الإهداء:
والحمد لله والصلاة والسلام على محمد وآله.
أبا طالب يا صفوة الفضل والتقى | وغطريف مجد للذرى للذرى ارتقى |
جهادك صان العلمُ والحلمُ والحجى | مزاياه مذ رواه بالنبل والتقى |
به حفظ الله النبي محمداً | به نور دين الله في الكون أشرقا |
فبوركت فذّاً أوحدياً لقد زكا | بمغناك غرس المكرمات وأورقا |
خلقت كما قد شاء ربك آية | الكمال به آياته فيك حققا |
ونورك في أصلاب خير سلالة | من الأنبياء الأكرمين تألقا |
تحدر في الأصلاب وهي شوامخ | وأرحام طهر ملؤها الصفو والنقا |
لأن علياً نوره نور أحمد | معاً قبل خلق الخلق في العرش علقا |
ومن عجب أن يجمعا منذ آدم | ومن قبل لا والله لم يتفرقا |
ومذ ظهرت من ذلك النور شعبة | النبوة فيها فاز من كان أسبقا |
وأشرق في صافي محياك باهر | إلى العرش والكرسي في مده ارتقى |
فبوركت عرشاً للولاء وكعبة | بأستارها قلب الموالي تعلقا |
مكة المكرمة 15/12/1421هـ
تقديم وتوطئة:
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
وبعد..
فإننا نشهد في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، والمقروءة، هجمة شرسة على حقائق الدين، وشرائعه، وأحكامه، وعلى حماته، ورموزه، وأعلامه..
وقد ضاعف هؤلاء الجناة من هجماتهم التي تنضح بالحقد واللؤم، وبالتعصب المقيت، الذي لم يجدوا إلى إخفائه سبيلاً، لأنهم يرون كيف أن الإسلام الحق المتمثل بأطروحة أهل البيت عليهم السلام، ونهجهم القائم على التمسك بحبل ولايتهم، والاعتقاد بإمامتهم، يزيد تألقاً، وسطوعاً، وإشراقاً، خصوصاً بعد سقوط حكم الشاه في إيران، ثم ما سجَّله أبناء هذا النهج الأعزاء البررة، من انتصارات على أعداء الإنسانية، في كل اتجاه، الأمر الذي زاد من قوة انطلاقة الإسلام في مختلف أرجاء المعمورة، ليعمر القلوب بالهدى والنور، ويغمرها بالمحبة والسلام، ويأخذ بأزمَّتِها ليسلك بها سبل الحق ومناهجه، ويقودها إلى فردوس
وقد تكفلت فئات وجهات كثيرة، بالسعي لإطفاء هذا النور، نور الإسلام الحق، بأفواههم: {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}. [الصف ـ 8]. و {المشركون}، والمتعصبون، والأذناب الحاقدون..
وكانت لهم أساليبهم الماكرة، وسبلهم اللاإنسانية المختلفة، فقد تفننوا في اختراع وسائل الخداع، والتزوير للحق، والكيد لأهله، على طريقة دس السم في الدسم، فيما يثيرونه من أجواء، وما يطرحونه من أفكار، من خلال وسائل إعلامهم المرئية والمسموعة، وما يبثونه عبرها من حوارات مصطنعة، وفي مسلسلاتهم، ومختلف برامجهم المشبوهة، حتى الترفيهية، فضلاً عما يزعمون أنها ثقافية منها..
وأصبح كل همهم التسويق للباطل، ولأهله بطريقة التجني والافتراء، وتزوير الحقيقة ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً..
فعرضت تلك القنوات ولا تزال تعرض أفلاماً ومسلسلات كثيرة، فيها الكثير من الإفك والخيانة، لن يكون آخرها المسلسل الذي بثته إحدى الفضائيات عن الحجاج، ثم عن عمرو بن العاص، حيث سعوا إلى إقناع الناس بأن للحجاج قيمته ومكانته، وبأن عمرو بن العاص، من عباد الله الصالحين، وأوليائه المتقين، حتى ليخيل إليك أنه يصلح لأن يكون وصياً، إن لم يكن يصلح لأن يكون نبياً!!..
وهو يعرف رسول الله صلى الله عليه وآله أكثر من كل أحد سواه، لأنه كفله ورباه، وأيده، ورعاه، ودافع عنه ونافح، وجاهد في سبيل حفظه، وحفظ دعوته، وكافح..
وحين وجه إلينا بعض الإخوة سؤالاً عن هذه المفارقات، وحتّم علينا الواجب إجابته الصريحة والواضحة، وإن كانت لأهل الإفك جارحة، كان لا بد لنا في هذا البحث المقتضب، من أن نقدم إلى القارئ الكريم طائفة من النصوص التاريخية التي توضح له الحقيقة، وتزيل أية شبهة أو لبس، سواء فيما يرتبط بتاريخ وسيرة عمرو بن العاص، أم فيما يرتبط بتاريخ، وسيرة، وعظمة، وحقيقة إيمان أبي طالب عليه السلام المظلوم والمفترى عليه..
من أجل ذلك كان لا بد من تقديم فصل نعرض فيه بعض ما يدل على حقيقة عمرو بن العاص..
ثم نعرض فصولاً تتحدث عن أبي طالب عليه السلام، وعن جهاده، وتضحياته، وعن إيمانه، وفضائله..
فإلى ما يلي من فصول ومطالب:
الفصل الأول
هذا هو عمرو بن العاص..
بداية:
إن إعطاء لمحة عن عمرو بن العاص، في تاريخه، وفي ممارساته.. وفي العديد من شؤونه يفرض علينا عرض طائفة من النصوص، مقتصرين من المصادر على أقل القليل، رغم أن بالإمكان حشد العشرات بل المئات منها..
وإنما آثرنا التخفيف من حجم المصادر، لأننا اعتقدنا: أن ذلك لم يعد ضرورياً، بعد أن أصبحت أجهزة الكومبيوتر قادرة على تقديم مقادير وافية وكافية منها، لكل من أحب ذلك..
فلا ضير إذن من إيكال أمر تكثيرها إلى القارئ، الراغب في ذلك، ما دام أن الباب قد أصبح مفتوحاً أمامه، ولم يعد الاشتغال بتكثيرها يمثل أولوية ملحة، بل ربما يكون الأولى هو الانصراف إلى ما هو أهم، ونفعه أعم..
ومهما يكن من أمر، فإننا قد اخترنا للقارئ الكريم طائفة من النصوص قادرة على إعطائه الصورة التي رسمها لنا التاريخ بملامحها الواقعية، التي يسعى أصحاب الأهواء إلى العبث بها، واستبدالها بصورة تغاير الحقيقة، ولا تعكس إلا خيالات وأوهاماً، ولا تجد لها منطبقاً على
والذي اخترناه منها هو ما يلي:
عمرو يحتمي بعورته:
1 ـ إن هناك حادثة اشتهرت فيما بين عمرو بن العاص والإمام علي عليه السلام أيما اشتهار، وهي حادثة مبارزته للإمام علي عليه السلام، حيث إنه لم يجد وسيلة تنجيه من سيفه في واقعة صفين، إلا كشف عورته، ليصرف الإمام علياً عليه السلام عنه، وينجو هو بنفسه، والقضية معروفة ومشهورة..(1)
وقد قال الوليد بن عقبة يرد على معاوية، ويذكر كشف عمرو لسوأته:
يقول لنا معاوية بن حرب | أما فيكم لواتركم طلوب |
يشد على أبي حسن علي | بأسمر لا تهجنه الكعوب |
فيهتك مجمع اللبات منه | ونقع الحرب مطَّرد يؤوب |
فقلت له: أتلعب يابن هند | كأنك بيننا رجل غريب |
أتغرينا بحية بطن واد | إذا نهشت فليس لها طبيب |
وما ضبع يدب ببطن واد | أتيح له به أسد مهيب |
بأضعف حيلة منا إذا ما | لقيناه ولقياه عجيب |
سوى عمرو وقته خصيتاه | وكان لقلبه منه وجيب |
كأن القوم لما عاينوه | خلال النقع ليس لهم قلوب |
لعمرو أبي معاوية بن حرب | وما ظني ستلحقه العيوب |
لقد ناداه في الهيجا علي | فأسمعه ولكن لا يجيب |
فغضب عمرو، وقال: إن كان الوليد صادقاً فليلق علياً، أو فليقف حيث يسمع صوته. وقال عمرو:
يذكرني الوليد دعا علي | ونطق المرء يملؤه الوعيد |
متى تذكر مشاهده قريش | يطر من خوفه القلب الشديد |
فأما في اللقاء فأين منه | معاوية بن حرب والوليد |
وعيرني الوليد لقاء ليث | إذا ما شد هابته الأسود |
لقيت ولست أجهله علياً | وقد بُلَّت من العلق اللبود |
فأطعنه ويطعنني خلاساً | وماذا بعد طعنته أريد |
فرمها منه يابن أبي معيط | وأنت الفارس البطل النجيد |
وأقسم لو سمعت ندا علي | لطار القلب وانتفخ الوريد |
ولو لاقيته شقت جيوب | عليك ولطمت فيك الخدود..(2) |
كشف العورات ينجي من الهلكات:
ومن المفارقات: أنه قد جرى لبسر بن أبي أرطأة مع الإمام علي عليه السلام في صفين، نفس ما جرى لعمرو، حيث حمى نفسه من سيف علي، بكشف سوأته أيضاً..(4)
قال ابن عبد البر: «وللشعراء فيهما أشعار كثيرة مذكورة في موضعها من ذلك الكتاب..(5) منها فيما ذكره ابن الكلبي، والمدائني، قول الحارث بن نضر الخثعمي، وكان عدواً لعمرو بن العاص، وبسر بن أبي أرطأة:
أفي كل يـوم فارس لك ينتهي | وعورته وسط العجاجة بادية |
يكف لها عنه علي سنانه | ويضحك منها في الخلاء معاوية |
بدت أمس من عمرو فقنع رأسه | وعورة بسر مثلها حذو حاذية |
فقولا لعمرو ثم بسر: ألا انظرا | لنفسكما لا تلقيا الليث ثانية |
ولا تحمدا إلا الحيا وخصاكما | هما كانتا والله للنفس واقية |
ولولاهما لم تنجوا من سنانه | وتلك بما فيها عن العود ناهية |
متى تلقيا الخيل المغيرة صبحة | وفيها علي فاتركا الخيل ناحية |
وكونا بعيداً حيث لا يبلغ القنا | نحوركما إن التجارب كافية..(6) |
الإمام علي عليه السلام يصف عمرواً:
ومن الواضح: أن الإمام علياً عليه السلام، كان أعرف بعمرو بن العاص من كل أحد، فضلاً عن هؤلاء المتحذلقين المغرضين، وهو أصدق منهم قولاً فيه، لأن له حاجزاً من دينه، يمنعه من قول غير الحق، أو التجني والحيف، حتى على أعدائه..
ونختار من النصوص التي روت لنا ما قاله فيه، ما يلي:
1 ـ قال علي عليه السلام في جماعة، منهم عمرو بن العاص:
«والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، ما أسلموا، ولكن استسلموا، وأسرُّوا الكفر فلما وجدوا أعواناً رجعوا إلى عداوتهم منا»..(7)
2 ـ وقال أمير المؤمنين عليه السلام واصفاً له:
«واعجباً لابن النابغة: يزعم لأهل الشام: أن فيَّ دعابة، وأني امرؤ تلعابة، أعافس وأمارس، لقد قال باطلاً، ونطق آثماً.
أما ـ وشر القول الكذب ـ إنه ليقول فيكذب، ويعد فيخلف، ويُسأل فيبخل، ويسأل فَيُلْحِف، ويخون العهد، ويقطع الإلَّ.
فإذا كان عند الحرب، فأي آمر وزاجر هو؟! ما لم تأخذ السيوف
أما والله، إني ليمنعني من اللعب ذكر الموت، وإنه ليمنعه من قول الحق نسيان الآخرة..
وإنه لم يبايع معاوية حتى شرط له أن يؤتيه أتيَّة، ويرضخ له على ترك الدين رضيخة»..(9)
3 ـ وحين قال عمرو للإمام علي عليه السلام في صفين: أتشبهنا بالكفار؟!
قال عليه السلام: «يابن النابغة، ومتى لم تكن للكافرين ولياً، وللمسلمين عدواً؟ وهل تشبه إلا أمك التي دفعت بك»؟!..
فقام عمرو، وقال: لا يجمع بيني وبينك بعد اليوم مجلس.
فقال الإمام علي عليه السلام: إني لأرجو الله أن يطهر مجلسي منك، ومن أشباهك..(10)
سورة نزلت في عمرو بن العاص:
وروى يونس بن بكير، عن أبي عبد الله الجعفي، عن جابر، عن
«كان القاسم ـ أي ابن النبي صلى الله عليه وآله ـ بلغ أن يركب الدابة، ويسير على النجيبة، فلما قبضه الله، قال عمرو بن العاص: لقد أصبح أبتر.
فأنزل الله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} ـ عوضاً يا محمد عن مصيبتك بالقاسم ـ {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}..(11)
عمرو بن العاص في كلام الرسول صلى الله عليه وآله:
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله، أنه قال عنه وعن معاوية:
«إذا رأيتموهما اجتمعا ففرقوا بينهما، فإنهما لا يجتمعان على خير»..(12)
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله، أنه مر بعمرو بن العاص، والوليد بن عقبة، وهما يشربان ويغنيان، في حمزة لما قتل، بهذا البيت:
كم من حواري تلوح عظامه | درء الحروب بأن يجر فيقبرا |
«اللهم العنهما، واركسهما في الفتنة ركساً، ودعهما إلى النار دعاً»..(13)
وروى الهيثمي في تطهير الجنان: أن عمرو بن العاص صعد المنبر، فوقع في علي عليه السلام، ثم فعل مثله المغيرة بن شعبة ـ أي عند معاوية ـ والحسن عليه السلام حاضر.
فقيل للحسن عليه السلام: اصعد المنبر لترد عليهما. فامتنع، إلا أن يعطوه عهداً أن يصدقوه إذا قال حقاً، ويكذبوه إن قال باطلاً، فأعطوه ذلك.
فصعد المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أنشدك الله يا عمرو ويا مغيرة، أتعلمان أن النبي صلى الله عليه وآله لعن السائق والقائد، أحدهما فلان؟ ـ يعني معاوية ـ .
قالا: بلى.
ثم قال: يا معاوية، ويا مغيرة، ألم تعلما أن النبي صلى الله عليه وآله لعن عمرواً بكل قافية قالها لعنة؟
الإمام الحسن عليه السلام يصف عمرواً:
وقد اجتمع عمرو بن العاص مع المغيرة بن شعبة، والوليد بن عقبة، في مجلس معاوية، وطلبوا منه أن يحضر الحسن عليه السلام لسبه وسب أبيه، فأرسل إليه فحضر، وجرى بينهم وبينه كلام، فكان مما قاله الإمام الحسن لعمرو في هذا المجلس:
«.. وضعتك أمك مجهولاً من عهر وسفاح، فتحاكم فيك أربعة من قريش، فغلب عليك جزارها، ألأمهم حسباً، وأخبثهم منصباً..
إلى أن قال:
وقاتلت رسول الله صلى الله عليه وآله في جميع المشاهد، وهجوته.
وآذيته بمكة..
وكدته كيدك كله..
وكنت من أشد الناس له تكذيباً..
وعداوة..
ثم خرجت تريد النجاشي، مع أصحاب السفينة، لتأتي بجعفر وأصحابه إلى أهل مكة..
فأنت عدو بني هاشم في الجاهلية وفي الإسلام..
ثم إنك تعلم، وكل هؤلاء الرهط يعلمون: أنك هجوت رسول الله صلى الله عليه وآله بسبعين بيتاً من الشعر، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله:
«اللهم إني لا أقول الشعر، ولا ينبغي لي، اللهم العنه بكل حرف ألف لعنة»..
فعليك إذن من الله ما لا يحصى من اللعن.
وأما ما ذكرت من أمر عثمان، فأنت سعَّرت عليه الدنيا ناراً، ثم لحقت بفلسطين، فلما أتاك قتله، قلت: أنا أبو عبد الله، إذا نكأت قرحة أدميتها.
ثم حبست نفسك إلى معاوية، وبعت دينك بدنياه، فلسنا نلومك على بغض، ولا نعاتبك على ود. وبالله ما نصرت عثمان حياً، ولا غضبت له مقتولاً..
ويحك يابن العاص، ألست القائل في بني هاشم، لما خرجت من مكة إلى النجاشي:
تقول ابنتي أين هذا الرحيل | وما السير مني بمستنكر |
فقلت: ذريني، فإني امرؤ | أريد النجاشي في جعفر |
لأكويه عنده كية | أقيم بها نخوة الأصعر |
وشانئ أحمد من بينهم | وأقولهم فيه بالمنكر |
وأجري إلى عتبة جاهداً | ولو كان كالذهب الأحمر |
ولا أنثني عن بني هاشم | وما اسطعت في الغيب والمحضر |
فإن قبل العتب مني له | وإلا لويت له مشفري..(15) |
ابن العاص أم ابن أبي سفيان:
ولا ندري لماذا لا يذكرون في تلك المسلسلات قصة نسب عمرو إلى العاص بن وائل، مع أن المرجحات تشير إلى أنه ابن أبي سفيان، فإنه قد اختصم فيه أبو سفيان، والعاص بن وائل، فحكَّموا أمه في ذلك، فقالت: إنه من العاص بن وائل.
فقال أبو سفيان: أما إني لا أشك أني وضعته في رحم أمه، فأبت إلا العاص..
فقيل لها: أبو سفيان أشرف نسباً!!.
فقالت: إن العاص بن وائل كثير النفقة علي، وأبو سفيان شحيح.
ففي ذلك يقول حسان بن ثابت:
أبوك أبو سفيان لا شك قد بدت | لنا فيك منه بينات الدلائل |
ففاخر به إما فخرت ولا تكن | تفاخر بالعاص الهجين بن وائل |
وإن التي في ذاك يا عمرو حكمت | فقالت رجاء عند ذاك لنائل |
من العاص عمرو تخبر الناس كلما | تجمعت الأقوام عند المحافل..(16) |
ماذا عن أم عمرو بن العاص!:
فأما النابغة فقد ذكر الزمخشري في كتاب: «ربيع الأبرار».. قال:
كانت النابغة أم عمرو بن العاص أَمَةً لرجل من عنَزَة، فسُبيت، فاشتراها عبد الله بن جدعان التيمي بمكة، فكانت بَغِيّاً، ثم أعتقها، فوقع عليها أبو لهب بن عبد المطلب، وأمية بن خلف الجمحي، وهشام بن المغيرة المخزومي، وأبو سفيان بن حرب، والعاص بن وائل السهمي، في طهر واحد، فولدت عمراً، فادعاه كلهم، فحُكِّمت أمه فيه، فقالت: هو من العاص بن وائل، وذاك لأن العاص بن وائل كان ينفق عليها كثيراً.
قالوا: وكان أشبه بأبي سفيان.
وفي ذلك يقول أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب في عمرو بن العاص:
أبوك أبو سفيان لا شك قد بدت | لنا فيك منه بينات الشمائل..(17) |
من مخزيات عمرو:
وقال المعتزلي:
«وكان عمرو أحد من يؤذي رسول الله صلى الله عليه وآله بمكة..
ويشتمه..
ويضع في طريقه الحجارة، لأنه كان صلى الله عليه وآله يخرج من منزله ليلاً فيطوف بالكعبة، وكان عمرو يجعل له الحجارة في مسلكه ليعثر بها.
وهو أحد القوم الذين خرجوا إلى زينب ابنة(18) رسول الله صلى الله عليه وآله لما خرجت مهاجرة من مكة إلى المدينة، فروَّعوها، وقرعوا هودجها بكعوب الرماح، حتى أجهضت جنيناً ميتاً من أبي العاص بن الربيع بعلها.
فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله، نال منه، وشق عليه مشقة شديدة، ولعنهم. روى ذلك الواقدي.
وروى الواقدي أيضاً وغيره، من أهل الحديث:
أن عمرو بن العاص هجا رسول الله صلى الله عليه وآله هجاء كثيراً، كان يعلمه صبيان مكة، فينشدونه، ويصيحون برسول الله إذا مر بهم،
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يصلي بالحجر:
«اللهم إن عمرو بن العاص هجاني، ولست بشاعر: فالعنه بعدد ما هجاني»..
وروى أهل الحديث أن النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط، وعمرو بن العاص، عمدوا إلى سلى جمل، فرفعوه بينهم، ووضعوه على رأس رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو ساجد بفناء الكعبة، فسال عليه.
فصبر، ولم يرفع رأسه، وبكى في سجوده، ودعا عليهم.
فجاءت ابنته فاطمة عليها السلام، وهي باكية، فاحتضنت ذلك السلا، فرفعته عنه فألقته. وقامت على رأسه تبكي، فرفع رأسه صلى الله عليه وآله، وقال: «اللهم عليك بقريش».. قالها ثلاثاً..
ثم قال رافعاً صوته: «إني مظلوم فانتصِر».. قالها ثلاثاً.
ثم قام فدخل منزله؛ وذلك بعد وفاة عمه أبي طالب بشهرين.
ولشدة عداوة عمرو بن العاص لرسول الله صلى الله عليه وآله، أرسله أهل مكة إلى النجاشي ليزهِّده في الدين، وليطرد عن بلاده مهاجرة الحبشة، وليقتل جعفر بن أبي طالب عنده، إن أمكنه قتله، فكان منه في أمر جعفر ما هو مذكور مشهور في السير، وسنذكر بعضه..(19)
معاوية وعمرو عند عمر بن الخطاب:
هذا، وقد ذكر ابن عبد ربه: «أن عمرواً قدم من مصر، ومعاوية من الشام على عمر بن الخطاب، فأقعدهما بين يديه، وجعل يسائلهما عن أعمالهما، إلى أن اعترض عمرو في حديث معاوية، فقال له معاوية: أعملي تعيب؟! هلم أخبر الخليفة عن عملي، وأخبره عن عملك!
قال عمرو: فعلمت أنه بعملي أبصر مني بعمله، وأن عمر لا يدع هذا الحديث، حتى يصير إلى آخره، فأردت أن أفعل شيئاً أشغل به عمر عن ذلك، فرفعت يدي فلطمت معاوية.
فقال عمر: تالله ما رأيت أسفه منك، قم يا معاوية، فاقتص منه.
فقال معاوية: إن أبي أمرني أن لا أقضي أمراً دونه..
فأرسل عمر إلى أبيه، فأتى.
فلما قص عليه ما جرى قال: لهذا بعثت إلي؟! أخوه، وابن عمه، وقد أتى غير كبير، وقد وهبت ذلك له..»(20)
عمارة بن الوليد وعمرو بن العاص في الحبشة:
فأما خبر عمارة بن الوليد بن المغيرة المخزومي، أخي خالد بن الوليد مع عمرو بن العاص، فقد ذكره ابن إسحق في كتاب المغازي قال:
كان عمارة بن الوليد بن المغيرة، وعمرو بن العاص بن وائل، بعد مبعث رسول الله صلى الله عليه وآله، خرجا إلى أرض الحبشة على