الصفحة 405
هذا المقام، فكيف بغيره.

وقد قبل العلماء الأعلام من القديم إلى الآن هذه الوقائع واثبتوها في الكتب، واستدلّوا بها، وأخذوها بعضهم عن البعض الآخر، واعتنوا بها، ونقلوا أمثالها عن كلّ ثقة مأمون اطمئنوا بصدق كلامه، وصدقوه وتعاملوا معه كما في القضايا الأخرى.

الجواب الثاني:

لعلّ المقصود من هذا الخبر تكذيب من يدّعي المشاهدة مع النيابة، وايصال الأخبار من جانبه إلى الشيعة على مثال سفرائه الخاصّين الذين كانوا له في الغيبة الصغرى.

وهذا الجواب للعلامة المجلسي في كتاب البحار(1).

الجواب الثالث:

ما يظهر من قصة الجزيرة الخضراء وتقدّم ان زين الدين علي بن فاضل المازندراني، قال للسيد شمس الدين: يا سيدي قد روينا عن مشايخنا احاديث رويت عن صاحب الأمر عليه السلام انّه قال ; لما أمر بالغيبة الكبرى: مَنْ رآني بعد غيبتي فقد كذب، فكيف فيكم مَنْ يراه؟

فقال: صدقت انّه عليه السلام انما قال ذلك في ذلك الزمان لكثرة اعدائه من أهل بيته وغيرهم من فراعنة بني العباس، حتى انّ الشيعة يمنع بعضها بعضاً عن التحدّث

____________

1- راجع البحار: ج 52، ص 151، قال رحمه الله بعد أن نقل هذا التوقيع الشريف عن الاحتجاج وكمال الدين: " لعلّه محمول على من يدّعي المشاهدة مع النيابة وايصال الأخبار من جانبه عليه السلام إلى الشيعة على مثال السفراء لئلاّ ينافي الأخبار التي مضت وسيأتي فيمن رآه عليه السلام والله يعلم ".


الصفحة 406
بذكره ; وفي هذا الزمان تطاولت المدّة وأيس منه الأعداء وبلادنا نائية عنهم، وعن ظلمهم وعنائهم... الخ.

وهذا الوجه يجري في اكثر البلاد وأوليائه عليه السلام.

الجواب الرابع:

ما ذكره العلامة الطباطبائي بحر العلوم (رحمه الله) قال في رجاله في ترجمة الشيخ المفيد بعد تلك التوقيعات الشريفة التي ذكرناها سابقاً بقوله:

" وقد يشكل أمر هذا التوقيع بوقوعه في الغيبة الكبرى مع جهالة حال المبلغ ودعواه المشاهدة المنفية بعد الغيبة الكبرى.

ويمكن دفعه باحتمال حصول العلم بمقتضى القرائن، واشتمال التوقيع على الملاحم والأخبار عن الغيب الذي لا يطّلع عليه الّا الله وأولياؤه بإظهاره لهم.

وانّ المشاهدة المنفية أن يشاهد الامام ويعلم انّه الحجة عليه السلام حال مشاهدته له.

ولم يعلم من المبلغ ادعاؤه لذلك "(1).

وتقدّم ذكر أسباب اعتبار تلك التوقيعات بما لا يحتاج إلى استظهار هذه الاحتمالات.

وقال العلامة المذكور في فوائده في مسألة الاجماع:

" وربما يحصل لبعض حفظة الأسرار من العلماء الأبرار العلم بقول الامام عليه السلام بعينه على وجه لا ينافي امتناع الرؤية في مدّة الغيبة، فلا يسعه التصريح بنسبة القول إليه عليه السلام فيبرزه في صورة الاجماع، جمعاً بين الأمر باظهار الحق والنهي عن

____________

1- راجع الفوائد الرجالية (السيد بحر العلوم): ج 3، ص 320 ـ 321.


الصفحة 407
اذاعة مثله بقول مطلق ".

ويمكن أن يكون نظره في هذا الكلام إلى الوجه الآتي(1).

الجواب الخامس:

ما قاله العلامة المذكور في الرجال بعد الكلام السابق: " وقد يمنع أيضاً امتناعه في شأن الخواصّ، وإن اقتضاه ظاهر النصوص بشهادة الاعتبار، ودلالة بعض الآثار ".

ولعلّ مراده بالآثار هنا الوقائع السابقة والتي من جملتها وقائعه، أو الخبر الذي رواه الحضيني في كتابه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) انّه قال:

يظهر صاحب الأمر وليست في عنقه بيعة لأحد ولا عهد ولا عقد ولا ذمّة.

يغيب عن الخلق إلى وقت ظهوره.

قال الراوي: يا أمير المؤمنين! لا يرى قبل ظهوره؟

قال: بل يرى وقت مولده، وتظهر براهين ودلائل، وتراه عيون العارفين بفضله الشاكرين الكاملين، ويبشر به من يشكّ فيه(2).

أو انّ المقصود مثل الخبر الذي رواه الشيخ الكليني والنعماني والشيخ الطوسي بأسانيد معتبرة عن الامام الصادق عليه السلام انّه قال: " لابدّ لصاحب هذا الأمر من غيبة، ولابدّ له في غيبة من عزلة، وما بثلاثين من وحشة "(3).

____________

1- راجع جنة المأوى: ص 320.

2- لم نعثر على هذه الرواية فقمنا بترجمتها.

3- راجع الغيبة (الطوسي): ص 162، ح 121 ـ الكافي (الأصول): ج 1، ص 340، ح 16 ـ البحار: ج 52، ص 153، ح 6 ـ الغيبة (النعماني): ص 188، باب 10، ح 41 ـ البحار: ج 52، ص 157، ح 20 ـ اثبات الهداة (الحرّ العاملي): ج 3، ص 445، باب 32، ح 27 ـ جنة المأوى: ص 320 ـ وفي المصادر اختلافات يسيرة.


الصفحة 408
يعني يستأنس عليه السلام في غيبته بثلاثين نفر من اوليائه وشيعته، فلا يستوحش من الخلق في عزلته، كما فهمه شارحو الأحاديث من هذه العبارة.

وقال بعضهم: انّه عليه السلام في سن الثلاثين سنة دائماً، وصاحب هذا السن لا يستوحش أبداً(1).

وهذا المعنى بعيد للغاية.

والظاهر انّ هؤلاء الثلاثين نفر هم الذين يستأنس بهم الامام عليه السلام أيام غيبته ولابدّ أن يبدلوا في القرون والأعصار فانّه لم يثبت لهم من العمر ما ثبت لسيّدهم، فلابدّ أن يوجد في كلّ عصر ثلاثون نفر من الخواص الذي يفوزون بشرف الحضور.

وروى ايضاً الشيخ الطوسي(2) والشيخ الصدوق وأبو جعفر محمد بن جرير الطبري بأسانيد معتبرة قصة علي بن ابراهيم بن مهزيار وكيفية سفره من الأهواز إلى الكوفة ومنها إلى مكة، وفحصه هناك عن امام العصر عليه السلام والتقائه في الطواف بفتى فأخذه معه إلى قرب الطائف ـ بقعة نزهة كثيرة العشب والكلأ ـ وفي اعلاها التقى بالامام عليه السلام.

وبرواية الطبري انّه عندما التقى بذلك الفتى الذي هو أحد خواصّه بل أحد اقربائه المختصين به قال له ذلك الفتى: ما الذي تريد يا أبا الحسن؟

قال: الامام المحجوب عن العالم.

____________

1- راجع الملا محمد صالح المازندراني المتوفى سنة 1081 أو 1086 هـ.ق (شرح أصول الكافي): ج 6، ص 244 قال:

" كان يستأنس بثلاثين من أوليائه... وقيل: يحتمل أن يكون المراد انّه عليه السلام على هيئة مَنْ سنّه ثلاثون سنة أبداً وما في هذا السن من وحشة ".

2- راجع الغيبة (الطوسي): ص 263، ح 228 ـ وكمال الدين (الصدوق): ج 2، ص 465 ـ ودلائل الامامة (الطبري): ص 296.


الصفحة 409
قال: ما هو محجوب عنكم، ولكن حجبه سوء أعمالكم... الخ(1).

وفي هذا الكلام اشارة إلى ان من ليس له عمل سوء وكان عمله وقوله طاهراً ومطهراً من الأرجاس وما ينافي سيرة أصحابه، فليس هناك ما يحجبه عن لقائه عليه السلام.

وقد صرّح العلماء الأعلام ومهرة فن الأخبار والكلام بامكان الرؤية في الغيبة الكبرى.

وقال السيد المرتضى في كتاب تنزيه الأنبياء في جواب من قال: " فاذا كان الامام عليه السلام غائباً بحيث لا يصل إليه أحد من الخلق، ولا ينتفع به، فما الفرق بين وجوده وعدمه... "(2).

" قلنا: الجواب: اوّل ما نقوله: انّا غير قاطعين على انّ الامام لا يصل إليه أحد، ولا يلقاه بشر، فهذا أمر غير معلوم، ولا سبيل إلى القطع عليه... الخ "(3).

وقال ايضاً في جواب من قال: إذا كانت العلّة في استتار الامام خوفه من الظالمين، واتّقائه من المعاندين، فهذه العلّة زائلة في أوليائه وشيعته، فيجب أن يكون ظاهراً لهم(4).

وقال بعد كلام له: " وقلنا ايضاً انّه غير ممتنع أن يكون الامام عليه السلام يظهر لبعض أوليائه ممن لا يخشى من جهته شيئاً من أسباب الخوف، فانّ هذا مما لا يمكن القطع على ارتفاعه وامتناعه، وانما يعلم كل واحد من شيعته حال نفسه، ولا سبيل له الى العلم بحال غيره "(5).

وقال في كتاب المقنع وهو مختصر في الغيبة قريباً من هذا المضمون.

____________

1- راجع دلائل الامامة (الطبري): ص 296 ـ وفي المطبوع (ولكن جنّه سوء أعمالكم).

2- تنزيه الأنبياء (السيد المرتضى): ص 182.

3- راجع تنزيه الأنبياء (السيد المرتضى): ص 182.

4 و 5- تنزيه الأنبياء (السيد المرتضى): ص 184.


الصفحة 410
وقال الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة في الجواب عن هذا السؤال بعد كلام له:

" والذي ينبغي أن يجاب عن هذا السؤال الذي ذكرناه عن المخالف أن نقول: إنّا أولا لا نقطع على استتاره عن جميع أوليائه بل يجوز أن يبرز لأكثرهم ولا يعلم كلّ انسان الّا حال نفسه، فان كان ظاهراً له فعلّته مُزاحة، وان لم يكن ظاهراً علم انّه انّما لم يظهر له لأمر يرجع اليه(1)، وان لم يعلمه مفصلا لتقصير من جهته... الخ "(2).

وتقدّم كلام الشيخ منتجب الدين في الحكاية الرابعة والثلاثين والخامسة والثلاثين، والرابعة والخمسين، وعدّة ثلاثة من العلماء ممن شاهده ومن سفرائه.

وتقدّم ايضاً عن العلامة في الحكاية السابعة والخمسين مثل ذلك.

وادّعى السيد رضي الدين علي بن طاووس في عدّة مواضع من كتاب كشف المحجة كناية وتصريحاً بما يناسب هذا المقام وقال في موضع منها:

" واعلم يا ولدي محمد ـ ألهمك الله ما يريده منك ويرضى به عنك ـ انّ غيبة مولانا (المهدي) صلوات الله عليه التي حيرت المخالف والمؤالف هي من جملة الحجج على ثبوت امامته وامامة آبائه الطاهرين صلوات الله على جدّه محمد وعليهم أجمعين، لأنك اذا وقفت على كتب الشيعة أو غيرهم مثل كتاب الغيبة لابن بابويه، وكتاب الغيبة للنعماني، ومثل كتاب الشفاء والجلاء، ومثل كتاب أبي نعيم الحافظ في أخبار المهدي ونعوته وحقيقة مخرجه وثبوته، والكتب التي أشرت إليها في كتاب (الطرائف) وجدتها أو اكثرها تضمّنت قبل ولادته انّه يغيب عليه السلام غيبة طويلة حتى يرجع عن امامته بعض من كان يقول بها، فلو لم يغب هذه الغيبة كان طعناً في امامة آبائه وفيه فصارت الغيبة حجة لهم عليهم السلام وحجة على مخالفيه في ثبوت امامته وصحة غيبته مع انّه عليه السلام حاضر مع الله جلّ جلاله على اليقين وانّما غاب من لم يلقه عنهم

____________

1- قال المؤلف رحمه الله: " يعني لمانع فيه ".

2- راجع الغيبة (الطوسي): ص 99، الطبعة المحققة ـ وص 68 - 69، الطبعة غير المحققة.


الصفحة 411
لغيبتهم عمن حضره للمتابعة له ولربّ العالمين "(1).

وقال في موضع آخر: " فان أدركتُ يا ولدي موافقة توفيقك لكشف الأسرار عليك عَرَّفْتُكَ مِنْ حديثِ المهدي صلوات الله عليه ما لا يشتبه عليك وتستغني بذلك عن الحجج المعقولات ومن الروايات، فانّه صلى الله عليه حي موجود على التحقيق ومعذور عن كشف أمره إلى أن يؤذن له تدبير الله الرحيم الشفيق، كما جرت عليه عادة كثير من الأنبياء والأوصياء، فاعلم ذلك يقيناً واجعله عقيدة وديناً، فانّ أباك معرفته أبلغ من معرفة ضياء شمس النهار "(2).

وقال في موضع آخر بعد تعليم ولده كيفية عرض حاجاته عليه عليه السلام:

" واذكر له انّ أباك قد ذكر لك انّه أوصى بك إليه وجعلك بإذن الله جلّ جلاله عبده وانني علقتك عليه فانّه يأتيك جوابه صلوات الله وسلامه عليه.

ومما أقول لك يا ولدي محمد ـ ملأ الله جلّ جلاله عقلك وقلبك من التصديق لأهل الصدق والتوفيق في معرفة الحق ـ ان طريق تعريف الله جلّ جلاله لك بجواب مولانا (المهدي) صلوات الله وسلامه على قدرته جلّ جلاله ورحمته، فمن ذلك ما رواه محمد بن يعقوب الكليني في كتاب (الوسايل) عمّن سمّاه، قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام انّ الرجل يجب أن يفضي إلى امامه ما يجب أن يفضي به إلى ربّه، قال: فكتب ان كانت لك حاجة فحرك شفتيك فانّ الجواب يأتيك، ومن ذلك ما رواه هبة الله بن سعيد الراوندي في كتاب (الخرائج) عن محمد بن الفرج، قال: قال لي علي بن محمد عليهما السلام: إذا أردت أن تسأل مسألة فاكتبها وضع الكتاب تحت مصلاك ودعه ساعة ثم اخرجه وانظر فيه.

قال: ففعلت، فوجدت جواب ما سألت عنه، موقعاً فيه.

____________

1- كشف المحجة (السيد ابن طاووس): ص 53.

2- كشف المحجة (السيد ابن طاووس): ص 53 ـ 54.


الصفحة 412
وقد اقتصرت لك على هذا التنبيه والطريق مفتوحة إلى إمامك عليه السلام لمن يريد الله جلّ شأنه عنايته به وتمام احسانه اليه "(1).

وقال الشيخ المحقق الجليل الشيخ أسد الله الشوشتري الكاظميني في كتاب كشف القناع في ضمن أقسام الاجماع غير الاجماع المصطلح عليه:

وثالثها أن يحصل لأحد من سفراء الامام الغائب عجّل الله فرجه وصلّى عليه العلم بقوله امّا بنقل مثله له سرّاً، أو بتوقيع أو مكاتبة، أو بالسماع منه شفاهاً، على وجه لا ينافي امتناع الرؤية في زمن الغيبة، ويحصل ذلك لبعض حملة أسرارهم، ولا يمكنهم التصريح بما اطّلع عليه، والاعلان بنسبة القول إليه، والاتّكال في ابراز المدّعى على غير الاجماع من الأدلّة الشرعيّة، لفقدها.

وحينئذ فيجوز له إذا لم يكن مأموراً بالإخفاء، أو كان مأموراً بالإظهار لا على وجه الافشاء أن يبرزه لغيره في مقام الاحتجاج، بصورة الاجماع، خوفاً من الضياع وجمعاً بين امتثال الأمر بإظهار الحق بقدر الامكان، وامتثال النهي عن اذاعة مثله لغير أهله من أبناء الزمان، ولا ريب في كونه حجّة امّا لنفسه فلعلمه بقول الامام عليه السلام، وأمّا لغيره فلكشفه عن قول الامام عليه السلام ايضاً غاية ما هناك انّه يستكشف قول الامام عليه السلام بطريق غير ثابت، ولا ضير فيه، بعد حصول الوصول إلى ما أُنيط به حجّيّة الاجماع، ولصحّة هذا الوجه وامكانه شواهد تدلّ عليه:

منها كثير من الزيارات والآداب والأعمال المعروفة التي تداولت بين الامامية ولا مستند لها ظاهراً من أخبارهم، ولا من كتب قدمائهم الواقفين على آثار الائمة عليهم السلام وأسرارهم، ولا امارة تشهد بأنّ منشأها أخبار مطلقة، أو وجوه اعتبارية مستحسنة، هي التي دعتهم إلى إنشائها وترتيبها، والاعتناء لجمعها وتدوينها كما هو

____________

1- راجع كشف المحجة (السيد ابن طاووس): ص 153 ـ 154.


الصفحة 413
الظاهر في جملة منها، نعم لا نضائق في ورود الأخبار في بعضها.

ومنها ما رواه والد العلامة وابن طاووس عن السيد الكبير العابد رضيّ الدين محمد بن محمد الآوي، إلى آخر ما مرّ في الحكاية الحادية والعشرين.

ومنها قصّة الجزيرة الخضراء المعروفة المذكورة في البحار، وتفسير الائمة عليهم السلام وغيرها.

ومنها ما سمعه منه عليّ بن طاووس في السّرداب الشريف.

ومنها ما علّم محمد بن علي العلويّ الحسيني المصري في الحائر الحسيني في الحكاية الثالثة والعشرين وغير ذلك.

ولعلّ هذا هو الأصل ايضاً في كثير من الأقوال المجهولة القائل، فيكون المطّلع على قول الامام عليه السلام لمّا وجده مخالفاً لما عليه الاماميّة أو معظمهم، ولم يتمكّن من اظهاره على وجهه، وخشي أن يضيع الحقّ ويذهب عن أهله، جعله قولا من أقوالهم، وربّما اعتمد عليه وأفتى به من غير تصريح بدليله لعدم قيام الأدلّة الظاهرة باثباته، ولعلّه الوجه ايضاً فيما عن بعض المشايخ من اعتبار تلك الأقوال أو تقويتها بحسب الامكان، نظراً إلى احتمال كونها قول الامام عليه السلام ألقاها بين العلماء، كيلا يجمعوا على الخطأ، ولا طريق لالقائها حينئذ الّا بالوجه المذكور "(1) انتهى.

____________

1- راجع جنة المأوى: ص 321 ـ 322.

ولكن في المصدر المطبوع بالطبعة الحجرية اختلافات كثيرة فارتأينا نقل الأصل للجمع بينهما وهو أولى من التهميش بموارد الاختلاف لكثرتها:

قال في كشف القناع عن وجوه حجية الاجماع (الشيخ أسد الله التستري الكاظمي): ص 230 و231، الطبعة الحجرية:

الثاني عشر: من وجوه الاجماع وهو ملحق بها صورة أن يحصل لبعض حملة اسرار الائمة عليهم السلام العلم بقول الامام الغائب بعينه بنقل أحد سفرائه وخدمته سرّاً على وجه يفيد اليقين، أو بتوقيعه ومكاتبته كذلك، أو بسماعه منه مشافهةً على وجه لا ينافي امتناع الرؤية في زمن الغيبة فلا يسعه التصريح بما اطلع عليه والاعلان بنسبة القول إليه ولا يجد في سائر الادلّة الموجودة العلميّة ما ينهض اثبات ذلك بناءً على امكان فقد ولاها في غيرها أيضاً من الادلّة ما يقتضيه بناءً على الاكتفاء بها والاستغناء بها عمّا عداها والّا لم يجد من عداه اعلامه بما بدا له مع عدم ايجابه العلم وله لو وجد غيره ممّا ذكر لم يحتج إليه الّا من باب التأييد والتقوية، فاذا كان الحال كما ذكر وكان غير مأمور بإخفاء ما وقف عليه وكتمانه عن سائر الناس على الاطلاق أو مأموراً بإظهاره بحيث لا ينكشف حقيقة الحال فيبرزه لغيره في مقام الاحتجاج بصورة الاجماع خوفاً من الضياع وجمعاً بين الامثال لما ورد من الأمر باظهار الحق وتشييده بحسب الامكان، وما ورد من النهي عن اذاعة مثله لغير اهله ولا سيّما إذا ادّى اظهاره على وجهه إلى تكذيبه وعدم الاعتماد على نقله، فيفوت الغرض من ابرازه المأمور به عموماً أو خصوصاً فلابد حينئذ من وقوع اتّفاق مع ذلك بحيث يوجب صحّة ما يختاره من الكلام لتزويج الكلام أو التعبير بما يقتضي التباس المقصود منه على الافهام، ولا ريب انّ حصول العلم لبعض الخواص بقول الامام عليه السلام على نحو ما ذكر أمر يمكن في نفسه، ولوقوعه شواهد من الأخبار والآثار ويجوز له التوسّل في اظهاره بما قلنا حيث لم يكن مأموراً بستره مطلقاً ولا يمنع منه الأمر بستره عن الأعداء أو عمّن لا يحمل ذلك، كما لا يخفى، فيكون حجّة على نفسه لكونه من السنّة وعلى غيره بعد ابرازه على نحو ما ذكر لكونه من الاجماع وربّما يكون هذا هو الأصل في كثير من الزّيارات والآداب والأعمال المعروفة التي تداولت بين الاماميّة ولا مستند لها ظاهراً من أخبارهم ولا من كتب قدمائهم الواقفين على آثار الائمة وأسرارهم ولا امارة تشهد بأن منشأها أخبار مطلقة أو وجوه اعتبارية مستحسنة هي التي دعتهم إلى انشائها وترتيبها والاعتناء بجمعها وتدوينها، كما هو الظاهر في جملة منها، فتكون كما روى والد العلامة وابن طاووس طاب ثراهما عن السيد الكبير العابد رضيّ الدين محمد بن محمد الآوي الحسيني المجاور بالمشهد المقدّس الغروي قدّس الله روحه عن صاحب الزّمان صلوات الله عليه في طريق الاستخارة بالسّبحة وغيره ايضاً على ما يظهر من كلام الشهيد وكما هو مروي عنه في قصة الجزيرة الخضراء المعروفة المذكورة في البحار وتفسير الائمة عليهم السلام وغيرهما وكما سمعه منه ابن طاووس في السّرداب الشريف وكما علمه عليه السلام محمد بن علي العلوي الحسني المصري في حائر الحسين عليه السلام وهو بين اليقظان والنّائم وقد أتاه الامام عليه السلام مكرراً وعلمه، إلى أن تعلّمه في خمس ليال وحفظه ثمّ دعا به واستجيب دعاءه وهو دعاء العلوي المصري المعروف وكغير ذلك ممّا يقف عليه المتتبع ويحتمل أن يكون هو الأصل ايضاً في كثير من الأقوال المجهولة القائل فيكون المطّلع على قول الامام عليه السلام لمّا وجده مخالفاً لما عليه الاماميّة ومعظمهم ولم يتمكّن من اظهاره على وجهه وخشي أن يضيع الحق ويذهب عن أهله جعله قولا من أقوالهم وربّما اعتمد عليهم وافتى به من غير تصريح بدليله لعدم قيام الأدلّة الظاهرة باثباته بناء على امكان ذلك كما مرّ ولعلّ هذا الوجه فيما تقدّم في الوجه الثاني عن بعض المشايخ من الاعتبار لتلك الأقوال والميل إليها وتقويتها بحسب الامكان لاحتمال كونها أقوال الامام ألقاها بين العلماء لئلاّ يجمعوا على الخطأ فيكون طريق القائها وهو ما ذكرنا إذ لا يتصوّر غيره ظاهراً وقد مرّ الكلام.


الصفحة 414

الصفحة 415
وفي هذه الكلمات مناقشات ليس هنا محل ذكرها ولا تضرّ بأصل المقصود بنسبة امكان الرؤية في الغيبة الكبرى بجميع اقسامها إلى بعض العلماء الأعلام، كما يظهر من الكلمات المذكورة وغيرها ممّا يوجب نقلها التطويل.

الجواب السادس:

انّ المخفي والمستور عن الأنام انّما هو مكانه ومستقرّه عليه السلام، فلا طريق لأحد إليه ولا يصل إليه بشر، ولا يعرفه أحد حتى خواصه وأولاده ; فلا ينافي لقائه ومشاهدته عليه السلام في الأماكن والمقامات التي مرّ ذكر بعضها، مع ظهوره عليه السلام عند المضطر المستغيث به الملتجئ إليه الذي انقطعت عنه الأسباب والواله في وادي الشبهات، والحيران في مهالك الفلوات، كما سوف يأتي بأن اجابة الملهوف واغاثة المضطر احدى مناصبه عليه السلام.

ويؤيد هذا الاحتمال الخبر المروي في الكافي عن اسحاق بن عمّار انّه قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: للقائم غيبتان احداهما قصيرة والأخرى طويلة.

الغيبة الأولى لا يعلم بمكانه فيها الّا خاصة شيعته، والأخرى لا يعلم بمكانه فيها الّا خاصة مواليه(1).

وروى الشيخ الطوسي(2) والشيخ النعماني(3) في كتاب الغيبة بسند معتبر عن

____________

1- راجع الكافي ـ الأصول ـ (الكليني): ج 1، ص 340، كتاب الحجة، باب في الغيبة، ح 19.

2- راجع الغيبة (الطوسي): ص 162، الطبعة المحققة ـ وص 102، الطبعة غير المحققة.

3- راجع الغيبة (النعماني): ص 171، الباب العاشر، فصل، ح 5.


الصفحة 416
المفضّل بن عمر انّه قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: انّ لصاحب هذا الأمر غيبتين احداهما تطول حتى يقول بعضهم مات، ويقول بعضهم قتل، ويقول بعضهم ذهب، حتى لا يبقى على أمره من أصحابه الّا نفر يسير، لا يطّلع على موضعه أحد من ولده، ولا غيره الّا [المولى ](1) الذي يلي أمره(2).

وروى الشيخ النعماني عن اسحاق بن عمّار انّه قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:

" للقائم غيبتان احداهما طويلة، والأخرى قصيرة، فالأولى يعلم بمكانه فيها خاصة من شيعته، والأخرى لا يعلم بمكانه فيها إلّا خاصّة مواليه في دينه "(3).

ولا يخفى انّ خبر اسحاق هذا هو نفس خبر اسحاق المروي في الكافي، وفي بعض النسخ كما ذكرناه، وفي بعضها يطابق نسخة الكافي، وفي النسختين جواب لأصل المقصود، فعلى خبر الكافي ففيه دلالة على انّ خاصة مواليه يعلمون بمستقرّه ومكانه عليه السلام في الغيبة الكبرى، وهو يؤيد الجواب الخامس.

وعلى بعض نسخ النعماني فيكون المقصود منها انّ خاصته في ذلك الوقت لا يعلمون بمحل اقامته عليه السلام فهي لا تنفي المشاهدة والرؤية في الأماكن الأخرى،

____________

1- سقطت من الترجمة.

2- راجع الغيبة (الطوسي): ص 102، الطبعة الأولى ـ الغيبة (الطوسي). ص 162، الطبعة المحققة ـ الغيبة (النعماني): ص 171 ـ اثبات الهداة (الحرّ العاملي): ج 3، ص 500، ح 280 ـ البحار (المجلسي): ج 52، ص 152 ـ منتخب الأنوار المضيئة (السيد عبد الكريم النيلي): ص 81 ـ منتخب الأثر (الشيخ لطف الله الصافي): ص 253، ح 9 وغير ذلك.

3- راجع الغيبة (النعماني): ص 170، ح 1 ـ وقد وقع اشتباه من الرواة في التقديم والتأخير، ويدل عليه ما رواه النعماني في الغيبة: ص 170، الحديث الثاني بعد هذا الحديث عن اسحاق بن عمّار قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: " للقائم غيبتان احداهما قصيرة، والأخرى طويلة [ الغيبة ] الأولى لا يعلم بمكانه [ فيها ] إلّا خاصّة شيعته، والأخرى لا يعلم بمكانه [ فيها ] إلّا خاصة مواليه في دينه ".


الصفحة 417
وليس في القصص المتقدّمة دلالة على ملاقات أحد له عليه السلام في ذلك المحل، والله تعالى هو العالم.


*  *  *


الصفحة 418

الصفحة 419


الباب التّاسع
في عذر دخول بعض حكايات
المستغيثين في الصحاري وغيرها





الصفحة 420

الصفحة 421

الباب التّاسع


في عذر دخول بعض حكايات المستغيثين في الصحاري وغيرها بوجود انسان عظيم أنجاهم من تلك الورطات مع عدم دلالة شيء في تلك القضايا على انّ المنجي هو امام العصر عليه السلام في ضمن الحكايات السابقة فكما عمل علماؤنا الأعلام رضوان الله عليهم فقد اتبعناهم في ذلك.

والظاهر انّهم فهموا ذلك من انّ اغاثة الملهوف واجابة المضطر في مثل تلك الحال وصدور مثل هذه الكرامة الباهرة والمعجزة الظاهرة لا يمكن إلّا من جنابه المقدّس، بل هي من المناصب المختصّة به، كما روى السيد فضل الله الراوندي في كتاب الدعوات ونقل في البحار عن كتاب مجموع الدعوات للتلعكبري ونقل في الكلم الطيّب عن قبس المصباح قال:

حدث أبو الوفاء الشيرازي قال: كنت مأسوراً في يد أبي علي الياس صاحب كرمان مقيداً مغلولا فوقعت منه على انّه هَمَّ بقتلي فاستشفعت إلى الله تعالى بمولانا أبي محمد علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام، فرأيت في المنام ـ وبرواية القبس وقال الموكّلون بي انّه قد همّ فيك بمكروه فقلقت من ذلك وجعلت أناجي الله تعالى بالنبي والائمة عليهم السلام ـ ولمّا كانت ليلة الجمعة فرغت من صلاتي ونمت فرأيت النبي

الصفحة 422
صلى الله عليه وآله وسلّم في نومي وهو يقول: لا تتوسّل بي، ولا بابنتي ولا بابني لشيء من عروض الدنيا، بل للآخرة، ولما تؤمل من فضل الله تعالى فيها.

وأما أخي أبو الحسن فانّه ينتقم ممن ظلمك.

وبرواية: ينتقم لك من عدوّك(1).

فقلت: يا رسول الله أليس ظُلِمَت فاطمة عليها السلام، فصبر ; وغصب على ارثك فصبر، فكيف ينتقم لي ممّن ظلمني؟

قال: فنظر إليّ صلى الله عليه وآله وسلّم كالمتعجّب قال: وذلك عهد عهدته إليه، وامرٌ أمرته به فلم يجز له الّا القيام به، وقد ادّى الحق فيه، والآن فالويل لمن يتعرّض لمواليه.

وأما علي بن الحسين فللنجاة من السلاطين، ومن معرة الشياطين.

وأما محمد بن علي وجعفر بن محمد فللآخرة.

وبرواية: " وما تبتغيه من طاعة الله عزوجل ".

وأما موسى بن جعفر فالتمس به العافية.

وأما علي بن موسى فللنجاة.

وبرواية: " فاطلب به السلامة في البراري والبحار ".

وأما محمد بن علي فاستنزل به الرزق من الله تعالى.

وأما علي بن محمد فلقضاء النوافل وبرّ الإخوان، وما تبتغيه من طاعة الله عزّوجل.

وأما الحسن بن علي فللآخرة.

وأما الحجة فاذا بلغ منك السيف المذبح ـ وأومأ بيده إلى الحلق ـ فاستغث به،

____________

1- في البحار (من أعدائي).