(فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً)
(النساء/24)
الوحدة حول مائدة الكتاب والسنة
الحمد لله ربّ العالمين، والصَّلاة على محمّد وآله الطاهرين، والسلام على أصحابه البررة الميامين.
وبعد: تنازعنا معاشر المسلمين على مسائل الخلاف في الداخل ففرّق أعداء الإسلام من الخارج كلمتنا من حيث لا نشعر، وضعفنا عن الدفاع عن بلادنا، وسيطر الأعداء علينا، وقد قال سبحانه وتعالى: (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) (الأنفال/46).
وينبغي لنااليوموفي كلّ يوم أن نرجع إلى الكتاب والسنّة في ما اختلفنا فيه ونوحّد كلمتنا حولهما، كما قال تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْء فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ)(النساء/59).
وفي هذه السلسلة من البحوث نرجع إلى الكتاب والسنّة ونستنبط منها ما ينير لنا السبيل في مسائل الخلاف، فتكون بإذنه تعالى وسيلة لتوحيد كلمتنا.
راجين من العلماء أن يشاركونا في هذا المجال، ويبعثوا إلينا بوجهات نظرهم على عنوان:
بيروت
ص.ب 124/24
العسكـري
الزواج المؤقت في الإسلام
تواتر عن عمر بن الخطاب قوله:
متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأُعاقب عليهما: متعة الحجّ، ومتعة النساء(1).
وسبق البحث عن متعة الحجّ وكيفية اجتهاده في النهي عنها، وفي ما يلي نبحث عن متعة النساء وسبب تحريمه إيّاها واجتهاده فيها، بدءاً بايراد تعريفها عن مصادر مدرسة الخلفاء ثمّ عن فقه مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، ثمّ نبحث عنها في الكتاب والسنّة بحوله تعالى.
____________
1- تفسير القرطبي 2 : 370; وتفسير الفخر الرازي 2 : 167; و 3 : 201 و 202; وكنز العمال 8 : 293 و 294; والبيان والتبيين للجاحظ 2 : 223.
1 ـ نكاح المتعة في مصادر مدرسة الخلفاء
في تفسير القرطبي: لم يختلف العلماء من السلف والخلف أنّ المتعة نكاح إلى أجل لا ميراث فيه، والفرقة تقع عند انقضاء الأجل من غير طلاق.
وقال ابن عطيّة: وكانت المتعة أن يتزوّج الرجل المرأة بشاهدين وإذن الوليّ إلى أجل مسمّى، وعلى أن لا ميراث بينهما، ويعطيها ما اتّفقا عليه، فإذا انقضت المدّة فليس عليها سبيل وتستبرئ رحمها، لأنّ الولد لاحق فيه بلا شكّ، فإن لم تحمل حلّت لغيره(1).
وفي صحيح البخاري عن رسول الله (ص): "أيّما رجل وامرأة توافقا فعشرة ما بينهما ثلاث ليال فإن أحبّا أن يتزايدا أو يتتاركا"(2).
وفي مصنف ابن أبي شيبة عن جابر قال: إذا انقضى الأجل فبدا لهما أن يتعاودا فليمهرها مهراً آخر، فسئل كم تعتدّ؟ قال: حيضة واحدة، كنّ يعتددنها للمستمتع
____________
1- تفسير القرطبي 5 : 132 .
2- صحيح البخاري 3 : 164 باب نهي رسول الله عن نكاح المتعة أخيراً.
وفي تفسير القرطبي عن ابن عباس قال: عدّتها حيضة، وقال: لا يتوارثان(2).
وفي تفسير الطبري، عن السّدي: "فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى فآتوهنّ أُجورهنّ فريضة ولا جناح عليكم في ما تراضيتم به من بعد الفريضة"، فهذه المتعة، الرجل ينكح المرأة بشرط إلى أجل مسمّى ويُشهد شاهدين وينكح باذن وليّها، وإذا انقضت المدّة فليس له عليها سبيل، وهي منه بريّة، وعليها أن تستبرئ ما في رحمها، وليس بينهما ميراث، ليس يرث واحد منهما صاحبه(3).
وفي تفسير الكشّاف للزمخشري: وقيل: نزلت في المتعة التي كانت ثلاثة أيّام حتى فتح الله مكة على رسوله (ص و س) ثمّ نسخت، كان الرجل ينكح المرأة وقتاً
____________
1- المصنف لعبد الرزاق 7 : 499 باب المتعة.
2- تفسير القرطبي 5 : 132; والنيسابوري 5 : 17.
3- تفسير الطبري 5 : 9.
هكذا ورد تعريف متعة النساء أو نكاح المتعة في مصادر مدرسة الخلفاء وورد تعريفها في الفقه الإمامي كما يلي:
2 ـ نكاح المتعة في الفقه الإمامي
نكاح المتعة أو متعة النساء: أنْ تزوّج المرأة نفسها أو يزوّجها وكيلها أو وليّها إنْ كانت صغيرة لرجل تحلّ له ولا يكون هناك مانع شرعاً من نسب أو سبب أو رضاع أو عدّة أو احصان، بمهر معلوم إلى أجل مسمّى. وتَبِين عنه بانقضاء الأجل أو أن يهب الرجل ما بقي من المدّة وتعتد المرأة بعد المباينة مع الدخول وعدم بلوغها سنّ اليأس بقرءين إذا كانت ممّن تحيض وإلاّ فبخمسة وأربعين يوماً. وإن لم يمسسها فهي كالمطلقة قبل الدخول لا عدّة عليها.
____________
1- تفسير الكشاف 1 : 519 .
3 ـ نكاح المتعة في كتاب الله
قال الله سبحانه: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً) (النساء/24).
1 ـ روى عبد الرزاق في مصنّفه عن عطاء: أنّ ابن عباس كان يقرأ: "فما استمتعتم به منهن إلى أجل فآتوهنّ أُجورهنّ"(2).
2 ـ في تفسير الطبري عن حبيب بن أبي ثابت قال: أعطاني ابن عبّاس مصحفاً فقال: هذا على قراءة أُبيّ قال:
____________
1- راجع أحكام نكاح المتعة في الفقه الإمامي مثل: شرح اللمعة الدمشقية وشرائع الإسلام وغيرهما.
2- المصنف 7 : 497 و 498 باب المتعة، تأليف عبد الرزاق بن همام الصنعاني مولى حمير (126-211 هـ) ط. 1390-1392 هـ من منشورات المجمع العلمي ببيروت; أخرج حديثه أصحاب الصحاح الستّ، راجع ترجمته في الجمع بين رجال الصحيحين وتقريب التهذيب; وراجع بداية المجتهد لابن رشد 2 : 63.
3 ـ في تفسير الطبري عن أبي نضرة بطريقين، قال: سألت ابن عبّاس عن متعة النساء، قال: أما تقرأ سورة النساء، قال: قلت: بلى، قال: فما تقرأ فيها: "فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمى"، قلت: لو قرأتها كذلك ما سألتك، قال: فانّها كذلك.
4 ـ عن أبي نضرة قال: قرأت هذه الآية على ابن عباس (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ)، قال ابن عباس: "إلى أجل مسمى"، قال: قلت: ما اقرؤها كذلك، قال: والله لأنزلها الله كذلك، ثلاث مرّات.
5 ـ عن عمير و أبي إسحاق أنّ ابن عباس قرأ "فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمى".
6 ـ عن مجاهد (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ) قال: يعني نكاح المتعة.
7 ـ عن عمرو بن مرّة أنّه سمع سعيد بن جبير يقرأ "فما استمتعهم به منهنّ إلى أجل مسمى".
____________
1- في تفسير الآية بتفسير الطبري 5 : 9.
9 ـ عن شعبة عن الحكم قال: سألته عن هذه الآية أمنسوخة هي؟ قال: لا.
أخرجنا الأحاديث (2-9) من تفسير الطبري، وأوجزنا بعضها.
10 ـ وفي أحكام القرآن للجصّاص أيضاً وردت رواية أبي نضرة وأبي ثابت عن ابن عباس وحديث قراءة أُبيّ بن كعب(1).
11 ـ روى البيهقي في سننه الكبرى عن محمد بن كعب، أنّ ابن عباس قال: كانت المتعة في أوّل الإسلام وكانوا يقرؤن هذه الآية "فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمى"(2).
12 ـ وفي شرح النووي على صحيح مسلم: وفي قراءة ابن مسعود "فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل ...(3).
____________
1- أحكام القرآن 2 : 147.
2- سنن البيهقي 7 : 205 .
3- شرح النووي على صحيح مسلم 9 : 179.
14 ـ قال القرطبي: وقال الجمهور: المراد نكاح المتعة الذي كان في صدر الإسلام، وقرأ ابن عباس وأُبيّ وابن جبير: "فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى فآتوهنّ أجورهن"(2).
15 ـ وفي تفسير ابن كثير: وكان ابن عبّاس وأُبيّ بن كعب وسعيد بن جبير والسدي يقرأون: "فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى فآتوهنّ أجورهنّ فريضة" وقال مجاهد: نزلت في نكاح المتعة(3).
16 ـ وفي تفسير السيوطي حديث أبي ثابت وأبي نضرة ورواية قتادة وسعيد بن جبير عن قراءة أُبيّ،
____________
1- الكشاف للزمخشري 1 : 519.
2- تفسير القرطبي 5 : 130.
3- تفسير ابن كثير 1 : 474.
قال المؤلف: كلّ هؤلاء المفسّرين وغيرهم(2) أوردوا ما ذكرناه في تفسير الآية ونرى أنّ ابن عباس وأُبيّ بن كعب وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة وغيرهم ممّن نقل عنهم انّهم كانوا يقرأون: "فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمى" كانوا يقرأون إلى أجل مسمّى على سبيل التفسير ويشهد على ذلك ما ورد في الرواية الأخيرة عن ابن عباس انّه قال: "فما استمتعتم به منهنّ إلى كذا وكذا من
____________
1- الدر المنثور للسيوطي 2 : 140-141; وما ورد عن عطاء في المصنف لعبد الرزاق 7 : 497 ، وراجع بداية المجتهد لابن رشد 2 : 63 .
2- مثل القاضي أبي بكر الأندلسي (ت542 هـ) في أحكام القرآن 1 : 162; والبغوي الشافعي (ت510 أو 516 هـ) في تفسيره بهامش الخازن 1 : 423; والآلوسي (ت1279 هـ) في 5 : 5 من تفسيره.
وأنّ أُبيّاً مثلا قصد أنّه سمع هذا التفسير من رسول الله أي أنّ رسول الله لما قال: "إلى أجل مسمى" فسّر الآية بهذه الجملة.
4 ـ نكاح المتعة في السنّة
في باب نكاح المتعة من صحيحي مسلم والبخاري ومصنّفي عبد الرزاق وابن أبي شيبة ومسند أحمد وسنن البيهقي وغيرها، عن عبد الله بن مسعود، قال: كنّا نغزو مع رسول الله (ص) ليس لنا نساء، فقلنا: ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك، ثمّ رخّص لنا أنْ ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثمّ قرأ عبد الله (يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ الله لِكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا انَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)(المائدة/87)(1).
____________
1- صحيح مسلم ، كتاب النكاح ح1404 ص1022 بأسانيد متعددة; وفي صحيح البخاري 3 : 85 بتفسير سورة المائدة، باب 9; وفي كتاب النكاح منه 3 : 159 باب ما يكره من التبتل، باختلاف يسير في اللفظ; وفي مصنف عبد الرزاق 7 : 506 مع اضافة إلى آخر الحديث; وفي مصنف ابن أبي شيبة 4 : 294; وفي مسند أحمد 1 : 420 وقال بهامشه: وكان ابن مسعود يأخذ بهذا ويرى أنّ نكاح المتعة حلال، وفي 432 منه باختصار; وفي سنن البيهقي 7 : 200 و 201 وعلّق على الحديث; وفي تفسير ابن كثير 2 : 87.
في صحيح مسلم ومسند أحمد وسنن البيهقي، عن سبرة الجهني قال: أذن لنا رسول الله (ص) بالمتعة، فانطلقت أنا ورجل إلى امرأة من بني عامر، كأنّها بكرة عيطاء، فعرضنا عليها أنفسنا، فقالت: ما تعطي؟ فقلت: ردائي، وقال صاحبي: ردائي، وكان رداء صاحبي أجود من ردائي وكنت أشبّ منه، فإذا نظرت إلى رداء صاحبي أعجبها، وإذا نظرت إليّ أعجبتها، ثمّ قالت: أنت ورداؤك يكفيني، فمكثت معها ثلاثاً. ثمّ إنّ رسول الله (ص) قال:
____________
1- صحيح مسلم : 1022 ح1405; وفي البخاري 3 : 164 باب نهي رسول الله عن نكاح المتعة آخراً ولفظه: كنّا في جيش فأتانا رسول رسول الله ... ; وكذلك لفظ أحمد في مسنده 4 : 51 وفي 47 منه باختصار; وفي المصنف لعبد الرزاق 7 : 498 باختلاف يسير.
في مسند الطيالسي عن مسلم القرشي قال: دخلنا على أسماء بنت أبي بكر فسألناها عن متعة النساء، فقالت: فعلناها على عهد النبي (ص)(2).
في مسند أحمد وغيره عن أبي سعيد الخدري، قال: كنّا نتمتّع على عهد رسول الله (ص) بالثوب(3).
وفي مصنف عبد الرزاق: لقد كان أحدنا يستمتع بملء القدح سويقاً(4).
وفي صحيح مسلم ومسند أحمد وغيرهما واللفظ للأوّل، قال عطاء: قدم جابر بن عبد الله معتمراً، فجئناه في منزله، فسأله القوم عن أشياء، ثمّ ذكروا المتعة، فقال: نعم
____________
1- صحيح مسلم، كتاب النكاح : 1024 ح1406; وسنن البيهقي 7 : 202 و 203 ; ومسند أحمد 3 : 405 وبعده قال: ففارقتها. والبكرة: الفتية من الابل أي الشابة القوية، والعيطاء: الطويلة العنق في اعتدال وحسن قوام.
2- الطيالسي : ح1637.
3- مسند أحمد 3 : 22; وفي مجمع الزوائد 4 : 264 رواه أحمد والبزار.
4- المصنف لعبد الرزاق 7 : 458 .
وفي لفظ أحمد بعده: حتى إذا كان في آخر خلافة عمر.
وفي بداية المجتهد: ونصفاً من خلافة عمر، ثمّ نهى عنها عمر الناس(2).
5 ـ سبب نهي عمر عن المتعة في أواخر خلافته
في صحيح مسلم والمصنف لعبد الرزاق ومسند أحمد وسنن البيهقي وغيرها واللفظ لمسلم عن جابر بن عبد الله قال: كنّا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق، الأيّام، على عهد رسول الله (ص) وأبي بكر، حتى نهى عنه عمر، في شأن عمرو بن حريث(3).
____________
1- صحيح مسلم، كتاب النكاح : 1023 ح1405; وبشرح النووي 9 : 183; ومسند أحمد 3 : 380; ورجال أحمد رجال الصحيح; وأبو داود في باب الصداق تمتّعنا على عهد رسول الله وأبي بكر ونصفاً من خلافة عمر ثمّ نهى عنها عمر; وراجع عمدة القاري للعيني 8 : 310.
2- بداية المجتهد لابن رشد 2 : 63.
3- صحيح مسلم، باب نكاح المتعة : 1023 ح1405; وبشرح النووي 9 : 183; والمصنف لعبد الرزاق 7 : 500 وفي لفظه: أيّام عهد النبي; وسنن البيهقي 7 : 237 باب ما يجوز أن يكون مهراً; ومسند أحمد 3 : 304 وفي لفظه: حتى نهانا عمر أخيراً ... ; وأورده موجزاً صاحب تهذيب التهذيب بترجمة موسى بن مسلم 10 : 371; وفتح الباري 11 : 76; وزاد المعاد لابن القيم 1 : 205; وراجع كنز العمال 8 : 293.
وفي رواية أُخرى قال جابر: قدم عمرو بن حريث من الكوفة فاستمتع بمولاة فاتي بها عمر وهي حبلى فسألها، فقالت: استمتع بي عمرو بن حريث، فسأله فأخبره بذلك أمراً ظاهراً، قال: فهلاّ غيرها، فذلك حين نهى عنها(2).
وفي أُخرى عن محمّد بن الأسود بن خلف: انّ عمرو بن حوشب استمتع بجارية بكر من بني عامر بن لؤى،
____________
1- المصنف لعبد الرزاق 7 : 496-497 باب المتعة.
2- المصنف لعبد الرزاق 7 : 500; وفتح الباري 11 : 76 وفي لفظه: فسأله فاعترف قال: فذلك حين.
وفي كنز العمال: عن أمّ عبد الله إبنة أبي خيثمة: أنّ رجلا قدم من الشام فنزل عليها فقال: إنّ العزبة قد اشتدّت عليّ فابغيني امرأة اتمتّع معها، قالت: فدللته على امرأة فشارطها واشهدوا على ذلك عدولا، فمكث معها ما شاء الله أن يمكث، ثمّ إنّه خرج، فأخبر بذلك عمر بن الخطاب، فأرسل إليّ فسألني أحقّ ما حدّثت؟ قلت: نعم، قال: فإذا قدم فأْذنيني به، فلمّا قدم أخبرته فأرسل إليه، فقال: ما حملك على الذي فعلته؟ قال: فعلته مع رسول
____________
1- المصنف لعبد الرزاق 7 : 500-501 وأرى عمرو بن حوشب تحريفاً والصواب عمرو بن حريث. وكذلك سقط من الكلام بعد لا يشهدون: عدولا.
وفي مصنف عبد الرزاق: عن عروة: أنّ ربيعة بن أميّة بن خلف تزوّج مولّدة من مولّدات المدينة بشهادة امرأتين احداهما خولة بنت حكيم، وكانت امرأة صالحة، فلم يفجأهم إلاّ الوليدة قد حملت، فذكرت ذلك خولة لعمر بن الخطاب، فقام يجرّ صنفة ردائه(3) من الغضب حتى صعد المنبر، فقال: إنّه بلغني أنّ ربيعة بن أمية تزوّج مولّدة من مولّدات المدينة بشهادة امرأتين، وانّي لو كنت تقدّمت في هذا لرجمت(4).
وفي موطأ مالك وسنن البيهقي واللفظ للأوّل: انّ خولة
____________
1- لعل الصواب : بتوا.
2- كنز العمال 8 : 294 ط. دائرة المعارف حيدر آباد دكن سنة 1312.
3- صنفة ردائه، صنفة الإزار بكسر النون: طرفه. (نهاية اللغة) 4- المصنف لعبد الرزاق 7 : 503; وراجع مسند الشافعي : 132; وترجمة ربيعة بن أمية من الإصابة 1 : 514.
وفي الاصابة: أنّ سلمة بن أمية استمتع من سلمى مولاة حكيم بن أميّة بن الأوقص الأسلمي، فولدت له، فجحد ولدها، فبلغ ذلك عمر فنهى عن المتعة(2).
وفي المصنف لعبد الرزاق عن ابن عباس قال: لم يرع أمير المؤمنين الاّ أمّ أراكة قد خرجت حبلى، فسألها عمر عن حملها، فقالت: استمتع بي سلمة بن أميّة بن خلف...(3).
وفي المصنّف لابن أبي شيبة عن العلاء بن المسيب عن أبيه قال: قال عمر: لو أتيت برجل تمتّع بامرأة لرجمته إن كان أحصن، فإن لم يكن أحصن ضربته(4).
____________
1- موطأ مالك : 542 ح42 باب نكاح المتعة; وسنن البيهقي 7 : 206 وفي لفظه: لرجمته; وراجع كتاب الام للشافعي 7 : 219; وتفسير السيوطي 2 : 141.
2- ترجمة سلمى غير منسوبة من الاصابة 4 : 324; وترجمة سلمة من الاصابة 2 : 61.
3- المصنف لعبد الرزاق 7 : 499.
4- المصنف لابن أبي شيبة 4 : 293.
في الروايات السابقة وجدنا الصحابة يقولون: إنّ آية (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ) وردت في نكاح المتعة، وأنّ رسول الله أمر به وانّهم كانوا يستمتعون بالمرأة بالقبضة من التمر والدقيق على عهد رسول الله وأبي بكر ونصف من خلافة عمر حتى نهى عنها في شأن عمرو بن حريث، ووجدنا نكاح المتعة متفشياً على عهد عمر قبل أن ينهى عنه، ولعلّه تدرّج في تحريمه بدءاً من التشديد في أمر شهود نكاح المتعة وطلب أن يشهده عدول المؤمنين كما يظهر ذلك من بعض الروايات السابقة، ثمّ نهيه عنه بتاتاً حتى قال: لو تقدّمت في نهي لرجمت، وبعد هذا أصبح نكاح المتعة محرّماً في المجتمع الإسلامي، وبقي الخليفة مصرّاً على رأيه إلى آخر عهده لم يؤثر فيه نصح الناصحين.
فقد روى الطبري في سيرة عمر عن عمران بن سوادة إنّه استأذن ودخل دار الخليفة ثمّ قال: نصيحة.
فقال: مرحباً بالناصح غدوّاً وعشيّاً.
قال: عابت أُمتّك منك أربعاً.
قال: ذكروا أنّك حرّمت العمرة في أشهر الحجّ، ولم يفعل ذلك رسول الله ولا أبو بكر (رض)، وهي حلال.
قال: هي حلال، لو أنّهم اعتمروا في أشهر الحجّ رأوها مجزية من حجّهم فكانت قائبة قوب عامها فقرع حجّهم وهو بهاء من بهاء الله وقد أصبت.
قال: ذكروا أنّك حرّمت متعة النساء، وقد كانت رخصة من الله نستمتع بقبضة ونفارق عن ثلاث.
قال: إنّ رسول الله (ص) أحلّها في زمان ضرورة ثمّ رجع الناس إلى سعة ثمّ لم أعلم أحداً من المسلمين عمل بها ولا عاد إليها، فالآن من شاء نكح بقبضة وفارق عن ثلاث بطلاق وقد أصبت ...(1).
____________
1- الطبري 2 : 32 في باب شيء من سيره ممّا لم يمض ذكرها من حوادث سنة 23. والقائبة: البيضة التي تنفلق عن فرخها والفرخ قوب، ضرب هذا مثلا لخلوّ مكة من المعتمرين في باقي السنة. وقرع حجّهم أي خلت أيّام الحج من الناس. نهاية اللغة: مادة قوب.
وأمّا اعتذاره في تحريم نكاح المتعة: من أنّ عهد رسول الله كان زمان ضرورة خلافاً لما كان عليه عهده، فإنّ جلّ الروايات التي صرّحت بوقوعها في عصر رسول الله وباذن منه ذكرت انّها كانت في الغزوات وحال السفر، ولا فرق في ذلك بين عهد رسول الله وعهد عمر إلى زماننا الحاضر وإلى أبد الدهر.
فإنّ الإنسان لم يزل منذ أن وجد على ظهر هذا الكوكب ـ الأرض ـ ولا يزال بحاجة إلى السفر والاغتراب عن أهله أسابيع وشهوراً، بل وسنين طويلة أحياناً، فإذا سافر الرجل ماذا يصنع بغريزة الجنس في نفسه، هل
والإسلام الذي وضع حلاًّ مناسباً لكلّ مشكلة من مشاكل الإنسان هل ترك هذه المشكلة بلا حلّ؟! لا. بل شرّع لحلّ هذه المشكلة: الزواج المؤقّت، ولولا نهي عمر عنها لما زنى إلاّ شقيّ كما قاله الإمام عليّ (عليه السلام)، أمّا المجتمعات البشرية فقد وضعت لها حلاًّ بتحليل الزنا في كلّ مكان.
ولا يقتصر الأمر في ما ذكرنا على من يسافر من وطنه، فإنّ للبشر كثيراً من الحالات في وطنه تمنعه الزواج
أمّا ما ذكره عمر في مقام العلاج من تبديل نكاح المتعة بالنكاح الدائم على أن يفارق عن ثلاث بالطلاق، فالأمر ينحصر فيه بين أمرين لا ثالث لهما، أمّا أن يقع ذلك بعلم من الزوجين وتراض بينهما فهو الزواج المؤقّت أو نكاح المتعة بعينه، وأمّا أن يقع بتبييت نيّة من الزوج مع إخفائه عن الزوجة فهو غدر بالمرأة واستهانة بها بعد أن اتّفقا على النكاح الدائم واخفى المرء في نفسه نيّة الفراق بعد ثلاث، وكيف يبقى اعتماد للمرأة وذويها على عقد الزواج الدائم مع هذا؟!
وأخيراً، فإنّه يرى بكلّ وضوح من هذه المحاورة ومن كلّ ما روي عن عمر من محاورات في هذا الباب: أنّ كلّ تلك الروايات التي رويت عن رسول الله في تحريمه المتعتين
هكذا انتهى عهد عمر، بعد أن كبت المعارضين لسياسة حكمه وكتم أنفاسهم ومنعهم حتى من نقل حديث الرسول كما أشرنا إلى ذلك في فصل "في حديث الرسول"، واستمرّ الأمر على ذلك إلى ستّ سنوات من خلافة عثمان، وانتشر الأمر متدرّجاً بعد ذلك فنشأ جيل جديد لا يعرف من الإسلام الاّ ما سمحت سياسة الخلافة بنشره وبيانه كما سنعرفه في ما يأتي:
6 ـ المتعة من بعد عمر
في المصنّف لعبد الرزّاق: ابن جريج عن عطاء قال: لأوّل من سمعت منه المتعة صفوان بن يعلى، قال: أخبرني أنّ معاوية استمتع بامرأة بالطائف فأنكرت ذلك عليه، فدخلنا على ابن عبّاس، فذكر له بعضنا، فقال له: نعم فلم يقر في نفسي، حتى قدم جابر بن عبد الله، فجئناه في منزله، فسأله القوم عن أشياء، ثمّ ذكروا له المتعة، فقال: نعم،
وفيه: عن عبد الله بن خيثم قال: كانت بمكة امرأة عراقية تنسّك جميلة، لها ابن يقال له: أبو أُميّة، وكان سعيد ابن جبير يكثر الدخول عليها، قال: قلت: يا أبا عبد الله! ما أكثر ما تدخل على هذه المرأة! قال: انّا قد نكحناها ذلك النكاح ـ للمتعة ـ قال: وأخبرني أنّ سعيداً قال له: هي أحلّ من شرب الماء ـ للمتعة ـ(3).
ومنذ هذا العصر انتشر القول بحليّة متعة النساء
____________
1- المصنف لعبد الرزاق 7 : 496-497 باب المتعة.
2- المصدر نفسه 7 : 499 باب المتعة.
3- المصدر نفسه 7 : 496 باب المتعة.