الإهــداء..
إلى صاحب التربـة الداميـة..
الذي قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
((حسـين منّي وأنا من حسـين)).
وإلى روح فقيد الإسلام العلاّمة الأميني رضوان الله عليه.
المقدمة
إنّ الشـيعة الإمامية الّذين أظهروا حبّهم وولاءهم لأهل البيت اسـتجابة لقوله تعالى: ( قل لا أسـالكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى )(1)..
أخـرجـه الإمام أحمـد والطبراني والحـاكم، عن ابن عبّـاس ـ رضي الله عنـهمـا ـ، قـال: لـمّـا نـزلـت هـذه الآيـة قـالـوا: يـا رسـول الله! مَن قرابتك هؤلاء الّذين أوجبت علينا مودّتهم؟
فقال رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): عليٌّ وفاطمة وابناهما(2).
____________
1- سـورة الشـورى 42: 23.
2- فضائل عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ـ لأحمد بن حنبل ـ: 187 ح 263، المعجم الكبير 3 / 47 ح 2641 و ج 11 / 351 ح 12259، وانظر: مجمع الزوائد 7 / 103 و ج 9 / 168، الإتحاف بحبّ الأشراف: 5.
روى التـرمـذي عـن عـمـر بن أبـي سـلـمـة ـ ربـيـب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ، قال: لمّا نزلت هذه الآية: ( إنّما يُريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ) في بيت أُمّ سـلمة رضي الله عنها، دعا فاطمة وحسـناً وحسـيناً وجلّلهم بكسـاء، وعليٌّ خلف ظهره، ثمّ قال: " اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي، أذهِب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً "(2).
____________
1- سـورة الأحزاب 33: 33.
2- سـنن التـرمذي 5 / 327 ـ 328 ح 3205 و ص 621 ـ 622 ح 3787 و ص 656 ـ 657 ح 3871.
وانظر أيضاً: صحيح مسلم 7 / 130، مسند أحمد 6 / 292 و ص 323، فضائل عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ـ لأحمد بن حنبل ـ: 67 ذ ح 102 و ص 79 ح 118، المسـتدرك على الصحيحين 2 / 451 ح 3558 و ح 3559، خصائص الإمام عليّ (عليه السلام) ـ للنسائي ـ: 24 ح 9، أسباب النزول ـ للواحدي ـ: 198، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ للمغازلي ـ: 140، المصنّف ـ لابن أبي شيبة ـ 7 / 501 ح 49 و 50، المعجم الأوسط 2 / 401 ـ 402 ح 2176، الصواعق المحرقة: 224، التذكرة في أحوال الموتى وأُمور الآخرة: 723، تاريخ دمشق 14 / 137 ـ 148 ح 3441 ـ 3460 و ج 42 / 98 ح 8440 و ص 100 ـ 101 ح 8447 و ص 136 ح 8518 و ص 137 ح 8520، مختصر تاريخ دمشق 17 / 329 و 332 و 342 و 365، سير أعلام النبلاء 10 / 346 ـ 347، تفسير الطبري 10 / 269 ـ 298 ح 28485 ـ 28502، شواهد التنزيل 2 / 10 ـ 92، تفسير ابن كثير 3 / 465 ـ 466، مجمع الزوائد 9 / 168، مجمع البيان 8 / 137 ـ 138، ينابيـع المـودّة 3 / 364 ح 1 و ص 368 ـ 369 ح 3.
والتربة الحسـينية: هي عبارة عن تراب أُخذ من أرض كربلاء الشـاسـعة المترامية الأطراف للسـجود عليها، لا كما يظنّ بعضهم أنّها من تراب مزج بدم الإمام الحسـين (عليه السلام)، ولكن هذه الإضافة أكسـبتها شـرافة، كالإضافة إلى سـائر المقامات العالية، وقد جرى العقلاء على الاهتمام بهذه الأُمور الاعتبارية.
والشـيعة الإمامية اعتادوا السـجود على التربة الحسـينية، حيث اجتمعت فيها كلّ الشـروط التي يجب توافرها في مسـجد الجبهة، من طهارة وإباحة... إلى آخر الشـروط المقرّرة في الموسـوعات الفقهية.
وقد أجمع فقهاء الأُمّة الإسـلامية على أنّ السـجود على الأرض هو الأفضل، فحملها بعضٌ منهم معه رعاية للاحتياط، وحرصاً على الأفضلية ; لأنّ البيوت اليوم والأماكن العامة كسـيت أرضيّتها بأبسـطة قطنية أو بالسـجّاد الصوفي، أو مسـفلتة، أو معبّدة، بما يخرجها عن كونها أرضاً، فيقع المصلّي بين
ولم يكن السـجود على التربة عند الشـيعة من الواجبات في الصلاة، ولذا نراهم في المسـجد الحرام، وفي مسـجد الرسـول (صلى الله عليه وآله وسلم) يسـجدون على أرض المسـجد ; لأنّ أرضية المسـجدين الشـريفين مبلّطة بالحجر الطبيعي، أو مفروشـة بالحصى، وكلّ منهما يسـمّى أرضاً، ويصحّ السـجود عليه.
ولكن من المؤسـف أنّ بعض إخواننا المسـلمين يرمي الشـيعة بالشـرك والمروق عن الدين لسـجودهم على هذه القطعة من الأرض، وقد قال تعالى: ( ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السـلام لسـت مؤمناً )(1).
فكيف بمن يشـهد الشـهادتين، ويؤدّي الصلوات الخمس، ويحجّ البيت الحرام... إلى آخر فروع الدين؟!
وهل إنّ الاختلاف في الفروع الفقهية يوجب الخروج عن الدين، والكفر بسُـنّة سـيّد المرسـلين؟!
في حين نرى أنّ المذهب الواحد قد يختلف فقهاؤه في كثير من الفروع الفقهية ; لأنّ كلّ فقيه يفتي بما يؤدّي إليه نظره، وما أدّى إليه نظره فهو حكم الله الظاهري في حقّه، وهكذا
____________
1- سـورة النسـاء 5: 94.
والشـيعة الإمامية تضع جباهها على التربة الحسـينية ; لأنّها أرض طبيعية، والأرض أفضل المسـاجد، وقد صحّ عن الرسـول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: " جُعلت لي الأرض مسـجداً وطهوراً "(2).
ولو كان الشـيعة يسـجدون لهـا لكانـوا يسـجدون دونهـا لا أنْ يضعوا جباههم عليهـا، وهناك فرق بين السـجود لها وبين السـجود عليها، وليس كلّ مسـجود عليه معبوداً، وإلاّ لكان السـاجد على البسـاط سـاجداً له، والسـاجد على السـجّاد عابداً له.. وهكـذا! في حين لا يقول بذلك أحد.
وما أفاده العلاّمة المغفور له الشـيخ عبـد الحسـين الأميني طاب ثراه، مؤلّف موسـوعة " الغـدير " الكبرى، في محاضـرة ألقاها في سـوريا عام 1384 هـ، وهي التي بين يديك
____________
1- انظـر: صحيـح البخاري 8 / 193 ـ 194 ح 120، وفيـه: قال رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " إذا حكم الحاكم فاجتهد ثمّ أصاب، فله أجران، وإن حكم فاجتهد ثمّ أخطأ، فله أجر ".
2- صحيح البخاري 1 / 149 ح 2 و ص 190 ح 98، صحيح مسلم 2 / 63 ـ 64، سنن الترمذي 2 / 131 ح 317، سـنن أبي داود 1 / 129 ح 489، سنن النسائي 2 / 56، مسند أحمد 2 / 240 و 250.
وقد خاض (قدس سره) في كلّ المسـانيد، والصحاح، وأُمّهات الكتب الفقهية، ثمّ عرض علينا في محاضرته هذه زبد هذا المخاض من الأحاديث الواردة في هذا الباب، وناقشـها مناقشـة علمية ينجلي فيها الريب عن كلّ من له قلب أو ألقى السـمع وهو شـهيد.
وصنّف ما ورد من أحاديث في السـجود إلى ثلاثـة أقسـام:
الأوّل: السـجود على الأرض.
الثـاني: السـجود على النـبـات ; كالـحـصـيـر، والفـحـل ـ حصير كبير مصنوع من سـعف النخل ـ، والخُمْرة ـ حصير صغير من سـعف النخل يتّخذ للصلاة(1) ـ.
الثالث: السـجود على الثياب القطنية، أو الصوفية.
وسـلّط الأضواء على هذا القسـم الثالث، وكانت روايات هذه القسـم يفسّرها ظرفها، فقد كانت جميعها ـ إلاّ ما شـذّ ـ صريحةً في أنّ السـجود على الثوب كان إمّا في صيف قائظ شـديد الحرّ، أو في برد قارس يتعذّر أو يتعسّر مباشـرة
____________
1- انظر: لسان العرب 4 / 213 مادّة " خمر ".
وقاعدة " لا ضرر ولا ضرار " في الإسـلام لها الحكومة على سـائر الأدلّة كما يقول الفقهاء، وما ينجم عنه الضرر يحرم فعلـه.
ومن هذا نعلم أنّ السـجود على الصوف أو القطن اختياراً يوقع المسـلم في حيرة من أمره ; لأنّ ذلك لا يجوز على أسـاس أنّ العبادات توقيفية، فالتعدّي عنها إلى غيرها إدخال ما ليس من الدين في الدين، وهو بدعة محرّمة، وأمر مُحدَث، وقد ورد عنـه (صلى الله عليه وآله وسلم): " شـرّ الأُمور مُحْـدَثاتها "(1)، وسـوف يأتي تفصيل ذلك.
وهناك فيض من روايات جاءت في كراهة نفخ موضع السـجود غصّت بها كتب الحديث، تفيدنا أنّ المسـلمين ما كانوا يسـجدون على غير الأرض وغير الحُصُر النباتية، وإليك قارئي الكريم بعضاً منها:
1 ـ فقد أورد الإمام مالك بن أنس في " الموطّـأ "، قال: حدّثني يحيى، عن مالك، عن أبي جعفر القاري، أنّه قال:
____________
1- صحيح مسلم 3 / 11، مسند أحمد 3 / 319 و 371، السنن الكبرى 3 / 207 و 213 و 214، المعجم الأوسط 9 / 269 ح 9418، مجمع الزوائد 1 / 171.
2 ـ وأورد أيضاً، قال: حدّثني مالك، عن يحيى بن سـعيد، أنّه بلغه أن أبا ذرّ كان يقول: مسـح الحصباء مسـحة واحدة وتركها خير من حُمْر النَعَم(2).
والملاحظ في هذين الحديثين: الالتزام بالسـجود على الأرض.
* وأورد أيضاً الحافظ عبـد العظيم المنذري في كتابه " الترغيب والترهيب من الحديث الشريف " في السـجود على الحصى وكراهة نفخ السـجود، نورد بعضاً منها:
1 ـ قال: عن أبي ذرّ (رضي الله عنه)، عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): إذا قام أحدكم في الصلاة فإنّ الرحمة تواجهه، فلا تحرّكوا الحصى.
رووه كلّهم من رواية أبي الأحوص، عنه(3).
____________
1- الموطّـأ: 146 ح 48.
2- الموطّـأ: 146 ح 49.
وحُمْر النَـعَم: الإبل الحمراء، وهي خير الإبل وكرائمها، وهو مَثَل في كلّ نفيس ; انظر مادّة " حمر " في: لسان العرب 3 / 318، المصباح المنير: 58، تاج العروس 6 / 309.
3- الترغيب والترهيب 1 / 222 ـ 223 ح 1، وانظر: سنن الترمذي 2 / 219 ح 389، سنن أبي داود 1 / 246 ح 945، سنن ابن ماجة 1 / 328 ح 1027، سنن النسائي 3 / 6، المصنّف ـ لعبـد الرزّاق ـ 2 / 38 ح 2398، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 4 / 20 ح 2271.
رواه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وأبو داود، وابن ماجة(1).
3 ـ وعن جابر (رضي الله عنه)، قال: سـألت النبيّ عن مسـح الحصى في الصلاة، فقال: واحدة، ولئن تمسـك خير لك من مئة ناقة كلّها سـود الحدق.
رواه ابن خزيمة في صحيحه(2).
4 ـ وعن أبي صالـح ـ مولى طلحـة ـ، قـال: كـنت عنـد أُمّ سـلـمـة زوج النبـيّ، فـأتى ذو قرابتـهـا شـابّ ذو جُـمّـة(3)فقـام يصلّي، فلمّا أراد أن يسـجد نَفخَ، فقالت: لا تفعل! فإنّ
____________
1- الترغيب والترهيب 1 / 223 ح 2، وانظر: صحيح البخاري 2 / 142 ـ 143 ح 230، صحيح مسلم 2 / 74 ـ 75، سنن الترمذي 2 / 220 ح 380، سنن النسائي 3 / 7، سنن أبي داود 1 / 247 ح 946، سنن ابن ماجة 1 / 327 ح 1026.
2- الترغيب والترهيب 2 / 223 ح 3.
3- الجُمّة من الإنسان ـ وجمعها: جُمَم ـ: مجتمع شعر ناصيته، وهي التي تبلغ المَنكبين.
انظر: المصباح المنير: 43، لسان العرب 2 / 367، مادّة " جَمَمَ ".
رواه ابن حبّان في صحيحه(1).
ومن مجموعة روايات كراهة النفخ ـ وما أكثرها ـ جاء ذِكر السـجود على الأرض فيها، في حين كان السـجود بأماكن خاصة وأماكن عامّة.
فمثلا هذا الشـابّ ـ قرابة أُمّ سـلمة ـ الذي جاء ضيفاً إلى بيت رسـول الله ـ وعادة وكما قيل: لكلّ قادم كرامة ـ فلِمَ لَم تفرش له أُمّ سـلمة أجود بسـاط عندها؟!
ولا أعتقد أنّ أُمّ سـلمة تفتقد وجود بسـاط في بيتها! ولو كانت صلاته بالمسـجد لقلنا: إنّ المسـجد فُرش بالحصى، وكلّ المسـلمين يسـجدون عليه، أمَا والشـابّ يصلّي في بيت أُمّ سـلمة فلا يمكن أن يأتي هذا الافتراض، ومع هذا تنهاه أُمّ سـلمة عن نفخ موضع سـجوده، وتريده أن يضع جبهته على الحصى، ومع غباره!
____________
1- الترغيب والترهيب 2 / 223 ح 4، وانظر: الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 3 / 191 ح 1910، سنـن الترمذي 2 / 221 ح 382، المستدرك على الصحيحين 1 / 404 ح 1001، وقال فيه: هذا حديث صحيح ولم يخرّجاه، وقال الذهبي: صحيح.
إذاً ـ والحالة هذه ـ يتبيّن لنا أنّه لا يجوز السـجود على الصوف، ولا على القطن، ولا على أيّ شـيء سـوى الأرض وما أنبتت ما لم يؤكل أو يلبس، وعلى القرطاس، دون غيرها.
والعبادات ـ قارئي الكريم ـ توقيفية، يقتصر فيها على مورد النصّ، وفِعل الرسـول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتقريره، وقوله، هو سُـنّة بمثابة نصّ قرآني.
نعم، قد يُسـتفاد من بعض الأحاديث أنّ بعض الصحابة سـجد على ثيابه، وقد تقدّم أنّه يجوز ذلك عند الضرورة، والضرورات تبيح المحظورات.
كما قد أورد في عمدة القاري شـرح صحيح البخاري، للشـيخ بدر الدين العيني تعليقاً على حديث الخُمرة، قال:
" الرابع: جواز الصلاة على الخُمْرَة من غير كراهة.
وعن ابن المسـيّب: الصلاة على الخُمرة سُـنّة.
وكانت سـيرة الشـيعة الإمامية العمل بالأفضل، لذا فهم يسـجدون على تربة تصنع من أرض طابت وطهرت ـ والأرض تشـقى وتسـعـد ـ يـأخـذونهـا مـن أرض كـربـلاء، لِمـا ورد عنـه (صلى الله عليه وآله وسلم): " حسـين منّي وأنا من حسـين "(2)..
و " الحسـن والحسـين سـيّدا شـباب أهل الجنّة "(3).
____________
1- عمدة القاري شـرح صحيح البخاري 4 / 108.
2- سنن الترمذي 5 / 617 ح 3775، مسند أحمد 4 / 172، المستدرك على الصحيحين 3 / 194 ـ 195 ح 4820، مصنّف ابن أبي شيبة 7 / 515 ح 22، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 9 / 59 ح 6932، المعجم الكبير 3 / 32 ح 2586 و ص 33 ح 2589 و ج 22 / 273 ـ 274 ح 701 و 702، تاريخ دمشق 14 / 149 ح 3461 و ص 150 ح 3464، جامع الأحاديث الكبير ـ للسيوطي ـ 4 / 228 ح 11267، الجامع الصغير: 232 ح 3823.
3- سنن الترمذي 5 / 614 ح 3768 و ص 619 ح 3781، مسند أحمد 3 / 3 و ص 62 و 64 و 82 و ج 5 / 391، الخصائص ـ للنسائي ـ: 99 ح 124 و 125 و ص 104 ـ 105 ح 135 ـ 137، مصنّف ابن أبي شيبة 7 / 512 ح 2 و 3، مسند أبي يعلى 2 / 395 ح 1169، المعجم الكبير 3 / 35 ـ 40 ح 2598 ـ 2608 و ج 22 / 402 ـ 403 ح 1005، المعجم الأوسط 1 / 174 ـ 175 ح 368 و ج 3 / 8 ـ 9 ح 211 و ج 4 / 520 ح 4332، مصابيح السُـنّة 4 / 193 ح 4827 و ص 196 ح 4835، تاريخ بغداد 1 / 138 و 140 و ج 4 / 207 و ج 6 / 372 ـ 373 و ج 9 / 231 و ج 11 / 90، الإحسـان بترتيب صحيح ابن حبّان 9 / 55 ح 6920 و 6921، تـاريخ دمشـق 14 / 130 ـ 131 ح 3423 ـ 3425 و ص 132 ـ 137 ح 3427 ـ 3440، مجمع الزوائد 9 / 182 ـ 183، الجامع الصغير: 332 ح 3820 ـ 3822، جامع الأحاديث الكبير 4 / 228 ح 11267 و ص 257 ح 11472 و 11473 و ص 258 ح 11477، الصواعق المحرقة: 211 و 284 و 290، كنز العمّال 12 / 112 ـ 113 ح 34246 ـ 34249 و ص 115 ح 34259 و 34260 و ص 116 ح 34299 و ص 117 ح 34274 و ص 119 ح 34282 و ص 120 ح 34285 و 34288 و 34289 و ص 122 ح 34293.
فنهض هو وأهل بيته وصحبه الغرّ الميامين، لتصحيح المسـار، والعودة بالإسـلام إلى منابعه الأصلية، حتّى تسـاقطوا صرعى في هذه البقعة الشـريفة التي منها يأخذ الشـيعة التربـة.
فهي إذاً توحي للمسـلم الجهاد في سـبيل الله والدفاع عن حياض العقيدة، والجهاد باب من أبواب الجنّة، والجنّة تحت ظلال الأسـنّة.
وورد في تفسـير الآية الكريمة: ( في بيوت أَذِن الله أن ترفـع ويذكـر فيهـا اسـمه )(1) عن جـلال الديـن السـيوطي في
____________
1- سـورة النور 24: 36.
فاكتسـبت الأرض شـرافة بالأجسـام الطاهرة الثاوية في رحابها، والمكان بالمكين كما قيل.
كما ورد في " الذخائر القدسـية في زيارة خير البرية " أنّ المسـلمين كانوا يسـتشـفون بتربة حمزة بن عبـد المطّلب، وتربة صهيب الرومي(2)، قال ما نصّه:
من ذلك: الاسـتشـفاء بتربة حمزة، وتربة صهيب اللذين اسـتثنيا من حرمة نقل تراب الحرم المدني إلى غيره، فيجوز نقلها كما سـننبّه على ذلك.
____________
1- الدرّ المنثور 6 / 203.
2- هو: صُهيب بن سنان بن مالك بن عتيل بن بزار الربعي النمر بن قاسط، لقّب بالرومي لأنّ الروم سبته، وهرب منهم إلى مكّة، عُذّب من قبل المشركين مع عمّار وخبّاب وسلمان، اعتنق الإسلام مع عمّار ابن ياسر، شهد بدراً وأُحداً، وكلّ غزوات الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان لا يفارقه في كلّ غزوة، كنّاه النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بأبي يحيى، توفّي بالمدينة سنة 38 هـ، وقيل سنة 39 هـ، وهو ابن ثلاث وسبعين سنة، ودفن في البقيع.
انظر: الاستيعاب 2 / 726 ـ 733 رقم 1226، أُسد الغابة 2 / 418 ـ 421 رقم 2535، الإصابة 3 / 249 ـ 252 رقم 4108.
وأمّا الثاني: فقد جرّبه العلماء للشـفاء من الحمّى شـرباً وغُسـلا، لكنّ الشـرب هو الوارد في حديث ابن النجّار وغيره لمّا أصابت بني الحارث، قال لهم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): أين أنتم من تراب صهيب؟!
قالوا: وما نصنع به؟!
قال: تجعلونه في الماء... إلى آخر الحديث(1).
ومن المعلوم أنّ مقام الحسـين (عليه السلام) أجلّ وأسـمى من مقام الحمزة وصهيب ـ رضوان الله عليهما ـ عند الله وعند رسـوله، للأحاديث الواردة فيه من الرسـول العظيم، والتي تشـيد بذِكره وعلوّ مكانته.
ولقائل أن يقول: لماذا لم يحمل معهم الصحابة والسـلف الصالح تربة من أرض الحرمين الشـريفين(2) في سـفرهم
____________
1- الذخائر القدسـية في زيارة خير البرية ـ لمؤلّفه عبـد الحميد بن محمّـد أقدس بن الخطيب، المدرّس بالجامع الحرام بمكّة ـ: 112.
2- المدينة حرم ما بين عَيْر ـ بفتح العين، وسكون الياء ـ وهو جبل جنوبي المدينة المنوّرة ـ، إلى ثور ـ جبل في شمالها ـ.
ومكّة المكرّمة حرم له حدود، ولهذه الحدود مسافات، وهي ـ مع بيان مسافاتها ـ:
1 ـ شمالا: من جهة (المدينة المنوّرة)، المكان المسمّى بـ (التنعيم) أو (مسجد العمرة)، والمسافة بينه وبين المسجد الحرام تعدّ بنحو أربعة أميال.
2 ـ غرباً: من جهة (جدّة)، عند المكان المسمّى (العلمين) أو بـ (الحديبية)، والمسافة بينه وبين المسجد الحرام تقدّر بنحو عشرة أميال.
3 ـ شرقاً: من جهة (نجد)، عند المكان المسمّى بـ (الجعرانة)، والمسافة بينه وبين المسجد الحرام تقدّر بنحو ثمانية أميال.
4 ـ جنوباً: من جهة (عرفة) عند (نمرة)، والمسافة بينه وبين المسجد الحرام تقدّر بنحو ثلاثة عشر ميلا.
انظر: دليل الحاجّ: 49.
نقول في جواب ذلك بما ذكره صاحب " الذخائر القدسـية " من حرمة نقل تراب الحرم المدني، وبالطبع فالحرم المكّي بطريق أَوْلى، فقد أورد رضوان الله عليه:
" أن لا ينقل معه شـيئاً من حجارة حرم المدينة وترابها، فإنّ ذلك حرام عند أئمّتنا ولو إلى مكّة وإنْ نوى ردّه إليه كما في (التحفة).
نعم، اسـتثنوا من ذلك نقل تراب احتيج إليه للدواء كتراب مصرع حمزة (رضي الله عنه) للصداع، وتربة صهيب (رضي الله عنه) كما مرّ التنبيه عليه، لإطباق السـلف والخلف على نقل ذلك، ومنه يعلم حرمة نقل الآجر والأُكر والأواني المعمولة من تراب المدينة إلاّ إن
وإجماع الفقهاء على المنع ـ كما ذكره صاحب " الذخائر القدسـية " ـ عاق سـكّان الحرمين عن حمل تربة من هذه الديار المقدّسـة.
ولو رجعنا إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام) الّذين ورد فيهم أنّ الرسـول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، لن تضلّوا ما إن تمسّـكتم بهما، ولن يفترقا حتّى يردا علَيَّ الحوض "(2).. لرأينا فيضاً من نصوص
____________
1- الذخائر القدسـية في زيارة خير البرية: 18.
2- صـحيـح مسـلم 7 / 122 ـ 123، سـنن الترمـذي 5 / 621 ح 3786 و ص 622 ح 3788، مسند أحمد 3 / 14 و ج 3 / 17 و ج 4 / 371 و ج 5 / 182 و 189، فضائل عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ـ لأحمد بن حنبل ـ: 76 ح 114، الطبقات الكبرى 2 / 150، سنن الدارمي 2 / 292 ح 3311، أنـســـاب الأشــراف 2 / 357، خـصــائـص الإمـام عليّ (عليه السلام)ـ للنسائي ـ: 69 ـ 70 ح 74، مسند أبي يعلى 2 / 297 ح 1021 و ص 303 ح 1027، المعجم الصغير ـ للطبراني ـ 1 / 131 و 135، المعجم الكبير 3 / 2678 و ج 3 / 65 ح 2678 و ج 5 / 153 ح 4921 و ص 154 ح 4923 و ص 166 ح 4969 و ص 170 ح 4980 و 4981 و ص 182 ح 5025 و 5026 و ص 183 ح 5028 و ص 186 ح 5040، المستدرك على الصحيحين 3 / 118 ح 4576 و ح 4577 و ص 160 ـ 161 ح 4711، حلية الأولياء 1 / 355 و ج 9 / 64، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ 2 / 148 و ج 7 / 30 و ج 10 / 114، تاريخ دمشق 4 / 216 ح 8702، مناقب الإمـام عليّ (عليه السلام) ـ للمغـازلي ـ: 214 ـ 215 ح 283، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ للخوارزمي ـ: 154، تفسير الفخر الرازي 8 / 179، ذخائر العقبى: 47 ـ 48، مختصر تاريخ دمشق 17 / 120، تفسير الخازن 1 / 257، فرائد السمطين 2 / 142 ـ 147 ح 436 ـ 441، مجمع الزوائد 9 / 163، الدرّ المنثور 2 / 285، كنز العمّال 1 / 172 ـ 173 ح 870 ـ 873 و ص 178 ح 898.
يقول السيّد محمّـد تقي الحكيم في كتابه " الأُصول العامّة للفقه المقارن " ص 164: " وهذا الحديث يكاد يكون متواتراً، بل هو متواتر فعلا إذا لوحظ مجموع رواته من الشيعة والسُـنّة في مختلف الطبقـات ".
.. إلى أن يقول: " وحَسْب الحديث لأنْ يكون موضع اعتماد الباحثين أن يكون من رواته كلّ من صحيح مسلم وسنن الدارمي وخصائص النسائي وسنن أبي داود وابن ماجة ومسند أحمد ومستدرك الحاكم وذخائر الطبري وحلية الأولياء وكنز العمّال، وغيرهـا، وأن تُعنى بروايته كتب المفسّرين أمثال الرازي والثعلبي والنيسابوري والخازن وابن كثير، وغيرهم، بالإضافة إلى الكثير من كتب التاريخ واللغة والسير والتراجم ".
قال (عليه السلام): لا يجوز السـجود إلاّ على الأرض أو على ما أنبتت الأرض إلاّ ما أُكل أو لبس.
فقال له: جعلت فداك، ما العلّة في ذلك؟
قال (عليه السلام): لأنّ السـجود خضوع لله عزّ وجلّ، فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل ويلبس ; لأنّ أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسـون، والسـاجد في سـجوده في عـبـادة الله عـزّ وجـلّ، فلا ينبغي أن يضع جبهته في سـجوده على معبود أبناء الدنيا الّذين اغترّوا بغرورها(1).
والحقيقة:
أنّ الصلاة مظهر عبودي لله علينا، لأن نكون مخلصين له الدين ولا نشـرك بعبادة ربّنا أحداً.
ولذا قال الفقهاء ببطلان الصلاة مع الرياء ; لأنّ نيّة القربة بدأت تتأرجح، والمردَّد لا يقع، فكذلك السـجود على الملبوس والمأكول له انعكاسـات على نيّة التقرّب يمكن أن تأتي بمردود غير مسـتحسـن تتسـاقط أمامه نيّة التقرّب إلى الله.
والخلاصـة:
يصحّ للمسـلم أن يسـجد على ما يطلق عليه أرضاً، سـواءً كان تراباً أو صخراً أو رملا أو طيناً أو على الرخام
____________
1- علل الشرائع 1 / 37 ح 1 باب 42.
كما لا يجوز السـجود على ما يلبس كالقطن والكتّان والقنب والمنسـوج منهما.
كما ويجوز السـجود على القرطاس ـ الورق ـ، فقد سـأل داود بن فرقد أبا الحسـن (عليه السلام) عن القراطيس والكواغد المكتوب عليها هل يجوز السـجود عليها أم لا؟
فكتب (عليه السلام): يجـوز(1).
وقد يقال: لماذا لم يكن رسـول الله يحمل تربة معه؟!
يجاب عن ذلك:
أوّلا: بناءً على ما تقدّم من عدم جواز نقل تراب الحرمين إلى غيرهما، حتّى من أحدهما إلى الآخر.
وثانياً: إنّ تصرّفات الرسـول الشـخصية، كلبس ثوب خاصّ وعمامة خاصة بشـكلية خاصة، فنحن غير ملزمين بأن
____________
1- الاستبصار 1 / 334 ح 1257 باب السجود على القرطاس فيه كتابة.
وثالثاً: قد تقدّم أنّ كلّ الّذين نقلوا لنا كيفية سـجود رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قالوا: إنّه كان في سـجوده يباشـر الأرض بجبهته الشـريفة، أو يسـجد على الحصر(1).
وقد ورد أيضاً عن أبي حُميد [ الساعدي ] أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)كان إذا سـجد أمكن أنفه وجبهته من الأرض ; رواه أبو داود والترمذي وصحّحه(2).
وكان مسـجده الشـريف في حينه مفروشـاً بالحصباء، فلماذا يتحمّل عناء حمل تربة معه، والتاريخ الصحيح والسُـنّة النبوية النقية، وكبار الفقهاء يشـهدون أنّ رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما سـجد على قطن أو صوف؟!
____________
1- صحيح البخاري 2 / 223 ح 242، سنن الترمذي 2 / 153 ح 332، سنن أبي داود 1 / 173 ـ 174، سنن النسائي 2 / 56 ـ 57.
2- سـنن الترمذي 2 / 59 ح 270، وورد مؤدّاه في سـنن أبي داود 1 / 234 ح 894.