الصفحة 249
وجدت بخط صفي الدين محمد بن معد(1) حدّثني برهان الدين القزويني وفقه الله قال: سمعت السيد فضل الله الراوندي يقول وقد ورد أمير يقال له عكبر، فقال أحدنا: هذا عكبر، بفتح العين.

فقال فضل الله:(2) لا تقولوا هكذا بل قولوا عكبر بضمّ العين والباء، وكذلك شيخ الأصحاب هارون بن موسى التلعكبري بضمّ العين والباء.

وقال: بقرية من قرى همدان يقال لها ورشيد(3) أولاد عُكبُر هذا، ومنهم اسكندر بن دربيس(4) بن عُكبُر، وكان من الأمراء الصالحين، وقد رأى القائم عليه السلام كرّات.

وقال عن فضل الله: عُكبُر ومادي ودبيان ودربيس(5) امراء الشيعة بالعراق ووجوههم ومتقدّموهم، ومن يعقد عليه الخنصر اسكندر المتقدّم ذكره(6) انتهى.

والمراد من يعقد عليه الخنصر مقام عظمته وجلالة قدره عند الخلق، فانهم إذا أرادوا أن يعدوا العظماء ابتدأوا به، فمن المرسوم بين الناس انّهم يتبدئون بالخنصر في مقام العد بالأصابع ويعقدونه أولا.

وقال العالم الجليل الشيخ منتجب الدين في رجاله:

" الأمير الزاهد صارم الدين اسكندر بن دربيس بن عُكبُر الورشيدي الخرقاني من أولاد مالك بن الحارث الأشتر النخعي: صالح، ورع، ثقة "(7).

____________

1- في الترجمة (صفي الدين بن محمد).

2- في الترجمة (فقال السيد).

3- في المصدر (ورشند).

4- في المصدر (دريس) ـ وقال في الترجمة: " درپيش نسخة ".

5- في المصدر (ومادي ودريس امراء الشيعة...).

6- نضد الايضاح (وهو ترتيب كتاب ايضاح الاشتباه للعلامة الحلّي) (الفيض الكاشاني): ص 352 ـ 353.

7- الفهرست (منتجب الدين): ص 16، رقم الترجمة 16.


الصفحة 250
وقال هناك ايضاً: " الأمراء الزهاد تاج الدين محمود، وبهاء الدين مسعود، وشمس الدين محمد، أولاد الأمير الزاهد صارم الدين اسكندر بن دربيس ; فقهاء صلحاء "(1).

ونقل في الايضاح عنهم هؤلاء النفر الثلاثة: من أعيان العلماء وأجلّة الفقهاء والمحدّثين وأصحاب التصانيف المعروفة.

الحكاية الثامنة والخمسون:

قال العالم الفاضل الخبير الميرزا عبد الله الاصفهاني تلميذ العلامة المجلسي في الفصل الثاني من خاتمة القسم الأول ـ كتاب رياض العلماء:

" الشيخ أبو القاسم بن محمد بن أبي القاسم الحاسمي: الفاضل العالم الكامل المعروف بالحاسمي. وكان من أكابر مشايخ اصحابنا، والظاهر انّه من قدماء الأصحاب.

قال الأمير السيد حسين العاملي المعروف بالمجتهد المعاصر للسلطان شاه عباس الماضي الصفوي في أواخر رسالته المعمولة في أحوال أهل الخلاف في النشأتين عند ذكر بعض المناظرات الواقعة بين الشيعة وأهل السنة هكذا:

وثانيهما حكاية غريبة وقعت في بلدة طيبة همذان بين شيعي اثني عشري وبين سني، رأيت في كتاب قديم يحتمل أن يمضي من تاريخ كتابته ثلاثمائة سنة نظراً إلى العادة، وكان المسطور في الكتاب المذكور انّه وقع بين بعض من علماء الشيعة الاثني عشرية اسمه أبو القاسم بن محمد بن أبي القاسم الحاسمي وبين بعض من علماء أهل السنة رفيع الدين حسين مصادقة ومصاحبة قديمة ومشاركة في الأموال، ويتخالطان في أكثر الأحوال والأسفار، وكل واحد منهما لا يخفي مذهبه وعقيدته عن الآخر،

____________

1- الفهرست (منتجب الدين): ص 187، رقم الترجمة 492 ـ 493 ـ 494.


الصفحة 251
وعلى سبيل الهزل ينسب أبو القاسم رفيع الدين إلى الناصبي وينسب رفيع الدين أبا القاسم إلى الرافضي، وبينهما في هذه المصاحبة لا يقع مباحثة في المذهب، إلى أن وقع الاتّفاق في مسجد بلدة طيبة همذان يسمى ذلك المسجد بالمسجد العتيق، وفي أثناء المكالمة فضّل رفيع الدين حسين أبا بكر وعمر على أمير المؤمنين عليّ عليه السلام وردّ أبو القاسم على رفيع الدين وفضّل عليّاً عليه السلام على أبي بكر وعمر، وأبو القاسم استدلّ على مدّعاه بآيات عظيمة وأحاديث منزلة، وذكر كرامات ومقامات ومعجزات وقعت منه عليه السلام، ورفيع الدين يعكس القضية واستدلّ على تفضيل أبي بكر على عليّ عليه السلام بمخالطته ومصاحبته في الغار ومخاطبته بخطاب الصدّيق الأكبر من بين المهاجرين والأنصار.

وأيضاً قال: إنّ أبا بكر مخصوص من بين المهاجرين والأنصار بالمصاهرة والخلافة والامامة، وايضاً قال رفيع الدين: الحديثان عن النبي واقعان في شأن أبي بكر احدهما " أنت بمنزلة القميص منّي " الحديث، وثانيهما: " اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر "، وأبو القاسم الشيعي بعد استماع هذه المقال من رفيع الدين قال لرفيع الدين: لأي وجه وسبب تفضّل أبا بكر على سيد الأوصياء وسند الأولياء وحامل اللواء وعلى امام الانس والجانّ وقسيم الجنة والنار، والحال انّك تعلم انّه عليه السلام الصديق الأكبر والفاروق الأزهر أخو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وزوج البتول، وتعلم أيضاً انه عليه السلام وقت فرار الرسول إلى الغار من الظلمة وفجرة الكفار ضاجع على فراشه، وشاركه ـ علي ـ فى حال العسر والفقر.

وسد رسول الله أبواب الصحابة من المسجد الّا بابه، وحمل عليّاً على كتفه لأجل كسر الأصنام في أول الاسلام، وزوّج الحق جلّ وعلا فاطمة بعليّ في الملأ الأعلى، وقاتل عليه السلام مع عمرو بن عبدود، وفتح خيبر، ولا أشرك بالله تعالى طرفة عين بخلاف الثلاثة، وشبه صلى الله عليه وآله وسلّم علياً بالأنبياء الأربعة حيث قال: " من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في فهمه وإلى موسى في بطشه وإلى

الصفحة 252
عيسى في زهده فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب ".

ومع وجود هذه الفضائل والكمالات الظاهرة الباهرة، ومع قرابته عليه السلام للرسول، وردّ الشمس له، كيف يعقل ويجوز تفضيل أبي بكر على عليّ؟!

ولما سمع رفيع الدين هذه المقالة من أبي القاسم من تفضيله عليّاً عليه السلام على أبي بكر انهدم بناء خصوصيته لأبي القاسم، وبعد اللتيا والتي، قال رفيع الدين لأبي القاسم: كل رجل يجيء إلى المسجد فأي شيء يحكم من مذهبي أو مذهبك نطيع، ولما كان عقيدة أهل همذان على أبي القاسم ظاهراً كان خائفاً من هذا الشرط الذي وقع بينه وبين رفيع الدين، لكن لكثرة المجادلة والمباحثة قبل أبو القاسم الشرط المذكور ورضي به كرهاً.

وبعد قرار الشرط المذكور بلا فصل جاء إلى المسجد فتى ظهر من بشرته آثار الجلالة والنجابة، ومن أحواله لاح المجيء من السفر ودخل في المسجد وطاف، ولمّا جاء بعد الطواف عندهما، قام رفيع الدين على كمال الاضطراب والسرعة، وبعد السلام على الفتى المذكور سأله وعرض الأمر المقرر بينه وبين أبي القاسم، وبالغ مبالغة كثيرة في اظهار عقيدة الفتى وأكّد بالقسم وأقسمه بأن يظهر عقديته على ما هو الواقع، والفتى المذكور بلا توقّف أنشأ هـذين البيتين:


متى أقل مولاي أفضل منهماأكن للذي فضّلته متنقّصاً
ألم تَرَ أن السيف يزري بحدهمقالك هذا السيف احدى من العصا

ولمّا فرغ الفتى من انشاء هـذين البيتين كان أبو القاسم مع رفيع الدين قد تحيّرا من فصاحته وبلاغته، ولمّا أرادا تفتيش حال الفتى غاب عن نظرهما ولم يظهر أثره، ورفيع الدين لمّا شاهد هذا الأمر الغريب العجيب ترك مذهبه الباطل واعتقد المذهب الحق الاثني عشري "(1).

____________

1- رياض العلماء (الشيخ عبد الله الأفندي): ج 5، ص 504 ـ 506.


الصفحة 253
وقال صاحب الرياض بعد أن نقل هذه القصة من الكتاب المذكور: " الظاهر انّ ذلك الفتى هو القائم عليه السلام "(1).

ويؤيد هذا الكلام ما سوف نقوله في الباب التاسع.

وأما البيتان المذكوران فهما موجودان في كتب العلماء مع تفسير وزيادة بهذا النحو:


يقولون لي فضّل عليّاً عليهمافلست أقول التبر أعلى من الحصا
إذا أنا فضّلت الامام عليهمااكن بالذي فضّلته متنقّصاً
ألم تَرَ انّ السيف يزري بحدّهمقالة هذا السيف أمضى من العصا

وقال في الرياض: " وأمّا البيتان فهما المادة للأبيات "(2)، يعني إنّ منشأهما مأخوذ من تلك الحكاية.

الحكاية التاسعة والخمسون:

حدّثني العالم الصالح التقي الميرزا محمد باقر السلماسي خلف صاحب المقامات العالية والمراتب السامية الآقا الآخوند الملا زين العابدين السلماسي رحمهما الله تعالى:

كان المولى الصالح الوفي الاميرزا محمد علي القزويني رجلا زاهداً ناسكاً وثقة عابداً وكان له ميل شديد وحبّ مفرط في تحصيل علم الجفر والحروف، يجوب لتحصيله البلاد والفيافي والقفار، وكان بينه وبين الوالد صداقة تامة، فأتى إلى سرّ من رأى حين اشتغال الوالد في عمارة مشهد العسكريين عليهما السلام، فنزل في دارنا، فبقي عندنا إلى أن رجعنا إلى وطننا المألوف مشهد الكاظمين عليهما السلام، ومضى من ذلك ثلاث سنين، وكان في تلك المدّة ضيفاً عندنا فقال لي يوماً: قد ضاق صدري وانقضى صبري ولي اليك حاجة ورسالة تؤديها إلى والدك المعظم، فقلت: وما هي؟ قال:

____________

1 و 2- رياض العلماء (الشيخ عبد الله الأفندي): ج 5، ص 506.


الصفحة 254
رأيت في النوم في تلك الأيام التي كنّا بسامراء مولانا الحجة عجل الله فرجه فسألت منه الكشف عن العلم الذي صرفت له عمري وحبست في تحصيله نفسي، فقال: هو عند صاحبك، وأشار إلى والدك، فقلت: هو يستر على سرّه ولا يكشف لي حقيقته، قال عليه السلام: ليس كذلك، أطلب منه فانّه لا يمنعك منه، فانتبهت فقمت إليه فوافيته مقبلا إليّ في بعض اطراف الصحن المقدّس، فلمّا رآني ناداني قبل أن أتفوّه بالكلام، فقال: لِمَ شكوت منّي عند الحجة عليه السلام؟ متى سألتني شيئاً كان عندي فبخلت به؟ فطأطأت رأسي خجلا، ولم أكن اعتقد انّه نظر في هذا العلم شيئاً، ولم أسمع منه في مدّة مصاحبتي معه من هذا العلم حرفاً، ولم أقدر على الجواب بعد ما وبخني عليه، والآن ثلاث سنين وقفت نفسي على ملازمته ومصاحبته لا هو يسألني عن مقصدي ويعطيني ما أحاله الامام عليه السلام عليه، ولا أنا أقدر على السؤال عنه، وإلى الآن ما ذكرت ذلك لأحد، فان رأيت أن تكشف كربي ولو باليأس من المرام فانّ الله لا يضيع أجر المحسنين.

قال سلّمه الله: فبقيت متعجباً من تلك القضية ومن جميل صبره وحسن سكوته، فقمت إلى الوالد الأجلّ وقلت: سمعت اليوم عجباً، وحكيت له ما سمعت وقلت: من أين علمت انّه شكى في النوم إلى الامام عليه السلام؟ فقال: هو عليه السلام قال لي في النوم ولم يذكر تفصيل نومه.

ولهذه الحكاية تتمة فيها كرامة للميرزا محمد علي المذكور... ذكرناها في كتاب دار السلام(1).

____________

1- نقلنا القصة من دار السلام: ج 2، ص 214 ـ 215:

وتتمة القصة كما يلي:

" فقلت: ولم لا تقضي حاجته؟ قال: وأنا متعجّب من تلك الحوالة إذ ليس عندي ما أحاله عليه السلام عليّ، فزاد عجبي، فرجعت وذكرت له الجواب، فمضى في شغله وسيره إلى أن وقف في بهبهان على كتاب فيه كشف مهماته وطريق تبيين مجهولاته، فرجع وكان ذلك بعد وفاة الوالد، فقال: انّ لأبيك عليّ حقوقاً رأيت أن اوقفك على ما وقفت عليه اداءاً لحقوقه، فاذا قدمت المشهد الغروي نكتب هذا الكتاب في نسختين مرموزاً ونتلف الأصل ولك واحد منها ; ثم نرجع اليك ونعلمك مسائله ان شاء الله في مدّة قليلة، قال: فلمّا قدم المشهد توفي رحمه الله ودخل بعض الطلاب حجرته وأخذ تلك النسخة ولم يعرف لها خبر بعد ذلك.

قلت: حدّثني الأخ الصفي الغريق في ولاء آل الله الآغا عليرضا بلغه الله ما يتمناه قال: كان الرجل المذكور من أهل الصلاح والسداد والورع والتقوى، حدّثني بعض الثقات وقد طعن في السن، قال: كنت مصاحباً له في بعض أسفارنا من كربلا إلى النجف، فنفد زادنا فاشتدّ بي الجوع فشكوت إليه، فنهرني، فمشيت قليلا ثم اعدت عليه القول، فقال مثل ذلك، فضاق بي الأمر، فكررت عليه المقال، فلمّا رأى قلّة صبري قال: اذهب إلى هنا، وأشار إلى بعض الأشجار التي كانت في ناحية الطريق، فذهبتُ إليها فوجدت خلفها ظرفاً فيه طعام مطبوخ من الأرز عليه دجاجة كأنّه صنع في هذه الساعة، فأخذته وقضيت حاجتي منه.


الصفحة 255

الحكاية الستون:

في كتاب اثبات الهداة بالنصوص والمعجزات للشيخ المحدّث الجليل محمد بن الحسن الحرّ العاملي رحمه الله قال: قد أخبرني جماعة من ثقات الأصحاب انّهم رأوا صاحب الأمر عليه السلام في اليقظة، وشاهدوا منه معجزات متعدّدات، وأخبرهم بعدّة مغيّبات، ودعا لهم بدعوات مستجابات، وأنجاهم من أخطار مهلكات(1).

قال رحمه الله: كنّا جالسين في بلادنا في قرية مشغرا في يوم عيد، ونحن جماعة من أهل(2) العلم والصلحاء، فقلت لهم: ليت شعري في العيد المقبل من يكون من هؤلاء حياً ومن يكون قد مات؟ فقال لي رجل كان اسمه " الشيخ محمد " وكان شريكنا في الدّروس:(3) أنا أعلم أنّي أكون في عيد آخر حيّاً وفي عيد آخر حيّاً وعيد آخر إلى ستّة وعشرين سنة، وظهر منه انّه جازم بذلك من غير مزاح، فقلت له: أنت تعلم الغيب؟ قال: لا، ولكنّي رأيت المهديّ عليه السلام في النوم وأنا مريض شديد

____________

1- اثبات الهداة (الحر العاملي): ج 7، ص 383، الطبعة المترجمة.

2- في المصدر المطبوع (طلبة العلم).

3- في المصدر المطبوع (الدرس).


الصفحة 256
المرض، فقلت له: أنا مريض وأخاف أن أموت، وليس لي عمل صالح ألقى الله به، فقال: لا تخف فإنّ الله تعالى يشفيك من هذا المرض، ولا تموت فيه بل تعيش ستّاً وعشرين سنة، ثمّ ناولني كأساً كان في يده فشربت منه وزال عنّي المرض وحصل لي الشفاء، وأنا أعلم أنّ هذا ليس من الشيطان.

فلمّا سمعت كلام الرّجل كتبت التاريخ، وكان سنة ألف وتسعة وأربعين ومضت لذلك مدّة [ طويلة ](1) وانتقلت إلى المشهد المقدّس سنة ألف واثنين وسبعين، فلمّا كانت السنة الأخيرة وقع في قلبي انّ المدّة [ قد ](2) انقضت فرجعت إلى ذلك التاريخ وحسبته(3) فرأيته قد مضى منه ستّ وعشرون سنة، فقلت: ينبغي أن يكون الرّجل مات.

فما مضت (الّا)(4) مدّة نحو شهر أو شهرين حتى جاءتني كتابة من أخي ـ وكان في البلاد ـ يخبرني انّ الرّجل المذكور مات(5).

الحكاية الحادية والستون:

وقال الشيخ الجليل المتقدّم ذكره في نفس هذا الكتاب:

إنّي كنت في عصر الصِّبا وسنّي عشر سنين أو نحوها أصابني مرض شديد جدّاً حتى اجتمع أهلي وأقاربي وبكوا وتهيّأوا للتعزية، وأيقنوا انّي أموت تلك الليلة.

فرأيت النبي والائمة الاثني عشر صلوات الله عليهم، وأنا فيما بين النائم واليقظان،

____________

1- هذه الزيادة في المصدر المطبوع.

2- سقطت من المصدر.

3- في المصدر بدل (وسنته).

4- هذه الزيادة في المصدر.

5- اثبات الهداة (الحرّ العاملي): ج 7، ص 382 ـ وراجع جنة المأوى: ص 273 و274.


الصفحة 257
فسلّمت عليهم [ صلوات الله عليهم ](1) وصافحتهم واحداً واحداً، وجرى بيني وبين الصادق عليه السلام كلام، ولم يبقَ في خاطري الّا انّه دعا لي.

فلمّا سلّمت على الصاحب عليه السلام، وصافحته، بكيت وقلت: يا مولاي أخاف أن أموت في هذا المرض، ولم أقضِ وطري من العلم والعمل، فقال [ لي ](2)عليه السلام: لا تخف فانّك لا تموت في هذا المرض بل يشفيك الله تعالى وتعمر عمراً طويلا، ثمّ ناولني قدحاً كان في يده فشربت منه وأفقت في الحال وزال عنّي المرض بالكليّة، وجلست وتعجّب(3) أهلي وأقاربي، ولم اُحدّثهم بما رأيت الّا بعد أيام(4).

الحكاية الثانية والستون:

نقل العالم المتبحّر الجليل أفضل اهل عصره الشيخ أبو الحسن الشريف العاملي في كتاب (ضياء العالمين) عن الحافظ أبي نعيم وأبي علاء الهمداني روى كل منهما بسنده عن ابن عمر انّه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): " يخرج المهدي من قرية يقال لها كرعة، على رأسه غمامة فيها مناد ينادي هذا خليفة الله فاتّبعوه "(5).

وروى جماعة عن محمد بن احمد قال: [ ان والده لما سمع انّ المهدي يخرج من كرعة ](6) كان يكثر السؤال عنها [ لوفد الحاج كلّ سنة ](7) قال: فجاء بي شخص إلى شيخ تاجر ذي مال وخدم، [ وقال: هذا يسأل كل وقت عن كرعة، ولا يدري

____________

1 و 2- هذه الزيادة في المصدر.

3- في المصدر (فتعجّب).

4- اثبات الهداة (الحرّ العاملي): ج 7، ص 378 ـ وجنة المأوى: ص 274.

5- نقل هذه الرواية عن أبي علاء الهمداني (الشيخ البياضي) في الصراط المستقيم: ج 2، ص 259 ـ وعن الحافظ أبي نعيم: ج 2، ص 261.

6- سقطت هذه العبارة في الترجمة، واثبت بدلها (انّ والدي كان يكثر... الخ).

7- سقطت من الترجمة، واثبت بدلها (ولا أدري أين تقع كرعة).


الصفحة 258
أين هي؟ فإن كان عندك خبرها فأخبره به فرحب الشيخ بي ](1) وقال: من أين تعرفها؟

قلت:(2) سمعت في الكتب حديثها وشأنها.

فقال:(3) كان والدي كثير الأسفار، فحمّل جماله وسرت معه، فطلبنا موضعاً، فظللنا عن الطريق أيّاماً حتى نفد زادنا، وكدنا نتلف، فأشرفنا على قباب، وخيام من الأدم، فخرجوا الينا فحكينا لهم أمرنا.

فلمّا كان الظهر خرج شيخ(4) ذو هيبة لم أَرَ أحسن منه وجهاً، ولا أعظم منه هيبة، ولا أجلّ قدراً، حتى كنّا لا نشبع من نظره لهيبته، فصلّى بهم الظهر مسبلا كصلاتكم(5) أهل العراق(6)، فلمّا سلّم، سلّم عليه والدي، وحكى له قصّتنا، فأقمنا ايّاماً ولم نَرَ مثلهم ناساً لم نسمع عندهم هجر ولا لغو.

ثم طلبنا منه المسير، فبعث معنا شخصاً، فسار بنا ضحوة، فاذا نحن بالموضع الذي نريده.

فسأله والدي عن الرجل من هو؟

فقال: هو المهدي [ محمد بن الحسن عليه السلام ](7)، والموضع الذي هو فيه يقال له: كرعة، مما يلي بلاد الحبشة من بلاد اليمن مسيرة عشرة أيام مفازة بغير ماء(8).

وقال العالم المتقدّم ذكره بعد نقله هذه القصة: لا منافاة بين ما ذكر ـ يعني

____________

1- سقطت من الترجمة وأبدلت (وسألناه عن تلك القرية).

2- في الترجمة (قال والدي).

3- في الترجمة (فقال التاجر).

4- في الترجمة (شاباً).

5- في الترجمة (كصلاة أهل العراق).

6- قال المؤلف رحمه الله: " يعني لم يكونوا مكتّفين مثل أهل السنة ".

7- هذه الزيادة في الترجمة.

8- راجع الصراط المستقيم (البياضي): ج، 2، ص 260 ـ 261.


الصفحة 259
خروج المهدي صلوات الله عليه من كرعة ـ وبين ما هو ثابت في انّ أوّل ظهوره عليه السلام يكون من مكة، وذلك لأنّه عليه السلام يخرج من الموضع الذي هو مقيم فيه ثم يأتي مكة، ويظهر هناك أمره.

يقول المؤلف:

قد ذكرت القرية المذكورة في أخبارنا ايضاً، فروى الثقة الجليل علي بن محمد الخراز في كفاية الأثر بأسانيد متعدّدة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم انّه قال بعد أن عدّ الائمة عليهم السلام: " ثمّ يغيب عنهم امامهم " إلى أن قال علي عليه السلام: " يا رسول الله فما تكون هذه الغيبة "(1).

" قال: أصبت(2) حتى يأذن الله له بالخروج، فيخرج [ من اليمن ](3) من قرية يقال لها كرعة(4)، على رأسه عمامتي(5) متدرع بدرعي، متقلّد بسيفي ذي الفقار، ومناد ينادي: هذا المهدي خليفة الله فاتّبعوه... الخ "(6).

ونقل الگنجي الشافعي ايضاً الخبر السابق في كتابه البيان(7).

الحكاية الثالثة والستون:

وقال الشيخ المتقدّم ذكره(8) ايضاً بعد أن نقل الحكاية المذكورة، وحكاية أمير اسحاق الأستر آبادي، ومختصراً عن قصة الجزيرة الخضراء: " ثمّ ان المنقولات

____________

1- في الترجمة (فما يكون في غيبته).

2- هكذا في متن المصدر المطبوع، وفي حاشيته نسخ بدل (يصير) و (اصبر) وفي الترجمة (يصبر).

3- لا توجد هذه الزيادة في الترجمة.

4- في المصدر (أكرعة).

5- في المصدر (عمامة).

6- كفاية الأثر (الخراز): ص 150 ـ 151، والحديث طويل.

7- البيان (الگنجي الشافعي): ص 511، الباب 14 ـ 15.

8- وهو الشيخ أبو الحسن الشريف العاملي.


الصفحة 260
المعتبرة في رؤية صاحب الأمر عليه السلام سوى ما ذكرنا كثيرة جداً حتى في هذه الأزمنة القريبة، فقد سمعت أنا من ثقات انّ مولانا أحمد الأردبيلى رآه عليه السلام في جامع الكوفة، وسأل منه مسائل، وانّ مولانا محمد تقي والد شيخنا رآه في الجامع العتيق بإصبهان "(1).

وأمّا الحكاية الأولى، فقد قال السيد المحدّث السيد نعمة الله الجزائري في الأنوار النعمانيّة:

وقد حدّثني أوثق مشايخي علماً وعملا انّ لهذا الرجل ـ وهو المولى الأردبيلي ـ تلميذاً من أهل تفريش اسمه مير علاّم (فيض الله خ) وقد كان بمكان من الفضل والورع قال ذلك التلميذ: انّه قد كانت لي حجرة في المدرسة المحيطة بالقبة الشريفة، فاتّفق انّي فرغت من مطالعتي وقد مضى جانب كثير من الليل، فخرجت من الحجرة أنظر في حوش الحضرة وكانت الليلة شديدة الظلام فرأيت رجلا مقبلا على الحضرة الشريفة، فقلت لعلّ هذا سارق جاء ليسرق شيئاً من القناديل، فنزلت وأتيت إلى قربه فرأيته وهو لا يراني فمضى إلى الباب ووقف، فرأيت القفل قد سقط وفتح له الباب الثاني، والثالث على هذا الحال، فأشرف على القبر فسلّم وأتى من جانب القبر ردّ السلام ; فعرفت صوته فاذا هو يتكلّم مع الامام عليه السلام في مسألة علمية، ثم خرج من البلد متوجّهاً إلى مسجد الكوفة، فخرجت خلفه وهو لا يراني، فلمّا وصل إلى محراب المسجد سمعته يتكلّم مع رجل آخر بتلك المسألة، فرجع ورجعت خلفه، فلمّا بلغ إلى باب البلد أضاء الصبح فأعلنت نفسي له وقلت له: يا مولانا كنت معك من الأوّل إلى الآخر فأعلمني من كان الرجل الأوّل الذي كلّمته في القبة؟ ومن الرجل الآخر الذي كلّمك في مسجد الكوفة؟

فأخذ عليّ المواثيق انّي لا أخبر أحداً بسرّه حتى يموت، فقال لي: يا ولدي انّ

____________

1- راجع جنة المأوى: ص 276.


الصفحة 261
بعض المسائل تشتبه عليّ فربّما خرجت في بعض الليل إلى قبر مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وكلّمته في المسألة وسمعت الجواب، وفي هذه الليلة أحالني على مولانا صاحب الزمان عليه السلام وقال لي:

" انّ ولدنا المهدي هذه الليلة في مسجد الكوفة فامضِ إليه وسله عن هذه المسألة ".

وكان ذلك الرجل هو المهديّ عليه السلام(1).

يقول المؤلف:

ذكر الفاضل النحرير الميرزا عبد الله الاصفهاني في (رياض العلماء):

" السيد الأمير علام ; فاضل عالم جليل معروف علاّمة كاسمه، وكان من أفاضل تلامذة المولى احمد الأردبيلي، وله رحمه الله فوائد وافادات وتعليقات على الكتب في اصناف العلوم...

انّه لما سئل المولى احمد الأردبيلي عند وفاته عمّن يرجع إليه من تلامذته، ويؤخذ منه العلم بعد وفاته.

قال: أمّا في الشرعيات إلى الأمير علاّم، وفي العقليّات إلى الأمير فضل الله "(2).

ونقل الشيخ ابو علي في حاشية رجاله عن استاذه الأكبر العلامة البهبهاني انّ الأمير المذكور هو جدّ السيد السند السيد الميرزا، وكان من اجلاء القاطنين في النجف الأشرف، ومن جملة العلماء الذين توفوا بالطاعون الذي وقع ببغداد وحواليها سنة ست وثمانين ومائة وألف. وقال العلامة المجلسي في البحار: اخبرني جماعة عن السيد الفاضل أمير علام، قال:... إلى آخره مع اختلاف في الجملة، وفي آخره هكذا:

" فكنت خلفه حتّى قرب من الحنّانة فأخذني سعال لم أقدر على دفعه،

____________

1- الأنوار النعمانية (السيد نعمة الله الجزائري): ج 2، ص 303.

2- رياض العلماء (الشيخ عبد الله الأفندي الاصفهاني): ج 3، ص 321.