الصفحة 373

عمرو بن حميمة الدوسي:

اربعمائة سنة(1).

معمّر المشرقي:

الساكن سهرورد وقد أدرك أمير المؤمنين عليه السلام، ونقل العلامة الكراجكي في كنز الفوائد عن جماعة من أهل السنة وأهل ذلك البلد انّهم رأوه حدود سنة أربعمائة وخمسين وصدّقوا طول عمره ولقاءه أمير المؤمنين عليه السلام(2).

الحارث بن مضاض:

عمّر أربعمائة سنة(3).

وقد ذكرت أخبار وأشعار هذه الجماعة مفصّلة في كمال الدين(4)، وغرر السيد المرتضى(5)، وكنز الكراچكي(6)، وغيبة الشيخ الطوسي(7)، وليست هناك مهمة في نقلها.

____________

1- راجع كنز الفوائد (الكراجكي): ص 250 " عمرو بن حممة الدوسي عاش أربعمائة سنة " ونقل بعض أشعاره وأحواله.

2- راجع كنز الفوائد (الكراجكي): ص 262، قال رحمه الله: " وقد ذاع بين كثير من الخصوم ما يروى ويقال اليوم من حال المعمّر ابي الدنيا المغربي... وكذلك حال المعمّر الآخر المشرقي ووجوده بمدينة من أرض المشرق يقال لها سهرورد إلى الآن ورأينا جماعة رأوه وحدّثوا حديثه وانّه ايضاً كان خادماً لأمير المؤمنين صلوات الله عليه والشيعة تقول انهما يجتمعان عند ظهور الامام المهدي عليه وعلى آبائه أفضل السلام ".

3- راجع كنز الفوائد (الكراجكي): ص 251.

4- راجع كمال الدين (الصدوق): ج 2، ص 524، باب ما جاء في التعمير، إلى ص 576.

5- راجع الأمالي (السيد المرتضى): ج 1، ص 167 (باب ذكر شيء من اخبار المعمّرين وأشعارهم ومستحسن كلامهم)، ص 197، ط 1325 هـ 1907م، القاهرة.

6- راجع كنز الفوائد (الكراجكي): ص 244، ص 267، الطبعة الحجرية.

7- راجع الغيبة (الطوسي): ص 113 إلى 126، الطبعة المحققة.


الصفحة 374

أبو بكر عثمان بن خطاب بن عبد الله بن العوام:

روى الشيخ الطوسي في مجالسه(1) عن ابراهيم بن الحسن بن جمهور قال: حدّثني أبو بكر المفيد الجرجرائي في شهر رمضان سنة ستّ وسبعين وثلاثمائة قال: اجتمعت مع أبي عمرو عثمان بن الخطاب بن عبد الله بن العوّام بمصر في سنة ستّ عشر وثلاث مائة وقد ازدحم الناس عليه حتى رقي به إلى سطح دار كبيرة كان فيها، ومضيت إلى مكة ولم أزل أتبعه إلى مكّة إلى أن كتبت عنه خمسة عشر حديثاً وذكر انّه ولد في خلافة أبي بكر عتيق بن أبي قحافة وانّه لما كان في زمن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام خرجت ووالدي معي اُريد لقاءه فلمّا صرنا قريباً من الكوفة أو الأرض التي كان بها عطشنا عشطاً شديداً في طريقنا وأشرفنا على التلف وكان والدي شيخاً كبيراً فقلت له: اجلس حتى أدور الصحراء أو البريّة فلعلّي أقدر على ماء أو من يدلّني عليه أو ماء مطر.

فقصدت أطلب ذلك فلم ألبث عنه غير بعيد إذ لاح لي ماء فصرت إليه فاذا أنا ببئر شبه الركيّة أو الوادي فنزعت ثيابي واغتسلت من ذلك الماء وشربت حتى رويت وقلت: أمضي وأجيء بأبي فانّه قريب منّي فجئت إليه فقلت: قم فقد فرّج الله عزّوجلّ عنّا وهذه عين ماء قريب منّا فقام فلم نر شيئاً ولم نقف على الماء وجلس وجلست معه ولم يضطرب إلى أن مات، واجتهدت إلى أن واريته وجئت إلى مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه ولقيته وهو خارج إلى صفّين وقد اُخرجت له البغلة فجئت

____________

1- لا يوجد في مجالس الشيخ الطوسي المطبوع ولعلّ المؤلف نقله عن البحار للمجلسي رحمه الله حيث قال: " مجالس الشيخ: عن المفيد... الخ ".


الصفحة 375
وأمسكت له الركاب فالتفت إليّ فانكببت أقبّل الركاب فشجّني في وجهي شجّة.

قال أبو بكر المفيد: ورأيت الشجّة في وجهه واضحة. ثمّ سألني عن خبري فأخبرته بقصّتي وقصّة والدي وقصّة العين فقال: عين لم يشرب منها أحد إلّا وعمّر عمراً طويلا فأبشر فانّك تعمّر وما كنت لتجدها بعد شربك منها وسمّاني بالمعتمر.

قال أبو بكر المفيد: فحدّثنا عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام بالأحاديث وجمعتها ولم تجتمع لغيري منه وكان معه جماعة مشايخ من بلده وهي طنجة.

فسألتهم عنه فذكروا انّهم من بلده وانّهم يعرفونه بطول العمر وآباؤهم وأجدادهم بمثل ذلك واجتماعه مع مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وانّه توفّي في سنة سبع عشر وثلاث مائة(1).

ومن المحتمل انّ العبارة الأخيرة ليست جزءاً من الخبر لأن العلامة الكراجكي تلميذ الشيخ المفيد يقول في كنز الفوائد:

" وقد ذاع بين كثير من الخصوم ما يروى ويقال اليوم من حال معمّر بن أبي الدنيا المغربي المعروف بالأشج وانّه باقي من عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام إلى الآن، وانّه مقيم في ديار المغرب في أرض طنجة، وروى الناس له في هذه الديار وقد عبر متوجهاً إلى الحج والزيارة، وروايتهم عنه حديثه وقصّته وأحاديث سمعها من أمير المؤمنين صلوات الله عليه وسلامه وقوله انّه كان ركابياً بين يديه، ورواية الشيعة انّه يبقى إلى أن يظهر صاحب الزمان صلوات الله عليه، وكذلك حال المعمّر الآخر المشرقي ووجوده بمدينة من أرض المشرق يقال لها سهرورد إلى الآن، ورأينا جماعة رأوه وحدّثوا حديثه وانّه كان ايضاً خادماً لأمير المؤمنين صلوات الله عليه، والشيعة تقول انّهما يجتمعان عند ظهور الامام المهدي عليه وعلى آبائه السلام "(2).

____________

1- البحار: ج 51، ص 260 ـ 261، عن مجالس الشيخ الطوسي.

2- راجع كنز الفوائد (الكراجكي): ص 262.


الصفحة 376
وطبق ذيل هذا الحديث، فلا أصل في انّه توفي ; والكراجكي الذي كان ساكن مصر أعرف به من المفيد الجرجرائي وأمثاله.

علي بن عثمان بن خطاب بن مرّة بن مزيد معمّر المغربي المعروف بأبي الدنيا، أو ابن أبي الدنيا:

روى الشيخ الصدوق في كمال الدين عن ابي سعيد عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب الشجري(1) عن(2) محمد بن القاسم(3) وعلي بن الحسن(4) قالا:(5) " لقينا بمكة رجلا من اهل المغرب، فدخلنا عليه مع جماعة من أصحاب الحديث ممّن كان حضر الموسم في تلك السنة وهي سنة تسع وثلاثمائة، فرأينا رجلا أسود الرأس واللحية كأنّه شنٌّ بال(6) وحوله جماعة من أولاده، وأولاد أولاده، ومشايخ من أهل بلده ذكروا انّهم من أقصى بلاد المغرب بقرب باهرة العليا وشهد هؤلاء المشايخ انّهم(7) سمعوا آباءَهم حكوا عن آبائهم وأجدادهم انّهم(8) عهدوا هذا الشيخ المعروف بأبي الدنيا معمّر واسمه علي بن عثمان ابن خطّاب بن مرّة بن مؤيّد، وذكر انّه همداني وانّ أصله من صعد اليمن، فقلنا له: أنت رأيت عليّ بن أبي طالب؟ فقال: ففتح عينيه بيده وقد كان وقع حاجباه على عينيه ففتحهما كأنّهما سراجان

____________

1- في المصدر المطبوع (السجزي)، ولكن في الترجمة وفي البحار ما اثبتناه.

2- في المصدر المطبوع (قال حدّثنا).

3- في المصدر المطبوع (أبو بكر محمد بن الفتح الرقي).

4- في المصدر المطبوع (وأبو الحسن علي بن الحسن بن الاشكي) ـ وفي البحار (علي بن الحسن بن جنكاء اللائكي ختن أبي بكر).

5- في البحار (قال).

6- شنّ بال: قال الجوهري في الصحاح: ج 5، ص 2146 " الشنُّ: القربة الخَلَق، وهي الشنّة ايضاً، وكأنّها صغيرة " انتهى ـ والبالي: الخَلِق.

7 و 8- في المصدر المطبوع (أنا) بدل (انّهم).


الصفحة 377
فقال: رأيته بعينيّ هاتين وكنت خادماً له، وكنت معه في وقعة صفّين، وهذه الشجّة من دابّة علي عليه السلام وأرانا أثرها على حاجبه الأيمن، وشهد الجماعة الذين كانوا حوله من المشايخ ومن حفدته وأسباطه بطول العمر وانّهم منذ ولدوا عهدوه على هذه الحالة وكذا سمعنا من آبائنا وأجدادنا.

ثمّ انّا فاتحناه وسألناه عن قصّته وحاله وسبب طول عمره فوجدناه ثابت العقل يفهم ما يقال له، ويجيب عنه بلبّ وعقل، فذكر انّه كان له والد قد نظر في كتب الأوائل وقرأها وقد كان وجد فيها ذكر نهر الحيوان وانّها تجري في الظلمات وانّه من شرب منها طال عمره، فحمله الحرص على دخول الظّلمات فتزوّد وحمل حسب ما قدّر انّه يكتفي به في مسيره وأخرجني معه وأخرج معنا خادمين بازلين وعدّة جمال لبون وروايا وزاداً وأنا يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة فسار بنا إلى أن وافينا طرف الظّلمات ثمّ دخلنا الظّلمات، فسرنا فيها نحو ستّة أيام بلياليها وكنّا نميّز بين الليل والنهار بأنّ النهار كان أضوء قليلا وأقلّ ظلمة من الليل.

فنزلنا بين جبال وأودية وركوات وقد كان والدي رحمه الله يطوف في تلك البقعة في طلب النهر لأنّه وجد في الكتب التي قرأها انّ مجرى نهر الحيوان في ذلك الموضع فأقمنا في تلك البقعة أياماً حتى فني الماء الذي كان معنا وأسقيناه جمالنا ولو لا انّ جمالنا كانت لبونا لهلكنا وتلفنا عطشاً وكان والدي يطوف في تلك البقعة في طلب النهر ويأمرنا أن نوقد ناراً ليهتدي بضوئها إذا أراد الرجوع الينا.

فمكثنا في تلك البقعة نحو خمسة أيام ووالدي يطلب النهر فلا يجده وبعد الأياس عزم على الانصراف حذراً من التلف لفناء الزاد والماء، والخدم الذين كانوا معنا أوجسوا في أنفسهم خيفة من الطلب فألحّوا على والدي بالخروج من الظلّمات فقمت يوماً من الرّحل لحاجتي فتباعدت من الرّحل قدر رمية سهم، فعثرت بنهر ماء أبيض اللون عذب لذيذ لا بالصغير من الأنهار ولا بالكبير يجري جرياً ليّناً فدنوت منه وغرفت منه بيدي غرفتين أو ثلاثاً فوجدته عذباً بارداً لذيذاً، فبادرت

الصفحة 378
مسرعاً إلى الرّحل فبشّرت الخدم بأنّي قد وجدت الماء فحملوا ما كان معنا من القرب والأداوي لنملأها، ولم أعلم انّ والدي في طلب ذلك النهر، وكان سروري بوجود الماء، لما كنّا فيه من عدم الماء وكان والدي في ذلك الوقت غائباً عن الرحل مشغولا بالطلب فجهدنا وطفنا ساعة هويّة في طلب النهر فلم نهتد إليه حتّى انّ الخدم كذّبوني وقالوا لي: لم تصدّق.

فلمّا انصرفت إلى الرّحل وانصرف والدي أخبرته بالقصّة فقال لي: يا بنيّ! الذي أخرجني إلى ذلك المكان وتحمّل الخطر كان لذلك النهر، ولم اُرزق أنا وأنت رزقته وسوف يطول عمرك حتى تملّ الحياة، ورحلنا منصرفين وعدنا إلى أوطاننا وبلدنا وعاش والدي بعد ذلك سنيّات ثمّ مات رحمه الله.

فلمّا بلغ سنّي قريباً من ثلاثين سنة وكان قد اتّصل بنا وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ووفاة الخليفتين بعده خرجت حاجّاً فلحقت آخر أيّام عثمان.

فمال قلبي من بين جماعة أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلّم إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فأقمت معه أخدمه وشهدت معه وقائع، وفي وقعة صفّين أصابتني هذه الشجة من دابّته، فما زلت مقيماً معه إلى أن مضى لسبيله عليه السلام فألحّ عليّ أولاده وحرمه أن اُقيم عندهم فلم اُقم، وانصرفت إلى بلدي وخرجت ايام بني مروان حاجّاً وانصرفت مع أهل بلدي إلى هذه الغاية، ما خرجت في سفر إلّا ما كان الملوك في بلاد المغرب يبلغهم خبري وطول عمري فيشخّصوني إلى حضرتهم ليروني ويسألوني عن سبب طول عمري وعمّا شاهدت، وكنت أتمنّى وأشتهي أن أحجّ حجّة اُخرى فحملني هؤلاء حفدتي وأسباطي الذين ترونهم حولي، وذكر انّه قد سقطت أسنانه مرّتين أو ثلاثة.

فسألناه أن يحدّثنا بما سمع من أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام فذكر انّه لم يكن له حرص ولا همّة في طلب العلم وقت صحبته لعليّ بن أبي طالب عليه السلام

الصفحة 379
والصحابة أيضاً كانوا متوافرين فمن فرط ميلي إلى علي عليه السلام ومحبّتي له لم أشتغل بشيء سوى خدمته وصحبته والذي كنت اتذكّره ممّا كنت سمعته منه قد سمعه منّي عالم كثير من الناس ببلاد المغرب ومصر والحجاز وقد انقرضوا وتفانوا وهؤلاء أهل بلدي وحفدتي قد دوّنوه، فأخرجوا إلينا النسخة وأخذ يملي علينا من خطّه:

حدّثنا أبو الحسن عليّ بن عثمان بن خطّاب بن مرّة بن مؤيد الهمداني المعروف بأبي الدنيا معمّر المغربي رضي الله عنه حيّاً وميّتاً قال: حدّثنا عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: من أحبّ أهل اليمن فقد أحبّني ومن أبغض أهل اليمن فقد أبغضني(1).

ونقل ايضاً عدّة أحاديث اُخرى.

ونقل الصدوق عنهما: انّ السلطان بمكّة لمّا بلغه خبر أبي الدنيا تعرّض له، وقال: لابدّ أن اُخرجك إلى بغداد إلى حضرة امير المؤمنين المقتدر فانّي أخشى أن يعتب عليّ إن لم اُخرجك معي، فسأله الحاجّ من أهل المغرب وأهل مصر والشام أن يعفيه من ذلك ولا يشخصه فانّه شيخ ضعيف ولا يؤمن ما يحدث عليه، فأعفاه. قال أبو سعيد:(2) ولو انّي أحضر الموسم تلك السنة لشاهدته وخبره كان شائعاً مستفيضاً في الأمصار وكتب عنه هذه الأحاديث المصريّون والشاميّون والبغداديّون، ومن سائر الأمصار من حضر الموسم وبلغه خبر هذا الشيخ(3).

قصة الشيخ بنحو آخر:

وهو أصحّ وأتقن من الخبر السابق وقد اعتمد عليه الشيخ الصدوق، فروى

____________

1- راجع كمال الدين (الصدوق): ج 2، ص 538 - 541 ـ البحار: ج 51، ص 225 - 228.

2- في الترجمة (أبو سعيد عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب).

3- راجع كمال الدين (الصدوق): ج 2، ص 542 - 543 ـ وعنه البحار: ج 51، ص 229.


الصفحة 380
عن أبي محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبد الله بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام فيما أجازه لي ممّا صحّ عندي من حديثه، وصحّ عندي هذا الحديث برواية الشريف أبي عبد الله محمد بن الحسن بن اسحاق بن الحسين بن اسحاق بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليهم السلام عنه انّه قال: حججت في سنة ثلاث عشر وثلاث مائة وفيها حجّ نصر القشوري صاحب المقتدر بالله ومعه عبد الرحمن بن عمران(1) المكنّي بأبي الهيجاء فدخلت مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم في ذي القعدة فأصبت قافلة المصريّين وبها(2) أبو بكر محمد بن علي المادرائي ومعه رجل من أهل المغرب، وذكر انّه رأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فاجتمع عليه الناس وازدحموا وجعلوا يتمسحون به وكادوا يأتون على نفسه فأمر عمّي أبو القاسم طاهر بن يحيى(3) فتيانه وغلمانه فقال: افرجوا عنه الناس ففعلوا وأخذوه وأدخلوه دار أبي سهل الطفّي وكان عمّي نازلها فاُدخل، وأذن للناس فدخلوا، وكان معه خمسة نفر ذكر انّهم أولاد أولاده فيهم شيخ له نيّف وثمانون سنة فسألناه عنه فقال: هذا ابن ابني وآخر له سبعون سنة فقال: هذا ابن ابني واثنان لهما ستّون سنة أو خمسون أو نحوها وآخر له سبعة عشر سنة فقال: هذا ابن ابن ابني ولم يكن معه فيهم أصغر منه وكان إذا رأيته قلتَ: ابن ثلاثين أو أربعين سنة، أسود الرأس واللحية ضعيف الجسم(4) آدم ربع من الرجال خفيف العارضين إلى القصر أقرب.

____________

1- هكذا في الترجمة وفي البحار، وأما في المصدر المطبوع (عبد الله بن حمدان).

2- في المصدر (وفيها).

3- قال المؤلف رحمه الله: " ابن يحيى النسابة صاحب كتاب نسب آل أبي طالب ومن الرواة المعروفين، وهو جدّ العالم الجليل السيد حسن بن شدقم المدني، وهو اوّل من جمع نسب آل أبي طالب، وهو ايضاً جدّ السيد العميدي ابن أخت العلامة شارح التهذيب. وكان السيد عبيد الله بن طاهر المذكور نقيب المدينة المشرّفة " انتهى.

4- في المصدر (شاب نحيف الجسم).


الصفحة 381
قال أبو محمد العلويّ: فحدّثنا هذا الرجل واسمه علي بن عثمان بن الخطّاب ابن مرّة بن مؤيد بجميع ما كتبناه عنه وسمعناه من لفظه وما رأينا من بياض عنفقته(1) بعد اسودادها ورجوع سوادها بعد بياضها عند شبعه من الطعام.

قال أبو محمد العلوي: ولو لا انّه حدّث جماعة من أهل المدينة من الأشراف والحاجّ من أهل مدينة السلام وغيرهم من جميع الآفاق ما حدّثت عنه بما سمعت، وسماعي منه بالمدينة ومكّة في دار السهميّين في الدار المعروفة بالمكتوبة(2) وهي دار عليّ بن عيسى الجرّاح وسمعت منه في مضرب القشوريّ ومضرب المادرائي [ ومضرب أبي الهيجاء وسمعت منه بمنى وبعد منصرفه من الحجّ بمكّة في دار المادرائي ](3)عند باب الصفا.

وأراد القشوريّ حمله وولده إلى بغداد إلى المقتدر فجاءه فقهاء أهل مكّة فقالوا: أيّد الله الأستاذ، إنّا روينا في الأخبار المأثورة عن السلف انّ المعمّر المغربي إذا دخل مدينة السلام افتتنت(4) وخربت وزال الملك فلا تحمله وردّه إلى المغرب، فسألنا مشايخ أهل المغرب ومصر فقالوا: لم نزل نسمع من آبائنا ومشايخنا يذكرون اسم هذا الرجل واسم البلد الذي هو مقيم فيه طنجة، وذكروا انّه كان يحدّثهم بأحاديث قد ذكرنا بعضها في كتابنا هذا.

قال أبو محمد العلوي: فحدّثنا هذا الشيخ أعني عليّ بن عثمان المغربي بدو خروجه من بلده من حضرموت، وذكر انّ أباه خرج هو وعمّه وأخرجا به معهما يريدون الحجّ وزيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فخرجوا من بلادهم من حضرموت وساروا أياماً ثمّ أخطأوا الطريق وتاهوا عن المحجّة فأقاموا تائهين ثلاثة أيّام وثلاث

____________

1- العنفقة: الشعر الذي في الشفة السفلى، وقيل الذي بينها وبين الذقن.

2- في المصدر (المكبرية).

3- سقطت من المصدر المطبوع.

4- في المصدر (فنيت).


الصفحة 382
ليال على غير محجّة، فبينا هم كذلك إذ وقعوا في جبال رمل يقال له: رمل عالج، يتّصل برمل إرم ذات العماد فبينا نحن كذلك إذ نظرنا إلى أثر قدم طويل فجعلنا نسير على أثرها فأشرفنا على واد وإذا برجلين قاعدين على بئر أو على عين.

قال: فلمّا نظرا الينا قام أحدهما فأخذ دلواً فأدلاه فاستقى فيه من تلك العين أو البئر واستقبلنا فجاء إلى أبي فناوله الدلو، فقال أبي: قد أمسينا ننيخ على هذا الماء ونفطر ان شاء الله فصار إلى عمّي فقال: اشرب فردّ عليه كما ردّ عليه أبي فناولني فقال لي: اشرب فشربت، فقال لي: هنيئاً لك فانّك ستلقى عليّ بن أبي طالب عليه السلام فأخبره ايّها الغلام بخبرنا وقل له الخضر والياس يقرآنك السلام، وستعمّر حتّى تلقى المهدي وعيسى بن مريم عليهما السلام فاذا لقيتهما فاقرأهما السلام، ثمّ قالا: ما يكون هذان منك فقلت: أبي وعمّي، فقالا: أمّا عمّك فلا يبلغ مكّة، وأمّا أنت وأبوك فستبلغان ويموت أبوك فتعمّر أنت، ولستم تلحقون النبي صلى الله عليه وآله وسلّم لأنه قد قرب أجله ثمّ مرّا(1)، فو الله ما أدري أين مرّا أفي السماء أو في الأرض، فنظرنا وإذا لا أثر ولا عين ولا ماء، فسرنا متعجّبين من ذلك إلى أن رجعنا الى نجران فاعتلّ عمّي ومات بها، وأتممت أنا وأبي حجّنا ووصلنا إلى المدينة فاعتلّ بها أبي ومات، وأوصى إلى عليّ ابن أبي طالب عليه السلام فأخذني وكنت معه أيّام أبي بكر وعمر وعثمان وخلافته حتّى قتله ابن ملجم لعنه الله. وذكر انّه لمّا حوصر عثمان بن عفّان في داره دعاني فدفع إليّ كتاباً [ ونجيباً وأمرني بالخروج إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام وكان غائباً بينبع في ماله وضياعه فأخذت الكتاب وصرت إلى موضع يقال له جدار أبي عباية. سمعت قرآناً فاذا علي بن أبي طالب عليه السلام يسير مقبلا من ينبع وهو يقول: { أَفَحَسِبْتُمْ اِنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَانَّكُمْ اِلَيْنَا لاَ ترْجَعُون }.

فلمّا نظر إليّ قال: أبا الدّنيا ما وراك؟ قلت: هذا كتاب أمير المؤمنين فأخذه

____________

1- في البحار (مثلا).


الصفحة 383
فقرأه فاذا فيه:


فإن كنتُ مأكولا فكن أنت آكليوإلّا فأدركني ولمّا اُمزَّق

فلمّا قرأه قال: سر، فدخل إلى المدينة ساعة قتل عثمان بن عفّان فمال إلى حديقة بني النجار وعلم النّاس بمكانه فجاؤا إليه ركضاً وقد كانوا عازمين على أن يبايعوا طلحة بن عبيد الله، فلمّا نظروا إليه ارفضّوا إليه ارفضاض الغنم شدّ عليها السبع فبايعه طلحة ثمّ الزبير ثمّ بايع المهاجرون والأنصار.

فأقمت معه أخدمه ](1) فحضرت معه الجمل وصفّين وكنت بين الصفّين واقفاً عن يمينه إذ سقط سوطه من يده فأكببت آخذه وأرفعه إليه وكان لجام دابّته حديداً مزجّجاً فرفع الفرس رأسه فشجّني هذه الشجّة التي في صدغي فدعاني أمير المؤمنين فتفل فيها وأخذ حفنة من تراب فتركه عليها فو الله ما وجدت لها ألماً ولا وجعاً، ثمّ أقمت معه حتّى قتل صلوات الله عليه وصحبت الحسن بن عليّ عليه السلام حتّى ضرب بساباط المدائن، ثمّ بقيت معه بالمدينة أخدمه وأخدم الحسين عليه السلام حتّى مات الحسن عليه السلام مسموماً [ سمّته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكنديّ لعنها الله دسّاً من معاوية ](2) ثمّ خرجت مع الحسين بن عليّ عليه السلام حتى حتى حضر كربلاء وقتل عليه السلام وخرجت هارباً من بني أميّة، وأنا مقيم بالمغرب أنتظر خروج المهدي وعيسى بن مريم عليهما السلام.

قال أبو محمد العلويّ رضي الله عنه: ومن عجيب ما رأيت من هذا الشيخ عليّ بن عثمان وهو في دار عمّي طاهر بن يحيى رضي الله عنه وهو يحدّث بهذه الأعاجيب وبدو خروجه فنظرت إلى عنفقته وقد احمرّت ثمّ ابيضّت فجعلت أنظر إلى ذلك لأنّه لم يكن في لحيته ولا في رأسه ولا في عنفقته بياض [ البتّة ](3).

____________

1- سقط هذا المقطع كلّه من الترجمة.

2- سقط هذا المقطع من الترجمة.

3- هذه الزيادة في البحار.


الصفحة 384
قال: فنظر إلى نظري إلى لحيته وعنفقته فقال: ما ترون؟ انّ هذا يصيبني إذا جعت فاذا شبعت رجعت إلى سوادها، فدعا عمّي بطعام وأخرج من داره ثلاث موائد فوضعت واحدة بين يدي الشيخ وكنت أنا أحد من جلس عليها فأكلت معه ووضعت المائدتان في وسط الدار وقال عمّي للجماعة: بحقّي عليكم الّا أكلتم وتحرّمتم بطعامنا فأكل قوم وامتنع قوم، وجلس عمّي على يمين الشيخ يأكل ويلقي بين يديه فأكل أكل شابّ وعمّي يخلف عليه وأنا أنظر إلى عنفقته وهي تسودّ حتى(1) عادت إلى سوادها حين شبع!

فحدّثنا علي بن عثمان بن خطّاب قال: حدّثني عليّ بن أبي طالب عليه السلام وذكر الخبر المتقدّم في مدح أهل اليمن(2).

قصة الشيخ المذكور بنحو ثالث:

قال العلامة الكراجكي في كنز الفوائد:

" حدّثني الشريف أبو الحسن طاهر بن موسى بن جعفر الحسيني بمصر في شوال سنة سبع وأربعمائة، قال: أخبرنا الشريف ابو القاسم ميمون بن حمزة الحسيني قال: رأيت المعمّر المغربي وقد اُتي به إلى الشريف ابي عبد الله محمد بن اسماعيل سنة عشر وثلاثمائة واُدخل إلى داره ومن معه وهم خمسة رجال واُغلقت الدار وازدحم الناس، وحرصت في الوصول إلى الباب فما قدرت لكثرة الزّحام فرأيت بعض غلمان الشريف أبي عبد الله محمد بن اسماعيل وهما قنبر وفرج فعرفتهما انّي اشتهي انظره فقالا لي: دُرْ إلى باب الحمّام بحيث لا يدرى بك فصرت إليه ففتحا لي سرّاً ودخلت واُغلق الباب، وحصلت في مسلخ الحمّام وإذا قد فُرش له ليدخل الحمام فجلست

____________

1- في البحار زيادة (اذا).

2- راجع كمال الدين (الصدوق): ج2، ص544 - 547 ـ والبحار: ج 51، ص 229 - 233.


الصفحة 385
يسيراً فاذا به قد دخل رجل نحيف الجسم ربع من الرّجال خفيف العارضين ادم اللون إلى القصير أقرب ما هو أسود الشّعر يقدّر الانسان انّ له نحواً من أربعين سنة وفي صدغة اثر كأنّه ضربة فلمّا تمكّن من الجلوس والنفر معه وأراد خلع ثيابه قلت ما هذه الضربة؟ فقال: أردت أناول مولاي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام السّوط يوم النهروان فنفض الفرس رأسه فضربني اللجام وكان مدمجاً(1) فشجّني فقلت له أَدَخَلْتَ هذه البلدة قديماً، قال: نعم، وكان موضع جامعكم السّفلاني مبقلة وفيها بئر فقلت: هؤلاء أصحابك، فقال: ولدي وولد ولدي، ثمّ دخل الحمام فجلست حتى خرج ولبس ثيابه فرأيت عنفقته قد ابيضّت فقلت له كان بها صباغ، قال: لا ولكن إذا جعت ابيضّت وإذا شبعت اسودّت، فقلت: قم ادخل الدّار حتى تأكل فدخل الباب(2).

ثم نقل أبي محمد العلوي المذكور سابقاً قال: " فما سمعت(3) من حديثه الذي حدّث الناس به انّه قال: خرجت من بلدي أنا وأبي وعمّي نريد الوفود على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وكنّا مشاة في قافلة فانقطعنا عن الناس واشتدّ بنا العطش وعدمنا الماء وزاد بأبي وعمّي الضعف فأقعدتهما إلى جانب شجرة ومضيت التمس لهما ماءً فوجدت عيناً حسنة وفيها ماء صاف في غاية البرد والطيبة فشربت حتى ارتويت ثمّ نهضت لآتي بأبي وعمّي إلى العين فوجدت أحدهما قد مات وتركته بحاله، وأخذت الآخر ومضيت به في طلب العين فاجتهدت أن أراها فلم أرها ولا عرفت موضعها، وزاد العطش به فمات، فحرصت في أمره حتى واريته وعدت الى الآخر فواريته ايضاً، وسرت وحدي إلى أن انتهيت الطريق ولحقت بالناس ودخلنا المدينة،

____________

1- مدمجاً: أي مستحكماً.

2- كنز الفوائد (الكراجكي): ص 262 ـ 263.

3- في الترجمة (سمعت من الشيخ الذي كان في بيت عمّي طاهر بن يحيى من حديثه الذي حدّث به الناس... الخ).


الصفحة 386
وكان دخولي إليها في اليوم الذي قبض فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فرأيت الناس منصرفين من دفنه، فكانت أعظم الحسرات دخلت بقلبي، ورآني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فحدّثته حديثي فأخذني...(1) إلى آخر ما تقدّم برواية الصدوق. ثمّ قال الكراجكي:

" حدّثني القاضي أبو الحسن أسد بن ابراهيم السلمي الحرّاني، وأبو عبد الله الحسين بن محمد الصيرفي البغدادي، قالا جميعاً: أخبرنا أبو بكر محمد بن محمد المعروف بالمفيد لقراءتي عليه بجرجرايا.

وقال الصيرفي: سمعت منه املاءاً سنة خمس وستين وثلاثمائة.

قال: حدّثنا علي بن عثمان بن الخطّاب بن عوام البلوي من مدينة بالمغرب يقال لها: مزيدة يعرف بأبي الدنيا الأشجّ المعمّر، قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم [ يقول ](2): كلمة الحق ضالّة المؤمن حيث وجدها فهو أحقّ بها... "(3).

وقد نقل اثني عشر خبراً بهذا السند، ثم قال:

" قال أبو بكر المعروف بالمفيد: رأيت أثر الشجّة في وجهه، وقال: أخبرت أمير المؤمنين عليه السلام بحديثي وقصّتي في سفري وموت أبي وعمّي والعين التي شربت منها وحدي، فقال: هذه عين لم يشرب منها أحد الّا عمّر عمراً طويلا، فأبشر فانّك تعمّر ما كنت لتجدها بعد شربك منها "(4).

وقال الكراجكي:

____________

1- راجع كنز الفوائد (الكراجكي): ص 264.

2- سقطت من المصدر، واُثبتت في الترجمة.

3- راجع كنز الفوائد (الكراجكي): ص 265.

4- راجع كنز الفوائد (الكراجكي): ص 266.


الصفحة 387
" فأما الأحاديث التي رواها عن الأشج أبو محمد الحسن بن محمد الحسيني مما لم يروه أبو بكر محمد بن احمد الجرجرائي فهي:

قال الشريف أبو محمد: حدّثني علي بن عثمان المعمر الأشج... "(1) ثمّ نقل الخبر الذي في مدح اليمن، ونقل الشريف خبراً آخر.

يقول المؤلف:

انّ الهدف من هذه الاطالة هو دفع وهم تعدد هذا المغربي مع ذلك المغربي الذي نقلناه عن مجالس الشيخ، فانّه قد يبدو تعدّده في البداية، وقد عنونّاه نحن بعناوين، بل قال المحدّث الجليل السيد عبد الله سبط المحدّث الجزائري في اجازته الكبيرة بعد العبارة التي نقلناها في صدر هذه الحكاية:

" وأما ما نقله الشيخ في مجالسه عن أبي بكر الجرجاني: انّ المعمّر المقيم ببلدة طنجة توفي سنة سبع عشرة وثلاثمائة، فليس بمناف شيئاً لأنّ الظاهر انّ احدهما غير الآخر لتغاير اسميهما وقصتيهما وأحوالهما المنقولة "(2).

ولكن الحق اتّحادهما ; أما تغاير الاسم فقد علمت انّ الكراجكي نقل عن نفس هذا المفيد الجرجرائي انّ اسمه (علي بن عثمان بن خطاب) ; وعليه فيعرف إنّه سقط من مجالس الشيخ اوّل نسب علي، والاختلاف في بعض الأجداد في مثل هذه الحكايات كثير.

وإذا كان اختلاف القصّة سبباً لتعدّدها وذلك لأنهم كانوا أربعة أشخاص ; فان اتحادهما بالاسم والأب والبلد ـ وهي المغرب، ولعلّ مزيدة من توابع طنجة ـ وشرب ماء الحياة، وشجّ رأسه من دابة أمير المؤمنين عليه السلام في معركة صفين أو النهروان، وقرب عصر ملاقاته، وموت أبيه في الطريق وغير ذلك، فانها لا يمكنها

____________

1- كنز الفوائد (الكراجكي): ص 266.

2- الاجازة الكبيرة (السيد عبد الله الجزائري): ص 109 ـ 110.


الصفحة 388
أن تعطي احتمال تعدّدهما.

ويظهر من العلامة الكراجكي القطع باتحادهما كما هو الظاهر من كلامه المنقول. ونقل خبر وفاته عن الجرجراني أيضاً، ويعلم انّه اشتباه من الجرجرائي ايضاً أو من رواة مجالس الشيخ. وما ذكرناه غير خاف على المتأمل ان شاء الله تعالى.

وكذلك فانّ (الجرجاني) في كلام السيد اشتباه ايضاً، والصواب (الجرجراني) كما ضبط في محلّه.

توضيح جواب الاشكال وتلخيص المقال المقتدّم:

ان استبعاد طول عمر الامام المهدي صلوات الله عليه لا يخلو من هذه الجهات:

الاولى: الاستحالة العقلية.

فلم يدّعِ ذلك صاحب عقل، ولا منطق بإمكانه حسب منطق أصحاب الشرائع، وان وقوع طول العمر موجود في الأمم السالفة كما في كتب اليهود والنصارى، ووقوعه في هذه الأمة باتفاق المسلمين كاف في رفع هذه الدعوى ان وجدت.

الثانية: الحديث المعروف المروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم انّه قال: " أعمار أمتي بين الستين والسبعين ".

وهو محمول على الأغلب، والّا يلزم تكذيبه صلى الله عليه وآله وسلّم والعياذ بالله.

ويؤيد هذا الحمل انّه ورد هذا الحديث في بعض النسخ (اكثر أعمار أمتي)، ولذلك عرفت ما بين الستين والسبعين بالعشرة المشؤومة، ولو انّ عمر الانسان لا يتعدى في هذه الأزمنة المائة والعشرين ولا دليل عليه الّا الاستقراء والتجربة.