعاد عليّ ذلك الكلام مرّة اُخرى، واعتراني من شدّة الحال ما لا يوصف، فلم أقدر على الجواب والسؤال منه، فلم يمضِ أكثر من طرفة عين حتى رأيت نفسي وحدي وسط المسجدولا يوجد أحدٌ معي، فنظرت إلى جهة المشرق فرأيت الفجر قد طلع.

قال الشيخ طاهر: فمع انّي كنت عدّة سنوات اعمى وقد انسدّت كثيراً من طرق المعاش علي والتي كان احدها خدمة العلماء والطلاب الذين يتشرّفون هناك، فقد توسّع أمر معاشي من ذلك التأريخ حسب وعده عليه السلام ولحدّ الآن ـ والحمد لله ـ ولم أقع بصعوبة وضيق.

الحكاية السادسة والخمسون:

ونقل عن بعض علماء النجف الأشرف الذين كانوا يأتون هناك وأنا أخدمهم وأتعلّم احياناً منهم أشياء، فعلمني في بعض الأوقات ورداً، وقد كنت لمدّة اثنتي عشرة سنة أجلس في ليالي الجمع في احدى حجرات المسجد وأقرأ ذلك الورد وأتوسّل بالرسول والآل الطاهرين صلوات الله عليهم بالترتيب إلى أن أصل إلى امام العصر عليه السلام، ففي احدى الليالي ـ وبحسب عادتي ـ كنت مشغولا بوردي فاذا أنا بشخص قد دخل عليّ وقال: ما الخبر؟ القلقلة على الشفة حجاب لكل دعاء، فاتركه حتى يرتفع الحجاب ويستجاب جميعاً.

وخرج إلى جهة صحن مسلم، فخرجت خلفه فلم أَرَ أحداً.

الحكاية السابعة والخمسون:

قال آية الله العلامة الحلي في كتاب ايضاح الاشتباه: