قال الشيخ:
الوجه في هذه الأخبار أن نقول إن صحّت: انّه لا يمتنع أن يكون الله تعالى قد وقّت هذا الأمر في الأوقات التي ذكرت فلمّا تجدّد ما تجدّد تغيّرت المصلحة واقتضت تأخيره إلى وقت آخر وكذلك فيما بعد، ويكون الوقت الأوّل وكلّ وقت يجوز أن يؤخّر مشروطاً بأن لا يتجدّد ما تقتضي المصلحة تأخيره إلى أن يجيء الوقت الذي لا يغيّره شيء فيكون محتوماً، وعلى هذا يتأوّل ما روي في تأخير الأعمار عن أوقاتها والزّيارة فيها عند الدّعاء وصلة الأرحام وما روي في تنقيص الأعمار عن أوقاتها إلى ما قبله عند فعل الظلم وقطع الرحم وغير ذلك. وهو تعالى وإن كان عالماً بالأمرين فلا يمتنع أن يكون أحدهما معلوماً بشرط والآخر بلا شرط، وهذه الجملة لا خلاف فيها بين أهل العدل(5).
ثم نقل جملة من الأخبار التي وردت في البداء، وقال بعد ذلك:
والوجه في هذه الأخبار ما قدّمنا ذكره من تغيّر المصلحة فيه واقتضائها تأخير
____________
1- قال المؤلف رحمه الله: " يعني فرج آل محمد عليهم السلام ".
2- يظهر انّه في نسخة المؤلف رحمه الله (أمر).
3- قال المؤلف رحمه الله: " يعني قد وقت وقتاً معيناً فنتخلص من القلق والاضطراب وتطمئن نفوسنا ".
4- راجع الغيبة (الطوسي): ص 427 و428 ـ وعنه البحار: ج 52، ص 105، ح 10 ـ والبحار: ج 4، ص 113، ح 38 ـ ومستدرك الوسائل (النوري): ج 12، ص 300، ح 33، الطبعة المحققة.
5- راجع الغيبة (الطوسي): ص 429، الطبعة المحققة ـ وص 263 - 264، الطبعة غير المحققة.
ثم ذكر اشكالا: " هذا يؤدي إلى أن لا نثق بشيء من أخبار الله تعالى ". وأجاب عنه: الأخبار على ضربين ضرب لا يجوز فيه التغيّر في مخبراته فانّا نقطع عليها لعلمنا بأنّه لا يجوز أن يتغيّر المخبر في نفسه، كالإخبار عن صفات الله، وعن الكائنات فيما مضى، وكالإخبار بأنّه يثيب المؤمنين، والضرب الآخر هو ما يجوز تغيرّه في نفسه لتغيّر المصلحة عند تغيّر شروطه فانّا نجوّز جميع ذلك كالإخبار عن الحوادث في المستقبل الّا أن يرد الخبر على وجه يعلم أنّ مخبره لا يتغيّر فحينئذ نقطع بكونه، ولأجل ذلك قرن الحتم بكثير من المخبرات(2) فأعلمنا انّه مما لا يتغيّر أصلا فعند ذلك نقطع به(3).
الثالث:
من التكاليف الدعاء لحفظ وجود امام العصر عليه السلام المبارك من شرّ شياطين الانس والجن، والدعاء بطلب التعجيل لنصرته وظفره وغلبته على الكفار والملحدين والمنافقين ; وهذا ايضاً نوع من اظهار العبودية والرضا بما وعد الله تعالى ان هذا الجوهر الثمين يصنع في خزانة قدرته ورحمته وأسدل على وجهه حجاب العظمة والجلالة إلى اليوم الذي يرى المصلحة باظهار ذلك الجوهر الثمين وإضاءة الدنيا من شعاع نوره، ولا يظهر أثر من الدعاء في مثل هذا الوعد المنجز الحتمي إلّا أداء مراسم العبودية واظهار الشوق وزيادة المحبة والثواب، والرضا بمواهب الله تعالى الكبرى. ولو انّهم عليهم السلام اكدوا بالغاية وحرصوا بالشدة على الدعاء له صلوات الله عليه في أغلب
____________
1- راجع الغيبة (الطوسي): ص 431 - 432، الطبعة المحققة ـ وص 265 الطبعة غير المحققة.
2- قال المؤلف رحمه الله: " يعني انّ الأمر الفلاني سوف يحدث وهو من الحتميات ".
3- راجع الغيبة (الطوسي): ص 431 - 432، الطبعة المحققة ـ وص 265، الطبعة غير المحققة.
قال السيد الجليل علي بن طاووس في الفصل الثامن من كتاب فلاح السائل بعد أن ذكر الترغيب في الدعاء للاخوان:
" إذا كان هذا كلّه فضل الدعاء لاخوانك فكيف فضل الدعاء لسلطانك الذي كان سبب امكانك وأنت تعتقدان لولاه ما خلق الله نفسك ولا أحداً من المكلفين في زمانه وزمانك، وان اللطف بوجوده صلوات الله عليه سبب لكل ما أنت وغيرك فيه وسبب لكل خير تبلغون إليه، فإيّاك ثم إيّاك أن تقدّم نفسك أو أحداً من الخلايق في الولاء، والدعاء له بأبلغ الامكان، وأحضر قلبك ولسانك في الدعاء لذلك المولى العظيم الشأن، واياك أن تعتقد انني قلت هذا لأنّه محتاج إلى دعائك هيهات هيهات إن اعتقدت هذا فأنت مريض في اعتقادك وولائك، بل انما قلت هذا لما عرّفتك من حقّه العظيم عليك واحسانه الجسيم اليك، ولأنّك إذا دعوت له قبل الدعاء لنفسك ولمن يعزّ عليك كان أقرب إلى أن يفتح الله جلّ جلاله أبواب الاجابة بين يديك لأن أبواب قبول الدعوات قد غلقتها أيها العبد بأغلاق الجنايات، فاذا دعوت لهذا المولى الخاص عند مالك الأحياء والأموات يوشك أن يفتح أبواب الاجابة لأجله فتدخل أنت في الدعاء لنفسك ولمن تدعو له في زمرة فضله وتتّسع رحمة الله جلّ جلاله لك وكرمه وعنايته بك لتعلّقك في الدعاء بحبله.
ولا تقل فما رأيت فلاناً وفلاناً من الذين تقتدي بهم من شيوخك بما أقول يعملون، وما وجدتهم الّا وهم عن مولانا الذي أشرت إليه صلوات الله عليه غافلون وله مهملون، فأقول لك أعمل بما قلت لك فهو الحق الواضح ومن أهمل مولانا وغفل عمّا ذكرت عنه فهو والله الغلط الفاضح "(1).
وفي كتاب المضمار في عمل شهر رمضان المبارك بعد ذكره ادعية السحر:
____________
1- راجع فلاح السائل (السيد ابن طاووس): ص 44 ـ 45.
ويظهر من هذه الكلمات الشريفة ان أحد أسباب الدعاء له عليه السلام هو أداء مراسم العبودية والتبعية ووفاء الحق العظيم والجليل، وهو أيضاً لرفع موانع القول وموانع الاجابة، وموانع فتح أبواب اللطف والعناية.
وأمّا تفصيل الأدعية المأثورة المختصّة به عليه السلام، فبعضها مطلق، وبعضها مخصوص بزمان، فنذكر هنا بعضاً منها:
الأول: قال السيد رضي الدين علي بن طاووس رحمه الله في الكتاب المذكور بعد الكلام السابق:
فمن الرواية في الدعاء لمن أشرنا إليه صلوات الله عليه ما ذكره جماعة من أصحابنا، وقد اخترنا ما ذكره ابن أبي قرة في كتابه، فقال: بإسناده إلى علي بن الحسن بن فضال عن محمد بن عيسى بن عبيد بإسناده عن الصالحين عليهم السلام قال:
كرر في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان قائماً وقاعداً، وعلى كل حال، والشهر كلّه، وكيف امكنك ومتى حضرك في دهرك تقول بعد تمجيد الله تعالى، والصلاة على النبي وآله عليهم السلام:
" اللهم كن لوليك القائم بأمرك الحجة بن الحسن المهدي عليه وعلى آبائه أفضل الصلوة
____________
1- راجع اقبال الأعمال (السيد ابن طاووس): ص 80، الطبعة الحجرية.
وروى ثقة الاسلام في الكافي عن محمد بن عيسى باسناده إلى بعض الصالحين عليهم السلام انّه قال بعد أن ذكر التفصيل المتقدّم باختلاف يسير:
" تقول بعد تحميد الله تبارك وتعالى، والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: اللهم كن لوليك فلان بن فلان في هذه الساعة وفي كل ساعة وليّاً وحافظاً، وناصراً، ودليلا، وقائداً وعيناً(4) حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتّعه فيها طويلا "(5).
ونقل الشيخ ابراهيم الكفعمي في المصباح بعد التفصيل المذكور، الدعاء بهذا الشكل:
____________
1- سقطت من المصدر المطبوع.
2- في المصدر المطبوع زيادة (منك).
3- راجع اقبال الأعمال (السيد ابن طاووس): ص 85 ـ 86، الطبعة الحجرية.
4- في المصدر، نسخة بدل (وعوناً).
5- راجع الكافي ـ الفروع ـ (الكليني): ج 4، ص 162، كتاب الصيام، باب الدعاء في العشر الأواخر من شهر رمضان: ح 4.
الثاني: روى جماعة كثيرة من العلماء منهم الشيخ الطوسي في المصباح، والسيد ابن طاووس في جمال الأسبوع بأسانيد معتبرة صحيحة وغيرها عن يونس بن عبد الرحمن: ان الرضا عليه السلام كان يأمر بالدعاء لصاحب الأمر عليه السلام بهذا:
اللهم ادفع عن وليك وخليفتك وحجتك [ على خلقك ](2) ولسانك المُعبّر عنك بإذنك الناطق بحكمتك، وعينك الناظرة في(3) بريّتك وشاهدك على عبادك الجحجاح المجاهد العائذ بك عندك، وأعذه من شرّ جميع ما خلقت وبرأت وأنشأت وصورت، واحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه و [ من ](4) تحته بحفظك الذي لا يضيع من حفظته به واحفظ فيه رسولك وآباءَه ائمتك ودعائم دينك واجعله في وديعتك التي لا تضيع وفي جوارك الذي لا يخفر وفي منعك وعزّك الذي لا يقهر وآمنه بأمانك الوثيق الذي لا يخذل من آمنته به واجعله في كنفك الذي لا يرام من كان فيه وأيّده [ وانصره ](5) بنصرك العزيز وأيّده بجندك الغالب وقوّه بقوّتك واردفه بملائكتك، ووالِ من والاه وعادِ من عاداه وألبسه درعك الحصينة وحفّه بالملائكة حفّاً، اللهمّ وبلّغه أفضل ما بلّغت القائمين بقسطك من اتباع النبيين اللهم اشعب به الصدع وارتق به الفتق وأمِتْ به الجور وأظهر به العدل وزيّن بطول بقائه الأرض وأيّده بالنصر وانصره بالرعب وقوّ ناصريه واخذل خاذليه ودمدم على من
____________
1- راجع المصباح (الكفعمي): ص 586.
2- سقطت من الترجمة.
3- في المصدر (على) بدل (في).
4 و 5- سقطت من الترجمة.
____________
1- في الترجمة (عثر) بدل (غشه).
2- في الجمال نسخة بدل (تنير).
3- سقطت من الترجمة.
الدعاء الثالث: وقال السيد الجليل علي بن طاووس رحمه الله في كتاب (فلاح السائل):
" ومن المهمّات عقيب صلاة الظهر الاقتداء بالصادق عليه السلام في الدعاء للمهدي عليه السلام الذي بشّر به محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم أمّته في صحيح الروايات، ووعدهم انّه يظهر في آخر الأوقات كما رواه محمد بن رهبان الدبيلي قال: حدّثنا أبو علي محمد بن الحسن بن محمد بن جمهور القمي، قال: حدّثنا أبي عن أبيه محمد بن جمهور، عن احمد بن الحسين السكري، عن عباد بن محمد المدائني، قال:
دخلت على أبي عبد الله عليه السلام بالمدينة حين فرغ من مكتوبة الظهر، وقد رفع يديه إلى السماء ويقول:
أي سامع كل صوت.
أي جامع كل فوت.
أي بارئ كل نفس(2) بعد الموت.
____________
1- راجع جمال الأسبوع (السيد ابن طاووس): ص 507 ـ 511.
2- وذكر في الترجمة نسخة بدل (النفوس). وفي الترجمة ايضاً (بادئ) ولعلّها اشتباه مطبعي.
قلت: أليس قد دعوت لنفسك جعلت فداك؟
قال: دعوت لنور آل محمد [ عليهم السلام ](2) وسائقهم(3)، والمنتقم بأمر الله من اعدائهم.
قلت: متى يكون خروجه جعلني الله فداك؟
قال: إذا شاء من له الخلق والأمر.
قلت: فله علامة قبل ذلك.
قال: نعم، علامات شتّى.
قلت: مثل ماذا؟
قال: خروج راية من المشرق، وراية من المغرب، وفتنة تظل أهل الزوراء، وخروج رجل من ولد عمّي زيد باليمن، وانتهاب ستارة البيت [ ويفعل الله ما
____________
1- في فلاح السائل (السادة) بدل (السادات).
2- سقطت من الفلاح.
3- في الترجمة (سابقهم) بدل (سائقهم).
ونقل الشيخ الطوسي(3) والكفعمي(4) هذا الدعاء وثبّتا في كل المواضع بدل (أي) (يا).
الدعاء الرابع: وروى السيد المعظّم في ذلك الكتاب الشريف:
" ومن المهمات بعد صلاة العصر الاقتداء بمولانا موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام في الدعاء لمولانا المهدي [ صلوات الله وسلامه وبركاته على محمد جده، وبلغ ذلك إليه ](5) كما رواه محمد بن بشير الأزدي، قال: حدّثنا احمد بن عمر [ بن موسى ](6)الكاتب، قال:
حدّثنا الحسن بن محمد بن جمهور القمي، عن أبيه محمد بن جمهور، عن يحيى بن الفضل النوفلي، قال: دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام ببغداد حين فرغ من صلاة العصر، فرفع يديه إلى السماء وسمعته يقول:
أنت الله لا إلـه إلّا أنت الأول والآخر والظاهر والباطن وأنت الله لا إلـه الّا أنت إليك زيادة الأشياء ونقصانها وأنت الله لا إلـه الّا أنت خلقت خلقك بغير معونة من غيرك ولا حاجة إليهم وأنت الله لا إلـه الّا أنت منك المشية وإليك البداء أنت الله لا إلـه إلّا أنت قبل القبل وخالق القبل أنت الله لا إلـه الّا أنت بعد البعد وخالق البعد أنت الله لا إلـه الّا أنت تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب، أنت الله لا إلـه الّا أنت غاية كلّ شيء ووارثه، أنت الله لا إلـه الّا أنت لا يعزب عنك الدقيق ولا الجليل،
____________
1- سقط هذا المقطع من الفلاح.
2- راجع فلاح السائل (السيد ابن طاووس): ص 170 ـ 171.
3- مصباح المتهجد (الشيخ الطوسي): ص 54، الطبعة الحجرية.
4- المصباح (الكفعمي): ص 32.
5- سقط هذا المقطع من الترجمة.
6- سقط من الترجمة.
قال:(3) قلت: من المدعوّ له؟
قال: ذلك المهدي من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلّم.
قال: بأبي المنبدح (المنفدح) البطن، المقرون الحاجبين، احمش الساقين، بعيد ما بين المنكبين، اسمر اللون، يعتاده مع سمرته صفرة من سهر الليل.
بأبي من ليله يرعى النجوم ساجداً، وراكعاً، بأبي مَنْ لا يأخذه في الله لومة لائم، مصباح الدجى.
بأبي القائم بأمر الله.
قلت: متى خروجه؟
قال: إذا رأيت العساكر بالانبار على شاطئ الفرات، والصراة ودجلة، وهدم قنطرة الكوفة، واحراق بعض بيوتات الكوفة، فإذا رأيت ذلك، فانّ الله يفعل ما يشاء لا غالب لأمر الله ولا معقّب لحكمه "(4).
الدعاء الخامس: نقل السيد علي بن طاووس رحمه الله في كتاب المضمار، هذا الدعاء في أدعية الثالث عشر من شهر رمضان:
اللهم انّي أدينك بطاعتك وولايتك وولاية محمد نبيّك وولاية أمير المؤمنين
____________
1 و 2- سقطت هذه الكلمة من المصدر المطبوع.
3- فزاد المؤلف رحمه الله في الترجمة اسم الراوي [ النوفلي ].
4- راجع فلاح السائل (السيد ابن طاووس): ص 199 ـ 200.
الدعاء السادس: روى الشيخ الطوسي في الغيبة عن الحسين بن محمد بن عامر الأشعري قال: حدّثني يعقوب بن يوسف الضرّاب الغسّاني في منصرفه من اصفهان قال: حججت في سنة احدى وثمانين ومائتين وكنت مع قوم مخالفين من أهل بلادنا فلمّا أن قدمنا مكّة تقدّم بعضهم فاكترى لنا داراً في زقاق بين سوق الليل وهي دار خديجة عليها السلام، تسمّى دار الرّضا عليه السلام، وفيها عجوز سمراء فسألتها لمّا وقفت على أنّها دار الرضا عليه السلام: ما تكونين من أصحاب هذه الدار؟ ولم سمّيت دار
____________
1- في نسخة بدل (مستكبر).
2- حذفت هذه الكلمة في بعض نسخ المصدر.
3- في المطبوع (وارفع) وهو اشتباه مطبعي، وكذلك بعض الموارد التي صححناها على المصدر فانها واضحة الاشتباه من الطبع.
4- راجع اقبال الأعمال (السيد ابن طاووس): ص 144، الطبعة الحجرية.
فرأيت غير ليلة ضوء السراج في الرواق الذي كنّا فيه، شبيهاً بضوء المشعل ورأيت الباب قد انفتح، ولا أرى أحداً فتحه من أهل الدار، ورأيت رجلا ربعة أسمر إلى الصفرة، ما هو قليل اللحم، في وجهه سجادة، عليه قميصان، وازار رقيق قد تقنّع به، وفي رجليه نعل طاق، فصعد إلى غرفة في الدار، حيث كانت العجوز تسكن وكانت تقول لنا: انّ في الغرفة إبنةٌ لا تدع أحداً يصعد إليها فكنت أرى الضوء الذي رأيته يضيء في الرّواق على الدرجة عند صعود الرجل إلى الغرفة التي يصعدها ثمّ أراه في الغرفة من غير أن أرى السراج بعينه، وكان الذين معي يرون مثل ما أرى فتوهّموا أن يكون هذا الرجل يختلف إلى ابنة العجوز، وأن يكون قد تمتّع بها فقالوا: هؤلاء العلويّة يرون المتعة، وهذا حرام لا يحلّ فيما زعموا، وكنّا نراه يدخل ويخرج ويجيء إلى الباب وإذا الحجر على حاله الذي تركناه، وكنّا نغلق هذا الباب خوفاً على متاعنا وكنّا لا نرى أحداً يفتحه ولا يغلقه، والرجل يدخل ويخرج، والحجر خلف الباب إلى وقت ننحّيه إذا خرجنا.
فلمّا رأيت هذه الأسباب ضرب على قلبي، ووقعت في نفسي فتنة(1) فتلطّفت العجوز، وأحببت أن أقف على خبر الرجل، فقلت لها: يا فلانة انّي أحبّ أن أسألك واُفاوضك من غير حضور من معي، فلا أقدر عليه، فأنا أحبّ إذا رأيتني في الدّار وحدي، أن تنزلي إليّ لأسألك عن أمر، فقالت لي مسرعة: وأنا اُريد أن أسرّ اليك
____________
1- في نسخة بدل (هيبة) وقد أثبتنا النسخة التي توافق الترجمة.
فقلت: أيّ أصحابي تعنين؟ وظننت انّها تعني رفقائي الذين كانوا حجّاجاً معي، فقالت: شركاؤك الذين في بلدك وفي الدار معك، وكان جرى بيني وبين الذين معي في الدّار عتب في الدين، فسعوا بي حتى هربت واستترت بذلك السبب فوقفت على انّها عنت اولئك، فقلت لها: ما تكونين أنت من الرضا؟ فقالت: أنا كنت خادمة للحسن ابن علي صلوات الله عليه.
فلمّا استيقنت ذلك، قلت: لأسألنّها عن الغائب، فقلت لها: بالله عليك رأيته بعينك؟ فقالت: يا أخي لم أره بعيني فانّي خرجت واُختي حُبلى، وبشّرني الحسن بن علي عليه السلام بأنّي سوف أراه في آخر عمري، وقال لي: تكونين له كما كنت لي، وأنا اليوم منذ كذا بمصر، وانما قدمت الآن بكتابة ونفقة وجّه بها إليّ على يد رجل من أهل خراسان لا يفصح بالعربيّة وهي ثلاثون ديناراً وأمرني أن أحجّ سنتي هذه فخرجت رغبة منّي في أن أراه، فوقع في قلبي انّ الرجل الذي كنت أراه يدخل ويخرج هو هو، فأخذت عشرة دراهم صحاح فيها سكّة رضويّة من ضرب الرضا عليه السلام قد كنت خبّأتها لألقيها في مقام ابراهيم عليه السلام وكنت نذرت ونويت ذلك، فدفعتها إليها وقلت في نفسي: أدفعها إلى قوم من ولد فاطمة عليها السلام أفضل من أن اُلقيها في المقام وأعظم ثواباً فقلت لها: ادفعي هذه الدراهم إلى من يستحقّها من ولد فاطمة عليها السلام وكان في نيّتي انّ الذي رأيته هو الرجل، وانّها تدفعها إليه، فأخذت الدراهم، وصعدت وبقيت ساعة ثمّ نزلت فقالت: يقول لك: ليس لنا فيها حقّ
____________
1- في نسخة بدل (أصحابك) وقد أثبتنا النسخة التي توافق الترجمة.
ثمّ كانت معي نسخة توقيع خرج إلى القاسم بن العلاء بآذربيجان فقلت لها: تعرضين هذه النسخة على انسان قد رأى توقيعات الغائب فقالت: ناولني فانّي أعرفه فأريتها النسخة، وظننت انّ المرأة تحسن أن تقرأها، فقالت: لا يمكنني أن أقرأها في هذا المكان، فصعدت الغرفة ثمّ أنزلته، فقالت: صحيح وفي التوقيع: أبشّركم ببشرى ما بشّرت به غيره.
ثمّ قالت: يقول لك: إذا صلّيت على نبيّك كيف تصلّي عليه؟ فقلت أقول: اللهم صلّ على محمد وآل محمد، وبارك على محمد وآل محمد، كأفضل ما صلّيت وباركت وترحّمت على ابراهيم وآل ابراهيم انّك حميد مجيد، فقالت: لا إذا صلّيت فصلّ عليهم كلّهم وسمّهم، فقلت: نعم، فلمّا كان من الغد نزلت ومعها دفتر صغير فقالت: يقول لك: إذا صلّيت على النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فصلّ عليه وعلى أوصيائه على هذه النسخة فأخذتها، وكنت أعمل بها، ورأيت عدّة ليال قد نزل من الغرفة وضوء السراج قائم، وكنت أفتح الباب وأخرج على أثر الضوء، وأنا أراه أعني الضوء ولا أرى أحداً حتّي يدخل المسجد، وأرى جماعة من الرجال من بلدان شتّى يأتون باب هذه الدار، فبعضهم يدفعون إلى العجوز رقاعاً معهم، ورأيت العجوز قد دفعت إليهم كذلك الرقاع، فيكلّمونها وتكلّمهم ولا أفهم عنهم، ورأيت منهم في منصرفنا جماعة في طريقي إلى أن قدمت بغداد.
نسخة الدفتر الذي خرج:
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صلّ على محمد سيّد المرسلين، وخاتم النبيين وحجة ربّ العالمين، المنتجب في الميثاق، المصطفى في الظلال، المطهّر من كلّ آفة، البريء من كلّ عيب المؤمّل للنجاة، المُرتجى للشّفاعة، المفوّض إليه دين الله، اللهمّ
وصلّ على أمير المؤمنين، ووارث المرسلين، وقائد الغرّ المحجّلين، وسيّد الوصيّين، وحجّة ربّ العالمين.
وصلّ على الحسن بن علي امام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة رب العالمين.
وصلّ على الحسين بن علي(2) امام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة ربّ العالمين.
وصلّ على محمد بن علي امام المؤمنين، ووراث المرسلين، وحجة ربّ العالمين.
وصلّ على جعفر بن محمد امام المؤمنين، ووراث المرسلين، وحجة ربّ العالمين.
وصلّ على موسى بن جعفر امام المؤمنين، ووراث المرسلين، وحجة ربّ العالمين.
وصلّ على محمد بن علي امام المؤمنين، ووراث المرسلين، وحجة ربّ العالمين.
وصلّ على علي بن محمد امام المؤمنين، ووراث المرسلين، وحجة ربّ العالمين.
وصلّ على الحسن بن علي امام المؤمنين، ووراث المرسلين، وحجة ربّ
____________
1- في الترجمة زيادة (والمنزلة والوصيلة).
2- في نسخة (جمال الاسبوع) زيادة (سيد العابدين).