فقال: اُخبرك على أن لا تخبر به أحداً [ ما دمت حيّاً ](1) فلمّا توثّق ذلك منّي قال: كنت اُفكّر في بعض المسائل وقد أغلقت عليّ، فوقع في قلبي أن آتي أمير المؤمنين عليه السلام وأسأله عن ذلك، فلمّا وصلت إلى الباب فتح لي بغير مفتاح ـ كما رأيت ـ فدخلت الرّوضة وابتهلت إلى الله تعالى في أن يجيبني مولاي عن ذلك، فسمعت صوتاً من القبر: أن ائت مسجد الكوفة وسل عن القائم عليه السلام فانّه امام زمانك [ فأتيت عند المحراب، وسألته عنها واُجبت وها أنا أرجع إلى بيتي ](2) "(3).
الحكاية الرابعة والستون:
قضية العالم الرباني الآقا الآخوند الملاّ محمد تقي المجلسي، التي أشير إليها في كلام الشيخ أبي الحسن الشريف ولم يذكر تفصيلها، والظاهر انّ مراده الحكاية التي ذكرها ذلك المرحوم في المجلّد الرابع من شرح من لا يحضره الفقيه في ضمن احوال المتوكّل بن عمير راوي الصحيفة السجادية.
قال رحمه الله: انّي كنت في اوائل البلوغ طالباً لمرضاة الله، ساعياً في طلب رضاه، ولم يكن لي قرار بذكره إلى أن رأيت بين النوم واليقظة انّ صاحب الزّمان صلوات الله عليه كان واقفاً في الجامع القديم باصبهان قريباً من باب الطنبى الذي الآن مدرسي، فسلّمت عليه وأردت أن اُقبّل رجله، فلم يدعني وأخذني، فقبّلت يده، وسألت عنه مسائل قد أشكلت عليَّ.
____________
1 و 2- سقطت من الترجمة.
3- البحار: ج 52، ص 175.
ثمّ قلت: يا مولاي لا يتيسّر لي أن أصل إلى خدمتك كلّ وقت فأعطني كتاباً أعمل عليه دائماً فقال عليه السلام: أعطيت لأجلك كتاباً إلى مولانا محمد التاج، وكنت أعرفه في النوم، فقال عليه السلام: رُح وخذ منه، فخرجت من باب المسجد الذي كان مقابلا لوجهه إلى جانب دار البطّيخ محلّة من اصبهان، فلمّا وصلت إلى ذلك الشخص فلمّا رآني قال لي: بعثك الصّاحب عليه السلام اليّ؟ قلت: نعم، فأخرج من جيبه كتاباً قديماً فلمّا فتحته ظهر لي انّه كتاب الدّعاء فقبّلته ووضعته على عيني وانصرفت عنه متوجهاً الى الصاحب عليه السلام فانتبهت ولم يكن معي ذلك الكتاب.
فشرعت في التضرّع والبكاء والحوار لفوت ذلك الكتاب إلى أن طلع الفجر فلمّا فرغت من الصلاة والتعقيب، وكان في بالي انّ مولانا محمد(1) هو الشيخ وتسميته بالتاج لاشتهاره من بين العلماء.
فلمّا جئت إلى مدرسته وكان في جوار المسجد الجامع فرأيته مشتغلا بمقابلة الصحيفة، وكان القارئ السيد صالح أمير ذو الفقار الجرفادقانيّ فجلست ساعة حتى فرغ منه، والظاهر انّه كان في سند الصحيفة لكن للغمّ الذي كان لي لم أعرف كلامه ولا كلامهم، وكنت أبكي فذهبت إلى الشيخ وقلت له رؤياي وكنت أبكي لفوات الكتاب، فقال الشيخ: أبشر بالعلوم الالهيّة، والمعارف اليقينيّة وجميع ما كنت تطلب دائماً، وكان اكثر صحبتي مع الشيخ في التصوّف وكان مائلا إليه، فلم يسكن قلبي
____________
1- يقصد به الشيخ البهائي رحمه الله تعالى استاذه.
يقول المؤلف:
ذكر العلامة المجلسي رحمه الله في البحار صورة مختصرة للاجازة عن والده للصحيفة الكاملة، وقال هناك:
" انّي أروي الصحيفة الكاملة الملقب(2) بزبور آل محمد صلى الله عليه وآله وسلّم،
____________
1- راجع جنة المأوى: ص 276 ـ 278.
2- كذا في المطبوع، وإن كان الأفصح بها (الملقبة).
ولا يخفى ان نسخ الصحيفة الكاملة بينها اختلاف كثير بحسب الترتيب والمقدار والكلمات، والمعروف منها ثلاث نسخ:
احداهما: المتداولة المشهورة التي تنتهي إلى نسخة المجلسي الأول والشيخ البهائي، وهي تطابق نسخة شمس الدين محمد بن علي الجباعي جدّ الشيخ البهائي صاحب الكرامات، بترتيب تقدّم وحكاية تأتي.
وثانيهما: نسخة الشيخ الفقيه أبي الحسن محمد بن احمد بن علي بن حسن بن شاذان المعروف بابن شاذان المعاصر للشيخ المفيد، صاحب كتاب ايضاح دفائن النواصب، وفيه مائة منقبة، ومشهور بـ (المائة منقبة).
وثالثهما: نسخة أبي علي الحسن بن أبي الحسن محمد بن اسماعيل بن محمد بن اشناس البزاز صاحب كتاب عمل ذي الحجة، المعاصر للشيخ الطوسي، بل من مشايخه.
وهناك نسخ اُخرى غير هذه النسخ الثلاثة بأسانيد مختلفة أشار إليها جناب الفاضل الميرزا عبد الله الاصفهاني في أول الصحيفة الثالثة، وتطابق ديباجة نسخة الصحيفة المشهورة وسقط واحد وعشرون دعاءً من الأصل، وأغلبها موجود في سائر النسخ، وقد ضبطت في الصحيفة الثالثة، مَن أرادها فليرجع إليها.
الحكاية الخامسة والستون:
في مجموعتين نفيستين عندي كلتيهما بخط العالم الجليل شمس الدين محمد بن
____________
1- راجع بحار الأنوار: ج 110، ص 63.
ونقل المجموعتين من خطّ الشهيد الأول، وتشتملان على رسائل متفرّقة في الأخبار وغيرها، والأشعار والحكايات النافعة في عدّة مواضع منها خط الشيخ البهائي في ذيل الحكاية التاسعة والأربعين القصة المعروفة للدرّ المنقوش.
ونقل حكاية اُخرى ما صورتها:
قال السيد تاج الدين بن معيّة الحسني أحسن الله إليه: حدّثني والدي القاسم بن الحسن بن معيّة الحسني تجاوز الله عن سيئاته انّ المعمّر بن غوث السّنبسي ورد إلى الحلّة مرّتين احداهما قديمة لا اُحقّق تاريخها والاُخرى قبل فتح بغداد بسنتين، قال والدي: وكنت حينئذ ابن ثمان سنوات، ونزل على الفقيه مفيد الدّين ابن جهم، وتردّد إليه الناس، وزاره خالي السعيد تاج الدين بن معيّة، وأنا معه طفل ابن ثمان سنوات، ورأيته وكان شخصاً طوالا من الرّجال، يعدّ في الكهول، وكان ذراعه كأنّه الخشبة المجلّدة، ويركب الخيل العتاق، وأقام ايّاماً بالحلّة وكان يحكي انّه كان أحد غلمان الامام أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهما السلام وانّه شهد ولادة القائم عليه السلام.
قال والدي رحمه الله: وسمعت الشيخ مفيد [ الدين ] بن جهم يحكي بعد مفارقته وسفره عن الحلّة انّه قال: أخبرنا بسرّ لا يمكننا الآن إشاعته، وكانوا يقولون انّه أخبره بزوال ملك بني العبّاس، فلمّا مضى لذلك سنتان أو ما يقاربهما اُخذت بغداد وقتل المستعصم، وانقرض ملك بني العباس، فسبحان من له الدّوام والبقاء.
وكتب ذلك محمد بن علي الجباعي من خطّ السيد تاج الدين يوم الثلاثاء في شعبان سنة تسع وخمسين وثمانمائة.
ونقل قبل هذه الحكاية عن المعمّر خبرين هكذا من خطّ ابن معيّة:
الخبر الأول: ويرفع الاسناد عن المعمّر بن غوث السنبسي، عن أبي الحسن
الخبر الثاني: وبالاسناد عن المعمّر بن غوث السنبسيّ، عن الامام الحسن بن علي العسكري عليهما السلام انّه قال: أحسن ظنّك ولو بحجر يطرح الله شرّه فيه فتتناول حظّك منه، فقلت: أيّدك الله، حتى بحجر؟ قال: أفلا ترى حجر الأسود(1).
وقد روى هذين الخبرين المحدّث العارف الشيخ ابن أبي جمهور الاحسائي في اوّل كتاب (عوالي اللئالي) عن شيخ الفقهاء المحقق صاحب الشرائع بسنده إلى الشيخ مفيد الدين بن الجهم عن المعمر المذكور(2).
يقول المؤلف:
سوف يشار اجمالا إلى اساميهم في أخبار المعمّرين بعد ذلك، ولم نجد أصح منه.
فجلالة قدر البهائي معروفة.
أمّا السيد تاج الدين فهو العالم الجليل القاضي المعروف السيّد النسّابة تاج الدين أبو عبد الله محمد بن القاسم، عظمة شأنه، وجلالة قدره معروفة في كتب العلماء والاجازات، وقد استجاز منه الشهيد الأول لنفسه، ولولديه محمد وعلي ولبنته ست المشايخ الداخلة في طرق الاجازات.
ونقل الشهيد في هذه المجموعة كلمات رقيقة في الموعظة عن السيد تاج الدين.
أمّا والده فهو جلال الدين أبو جعفر القاسم بن الحسن بن محمد بن الحسن بن
____________
1- راجع جنة المأوى: ص 253 ـ 254.
2- راجع عوالي اللئالي (محمد بن علي بن ابراهيم الاحسائي المعروف بابن ابي جمهور): ج 1، ص 24، ولا يوجد في الطبعة الحديثة الحديث الأول وانما الموجود الثاني فقط ـ ورواه عنه المجلسي في البحار: ج 75، ص 197، ح 14.
والسيد معاصر للعلامة، وراوي الصحيفة الشريفة عن عميد الرؤساء وابن سكون، وهما عن السيد بهاء الشرف المذكور في اوّل الصحيفة، كما هو مبيّن في محلّه.
أمّا ابن الجهم فهو الشيخ الفقيه المعروف مفيد الدين محمد بن الجهم.
وعندما حضر الخواجة نصير الدين في مجلس درس المحقق رحمه الله وسأله عن تلامذته ايّهم أعلم في علم اصول الدين وعلم اصول الفقه، فأشار المحقق إلى والد العلامة ; سديد الدين يوسف بن المطهر، وإلى الفقيه المذكور، وقال هذان أعلم الجماعة في علم الكلام واصول الفقه.
ومن الشواهد القطعية على صحة النسبة رواية المحقق هـذين الخبرين عن الشيخ المفيد تلميذه(1) عن المعمّر المذكور، فلو لم يكن قاطعاً بالصحة فانّه لا يمكن أن ينقل خبراً في عصره بواسطة واحدة عن الامام الحسن العسكري عليه السلام المتقدّم عصره عنه بأكثر من اربعمائة سنة.
ولم يتّضح لحدّ الآن عن حاله شيء، وما هو سبب طول عمره، وأين، وليس تحت أيدينا شرح السيد نعمة الله الجزائري على عوالي اللئالي لنراجعه فلعلّنا نحصل منه على شيء.
الحكاية السادسة والستون:
قال المجلسي في البحار:
____________
1- فان الشيخ المفيد محمد بن الجهم هو تلميذ المحقق الحلّي جعفر بن سعيد.
يقول المؤلف:
نقل الشيخ الأجلّ الأكمل الشيخ علي بن العالم النحرير الشيخ محمد بن المحقق المدقق الشيخ حسن صاحب المعالم ابن العالم الرّباني الشهيد الثاني رحمهم الله في كتاب (الدرّ المنثور) في ضمن احوال والده الشيخ محمد صاحب شرح الاستبصار وغيره الذي كان مجاوراً بمكة المعظمة حيّاً وميّتاً:
" وأخبرتني زوجته بنت السيد محمد بن أبي الحسن رحمه الله، وأم ولده ; انّه لما توفي كُنَّ يسمعن عنده تلاوة القرآن طول تلك الليلة.
ومما هو مشهور انّه كان طائفاً، فجاء رجل، وأعطاه ورداً من ورود شتى ليست في تلك البلاد، ولا في ذلك الأوان، فقال له: من أين أتيت؟
فقال: من هذه الخرابات.
ثم أراد أن يراه بعد ذلك السؤال، فلم يَرَه "(2).
ولا يخفى انّ السيد الجليل الميرزا محمد الاستر آبادي السابق الذكر هو صاحب الكتب الرجالية المعروفة، وآيات الاحكام، وكان مجاوراً بمكة المعظمة، واستاذ الشيخ محمد المذكور، وقد ذكر اسمه مكرراً في شرح الاستبصار بالإجلال.
____________
1- البحار: ج 52، ص 176.
2- راجع الدرّ المنثور من المأثور وغير المأثور (الشيخ علي بن محمد بن الحسن بن زين الدين الجبعي العاملي): ج 1، ص 212، ط1 سنة 1398 هـ. ق ـ وجنة المأوى: ص 297.
ويمكن أن تحسب هذه القضية لهما. أو انّ الراوي قد اشتبه لاتحاد الاسم والبلد والحال، ولو انّها أقرب إلى الثاني.
فقد رأينا في ظهر نسخة من شرحه على الاستبصار، وكانت في ملك مؤلفه وعليه عدّة خطوط للمرحوم، وعليه خطّ ولده الشيخ علي ما صورته:
" انتقل مصنّف هذا الكتاب وهو الشيخ السعيد الحميد بقية العلماء الماضين وخلف الكملاء الراسخين أعني شيخنا ومولانا ومن استفدنا من بركاته العلوم الشرعية من الحديث والفروع والرجال وغيره، الشيخ محمد بن الشهيد الثاني من دار الغرور الى دار السرور ليلة الاثنين العاشر من شهر ذي القعدة الحرام سنة الف وثلاثين من هجرة سيد المرسلين.
وقد سمعت منه قدّس الله روحه قبيل انتقاله بأيام قلائل مشافهة وهو يقول لي: انّي انتقل في هذه الأيام، عسى الله أن يعينني عليها، وقد سمعه غيري، وذلك في مكة المشرّفة، ودفنّاه برّد الله مضجعه في المعلّى قريباً من مزار خديجة الكبرى.
حرره الفقير إلى الله الغني حسين بن حسن العاملي المشغري عامله الله بلطفه الخفي والجلي بالنبيّ والوليّ والصاحب الوفيّ في التاريخ المذكور "(1).
ونقل الشيخ علي في الدر المنثور هذه العبارة عن النسخة المذكورة(2).
ومجّد كثيراً الشيخ الحرّ العاملي في أمل الآمل: الشيخ حسين المذكور(3).
____________
1- راجع جنة المأوى: ص 297 ـ 298.
2- راجع الدر المنثور (الشيخ علي الجبعي العاملي): ج 2، ص 212.
3- قال الشيخ الحرّ العاملي في أمل الآمل: ج 1، ص 69، رقم الترجمة 64: " الشيخ حسين بن الحسن العاملي المشغري، كان فاضلا صالحاً جليل القدر شاعراً أديباً، قرأ على شيخنا البهائي، وعلى الشيخ محمد بن الحسن بن الشهيد الثاني، سافر إلى الهند ثم إلى اصفهان، ثم إلى خراسان، وسكن بها حتى مات.
وكان عمي الشيخ محمد بن علي بن محمد الحرّ العاملي المشغري يصف فضله وعلمه وفصاحته وكرمه.
رأيت جملة من كتبه، منها كتاب النكاح من التذكرة، وعليه خط شيخنا البهائي بالاجازة له، نروي عن عمّي عنه ".
الحكاية السابعة والستون:
في بغية المريد في الكشف عن أحوال الشهيد للشيخ الفاضل الأجل تلميذه محمد ابن علي بن الحسن العودي قال في ضمن وقائع سفر الشهيد رحمه الله من دمشق إلى مصر ما لفظه:
واتّفق له في الطريق ألطاف الهيّة، وكرامات جليّة حكى لنا بعضها.
منها ما أخبرني به ليلة الأربعاء عاشر ربيع الأول سنة ستّين وتسعمائة انّه في الرملة مضى إلى مسجدها المعروف بالجامع الأبيض لزيارة الأنبياء والذين في الغار وحده، فوجد الباب مقفولا وليس في المسجد أحد، فوضع يده على القفل وجذبه فانفتح فنزل إلى الغار، واشتغل بالصلاة والدّعاء، وحصل له إقبال على الله بحيث ذهل عن انتقال القافلة، فوجدها قد ارتحلت، ولم يبقَ منها أحد، فبقي متحيّراً في أمره مفكّراً في اللحاق مع عجزه عن المشي وأخذ أسبابه ومخافته، وأخذ يمشي على أثرها وحده فمشى حتى أعياه التّعب، فلم يلحقها، ولم يَرَها من البعد، فبينما هو في هذا المضيق إذ أقبل عليه رجل لاحق به وهو راكب بغلا، فلمّا وصل إليه قال له: اركب خلفي فردفه ومضى كالبرق، فما كان الّا قليلا حتى لحق به القافلة وأنزله وقال له: اذهب إلى رفقتك، ودخل هو في القافلة، قال: فتحرّيته مدّة الطريق انّي أراه ثانياً فما رأيته أصلا ولا قبل ذلك(1).
____________
1- جنة المأوى: ص 296 و297 ـ وراجع رسالة بغية المريد في ضمن كتاب الدر المنثور للشيخ علي الجبعي: ج 2، ص 161.
الحكاية الثامنة والستون:
العالم الفاضل السيّد عليخان الحويزاوي في كتاب خير المقال عند ذكر من رأى القائم عليه السلام قال: فمن ذلك ما حدّثني به رجل من أهل الايمان ممّن أثق به انّه حجّ مع جماعة على طريق الاحساء في ركب قليل، فلمّا رجعوا كان معهم رجل يمشي تارة ويركب اُخرى، فاتّفق انّهم أولجوا في بعض المنازل اكثر من غيره ولم يتّفق لذلك الرجل الركوب، فلمّا نزلوا للنوم واستراحوا، ثمّ رحلوا من هناك لم يتنبّه ذلك الرجل من شدّة التعب الذي أصابه، ولم يفتقدوه هم وبقي نائماً إلى أن أيقظه حرّ الشمس.
فلمّا انتبه لم يَرَ أحداً، فقام يمشي وهو موقن بالهلاك، فاستغاث بالمهدي عليه السلام فبينما هو كذلك، فاذا هو برجل في زيّ أهل البادية، راكب ناقته، قال: فقال: يا هذا أنت منقطع بك؟ قال: فقلت: نعم، قال: فقال: أتحبّ أن ألحقك برفقائك؟ قال: قلت: هذا ـ والله ـ مطلوبي لا سواه، فقرب منّي وأناخ ناقته، وأردفني خلفه، ومشى فما مشينا خُطىً يسيرة الّا وقد أدركنا الركب، فلمّا قربنا منهم أنزلني وقال: هؤلاء رفقاؤك ثمّ تركني وذهب(1).
الحكاية التاسعة والستون:
وفي ذلك الكتاب:
ومن ذلك ما حدّثني به رجل من أهل الايمان من أهل بلادنا، يقال له: الشيخ قاسم، وكان كثير السفر إلى الحجّ قال: تعبت يوماً من المشي، فنمت تحت شجرة فطال نومي ومضى عنّي الحاجّ كثيراً، فلمّا انتبهت علمت من الوقت انّ نومي قد طال
____________
1- راجع جنّة المأوى: ص 299.
فبينا أنا أصيح كذلك وإذا براكب على ناقة وهو على زيّ البدو، فلمّا رآني قال لي: أنت منقطع عن الحاجّ؟ فقلت: نعم، فقال: اركب خلفي لاُلحقك بهم فركبت خلفه، فلم يكن الّا ساعة وإذا قد أدركنا الحاجّ، فلمّا قربنا أنزلني وقال لي: امضِ لشأنك! فقلت له: إنّ العطش قد أضرّ بي فأخرج من شداده ركوة فيها ماء، وسقاني منه، فوالله انّه ألذّ وأعذب ماء شربته.
ثمّ إنّي مشيت حتى دخلت الحاج والتفتّ إليه فلم أَرَه، ولا رأيته في الحاجّ قبل ذلك، ولا بعده، حتى رجعنا(1).
يقول المؤلف:
سوف يأتي في الباب التاسع تفصيل يرتبط بهذه الحكاية وأمثالها فلْيلاحظ.
الحكاية السبعون:
قد تشرّف بزيارة النجف الأشرف جناب المستطاب التقي الصالح السيد احمد بن السيد هاشم بن السيد حسن الرشتي ساكن رشت أيّده الله، قبل سبعة عشر سنة تقريباً.
وقد جائني إلى المنزل مع العالم الرّباني والفاضل الصمداني الشيخ علي الرشتي طاب ثراه ـ الذي سوف يأتي ذكره في الحكاية الآتية ان شاء الله ـ.
فلمّا نهضنا للخروج نبّهني الشيخ إلى أن السيد احمد من الصلحاء المسددين ولمح اليّ انّ له قصّة عجيبة ولم يسمح المجال حينها في بيانها.
____________
1- راجع جنة المأوى: ص 300.
عزمت على الحج في سنة ألف ومائتين وثمانين فجئت من حدود رشت إلى تبريز ونزلت في بيت الحاج صفر علي التاجر التبريزي المعروف ولعدم وجود قافلة فقد بقيت متحيّراً إلى أن جهز الحاج جبار جلودار السدهي الاصفهاني قافلة الى (طربوزن) فاكتريت منه مركباً لوحدي وسافرت، وعندما وصلت إلى أوّل منزل التحق بي ـ وبترغيب الحاج صفر علي ـ ثلاثةُ أشخاص آخرين، أحدهم الحاج الملاّ باقر التبريزي الذي كان يحج بالنيابة وكان معروفاً لدى العلماء، والحاج السيد حسين التاجر التبريزي، ورجل يسمى الحاج علي وكان يشتغل بالخدمة.
ثم ترافقنا بالسفر إلى أن وصلنا إلى (أرضروم)، وكنّا عازمين على الذهاب من هناك إلى (طربزون) وفي أحد تلك المنازل التي تقع بين هاتين المدينتين جائني الحاج جبار جلودار وقال: بأن هذا المنزل الذي قدامنا مخيف فعجّلوا حتى تكونوا مع القافلة دائماً، وذلك لأننا كنّا غالباً ما نتخلّف عن القافلة بفاصلة في سائر المنازل، فتحرّكنا سويّةً بساعتين ونصف، أو ثلاث ساعات بقيت إلى الصبح ـ على التخمين ـ وابتعدنا عن المنزل الذي كنّا فيه مقدار نصف أو ثلاثة أرباع الفرسخ فاذا بالهواء قد تغيّر واضلمت الدنيا وابتدأ الوفر بالتساقط، فحينئذ غطى كلّ واحد منّا من الرفقاء رأسه وأسرع بالسير. وقد فعلت أنا كذلك لألتحق بهم ولكنّي لم أتمكّن على ذلك
وبعد أن فكّرت وتأملت بأمري قررت أن أبقى في هذا الموضع إلى أن يطلع الفجر، ثم ارجع إلى الموضع الذي جئت منه، وآخذ معي من ذلك الموضع عدّة اشخاص من الحرس فألتحق بالقافلة مرّة ثانية.
وبهذه الأثناء رأيت بستاناً أمامي، وفي ذلك البستان فلاح بيده مسحاة يضرب بها الأشجار فيتساقط الوفر منها، فتقدّم اليّ بحيث بقيت فاصلة قليلة بينه وبيني، ثم قال: من أنت؟ قلت ذهب اصدقائي وبقيت وحدي ولا أعرف الطريق فتهت.
فقال باللغة الفارسية: نافله بخوان تا راه پيدا كنى.
(أي صلي النافلة ـ والمقصود منها صلاة الليل ـ لتعرف الطريق)(1).
فاشتغلت بصلاة النافلة وبعدما فرغت من التهجد، عاد إليّ مرّة اُخرى وقال: ألم تذهب بعد؟!
قلت: والله لا أعرف الطريق.
قال: جامعه بخوان (اقرأ الجامعة).
ولم أكن احفظ الجامعة وما زلت غير حافظ لها مع انّي قد تشرّفت بزيارة العتبات المقدّسة مراراً.. ولكنّي وقفت مكاني وقرأت الجامعة كاملةً عن ظهر الغيب، ثمّ جاء وقال ألم تذهب بعد؟!
فأخذتني العبرة بلا ارادة وبكيت وقلت: ما زلت موجوداً ولا أعرف الطريق.
____________
1- هذه ترجمة كلامه واثبتنا الكلام الفارسي للاحتياط بنقل كلامه لاحتمال أن يكون صاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه، وكذلك في أثناء المحاورة فاننا اثبتنا النصّ الفارسي لنفس السبب الذي ذكرناه.
وكذلك انّي لم أكن احفظ زيارة عاشوراء وما زلت غير حافظ لها، فقمت من مكاني واشتغلت بزيارة عاشوراء، من الحافظة عن ظهر غيب إلى أن قرأتها جميعاً وحتى اللعن والسلام ودعاء علقمة، فرأيته عاد اليّ مرّة اُخرى وقال: (نرفتى. هستى) ألم تذهب؟ بعدك؟!
فقلت: لا، فإني موجود وحتى الصباح.
قال: أنا أوصلك إلى القافلة الآن (من حالا ترا بقافله مى رسانم).
ثم ذهب وركب على حمار ووضع مسحاته على عاتقه وجاء فقال: اصعد خلفي على حماري (برديف مَن بر الاغ مَن سوار شو).
فركبت وأخذت بعنان فرسي فلم يطاوعني ولم يتحرّك، فقال: (جلو اسب را بمن ده) ناولني لجام الفرس. فناولته، فوضع المسحاة على عاتقه الأيسر وأخذ الفرس بيده اليمنى وأخذ بالسير، فطاوعه الفرس بشكل عجيب وتبعه.
ثم وضع يده على ركبتي وقال: (شما چرا نافله نميخوانيد ; نافله، نافله، نافله..) لماذا لا تصلّوا النافلة: النافلة.. النافلة.. النافلة؟ قالها ثلاث مرّات.
ثم قال: (شما چرا عاشورا نميخوانيد.. عاشورا.. عاشورا.. عاشورا) لماذا لا تقرءوا عاشوراء: عاشوراء.. عاشوراء.. عاشوراء..؟ ثلاث مرّات.
ثم قال: (شما چرا جامعه نميخوانيد: جامعه.. جامعه.. جامعه..) لماذا لا تقرءوا الجامعة: الجامعة.. الجامعة.. الجامعة..؟
وعندما كان يطوي المسافة كان يمشي بشكل مستدير، وفجأة رجع وقال: (آنست رفقاى شما) هؤلاء اصحابك.
وكانوا قد نزلوا على حافة نهر فيه ماء يتوضؤون لصلاة الصبح. فنزلت من الحمار لأركب فرسي فلم أتمكّن فنزل هو وضرب المسحاة في الوفر وأركبني وحول
يقول المؤلف:
فوائد وفضائل صلاة الليل خارجة عن حد البيان والوصف لما وصل من دقائق واسرار الكتاب والسنة في الجملة، لذلك جاء التأكيد عليها في بعض الأخبار بذكرها ثلاث مرّات.
روى الشيخ الكليني والصدوق والشيخ البرقي عن الامام الصادق عليه السلام انّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم أوصى أمير المؤمنين عليه السلام بوصايا وأمره بحفظها، ثم دعا الله تعالى أن يعينه عليها، ومن جملة ما قاله صلى الله عليه وآله وسلّم: " وعليك بصلاة الليل، وعليك بصلاة الليل، وعليك بصلاة الليل "(1).
وذكر في كتاب (فقه الرضا) عليه السلام قريباً من هذا المضمون(2).
أمّا الزيارة الجامعة: فبتصريح جماعة من العلماء انّها أحسن وأكمل الزيارات، قال العلامة المجلسي بعد شرح اجمالي لفقراتها الزائدة عمّا في سائر الزيارات: " انما بسطت الكلام في شرح تلك الزيارة قليلا وان لم استوف حقّها حذراً من الاطالة ; لأنها أصحّ الزيارات سنداً، وأعمّها مورداً، وأفصحها لفظاً، وأبلغها معنىً، وأعلاها شأناً "(3).
____________
1- راجع الوسائل: ج 5، ابواب بقية الصلوات المندوبة، باب 39، ح 1.
2- فقه الرضا: ص 137، الطبعة الحديثة ـ قال: " وعليك بالصلاة في الليل، فان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم أوصى علياً عليه السلام بها، فقال في وصيّته: (عليك بصلاة الليل) قالها ثلاثاً ".
3- البحار: ج 102، ص 144.