الصفحة 32
السلمي (1)، ولعنة لأحياء: لحيان ورعلا وذكوان وعصية (2)، وكان في الساحة مجموعة تخريبية من اثني عشر رجلا، حاولوا قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند عودته من تبوك، آخر غزواته، وأسر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأسمائهم إلى حذيفة، وكان حذيفة وعمار بن ياسر معه صلى الله عليه وآله وسلم عند محاولة هذه المجموعة اغتياله، وروي أن حذيفة قال: يا رسول الله، ألا تبعث إلى كل رجل منهم فتقتله، فقال: (أكره أن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه)، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لحذيفة: (فإن هؤلاء فلانا وفلانا (حتى عدهم) منافقون لا تخبرن أحدا) (3)، وعدم إفشاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأسمائهم يستنتج منه أن هذه المجموعة لم تكن من رعاع القوم، وإنما من أشد الناس فتكا، وقتلهم يؤدي إلى طرح ثقافة يتناقلها الناس بأن محمدا في آخر أيامه بدأ يقتل أصحابه، ويستنتج منه أيضا أن الله - تعالى - شاء أن تنطلق المسيرة تحت مظلة الامتحان والابتلاء، بعد أن تبينت طريق الحق وطريق الباطل، وإخفاء أسماء المجموعة التخريبية هو في حقيقته دعوة للالتفات حول الذين بينهم وأظهرهم رسول الله للناس. وروى الإمام مسلم عن حذيفة أنه قال: (أشهد الله أن اثني عشر منهم حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد) (4)، وروي عن عمار بن ياسر أنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن في أمتي اثني عشر منافقا لا يدخلون الجنة ولا يجدون ريحها حتى يلج الجمل في سم الخياط) (5)، وكان عمار بن ياسر علامة مميزة في المسيرة لأنه كان يحمل قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه: (ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار) (6).

____________

= 2 / 29.

(1) كنز العمال: 8 / 82.

(2) مسلم، الصحيح: 2 / 135.

(3) محاولة الاغتيال رواها الإمام أحمد والطبراني وابن سعد وغيرهم، أنظر: الزوائد: 11 / 110.

(4) رواه مسلم، الصحيح: 7 / 125.

(5) رواه مسلم، الصحيح: 7 / 124، وأحمد، الفتح الرباني: 23 / 140.

(6) رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب، التعاون في بناء المساجد، ورواه أحمد، الفتح الرباني: =

الصفحة 33
فالساحة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان فيها جميع التيارات، وكان فيها مجموعة حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا، ويبدو من قراءة الأحداث أنه كان في الساحة مجموعة من أصحابه أخذت في اعتبارها أن ولاية علي بن أبي طالب قد تؤدي إلى أحداث اعتقدوا أنها يمكن أن تعصف بالدعوة، فاختاروا حلا وسطا، يبعد به علي بن أبي طالب عن مركز الصدارة، وتظل به الدعوة قائمة، ويشهد بذلك قول أبي بكر - رضي الله عنه - لرافع بن أبي رافع حين عاتبه على توليه الخلافة: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبض والناس حديثو عهد بكفر، فخفت أن يرتدوا وأن يختلفوا فدخلت فيها وأنا كاره) (1)، وفي رواية قال: (تخوفت أن تكون فتنة يكون بعدها ردة) (2)، ويشهد به - أيضا - قول عمر بن الخطاب أثناء خلافته: (إن بيعة أبي بكر كانت فلتة) (3)، قال في لسان العرب: (يقال: كان ذلك الأمر فلتة، أي فجأة، إذا لم يكن عن تدبر ولا ترو، والفلتة: الأمر يقع من غير إحكام، وفي حديث عمر أراد فجأة وكانت كذلك، لأنها لم ينتظر بها العوام، وقال ابن الأثير في حديث عمر: والفلتة كل شئ فعل من غير روية، وإنما بودر بها خوف انتشار الأمر) (4).

ويشهد به قول عمر لابن عباس: (يا ابن عباس، ما منع قومكم منكم؟ قال:

لا أدري، قال: لكني أدري، يكرهون ولايتكم لهم، يكرهون أن تجتمع فيكم النبوة والخلافة) (5)، وزاد في رواية: (فاختارت قريش لنفسها فأصابت ووفقت) (6).

وروي أن عمر بن الخطاب - عندما اختلف بعض الأنصار مع بعض المهاجرين في سقيفة بني ساعدة، على من الذي يتولى الخلافة ومن يتولى

____________

= 22 / 331.

(1) رواه ابن خزيمة في صحيحه، والبغوي وابن رهويه، كنز العمال: 5 / 586.

(2) رواه أحمد بسند صحيح، الفتح الرباني: 23 / 61.

(3) رواه الإمام أحمد الفتح الرباني: 1 / 60، الطبري، تاريخ الأمم والملوك: 3 / 200.

(4) لسان العرب، مادة: فلت، ص 3455.

(5) تاريخ الأمم والملوك: 5 / 30.

(6) المصدر نفسه: 5 / 31.

الصفحة 34
الوزارة - أمرا بقتل مرشح الأنصار سعد بن عبادة، وذلك حينما اشتد الخلاف وتشابكوا بالأيدي، روى الطبري: (قال ناس من أصحاب سعد: اتقوا سعدا ألا تطأوه، فقال عمر: اقتلوه اقتلوه، ثم قام على رأسه فقال: بقد هممت أن أطأك حتى تندر عضوك) (1)، وروى البخاري: (قال قائل: قتلتم سعد بن عبادة، فقال عمر: قتله الله) (2)، وكتبت النجاة لسعد، وروي أنه قال بعد بيعة أبي بكر: (لو أن الجن اجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربي) (3)، ولم يبايع سعد حتى خرج في خلافة عمر بن الخطاب إلى الشام، وقتل في الطريق، وروي أن الجن هم الذين قتلوه!

ثانيا: أضواء على حركة الاجتهاد والرأي

على امتداد عهد البعثة كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبين للناس ما أنزل إليهم من ربهم، وكان في الساحة من سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئا ولم يحفظه على وجهه، ويرويه ويعمل به، ويقول: أنا سمعته من رسول الله، فلو علم المسلمون أنه وهم فيه لم يقبلوه منه، ولو علم هو أنه كذلك لرفضه، وكان في الساحة من سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئا يأمر به، ثم نهى عنه وهو لا يعلم، أو سمعه ينهى عن شئ ثم أمر به وهو لا يعلم، فحفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ، فلو علم أنه منسوخ لرفضه - ولو علم المسلمون - إذ سمعوه منه - أنه منسوخ لرفضوه، وكان في الساحة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، لم يكذبوا على الله ولا على رسوله، حفظوا ما سمعوا على وجهه، فلم يزيدوا فيه ولم ينقصوا منه، حفظوا الناسخ فعملوا به، وحفظوا المنسوخ فاجتنبوه، عرفوا الخاص والعام، والمحكم والمتشابه، فوضعوا كل شئ موضعه، وقد كان يكون من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الكلام له وجهان، فكلام خاص وكلام عام، فيسمعه من لا يعرف ما عنى به الله سبحانه، ولا ما

____________

(1) تاريخ الأمم والملوك: 3 / 210.

(2) البخاري، الصحيح: 2 / 291.

(3) تاريخ الأمم والملوك: 3 / 210.

الصفحة 35
عنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فيحمله السامع ويوجهه على غير معرفة بمعناه وما قصد به وما خرج من أجله، وليس كل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كان يسأله ويستفهمه، حتى أن كانوا يحبون أن يجئ الأعرابي والطارئ، فيسأله - عليه الصلاة والسلام - حتى يسمعوا، وقال الإمام علي: وكان لا يمر بي من ذلك شئ إلا سألته عنه وحفظته (1). ويضاف إلى هذه الأصناف، الذين احترفوا الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولقد كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على عهده، حتى قام خطيبا فقال: من كذب علي متعمدا، فليتبوأ مقعده من النار).

ونظرا لاتساع الهوة في رواية الحديث بعد إبعاد أهل البيت عن مكانتهم في الذروة، اختلف الناس في الفتوى، حتى قال الإمام علي: (ترد على أحدهم القضية في حكم من الأحكام، فيحكم فيها برأيه، ثم ترد القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلاف قوله، ثم يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم فيصوب اراءهم جميعا، وإلههم واحد، ونبيهم واحد، وكتابهم واحد، أفأمرهم الله - تعالى - بالاختلاف فأطاعوه؟ أم نهاهم عنه فعصوه؟ أم أنزل سبحانه دينا تاما فقصر الرسول عن تبليغه وأدائه؟ والله تعالى يقول: (ما فرطنا في الكتاب من شئ) (الأنعام: 38)، وفيه تبيان كل شئ.

وذكر أن الكتاب يصدق بعضه بعضا، وأنه لا اختلاف فيه: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) (النساء: 82). إن القرآن ظاهره أنيق وباطنه عميق، لا تفنى عجائبه، ولا تنقضي غرائبه، ولا تكشف الظلمات إلا به) (2).

ويشهد بعدم معرفة جميع الصحابة بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واختلافهم في الفتوى، ما رواه البخاري عن أبي هريرة أنه قال: (إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم، وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يشبع

____________

(1) أنظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 3 / 591.

(2) المصدر نفسه: 1 / 233.

الصفحة 36
بطنا، ويحضر ما لا يحضرون، ويحفظ ما لا يحفظون) (1)، وروى البخاري أن عمر ابن الخطاب لم يكن يعلم حكم الاستئذان، وذلك عندما استأذنه أبو موسى، وعندما لم يؤذن له رجع، فقال له عمر: ما منعك؟ قال: استأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي فرجعت، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع، فقال عمر: والله لتقيمن عليه بينة، فانطلق أبو موسى إلى مجلس من الأنصار، وقال: أمنكم أحد سمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال أبي بن كعب: لا يقوم معك إلا أصغر القوم - وفي رواية: لا يشهد إلا أصاغرنا (2) -، قال أبو سعيد الخدري: (وكنت أصغر القوم، فقمت معه، فأخبرت عمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ذلك) (3)، وفي رواية: قال عمر: خفي علي هذا من أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ألهاني الصفق بالاسواق) (4).

ويشهد بأنهم لم يكونوا على علم بجميع ما روي عن رسول الله، ما روي في حديث صحيح، عن سالم بن عبد الله عن أبيه: (إن أبا بكر وعمر وناسا، جلسوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فذكروا أعظم الكبائر، فلم يكن عندهم فيها علم، فأرسلوني إلى عبد الله بن عمرو أسأله، فأخبرني أن أعظم الكبائر شرب الخمر، فأتيتهم فأخبرتهم فأنكروا ذلك، ووثبوا إليه شيعا حتى أتوه في داره، فأخبرهم بحديث رسول الله..) (5).

ويشهد باختلافهم في الفتوى، أن عمر بن الخطاب لم يكن يعلم حكم دية الأصابع، فكان يقضي بتفاوت ديتها على حسب اختلاف منافعها، حتى وجد كتابا عند آل عمرو بن حزم، يذكر فيه سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في

____________

(1) البخاري، الصحيح: 1 / 214.

(2) المصدر نفسه، كتاب الاعتصام: 4 / 269.

(3) المصدر نفسه، كتاب الاستئذان: 4 / 88.

(4) المصدر نفسه، كتاب الاعتصام: 4 / 269.

(5) قال المنذري: رواه الطبراني بإسناد صحيح، والحاكم وصححه، وقال: صحيح على شرط مسلم، الترغيب والترهيب: 3 / 184.

الصفحة 37
ذلك (1)، ولم يعلم عمر حكم الجنين إذا أسقط قبل ولادته، حتى جاء المغيرة بقضاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك (2)، واختلفوا في ميراث الجدة (3) وبالجملة، اجتهد الصحابة تحت سقف الامتحان والابتلاء، وكان الاجتهاد قابلا للخطأ وللصواب، فعن موسى بن إبراهيم قال: (إن أبا بكر حين استخلف، قعد بيته حزينا، فدخل عليه عمر بن الخطاب، فأقبل أبو بكر عليه يلومه، وقال: أنت كلفتني هذا الأمر، وشكا إليه الحكم بين الناس، فقال عمر: أو ما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن الوالي إذا اجتهد فأصاب الحق فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد). فكأنه سهل على أبي بكر) (4).

ثالثا: المقدمات العمرية والنتائج الأموية

1 - الأمر برواية الحديث

أمرت الدعوة الإلهية الخاتمة بتدوين ما بين الناس حفظا للحقوق، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه)، إلى قوله تعالى: (ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا) (البقرة) 282)، قال الخطيب البغدادي: (أدب الله - تعالى - عباده بقيد ما بينهم من معاملات في بداية التعامل حفظا للدين وإشفاقا من دخول الريب فيه، فلما أمر الله - تعالى - بكتابة الدين حفظا له، كان العلم الذي حفظه أصعب من حفظ الدين، أحرى أن تباح كتابته خوفا من دخول الريب والشك فيه) (5)، والكتابة أوكد الحجج، ببطلان ما يدعيه أهل الريب والضلال، فالمشركون

____________

(1) أخرجة الشافعي في الأم بسند حسن، والنسائي.

(2) رواه البخاري، كتاب الديات، الصحيح: 4 / 193.

(3) رواه أحمد، الفتح الرباني: 15 / 198، والترمذي، الجامع: 4 / 419.

(4) رواه البيهقي وابن رهويه وخيثمة، كنز العمال: 5 / 630.

(5) تقييد العلم، الخطيب البغدادي، ص: 34.

الصفحة 38
لما ادعوا بهتانا اتخاذ الله - سبحانه - بنات من الملائكة، أمر الله - تعالى - رسوله أن يقول لهم (فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين) (الصافات: 157).

والنبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بكتابة العلم، وقال: (قيدوا العلم بالكتاب) (1)، وعن رافع قال: (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: تحدثوا، وليتبوأ من كذب علي مقعده من النار، قلت: يا رسول الله، إنا لنسمع منك أشياء فنكتبها؟

قال: اكتبوا ولا حرج) (2)، وعن أبي هريرة قال: (ليس أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكثر مني حديثا عن رسول الله إلا ابن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب) (3).

وروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه) (4)، وكان يقول: (نضر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه) (5)، وقال:

(تسمعون ويسمع منكم ويسمع ممن سمع منكم) (6).

ولقد وقف البعض من قريش في طريق الرواية والكتابة، ومن المحفوظ أن الله - تعالى - لعن على لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بعض الأفراد والقبائل، وأن الرسول ذكر أسماء رؤوس الفتن وهو يخبر بالغيب عن ربه، حتى أن حذيفة قال:

(والله ما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قائد فتنة إلى أن تنقضي الدنيا بلغ معه ثلاثمائة فصاعدا، إلا قد سماه لنا باسمه واسم أبيه واسم قبيلته) (7)، ويشهد بصد قريش عن الرواية، ما روي عن عبد الله بن عمرو قال: (قلت: يا رسول الله،

____________

(1) رواه الطبراني، وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، والزوائد: 1 / 152، وابن عبد البر، جامع العلم: 11 / 86.

(2) رواه الطبراني، والزوائد: 1 / 151، والخطيب وسمويه، كنز العمال: 10 / 232.

(3) رواه الترمذي وصححه، الجامع: 5 / 40.

(4) رواه أحمد، الفتح الرباني: 1 / 191، والحاكم، والمستدرك: 1 / 109.

(5) رواه أحمد، كنز العمال: 10 / 220، والترمذي، ابن حبان في صحيحه، كنز: 10 / 221.

(6) رواه أحمد وأبو داود والحاكم، كنز: 10 / 223.

(7) رواه أبو داود، حديث رقم 4243.

الصفحة 39
أقيد العلم؟ قال: نعم، قلت: وما تقييده؟ قال: الكتابة) (1)، وروي عنه أنه قال:

(كنت أكتب كل شئ أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أريد حفظه فنهتني قريش فقالوا: إنك تكتب كل شئ تسمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورسول الله بشر يتكلم في الغضب والرضا، فأمسكت عن الكتابة فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: اكتب، والذي نفسي بيده ما يخرج مني إلا حق - وأشار إلى فيه) (2)، وما حدث مع عبد الله، حدث مع ابن شعيب، فعن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده قال: (قلت: يا رسول الله، أكتب كل ما أسمع منك؟ قال: نعم، قلت: في الرضا والغضب؟ قال: نعم، فأني لا أقول في ذلك كله إلا حقا) (3).

وبينما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحث على الرواية والكتابة على امتداد عهد البعثة، كان يخبر بالغيب عن ربة بأنه يوشك أن يكذبه أحدهم، وأن الرواية سيتم تعطيلها إلى أن يشاء الله، فعن معد يكرب قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

يوشك أحدكم أن يكذبني وهو متكئ على أريكته، يحدث بحديث من حديثي فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله) (4).

وقال صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه: (لألفين أحدهم متكئا على أريكته، يأتيه الأمر من أمري بما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: لا أدري ما وجدناه في كتاب الله اتبعناه) (5)، وقوله: يوشك، إشارة إلى أن الأمر قريب، وقوله: متكئ على أريكته، المتكئ: كل من استوى قاعدا على وطاء متمكنا.

____________

(1) رواه الطبراني، الزوائد: 1 / 152.

(2) رواه أحمد، الفتح الرباني: 1 / 173، والحاكم، وأقره الذهبي، المستدرك: 1 / 106، وأبو داود، حديث رقم 3646، والدارمي في سننه: 1 / 125.

(3) رواه ابن عبد البر، جامع العلم: 1 / 85، والخطيب، تقييد العلم، ص: 74.

(4) رواه أحمد، الفتح الرباني: 1 / 191، والحاكم وصححه، المستدرك: 1 / 109، والترمذي.

وصححه، الجامع: 5 / 38.

(5) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والحاكم وصححه، كنز: 1 / 174، والترمذي وصححه،.

الجامع: 5 / 37.

الصفحة 40

أ - اجتهادات الصحابة في رواية الحديث وتدوينه

اجتهد أبو بكر - رضي الله عنه - في رواية الحديث وتدوينه، فقد روى الحافظ عماد الدين بن كثير عن أم المؤمنين عائشة أنها قالت: (جمع أبي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكانت خمسمائة حديث، فبات ليلة يتقلب كثيرا، فغمتني، فقلت: تتقلب بشكوى أو بشئ بلغك؟ فلما أصبح قال: أي بنية هلمي الأحاديث التي عندك، فجئت بها، فدعا بنار فأحرقها، وقال:

خشيت إن أموت وهي عندك، فيكون أحاديث عن رجل ائتمنته ووثقت به ولم يكن كما حدثني، فأكون قد تقلدت ذلك) (1)، وذكر الذهبي في تذكرته عن أبي بكر أنه قال: (إنكم تحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحاديث تختلفون فيها، الناس بعدكم أشد اختلافا، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا، فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله، فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه) (2).

وروي أن عمر بن الخطاب قال في خلافته: (إني كنت أريد أن أكتب السنن، وإني ذكرت قوما كانوا قبلكم، كتبوا كتبا فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله، وإني - والله - لا شوب كتاب الله بشئ أبدا) (3)، وروي عن مالك أن عمر قال: (لا كتاب مع كتاب الله) (4)، وعن يحيى بن جعدة قال: (أراد عمر أن يكتب السنة ثم بدا له أن لا يكتبها، ثم كتب في الأمصار: من كان عنده شئ من ذلك فليمحه) (5)، وعن القاسم بن محمد أن عمر قال: (لا يبقى أحد عنده كتاب إلا أتاني به فأرى فيه رأيي، فظن الناس أنه يريد إن ينظر فيها ويقومها على أمر لا يكون فيه اختلاف، فأتوه بكتبهم، فأحرقها بالنار) (6).

____________

(1) رواه ابن كثير، كنز العمال: 10 / 285، 286.

(2) تذكرة الحافظ: 1 / 352.

(3) رواه ابن عبد البر، كنز: 10 / 292، وابن سعد، كنز: 10 / 293، والخطيب، تقييد العلم، ص: 49.

(4) رواه ابن عبد البر، كنز: 10 / 292.

(5) رواه خيثمة وابن عبد البر، كنز: 10 / 292، والخطيب، تقييد العلم، ص: 53.

(6) رواه الخطيب، تقييد العلم، ص: 52.

الصفحة 41
وعن سعد بن إبراهيم عن أبيه أن (عمر بن الخطاب قال لابن مسعود ولأبي ذر ولأبي الدرداء: ما هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ وأحسبه حبسهم بالمدينة حتى أصيب) (1)، وعن السائب بن يزيد قال: (سمعت عمر بن الخطاب يقول لأبي هريرة: لتتركن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أو لألحقنك بأرض دوس) (2)، وعن الزهري عن أبي سلمة قال: (سمعت أبا هريرة يقول: ما كنا نستطيع أن نقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى قبض عمر بن الخطاب) (3).

وبعد عمر بن الخطاب بدأ بعض الصحابة يرون بعض ما عندهم، فأخذ عثمان بن عفان بسنة عمر في عدم الرواية، فعن محمود بن لبيب قال:

(سمعت عثمان بن عفان يقول: لا يحل لأحد يروي حديثا لم يسمع في عهد أبي بكر ولا عهد عمر) (4)، ثم أخذ معاوية بن أبي سفيان بهذه السنة، فقال:

(أيها الناس، أقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإن كنتم تتحدثون فتحدثوا بما كان يتحدث به في عهد عمر) (5).

وعندما جاء عهد الإمام علي بن أبي طالب، لم يكن السواد الأعظم من الأمة يعرفون عنه إلا القليل، وذلك لأن عهده جاء بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بربع قرن تقريبا، عتم فيها عدم الرواية على منزلته ومناقبه، وفي عهده بدأ الصحابة يروون الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان علي يقول: (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: اللهم ارحم خلفائي، اللهم ارحم خلفائي، اللهم ارحم خلفائي، قالوا: يا رسول الله، ومن خلفائك؟ قال: الذين يأتون من بعدي ويروون أحاديثي ويعلمونها للناس) (6)، وعن الحسن بن علي قال

____________

(1) رواه ابن عبد البر، كنز العمال: 10 / 292، وابن سعد، كنز: 10 / 293، والخطيب، تقييد العلم، ص: 49.

(2) رواه ابن عساكر: 10 / 291.

(3) رواه ابن كثير، البداية والنهاية: 8 / 107.

(4) رواه ابن سعد، الطبقات: 2 / 336، وابن عساكر، كنز: 10 / 295.

(5) رواه ابن عساكر، كنز: 10 / 291.

(6) رواه الطبراني والرامهرزي والخطيب والديلمي وابن النجار والدينوري والقشيري ونصر، كنز =

الصفحة 42
(قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: رحمة الله على خلفائي، قالوا: ومن خلفاؤك يا رسول الله؟ قال: الذين يحبون سنتي ويعلمونها للناس) (1)، وعن سعيد بن المسيب قال: (ما كان أحد من الناس يقول: سلوني، غير علي بن أبي طالب) (2)، وكان علي يحض الناس على السؤال، ويقول: (ألا رجل يسأل فينتفع، وينتفع جلساؤه) (3)، وكان يقول: (تزاوروا وتدارسوا الحديث، ولا تتركوه يدرس (أي تعهدوه لئلا تنسوه) (4)، وقال: (تعلموا العلم، فإذا علمتموه فاكظموا عليه ولا تخالطوه بضحك وباطل فتمحه القلوب) (5).

وبالجملة، بينت الدعوة الإلهية الخاتمة، أن الحديث عن النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم، لا غنى للمسيرة عنه، لأنه مكمل للتشريع ومبين لمجملات القرآن، ومخصص لعموماته ومطلقاته، كما أن الحديث تكفل بكثير من النواحي الأخلاقية والاجتماعية والتربوية، وأخبر فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالغيب عن ربه جل وعلا، فبين للناس ما يستقبلهم من أحداث ليأخذوا بأسباب النجاة من مضلات الفتن، وبعد رحيل النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم اجتهد بعض الصحابة في أمر الرواية والتدوين، ولقد تواترت الأخبار في منع عمر بن الخطاب الصحابة، وهم الثقات العدول، وردعهم عن رواية العلم وتدوينه، وفي هذا يقول ابن كثير (هذا معروف عن عمر) (6)، ثم سار على سنة عمر خلفاء وملوك بني أمية، ولم ترو الأحاديث الجامعة للعلم والمبينة للناس ما يستقبلهم من أحداث، إلا في عهد الإمام علي بن أبي طالب (7).

____________

= العمال: 10 / 294.

(1) رواه ابن عساكر وأبو نصر السجزي، كنز: 10 / 229.

(2) رواه ابن عبد البر، جامع العلم: 1 / 137.

(3) المصدر نفسه.

(4) رواه الخطيب، كنز العمال: 10 / 304.

(5) رواه عبد الله بن أحمد والخطيب، كنز: 10 / 304.

(6) البداية والنهاية: 8 / 107.

(7) أنظر: معالم الفتن، سعيد أيوب، ط. دار الكرام - بيروت.

الصفحة 43

ب - من آثار عدم الرواية والتدوين

كانت أهم آثار عدم الرواية، ظهور القص في المساجد، ومن خلال القص دخلت الأحاديث الإسرائيلية، ورفع القص من شأن أفراد وقبائل ذمهم الله على لسان رسوله، وفي الوقت نفسة عتم القص على أفراد أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وفي عهد الإمام علي - وعندما أظهر الإمام أحاديث رسول الله - قابلة أهل الشام وغيرهم بأحاديث يجري القص في عروقها، وترتب على ذلك اختلاط الأمور على السواد الأعظم من الأمة، ولم يكونوا من الصحابة حتى يميزوا بين الصالح والطالح، وجرت المعارك، ثم اختلفت الأمة وتفرقت، وكان في حوزة كل فرقة أحاديث تتفق مع أهواء شيوخهم.

1 = - أضواء على القص

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن بني إسرائيل لما هلكوا قصوا) (1)، وقال:

(سيكون بعدي قصاص لا ينظر الله إليهم) (2)، وأول من أمر بالقص، كان عمر بن الخطاب، روى الإمام أحمد عن السائب بن يزيد قال: (إنه لم يكن يقص على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا أبي بكر، كان أول من قص تميم الداري، استأذن عمر أن يقص على الناس قائما فأذن له) (3).

واستلم بنو أمية أعلام القص بعد ذلك، روي أن عبد الملك بن مروان قال: (إنا جمعنا الناس على أمرين: رفع الأيدي على المنابر يوم الجمعة، والقصص بعد الصبح والعصر) (4)، ولبس القص الزي الديني في عهد بني أمية، وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يبدأ بالصلاة في العيدين ثم يخطب بعد ذلك، ففعل بنوا أمية العكس، وبدأوا بالخطبة لينشروا بذلك مذهبهم السياسي

____________

(1) رواه الطبراني ورجاله موثقون، وفيه الأجلح الكندي والأكثر على توثيقه، الزوائد: 1 / 189.

(2) رواه ابن فضالة في أماليه، كنز العمال: 10 / 282.

(3) رواه أحمد والطبراني، الزوائد: 1 / 190، والعسكري عن بشر بن عاصم، كنز: 10 / 281، والمروزي عن أبي نضرة، كنز: 10 / 281.

(4) رواه أحمد والبزار، وقال ابن حجر: إسناده جيد، الفتح الرباني: 1 / 194.

الصفحة 44
بين الناس، روى الإمام مسلم عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يخرج يوم الأضحى ويوم الفطر، فيبدأ بالصلاة فإذا صلى صلاته وسلم، قام فأقبل على الناس وهم جلوس في مصلاهم، فإن كان له حاجة ببعث ذكره للناس، أو كانت لهو حاجة بغير ذلك أمرهم بها (1).

إما التغيير ففي ما رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري: (إن مروان خطب قبل الصلاة، فقال له أبو سعيد: غيرتم والله، قال مروان: يا أبا سعيد قد ذهب ما تعلم، فقال: ما أعلم - والله - خير مما لا أعلم، قال مروان: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة، فجعلتها قبل الصلاة)، وقد اختلف في أول من سن هذه السنة، قال في تحفة الأحوازي: (اختلف في أول من غير ذلك، فرواية الإمام مسلم صريحة في أن مروان أول من بدأ الخطبة قبل الصلاة، وقيل: سبقه إلى ذلك عثمان بن عفان، روى ابن المنذر بإسناد صحيح إلى الحسن البصري، قال: أول من خطب قبل الصلاة عثمان، وروي أن مروان فعل ذلك تبعا لمعاوية ومعاوية عندما قدم المدينة قدم الخطبة) (2).

وكان الإمام علي يتصدى للقصاصين وينهاهم عن القص، فعن أبي البحتري قال: (دخل علي بن أبي طالب المسجد، فإذا رجل يخوف، فقال:

ما هذا؟ قالوا: رجل يذكر الناس، فقال: ليس برجل يذكر الناس، ولكنه يقول: أنا فلان بن فلان، اعرفوني فأرسل إليه فقال: أتعرف الناسخ من المنسوخ، قال: لا، فقال: أخرج من مسجدنا ولا تدكر فيه) (3).

وبالجملة، قال في الفتح الرباني: القص: هو إخبار الناس بقصص الماضيين، وعمل ذلك مذموم شرعا، لأنه يصرف الناس عن الاشتغال بالعلوم الدينية، ولم يعهد ذلك في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقال ابن حبان: (قال أبو حاتم: كان القصاصون يضعون الحديث في قصصهم، وكانوا إذا دخلوا

____________

(1) رواه مسلم، الصحيح: 3 / 20.

(2) تحفة الأحوازي: 3 / 74.

(3) رواه العسكري والمروزي، كنز العمال: 10 / 281، وانظر: كنز العمال: 10 / 282.

الصفحة 45
بمساجد الجماعات ومحافل القبائل من العوام والرعاع أكثر جسارة على وضع الحديث) (1)، كما وضعوا أحاديث تنافي عصمة الأنبياء، فجعلتهم يخطئون، ونسبوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يسب ويلعن ويجلد بغير سبب، ونسبوا إليه أنه كان يسهو في الصلاة، وأنه كان ينسى آيات القرآن الكريم، وأرادوا من وراء تجريد النبي من العصمة أن يبرروا أخطاء الأمراء الذين جلدوا الشعوب وضيعوا الصلاة، وأن يعطوا للذين لعنهم الله على لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم جواز المرور لتولي المراكز القيادية.

ووضع القصاصون أحاديث تحمل بصمة أهل الكتاب، وألصق بالتفسير روايات وقصص لا يتصورها عقل، ولا يجوز أن يفسر بها كتاب الله، ووضعوا في هذه الأحاديث أن الله يشغل حيزا من المكان، ويضحك، وينتقل من مكان إلى آخر، وأنه يتألف من أعضاء، وهو عبارة عن هيكل مادي، وعين ويد وأصابع وساق وقدم.

وبالجملة، كان القص وراء تغييب العقل ووطئه بالأقدام، وتحت سقفه اختل منهج البحث ومنهج التفكير ومنهج الاستدلال، وعلى موائده لا تظهر القراءة النقدية المتفحصة التقييمية إلا بعد عناء شديد، وكان القص وراء إهمال الواجبات، والتسامح في المحرمات، والتهاون بالسنن والمستحبات، وكان البذرة الأولى لظهور المبادئ والمنظمات الباطلة التي وضعت القوانين على طبق أهوائهم وآرائهم، وعلى هذه المبادئ انقسمت الأمة إلى قوافل، وكل قافلة تتولى حزبا وتدعمه، لأنها تميل إلى قوانينه، وتحب القائمين عليه، وعلى رؤوس الجميع الحجة قائمة. والله - تعالى - ينظر إلى عباده كيف يعملون.

2 - الخفوت والظهور

وكان من آثار عدم الرواية التعتيم على أهل البيت، وذلك لأن الأمر بحرق الكتب أطاح بالعديد من الأحاديث التي تبين منزلة أهل البيت

____________

(1) كتاب المجروحين، ابن حبان: 1 / 88.

الصفحة 46
ومناقبهم، ويشهد على ذلك ما رواه الخطيب البغدادي عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه، قال: (جاء علقمة بكتاب من مكة أو اليمن، صحيفة فيها أحاديث في أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فاستأذنا على عبد الله، فدخلنا عليه، فدفعنا إليه الصحيفة، فدعا الجارية ثم دعا بطست فيها ماء، فقلنا له: يا أبا عبد الرحمن، أنظر فيها، فإن فيها أحاديث حسانا، فجعل يميثها في الماء، ويقول: (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن) (يوسف: 3)، القلوب أوعية فاشغلوها بالقرآن، ولا تشغلوها بما سواه) (1).

ويشهد بذلك إن عليا عندما تولى الخلافة لم يكن السواد الأعظم يعلم عن منزلته ومناقبه شيئا، حتى أنشد بالله كل امرئ مسلم سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من كنت مولاه فعلي مولاه)، أن يقوم، وكان قد جمعهم في الرحبة، ولم يعرف العوام مناقبه إلا من خلال ما رواه الصحابة بعد ذلك، وكان العديد من الصحابة يتحدثون في مجالسهم الخاصة عن مناقبه، ولكن هذا الحديث لم يكن يخرج إلى الساحات العامة، وفي مقابل هذا التعتيم، كان لعدم الرواية الأثر الكبير في ظهور الذين حذر منهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يخبر بالغيب عن ربه، ويشهد بذلك ما روي عن حذيفة أنه قال: (والله ما أدري أنسي أصحابي أم تناسوا، والله ما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قائد فتنة إلى أن تنقضي الدنيا بلغ من معه ثلاثمائة فصاعدا، إلا وقد سماه لنا باسمه واسم أبيه واسم قبيلته) (2)، ومعنى (أم تناسوا) أي أظهروا النسيان لمصلحة، ومعنى (باسمه واسم أبيه)، يعني وصفا واضحا مفصلا لا مبهما، مجملا، فالاستقصاء متصل.

وروي عن حذيفة أنه قال: - إن المنافقين اليوم شر منهم على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كانوا يومئذ يسرون واليوم يجهرون) (3)، وقال: (إنما كان النفاق على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد

____________

(1) تقييد العلم، والخطيب، ص: 54.

(2) رواه أبو داود، حديث رقم 4243.

(3) رواه البخاري، الصحيح: 4 / 230.

الصفحة 47
الإيمان) (1)، وحذيفة مات بعد مقتل عثمان بأقل من شهر، وكان مريضا، وعندما علم بأن الناس بايعوا علي بن أبي طالب، بايع وهو على فراش المرض، وحث الناس على الالتفاف حول علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر، وأمر ولديه بالقتال مع علي، فقاتلا تحت أعلام الإمام علي، حتى قتلا (2).

وبعد ظهور النفاق في ظل سياسة اللارواية، خاف الصحابة فلم يحدثوا بالأحاديث الكاشفة، ويشهد بذلك، ما رواه البخاري عن أبي هريرة قال:

(حفظت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعاءين، فأما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم) (3)، وعنه أنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (هلاك أمتي على يدي غلمة من قريش)، إن شئت أن أسميهم بني فلان وبني فلان) (4)، وعنه أنه قال: (إني لأحدث أحاديث، لو تكلمت بها في زمان عمر، أو عند عمر، لشج رأسي (5).

ويشهد به أيضا، ما روي عن بجالة قال: (قلت لعمران بن حصين:

حدثني عن أبغض الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: تكتم علي حتى أموت؟ قلت: نعم: قال: بنو أمية وثقيف وبنو حنيفة) (6). ومن الثابت والمعروف أن بني أمية شقوا طريقهم نحو السلطة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأمر أبو بكر - رضي الله عنه - يزيد بن أبي سفيان على الشام (7)، وبعد وفاة يزيد، قام عمر بتأمير معاوية (8)، وروي أن عمر كان يقول للناس: (أتذكرون كسرى

____________

(1) رواه البخاري، الصحيح: 4 / 230.

(2) أنظر: معالم الفتن، سعيد أيوب.

(3) البخاري، الصحيح: 1 / 34.

(4) المصدر نفسه: 2 / 280.

(5) رواه ابن عبد البر، جامع العلم: 1 / 148، وابن كثير، البداية والنهاية: 8 / 107.

(6) رواه نعيم بن حماد، كنز العمال: 11 / 274.

(7) تاريخ الأمم والملوك 4 / 28.

(8) ابن سعد، كنز العمال: 13 / 606، البداية والنهاية: 8 / 118، تاريخ الأمم والملوك: 5 / 69، الإستيعاب: 3 / 596.

الصفحة 48
وعندكم معاوية؟) (1)، وقال لهم عندما ذكروا معاوية: (دعوا فتى قريش وابن سيدها، إنه لمن يضحك في الغضب، ولا ينال منه إلا على الرضا) (2).

وأحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي يحذر فيها من بني أمية أحاديث كثيرة، منها: ما روي عن أبي ذر أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا بلغ بنو أمية أربعين رجلا، اتخذوا مال الله دولا، وعباد الله خولا، ودين الله دغلا) (3)، ومعنى (مال الله دولا)، أي: يكون لقوم دون قوم، (وعباد الله خولا) أي،:

خدما وعبيدا، (ودين الله دغلا)، أي: يدخلون في الدين أمورا لم ترد بها السنة.

والحديث روي عن أبي سعيد الخدري، وابن عباس، وأبي ذر، ورواه الإمام أحمد، والحاكم، وأبو يعلى، والطبراني، والبيهقي، وروي بلفظ:

(إذا بلغ بنو أبي العاص)، وبلفظ: (إذا بلغ بنو فلان)، وقال الحاكم بعد روايته للحديث: (ليعلم طالب العلم أن هذا باب لم أذكر فيه ثلث ما روي، وأن أول الفتن في هذه الأمة فتنتهم، ولم يسعني فيما بيني وبين الله - تعالى - أن أخلي الكتاب من ذكرهم) (4).

والخلاصة، أنه كان لسياسة اللارواية واللاتدوين آثار جانبية، منها:

اكتفاء الناس بتلاوة القرآن دون الوقوف على معانيه وأهدافه، وأدى ذلك إلى ظهور الذين يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وفي عهد الإمام علي ظهرت حقيقتهم أمام الناس، وحاربهم الإمام في موقعة النهروان، وما زالت بقيتهم في أصلاب الرجال وأرحام النساء، لأن منهجهم وثقافتهم لن تموت حتى يخرج الدجال، ومنها: ظهور الذين لعنهم الله على لسان نبيه بعد أن ضاع التحذير منهم في عالم اللارواية، ومنها التعتيم على الهداة، واقتصر ذكرهم في المجالس الخاصة، ومنها: ظهور القص وعلى مائدته صنعت مناقب

____________

(1) تاريخ الأمم: 6 / 186، الإستيعاب: 3 / 596.

(2) الديلمي، كنز: 13 / 587، البداية والنهاية: 8 / 125، الإستيعاب: 3 / 597.

(3) الحاكم وصححه، المستدرك: 3 / 479.

(4) المصدر نفسه: 4 / 482.

الصفحة 49
وتواريخ لقوافل لا تحمل من العلم إلا قشوره، وعلى القص ظهرت ثقافات التحمت مع ثقافة أهل الكتاب، وتشهد بذلك عقيدة الجبرية، يقول الشيخ محمد أبو زهرة: (أول من دعا إلى هذه النحلة من المسلمين الجعد بن درهم، وقد تلقى ذلك عن يهودي بالشام، لأن اليهود أول من فعل ذلك وعلموه بعض المسلمين، وهؤلاء أخذوا ينشرونه) (1)، ولقد استغل بنو أمية هذه العقيدة في إخضاع المسلمين، بحجة أن قيادتهم مفروضة عليهم بقضاء الله وقدره، وأن أي تمرد عليهم هو تمرد على قضاء الله، ولقد قامت هذه العقيدة على أحاديث وضعها القصاص، كان الهدف من ورائها تزييف النشاط الإنساني منذ بدء الخلق إلى قيام الساعة، وتحت أعلام عقيدة الجبر انطلقت جحافل بني أمية إلى ديار المسلمين، بعد أن مهد القص والأحاديث الموضوعة طريقهم نحو اتخاذ دين الله دغلا، ليتخذوا مال الله دولا، وعباد الله خولا، وقتلوا الذين يأمرون بالقسط من الناس، من أمثال: حجر بن عدي، والحسين بن علي، وغيرهما.

ولم تكن عقيدة المرجئة بعيدة عن نسيج القصاص، لأن الأحاديث الموضوعة هي التي غذتها، وعلى ذروة عقيدة المرجئة يجلس يوحنا الدمشقي، وهو آخر كبار علماء النصرانية على مذهب الكنيسة الإغريقية، وكان أبوه صاحب عبد الملك بن مروان، وصنف يوحنا كتابا في فضائل النصرانية على منهج محادثة بين مسلم ونصراني (2)، وقال الشيخ أبو زهرة:

(كان يوحنا يبث بين علماء النصارى في البلاد الإسلامية طرق المناظرات التي تشكك المسلمين في دينهم، وظهرت آراء يوحنا بالشام)، بعد أن وجدت لها حصنا صنعه القص والأحاديث الموضوعة، ومن خلال هذا الالتقاء تطرق البحث حول مرتكب الكبيرة، هل هو مؤمن أم غير مؤمن؟ وهل يضر مع الإيمان ذنب؟ وعلى مائدة البحث خرجت العقيدة التي تعتذر عن بني أمية في

____________

(1) تاريخ المذاهب الإسلامية، أبو زهرة: 2 / 102.

(2) تاريخ الأدب العربي، بروكلمان: 1 / 256.

الصفحة 50
ما ارتكبوه من جرائم، بمعنى: لقد ضربوا بعقيدة الجبرية، واعتذروا بعقيدة المرجئة، التي تقول بأن لا ينبغي المفاضلة بين المسلمين، ولا الحكم على أحد بتقوى وغير تقوى، فالمسلم يكفي أن يكون مسلما، وبهذه العقيدة تم الافتراء على الله ورسوله بتغيير الأحكام الشرعية، وإظهار البدع والباطل، وقولهم: إن الأمة مرحومة، والله رفع العذاب عنها، وإنهم في أمن من عذاب الله وأن انهمكوا في كل إثم وخطيئة، وهتكوا كل حجاب، والأمة مغفور لها، محسنهم ومسيئهم، وإن لهم الكرامة في الدنيا، ولهم أن يفعلوا ما شاءوا بعد أن استظلوا بمظلة حجاب الأمن، ولهم في الآخرة مغفرة توجب فتح أبواب الجنة أمامهم، وبعقيدة المرجئة اشتد الساعد بعد أن ارتدى قفازا من حرير في الوقت الذي يحتفظ فيه بقبضته الحديدية، وملئت الأرض ظلما وجورا.

2 - مخالفة السنة النبوية في قسمة الأموال

أ - مخالفة الأمر النبوي في الأموال

قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي المال) (1)، ولما كانت فتنة الأمة في المال، بينت الشريعة الخاتمة موضع الرحاب الآمن، وشاء الله أن يكون الأمن في فعل الرسول، بمعنى أن النجاة لن تكون في منع الرواية عن الرسول، لأن الله - تعالى - بين موضع كل مال وقسمه بين عباده تقسيما حقا بوضع قوانين عادلة تقضي على منابت الفساد، وهذه القسمة وهذه القوانين نفذها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يبين للناس ما أنزل إليهم من ربهم، وفي الوقت الذي كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقيم الحجة، كان يخبر بالغيب عن ربه ويقول: (إن هذا الدينار والدرهم أهلكا من قبلكم وهما مهلكاكم) (2)، وأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأوامر تدفع هذا الهلاك، ومنها إعطاء الصدقة، لأن من خاصتها أنها تنمي المال، لأنها تنشر الرحمة وتورث المحبة، وتؤلف بين

____________

(1) رواه الترمذي وصححه، الجامع: 4 / 569.

(2) رواه أبو داود عن أبي موسى، كنز: 3 / 191، والطبراني والبيهقي عن ابن مسعود، كنز: 3 / 191.

الصفحة 51
القلوب وتبسط الأمن، وتصرف القلوب عن أن تهم بالغضب والاختلاس والفساد والسرقة، وتدعو إلى الاتحاد والمساعدة والمعونة، وبذلك يقضى على أغلب طرق الفساد، وحذر - عليه الصلاة والسلام - من التعامل بالربا، لأن الربا من خاصته أنه يمحور المال ويفنيه تدريجيا، من حيث أنه ينشر القسوة والخسارة، ويورث البغض والعداوة وسوء الظن، ويفسد الأمن والاستقرار، ويهيج النفوس على الانتقام بأي وسيلة أمكنت، ويدعوا إلى التفرق والاختلاف والفساد، كما يؤدي إلى زوال المال ولأن المجتمع في نظر الشريعة ذو شخصية واحدة، له كل المال الذي أقام به صلبه وجعله له معاشا، فإن الشريعة ألزمت المجتمع بأن يدير المال ويصلحه ويعرضه معرض النماء، ويرتزق به ارتزاقا معتدلا مقتصدا، ويحفظه من الضياع والفساد، ومن مجملات القرآن التي تتعلق بالأموال، وبينها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليستقيم حال المجتمع، قوله تعالى: (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين) (الأنفال: 1)، والمعنى: يسألك أصحابك يا محمد عن هذه الغنائم التي غنمتها، فقل: هي لله والرسول، يحكم فيها الله بحكمه ويقسمها الرسول. وروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إنما أنا قاسم وخازن، والله يعطي) (1)، وقال: (ما أعطيكم ولا أمنعكم أنا قاسم أضع حيث أمرت) (2)، وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم حكم الله في الغنيمة، قال تعالى: (واعلموا أنما غنمتم عن شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله...) (الأنفال.. 41)، وبين الرسول حكم الخمس وحكم الأربعة أخماس، وعلموا حق الذين حرمت عليهم الصدقة من ذي القربى، وحق الجنود.

وقال تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من

____________

(1) رواه البخاري، الصحيح: 2 / 190.

(2) المصدر نفسه: 2 / 192.

الصفحة 52
الله والله عليم حكيم) (التوبة: 60)، قال المفسرون: بين الله - تعالى - أنه هو الذي قسم الصدقات وبين حكمها وتولى أمرها بنفسه، ولم يكل قسمتها إلى أحد غيره، فقوله: (فريضة من الله)، إشارة إلى أن تقسيمها إلى الأصناف الثمانية أمر مفروض منه تعالى، وإشارة إلى أن الزكاة فريضة واجبة، وقوله تعالى: (والله عليم حكيم)، إشارة إلى أن فريضة الزكاة مشرعة عن علم وحكمة، لا تقبل تغيير المغير.

وروى أبو داود عن زياد بن الحارث قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبايعته، فأتاه رجل، فقال: إعطني من الصدقة، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيرة في الصدقات حتى حكم فيها، فجزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك).

وأقامت الشريعة الخاتمة الحجة على المسيرة، فأخبر النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم أن فتنة أمته في المال وبين كيف تدخل الأمة في حجاب الأمن. وفي الوقت الذي بين فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم حكم الغنيمة أخبر بالغيب عن ربه، بأن فتنة المال ستصيب البعض، وقال: (كأني براكب قد أتاكم فنزل، فقال: الأرض أرضنا والفئ فيؤنا، وإنما أنتم عبيدنا، فحال بين الأرامل واليتامى وما أفاء الله عليهم) (1)، أخبر النبي بهذا حتى يأخذوا بالأسباب وهم تحت سقف الامتحان والابتلاء، لأن الله - تعالى - ينظر إلى عباده كيف يعملون.

ب - اجتهاد الصحابة في الأموال

ذكرنا أن الساحة بعد رسول الله كان فيها صحابة سمعوا من النبي شيئا ولم يحفظوه على وجهه، وكان فيها من سمع منه شيئا يأمر به ثم نهى عنه وهو لا يعلم، فحفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ، وأدى هذا في نهاية المطاف إلى تضارب القرارات ثم ضياع مال الله في عهد بني أمية، بعد أن بسطوا أيديهم على بيوت المال، وبالجملة، نقدم هنا الأحاديث التي تشهد بالمقدمات الأولى:

____________

(1) رواه ابن النجار، كنز: 11 / 195.