الباب الخامس والتسعون
في قوله تعالى * (السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار) *.(1)
الأول: إبراهيم بن محمد الحمويني بإسناده المتصل إلى سليم بن قيس الهلالي في حديث طويل يذكر أمير المؤمنين (عليه السلام) فضايله بمشهد جمع كثير من المهاجرين والأنصار، ويناشدهم الإقرار بفضائله (عليه السلام) التي يذكرها إلى أن قال (عليه السلام): فأنشدكم الله، أتعلمون أن الله عز وجل فضل في كتابه السابق على المسبوق؟ وفي غير آية وإني لم يسبقني إلى الله عز وجل وإلى رسوله (صلى الله عليه وآله) أحد من الأمة، قالوا: اللهم نعم، فأنشدكم الله أتعلمون حيث نزلت * (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار) * * (والسابقون السابقون أولئك المقربون) *(2) سئل عنها رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: أنزلها الله تعالى ذكره في الأنبياء وأوصيائهم، فأنا أفضل أنبياء الله ورسله، وعلي بن أبي طالب وصيي أفضل الأوصياء، قالوا: اللهم نعم(3).
والحديث طويل تقدم بسنده في الباب الثامن والخمسين(4) من المقصد الأول وهو حديث حسن.
الثاني: ابن شهرآشوب من طريق العامة حيث قال: الروايات في أن عليا أول الناس إسلاما فقد صنفت فيه كتب، ثم روى عن مالك بن أنس عن أبي صالح عن ابن عباس قال * (والسابقون الأولون) * نزلت في أمير المؤمنين (عليه السلام) سبق الناس كلهم بالإيمان، وصلى إلى القبلتين، وبايع البيعتين بيعة بدر وبيعة الرضوان، وهاجر الهجرتين مع جعفر من مكة إلى الحبشة ومن الحبشة إلى المدينة، قال ابن شهرآشوب: وروي عن جماعة من المفسرين أنها نزلت في علي(5).
الثالث: أبو نعيم الأصفهاني في قوله تعالى * (والسابقون السابقون) *(6) ذكر عليا وسلمان.(7)
____________
(1) التوبة: 100.
(2) الواقعة: 10، 11.
(3) فرائد السمطين: 1 / 312 باب 58 ح 250.
(4) وهو الحديث الرابع.
(5) مناقب آل أبي طالب 1 / 290.
(6) الواقعة: 10.
(7) بحار الأنوار 32 / 166 ح 151.
الباب السادس والتسعون
في قوله تعالى * (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار) *
الأول: الشيخ في مجالسه بإسناده إلى الصادق عن أبيه عن جده علي بن الحسين عليهم السلام في خطبة الحسن (عليه السلام) بعد صلحه لمعاوية، قال الحسن (عليه السلام) في الخطبة، وذكر فضايل أبيه (عليه السلام) إلى أن قال (عليه السلام): ثم لم يزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) في كل موطن يقدمه ولكل شديدة يرسله ثقة منه به وطمأنينة إليه لعلمه بنصيحته لله عز وجل ورسوله (صلى الله عليه وآله) وإنه أقرب المقربين من الله ورسوله، وقد قال الله * (والسابقون السابقون أولئك المقربون) * فكان أبي سابق السابقين إلى الله عز وجل وإلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأقرب الأقربين وقد قال الله تعالى * (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة) *(1) فأبي كان أول المسلمين إسلاما، وأولهم إلى الله وإلى رسوله هجرة ولحوقا، وأولهم على وجده ووسعة ونفقة.
قال سبحانه * (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم) *(2) فالناس من جميع الأمم يستغفرون له لسبقه إياهم للإيمان (صلى الله عليه وآله) بنبيه، وذلك أنه لم يسبقه إلى الإيمان أحد، وقد قال الله تعالى * (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم) * فهو سابق جميع السابقين، فكما أن الله عز وجل فضل السابقين على المتخلفين والمتأخرين، وكذلك فضل سابق السابقين على السابقين.(3)
الثاني: علي بن إبراهيم في تفسيره في معنى الآية ثم استثنى عليه فقال * (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار) * وهم النقباء أبو ذر والمقداد وسلمان وعمار ومن آمن وصدق وثبت على ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام).(4)
الثالث: الشيباني في تفسير نهج البيان عن الصادق (عليه السلام) أنها نزلت في علي (عليه السلام) ومن تبعه من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم.(5)
____________
(1) الحديد: 10.
(2) الحشر: 10.
(3) أمالي الطوسي 563 / مجلس 21 / ح 1.
(4) تفسير القمي: 1 / 303.
(5) نهج البلاغة: 3 / 45.
الباب السابع والتسعون
في قوله تعالى * (السابقون السابقون أولئك المقربون) *.(1)
الأول: الثعلبي في تفسيره قال: أخبرني أبو عبد الله، حدثنا عبد الله بن أحمد بن يوسف بن مالك، حدثنا محمد بن إبراهيم بن زياد الرازي، حدثنا الحرب بن عبد الله الحارثي، حدثنا قيس بن الربيع عن الأعمش عن عباية بن ربعي عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قسم الله الخلق قسمين فجعلني في خيرها قسما فذلك قوله تعالى * (وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين) *(2) فأنا من أصحاب اليمين وأنا خير من أصحاب اليمين، ثم جعل القسمين أثلاثا فجعلني في خيرها ثلثا فذلك قوله * (وأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشئمة ما أصحاب المشئمة والسابقون السابقون) * فأنا من السابقين، وأنا خير السابقين، ثم جعل الأثلاث قبائل فجعلني في خيرها قبيلة، فذلك قوله تعالى * (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) * وأنا أتقى ولد آدم وأكرمهم على الله تعالى ولا فخر، ثم جعل القبائل بيوتا فجعلني في خيرها بيتا، وذلك قوله تعالى * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) *(3).(4)
الثاني: الثعلبي قال: أخبرني أبو عبد الله، حدثنا عبد الله بن أحمد بن يوسف بن مالك، حدثنا محمد بن إبراهيم بن زياد الرازي، حدثنا الحرث بن عبد الله الحارثي، حدثنا قيس بن الربيع عن الأعمش عن عباية بن ربعي عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قسم الخلق قسمين، مثل الحديث السابق.(5)
الثالث: الثعلبي يرفعه إلى عباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله سبحانه وتعالى قسم الخلق قسمين فجعلني في خيرها قسما فذلك قوله * (وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين) *(6) فأنا خير أصحاب اليمين ثم جعل القسم أثلاثا فجعلني في خيرها قسما، فذلك قوله تعالى * (فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشئمة ما أصحاب المشئمة والسابقون
____________
(1) الواقعة: 10، 11.
(2) الواقعة: 27.
(3) الأحزاب: 33.
(4) الدر المنثور 5 / 199.
(5) الدر المنثور: 5 / 199.
(6) الواقعة: 27.
الرابع: الفقيه ابن المغازلي الشافعي في المناقب في قوله تعالى * (والسابقون السابقون) * يرفعه إلى ابن عباس قال: السابقون ثلاثة: سبق يوشع بن نون إلى موسى (عليه السلام)، وسبق صاحب يس إلى عيسى، وسبق علي إلى محمد وهو أفضلهم.(3)
الخامس: أبو نعيم الحافظ عن رجاله مرفوعا إلى ابن عباس رضي الله عنه قال: سابق هذه الأمة علي بن أبي طالب (عليه السلام).(4)
السادس: أبو المؤيد موفق بن أحمد بإسناده إلى إبراهيم بن سعيد الجوهري وصي المأمون، حدثني أمير المؤمنين الرشيد عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: سمعت عمر بن الخطاب وعنده جماعة فتذاكروا السابقين إلى الإسلام فقال عمر: أما علي فسمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول فيه ثلاث خصال لوددت أن تكون لي واحدة منهن فكان أحب إلي مما طلعت عليه الشمس، كنت أنا وأبو عبيدة وأبو بكر وجماعة من أصحابه إذ ضرب النبي (صلى الله عليه وآله) بيده على منكب علي رضي الله عنه وقال له: يا علي أنت أول المؤمنين إيمانا، وأول المسلمين إسلاما، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى.(5)
السابع: موفق بن أحمد بإسناده إلى مجاهد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: السبق ثلاثة فالسابق إلى موسى يوشع بن نون، والسابق إلى عيسى صاحب يس، والسابق إلى محمد علي بن أبي طالب.(6)
الثامن: إبراهيم بن محمد الحمويني بإسناده إلى سليم بن قيس الهلالي في حديث المناشدة في فضائله بمشهد جماعة من المهاجرين والأنصار وقد تقدم عن قريب، قال علي (عليه السلام): فأنشدكم الله أتعلمون أن الله عز وجل فضل في كتابه السابق على المسبوق في غير آية وإني لم يسبقني إلى الله عز وجل وإلى رسوله (صلى الله عليه وآله) أحد من هذه الأمة؟ قالوا: اللهم نعم، فأنشدكم الله أتعلمون حيث نزلت * (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار) * * (والسابقون السابقون أولئك المقربون) * سئل عنها رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: أنزلها الله تعالى ذكره في الأنبياء وأوصيائهم، فأنا أفضل أنبياء الله ورسله، وعلي بن أبي طالب وصيي وأفضل الأوصياء، قالوا: اللهم نعم.(7)
____________
(1) الواقعة: 8، 9، 10.
(2) العمدة عن الثعلبي: 8 - 9.
(3) مناقب ابن المغازلي / 197 / ح 365.
(4) بحار الأنوار 31 / 332 ح 4.
(5) المناقب 55 / ح 19.
(6) المناقب 55 / ح 20.
(7) فرائد السمطين: ج 1 / 314.
الباب الثامن والتسعون
في قوله تعالى * (والسابقون السابقون أولئك المقربون) *
الأول: علي بن إبراهيم في تفسيره، أخبرنا الحسن بن علي عن أبيه عن الحسين بن سعيد عن الحسين بن علوان الكلبي عن الحسين بن علي العبدي عن أبي هارون العبدي عن ربيعة السعدي عن حذيفة بن اليمان أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أرسل إلى بلال فأمره أن ينادي بالصلاة قبل كل يوم في رجب لثلاث عشرة خلت منه، قال: فلما نادى بلال بالصلاة فزع الناس من ذلك فزعا شديدا وذعروا وقالوا: رسول الله بين أظهرنا لم يغب عنا ولم يمت، فاجتمعوا وحشدوا فأقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) يمشي حتى انتهى إلى باب من أبواب المسجد فأخذ بعضادتيه، وفي المسجد مكان يسمى السدة فسلم ثم قال: هل تسمعون يا أهل السدة؟ فقالوا سمعنا وأطعنا، فقال: هل تبلغوه؟
قالوا: ضمنا ذلك لك يا رسول الله، ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أخبركم أن الله خلق الخلق قسمين فجعلني في خيرها قسما وذلك قوله * (وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين) *(1) فأنا من أصحاب اليمين، وأنا من خير أصحاب اليمين ثم جعل القسمين أثلاثا فجعلني من خيرها ثلثا وذلك قوله * (وأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشئمة ما أصحاب المشئمة والسابقون السابقون) *(2) فأنا من السابقين، وأنا خير السابقين، ثم جعل الأثلاث قبايل فجعلني في خيرها قبيلة وذلك قوله * (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) *(3) فقبيلتي خير القبائل، وأنا سيد ولد آدم وأكرمهم على الله ولا فخر، ثم جعل القبائل بيوتا فجعلني من خيرها بيتا وذلك قوله * (إنما يريد الله ليذهب الله عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) *(4).
ألا وإن الله اختارني في ثلاثة من أهل بيتي وأنا سيد الثلاثة وأتقاهم لله ولا فخر، اختارني وعليا وجعفرا ابني أبي طالب وحمزة بن عبد المطلب كنا رقودا بالأبطح ليس منا إلا مسجى بثوبه على وجهه، علي بن أبي طالب عن يميني وجعفر عن يساري وحمزة عند رجلي فما نبهتني عن رقدتي
____________
(1) الواقعة: 27.
(2) الواقعة: 8، 9، 10.
(3) الحجرات: 13.
(4) الأحزاب: 33.
الثاني: الشيخ في أماليه قال: أخبرنا محمد بن محمد قال: أخبرنا أبو نصر محمد بن الحسين المقري قال: حدثنا عمر بن محمد الوراق قال: حدثنا علي بن عباس النخعي قال: حدثنا حميد بن زياد قال: حدثنا محمد بن تسنيم الوراق قال: حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين قال: حدثنا مقاتل بن سليمان عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس قال: سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن قول الله عز وجل * (والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم) *(2) فقال: قال لي جبرائيل (عليه السلام) ذلك علي وشيعته هم السابقون إلى الجنة المقربون من الله بكرامته لهم(3).
الثالث: محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن إبراهيم بن عمر اليماني عن جابر الجعفي قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): يا جابر إن الله تبارك وتعالى خلق الخلق ثلاثة أصناف وهو قوله عز وجل * (وكنتم أزواجا ثلاثة فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشئمة ما أصحاب المشئمة والسابقون السابقون أولئك المقربون) *(4) فالسابقون هم رسل الله وخاصته من خلقه، جعل فيهم خمسة أرواح أيدهم بروح القدس فبه عرفوا الأشياء، وأيدهم بروح الإيمان فبه خافوا الله عز وجل، وأيدهم بروح القوة فبه قدروا على طاعة الله، وأيدهم بروح الشهوة فبه اشتهوا طاعة الله عز وجل، وكرهوا معصيته، وجعل فيهم روح المدرج الذي به يذهب الناس ويجيئون، وجعل في المؤمنين وأصحاب الميمنة روح الإيمان فبه خافوا الله، وجعل فيهم روح القوة فبه قدروا على طاعة الله، وجعل فيهم روح الشهوة فبه اشتهوا طاعة الله عز وجل، وجعل فيهم روح المدرج الذي يذهب به الناس ويجيئون(5).
الرابع: محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه رفعه عن محمد بن داود الغنوي عن الأصبغ بن نباتة قال جاء رجل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: يا أمير
____________
(1) تفسير القمي: 2 / 34.
(2) الواقعة: 10، 11، 12.
(3) أمالي الطوسي 72 / مجلس 3 / 13 ح.
(4) الواقعة: 7، 8، 9، 10، 11.
(5) الكافي 1 / 272 ح 1.
فأما ما ذكره من أمر السابقين فإنهم أنبياء مرسلون وغير مرسلين، جعل الله فيهم خمسة أرواح:
روح القدس وروح الإيمان وروح القوة وروح الشهوة وروح البدن، فبروح القدس بعثوا أنبياء مرسلين وغير مرسلين، وبها عملوا الأشياء، وبروح الإيمان عبدوا الله ولم يشركوا به شيئا، وبروح القوة جاهدوا عدوهم وعالجوا معاشهم، وبروح الشهوة أصابوا لذيذ الطعام ونكحوا الحلال من شباب النساء، وبروح البدن دبوا ودرجوا فهؤلاء مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم، ثم قال الله عز وجل * (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس) *(1) ثم قال في جماعتهم: وأيدهم بروح منه، يقول: أكرمهم بها ففضلهم على من سواهم، فهؤلاء مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم، ثم ذكر أصحاب الميمنة وهم المؤمنون حقا بأعيانهم، ثم جعل الله فيهم أربعة أرواح: روح الإيمان وروح القوة وروح الشهوة وروح البدن، فلا يزال العبد يستكمل هذه الأرواح الأربعة حتى تأتي عليه حالات.
فقال الرجل: يا أمير المؤمنين ما هذه الحالات؟ فقال: أما أولهن فهو كما قال الله عز وجل * (ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئا) *(2) فهذا ينتقص منه جميع الأرواح وليس يخرج من دين الله لأن الفاعل به رده إلى أرذل العمر، فهو لا يعرف للصلاة وقتا ولا يستطيع التهجد بالليل ولا بالنهار والقيام في الصف مع الناس، فهذا نقصان من روح الإيمان وليس يضره شئ.
ومنهم من ينتقص منه روح القوة فلا يستطيع جهاد عدوه ولا يستطيع طلب المعيشة، ومنهم من ينتقص منه روح الشهوة فلو مرت به أصبح بنات آدم لم يخر(3) إليها ولم يقم، وتبقى روح البدن فيه، فهو يدب ويدرج حتى يأتيه ملك الموت، فهذا الحال خير لأن الله عز وجل هو الفاعل به،
____________
(1) البقرة: 253.
(2) الحج: 5.
(3) في المصدر: يحن.
فأما أصحاب المشئمة فمنهم اليهود والنصارى، يقول الله عز وجل * (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبنائهم) *(1) يعرفون محمدا والولاية في التوراة والإنجيل * (كما يعرفون أبنائهم) * في منازلهم * (وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون) * * (الحق من ربك فلا تكونن من الممترين) *(2)، فلما جحدوا ما عرفوا ابتلاهم بذلك فسلبهم روح الإيمان وأسكن أبدانهم ثلاثة أرواح: روح القوة وروح الشهوة وروح البدن، ثم أضافهم إلى الأنعام فقال * (إن هم إلا كالأنعام) *(3)
لأن الدابة إنما تعمل بروح القوة وتعتلف بروح الشهوة وتسير بروح البدن، فقال السائل: أحييت قلبي بإذن الله يا أمير المؤمنين.(4)
الخامس: ابن بابويه بإسناده عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله عز وجل قسم الخلق قسمين فجعلني في خيرهما قسما، وذلك قوله تعالى ذكره في * (وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين) *(5) وأنا من أصحاب اليمين وأنا خير أصحاب اليمين، ثم قسم القسمين أثلاثا فجعلني في خيرها ثلثا لقوله عز وجل * (وأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشئمة ما أصحاب المشئمة والسابقون السابقون) *(6) وأنا من السابقين وأنا خير السابقين، ثم جعل الأثلاث قبائل فجعلني في خيرها قبيلة وذلك قوله عز وجل * (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) *(7) فأنا أتقى ولد آدم وأكرمهم على الله جل ثناؤه ولا فخر، ثم جعل القبائل بيوتا فجعلني في خيرها بيتا وذلك قول الله عز وجل * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) *(8).(9)
السادس: محمد بن إبراهيم النعماني قال: أخبرنا علي بن الحسين عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسن الرازي عن محمد بن علي عن محمد بن سنان عن داود بن كثير الرقي قال: قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) جعلت فداك أخبرني عن قول الله عز وجل * (السابقون
____________
(1) البقرة: 146.
(2) البقرة: 147.
(3) الفرقان: 44.
(4) الكافي 2 / 283 ح 16.
(5) الواقعة: 27.
(6) الواقعة: 8، 9، 10.
(7) الحجرات: 13.
(8) الأحزاب: 33.
(9) أمالي الصدوق: 73 / ح 999.
قال: نطق الله بهذا يوم ذرأ الخلق في الميثاق قبل أن يخلق الخلق بألفي سنة، فقلت: فسر لي ذلك فقال: إن الله عز وجل لما أراد أن يخلق الخلق خلقهم من طين ورفع لهم نارا وقال لهم:
ادخلوها، فكان أول من دخلها محمد (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين والحسن والحسين وتسعة من الأئمة إماما بعد إمام، ثم أتبعهم شيعتهم، فهم والله السابقون.(1)
السابع: الشيخ الطوسي في مجالسه قال: أخبرنا جماعة عن أبي المفضل قال: حدثني أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عبد الرحمن الهمداني بالكوفة قال: حدثنا محمد بن المفضل ابن إبراهيم بن قيس الأشعري قال: حدثنا علي بن حسان الواسطي قال: حدثنا عبد الرحمن بن كثير عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن الحسين (عليه السلام) عن الحسن (عليه السلام) في حديث صلحه ومعاوية، فقال الحسن (عليه السلام) في خطبة له: فصدق أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) سابقا ووقاه بنفسه، ثم لم يزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) في كل موطن يقدمه، ولكل شديدة يرسله ثقة منه به وطمأنينة إليه لعلمه بنصيحته لله عز وجل ورسوله وأنه أقرب المقربين من الله ورسوله، وقد قال الله * (والسابقون السابقون أولئك المقربون) * فكان أبي أسبق السابقين إلى الله عز وجل، وإلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأقرب الأقربين...
والخطبة طويلة.(2)
الثامن: محمد بن العباس عن أحمد الكاتب عن حميد بن الربيع عن الحسين بن الحسن الأشعري عن سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن عامر عن ابن عباس رحمه الله، قال: سبق الناس ثلاثة: يوشع صاحب موسى (عليه السلام) إلى موسى (عليه السلام)، وصاحب يس إلى عيسى (عليه السلام)، وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، وهو أفضلهم صلوات الله عليهم أجمعين.(3)
التاسع: محمد بن العباس قال: حدثنا علي بن الحسين بن علي المقرئ عن أبي بكر محمد بن إبراهيم الجواني عن محمد بن عمرو الكوفي عن حسين الأشقر عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاووس عن ابن عباس قال: السباق ثلاثة: حزقيل مؤمن آل فرعون إلى موسى (عليه السلام)، وحبيب صاحب يس إلى عيسى (عليه السلام)، وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، وهو أفضلهم صلوات الله عليهم أجمعين.(4)
العاشر: محمد بن العباس قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد بإسناده عن سليمان بن قيس
____________
(1) الغيبة 90 / 20.
(2) أمالي الطوسي 563 / مجلس 21 / ح 1.
(3) بحار الأنوار 31 / 332 ح 5.
(4) بحار الأنوار 24 / 8 ح 21.
الحادي عشر: الطبرسي بإسناده عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: السابقون أربعة: ابن آدم المقتول، والسابق في أمة موسى وهو مؤمن آل فرعون، والسابق في أمة عيسى وهو حبيب النجار، والسابق في أمة محمد (صلى الله عليه وآله) وهو علي بن أبي طالب (عليه السلام).(3)
____________
(1) الواقعة: 10، 11.
(2) بحار الأنوار 24 / 8 ح 22.
(3) مجمع البيان 9: 215.
الباب التاسع والتسعون
في قوله تعالى * (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى
وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) *.(1)
الثعلبي قال: أخبرني أبو عبد الله، حدثنا عبد الله بن أحمد بن يوسف بن مالك، حدثنا محمد ابن إبراهيم بن زياد الرازي، حدثنا الحرث بن عبد الله الحارثي، حدثنا قيس بن الربيع عن الأعمش عن عباية بن ربعي عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قسم الله الخلق قسمين فجعلني في خيرها قسما فذلك قوله تعالى * (وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين) *(2) فأنا خير أصحاب اليمين، ثم جعل القسمين أثلاثا فجعلني في خيرها ثلثا، فذلك قوله تعالى * (وأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشئمة ما أصحاب المشئمة والسابقون السابقون) * وأنا من السابقين، وأنا من خير السابقين، ثم جعل الأثلاث قبائل وجعلني من خيرها قبيلة، وذلك قوله عز وجل * (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) * فأنا أتقى ولد آدم وأكرمهم على الله عز وجل ثناؤه ولا فخر، ثم جعل القبائل بيوتا فجعلني من خيرها بيتا، فذلك قوله تعالى * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) *(3).(4)
____________
(1) الحجرات: 13.
(2) الواقعة: 27.
(3) الأحزاب: 33.
(4) الدر المنثور 5 / 199.
الباب المائة
في قوله تعالى * (يا أيها الذين آمنوا إنا خلقناكم من ذكر وأنثى
وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) *.
الأول: الشيخ الطوسي في مجالسه قال: أخبرنا جماعة عن أبي المفضل قال: حدثنا محمد بن فيروز بن غياث الجلاب بباب الأبواب قال: حدثنا محمد بن الفضل بن مختار الباني ويعرف بفضلان صاحب الجار قال: حدثني أبو الفضل بن مختار عن الحكم عن ظهير الفزاري الكوفي عن ثابت بن أبي صفية عن أبي حمزة الثمالي قال: حدثني أبو عامر القاسم بن عوف عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال: حدثني سلمان الفارسي رحمه الله، قال دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه الذي قبض فيه، فجلست بين يديه وسألته عما يجد وقمت لأخرج، فقال لي: اجلس يا سلمان فسيشهدك الله عز وجل أمرا إنه لمن خير الأمور، فجلست فبينا أنا كذلك إذ دخل رجال من أهل بيته ورجال من أصحابه، ودخلت فاطمة ابنته فيمن دخل، فلما رأت ما برسول الله (صلى الله عليه وآله) من الضعف خنقتها العبرة حتى فاض دمعها على خدها، فأبصر ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: ما يبكيك يا بنية أقر الله عينيك ولا أبكاك؟
قالت: وكيف لا أبكي وأنا أرى ما بك من الضعف؟ قال لها: يا فاطمة توكلي على الله واصبري كما صبر آباؤك من الأنبياء وأمهاتك من أزواجهم، ألا أبشرك يا فاطمة؟
قالت: بلى يا نبي الله، أو قالت: يا أبت، فقال: أما علمت أن الله تعالى اختار أباك فجعله نبيا وبعثه إلى كافة الخلق رسولا، ثم اختار عليا فأمرني فزوجتك إياه واتخذته بأمر ربي وزيرا ووصيا، يا فاطمة إن عليا أعظم المسلمين على المسلمين بعدي حقا، وأقدمهم سلما وأعظمهم علما وأحلمهم حلما، وأثبتهم في الميزان قدرا، فاستبشرت فاطمة عليها السلام فأقبل عليها رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: هل سررتك يا فاطمة؟ قالت: نعم يا أبت، قال: أفلا أزيدك في بعلك وابن عمك من مزيد الخير وفواضله؟
قالت: بلى يا نبي الله.
قالت: يا أبت قد سررتني وأحزنتني، قال: كذلك يا بنية أمور الدنيا يشوب سرورها حزنها، وصفوها كدرها، أفلا أزيدك يا بنية؟
قالت: بلى يا رسول الله.
قال إن الله تعالى خلق الخلق فجعلهم قسمين، فجعلني وعليا في خيرها قسما، وذلك قوله عز وجل * (وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين) *(1) ثم جعل القسمين قبائل فجعلنا في خيرها قبيلة وذلك قوله عز وجل * (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) *(2)، ثم جعل القبائل بيوتا، وجعلنا في خيرها بيتا في قوله سبحانه * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) *(3) ثم إن الله تعالى اختارني من أهل بيتي واختار عليا والحسن والحسين واختارك، فأنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب وأنت سيدة النساء والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، ومن ذريتكما المهدي يملأ الله به الأرض عدلا كما ملئت من قبله جورا.(4)
الثاني: ابن بابويه بإسناده عن ابن عباس قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله عز وجل قسم الخلق قسمين فجعلني في خيرهما قسما، وذلك قوله تعالى في ذكر أصحاب اليمين وأصحاب الشمال وأنا من أصحاب اليمين، وأنا خير أصحاب اليمين ثم قسم القسمين أثلاثا فجعلني في خيرها ثلثا لقوله عز وجل * (وأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشئمة ما أصحاب المشئمة والسابقون السابقون) *(5) وأنا من السابقين، وأنا خير السابقين، ثم جعل الأثلاث قبائل فجعلني من خيرها قبيلة وذلك قوله عز وجل * (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) *(6)
فأنا أتقى ولد آدم وأكرمهم على الله جل ثناؤه ولا فخر، ثم جعل القبائل بيوتا فجعلني في خيرها بيتا، وذلك قوله عز وجل * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) *(7).(8)
الثالث: ابن بابويه قال: حدثنا الحاكم أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي قال: حدثني محمد بن
____________
(1) الواقعة: 27.
(2) الحجرات: 13.
(3) الأحزاب: 33.
(4) أمالي الطوسي 606 / مجلس 28 / ح 2.
(5) الواقعة: 8، 9، 10.
(6) الحجرات: 13.
(7) الأحزاب: 33.
(8) أمالي الصدوق 730 / ح 999.