الحمد لله العلي القدير العليم الخبير، السميع البصير، والصلاة والسلام على البشير النذير، السراج المنير، وعلى آله المنزّهين عن الرجس بنصّ آية التطهير، ولا سيّما سيّد الوصيين وأمير المؤمنين المنصوب بيوم الغدير، ولعنة الله على أعدائهم أصحاب السعير.

أما بعد، فهذا مقال كتبته عن (الغدير في التراث الإسلامي) فاستعرضت فيه ما أُلّف من كتب مفردة حول واقعة الغدير منذ القرن الثاني وحتى يومنا، هذا فبلغ ما أمكنني التوصل إلى معرفته من ذلك نحواً من 125 كتاباً، فنشر في العدد 21 من مجلة (تراثنا) التي تصدر في قم عن مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، وهو عددها الخاص بالغدير بمناسبة مرور أربعة عشر قرناً على واقعة الغدير، فقد كانت في حجّة الوداع مرجع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم من الحج إلى المدينة في الجحفة، عند ماء يدعى غدير خم وكان ذلك في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة في السنة العاشرة للهجرة.

فصدر العدد في ذي الحجة سنة 1410 مقارناً للمؤتمر العالمي العظيم الذي اُقيم في لندن، في الثامن عشر من ذي الحجة سنة 1410.

ولا زلت اتابع الموضوع فاضيف عليه معلومات مستجدة واُصحّح أخطاء

الصفحة 8
واقدّم واؤخر وأزيد وانقص.

ثم أجريت عليه تعديلات وأضفت إليه ما كان تجمّع لديّ من كتب في الموضوع فبلغت 162 كتاباً.

وأضفت في أوّله كلمة لي عنوانها (حديث الغدير رواته كثيرون للغاية، قليلون للغاية!!) وقد كنت أعددتها للمؤتمر المذكور، فالقيت في لندن ثم نشرت في مجلة " الموسم " البيروتية في عددها السابع الصادر سنة 1411 هـ ـ 1990 م في ص913 ـ 916 والله هو الموفّق والمعين.


الصفحة 9

حديث الغدير
رواته كثيرون للغاية.. قليلون للغاية!


روى حديث الغدير عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم نحو المائة وعشرين من الصحابة، ولا أظنّك تجد في السنّة النبوية الشريفة كلها حديثاً آخر روتهُ هذه الكثرةُ من الصحابة بل ولا نصف هذا العدد، فحديث الغدير رواته كثيرون للغاية.

ومن جانب آخر نرى أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لم يقل ذلك في بيته ولا في مسجده ولا في قلّة من أصحابه، بل أعلنها صرخة مدوّية في جمع لم تسعهم المدينة كلّها! في جمع ملأوا البيداء المترامية الأطراف في أكبر تجمع اسلامي شهده التاريخ على عهد النبوة.

قال ابن سعد في الطبقات 2/171: فأجمع صلّى الله عليه وسلم الخروج الى الحج وآذن الناس بذلك فقدم المدينة بشر كثير يأتمون برسول الله صلّى الله عليه وسلم في حجّته..

وذكر نحو ذلك ابن حبَّان في الجزء الثاني من كتاب الثقات ص124.

وهذا مأخوذ من حديث لجابر فيما أخرجه مسلم في صحيحه ج2 ص886 رقم 1218 باب حجة النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكث تسع سنين ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول الله صلّى الله عليه

الصفحة 10
وسلّم حاجّ، فقدم المدينة بشر كثير كلّهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويعمل مثل عمله فخرجا معه حتّى أتينا ذا الحليفة... فصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المسجد ثم ركب القصواء حتّى إذا استوت به ناقته على البيداء نظرت إلى مد بصري ين يديه من راكب وماش وعن يمينه مثل ذلك وعن يساره مثل ذلك ومن خلفه مثل ذلك... وابن أبي شيبة في المُصَنَّف قال جابر فقدم المدينة بشر كثير كلّهم يلتمس أن يأتَمّ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويعملَ مثلَ عملِه وفي مسند الحميري 1288 عن جابر قال: أذن في الحج ان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يريد الحج فامتلأت المدينة.

وفي حديث آخر لجابر أخرجه أبو يعلى في مسنده مرّتين في الجزء الرابع ص24 رقم 2027 والجزء الثاني عشر ص106 رقم 6739 قال جابر: فنظرت بين يديّ ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي مدّ بصري والناس مشاة وركبان...

وقال ابن شاكر في الجزء الأول من عيون التواريخ ص394: وحجّ معه صلّى الله عليه وسلم من الصحابة مائة ألف ويزيدون حتى حجّ معه من لم يره قبلها ولا بعدها ونالوا بذلك نصيباً من الصحبة..

وقال سبط ابن الجوزي في تذكرة خواص الأمة في كلامه على حديث الغدير ص30: " وكان معه صلّى الله عليه وسلم من الصحابة ومن الأعراب ممن يسكن حول مكة والمدينة مائة وعشرون ألفاً وهم الذين شهدوا معه حجّة الوداع وسمعوا منه هذه المقالة... ".

فعندما نقيس عدد الصحابة الرواة لحديث الغدير ـ وهم نحو مائة وعشرين صحابياً ـ الى عدد الحضور ممن حضر وشهد وسمع ورأى تكون النسبة نسبة الواحد في الألف!! فرواة حديث الغدير قليلون للغاية.

على أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أكّد عليهم في غير موقف وفي

الصفحة 11
موقفه هذا بالذات بقوله: ألا فليبلّغ الشاهد منكم الغائب.

وقوله صلّى الله عليه وآله: نضّر الله إمراً سَمِعَ مقالتي فوعاها ثم أدَّاها الى من لم يسمعها(1).

فإن لم يكن قاله في موقفه هذا، فقد كان قاله في خطبته في الخيف من منى ولم يمض عليه سوى بضعة أيام.

ولكن لما تُوفي صلّى الله عليه وآله ولم يُنفَّذ ما أراده كفَّ الناس عن رواية هذا الحديث وكفّوا عن رواية أمثاله، بل فُرِض التعتيم على رواية فضائل أمير المؤمنين عليه السلام ومناقبه ومُنِعَ الناس صراحة عن التحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وآله.

بل اُمر الناس بسبِّ أمير المؤمنين عليه السلام وعُرِضوا على سبّه، وقد كان عليه السلام أخبرهم بذلك قبل وقوعه فقال: ألا أنكم ستُعرَضون على سَبِيّ والبراءَةِ مني أما السبُّ فسبّوني..

فتناسى الناس كلّ مزية لعلي فضلا عن حديث الغدير والنصّ على استخلافه فهذا البخاري يحدّثنا في تاريخه الكبير 4/193 عن سهم بن حُصَين الأسدي أنه حجّ مع صاحب له يسمّى عبدالله بن عَلْقمة، وكان سَبَّابةً لعليٍّ دهراً (لم يقل كان يَسُبُّ عليّاً وإنما قال: وكان سبابةً لعلي دهراً) ولما دخلا مدينة الرسول صلّى الله عليه وآله قال سهم بن حُصين لصاحبه: هل لك أن نُحدثَ عهداً بهذا الرجل؟ (يعني أبا سعيد الخِدْري) فذهبا إليه، يقول سهم بن حصين: قلت لأبي سعيد، هل سمعت لعلي منقبة؟! ترى أن الأمر أدّى إلى هذه الحال، والصحابة بعد متوفّرون فيسأله: ألعليَّ منقبة!!

____________

1- المعجم الأوسط 2 / 180 و363.


الصفحة 12
فأجابه أبو سعيد: نعم، إذا حدثتُك فسل المهاجرين والأنصار وقريشاً: قام النبي صلّى الله عليه وسلّم يوم غدير خم فأبلغ فقال: ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم. اُدْنُ يا علي فدنا فرفع يده ورفع النبي صلّى الله عليه وسلم يده حتى نظرتُ إلى بياض إبطيهما فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه.

فقال عبدالله بن عَلْقمة: أنت سمعت هذا من رسول الله صلّى الله عليه وسلم؟! قال أبو سعيد: نعم، وأشار إلى أذنيه وصدره وقال: سَمِعَتْهُ أُذُنايَ ووعاهُ قلبي.

وإبداؤهم التعجّب الشديد من سماع هذا الحديث وتأكدهم منه: أنت سمعت هذا من رسول الله؟ ومبالغة أبي سعيد في الجواب، كلّ ذلك لأنهم يفهمون منه النصّ على الاستخلاف ويتعجبون مما حدث بعد ذلك!

وفي حديث أخرجه النسائي في السُنَنِ الكبرى ج5 ص130 رقم 8464 وفي خصائص علي عليه السلام ص96 رقم 79 عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم في حديث الغدير وفيه: (فأخذ بيد علي فقال: من كنت وليّه فهذا وليُه، فقلت لزيد: سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟

قال: ما كان في الدوحات أحدٌ إلا رآه بعينيه وسمعه بأذنيه).


ويوم الدوح دوحِ غدير خمّأبان له الولاية لو اُطيعا
ولم أرَ مثل ذاك اليوم يوماًولم أرَ مثله حقّاً أُضيعا

فترى أبا سعيد الخِدْري يقول: إن حديث الغدير يعلمه الناسُ كلّهم: فسل المهاجرين والأنصار وقريشاً. فلم يستثن ممن كان حيّاً في ذاك العهد أحداً، فكلّهم سمعوا هذا الحديث.

وقريش، إما يقصد بني أمية بالذات أو يقصد أهل مكة كلّهم ممن لم يهاجروا إلى المدينة.


الصفحة 13
وأخرج حديث سهم بن حصين عن أبي سعيد الخِدري كلٌّ من الحافظينَ ابن عقدة في كتاب الولاية والمحاملي في أماليه، وأخرجه ابن عساكر في ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخه برقم 566 و567 من طريقهما بلفظ أطول مما رواه البخاري في التاريخ الكبير ولفظ البخاري أوجز، وأنا دمجت الألفاظ وربما زدت زيادات توضيحية، ومن شاء فليراجع لفظ البخاري في التاريخ الكبير ج4 ص173.

وأرى أن النبي صلّى الله عليه وآله لم يكتف بقوله: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه حتى أخذ بضَبْعِه ورفعه أعلى ما أمكنه حتى بانَ بياض إبطيهما، ليراه كلُّ الملأ الحضور كما في حديث زيد بن أرقم: ما كان في الدوحات أحدٌ إلا رآه بعينيه وسمعه باُذنيه.

فعل ذلك صلّى الله عليه وآله اهتماماً بأمر الخلافة واحتجاجاً على الأمة لئلا يؤوّلونه فيما بعد! فيقولوا: أراد بقوله من كنت مولاه فعليٌّ مولاه أي إن مولاه عال من كنت أنا مولاه فله مولى عال، وليس هذا في شأن أحد!!

كما فعلوا ذلك في قوله صلّى الله عليه وآله: (أنا مدينة العلم وعلي بابها) قالوا أي عال بابُها!

هذا ما وسعنا الإفاضةَ فيه بشأن رواةِ حديثِ الغديرِ من الصحابة.

وأمَّا في طبقة التابعين فقد استمرّ التعتيم مخيماً على حديث الغدير وعلى غيره من فضائل أمير المؤمنين عليه السلام ومناقبه، حتى إذا كان في أُخْرَيَاتِ حياته عليه السلام أحْيا رمائم هذا الحديث واستخرجه من تحت الأنقاض المتراكمة عليه، فجمع المتواجدين من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله يومئذ بالكوفة وجمعَ الناس وناشد الصحابة بحديث الغدير وقال:

ناشدت الله من سمع رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: من كنت مولاه

الصفحة 14
فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.. فليقم وليشهد ولا يشهد إلا من رآه وسمعه، فقام ثلاثون من الناس كما في مسند أحمد(1) وفي بعض الروايات: فقام إثنا عشر بدرياً(2) ولا تنافي بين الروايات فالشهود ثلاثون، اثنا عشر منهم كانوا من أصحاب بدر.

ولكن يبدو من الروايات أن المناشدة قد تكررت منه عليه السلام فتارة ناشدهم في الرَحبة رَحبةِ مسجد الكوفة، وفي بعض الروايات أنه عليه السلام ناشدهم من على المنبر فقام من هذا الجانب ستة ومن ذاك الجانب ستة، والمناشدة من على المنبر لا تكون إلا في داخل المسجد.

ولكن بقي التعتيم والخوف من إذاعة أمثال هذا الحديث ساري المفعول حتى في هذا الموقف، نعم شهد قوم وكتم آخرون! فدعا عليهم فاستجاب الله دعاءه فيهم فكل منهم أُصيب ببليّة وآفة.

واعجباه، هذا أمير المؤمنين عليه السلام في عهد خلافته يناشد الناس بحديث الغدير وهو خليفة وإمام ورئيس دولة فيكتمهُ البعض على علم منه ولا يؤدي الشهادة!! فلو كان ناشدهم به قبل ذلك يوم السقيفة أليس كان يُجابَه بالإنكار والردّ والتكذيب أو كان يتناوله السلب والايجاب والنفي والاثبات، فيزيدُ تنازع على ما كان من منازعات، فالأجدر به هناك هو السكوت إلى أن يجد جوّاً ملائماً.

____________

1- 4/370 وفضائل الصحابة رقم 1167 ومناقب علي رقم 290 وفيها: وقال أبو نعيم فقام ناس كثير فشهدوا وأخرجه الضياء المقدسي في المختارة ج1 ورقة 82 / أ وابن عساكر في ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام رقم 504 و505 وابن كثير في البداية والنهاية 5/211.

2- مسند أحمد 1/88 و119 وأمالي المحاملي ص162 رقم 133، البداية والنهاية 7/348 ومجمع الزوائد 9/106.


الصفحة 15
ومهما كان، فأمير المؤمنين عليه السلام أحيا بمناشداته حديث الغدير وبرز بعد الكتمان وظهر بعد الإخفاء وفشا الحديث في التابعين ورووه لمن بعدهم.

هذا أبو اسحاق السبيعي يقول في روايته لحديث الغدير: حدثني سعيد بن وهب وزيد بن يُثَيع وعمرو ذو مُرّ ومن لا أُحصي! أن عليّاً استنشد الناس في الرحبة...

فأمير المؤمنين عليه السلام هو أوَّل من احتفل بحديث الغدير وجمع الناس لإحياء ذكرى الغدير، وهو الإمام والقدوة والرائد والأسوة يلزمنا متابعته في الإحتفال بالغدير في كل عام وفي كل مكان.

والكوفة أول بلد أقيم فيه احتفال الغدير فكان الأولى والأجدر بمهرجان الغدير أن يقام على مقربة منها، يقام في النجف الأشرف بلد أمير المؤمنين عليه السلام، فالبلد بلده واليوم يومه وكان أول الاحتفالات أقيم بالقرب منه.

أعاد سبحانه وتعالى الى النجف الأشرف كيانها وعزّها، لتستمر مشعلا في طريق الاسلام ومناراً للهدى ومدرسة كبرى للعلوم الاسلامية ومركزاً من مراكز إشعاع الفكر الاسلامي ورحلة لطلبة العلم وموئلا للعلماء.

وأُهيب بمناشدي الوحدة الإسلامية أن يسعوا قبل كل شيء في وضع حدّ لهجمات خصومنا، فلا زالت في تصاعد وتزايد وفي السنين الأخيرة نشروا مئات الكتب في مهاجمتنا والرد علينا وتشويه سمعتنا، يكيلون لنا الاتهامات ويفترون علينا الأقاويل وينشرون ملايين منها بشتى اللغات ولا وازع! ولا دافع! وإلى الله المشتكى وهو المستعان، وآخر دعوانا قول رسول الله صلّى الله عليه وآله في أمير المؤمنين عليه السلام: اللهم والِ من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله.


الصفحة 16
اعتاد المحدّثون والحفّاظ ـ خاصّةً القدامى منهم ـ أنّهم إذ رأوا حديثاً كثرت طرقه وتوفّرت أسانيده وتنوّعت وتجمعت لديهم وفرة من الطرق والروايات بألفاظ مختلفة أو متقاربة، أفردوه بالجمع والتأليف ودوّنوه في جزء يخصّه، مثل حديث الطير وحديث ردّ الشمس وغير ذلك، وقد ذكرنا في مقالنا أهل البيت عليهم السلام في المكتبة العربية المنشور متسلسلا ـ ولا زال ـ في مجلة " تراثنا " الصادرة في قم عن مؤسسة آل البيت لإحياء التراث حيا الله العاملين عليها، من ذلك الشي الكثير، ومن ذلك حديث الغدير وهو أولاها بذلك وأكثرها إسناداً وطرقاً.

وكان هذا الأمر في القدامى منهم أكثر من غيرهم، ولذلك ترى التأليف في حديث الغدير مثلا في القرن الرابع أكثر منه في القرون التي تليه.

ومكتبة الغدير في التراث الإسلامي أصبحت على مرّ العصور مكتبة غنيّة تستحقّ العناية بالسرد والعرض ثم الدراسة والبحث، فقد أفرد حديث الغدير

الصفحة 17
بالتأليف كثير من العلماء والمحدِّثين والكُتّاب والمؤرّخين والأُدباء والمتكلّمين.

وهذا عرض متواضع حسب التسلسل التأريخي لما ألّفوه في هذا الصدد على اختلاف قوميّاتهم ولغاتهم ومبادئهم واتّجاهاتهم، ولذلك سمّيته: الغدير في التراث الإسلامي ليعمّ الجميع.

ونحن نذكر هنا ما بلغه علمنا ونالته يدنا، ونحن على يقين بأنّ ما غاب عنّا علمُه أو كُتِم عنّا خبرهُ أكثر وأكثر ممّا عثرنا عليه واحتفظ لنا التاريخ ولو بمجرّد اسمه وعنوانه.

والله من وراء القصد، وهو وَليّ التوفيق والهادي لمن يشاء إلى سواء السبيل، وهو نعم المولى ونعم الوكيل.


الصفحة 18

الصفحة 19


إحصائيات حول
كتب الغدير





الصفحة 20

الصفحة 21
ويظهر ممّا يأتي أن التأليف في الغدير بدأ منذ القرن الثاني، ومنذ بداية نشأة التأليف، واستمر حتى اليوم، وكان في القرون الماضية كغيره من الموضوعات بين جزر ومدّ، وإخفاق وازدهار.

فترى في القرن الثاني كتاباً واحداً.

وفي القرن الثالث كتابين.

وفي القرن الرابع 10 كتب.

وفي القرن الخامس 15 كتاباً.

وفي القرن السادس كتاباً واحداً.

وفي القرن السابع كتابين.

وفي القرن الثامن كتاباً واحداً.

وفي القرن التاسع كتاباً واحداً.

وفي القرن العاشر كتابين.

وفي القرن الحادي عشر كتابين.

وفي القرن الثاني عشر 8 كتب.

وفي القرن الثالث عشر 4 كتب.

وفي القرن الرابع عشر 72 كتاباً.

وفي القرن الخامس عشر 43 كتاباً.


الصفحة 22
ثم إن في كتب الغدير ما هو في مجلد واحد، وما هو في مجلدين كحديث الغدير من موسوعة عبقات الأنوار (برقم 50) وكتاب زاد المسير إلى حق الغدير (رقم 101) وترجمة الغدير إلى الاُردوية (رقم 113) وكتاب على ضفاف الغدير (رقم 133).

ومنها ما هو في أكثر من ذلك ككتاب الولاية لأبي جعفر الطبري صاحب التاريخ والتفسير المتقدم (برقم 4) وقد تقدم هناك في ص 31 كلام الذهبي في تذكرة الحفاظ في ترجمة الطبري ص وهو قوله: " رأيت مجلداً من طرق هذا الحديث لابن جرير فاندهشت له ولكثرة تلك الطرق!... ".

وقد ذكر ابن كثير في البداية والنهاية 5/208: " وقد اعتنى بأمر هذا الحديث أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ فجمع فيه مجلدين أورد فيهما طرقه وألفاظه ".

ومنها ما هو في ثلاث مجلدات كمحاضرات مهرجان الغدير المقام في لندن سنة 1410 طبع منها مجلد، وبقي مجلدان وهما جاهزان للطبع، وفّق الله العاملين.

ومنها ما هو في أربع مجلدات كخلاصة عبقات الأنوار (رقم 132) وهو تعريب وتلخيص الموسوعة القيمة الضخمة كتاب عبقات الأنوار في إثبات إمامة الأئمة الأطهار عليهم السلام المتقدم (برقم 50) مجلدان في أسناد حديث الغدير ومجلدان منه بحوث قيّمة حول دلالة الحديث ومصادره وتوثيقها.

ومنها ما هو في عشر مجلدات كالقسم الخاص بحديث الغدير من كتاب عبقات الأنوار، طبعة قم الحروفية سنة 1412 هـ، تحقيق وتخريج وتعليق الخطيب البارع والمتتبع الفاضل الشيخ غلام رضا مولانا البروجردي دام فضله، فقد صدر في عشر مجلدات خمسة منها حول أسناد الحديث ومصادره وخمسة حول دلالة الحديث على استخلاف أمير المؤمنين عليه السلام.


الصفحة 23
ومنها ما هو في أكثر من عشرة أجزاء ككتاب الغدير لشيخنا الحجة العلامة الأميني رحمه الله الموسوعة القيّمة الخالدة المنقطعة النظير التي هي معجزة العصر، ومن حسنات الدهر.

طبع منه في حياته رحمه الله أحد عشر جزءً، وبقي الباقي بين مسودة ومبيضة، وحال المرض والأجل دون إنجازه، قيض الله سبحانه بلطفه وفضله من يقوم بهذا العبء الثقيل المضني ويحقّق آمال شيخنا المؤلف رحمه الله في إخراج بقية أجزاء الكتاب ويحيى جهوده الجبّارة، المجمّدة منذ وفاته قدس الله نفسه.

ومنها ما هو في أكثر من ذلك، كما يحكى عن أبي المعالي الجويني إمام الحرمين المتوفى سنة 478 هـ، أنه كان يتعجّب ويقول: رأيت مجلداً في بغداد في يد صحاف، وفيه روايات خبر غدير خم مكتوباً عليه المجلدة الثامنة والعشرون من طرق قوله صلّى الله عليه وآله من كنت مولاه فعلي مولاه، ويتلوه المجلد التاسع والعشرون(1)!

ثم إن في المؤلفين من له كتابان في الغدير، كالشيخ المفيد (رقم 16، 17) وأبي الفتح الكراجكي (رقم 23، 24) والسيد سبط حسن الجائسي (رقم 75، 156) وهذا الفقير مسود هذه الأوراق له في الغدير هذا الكتاب، وله على ضفاف الغدير (رقم 184).

وفيهم من له ثلاثة كتب كالشيخ علي أصغر الكرماني الخراساني مروّج الشريعة (رقم 138، 139، 140).

كما يوجد في الكتب ما اشترك فيه مؤلفان ككتاب اسناد حديث الغدير (رقم 112) وما اشترك في تأليفه ثلاثة، ككتاب على ضفاف الغدير (رقم 133) وترجمة

____________

1- ينابيع المودة ص36، الغدير 1/158، خلاصة عبقات الأنوار 6/105.


الصفحة 24
كتاب الغدير لشيخنا الحجة العلامة الأميني رحمه الله (رقم 137) فقد اشترك في ترجمته إلى الفارسية ثلاثة من أشباله وفّقهم الله وأخذ بناصرهم.

وفيها ما هو عمل جماعة ككتاب حساسترين فراز تاريخ (رقم 85) وترجمة كتاب الغدير لشيخنا العلامة الأميني (رقم 84) والعدد الخامس من مجلة تراثنا (رقم 148) ومحاضرات مهرجان الغدير المقام في لندن (رقم 149).

ثمّ إن هذه الكتب 35 منها مفقود، و24 منها مخطوط، و104 منها مطبوع.

وأيضاً 83 كتاباً منها باللغة العربية، و61 منها بالفارسية و21 منها بالاُردوية وكلها نثر إلاّ تسعة منها فهي منظومات.

والمؤلفون 41 منهم من العرب أوّلهم الخليل بن أحمد صاحب كتاب العين و84 منهم من الفرس أوّلهم أبو جعفر الطبري صاحب التاريخ، و25 منهم هنود وباكستانيون أوّلهم صاحب العبقات.

وهناك تركماني واحد وهو الحافظ الذهبي، وكردي واحد وهو الحافظ العراقي الرازياني المهراني وعددناهما في المؤلفين العرب!

والمؤلفون أيضاً، ثلاثة وستون منهم معاصرون أحياء حفظهم الله ومدّ في عمرهم، والبقية أموات.

والإحصائية الأخيرة أن المؤلفين المذكورين 129 مؤلفاً منهم من الشيعة و12 منهم سنيّون وخمسة منهم إسماعيليون، وفيهم زيديان ومسيحي واحد وهو بولس سلامة.

وآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَصَلَّى اللّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّد وَآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى أَعْدَائِهِم وَمُبْغِضِيْهِم مِنَ الأَوَّلِيْنَ وَالآخِرِين.

فرغت من تأليفه نهار يوم السبت سابع عشر جمادى الآخرة سنة 1413 هـ.


عبد العزيز الطباطبائي


الصفحة 25


القَرْنُ الثَّانِي





الصفحة 26

الصفحة 27

(1)
جزء فيه خطبة النبي صلّى الله عليه وآله يوم الغدير

للخليل بن أحمد الفراهيدي، وهو أبو عبدالرحمن اليحمدي العتكي الأزدي البصري، النحوي العروضي اللغوي صاحب كتاب " العين " وواضع علم العروض (100 ـ 175 هـ).

ذكره أبو غالب الزراري أحمد بن محمّد بن محمّد بن سليمان ـ المتوفّى سنة 368 هـ ـ في رسالته إلى ابن ابنه محمّد بن عبيدالله بن أحمد، يترجم له فيها اُسرته، ويجيز له رواية كتبه وسماعاته، ورواياته، وعدّ هذا في ما أجاز له روايته، فقال في ص180: " جزء فيه خطبة النبي صلّى الله عليه وآله يوم الغدير رواية الخليل، كان أبوك وابن عمه حضرا بعض سماعه ".


الصفحة 28
وذكره شيخنا رحمه الله في الذريعة 5/101 وقال: " جزء في خطبة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في يوم الغدير برواية الخليل بن أحمد النحوي، المتوفّى سنة 170، سمعه الشيخ أبو غالب الزراري عن مشايخه ".

وممّا يبدو أنّه روى الخطبة بطولها من التابعين أو أتباع التابعين ثمّ أضاف إليها بعض الشروح اللغوية وفسّر غريبه، فأصبح جزءً ينسب إليه يتداولونه بالرواية والسماع والإجازة.

وقد ذكروا للخليل كتاباً في الإمامة، ولا أدري أهو هذا الكتاب أو هو غيره؟

ذكره له شيخنا رحمه الله في الذريعة 2/325 وقال: " وكتابه الإمامة تمّمه أبو الفتح محمّد بن جعفر المراغي، المتوفّى سنة 371 هـ، صاحب الاستدراك المذكور سابقاً كما يظهر من النجاشي في ترجمة المراغي قال: له كتاب الخليلي في الإمامة ".

وأمّا الاستدراك فقد ذكره شيخنا رحمه الله في الذريعة 2/22 قال: " الاستدراك لما أغفله الخليل، للشيخ أبي الفتح محمّد بن جعفر بن محمّد المراغي، المتوفّى سنة 371 ".

ثم قال: " أقول: الظاهر أنّه من كتب اللغة وكان سيدنا الحسن صدر الدين يحتمل أنّه متمّم لكتاب الخليل في الإمامة، لأنّ النجاشي عدّ من تصانيف أبي الفتح المراغي في ترجمته كتاب الخليلي في الإمامة ".

أقــول: أمّا النجاشي فقد قال في فهرسه برقم 1053: محمّد بن جعفر بن

الصفحة 29
محمّد بن الفتح الهمداني الوادعي المعروف بالمراغي... له كتاب مختار الأخبار، كتاب الخليلي في الإمامة...

وقال السيد حسن صدر الدين في كتاب تأسيس الشيعة الكرام لجميع فنون الإسلام، ص149: وللخليل كتاب في الإمامة، أورده بتمامه محمّد بن جعفر المراغي في كتابه، واستدرك ما أغفله الخليل من الأدلة وسمّاه كتاب الخليلي في الإمامة ذكره أبو العباس النجاشي...

ترجمة الخليل بن أحمد:

فقد ألّف الدكتور مهدي المخزومي محقّق كتاب العين كتاب: الخليل بن أحمد الفراهيدي، وكتاباً آخر باسم: عبقري من البصرة، ولگورگيس عوّاد، وميخائيل عوّاد: الخليل بن أحمد الفراهيدي حياته وآثاره طبع في بغداد سنة 1972 م.

وكتبت عنه ثريا ملحس كتاباً باسم: المعلم الخليل بن أحمد الفراهيدي صدر عن الشركة العالمية للكتاب في بيروت.

وأما في المعاجم وكتب التراجم فقد ترجم له الذهبي في وفيات سنة 170 هـ من تاريخ الاسلام ص169 وفي سير أعلام النبلاء 7/430 وقال فيهما: " حدّث عن أيّوب السختياني وعاصم الأحول والعوّام بن حوشب وغالب القطّان وطائفة ".

وراجع مصادر ترجمة الخليل المذكورة بهامشهما وأضف الى ذلك أيضاً

الصفحة 30
رياض العلماء 2/249، تأسيس الشيعة الكرام لجميع فنون الإسلام (فنّ العروض): 178، ومعجم رجال الحديث 7/76، وروضات الجنّات 3/289، وتنقيح المقال 1/402، وترجمته المطوّلة في أعيان الشيعة 30/50 ـ 91، وفي طبعة دار التعارف 6/337 ـ 346، وتهذيب الكمال للمزي 8/326 ـ 333، قاموس الرجال 4/201 رقم 2671، مستدركات أعيان الشيعة 3/75، سزگين 8/51، وترجمته العربية 8/80.


*  *  *