الصفحة 123
الأمن مني لهم مع ما كنت أعلم من ضعف يقين الذين ارتدوا وخبث طينتهم وسوء سرايرهم التي كانت نتايج النفاق وشيوخ الضلالة، ولو أنهم تسنموا الملك الذي أوتي المؤمنين وقت الاستخلاف إذا أهلكت أعداءهم لتنشقوا روايح صفاته ولاستحكمت سرائر نفاقهم وتأبد حبالة ضلالة قلوبهم، ولكاشفوا إخوانهم بالعداوة وحاربوهم على طلب الرياسة والتفرد بالأمر والنهي، وكيف يكون التمكين في الدين وانتشار الأمر في المؤمنين مع إثارة الفتن وإيقاع الحروب، * (كلا واصنع الفلك بأعيننا ووحينا) *.

قال الصادق (عليه السلام): " وكذلك القائم فإنه يمتد أيام غيبته ليصرح الحق عن محضه، ويصفو الإيمان عن الكدر بارتداد كل من كانت طينته خبيثة من الشيعة الذين يخشى عليهم النفاق إذا أحسوا بالاستخلاف والتمكين والأمن المنتشر في عهد القائم (عليه السلام) ".

قال المفضل: فقلت: يا بن رسول الله فإن هذه النواصب تزعم أن هذه الآية نزلت في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي (عليه السلام) فقال: لا يهدي الله قلوب الناصبة، متى كان الدين الذي ارتضاه الله ورسوله متمكنا بانتشار الأمر في الأمة وذهاب الخوف من قلوبها وارتفاع الشك من صدورها في عهد واحد من هؤلاء، وفي عهد علي (عليه السلام) مع ارتداد المسلمين والفتن التي تثور في أيامهم والحروب التي كانت تنشب بين الكفار وبينهم، ثم تلا الصادق (عليه السلام) * (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا) *(1).

وأما العبد الصالح الخضر (عليه السلام) فإن الله تبارك وتعالى ما طول عمره لنبوة قدرها له، ولا لكتاب ينزله عليه، ولا لشريعة ينسخ بها شريعة من كان قبله من الأنبياء، ولا لإمامة يلزم عباده الاقتداء بها، ولا لطاعة يفرضها له، بل إن الله تبارك وتعالى لما كان في سابق علمه أن يقدر من عمر القائم (عليه السلام) في أيام غيبته ما يقدر علم ما يكون من إنكار عباده مقدار ذلك العمر في الطول، فطول عمر العبد الصالح من غير سبب أوجب ذلك إلا لعلة الاستدلال به على عمر القائم، ولينقطع بذلك حجة المعاندين لئلا يكون للناس على الله حجة.(2)

الثامن: السيد المعاصر في كتابه صنعه في الرجعة عن محمد بن الحسن بن عبد الله الأطروش الكوفي، قال: حدثنا أبو عبد الله جعفر بن محمد البجلي، قال: حدثني أحمد بن محمد بن خالد البرقي، قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي نجران عن عاصم بن حميد عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): " إن الله تبارك وتعالى أحد واحد تفرد في وحدانيته، ثم تكلم بكلمة وصارت نورا، ثم خلق من ذلك النور محمدا، وخلقني وذريتي منه،

____________

(1) يوسف: 110.

(2) كمال الدين وتمام النعمة 352 / ح 50.


الصفحة 124
ثم تكلم بكلمة فصارت روحا فأسكنه الله في ذلك النور وأسكنه في أبداننا، فنحن روحه وكلماته، فبنا احتج على خلقه، فما زلنا في ظلة خضراء حيث لا شمس ولا قمر ولا ليل ولا نهار ولا عين تطوف، نعبده ونقدسه ونسبحه وذلك قبل أن يخلق الخلق، وأخذ ميثاق الأنبياء بالإيمان والنصرة لنا وذلك قول الله عز وجل * (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه) *(1) يعني لتؤمنن بمحمد (صلى الله عليه وآله) ولتنصرن وصيه، وسينصرونه جميعا، وإن الله أخذ ميثاقي مع ميثاق محمد (عليه السلام) بالنصرة بعضنا لبعض، فقد نصرت محمدا (صلى الله عليه وآله) وجاهدت بين يديه وقتلت عدوه ووفيت لله بما أخذ علي من الميثاق والعهد والنصر لمحمد (صلى الله عليه وآله) ولم ينصرني أحد من أنبياء الله ورسله، وذلك لما قبضهم الله إليه، وسوف ينصرونني ويكون لي ما بين مشرقها إلى مغربها، وليبعثن الله أحياء من آدم إلى محمد (صلى الله عليه وآله) كل نبي مرسل يضربون بين يدي بالسيف هام الأموات والأحياء والثقلين جميعا، فيا عجبا وكيف لا أعجب من أموات يبعثهم الله أحياء يلبون زمرة زمرة بالتلبية: لبيك لبيك يا داعي الله، قد تخللوا بسكك الكوفة، قد شهروا سيوفهم على عواتقهم ليضربوا بها هام الكفرة وجبابرتهم وأتباعهم من جبابرة الأولين والآخرين حتى ينجز الله ما وعدهم في قوله * (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا) *(2) أي يعبدونني آمنين لا يخافون أحدا من عبادي ليس عندهم تقية وإن لي الكرة بعد الكرة، والرجعة بعد الرجعة، وأنا صاحب الرجعات والكرات وصاحب الصولات والنقمات والدولات العجيبات، وأنا قرن من حديد وأنا عبد الله وأخو رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأنا أمين الله وخازنه وعيبته سره وحجابه ووجهه وصراطه وميزانه، وأنا الحاشر إلى الله، وأنا كلمة الله التي يجمع بها المتفرق ويفرق بها الجمع، وأنا أسماء الله الحسنى وأمثاله العليا وآياته الكبرى، وأنا صاحب الجنة والنار، أسكن أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، وإلي تزويج أهل الجنة وإلي عذاب أهل النار، وإلي إياب الخلق جميعا، وأنا المآب الذي يؤوب إليه كل شئ بعد القضاء، وإلي حساب الخلق جميعا، وأنا صاحب الهبات، وأنا المؤذن على الأعراف، وأنا بازر الشمس، وأنا دابة الأرض، وأنا قسيم النار، وأنا خازن الجنان، وأنا صاحب الأعراف، وأنا أمير المؤمنين ويعسوب المتقين وآية السابقين ولسان الناطقين وخاتم الوصيين ووارث النبيين وخليفة رب العالمين وصراط ربي المستقيم وفسطاسه والحجة على أهل السماوات والأرضين وما فيهما وما بينهما.

____________

(1) آل عمران: 81.

(2) النور: 55.


الصفحة 125
وأنا الذي احتج الله بي عليكم في ابتداء خلقه، وأنا الشاهد يوم الدين، وأنا الذي علمت المنايا والبلايا والقضايا وفصل الخطاب والأنساب، واستحفظت آيات النبيين المستخفين والمستحفظين، وأنا صاحب العصا والميسم، وأنا لي سخرت السحاب والرعد والبرق والظلم والأنوار والرياح والجبال والبحار والنجوم والشمس والقمر، وأنا الذي أهلكت عادا وثمودا وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا، وأنا الذي ذللت الجبابرة، وأنا صاحب مدين ومهلك فرعون ومنجي موسى، وأنا القرن الحديد، وأنا فاروق الأمة، وأنا الهادي عن الضلالة، وأنا الذي أحصيت كل شئ عددا بعلم الله الذي أودعنيه وسره الذي أسره إلى محمد (صلى الله عليه وآله) وأسره النبي (صلى الله عليه وآله) إلي، وأنا الذي أنحلني ربي اسمه وكلمته وحكمته وعلمه وفهمه، يا معشر الناس اسألوني قبل أن تفقدوني، اللهم إني أشهدك وأستعديك عليهم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم والحمد لله متبعين أمره.(1)

التاسع: الطبرسي في حديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام) يذكر فيه من تقدم عليه فقال (عليه السلام) فيه مثل ما أتوه من الاستيلاء على أمر الأمة كل ذلك ليتم النظرة التي أوجبها الله تبارك وتعالى لعدوه إبليس إلى أن يبلغ الكتاب أجله، ويحق الحق على الكافرين، ويقترب الوعد الحق الذي بينه الله في كتابه بقوله * (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم) *(2) وذلك إذا لم يبق من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه، وغاب صاحب الأمر بإيضاح الغدر له في ذلك لاشتمال الفتنة على القلوب، حتى يكون أقرب الناس إليه أشدهم عداوة له، وعند ذلك يؤيده الله بجنود لم يروها، ويظهر دين نبيه (صلى الله عليه وآله) على يديه وعلى الدين كله ولو كره المشركون.(3)

العاشر: الطبرسي أيضا في معنى الآية قال: اختلف في الآية وذكر الأقوال إلى أن قال: والمروي عن أهل البيت (عليهم السلام) أنها في المهدي، ثم قال: وروى العياشي بإسناده عن علي بن الحسين أنه قرأ الآية وقال: هم والله شيعتنا أهل البيت: يفعل ذلك بهم على يد رجل منا وهو مهدي هذه الأمة، وهو الذي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) " لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يأتي رجل من عترتي اسمه اسمي، يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا " ثم قال الطبرسي: وروي مثل ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام.(4)

____________

(1) مختصر بصائر الدرجات 32، بحار الأنوار: 53 / 46 / ح 20.

(2) النور: 55.

(3) الإحتجاج: 1 / 382.

(4) تفسير مجمع البيان: 7 / 267.


الصفحة 126

الباب الحادي والثمانون

في قوله تعالى * (أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات
كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار) *(1)

من طريق العامة وفيه حديثان


الأول: ابن شهرآشوب عن تفسير ابن يوسف النسوي قبيصة بن عقبة عن الثوري عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس في قوله تعالى * (أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات) * نزلت في علي وحمزة وعبيدة * (كالمفسدين في الأرض) * عتبة وشيبة والوليد.(2)

الثاني: من طريق العامة أيضا عن ابن عباس في قوله تعالى * (أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات) * علي وحمزة وعبيدة * (كالمفسدين في الأرض) * عتبة وشيبة والوليد بن عتبة * (أم نجعل المتقين) * هؤلاء علي وأصحابه * (كالفجار) * عتبة وأصحابه.(3)

الباب الثاني والثمانون

في قوله تعالى * (أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات
كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار) *

من طريق الخاصة وفيه حديثان


الأول: علي بن إبراهيم في تفسيره قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثني يحيى بن زكريا اللؤلؤي، عن علي بن حنان، عن عبد الرحمن بن كثير، قال: سألت الصادق (عليه السلام) عن قوله * (أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات) * قال: أمير المؤمنين وأصحابه * (كالمفسدين في الأرض) * حبتر وزريق وأصحابهما * (أم نجعل المتقين) * أمير المؤمنين وأصحابه * (كالفجار) * حر ودلام وأصحابهما.(4)

الثاني: محمد بن العباس قال: حدثني علي ابن عبيد ومحمد بن القاسم بن سلام، قال: حدثنا

____________

(1) سورة ص: 28.

(2) مناقب آل أبي طالب 1 / 388.

(3) بحار الأنوار 24 / 7 ج 20.

(4) تفسير القمي: 2 / 234.


الصفحة 127
حسين بن حكم عن حسين بن حسين، عن غياث بن علي، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس في قوله عز وجل * (أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات) * علي وحمزة وعبيد * (كالمفسدين في الأرض) * عتبة وشيبة والوليد * (أم نجعل المتقين) * علي (عليه السلام) وأصحابه * (كالفجار) *(1) فلان وأصحابه(2).

____________

(1) سورة ص: 28.

(2) بحار الأنوار: 24 / 7 / 20.


الصفحة 128

الباب الثالث والثمانون

في قوله تعالى * (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا
وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون) *(1)

من طريق العامة وفيه حديثان


الأول: موفق بن أحمد من أعيان علماء العامة قال: قوله تعالى * (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون) *(2) قيل:

نزلت في قصة بدر في حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث لما برزوا لقتال عتبة وشيبة والوليد، و * (الذين آمنوا) * حمزة وعلي وعبيدة و * (الذين اجترحوا السيئات) * عتبة وشيبة والوليد.(3)

الثاني: من طريق العامة أيضا عن ابن عباس في قوله تعالى * (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات) * فالذين آمنوا بنو هاشم وبنو عبد المطلب و * (الذين اجترحوا السيئات) * بنو عبد شمس.(4)

الباب الرابع والثمانون

في قوله تعالى * (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم
كالذين آمنوا وعملوا الصالحات) * الآية

من طريق الخاصة وفيه حديثان


الأول: محمد بن العباس بن ماهيار الثقة في تفسيره قال: حدثنا علي بن عبيد، عن حسين بن حكم، عن حيان بن علي، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس في قوله عز وجل * (أم حسب الذين اجترحوا السيئات) * الآية قال: * (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) * بنو هاشم وبنو عبد المطلب و * (الذين اجترحوا السيئات) * بنو عبد شمس.(5)

____________

(1) الجاثية: 21.

(2) الجاثية: 21.

(3) المناقب 275 / 257.

(4) بحار الأنوار: 23 / 384 ح 82.

(5) بحار الأنوار 23 / 384 ح 82.


الصفحة 129
الثاني: محمد بن العباس قال: حدثنا عبد العزيز عن محمد بن زكريا عن أيوب بن سليمان عن ابن مروان الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله عز وجل * (أم حسب الذين اجترحوا السيئات) * الآية قال: إن هذه الآية في علي بن أبي طالب (عليه السلام) وحمزة بن عبد المطلب وعبيدة بن الحارث هم الذين آمنوا، وفي ثلاثة من المشركين عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة وهم الذين * (اجترحوا السيئات) *(1).

____________

(1) سورة السجدة: 18.


الصفحة 130

الباب الخامس والثمانون(1)

في قوله تعالى * (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) *

من طريق العامة وفيه ثمانية أحاديث


الأول: أبو المؤيد موفق بن أحمد، أخبرنا الشيخ الزاهد الحافظ زين الأئمة أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي الخوارزمي، حدثنا القاضي الإمام شيخ القضاة إسماعيل بن أحمد الواعظ، حدثني والدي شيخ السنة أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، حدثنا أبو سعيد الماليني، حدثنا أبو أحمد بن عدي حدثنا أبو يعلى، حدثنا إبراهيم بن الحجاج قال: حدثنا حماد يعني بن سلمة عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن الوليد بن عقبة قال لعلي رضي الله عنه: أنا أبسط منك لسانا وأحد منك سنانا وأملأ منك حشوا في الكتيبة فقال له علي: على رسلك فإنك فاسق، فأنزل الله عز وجل * (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) * يعني عليا والوليد الفاسق.(2)

الثاني: عز الدين ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة قال: قال أبو الفرج: وحدثني إسحاق بن بنان الأنماطي عن حنيش بن ميسر عن عبد الله بن موسى عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال الوليد بن عقبة لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) أنا أحد منك سنانا وأبسط منك لسانا واملأ للكتيبة، فقال له علي (عليه السلام): أسكت يا فاسق، فنزل القرآن فيهما * (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) *.(3)

الثالث: ابن أبي الحديد قال: قال أبو عمر في الوليد بن عقبة وفي علي بن أبي طالب (عليه السلام) نزل * (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) *. في قصتهما المشهورة.(4)

الرابع: ابن أبي الحديد قال شيخنا أبو القاسم البلخي رحمه الله: من المعلوم الذي لا ريب فيه لاشتهار الخبر به وإطباق الناس عليه أن الوليد بن عقبة بن أبي معيط كان يبغض عليا ويشتمه، وأنه الذي لاحاه في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونابذه وقال له: أنا أثبت منك جنانا وأحد سنانا، فقال له علي (عليه السلام): أسكت يا فاسق، فأنزل الله تعالى فيهما * (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) * الآيات المتلوة، وسمي الوليد بحسب ذلك في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) الفاسق، فكان لا يعرف إلا

____________

(1) بحار الأنوار 23 / 384 ح 83.

(2) المناقب 279 / ح 271.

(3) شرح نهج البلاغة: 17 / 238.

(4) شرح نهج البلاغة: 17 / 239.


الصفحة 131
بالوليد الفاسق، وهذه الآية من الآيات التي نزل فيها القرآن بموافقة علي (عليه السلام).(1)

الخامس: ابن أبي الحديد قال: روى الزبير بن بكار في كتاب المفاخرات قال: اجتمع عند معاوية عمرو بن العاص والوليد بن عقبة بن أبي معيط وعتبة بن أبي سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة، وقد كان بلغهم عن الحسن بن علي عليهما السلام قوارص وبلغهم عنه مثل ذلك فقالوا: يا أمير المؤمنين إن الحسن قد أحيا أباه وذكره، وقال فصدق وأمر فأطيع، وخفقت له النعال وإن ذلك لرافعه إلى ما هو أعظم منه، ولا يزال يبلغنا عنه ما يسوؤنا.

قال معاوية: ما تريدون؟ قالوا: ابعث إليه فليحضر لنسبه ونسب أباه ونعيره ونوبخه، ونخبره أن أباه قتل عثمان ونقرره بذلك، ولا يستطيع أن يغير علينا شيئا من ذلك.

قال معاوية: إني لا أرى ذلك ولا أفعله.

قالوا: عزمنا عليك يا أمير المؤمنين لتفعل، فقال: ويحكم، لا تفعلوا، فوالله ما رأيته قط جالسا عندي إلا خفت مقامه وعيبه لي، قالوا: ابعث إليه على حال، قال: إن بعثت إليه لأنصفنه منكم، فقال عمرو بن العاص: أتخشى أن يأتي باطله على حقنا أو يربى قوله على قولنا؟

قال معاوية: أما إني إن بعثت إليه لآمرنه أن يتكلم بلسانه كله، قالوا: مره بذلك، قال: أما إذ عصيتموني وبعثتم إليه وأبيتم إلا ذلك فلا تمرضوا له في القول، واعلموا أنهم أهل بيت لا يعيبهم العائب، ولا يلصق بهم العار ولكن اقذفوه بحجرة تقولون له: إن أباك قتل عثمان وكره خلافة الخلفاء من قبله.

فبعث إليه معاوية فجاءه رسوله فقال: إن أمير المؤمنين يدعوك قال: من عنده؟ فسماهم له، فقال الحسن: ما لهم؟ خر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون، ثم قال: يا جارية ابغيني ثيابي، اللهم إني أعوذ بك من شرورهم، وأدرأ بك كيدهم في نحورهم، وأستعين بك عليهم فاكفنيهم كيف شئت وأنى شئت بحول منك وقوة يا أرحم الراحمين، ثم قام، فلما دخل على معاوية أعظمه وأكرمه وأجلسه إلى جانبه ثم ذكر الحديث وما جرى بين الحسن وبين القوم الفاسقين، وما قالوا له وما ردد عليهم إلى أن قال: وأما أنت يا وليد فوالله ما ألومك على بغض علي وقد جلدك ثمانين في الخمر، وقتل أباك بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) صبرا، وأنت الذي سماه الله الفاسق وسمى عليا المؤمن حيث تفاخرتما فقلت له: أسكت يا علي فأنا أشجع منك جنانا وأطول منك لسانا، فقال لك علي: أسكت يا وليد فأنا مؤمن وأنت فاسق، فأنزل الله تعالى في موافقة قوله

____________

(1) شرح نهج البلاغة: 4 / 80.


الصفحة 132
* (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) *(1) ثم أنزل فيك على موافقة قوله أيضا * (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) *(2) ويحك يا وليد، مهما نسيت فلا تنس قول الشاعر فيك وفيه شعرا:


أنزل الله والكتاب العزيزفي علي وفي الوليد قرانا
فتبوأ الوليد إذ ذاك فسقاوعلي مبوأ إيمانا
ليس من كان مؤمنا عمرك اللهكمن كان فاسقا خوانا
سوف يدعى الوليد بعد قليلوعلي إلى الحساب عيانا
فعلي يجزى بذاك جناناووليد يجزى بذاك هوانا
رب جد لعقبة بن أبانلابس في بلادنا تبانا

وما أنت وقريش؟ وإنما أنت علج من أهل صفورية، وأقسم بالله لأنت أكبر في الميلاد وأسن ممن تدعى إليه.(3)

السادس: أبو نعيم الأصفهاني قال: قوله تعالى * (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) *(4)

بإسناده إلى حبيب قال: نزلت هذه الآية في علي (عليه السلام) والوليد بن عقبة.(5)

السابع: أبو نعيم أيضا بإسناده إلى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال الوليد ابن عقبة لعلي بن أبي طالب (عليه السلام): أنا أحد منك سنانا وأبسط منك بنانا وأملأ للكتيبة منك، فقال له علي (عليه السلام): أسكت فإنما أنت فاسق، فنزلت * (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) * قال: يعني بالمؤمن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وبالفاسق الوليد بن عقبة.(6)

الثامن: الثعلبي في تفسير قوله تعالى * (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) * قال الثعلبي:

نزلت في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) والوليد بن عقبة بن أبي معيط أخي عثمان لأمه، وذلك أنه كان بينهما تنازع وكلام في شئ، فقال الوليد لعلي (عليه السلام): أسكت فإنك صبي وأنا والله أبسط منك لسانا وأحد منك سنانا وأشجع منك جنانا وأملأ منك حشوا في الكتيبة.

فقال له علي (عليه السلام): أسكت فإنك فاسق، فأنزل الله تبارك وتعالى * (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) *.(7)

____________

(1) السجدة: 18.

(2) الحجرات: 6.

(3) شرح نهج البلاغة: 6 / 285.

(4) السجدة: 18.

(5) بحار الأنوار 31 / 338 ح 5.

(6) بحار الأنوار 31 / 337 ح 3.

(7) أسباب النزول للواحدي: 200 عن الثعلبي.


الصفحة 133

الباب السادس والثمانون

في قوله تعالى * (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) *(1)

من طريق الخاصة وفيه سبعة أحاديث


الأول: الشيخ الطوسي في مجالسه قال: أخبرنا جماعة عن أبي المفضل قال: حدثنا الحسن بن علي بن زكريا العاصمي قال: حدثنا أحمد بن عبيد الله العدلي قال: حدثنا الربيع بن يسار قال:

حدثنا الأعمش عن سالم بن أبي الجعد يرفعه إلى أبي ذر في حديث أمير المؤمنين (عليه السلام) على أهل الشورى يذكر فضائله وما جاء فيه على لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهم يسلمون له ما ذكره وأنه مختص بالفضائل دونهم - إلى أن قال علي (عليه السلام): فهل فيكم أحد أنزل الله تعالى فيه * (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) * إلى آخر ما اقتص الله تعالى من خبر المؤمنين غيري، قالوا: اللهم لا.(2)

الثاني: علي بن إبراهيم في تفسيره قال في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله * (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) *(3) وذلك أن علي بن أبي طالب والوليد بن عقبة بن أبي معيط تشاجرا فقال الفاسق الوليد بن عقبة بن أبي معيط: أنا والله أبسط منك لسانا وأحد منك سنانا وأمثل منك جثوا في الكتيبة قال علي (عليه السلام) أسكت فإنما أنت فاسق فأنزل الله * (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنة المأوى نزلا بما كانوا يعملون) *(4)

فهو علي بن أبي طالب * (وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون) *(5).(6)

الثالث: محمد بن العباس قال: حدثنا إبراهيم بن عبد الله عن الحجاج بن سهل عن حماد بن سلمة عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: إن الوليد بن عقبة بن أبي معيط قال لعلي (عليه السلام):

أنا أبسط منك لسانا، وأحد منك سنانا وأملى منك حشوا للكتيبة، فقال له علي (عليه السلام): أمسك يا فاسق، فأنزل الله جل اسمه * (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) * إلى قوله * (تكذبون) *(7).

____________

(1) السجدة: 18.

(2) أمالي الطوسي 551 / مجلس 20 / ح 4.

(3) السجدة: 18.

(4) السجدة 18 - 19.

(5) السجدة: 20.

(6) تفسير القمي 2 / 170.

(7) بحار الأنوار 23 / 382 ح 77.


الصفحة 134
الرابع: محمد بن العباس قال: حدثنا علي بن عبد الله بن أسد عن إبراهيم بن محمد الثقفي عن عمر بن حماد عن أبيه عن فضيل عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله عز وجل * (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) * قال: نزلت في رجلين أحدهما من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو مؤمن والآخر فاسق فقال الفاسق للمؤمن: أنا والله أحد منك سنانا وأبسط منك لسانا، واملأ منك حشوا في الكتيبة، فقال المؤمن للفاسق: أسكت يا فاسق فأنزل الله عز وجل * (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) * ثم بين حال المؤمن فقال أما * (الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنة المأوى نزلا بما كانوا يعملون) * ثم بين حال الفاسق فقال عز وجل * (وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون) *(1).

الخامس: ذكر أبو مخنف رحمه الله أنه جرى عند معاوية بين الحسن بن علي (عليه السلام) وبين الفاسق الوليد بن عقبة كلام، فقال الحسن (عليه السلام): لا ألومك أن تسب عليا (عليه السلام) وقد جلدك في الخمر ثمانين سوطا، وقتل أباك صبرا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في يوم بدر، وقد سماه الله عز وجل في غير آية مؤمنا وسماك فاسقا.(2)

السادس: الطبرسي في الاحتجاج في حديث ذكر فيه ما جرى بين الحسن بن علي (عليه السلام) وبين جماعة من أصحاب معاوية بمحضر معاوية فقال الحسن (عليه السلام): وأما أنت يا وليد بن عقبة فوالله ما ألومك أن تبغض عليا وقد جلدك في الخمر ثمانين، وقتل أباك صبرا بيده يوم بدر أم كيف تسبه وقد سماه الله مؤمنا في عشر آيات من القرآن وسماك فاسقا وهو قول الله عز وجل * (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) *(3) وقوله * (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) *(4) وما أنت وذكر قريش وإنما أنت ابن علج من أهل صفورية يقال له ذكوان، وأما زعمك أنا قتلنا عثمان فوالله ما استطاع طلحة والزبير وعائشة أن يقولوا ذلك على علي بن أبي طالب، فكيف تقوله أنت؟ ولو سألت أمك من أبوك إذ تركت ذكوان فألصقتك بعقبة بن أبي معيط اكتسبت بذلك عند نفسها سناء ورفعة مع ما أعد الله لك ولأبيك ولأمك من العار والخزي في الدنيا والآخرة وما الله بظلام للعبيد؟ ثم أنت يا وليد والله أكبر في الميلاد ممن تدعى له، فكيف تسب عليا؟ ولو اشتغلت بنفسك لتثبت نسبك إلى أبيك لا إلى من تدعى له، ولقد قالت لك أمك:

____________

(1) بحار الأنوار 23 / 383 ح 78.

(2) بحار الأنوار 23 / 383 ح 79.

(3) السجدة: 18.

(4) الحجرات: 6.


الصفحة 135
يا بني أبوك الأم وأخبث من عقبة.(1)

السابع: ابن شهرآشوب أورده في كتابه من طريق الخاصة والعامة عن الكلبي عن أبي صالح وعن أبي لهيعة عن عمر بن دينار عن أبي العالية عن عكرمة عن أبي عبيدة عن يونس عن عمر وعن مجاهد كلهم عن ابن عباس، وقد روى صاحب الأغاني وصاحب كتاب التراجم عن ابن جبير وابن عباس وقتادة، وروي عن الباقر (عليه السلام) واللفظ له أنه قال الوليد بن عقبة لعلي (عليه السلام): أنا أحد منك سنانا وأبسط لسانا وأملأ حشوا للكتيبة، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): ليس كما قلت يا فاسق، وفي روايات كثيرة: أسكت فإنما أنت فاسق فنزلت الآيات * (أفمن كان مؤمنا) * علي بن أبي طالب * (كمن كان فاسقا) * الوليد * (لا يستوون أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات) * الآية أنزلت في علي * (وأما الذين فسقوا) * أنزلت في الوليد، فأنشأ حسان:


أنزل الله والكتاب عزيزفي علي وفي الوليد قرنا
فتبوأ الوليد من ذاك فسقاوعلي مبوأ إيمانا
ليس من كان مؤمنا عرف اللهكمن كان فاسقا خوانا
سوف يجزى الوليد خزيا وناراوعلي لا شك يجزى جنانا(2)

____________

(1) الإحتجاج 1 / 412.

(2) مناقب آل أبي طالب 1 / 294.