الصفحة 85

الباب الثامن والستون

في قوله تعالى: * (فإن الله هو مولاه وجبرئيل وصالح المؤمنين) *

من طريق الخاصة وفيه خمسة أحاديث


الأول: محمد بن العباس بن ماهيار الثقة في تفسيره فيما نزل في أهل البيت (عليهم السلام) أورد في هذه الآية اثنين وخمسين حديثا من طريق الخاصة والعامة منها قال: حدثنا جعفر بن محمد الحسيني عن عيسى بن مهران عن محلول بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن الأسود عن محمد بن عبد الله بن أبي رافع: قال لما كان اليوم الذي توفي فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) غشي عليه ثم أفاق وأنا أبكي وأقبل يديه وأقول: من لي وولدي بعدك يا رسول الله؟ قال: " لك الله بعدي ووصيي صالح المؤمنين علي بن أبي طالب "(1).

الحديث الثاني: محمد بن العباس قال: حدثنا محمد بن سهل القطان عن عبد الله بن محمد البدوي عن إبراهيم بن عبيد الله القلا عن سعيد بن مربوع عن أبيه عن عمار بن ياسر (رضي الله عنه) قال:

سمعت علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول: " دعاني رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: ألا أبشرك؟ قلت: بلى يا رسول الله وما زلت مبشرا بالخير قال: قد أنزل الله فيك قرانا قال: قلت: وما هو يا رسول الله؟ قال: قرنت بجبرائيل ثم قرأ: * (وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير) * فأنت والمؤمنون من بنيك الصالحون "(2).

الحديث الثالث: محمد بن العباس قال: حدثنا أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن فضال عن أبي جميلة عن محمد الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) عرف أصحابه أمير المؤمنين مرتين، وذلك أنه قال لهم: أتدرون من وليكم من بعدي قالوا الله ورسوله أعلم فإن الله تبارك وتعالى قد قال: * (فإن الله هو مولاه وجبرئيل وصالح المؤمنين) * يعني أمير المؤمنين (عليه السلام) " وهو وليكم من بعدي " والمرة الثانية يوم غدير خم حين قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه "(3).

____________

(1) تأويل الآيات: 2 / 698 ح 1.

(2) تأويل الآيات: 2 / 298 ح 2.

(3) تأويل الآيات: 2 / 299 ح 3.


الصفحة 86
الحديث الرابع: ابن بابويه بإسناده عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " معاشر الناس * (من أحسن من الله قيلا) * * (ومن أصدق من الله حديثا) * معاشر الناس إن ربكم جل جلاله أمرني أن أقيم لكم عليا علما وإماما وخليفة ووصيا، وأن أتخذه أخا ووزيرا.

معاشر الناس إن عليا باب الهدى بعدي والداعي إلى ربي وهو صالح المؤمنين * (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال أنني من المسلمين) *.

معاشر الناس إن عليا مني ولده ولدي وهو زوج حبيبتي أمره أمري ونهيه نهي، أيها الناس عليكم بطاعته واجتناب معصيته فإن طاعته طاعتي ومعصيته معصيتي، معاشر الناس إن عليا صديق هذه الأمة وفاروقها ومحدثها أنه هارونها ويوشعها وآصفها وشمعونها أنه باب حطها وسفينة نجاتها أنه طالوتها وذو قرنيها، معاشر الناس أنه محنة الورى والحجة العظمى والآية الكبرى وإمام الهدى والعروة الوثقى، معاشر الناس أن عليا مع الحق والحق معه وعلى لسانه، معاشر الناس إن عليا قسيم النار لا يدخل النار ولي له ولا ينجو منها عدو له، أنه قسيم الجنة لا يدخلها عدو له ولا يتزحزح منها ولي له، معاشر أصحابي قد نصحت لكم وبلغتكم رسالة ربي، ولكن لا تحبون الناصحين أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم "(1).

الحديث الخامس: علي بن إبراهيم في تفسيره حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا عبد الله بن محمد عن ابن أبي نجران عن عاصم بن حميد عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: " أن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما * (وأن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبرئيل وصالح المؤمنين) * قال: صالح المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) "(2).

____________

(1) أمالي الصدوق: 83 / 49.

(2) تفسير القمي: 2 / 377.


الصفحة 87

الباب التاسع والستون

في قوله تعالى: * (وتعيها أذن واعية) *(1)

من طريق العامة وفيه تسعة أحاديث


الحديث الأول: أبو المؤيد موفق بن أحمد من أعيان علماء العامة من كتاب (فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام)) أخبرنا الشيخ الزاهد الحافظ أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي أخبرنا شيخ القضاة إسماعيل بن أحمد الواعظ أخبرنا والدي أحمد بن الحسين البيهقي أخبرنا أبو القاسم الحسين بن محمد بن حبيب المفسر من أصل كتابه أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار أخبرنا أبو بكر الفضل بن جعفر الصيدلاني الواسطي بواسط حدثنا زكريا بن يحيى بن حمويه بن سنان بن هارون عن الأعمش عن علي بن ثابت عن زر بن جيش عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) قال:

" ضمني رسول الله وقال لي: أمرني ربي أن أدنيك ولا أقصيك وأن تسمع وتعي، وحق على الله أن تسمع وتعي فنزلت هذه الآية * (وتعيها أذن واعية) * "(2).

الحديث الثاني: الموفق بن أحمد أيضا بإسناده السابق عن أحمد بن الحسين هذا أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو علي الحسين بن محمد الصنعاني بمرو وأخبرنا أبو رجاء محمد بن حمدويه السبحي أخبرنا العلاء بن مسلمة أبو سالم البغدادي أخبرنا أبو قتادة الحسن بن عبد الله بن واقد عن جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران عن ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لما نزلت * (وتعيها أذن واعية) * قال النبي (صلى الله عليه وآله): " سألت ربي عز وجل أن يجعلها أذن علي " قال علي كرم الله وجهه: " ما سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) شيئا إلا ووعيته وحفظته ولم أنسه "(3).

الحديث الثالث: الثعلبي في تفسير قوله تعالى: * (أذن واعية) * قال: أخبرني ابن فنجويه قال:

حدثنا ابن حيان حدثنا إسحاق بن مجه حدثنا أبي حدثنا إبراهيم بن عيسى حدثنا علي بن علي حدثني أبو حمزة الثمالي حدثني عبد الله بن الحسين قال حين نزلت هذه الآية: * (وتعيها أذن واعية) * قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " سألت الله عز وجل أن يجعلها أذنك يا علي " قال علي: " فما نسيت

____________

(1) الحاقة: 12.

(2) المناقب: 282 / ح 276.

(3) المناقب: 282 / ح 277 - 278.


الصفحة 88
شيئا بعد ذلك وما كان لي أن أنساه "(1).

الحديث الرابع: الثعلبي أخبرني ابن فنجويه حدثنا ابن حبش حدثنا أبو القاسم بن الفضل حدثنا محمد بن غالب بن حرب حدثنا بشر بن آدم حدثنا عبد الله بن الزبير الأسدي حدثنا صالح ابن هيثم قال: سمعت بريدة الأسلمي يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): " إن الله عز وجل أمرني أن أدنيك ولا أقصيك، وأن أعلمك وأن تعي، وحق على الله أن تعي، قال فنزلت: * (وتعيها أذن واعية) * "(2).

الحديث الخامس: الحافظ أبو نعيم الأصفهاني بإسناده عن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " إن الله عز وجل أمرني أن أدنيك وأعلمك لتعي، وأنزل علي هذه الآية * (وتعيها أذن واعية) * فأنت الأذن الواعية "(3).

الحديث السادس: أبو نعيم بإسناده عن مكحول عن علي (عليه السلام) في قوله تعالى: * (وتعيها أذن واعية) * قال علي (عليه السلام): قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): إلي إلي علي (عليه السلام) "(4).

الحديث السابع: عن ابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة) من علماء المعتزلة قال: روي أن رسول الله لما قرأ * (وتعيها أذن واعية) * قال: " اللهم اجعلها أذن علي " فقيل له: " قد أجيبت دعوتك "(5).

الحديث الثامن: المالكي في (الفصول المهمة) عن مكحول عن علي بن أبي طالب وقوله تعالى: * (وتعيها أذن واعية) * قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " سألت الله عز وجل أن يجعلها أذنك يا علي ففعل " فكان علي (رضي الله عنه) يقول: " ما سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) كلاما إلا وعيته وحفظته ولم أنسه "(6).

الحديث التاسع: أبو نعيم الأصفهاني في كتاب (حلية الأولياء) من الجزء الأول قال: عن محمد ابن عمر بن سالم قال: حدثنا أبو محمد القاسم بن محمد بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن عمر بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " يا علي إن الله أمرني أن أدنيك وأعلمك لتعي، فأنزل الله هذه الآية * (وتعيها أذن واعية) * فقال: " أنت أذن واعية لعلمي "(7).

____________

(1) العمدة: 289 / 473 عن الثعلبي.

(2) العمدة: 290 / 474 عن الثعلبي.

(3) شواهد التنزيل: 2 / 363 ح 1009.

(4) المصدر السابق.

(5) شرح النهج: 18 / 375 عند شرح قوله: ما شككت في الحق، رقم 158.

(6) ينابيع المودة: 1 / 360، وكشف الغمة: 1 / 329.

(7) حلية الأولياء: 1 / 67.


الصفحة 89

الباب السبعون

في قوله تعالى * (وتعيها أذن واعية) *

من طريق الخاصة وفيه ثمانية أحاديث


الحديث الأول: محمد بن يعقوب عن أحمد بن مهران عن عبد العظيم بن عبد الله عن يحيى ابن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " لما نزلت * (وتعيها أذن واعية) * قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) أذنك يا علي "(1).

الحديث الثاني: ابن بابويه قال: حدثنا أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني (رضي الله عنه) قال: حدثنا عبد العزيز بن يحيى بالبصرة قال: حدثني المغيرة بن محمد قال: حدثنا رجا بن سلمة عن عمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام) عن علي (عليه السلام) قال: " أنا الأذان الواعية يقول الله عز وجل: * (وتعيها أذن واعية) * "(2).

الحديث الثالث: محمد بن العباس بن ماهيار الثقة في تفسيره أورد ثلاثين حديثا من الخاص والعام منها ما رواه عن محمد بن سهل القطان عن محمد بن عمر الدهقان عن محمد بن كثير عن الحرث بن الحضيرة عن أبي داود عن أبي بريدة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " أني سألت الله ربي أن يجعل لعلي أذنا واعية فقيل لي: قد فعل ذلك به "(3).

الحديث الرابع: محمد بن العباس عن أحمد بن جرير الطبري عن أحمد بن عبد الله المروزي عن يحيى بن صالح عن علي خوشب الفزاري عن مكحول في قوله عز وجل: * (وتعيها أذن واعية) * قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " سألت الله أن يجعلها أذن علي " قال وكان علي (عليه السلام) يقول: " ما سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) شيئا إلا حفظته ولم أنسه "(4).

الحديث الخامس: ابن العباس عن الحسين بن أحمد عن محمد بن عيسى عن يونس بن عبد الرحمن عن سالم الأشل عن سالم بن طريف عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله عز وجل: * (وتعيها أذن واعية) * قال: " الأذن الواعية أذن علي (عليه السلام)، وعى قول رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهو حجة الله على خلقة من

____________

(1) الكافي 1 / 423 ح 57.

(2) معاني الأخبار: 59 / 9.

(3) تأويل الآيات: 2 / 715 ح 3.

(4) تأويل الآيات: 2 / 715 ح 4.


الصفحة 90
أطاعه أطاع الله، ومن عصاه عصى الله "(1).

الحديث السادس: محمد بن العباس عن علي بن عبد الله عن إبراهيم بن محمد الثقفي عن إسماعيل بن بشار عن علي بن جعفر عن جابر عن أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام) قال: " جاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى علي (عليه السلام) وهو في منزله فقال: يا علي نزلت علي الليلة هذه الآية * (وتعيها أذن واعية) * وإني سألت الله ربي أن يجعلها أذنك قلت: اللهم اجعلها أذن علي ففعل "(2).

الحديث السابع: العياشي في تفسيره عن الأصبغ بن نباتة في حديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال فيه: " والله أنا الذي أنزل في * (وتعيها أذن واعية) * فإنا(3) كنا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيخبرنا بالوحي فأعيه أنا ومن يعيه، فإذا خرجنا قالوا: ماذا قال آنفا؟ "(4).

الحديث الثامن: محمد بن الحسن الصفار في (بصائر الدرجات) عن محمد بن عيسى عن أبي محمد الأنصاري عن صباح المزني عن الحرث بن حضيرة المزني عن الأصبغ بن نباته قال لما قدم علي الكوفة صلى بهم أربعين صباحا يقرأ بهم سبح اسم ربك الأعلى فقال المنافقون: والله ما يحسن أن يقرأ علي بن أبي طالب القرآن ولو أحسن أن يقرأ غير هذه السورة لفعل قال: فبلغه ذلك فقال: " ويلهم إني لأعرف ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه وفصله من وصله وحروفه من معانيه، والله ما حرف نزل على محمد (صلى الله عليه وآله) إلا وأنا أعرف فيمن أنزل وفي أي يوم نزل وفي أي موضع نزل، ويلهم أما يقرأون * (إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى) * والله هي عندي ورثتها من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وورثها رسول الله (صلى الله عليه وآله) من إبراهيم وموسى، ويلهم والله إني أنا الذي أنزل الله في * (وتعيها أذن واعية) * فإنا كنا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيخبرنا بالوحي فأعيه ويفوتهم فإذا خرجنا قالوا: ماذا قال آنفا؟ "(5).

____________

(1) تأويل الآيات: 2 / 715 ح 5.

(2) تأويل الآيات: 2 / 716 ح 6.

(3) في المصدر: فإنما.

(4) تفسير العياشي: 1 / 14 ح 1.

(5) بصائر الدرجات: 135 / 3.


الصفحة 91

الباب الحادي والسبعون

في قوله تعالى: * (يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا) *(1)

من طريق العامة وفيه أربعة أحاديث


الحديث الأول: أبو المؤيد أخطب خوارزم موفق بن أحمد من علماء العامة في كتاب (فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام)) قال: أخبرني الشيخ الإمام أبو محمد العباس بن محمد بن أبي منصور الغضاري الطوسي فيما كتب إلي من نيسابور أخبرنا القاضي أبو سعيد بن محمد بن سعيد بن محمد بن الفرخزادي أخبرنا الإمام أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أخبرنا الشيخ أبو محمد الحسن بن أحمد بن محمد الشيباني العدل أخبرنا أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسن بن الشرقي حدثنا أبي محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب الخوارزمي ابن عم الأحنف بن قيس أخبرنا أحمد بن حماد المروزي أخبرنا محبوب بن حميد البصري وسأله عن هذا الحديث روح بن عبادة أخبرنا القاسم بن مهران عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس قال: الإمام أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي وأخبرنا أيضا عبد الله ابن حامد أخبرنا أحمد بن عبد الله المزني حدثنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن سهيل عن علي بن مهران الباهلي بالبصرة أخبرنا أبو مسعود عبد الرحمن بن فهر بن هلال حدثنا القاسم بن يحيى عن أبي علي العنزي عن محمد ابن السائب عن أبي صالح عن ابن عباس (رضي الله عنه) في قوله تعالى: * (يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا) * قال: مرض الحسن والحسين (رضي الله عنهما) فعادهما جدهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومعه أبو بكر وعمر وعادهما عامة العرب فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك نذرا وكل نذر لا يكون له وفاء فليس بشئ، فقال (عليه السلام): " إن برءا ولداي مما [ بهما ] صمت ثلاثة أيام شكرا " وقالت فاطمة (عليها السلام) مثل ذلك وقالت جارية يقال لها فضة: إن برءا سيداي مما بهما صمت لله ثلاثة أيام شكرا فألبس الله الغلامين العافية وليس عند آل محمد قليل ولا كثير فانطلق علي (عليه السلام) إلى شمعون الخيبري وكان يهوديا فاستقرض منه ثلاثة أصواع من الشعير(2).

وفي حديث المزني عن ابن مهران الباهلي فانطلق علي (عليه السلام) إلى جار له من اليهود يعالج الصوف

____________

(1) الإنسان: 7.

(2) المناقب: 267 / ح 250.


الصفحة 92
يقال له: شمعون بن جابا فقال: " هل لك أن تعطيني جزة من صوف تغزلها لك بنت محمد بثلاثة أصواع من شعير " قال: نعم فأعطاه فجاء بالصوف والشعير فأخبر فاطمة بذلك فقبلت وأطاعت ثم قامت فاطمة إلى صاع وطحنته وخبزت منه خمسة أقراص لكل واحد منهم قرص وصلى علي مع النبي (صلى الله عليه وآله) المغرب ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه إذ أتاهم مسكين فوقف بالباب فقال السلام عليكم يا أهل بيت محمد مسكين من مساكين المسلمين أطعموني شيئا أطعمكم الله من موائد الجنة فسمعه علي (رضي الله عنه) فبكى فأنشأ يقول:


فاطم ذات المجد واليقينيا بنت خير الناس أجمعين
أما ترين البائس المسكينقد قام بالباب له حنين
يشكوا إلى الله ويستكينيشكو إلينا جائع حزين
كل امرء بكسبه رهينوفاعل الخيرات يستبين
موعده جنة عليينحرمها الله على الظنين
وللبخيل موقف مهينتهوي به النار إلى سجين

شرابه الحميم والغسلين

فقالت فاطمة رضي الله عنها:


أمرك يا بن العم سمع طاعةما بي من لؤم ولا ضراعة
غذيت من خبز له صناعةأطعمه ولا أبالي الساعة
أرجو إذا أشبعت ذا مجاعةأن ألحق الأخيار والجماعة

وأدخل الخلد ولي شفاعة

قال: فأعطوه الطعام بأجمعه ومكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح، فلما أن كان في اليوم الثاني قامت فاطمة (عليها السلام) إلى صاع فطحنته واختبزته وصلى علي مع النبي (صلى الله عليه وآله) المغرب ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه فأتاهم سائل يتيم فوقف بالباب وقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد أنا يتيم من أولاد المهاجرين استشهد والدي يوم العقبة أطعموني أطعمكم الله على موائد الجنة فسمعه علي (رضي الله عنه) فقال:


فاطم بنت السيد الكريمبنت بني ليس بالزنيم
قد جائنا الله بذا اليتيممن يرحم فهو رحيم
موعده في جنة النعيمقد حرم الخلد على اللئيم


الصفحة 93

يزل في النار إلى الجحيمشرابه الصديد والحميم

فقالت فاطمة (عليها السلام):


إني لأعطيه ولا أباليوأوثر الله على عيالي
أمسوا جياعا وهم أشباليأصغرهما يقتل في القتال
بكربلاء يقتل باغتياليللقاتل الويل مع الوبال
تهوي به النار إلى سفاليمصفد اليدين بالأغلال

كبوله زادت على الأكبال

قال: فأعطوه الطعام ومكثوا يومين وليلتين لم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح، فلما كان في اليوم الثالث قامت فاطمة (عليها السلام) إلى الصاع الباقي فطحنته واختبزته وصلى علي مع النبي (صلى الله عليه وآله) المغرب ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه فأتاهم أسير فوقف بالباب، وقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد (صلى الله عليه وآله) تأسرونا وتشدوننا ولا تطعمونا أطعموني، فإني أسير محمد أطعمكم الله على موائد الجنة فسمعه علي فقال:


فاطم يا بنت النبي أحمدبنت نبي سيد مسدد
هذا أسير للنبي المهتدمكبل في غله مقيد
يشكو إلينا الجوع قد تمردمن يطعم اليوم يجده في غد
عند العلي الواحد الموحدما يزرع الزارع سوف يحصد
فأطعمي من غير من أنكدحتى تجازي بالذي لا ينفد

فقالت فاطمة رضي الله عنها:


لم يبق مما جئت غير صاعقد دميت كفي مع الذراع
ابناي والله من الجياعأبوهما للخير ذو اصطناع
يصطنع المعروف بابتداععبل الذراعين طويل الباع
وما على رأسي من قناعإلا قناع نسجه من صاع

قال: فأعطوه ومكثوا ثلاثة أيام ولياليها لم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح، فلما إن كان في اليوم الرابع وقد قضوا نذورهم أخذ علي بيده اليمنى الحسن وأخذ بيده اليسرى الحسين وأقبل نحو رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع، فلما بصر به النبي (صلى الله عليه وآله) قال: " يا أبا الحسن ما أشد ما يسؤني ما أرى بكم انطلق إلى ابنتي فاطمة " فانطلقوا إليها وهي في محرابها تصلي، وقد

الصفحة 94
لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع وغارت عيناها، فلما رآها رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: " وا غوثاه بالله أهل بيت محمد يموتون جوعا " فهبط جبرائيل (عليه السلام) فقال: يا محمد خذ هنأك الله في أهل بيتك، قال: وماذا آخذ يا جبرئيل؟ فأقراه * (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا) * إلى قوله * (إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا) * إلى آخر السورة وزاد ابن مهران في هذا الحديث قال: فوثب النبي (صلى الله عليه وآله) حتى دخل على فاطمة فلما رأى ما بهم انكب عليهم يبكي ثم قال:

" أنتم منذ ثلاث فيما أرى وأنا غافل عنكم " فهبط جبرائيل (عليه السلام) بهذه الآيات * (إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا) * قال: هي عين في دار النبي (صلى الله عليه وآله) تفجر إلى دور الأنبياء (عليهم السلام) والمؤمنين(1).

الحديث الثاني: أبو المؤيد موفق بن أحمد قال: أخبرني الشيخ الإمام الحافظ سيد الحفاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي فيما كتب إلي من همدان أخبرنا الشيخ الإمام عبدوس بن عبد الله بن عبدوس الهمداني إجازة أخبرنا الشيخ أبو طالب المفضل بن محمد بن طاهر الجعفري في داره بإصبهان في سكة الخوز حدثنا الشيخ الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه بن فورك الأصبهاني أخ محمد بن أحمد بن سالم حدثنا إبراهيم بن أبي طالب النيشابوري أخبرنا محمد بن النعمان بن شبل حدثنا يحيى بن أبي زوق الهمداني عن أبيه عن الضحاك عن ابن عباس (رضي الله عنه) في قوله تعالى: * (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) * قال: نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب وفاطمة - رضي الله عنها - ظلا صائمين حتى إذا كان في آخر النهار، واقترب الإفطار قامت فاطمة إلى شئ من الطحين كان عندها فخبزته قرص ملة، وكان عندها نحى فيه شئ من سمن قليل فأدمت القرصة الملة شئ من السمن ينتظران بهما إفطارهما، فأقبل مسكين رافع صوته ينادي: المسكين الجائع المحتاج فهتف على بابهم فقال علي لفاطمة: " عندك شئ تطعمينه هذا المسكين الجائع المحتاج " قالت فاطمة: " هيأت قرصا وكان في النحى شئ من سمن فجعلته فيه أنتظر به إفطارنا " فقال علي: " آثري به بهذا المسكين الجائع المحتاج " فقامت فاطمة بالقرص مأدوما فدفعته إلى المسكين فجعله المسكين في حضنه، فخرج من عندهما متوجها يأكل من حضن نفسه.

فأقبلت امرأة معها صبي صغير ينادي: اليتيم المسكين الذي لا أب له ولا أم ولا أحد فلما رأت المرأة التي معها اليتيم المسكين يأكل من حضن نفسه أقبلت باليتيم فقالت: يا عبد الله أطعم هذا

____________

(1) المناقب: 268 / ح 251.


الصفحة 95
اليتيم المسكين مما أراك تأكل فقال لها المسكين: لا لعمرك الله ما كنت لأطعمك من رزق ساقه الله إلي، ولكني أدلك على من أطعمني فقالت: دلني عليه فقال لها: أهل ذلك البيت الذي ترين وأشار إليه من بعيد فإن في ذلك البيت رجلا وامرأة أطعمانيه قالت المرأة: فإن الدال على الخير كفاعله.

قال المسكين وإني لأرجو أن يطعما يتيمك كما أطعماني، فأقبلت باليتيم حتى وردت بباب علي وفاطمة (ره) ونادت: يا أهل المنزل أطعموا اليتيم المسكين الذي لا أم له ولا أب أطعموه من فضل ما رزقكم الله فقال علي لفاطمة: " عندك شئ؟ " قالت: " فضل طحين عندي فجعلتها حريرة وليس عندنا شئ غيره وقد اقترب الإفطار " فقال لها علي: " آثري به هذا اليتيم فما عند الله خير وأبقى " فقامت فاطمة (عليها السلام) بالقدر بما فيها فكبتها في حضن المرأة فخرجت المرأة تطعم الصبي اليتيم مما في حضنها فلم تجز بعيدا حتى أقبل أسير من أسراء المشركين ينادي: الأسير الغريب الجائع فلما نظر الأسير إلى المرأة تطعم الصبي من حضنها أقبل إليها وقال: يا أمة الله أطعميني مما أراك تطعميه هذا الصبي قالت المرأة للأسير: لا لعمرك والله ما كنت لأطعمك من رزق رزقه الله هذا اليتيم المسكين ولكني أدلك على من أطعمني كما دلني عليه سائل قبلك، قال لها الأسير: وإن الدال على الخير كفاعله قالت له: آت أهل ذلك المنزل الذي ترى، فإن فيه رجلا وامرأة أطعما مسكينا وسائلا قبل اليتيم.

فانطلق الأسير إلى باب علي وفاطمة فهتف بأعلى صوته: يا أهل المنزل أطعموا الأسير الغريب المسكين من فضل ما رزقكم الله تعالى فقال علي لفاطمة: " أعندك شئ؟ " قالت: " ما عندي طحين أصبت فضل تميرات فخلصتهن من النواة وعصرت النحي فقطرته على التميرات دققت ما كان عندي من فضل الأقط فجعلته حيسا فما فضل عندنا شئ نفطر عليه غيره " فقال لها علي (عليه السلام):

" آثري به هذا الأسير الغريب المسكين " فقامت فاطمة بذلك الحيس ودفعته إلى الأسير وباتا يتضوران من الجوع على غير إفطار ولا عشاء ولا سحور ثم أصبحا صائمين حتى أتاها الله تعالى برزقهما عند الليل وصبرا على الجوع، فنزل في ذلك * (ويطعمون الطعام على حبه) * أي: على شدة شهوتهم له مسكينا قرص له، ويتيما حريرة وأسيرا حيسا * (إنما نطعمكم) * بخير عن ضميرهما * (لوجه الله) * يقول: إرادة ما عند الله من الثواب * (لا نريد منكم) * في الدنيا جزاء يعني ثوابا ولا شكورا يقول ثنا تثنون به عليا * (إنا نخاف) * يخبر عن ضميرهما * (من ربنا يوما عبوسا قمطريرا) * قال: العبوس تقبض ما بين العينين من أهواله وخوفه، والقمطريرا الشديد * (فوقاهم الله شر ذلك اليوم) * يقول: خوف ذلك اليوم * (ولقاهم نضرة) * يقول: بهجات الجنة * (وسرورا) * يقول ما يسرهما

الصفحة 96
من قرة العين بالجنة * (وجزاهم بما صبروا) * يقول: وأثابهم بما صبروا أي على الجوع حتى آثروا بالطعام لإفطارهم المسكين واليتيم والأسير حبسا وحريرا * (متكئين فيها على الأرائك) * الأرائك الأسرة المرمولة بالدر والياقوت والزبر جد في عليين مضروبة عليها الحجال * (لا يرون فيها شمسا) * يؤذيهم حرها * (ولا زمهريرا) * يقول: يعني لا يؤذيهم برده * (ودانية) * قريبة * (عليهم ظلالها وذللت عليهم قطوفها) * يعني قربت الثمار منهم * (تذليلا) * يأكلونها قياما وقعودا * (متكئين) * يعني مستلقين على ظهورهم ليس القائم بأقدر عليها من المتكي، وليس المتكئ بأقدر عليها من المستلقي * (ويطوف عليهم ولدان) * من الوصفاء * (مخلدون) * قالوا: مسورون بأسورة الذهب والفضة ويقال: مخلدون لم يذوقوا طعم الموت قط إنما خلقوا خدما لأهل الجنة * (إذا رأيتهم حسبتهم) * من بياضهم وحسنهم * (لؤلؤا منثورا) * لكثرتهم فشبه بياضهم وحسنهم باللؤلؤ وكثرتهم بالمنثور(1).

الحديث الثالث: إبراهيم بن محمد الحمويني في كتاب (فرائد السمطين) وهو من أعيان علماء العامة قال: أخبرني أستاذي الإمام حميد الدين محمد بن محمد بن أبي بكر الفرعموني إجازة قال:

أنبأنا الإمام سراج الدين محمد بن أبي الفتوح بن محمد اليعقوبي إجازة قال: أنبأنا والدي الإمام فخر الدين أبو الفتوح قال: أنبأنا الشيخ مجد الدين أبو نصر الفضل بن الحسن بن علي بن حيوية الطوسي قال: أنبأنا الشيخ الإمام الأجل السيد أبو بكر عبد الرحمن بن إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني، وأنبأنا الشيخ الإمام المقرئ أبو جعفر محمد بن عبد الحميد الأبيوردي قال: أنبأنا الشيخ الإمام شيخ الإسلام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني نور الله قبره، أنبأنا أبو طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق بن حزيمة وأبو سعد محمد بن عبد الله بن حمدان قالا:

أنبأنا أبو حامد محمد بن الحسن الحافظ، أنبأنا عبد الله بن عبد الوهاب الخوارزمي، أنبأنا أحمد بن حماد المروزي أنبأنا محبوب بن حميد البصري وسأله روح بن عبادة عن هذا الحديث وأنبأنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن حيدر الواعظ المفسر واللفظ له، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الله الفتلي، أنبأنا أبي، أنبأنا عبد الله بن عبد الوهاب، أنبأنا أحمد بن حماد المروزي، أنبأنا محبوب بن حميد البصري وسأله روح عن هذا الحديث قال: نبأ القاسم بن مهرام عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس في قوله عز وجل: * (يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا) * قال:

مرض الحسن والحسين (عليهما السلام) فعادهما جدهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعادهما عمومة العرب فقالوا: يا أبا

____________

(1) المناقب: 271 / ح 252.