ولم يفعل الله تعالى ذلك(1) بعباده مع قدرته الكاملة وغناه المطلق، وعلمه المحيط بذرّات وجزئيات الموجودات.
وبالجملة فتكليف رعيّته عليه السلام في أيام الغيبة بعد الاضطرار والحاجة وعدم الحصول على ما عينوه عليهم السلام واقرّوه هو التوسّل والاستغاثة به عليه السلام لرفع الحيرة وقضاء الحاجة، وطلب قضاء حاجته منه عليه السلام ; والمعرفة والاعتقاد بانّه عليه السلام عالم وقادر على انجاح مرامه مع عدم وجود الموانع فيها، بل معرفة انّه عليه السلام السبب والوسيلة لتحقّق كلّ خير ورفع ودفع كلّ شر وبلاء كما في مضامين كثير من الأخبار، والتي أشير إلى بعضها، روى الشيخ الصدوق في كمال الدين عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم انّه ذكر اسماء كلّ واحد واحد من الائمة عليهم السلام إلى أن قال:
" ثمّ سميّي، وكنيّي، حجة الله في أرضه، وبقيّته في عباده، ابن الحسن بن علي، ذاك الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها، ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بامامته الّا مَنْ امتحن الله قلبه للايمان.
قال جابر: فقلت له: يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟
فقال عليه السلام: اي والذي بعثني بالنبوّة انّهم يستضيئون بنوره، وينتفعون
____________
1- أي لم يفعل ما يورث اختلال النظام وما يسلب الأجر والثواب.
وروى الشيخ الطبرسي في الاحتجاج توقيعاً خرج عنه عليه السلام بيد محمد بن عثمان، وذكر فيه:
" وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي، فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبها عن الأبصار السحاب، وانّي لأمان لأهل الأرض كما انّ النجوم أمان لأهل السماء... "(2).
وذكر في رواية اُخرى قال سليمان، فقلت للصادق عليه السلام: " فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟
قال: كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب "(3).
ولا يخفى انّ للشمس علوّاً وارتفاعاً وانفراداً ونوراً وشعاعاً يهتدي به الناس في أمور دنياهم وله تأثير ودخالة في العناصر والمركّبات والقهر والغلبة، بل على باقي الكواكب النيّرة ايضاً، بل يدّعي البعض انّ جميع نور الكواكب من الشمس، وأقاموا لذلك البرهان، وأتم وأكمل جميع هذه الصفات والخصائص وزيادتها بوجود امام العصر عليه السلام بتربية العقول والأرواح والنفوس والدين والايمان والصفات الحسنة، وانّه السبب للحياة الخالدة والوصول إلى المقام الانساني.
ووجه تشبيه وجوده المقدّس بالشمس إذا جللها السحاب، قيل فيه عدّة وجوه:
الأول:
انّ نور الوجود والعلم والهداية وسائر الفيوضات والكمالات والخيرات تصل
____________
1- راجع كمال الدين (الصدوق): ج 1، ص 253.
2- راجع الاحتجاج (الطبرسي): ج 2، ص 284.
3- راجع كمال الدين (الصدوق): ج 1، ص 207، ح 22.
فقانون الله تعالى أن لا يعذّب الخلق وأنت الرحمة للعالمين فيهم، وقد جاء متواتراً عنه صلى الله عليه وآله وسلّم انّه قال:
" أهل بيتي أمان لأهل الأرض كما انّ النجوم أمان لأهل السماء "(2).
وكلّ من تنوّر قلبه ولو بقليل من نور الايمان يعلّم انّه إذا انسدّت أبواب الفرج على أحد ولا يعرف طريقاً له، أو اشتبه عليه مطلب دقيق أو مسألة غامضة، فانّه عندما يتوسّل به عليه السلام وبأدنى توسّل تنفتح أبواب الرحمة والهداية.
الثاني:
كما انّ الشمس المحجوبة بالسحاب مع انتفاع الناس بضوئها فهم ينتظرون في كلّ آن رفع السحاب وانكشاف الحجاب، فكذلك المخلصون والمؤمنون الموقنون ينتظرون الفرج دائماً في أيام غيبته، ولا ييأسون، ويحصلون بذلك الانتظار على ثواب عظيم.
الثالث:
انّ منكر وجوده عليه السلام مع انّ أنوار امامته ساطعة وظهور آثار ولايته كالمنكر لوجود الشمس إذا حجبت بالسحاب.
____________
1- الآية 33 من سورة الأنفال.
2- راجع التوقيع الشريف الذي خرج من الناحية المقدّسة عليه السلام ـ الاحتجاج: ج 2، ص 284 بقوله: " وانّي لأمان لأهل الأرض كما انّ النجوم أمان لأهل السماء ".
قد تكون غيبة الشمس بالسحاب أحياناً أصلح للعباد وانفع، فكذلك قد تكون غيبته عليه السلام مع الانتفاع بالآثار، أو قد تكون أصلح لكثير من ظهوره عليه السلام.
روى الشيخ الصدوق في كمال الدين عن عمّار الساباطي انّه قال:
قلت لأبي عبد الله عليه السلام: العبادة مع الامام منكم المستتر في دولة الباطل أفضل، أم العبادة في ظهور الحقّ ودولته مع الامام الظاهر منكم؟ فقال: يا عمّار الصدقة والله في السّر [في دولة الباطل ](1) أفضل من الصدقة في العلانية، وكذلك عبادتكم في السّر مع امامكم المستتر في دولة الباطل أفضل لخوفكم من عدوّكم في دولة الباطل وحال الهدنة ممّن يعبد الله عزوجل في ظهور الحقّ مع الامام الظاهر في دولة الحق، وليس العبادة مع الخوف وفي دولة الباطل مثل العبادة مع الأمن في دولة الحق، اعلموا انّ من صلّى منكم صلاة فريضة واحداناً مستتراً بها من عدوّ في وقتها فأتمّها كتب الله عزوجل له بها خمساً وعشرين صلاة فريضة وحدانيّة، ومن صلّى منكم صلاة نافلة في وقتها فأتمّها كتب الله عزوجل له بها عشر صلوات نوافل، ومن عمل منكم حسنة كتب الله له بها عشرين حسنة، ويضاعف الله حسنات المؤمن منكم إذا أحسن أعماله ودان الله عزوجل بالتقيّة على دينه وعلى امامه وعلى نفسه وأمسك من لسانه أضعافاً مضاعفة كثيرة، انّ الله عزوجل كريم.
قال: فقلت: جعلت فداك قد رغبتني في العمل وحثثتني عليه، ولكنّي اُحبّ أن أعلم كيف صرنا اليوم أفضل أعمالا من أصحاب الامام منكم الظاهر في دولة الحق، ونحن وهم على دين واحد وهو دين الله عزوجل؟
____________
1- سقطت من الترجمة.
قال: فقلت له: جعلت فداك فما نتمنّى إذن أن نكون من أصحاب الامام القائم في ظهور الحق ونحن اليوم في امامتك وطاعتك أفضل أعمالا من أعمال أصحاب دولة الحقّ؟ فقال سبحان الله: أما تحبّون أن يظهر الله عزوجل الحقّ والعدل في البلاد، ويحسن حال عامّة العباد، ويجمع الله الكلمة ويؤلّف بين قلوب مختلفة ولا يعصى الله عزوجل في أرضه، ويقام حدود الله في خلقه، ويردّ الله الحقّ إلى أهله فيظهروه حتّى لا يستخفي بشيء من الحقّ مخافة أحد من الخلق، أما والله يا عمّار! لا يموت منكم ميّت على الحال التي أنتم عليها الّا كان أفضل عند الله عزوجل من كثير ممّن شهد بدراً واُحداً فأبشروا(1).
وروى الشيخ الطبرسي في الاحتجاج عن أبي خالد الكابلي انّه قال الامام زين العابدين عليه السلام:
" ثمّ تمتد الغيبة بولي الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم والائمة بعده.
يا أبا خالد! انّ أهل زمان غيبته القائلين بامامته، والمنتظرين لظهوره أفضل أهل كلّ زمان، لأن الله تعالى ذكره أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله بالسيف، اولئك المخلصون حقّاً، وشيعتنا صدقاً، والدعاة إلى دين الله سرّاً
____________
1- راجع كمال الدين (الصدوق): ج 2، ص 646 ـ 647.
وقال عليه السلام: انتظار الفرج أعظم من الفرج "(1).
وبهذا المضمون أخبار كثيرة أثنت على المبتلين بظلمات الغيبة وحافظوا على دينهم وهم المقصودون من الآية الشريفة { يُؤمِنُونَ بِالْغَيْبِ }(2) وسماهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم اخوته وأوعدهم بأجر كبير لتحمّلهم الأذى والمشقّات في حفظ وحراسة دينه.
الخامس من وجوه التشبيه:
انّه لا يمكن النظر إلى قرص الشمس لأكثر العيون وقد يكون سبباً لعمى عين الناظر إليها، أو ظلمتها وعتمتها، فكذلك النظر إلى شمس جماله الذي لا نظير له قد يكون سبباً إلى عمى بصيرة الناظر، كما هو حال كثير من الناس فانّهم كانوا يؤمنون بالأنبياء عليهم السلام قبل بعثتهم، ولكنّهم ينكرون عليهم بعد البعثة لبعض الأسباب والأهداف الفاسدة مثل قلّة الجاه والاعتبار، ورفع اليد عن الرئاسة الظاهريّة التي كانت لهم ككثير من يهود المدينة.
وليس بعيداً أن يكون كذلك الكثير من أتباع الدنيا من الشيعة، بل نُقِلَ عن بعض العلماء انّه كان يتمنى أن يموت قبل الظهور خوف الامتحان والاختبار الذي في ذلك الزمان والسقوط في حبال الشيطان نعوذ بالله منه.
السادس:
انّه في النهار الغائم قد يرى بعض الناس الشمس من فرجات السحاب ولا
____________
1- راجع الاحتجاج (الطبرسي): ج 2، ص 50.
2- الآية 4 من سورة البقرة ـ راجع البرهان (السيد هاشم البحراني): ج 1 ـ ونور الثقلين (الحويزاوي): ج 1، ص 31 وما بعدها.
السابع:
انّه عليه السلام مثل الشمس في وصول عموم النفع إلى كلّ شيء بحسب قابليّته وتقبل ذلك الشيء وسؤاله بلسان الحال أو المقال، وعدم ارادة الأجر والجزاء حتى بمعرفة نسبة ذلك الخير إليه، بل يجحده وينكره، وينسبه ا لى الغير.
ولا تتضرّر عصمته وجلاله من هذا الانكار ولا يصدّ عن السيرة المرضيّة وافاضة الخير كالمنكر الذي ينكر وجود نفع من الشمس المحجوبة بالسحاب، فانّ ذلك لا يضرّها ولا تترك رعايته.
الثامن:
انّه مثل شعاع الشمس يدخل في البيوت بقدر ما فيها من الفجوات والفرجات، وينتفع صاحب البيت من هذا الشعاع بمقدار ما يعده من الطرق لهذا الشعاع ورفعه لموانعه، وكذلك الخلق انّما ينتفعون بأنوار هدايته عليه السلام وعلمه بقدر ما يرفعونه من أنفسهم من الحجب والأستار والأقفال التي على قلوبهم من الشهوات والشبهات والمعاصي التي بها تعمى البصيرة ويصمّ أذن القلب، فلو انّ العالم امتلأ نوراً فانّه لا يرى شيئاً، ولو تكلّم جميع المقدّسين فانّه لا يسمع شيئاً.
وقد أشار إلى هذه الوجوه جميعها العلامة المجلسي رحمه الله في البحار.
ولا يخفى: انّه قد تقدّم في الباب الثاني انّ المقصود من الماء المعين في الآية
وكما انّ السبب الظاهري لحياة كلّ شيء من الانسان والحيوان والنبات والجماد والأجسام العلويّة والسفليّة بنصّ الآية المباركة(2) والتصاق بعض الأجزاء بالبعض الآخر، وبقاء تركيبها ومزاجها هو الماء، والسبب الباطني لحياة كلّ شيء لابدّ وأن يكون بنحو أعلى وأتمّ وأكمل وأشرف الوجود وهو الامام عليه السلام.
ولا يمكن للشمس بدون ماء أن تنمّي شيئاً، فهي محتاجة إليه، ووجوده المقدّس غير محتاج إلى الغير في التربية والتكميل وافاضة الخير، وانّه يفعل بالعقول والنفوس والأرواح ما يفعله الاثنان بالجسمانيّات.
وبالجملة: فلا نجاة ولا مفزع ولا ملاذ ولا كهف للعباد الّا وجوده المعظّم عليه السلام وآباؤه الأكرمون، كما قال هو عليه السلام في زيارة وجوده الأقدس التي أمرنا بقراءتها { فلا نجاة ولا مفزغ الّا أنتم }.
ويجب على كلّ انسان أن يوصل نفسه بالوسيلة التي توصله إلى هناك، وهذه الوسيلة هي البكاء والنحيب، والأنين، والاضطراب، وقراءة ما في الزيارة، والتضرّع، والمسألة، بل العمدة هو الخروج من الحالة والصفات والأفعال المكروهة عند طبعه الشريف، ومعرفة واطاعة الأشياء المحبوبة والمرضيّة عنده، وهي ليست الّا مكروهات ومحبوبات الله تعالى ورسوله الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم وأكثرها مفصلة ومبيّنة في الكتاب والسنّة، بل انّ جملة منها من الوضوح بمقدار بحيث وصلت إلى حدّ الضرورة.
ومن بعد ذلك حمل همّه عليه السلام فانّ الأصل من هدف بعثته كباقي الحجج عليهم السلام هو تكميل الدين، وتعليم الشرائع، وارجاع العاصين والمتمرّدين إلى مولاهم
____________
1- الآية 30 من سورة الملك.
2- وهي قوله تعالى: " وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلّ شَىْء حَىّ " ـ من الآية 30 من سورة الأنبياء.
وروي في تفسير العسكري عليه السلام:
" أوحى الله تعالى إلى موسى... فلئن تردّ آبقاً عن بابي، أو ضالا عن فنائي، أفضل لك من عبادة مائة سنة بصيام نهارها، وقيام ليلها.
قال موسى عليه السلام: ومن هذا العبد الآبق منك؟
قال: العاصي المتمرّد.
قال: فمن الضال عن فنائك؟
قال: الجاهل بامام زمانه تعرفه، والغائب عنه بعدما عرفه، الجاهل بشريعة دينه تعرفه شريعته، وما يعبد به ربّه، ويتوصّل به إلى مرضاته "(1).
فكلّ مذنب يندم على معصيته ويتوب فهو يتحمّل صعوبة عنه عليه السلام ويزيل همّاً منه عليه السلام، وهكذا لو تعلّم منكر الصانع أو الرسالة أو الامامة ; التوحيد أو الايمان، أو الاسلام.
وهكذا لو تعلّم الجاهل بالأحكام الدينيّة مسائل ولو كانت قليلة، أو أنقذ شخصاً من ظلمات الرياء، والنفاق، والشبهة، والحرص، والطمع، والحقد، والحسد، وحبّ الدنيا والجاه والرئاسة، ونوّره بالاخلاص، واليقين، والزهد، والقناعة، والألفة، والمحبّة، وبغض الدنيا، فكل جزء منها رفع همّ عنه عليه السلام، ووسيلة عظمى.
وبعد ذلك، رفع همّ من هموم أوليائه ومحبّيه عليهم السلام الذي هو سبب همّه عليه السلام، كما تقدّم في خبر رميلة ; فرفع هم جائع، أو عطشان، أو عريان، أو مريض،
____________
1- التفسير المنسوب إلى الامام العسكري: ص 342 ـ البحار: ج 2، ص 4، ح 6.
قال السيد الأجل علي بن عبد الحميد النيلي في كتاب الأنوار المضيئة بعد أن ذكر بعض معجزات الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم: وأنا أقول أقسم بالله ربي لقد كنت في أثناء كتابة هذه الفضائل العظيمة وجمعي لهذه المعجزات الكريمة عرض لي عارض لم أطق معه حمل رأسي فكنت إذا رفعته صرعني، وإذا قمت أقعدني، وضاق صدري وخفت أن أُغلب على اتمام ما أنا بصدده فألهمت أن قلت: اللهمّ بحقّ محمد عبدك ونبيّك صاحب هذه الفضائل وبحقّ آله المعصومين صلّ عليهم أجمعين واصرف عنّي ما بي من هذه العلّة، فو الله العظيم لم يستتمّ كلامي حتى ذهب ذلك العارض كأنّه لم يكن، وقمت وكأنّما نشطت من عقال(1).
وقال السيد ابن طاووس عليه الرحمة في كشف المحجة في ضمن وصاياه إلى ولده محمد:
"... لمّا بلغتني ولادتك بمشهد الحسين عليه السلام... فقمت بين يدي الله جلّ جلاله مقام الذلّ والانكسار والشكر لما شرفني به من ولادتك من المسار والمبار، وجعلتك بأمر الله جلّ جلاله عبد مولانا المهدي صلوات الله عليه، ومتعلّقاً عليه، وقد احتجناكم مرّة عند حوادث حدثت لك، إليه، ورأيناه في عدّة مقامات في منامات وقد تولّى قضاء حوائجك بانعام عظيم في حقّنا وحقّك لا يبلغ وصفي إليه، فكن في موالاته والوفاء له وتعلق الخاطر به على قدر مراد الله جلّ جلاله، ومراد رسوله صلى
____________
1- راجع المستدرك (النوري): ج 3، ص 436، الطبعة الحجرية.
ومن المناسب أن نختم هذا المقام بذكر احدى التوسّلات المأثورة المجرّبة.
ذكر الشيخ المقدم ابو عبد الله سلمان بن الحسن الصهرشتي تلميذ الشيخ الطوسي رحمه الله في (قبس المصباح) على ما نقله في البحار:
" سمعت الشيخ أبا عبد الله الحسين بن الحسن بن بابويه رضي الله عنه بالري سنة أربعين وأربعمائة يروي عن عمّه أبي جعفر محمد بن علي بن بابويه رحمه الله، قال: حدّثني بعض مشايخي القميين قال: كربني أمر ضقت به ذرعاً ولم يسهل في نفسي أن أفشيه لأحد من أهلي واخواني، فنمت وأنا به مغموم فرأيت في النوم رجلا جميل الوجه حسن اللباس طيّب الرائحة، خلته بعض مشايخنا القميين الذين كنت أقرأ عليهم، فقلت في نفسي إلى متى أكابد همّي وغمّي ولا أفشيه لأحد من اخواني، وهذا شيخ من مشايخنا العلماء أذكر له ذلك، فلعلّي أجد لي عنده فرجاً، فابتدأني وقال: ارجع فيما أنت بسبيله إلى الله تعالى، واستعن بصاحب الزّمان عليه السلام واتّخذه له مفزعاً، فانّه نعم المعين، وهو عصمة أوليائه المؤمنين، ثمّ أخذ بيدي اليمنى وقال: زره وسلّم عليه، وسله أن يشفع لك إلى الله تعالى في حاجتك.
فقلت له: علّمني كيف أقول فقد أنساني همّي بما أنا فيه كلّ زيارة ودعاء، فتنفّس الصّعداء وقال: لا حول ولا قوّة الّا بالله، ومسح صدري بيده وقال: حسبك الله لا بأس عليك تطهّر وصلّ ركعتين ثمّ قم وأنت مستقبل القبلة تحت السّماء وقل:
سلام الله الكامل التّام، الشامل العامّ، وصلواته الدائمة، وبركاته القائمة على حجّة الله ووليّه في أرضه وبلاده، وخليفته على خلقه وعباده، وسلالة النبوّة، وبقيّة العترة والصّفوة، صاحب الزّمان، ومظهر الايمان، ومعلن أحكام القرآن، مطهّر
____________
1- راجع كشف المحجة (السيد ابن طاووس): ص 151 ـ 152.
قال: فانتبهت وأنا موقن بالرّوح والفرج، وكان عليّ بقيّة من ليلي واسعة فبادرت وكتبت ما علّمنيه خوفاً أن أنساه، ثمّ تطهّرت وبرزت تحت السماء وصلّيت ركعتين قرأت في الاُولى بعد الحمد كما عيّن لي انّا فتحنا لك فتحاً مبيناً وفي الثانية بعد الحمد إذا جاء نصر الله والفتح، فلمّا سلّمت قمت وأنا مستقبل القبلة وزرت، ثمّ دعوت حاجتي واستغثت بمولاي صاحب الزّمان، ثمّ سجدت سجدة الشكر وأطلت فيها الدّعاء حتّى خفت فوات صلاة الليل، ثمّ قمت وصلّيت وردي، وعقّبت بعد صلاة الفجر، وجلست في محرابي أدعو.
فلا والله ما طلعت الشمس حتّى جاءني الفرج مما كنت فيه، ولم يعد إليّ مثل ذلك بقيّة عمري، ولم يعلم أحد من الناس ما كان ذلك الأمر الذي أهمّني إلى يوم
ونقل السيد ابن طاووس هذه الزيارة في مصباح الزائر باختلاف قليل وبدون تعيين السورة(2)، ونقلها الشيخ الكفعمي في البلد الأمين مع السورة وذكر الغسل أيضاً قبل الصلاة والزيارة(3).
____________
1- راجع بحار الأنوار: ج 102، ص 245 ـ 247.
2- عن مصباح الزائر: ص 225 ـ 226.
3- راجع البلد الأمين (الكفعمي): ص 158 ـ 159.
الباب الحادي عشر
في ذكر بعض الأزمنة والأوقات
المختصّة بامام العصر صلوات الله عليه
الباب الحادي عشر
في ذكر بعض الأزمنة والأوقات المختصّة بامام العصر صلوات الله عليه وتكليف الرعايا فيها بالنسبة إليه عليه السلام، وعددها ثمانية:
الأول: ليلة القدر، بل الليالي الثلاثة المرددة بينها.
الثاني: يوم الجمعة.
الثالث: يوم عاشوراء.
الرابع: حين اصفرار الشمس إلى غروبها في كلّ يوم.
الخامس: عصر الاثنين.
السادس: عصر الخميس.
السابع: ليلة ويوم النصف من شعبان.
الثامن: يوم النوروز.
الأول: " ليلة القدر "
وهي ليلة تجلي وظهور القدر، ومنزلة ويمن وسلطة وعظمة وجلال امام العصر
وروي في تفسير علي بن ابراهيم بعدّة أسانيد معتبرة عن الباقر والصادق والكاظم عليهم السلام انّهم قالوا في تفسير الآية المباركة: { فِيهَا يفرق كُلُّ أَمْر حَكِيم }(1).
" يقدر الله كلّ أمر ; من الحق، ومن الباطل، وما يكون في تلك السنة وله فيها البداء والمشيّة، يقدم ما يشاء، ويؤخر ما يشاء من الآجال، والأرزاق، والبلايا، والأعراض، والأمراض، ويزيد فيها ما يشاء، وينقص ما يشاء، ويلقيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ويلقيه امير المؤمنين (عليه السلام) إلى الائمة عليهم السلام حتى ينتهي ذلك إلى صاحب الزمان (عليه السلام)، ويشترط له ما فيه البداء والمشية، والتقديم والتأخير "(2).
وروى ايضاً:
" إنّ الله يقدّر فيها الآجال والأرزاق وكلّ أمر يحدث من موت وحياة أو خصب أو جدب أو خير أو شرّ... إلى أن قال: تنزل الملائكة وروح القدس على امام الزمان، ويدفعون إليه ما قد كتبوه من هذه الأمور "(3).
وروى ايضاً عن الامام الباقر عليه السلام انّه قال لأبي المهاجر: " لا تخفى علينا
____________
1- الآية 5 من سورة الدّخان.
وقد أدمجت عبارة في المتن أنسب بها بالحاشية منسوبة إلى المؤلف رحمه الله وهي:
" هو الله تعالى، أشير في هذه العبارة إلى ثلاثة وجوه من الوجوه التي بيّنت سبب تسمية هذه الليالي بليلة القدر ".
2- راجع تفسير علي بن ابراهيم: ج 2، ص 290.
3- راجع تفسير علي بن ابراهيم: ج 2، ص 431.