الصفحة 327

الحكاية السابعة والتسعون:

نقل مشافهةً الصالح الورع التقي المتتبع المرحوم الحاج الملاّ باقر البهبهاني المجاور بالنجف الأشرف.

وكذلك كتبه في الدمعة الساكبة في معجزات الحجة عليه السلام:

قال: فالأولى أن يختم الكلام بذكر ما شاهدته في سالف الأيام، وهو انّه أصاب ثمرة فؤادي ومن انحصرت فيه ذكور أولادي، قرّة عيني علي محمد حفظه الله الفرد الصمد، مرضٌ يزداد آناً فآناً ويشتدّ فيورثني أحزاناً وأشجاناً إلى أن حصل للناس من برئه اليأس وكانت العلماء الطلاب والسادات والأنجاب يدعون له بالشفاء في مظانّ استجابة الدعوات، كمجالس التعزية وعقيب الصلوات.

فلمّا كانت الليلة الحادية عشرة من مرضه، اشتدّت حاله وثقلت أحواله وزاد اضطرابه، وكثر التهابه، فانقطعت بي الوسيلة، ولم يكن لنا في ذلك حيلة فالتجأت بسيّدنا القائم عجّل الله ظهوره وأرانا نوره، فخرجت من عنده وأنا في غاية الاضطراب ونهاية الالتهاب، وصعدت سطح الدار، وليس لي قرار، وتوسّلت به عليه السلام خاشعاً، وانتدبت خاضعاً، وناديته متواضعاً، وأقول: يا صاحب الزّمان أغثني يا صاحب الزمان أدركني، متمرّغاً في الأرض، ومتدحرجاً في الطول والعرض، ثمّ نزلت ودخلت عليه، وجلست بين يديه، فرأيته مستقرّ الأنفاس مطمئنّ الحواسّ قد بلّه العرق لا بل أصابه الغرق، فحمدت الله وشكرت نعماءه التي تتوالى فألبسه الله تعالى لباس العافية ببركته عليه السلام(1).

____________

1- راجع جنّة المأوى: ص 298 ـ وقد ترجمها المؤلف رحمه الله باختصار ورأينا الأنسب نقلها بالنص كما نقلها المؤلف رحمه الله في الجنة.


الصفحة 328

الحكاية الثامنة والتسعون:

قصة الشيخ حسن العراقي كما سوف تأتي في الحكاية المائة إن شاء الله تعالى.

الحكاية التاسعة والتسعون:

قال العالم الفاضل المتبحّر النبيل الصمدانيّ الحاجّ المولى رضا الهمدانيّ في المفتاح الأوّل من الباب الثالث من كتاب مفتاح النبوّة في جملة كلام له في انّ الحجة عليه السلام قد يظهر نفسه المقدّسة لبعض خواصّ الشيعة: انّه عليه السلام قد أظهر نفسه الشريفة قبل هذا بخمسين سنة لواحد من العلماء المتّقين المولى عبد الرحيم الدّماوندي الذي ليس لأحد كلام في صلاحه وسداده.

قال: وقال هذا العالم في كتابه: انّي رأيته عليه السلام في داري في ليلة مظلمة جداً بحيث لا تبصر العين شيئاً واقفاً في جهة القبلة وكان النور يسطع من وجهه المبارك حتى انّي كنت أرى نقوش الفراش بهذا النور(1).

الحكاية المائة:

حدّث السيد الجليل والمحدّث العليم النبيل، السيّد نعمة الله الجزائري في [ مقدّمات ] شرح عوالي اللئالي لابن أبي جمهور الاحسائي قال: حدّثني وأجازني السيّد الثقة هاشم بن الحسين الأحسائي في دار العلم شيراز في المدرسة المقابلة للبقعة المباركة، مزار السيد محمد العابد عليه الرحمة والرضوان، في حجرة من الطبقة الثانية، على يمين الداخل قال: حكى لي اُستاذي الثقة المعدّل الشيخ محمد الحرفوشي قدّس الله تربته قال: لمّا كنت بالشام، عمدت يوماً إلى مسجد مهجور، بعيد من العمران، فرأيت

____________

1- راجع جنة المأوى: ص 306.


الصفحة 329
شيخاً أزهر الوجه، عليه ثياب بيض، وهيئة جميلة، فتجارينا في الحديث، وفنون العلم فرأيته فوق ما يصفه الواصف، ثمّ تحقّقت منه الاسم والنسبة، ثمّ بعد جهد طويل قال: أنا معمّر بن أبي الدّنيا صاحب أمير المؤمنين عليه السلام، وحضرت معه حروب صفّين وهذه الشجّة في رأسي وفي وجهي من زجّة فرسه.

ثمّ ذكر لي من الصفات والعلامات ما تحقّقت معه صدقه في كلّ ما قال، ثمّ استجزته كتب الأخبار، فأجازني عن أمير المؤمنين وعن جميع الائمة عليهم السلام حتى انتهى في الاجازة إلى صاحب الدّار عجّل الله فرجه وكذلك أجازني كتب العربيّة من مصنّفيها كالشيخ عبد القاهر والسّكاكي وسعد التفتازانيّ وكتب النحو عن أهلها وذكر العلوم المتعارفة.

ثمّ قال السيّد رحمه الله: انّ الشيخ محمد الحرفوشي(1) أجازني كتب الأحاديث الأصول الأربعة، وغيرها من كتب الأخبار بتلك الاجازة، وكذلك أجازني الكتب المصنّفة في فنون العلوم، ثمّ انّ السيد رضوان الله عليه أجازني بتلك الاجازة كلّما أجازه الشيخ الحرفوشي، عن معمّر أبي الدنيا صاحب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وأمّا أنا فأضمن ثقة المشايخ السيّد والشيخ، وتعديلهما وورعهما ولكنّي لا أضمن وقوع الأمر في الواقع على ما حكيت، وهذه الاجازة العالية لم تتّفق لأحد من علمائنا، ولا محدّثينا، لا في الصدر السّالف، ولا في الأعصار المتأخّرة، انتهى.

وقال سبطه العالم الجليل السيّد عبد الله صاحب شرح النخبة، وغيره في

____________

1- قال المؤلف رحمه الله: " قال الشيخ الحر في أمل الآمل: الشيخ محمد بن علي بن احمد الحرفوشي الحريري العاملي التركي الشامي. كان عالماً فاضلا أديباً ماهراً محققاً مدققاً منشئاً حافظاً، أعرف أهل عصره بعلوم العربية ".

وذكر له مؤلفات.. وشرح قواعد الشهيد وغيرها.. وذكره السيد عليخان في السلافة وأثنى عليه ثناءاً بليغاً، وذكر انّه توفي في سنة 1059.

راجع أمل الآمل: ج 1، ص 162 - 164 ـ وسلافة العصر: ص 315 - 323.


الصفحة 330
اجازته الكبيرة، لأربعة من علماء حويزة، بعد نقل كلام جدّه وكأنّه رضي الله عنه استنكر هذه القصّة أو خاف أن تنكر عليه فتبرّأ من عهدتها في آخر كلامه وليست بذلك، فانّ معمّر بن أبي الدّنيا المغربي له ذكر متكرّر في الكتب، وقصّة طويلة في خروجه مع أبيه في طلب ماء الحياة، وعثوره عليه دون أصحابه، مذكورة في كتب التواريخ وغيرها، وقد نقل منها نبذاً صاحب البحار في أحوال صاحب الدار عليه السلام وذكر الصّدوق في كتاب إكمال الدين انّ اسمه عليّ بن عثمان ابن خطّاب بن مرّة بن مؤيد الهمدانيّ، الّا انّه قال: معمّر أبي الدّنيا باسقاط (بن) والظاهر انّه هو الصواب كما لا يخفى، وذكر انّه من حضر موت والبلد الذي هو مقيم فيه طنجة، وروى عنه أحاديث مسندة بأسانيد مختلفة(1).

يقول المؤلف:

يطعن علينا مخالفونا ويستبعدون بقاء شخص في طول هذه المدّة، واضافة إلى استبعادهم فهم ينسبون كذباً إلى الاماميّة انهم يعتقدون انّه عليه السلام غاب في السرداب وما زال هناك، وانّه يظهر من هناك، وانّهم ينتظرون ظهوره عليه السلام من السرداب.

وقد جهد علماؤنا بدفع استبعادهم في كتب الغيبة، وجمعوا كثيراً من المعمّرين، وذكروا اخبارهم وقصصهم وأشعارهم.

والظاهر عدم وجود الحاجة إلى كلّ تلك المشقات لدفع ذلك الاستبعاد، فان بقاء شخص واحد عدّة آلاف من السنين مسلّم عند جميع الأمة، وهو كاف في رفع الاستبعاد، وهو الخضر عليه السلام، ولم يخالف أحد في وجوده.

ولكننا لمجرّد الاتباع ننقل بعض كلمات تلك الجماعة، ونعدّ اجمالا اسماء المعمّرين:

____________

1- راجع جنة المأوى: ص 278 ـ 280.


الصفحة 331
قال الذهبى في تاريخ الاسلام في ضمن احوال أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام:

" وأما ابنه محمد بن الحسن الذي يدعوه الرافضة القائم الخلف الحجة فولد سنة ثمان وخمسين [ ومائتين ] وقيل ست وخمسين ومائتين عاش بعد أبيه سنتين ثمّ عدم ولم يعلم كيف مات.. وهم يدعون بقاءه في السرداب من اربعمائة وخمسين سنة وانّه صاحب الزمان وانّه حي يعلم علم الأولين والآخرين ويعترفون انّ أحداً لم يَرَه أبداً، وبالجملة جهل الرافضة عليه مزيد(1) فنسأل الله أن يثبت علينا عقولنا وايماننا "(2).

" والذي يعتقده الرافضة في هذا المنتظر لو اعتقده المسلم في علي بل في النبي صلى الله عليه وآله وسلّم لما جاز له ذلك، ولا اقرّ عليه، (قال النبي: لا تطردوني كما اطردت النصارى عيسى انما انا عبد فقولوا عبد الله ورسوله صلوات الله عليه وسلامه)(3) فانهم يعتقدون فيه وفي آبائه انّ كلّ واحد منهم يعلم علم الأولين والآخرين، وما كان وما يكون ولا يقع منه خطأ قط، وانّه معصوم من الخطأ والسهو " ثم قال: " نسأل الله العفو والعافية ونعوذ بالله من الاحتجاج بالكذب وردّ الصدق كما هو دأب الشيعة.. "(4).

وقال ابن خلگان في ترجمته: " وهو الذي تزعم الشيعة انّه المنتظر والقائم والمهدي، وهو صاحب السرداب عندهم.. وهم ينتظرون ظهوره في آخر الزمان من السرداب بسرّ مَن رأى "(5).

____________

1- قال المؤلف رحمه الله: " يعني ما يقولونه في حقه ويعتقدونه، وهو خلاف الواقع كثير ".

2- تاريخ الاسلام (الذهبي): ص 113، حوادث ووفيات سنة 251 ـ 260، الطبعة الحديثة بتحقيق أنور عبد السلام الطرابلسي.

3- سقط هذا المقطع من الترجمة.

4- تاريخ الاسلام (الذهبي): ص 160، حوادث ووفيات سنة 261 ـ 270.

5- وفيات الأعيان (ابن خلگان): ج 4، ص 176، تحقيق د. احسان عباس.


الصفحة 332
وقال ابن حجر المتأخر المكي في الصواعق بعد جملة من الكلمات: " إذ تغيب شخص هذه المدة المديدة من خوارق العادات، فلو كان هو لكان وصفه صلى الله عليه [وآله ] وسلّم بذلك أظهر من وصفه بغير ذلك مما مرّ.. الخ "(1).

ومن هذا النوع من الكلمات كثيرة في كتبهم وبعضها مأخوذ من البعض الآخر، ونقل هذا المقدار كاف للمثال والتنبيه.

والجواب:

أما أولا:

إنّ ما نسبوه إلى الاماميّة من انّه عليه السلام كان في السرداب من أول غيبته وإلى الآن انما هو مجرّد كذب وبهتان وافتراء.

فمع كثرة الفرق وتشتت الآراء وتدخل الجهلة في العلوم لم يَرَ في كتاب ولحدّ الآن ولم يذكر في شعر أو نثر، ولم يحتمل جاهل في مكان انّه عليه السلام سوف يبقى في السرداب من البداية إلى النهاية.

بل مبيّن ومفصّل في أحاديثهم وأخبارهم وحكاياتهم في كلّ كتاب تذكر فيه الامامة انّه كان له عليه السلام في الغيبة الصغرى وكلاء ونواب مخصوصون تُجبى لهم الأموال ويتصرّفون بها حسب الأوامر التي تصدر منه عليه السلام، وانّه يأمرهم وينهاهم، ويبعث التواقيع اليهم، ويصلون إليه عليه السلام هم وغيرهم في أماكن معيّنة.

وأما في الغيبة الكبرى فان محل استقراره مخفي على كلّ انسان ولكنّه يحضر في موسم الحج، وينقذ مواليه عند الشدائد والمحن، كما ذكرت شمة منها.

فكيف يقال انّه عليه السلام في السرداب؟

وانّهم يقرؤون في دعاء الندبة المعروف في كل عيد ويوم الجمعة: " ليت شعري

____________

1- الصواعق المحرقة: ص 168.


الصفحة 333
أين استقرّت بك النوى بل أي أرض تقلك أو ثرى أبِرَضوى(1) أم غيرها أم ذي طوى "(2).

ويقرؤون في خطبهم وفي ذكر القابه عليه السلام: " الغائب عن الأبصار، والحاضر في الأمصار الذي يظهر في بيت الله ذي الأستار، ويطهر الأرض من لوث الكفار ".

وروي في غيبة النعماني عن الامام الصادق عليه السلام انّه قال: " يكون لصاحب هذا الأمر غيبة في بعض هذه الشعاب ـ وأومأ بيده إلى ناحية ذي طوى ـ... الخ "(3).

وروي عنه عليه السلام انّه قال: " إنّ في صاحب هذا الأمر لشبهاً من يوسف... إلى أن يقول: فما تنكر هذه الأمة ان يكون الله يفعل بحجته ما فعل بيوسف، وأن يكون صاحبكم المظلوم المجحود حقّه صاحب هذا الأمر يتردد بينهم، ويمشي في أسواقهم ويطأ فرشهم ولا يعرفونه حتى يأذن الله له أن يعرّفهم نفسه.. "(4).

وروي في غيبة الشيخ الطوسي عن محمد بن عثمان العمري قدّس الله روحه انّه قال: " والله انّ صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كل سنة يرى الناس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه "(5).

وروى الشيخ النعماني والصدوق عن الامام الصادق عليه السلام انّه قال: " يفقد الناس امامهم يشهد المواسم فيراهم ولا يرونه "(6).

وروي عن عبد الأعلى انّه قال: " خرجت مع أبي عبد الله عليه السلام فلمّا نزلنا

____________

1- قال المؤلف رحمه الله: " ورضوى جبل في المدينة، وذو طوى موضع قرب مكة ".

2- راجع مفاتيح الجنان (المحدّث القمي): ص 536.

3- راجع النعماني (الغيبة): ص 182، باب 10، ح 30.

4- راجع النعماني (الغيبة): ص 164، باب 10، ح 4.

5- راجع الطوسي (الغيبة): ص 364، الطبعة المحققة ـ وص 221، ح 329، الطبعة الأولى.

6- راجع النعماني (الغيبة): ص 175، باب 10، ح 14 ـ وراجع الصدوق (كمال الدين): ج 2، ص 346، باب 33، ح 33.


الصفحة 334
الروحاء نظر إلى جبلها مطلاًّ عليها فقال لي: ترى هذا الجبل؟ هذا جبل يدعى رضوى من جبال فارس أحبّنا فنقله الله الينا، أما انّ فيه كل شجرة مطعم، ونعم أمان للخائف مرتين.

أما انّ لصاحب هذا الأمر فيه غيبتين، واحدة قصيرة، والأخرى طويلة "(1).

وقد تقدّم انّه يخرج عليه السلام من قرية يقال لها (كرعة).

وجاء في احدى الزيارات بالسلام عليه: " السلام على الامام الغائب عن الأبصار، الحاضر في الأمصار، والموجود في الأفكار، بقية الأخيار، وارث ذي الفقار، المنتظر، والحسام الذكر، والشمس الطالعة، والسماء الظليلة، والأرض البسيطة، نور الأنوار الذي تشرق به الأرض عمّا قليل، بدر التمام، وحجة الله على الأنام، برج البروج، واليوم الموعود، وشاهد ومشهود... الخ ".

والخلاصة: فياليت الذهبي مع كل ما ادّعاه من المعرفة والديانة، انّه دلّ على مكان من كتب الامامية، انّ فلان عالم كتب في الكتاب الفلاني، كما هي عادة الاماميّة عندما يُشكلون عليهم فانّهم يذكرون المؤلف والكتاب والباب والفصل.

ومع هذا الافتراء والبهتان فانّه نسب الشيعة إلى الكذب، ويتخيّل انه طاهر الذيل(2)، ولا يستحي ولا يخجل أبداً.

وأما ثانياً:

وعلى فرض التسليم بأنه عليه السلام كان هناك في كل هذه المدّة، فما هو وجه الاستبعاد من ذلك؟ هل طول عمره، أم خفاؤه على الزوّار، أم حياته بلا وجود ما يعيش به؟

____________

1- راجع الطوسي (الغيبة): ص 163، الطبعة المحققة ـ وص 103، الطبعة الأولى، ح 123 ـ ورواه عنه الحر العاملي في (اثبات الهداة): ج 3، ص 500، ح 281 ـ والمجلسي في البحار: ج 51، ص 161، ح 10.

2- طاهر الذيل: اصطلاح مجازي بمعنى طاهر النفس وطيب العمل.


الصفحة 335
أما الأول: فيأتي ان شاء الله تعالى.

وأما اختفاؤه عن نظر الناظرين، فتقدّم جوابه في ذيل الحكاية السابعة والثلاثين، وذلك انّ أهل السنة ينقلون عن عجائب قدرة الباري تعالى بما يضيع امثال هذه الصورة عندها وتكون لا شيء إلى جنبها، فانّهم يقولون: انّه من الجائز أن يسير الانسان في صحراء مملوءة بالعساكر يتحاربون ويتنازعون فيما بينهم، ويتحرّكون يميناً وشمالا فلا يراهم، ولا يسمع صوتهم.

ومن الممكن أن يرى انسان جوع غيره وشبعه ويدرك لذّته وألمه وغمّه وسروره، وعلمه وظنّه ووهمه، ومع ذلك فهو لا يرى لون بشرته، وهل هو أسود أم أبيض، مع عدم وجود حاجب، ومع وجود الضوء.

ومن الممكن أن يرى شيئاً بينه وبين ذلك الشيء حجاب عرضه ألف ذراع في ليلة ظلماء، وانّه لا يرى شيئاً إلى جنبه مع عدم الحاجب، بل وانّ نور الشمس مشرقة.

ومن الممكن أن لا يرى خرزة في المشرق أو في المغرب، ولا يرى جبلا عظيماً إلى جنبه مع عدم الحاجب.

وامثال هذه الكلمات التي تقدّمت شمّة منها، ويعرف الباقي على هذا النسق.

وأما طول الحياة ; فيعرف من تلك الكلمات امكان الحياة بدون تلك الأشياء فانّهم لا يرون ان شيئاً يكون سبباً لشيء، فلا يرون ان الخبز سبب للشبع، وانّ الماء سبب لرفع العطش (للإرتواء)، وانّ السمّ سبب للموت، وانما هي عادة جرت من الله تعالى أن يكون مثل الخبز يشبع والماء يروي، فليس هناك سبباً للحياة الّا فعل الحق، فالأكل وعدم الأكل بمستوى واحد.

ومن طرائف حكايات المخالفين ما نقله الفيروز آبادي في القاموس في باب العين، قال:


الصفحة 336
" عبود كتنور رجل نوّام نام في محتطبه سبع سنين ".

وفي حديث معضل: " انّ اوّل الناس دخولا الجنّة عبد أسود يقال له عبّود وذلك انّ الله عزوجلّ بعث نبياً إلى أهل قرية فلم يؤمن به أحدٌ إلّا ذلك الأسود، وانّ قومه احتفروا له بئراً فصيّروه فيها، وأطبقوا عليه صخرة فكان ذلك الأسود يخرج فيحتطب فيبيع الحطب ويشتري به طعاماً وشراباً ثمّ يأتي تلك الحفرة فيعينه الله تعالى على تك الصخرة فيرفعها ويدلّي له ذلك الطعام والشراب.

وانّ الأسود احتطب يوماً ثمّ جلس ليستريح فضرب بنفسه الأرض شقّه الأيسر فنام سبع سنين، ثمّ هبّ من نومته وهو لا يرى الّا انّه نام ساعة من نهار، فاحتمل حزمته فأتى القرية فباع حطبه، ثمّ أتى الحفرة فلم يجد النبي فيها، وقد كان بدا لقومه فيه، فأخرجوه، فكان يسأل عن الأسود فيقولون لا ندري أين هو.

فَضُرِب به المثل لمن نام طويلا "(1).

وقد أشار الزمخشري إلى هذه الحكاية في (ربيع الأبرار)(2).

وفي هذه الحكاية جواب لكلّ استبعاداتهم، فبقاء أسود سبع سنوات حي وسالم بدون ماء ولا طعام تحت الشمس والرياح والمطر وفي طريق الحيوانات والوحوش لهو أعجب بكثير من بقاء شخص يأكل ويشرب ويتحرّك، كما يقول الاماميّة.

وأعجب من ذلك خفاء ذلك الأسود عن أهل تلك القرية سبع سنوات، مع انّه كان نائماً في مكان معيّن.

وهل يمكن أن يحتمل عدم مرور أحد في طول هذه المدّة من هناك؟

____________

1- راجع الفيروز آبادي (القاموس المحيط): ج 1، ص 311، باب الدال، فصل العين.

2- راجع الزمخشري (ربيع الأبرار): ج 4، ص 338 قال: " نام عبود، وكان عبداً أسوداً حطاباً في محتطبه اسبوعاً، فضرب به المثل، فقيل قد نام نومة عبود ".


الصفحة 337
أو انّهم استغنوا عن الحطب؟

أو انّه لم يبقَ هنا ما يحتطب؟

اضافة إلى خفاء الحكمة في انّ الله تعالى أنامه سبع سنوات، ولا طريق لمعرفتها للعباد الّا أن يرى نومه أو يسمع بالحس، ويعلم بأنه لا لغو ولا عبث بأفعال الله تعالى، ويعتقد ولو اجمالا بأنّ وجوده يتّفق مع المصلحة وإن لم يعرفها، ولا يرفع اليد عن احساسه لعدم معرفة الحكمة، كما أوضحه وبرهن عليه الاماميّة طبق الأخبار المتواترة النبويّة والعلوية ; انّ التاسع من ذريّة الامام الحسين عليه السلام هو الامام والخليفة والحجة والمهدي الموعود. ووصلوا بالحسّ والوجدان إلى مقام عين اليقين من خلال مشاهدة آياته ومعجزاته وكراماته ورؤيتهم أثر الاجابة في رقاع الاستغاثة والتوسل به عليه السلام في الملمّات. فعدم معرفة حكمة الغيبة، وسبب الاختفاء لا يضرّ ولا ينقص علمهم واعتقادهم، ولا يوجد ريباً أو تردداً في وجوده المبارك عليه السلام.

وقد كتب علماء السنة في أحوال كثير من مشايخهم وعرفائهم انّهم كانوا مدّة طويلة في المحل الفلاني مشغولين بالذكر والعبادة ويأتيهم غذاؤهم من الغيب.

فمع انّه لا حسن في ذكرهم لكنّهم يستبعدون هذا المقدار في مقام احد أبناء نبيّهم صلى الله عليه وآله وسلّم ولا يحتملونه في حقّه، ويرضون ذلك في كلّ مَنْ هبّ ودب.

وأما ثالثاً:

فما قاله الذهبي بأنهم (يعترفون [ أن ] أحداً لم يره أبداً)(1) انما كذب وافتراء.

وقد رآه الكثيرون في الغيبة الصغرى، ووصلوا بخدمته، وثبتت اسماؤهم في الكتب، وأما في الغيبة الكبرى فالكل يعترفون بامكان المشاهدة بحيث لا يعرف حين الرؤية، ولكنّه يعرف بعد ذلك، بل سوف نثبت في الباب القادم امكانها حتى مع

____________

1- تاريخ الاسلام (الذهبي): ص 113، حوادث ووفيات سنة 251 ـ 260.


الصفحة 338
معرفته للخواص، وقليل ممن ذكر أحواله عليه السلام ولم يذكر شيء من هذا النوع من الحكايات، بل انّ بعض اهل السنة ادّعوا رؤيته عليه السلام في الغيبة الصغرى والكبرى وعلى الذهبي وابن حجر انّ يطأطئ رأسه حياءاً من ذكرها، ويعض اصبع الندامة.

قال الشيخ عبد الوهاب بن احمد بن علي الشعراني في آخر كتاب (لواقح الأنوار في طبقات السادات الأخيار) الذي اسماه (لواقح الأنوار القدسيّة في مناقب العلماء والصوفية)(1):

" ومنهم: الشيخ الصالح العابد الزاهد ذو الكشف الصحيح والحال العظيم الشيخ حسن العراقي المدفون فوق الكوم المطل على بركة الرطلي، كان رضي الله عنه قد عمّر نحو مائة سنة وثلاثين سنة ".

وفي النسخة المطبوعة: " ترددت إليه مع سيدي أبي العباس الحريثي وقال: أريد أن أحكي لك حكايتي من مبتدأ أمري الى وقتي هذا كأنك كنت رفيقي من الصغر، فقلت له: نعم، فقال: كنت شاباً من دمشق وكنت صانعاً، وكنّا نجتمع يوماً في الجمعة على اللهو واللعب والخمر فجاء لي التنبيه من الله تعالى يوماً: ألهذا خلقت؟ فتركت ما هم فيه وهربت منهم فتبعوني ورائي فلم يدركوني، فدخلت جامع بني أمية فوجدت شخصاً يتكلّم على الكرسي في شأن المهدي عليه السلام فاشتقت إلى لقائه فصرت لا أسجد سجدة الّا وسألت الله تعالى أن يجمعني به فبينما أنا ليلة بعد صلاة المغرب أصلّي صلاة السنة إذا بشخص جلس خلفي وحسّ على كتفي وقال لي: قد استجاب الله دعاءك يا ولدي، ما لك؟ أنا المهدي، فقلت: تذهب معي إلى الدار، فقال: نعم، وذهب معي فقال لي: أَخلِ لي مكاناً أنفرد فيه، فأخليت له مكاناً، فأقام عندي سبعة أيام بلياليها ولقنني الذكر، وقال أعلمك وردي تدوم عليه إن شاء

____________

1- يبدو انّ ما ترجمه المؤلف هنا قد لاحظ فيه الاختصار فلذلك رأينا الأنسب نقل النص حسب ما نقله المؤلف رحمه الله في كتابه كشف الأستار.


الصفحة 339
الله تعالى تصوم يوماً وتفطر يوماً وتصلّي كلّ ليلة خمسمائة ركعة، فقلت: نعم، فكنت أصلّي خلفه كل ليلة خمسمائة ركعة وكنت شاباً أمرداً حسن الصورة، فكان يقول: لا تجلس قط الّا ورائي، فكنت أفعل، وكان عمامته كعمامة العجم وعليه جبة من وبر الجمال، فلمّا انقضت السبعة أيام خرج، فودّعته، وقال لي: يا حسن! ما وقع لي قط مع أحد ما وقع معك فدم على وردك حتى تعجز فانّك ستعمّر عمراً طويلا، وفي النسخة الأخرى العتيقة بعد قوله: خمسمائة ركعة في كلّ ليلة، وأنا لا أضع جنبي على الأرض للنوم الّا غلبته ثم طلب الخروج، وقال لي: يا حسن لا تجتمع بأحد بعدي، ويكفيك ما حصل لك منّي فما ثم الّا دون ما وصل اليك منّي فلا تتحمّل منه أحد بلا فائدة، فقلت: سمعاً وطاعة وخرجت أودّعه فأوقفني عند عتبة باب الدار وقال: من هنا، فأقمت على ذلك سنين ـ إلى أن قال الشعراني بعد ذكر حكاية سياحة حسن العراقي ـ وسألت المهدي عن عمره، فقال: يا ولدي عمري الآن ستمائة سنة وعشرون سنة ولي عنه الآن مائة سنة، فقلت ذلك لسيدي علي الخواص فوافقه على عمر المهدي رضي الله عنهما "(1).

وقال الشيخ عبد الوهاب الشعراني في المبحث الخامس والستين من كتاب (يواقيت الجواهر في بيان العقائد) بعد الكلمات التي تقدّمت في الباب الرابع:

" فيكون عمره(2) إلى وقتنا هذا وهو سنة ثمان وخمسين وتسعمائة، سبعمائة سنة وست سنين هكذا أخبرني الشيخ حسن العراقي... عن الامام المهدي (عليه السلام) حين اجتمع به.

ووافقه على ذلك شيخنا سيدي علي الخواص "(3).

وقال علي أكبر بن أسد الله المؤودي وهو من متأخّري علماء السنة، في حاشية

____________

1- راجع كشف الأستار: ص 51 ـ 52.

2- قال المؤلف رحمه الله: " يعني المهدي عليه السلام ".

3- اليواقيت والجواهر (الشعراني): ج 2، ص 145، ط الثانية، جامع الأزهر سنة 1307هـ.ق.


الصفحة 340
نفحات الجامي، بعد عدّة كلمات كما نقله عنه في المبحث الخامس والأربعين من اليواقيت:

" قد ذكر الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه: انّ للقطب خمسة عشر علامة: أن يمدد بمدد العصمة والرحمة والخلافة والنيابة ومدد حملة العرش ويكشف له عن حقيقة الذات واحاطة الصفات... إلى آخره.

فبهذا صحّ مذهب من ذهب إلى كون غير النبي صلى الله عليه وآله وسلّم معصوماً، ومن قيد العصمة في زمرة معدودة ونفاها عن غير تلك الزمرة فقد سلك مسلكاً آخر، وله أيضاً وجه يعلمه من علمه، فانّ الحكم بكون المهدي الموعود رضي الله عنه موجوداً وهو كان قطباً بعد أبيه الحسن العسكري عليهما السلام كما كان هو قطباً بعد أبيه إلى الامام علي بن أبي طالب كرّمنا الله بوجوههم يشير إلى صحّة حصر تلك الرتبة في وجوداتهم من حين كان القطبيّة في وجود جدّه علي بن أبي طالب عليه السلام إلى أن تتم فيه لا قبل ذلك، فكل قطب فرد يكون على تلك الرتبة نيابة عنه لغيبوبته من أعين العوام والخواص لا عن أعين أخص الخواص. وقد ذكر ذلك عن الشيخ صاحب اليواقيت وعن غيره أيضاً رضي الله عنه وعنهم فلابد أن يكون لكلّ امام من الائمة الاثنى عشر عصمة. خُذ هذه الفائدة "(1).

وجناب سيف الشريعة وبرهان الشيعة، حامي الدين وقامع بدع الملحدين، العالم المؤيد، المسدّد المولوي المير حامد حسين ساكن لكنهو من بلاد الهند أيّده الله تعالى الذي لم ير مثله ولحدّ الآن بتتبعه واطلاعه على كتب المخالفين وردّ شبهاتهم، ودفع هفواتهم وبالخصوص في مبحث الاماميّة، واكثر الكلمات التي نقلتها هنا انقلها من كتاب استقصاء الافحام له ; قال في حاشية ذلك الكتاب: " وليعلم انّ أكابر علماء أهل السنة من الحنفيّة والشافعيّة وحنبلية من معاصري الشعراني قد مدحوا وأثنوا

____________

1- راجع كشف الأستار: ص 80 ـ 81.


الصفحة 341
غاية الثناء على كتاب يواقيت الجواهر "، وصرّح شهاب الدين بن شبلي الحنفي: " اني رأيت خلقاً كثيراً من أهل الطريق ولكن لا يوجد أحد أحاط بمعاني هذا المؤلف، ويجب على كل مسلم حسن الاعتقاد وترك التعصّب واللداد ".

وقال شهاب الدين الرملي الشافعي: " وبالجملة فهو كتاب لا ينكر فضله، ولايختلف اثنان بأنه ما صنف مثله ".

وقال شهاب الدين عميرة الشافعي بعد أن مدح الكتاب: " وما كنّا نظن انّ الله تعالى يُبرز في هذا الزمان مثل هذا المؤلف العظيم الشأن... الخ ".

وقال شيخ الاسلام الفتوحي الحنبلي: " لا يقدح في معاني هذا الكتاب الّا معاند مرتاب، أو جاحد كذّاب ".

وبالغ الشيخ محمد البرهمتوشي الحنفي في مدح هذا الكتاب بعبارات بليغة، وقال بعد الحمد والصلاة: " وبعد فقد وقف العبد الفقير إلى الله تعالى محمد بن محمد البرهمتوشي الحنفي على اليواقيت والجواهر في عقائد الأكابر لسيّدنا ومولانا الامام العالم العامل العلامة المحقق المدقق الفهامة خاتمة المحققين، وارث علوم الأنبياء والمرسلين، شيخ الحقيقة، والشريعة، معدن السلوك والطريقة، من توّجه الله تاج العرفان، ورفعه على أهل الزمان، مولانا الشيخ عبد الوهاب أدام الله النفع به على الأنام، وأبقاه الله تعالى لنفع العباد مدّ الأيام، فاذا هو كتاب جلّ مقداره، ولمحت أسراره، وسمحت من سحب الفضل امطاره، وفاحت في رياض التحقيق أزهاره "(1).

وقال العارف عبد الرحمن الصوفي في المرآة المدارية في أحوال المدار:

" وبعد صفاء باطنه يسر له الحضور التام إلى روحانيّة حضرة خاتم الرسل، وأخذ صلى الله عليه وآله وسلّم من كمال رحمته وكرم عفوه يد قطب المدار بيد معبوده الحق، ولقّنه الاسلام الحقيقي، وكان في ذلك الوقت حضرة المرتضى علي كرم الله وجهه

____________

1- راجع كشف الأستار: ص 47 ـ 48.


الصفحة 342
حاضراً، فسلمه إلى حضرة علي المرتضى، وقال: هذا الشاب طالب الحق، فربِّهِ مثل اولادك، وأوصله إلى المطلوب، وليكون هذا الشاب قريباً من الحق تعالى وعزيزاً جداً فيكون قطب مدار الوقت.

فتولى (شاه مدار) حسب كلمتهِ صلى الله عليه وآله وسلّم، حضرة علي كرم الله وجهه وذهب إلى مرقده بالنجف الأشرف، وارتاض في حرمه المبارك بأنواع التربية، وحصل من الروحانية الطاهرة لحضرة المرتضى علي كرم الله وجهه على طريق الصراط المستقيم.

وغنم بسبب وسيلة الدين محمد صلى الله عليه وآله وسلّم على مشاهدة حق الحق.

وطوى جميع مقامات الصوفية الصافية، وحصل على العرفان الحقيقي.

وحينئذ عرفه أسد الله الغالب على ولده الأرشد وارث الولاية المطلقة المسمى في عالم الظاهر محمد المهدي بن الحسن العسكري، وقال من كمال رحمته: ربي قطب المدار بديع الدين باشارة حضرة خاتم الرسل، وأوصل إلى المقامات العالية، وقبلت نبوّته، وأنت علمه ايضاً جميع الكتب السماوية شفقة بهذا الشاب مقدم الدهر.

فعلم صاحب الزمان المهدي عليه السلام من كمال الألطاف (شاه مدار) في مدة اثني عشر كتاباً والصحف السماوية:

الأول: علّمه اربعة كتب نزلت على الأنبياء أولاد أبي البشر آدم، يعني الفرقان والتوراة والانجيل والزبور والتي نزلت بعد اربعة كتب على سادة وائمة قوم الجن.

واسماء هذه الكتب هي: راكوي، وحاجزي، وسياري، واليان.

وعلّمهُ بعد ذلك أربعة كتب نزلت على الملائك المؤمنين للحضرة السبحانية، واسماء هذه الكتب هي: ميراث، وعلى الرب، وسرماجن، ومطهر الف، من علوم الاولين والآخرين والتي كانت مختصّة بائمة أهل البيت، وقد أعطاها بكرم عفوه