الباب الثامن والمائة
في قوله تعالى * (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه) *
الأول: محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن إبراهيم الشعيري عن كثير بن كلثمة عن أحدهما عليهما السلام في قول الله عز وجل * (فتلقى آدم من ربه كلمات) *(1)
قال: لا إله إلا أنت سبحانك اللهم وبحمدك عملت سوءا وظلمت نفسي، فاغفر لي وأنت خير الغافرين، لا إله إلا أنت سبحانك اللهم وبحمدك، عملت سوءا وظلمت نفسي، فاغفر لي وأنت أرحم الراحمين، لا إله إلا أنت سبحانك اللهم وبحمدك، عملت سوءا وظلمت نفسي، فتب علي إنك أنت التواب الرحيم.
قال الكليني: وفي رواية أخرى في قوله عز وجل * (فتلقى آدم من ربه كلمات) *(2) قال: سأله بحق محمد وعلي والحسن والحسين وفاطمة صلى الله عليهم(3).
الثالث: ابن بابويه قال: حدثني محمد بن موسى بن المتوكل قال: حدثني يحيى بن أحمد عن العباس بن معروف عن بكر بن محمد قال: حدثني أبو سعيد المدايني يرفعه في قول الله عز وجل * (فتلقى آدم من ربه كلمات) *(4) قال: سأله بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين.(5)
الرابع: العياشي في تفسيره بإسناده عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله تبارك وتعالى عرض على آدم في الميثاق ذريته، فمر به النبي (صلى الله عليه وآله) وهو متكئ على علي (عليه السلام)، وفاطمة عليها السلام تتلوهما، والحسن والحسين (عليهما السلام) يتلوان فاطمة، فقال الله: يا آدم إياك أن تنظر إليهم بحسد أهبطك من جواري.
فلما أسكنه الله الجنة مثل له النبي (صلى الله عليه وآله) وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم، فنظر إليهم بحسد، ثم عرضت عليه الولاية فأنكرها فرمته الجنة بأوراقها، فلما تاب إلى الله من حسده وأقر بالولاية ودعا بحق الخمسة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله
____________
(1) البقرة: 37.
(2) البقرة: 37.
(3) الكافي 8 / 305 ح 472.
(4) البقرة: 37.
(5) معاني الأخبار 125 / 1.
الخامس: العياشي بإسناده عن محمد بن عيسى بن عبيد العلوي عن أبيه عن جده عن علي (عليه السلام) قال: الكلمات التي تلقاها آدم من ربه قال: يا رب أسألك بحق محمد لما تبت علي، قال: وما علمك بمحمد؟ قال: رأيته في سرادقك الأعظم مكتوبا وأنا في الجنة.(3)
السادس: الإمام أبو محمد الحسن العسكري (عليه السلام) في تفسيره: قال الله تعالى * (فتلقى آدم من ربه كلمات) *(4) يقولها، فقالها فتاب الله عليه بها إنه هو التواب الرحيم، القابل للتوبات، الرحيم بالتائبين، * (قلنا اهبطوا منها جميعا) * كان أمر في الأول أن يهبط، وفي الثاني أمرهم أن يهبطوا جميعا لا يتقدم أحدكم الآخر، والهبوط إنما كان هبوط آدم وحواء من الجنة، وهبوط الحية أيضا منها، فإنها كانت من أحسن دوابها، وهبوط إبليس من حواليها، فإنه كان محرما عليه دخول الجنة * (فإما يأتينكم مني هدى) * يأتيكم وأولادكم من بعدكم مني هدى يا آدم ويا إبليس * (فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) *(5) لا خوف عليهم حين يخاف المخالفون، ولا يحزنون إذا يحزنون.
قال: فلما زلت من آدم الخطية واعتذر إلى ربه عز وجل قال: يا رب تب علي واقبل معذرتي وأعدني إلى مرتبتي وارفع لديك درجتي، لقد تبين نقص الخطية وذلها بأعضائي وسائر بدني.
قال الله تعالى: يا آدم أما تذكر أمري إياك أن لا تدعوني بمحمد وآله الطيبين عند شدائدك ودواهيك في النوازل ينهضك.
قال آدم: يا رب بلى، قال الله عز وجل: فهم محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم خصوصا فادعني أجبك إلى ملتمسك وأزدك فوق مرادك، فقال آدم: يا رب يا إلهي وقد بلغ عندك من محلهم أنك بالتوسل بهم تقبل، توبتي وتغفر خطيئتي وأنا الذي أسجدت له ملائكتك، وأسكنته جنتك، وزوجته حواء أمتك، وأخدمته كرام ملائكتك، قال الله تعالى: يا آدم إنما أمرت الملائكة بتعظيمك بالسجود لك إذ كنت وعاء لهذه الأنوار، ولو كنت سألتني بهم قبل خطيتك أن أعصمك منها وأن أفطنك لدواعي عدوك إبليس حتى تحرز منه لكنت قد فعلت ذلك ولكن المعلوم في سابق علمي يجري موافقا لعلمي، فالآن فبهم فادعني لأجيبك، فعند ذلك قال آدم: اللهم بجاه محمد وآله الطيبين، بجاه محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والطيبين من
____________
(1) البقرة: 37.
(2) تفسير العياشي 1 / 41 ح 27.
(3) تفسير العياشي 1 / 41 ح 28.
(4) البقرة: 37.
(5) البقرة: 38.
السابع: الإمام أبو محمد العسكري (عليه السلام): قال علي بن الحسين: حدثني أبي عن أبيه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: يا عباد الله إن آدم لما رأى النور ساطعا من صلبه إذ كان الله تعالى قد نقل أشباحنا من ذروة العرش إلى ظهره، رأى النور ولم يتبين الأشباح فقال: يا رب ما هذه الأنوار؟ قال: أنوار أشباح نقلتهم من أشرف بقاع عرشي إلى ظهرك، ولذلك أمرت الملائكة بالسجود لك إذ كنت وعاء لتلك الأشباح، فقال آدم: يا رب لو بينتها لي، فقال الله عز وجل: أنظر يا آدم إلى ذروة العرش، فنظر آدم (عليه السلام) فوقع نور أشباحنا من ظهر آدم على ذروة العرش، فانطبع فيه صور أنوار أشباحنا التي في ظهره كما ينطبع وجه الإنسان في المرآة الصافية فرأى أشباحنا فقال: ما هذه الأشباح يا رب؟ قال الله تعالى: يا آدم هذه أشباح أفضل خلائقي وبرياتي هذا محمد وأنا المحمود الحميد في أفعالي، شققت له اسما من اسمي، وهذا علي وأنا العلي العظيم شققت له اسما من اسمي، وهذه فاطمة وأنا فاطر السماوات والأرض، فاطم أعدائي من رحمتي يوم فصل قضائي، وفاطم أوليائي عما يعرهم ويسيئهم فشققت لها اسما من اسمي، وهذا الحسن وهذا الحسين وأنا المحسن المجمل شققت أسميهما من اسمي.
هؤلاء خيار خلقي، وكرام بريتي، بهم آخذ وبهم أعطي، وبهم أعاقب وبهم أثيب، فتوسل إلي بهم يا آدم، وإذا دهتك داهية فاجعلهم لي شفعاءك فإني آليت على نفسي قسما حقا لا أخيب بهم
____________
(1) البقرة: 37.
(2) تفسير الإمام العسكري 266 / ح 105 - 106.
الثامن: ابن بابويه بإسناده عن معمر بن راشد قال: سمعت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول: أتى يهودي إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقام بين يديه وجعل يحد النظر إليه فقال: يا يهودي ما حاجتك؟ فقال: أنت أفضل أم موسى بن عمران النبي الذي كلمه الله وأنزل عليه التوراة والعصا وفلق له البحر وظلله بالغمام؟ فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): إنه يكره للعبد أن يزكي نفسه، ولكني أقول: إن آدم لما أصاب الخطيئة كانت توبته أن قال: اللهم إني أسئلك بحق محمد وآل محمد لما غفرت لي، فغفرها الله له.
وإن نوحا لما ركب السفينة وخاف الغرق قال: اللهم إني أسئلك بحق محمد وآل محمد لما أنجيتني من الغرق، فنجاه الله منه.
وإن إبراهيم لما ألقي في النار قال: اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما أنجيتني منها، فجعلها الله عليه بردا وسلاما.
وإن موسى لما ألقى عصاه وأوجس في نفسه خيفة قال: اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما أمنتي منها، فقال الله جل جلاله * (لا تخف إنك أنت الأعلى) *.
يا يهودي لو أدركني موسى ولم يؤمن بي وبنبوتي ما نفعه إيمانه شيئا ولا نفعته النبوة.
يا يهودي ومن ذريتي المهدي إذا خرج نزل عيسى ابن مريم لنصرته فقدمه وصلى خلفه.(2)
التاسع: عن الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى * (فتلقى آدم من ربه كلمات) *(3): إن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه: اللهم بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت علي، فتاب الله عليه.(4)
____________
(1) تفسير الإمام العسكري 219 - 220 / ح 102.
(2) أمالي الصدوق 287 / ح 320.
(3) البقرة: 37.
(4) مناقب آل أبي طالب: 1 / 243، والخصال: 305 ح 84.
الباب التاسع والمائة
في قوله تعالى * (واركعوا مع الراكعين) *
الأول: أبو المؤيد موفق بن أحمد من أعيان العامة في كتاب الفضائل، أنبأني أبو العلاء الحسين ابن أحمد [ الحافظ الهمداني ](1)، أخبرنا الحسن بن أحمد المقري، أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ، أخبرنا محمد بن أحمد بن علي بن مخلد، حدثنا محمد هو ابن عثمان بن أبي شيبة، أخبرنا منجاب بن الحارث، حدثنا حسين بن أبي حسن أبي هاشم، حدثنا حيان بن علي عن محمد بن سائب عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى * (واركعوا مع الراكعين) *(2) أنها نزلت في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفي علي بن أبي طالب خاصة، وهما أول من صلى وركع.(3)
الثاني: ابن شهرآشوب من طريق العامة والخاصة عن أبي عبيدة المرزباني وأبي نعيم الأصفهاني في كتابيهما فيما نزل من القرآن في علي، والنطنزي في الخصائص، وروى أصحابنا عن الباقر (عليه السلام) في قوله تعالى * (واركعوا مع الراكعين) *(4) نزلت في رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي بن أبي طالب، وهما أول من صلى وركع.(5)
الثالث: العنزي عن ابن عباس روى الحديث السابق بعينه.(6)
الرابع: أبو نعيم الأصفهاني في كتابه الموسوم بنزول القرآن في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بإسناده عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنه قال: * (واركعوا مع الراكعين) *(7) إنها نزلت في رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) خاصة، وهما أول من صلى وركع.(8)
____________
(1) ما بين المعقوفين زيادة ليست في المصدر.
(2) البقرة: 43.
(3) المناقب 280 / ح 274.
(4) البقرة: 43.
(5) مناقب آل أبي طالب 1 / 296.
(6) تفسير فرات الكوفي 59 / ح 20.
(7) البقرة: 43.
(8) بحار الأنوار 32 / 167 ح 151.
الباب العاشر والمائة
في قوله تعالى * (واركعوا مع الراكعين) *.
الإمام أبو محمد الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) في تفسيره في معنى الآية قال (عليه السلام): * (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين) *(1) قال: أقيموا الصلوات المكتوبات التي جاء بها محمد (صلى الله عليه وآله)، وأقيموا أيضا الصلاة على محمد وآله الطاهرين الذين علي سيدهم وفاضلهم، وآتوا الزكاة من أموالكم إذا وجبت، ومن أبدانكم إذا لزمت، ومن معونتهم إذا التمست * (واركعوا مع الراكعين) * تواضعوا مع المتواضعين لعظمة الله، عز وجل والانقياد لأولياء الله، لمحمد نبي الله، ولعلي ولي الله وللأئمة بعدهما سادة أصفياء الله.(2)
____________
(1) البقرة: 43.
(2) تفسير الإمام العسكري 231 / ح 110.
الباب الحادي عشر والمائة
في قوله تعالى * (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا
خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤن) *(1).
موفق بن أحمد قال: روى أبو صالح عن ابن عباس رضي الله عنه أن عبد الله بن أبي وأصحابه خرجوا فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال عبد الله بن أبي لأصحابه: انظروا كيف أرد ابن عم رسول الله وسيد بني هاشم خلا رسول الله، فقال علي كرم الله وجهه: يا عبد الله اتق الله ولا تنافق، فإن المنافق شر خلق الله تعالى، فقال: مهلا يا أبا الحسن والله إن إيماننا كإيمانكم، ثم تفرقوا فقال عبد الله بن أبي لأصحابه كيف رأيتم ما فعلت؟ فأثنوا عليه خيرا، فأنزل الله على رسوله (صلى الله عليه وآله) * (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤن) *(2).
قال موفق بن أحمد عقيب ذلك: فدلت الآية على إيمان علي كرم الله وجهه ظاهرا وباطنا وعلى قطعه موالاة المنافقين وإظهار عداوتهم، والمراد بالشياطين رؤساء الكفار.(3)
____________
(1) البقرة: 14.
(2) البقرة: 14.
(3) المناقب 277 / ح 266.
الباب الثاني عشر والمائة
في قوله تعالى * (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا
خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤن) *(1).
الإمام أبو محمد العسكري (عليه السلام) في تفسيره في معنى الآية قال: قال موسى بن جعفر (عليه السلام): وإذا لقوا - هؤلاء الناكثون للبيعة المواظبون على مخالفة علي (عليه السلام) ودفع الأمر عنه - * (الذين آمنوا قالوا آمنا) * كإيمانكم، وإذا لقوا سلمان والمقداد وأبا ذر وعمار قالوا لهم: آمنا بمحمد (صلى الله عليه وآله)، وسلمنا له بيعة علي (عليه السلام) وفضله، وانقدنا لأمره كما آمنتم، وإن أولهم وثانيهم وثالثهم إلى تاسعهم ربما كانوا يلتقون في بعض طرقهم مع سلمان وأصحابه فإذا لقوهم اشمأزوا منهم وقالوا: هؤلاء أصحاب الساحر والأهوج يعنون محمدا وعليا عليهما السلام، ثم يقول بعضهم لبعض: احترزوا منهم لا يقفوا من فلتات كلامكم على كفر محمد فيما قاله في علي، فيقعوا عليكم فيكون فيه هلاككم، فيقول أولهم: انظروا إلي كيف أسخر منهم وأكف عاديتهم عنكم.
فإذا التقوا قال أولهم: مرحبا بسلمان ابن الإسلام الذي قال فيه محمد (صلى الله عليه وآله) سيد الأنام: لو كان الدين معلقا بالثريا لتناوله رجل من أبناء فارس، هذا أفضلهم يعنيك، وقال فيه: سلمان منا أهل البيت، فقرنه بجبرئيل (عليه السلام) الذي قال له يوم العبا لما قال لرسول الله (صلى الله عليه وآله): وأنا منكم؟ فقال: وأنت منا، حتى ارتقى جبرائيل إلى الملكوت الأعلى يفتخر على أهله ويقول: من مثلي؟ بخ بخ وأنا من أهل بيت محمد (صلى الله عليه وآله).
ثم يقول للمقداد: مرحبا بك يا مقداد، أنت الذي قال فيك رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): يا علي المقداد أخوك في الدين وقد قد منك فكأنه بعضك، حبا لك وبغضا على أعدائك، وموالاة لأوليائك لكن ملائكة السماوات والحجب أكثر حبا لك منك لعلي (عليه السلام)، وأشد بغضا على أعدائك منك على أعداء علي (عليه السلام)، فطوباك ثم طوباك.
ثم يقول لأبي ذر: مرحبا بك يا أبا ذر، وأنت الذي قال فيك رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما أقلت الغبراء ولا
____________
(1) البقرة: 14.
ثم يقول لعمار بن ياسر: أهلا وسهلا يا عمار، نلت موالاة أخي رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع أنك وداع رأفة لا تزيد على المكتوبات والمسنونات من سائر العبادات ما لا يناله الكاد بدنه ليله ونهاره، يعني الليل قياما والنهار صياما، والباذل أمواله وإن كانت جميع أموال الدنيا له مرحبا بك، فقد رضيك رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي أخيه مصافيا، وعنه مناوئا حتى أخبر أنك ستقتل في محبته، وتحشر يوم القيامة في خيار زمرته، وفقني الله لمثل عملك وعمل أصحابك حتى ممن يوفر على خدمة رسول الله وأخي محمد علي ولي الله، ومعاداة أعدائهما بالعداوة، ومصافاة أوليائهما بالموالاة والمتابعة سوف يسعدنا الله يومنا هذا إذا التقينا بكم، فيقبل سلمان وأصحابه ظاهرهم كما أمر الله تعالى ويجوزون عنهم، فيقول الأول لأصحابه: كيف رأيتم سخري بهؤلاء وكيف عاديتهم عني وعنكم، فيقولون له: لا تزال بخير ما عشت لنا، فيقول لهم فهكذا فلتكن معاملتكم لهم إلى أن تنتهزوا الفرصة فيهم مثل هذا، فإن اللبيب العاقل من تجرع على الغصة حتى ينال الفرصة، ثم يعودون إلى إخوانهم من المنافقين المتمردين المشاركين لهم في تكذيب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيما أداه إليهم عن الله عز وجل من ذكر تفضيل أمير المؤمنين (عليه السلام) وتنصيبه إماما على كافة المكلفين.
قالوا لهم: إنا معكم إنما نحن على ما واطأناكم عليه من دفع علي عن هذا الأمر، إن كانت لمحمد كائنة فلا يغرنكم ولا يهولنكم ما تستمعونه منا من تقريظهم وترونا نجتري من مداراتهم، فإنما نحن مستهزئون بهم، فقال الله عز وجل: يا محمد الله يستهزئ بهم ويجازيهم جزاء استهزائهم في الدنيا والآخرة، ويمدهم في طغيانهم يعمهون، يمهلهم ويتأنى بهم برفق، ويدعوهم إلى التوبة، ويعدهم إذا تابوا المغفرة وهم، يعمهون يعمهون، لا ينزعون عن قبيح ولا يتركون أذى لمحمد وعلي يمكنهم إيصاله إليهما إلا بلغوه.(1)
____________
(1) تفسير الإمام العسكري 120 - 123 / ح 63.
الباب الثالث عشر والمائة
في قوله تعالى * (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين) *(1)
عن ابن عباس في قوله * (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين) * والخاشع الذليل في صلاته المقبل عليها يعني رسول الله وأمير المؤمنين عليهما السلام(2)، وقوله تعالى * (الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون) *(3) نزلت في علي وعثمان بن مظعون وعمار بن ياسر وأصحاب لهم.(4)
الباب الرابع عشر والمائة
في قوله تعالى * (واستعينوا بالصبر والصلاة) *
ابن شهرآشوب عن الباقر (عليه السلام) وابن عباس في قوله تعالى * (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين) * والخاشع الذليل في صلاته المقبل عليها يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام).(5)
____________
(1) البقرة: 45.
(2) بحار الأنوار 31 / 348 ح 27.
(3) البقرة: 46.
(4) بحار الأنوار 34 / 233.
(5) مناقب آل أبي طالب 1 / 302.
الباب الخامس عشر والمائة
قوله تعالى * (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال
فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا) *(1).
الأول: أبو بكر الشيرازي في نزول القرآن في شأن علي (عليه السلام) بالإسناد عن مقاتل عن محمد بن الحنفية عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في قوله * (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض) * قال: عرض الله أمانتي على السماوات السبع بالثواب والعقاب فقلن: ربنا لا نحملنها بالثواب والعقاب لكن نحملها بلا ثواب ولا عقاب، وإن الله عرض أمانتي وولايتي على الطير، فأول من آمن بها البزاة البيض والقنابر، وأول من جحدها من الطير البوم والعنقاء فلعنهما الله من بين الطيور، فأما البوم فلا تقدر أن تطير(2) بالنهار لبغض الطير لها، وأما العنقاء فغابت في البحار لا ترى.
وإن الله عرض أمانتي على الأرض فكل بقعة آمنت بولايتي وأمانتي جعلها الله طيبة مباركة زكية وجعل نباتها وثمرها حلوا عذبا، وجعل ماءها زلالا، وكل بقعة جحدت أمانتي وأنكرت ولايتي جعلها سبخة، وجعل نباتها مرا علقما، وجعل ثمارها العوسج والحنظل وجعل ماءها ملحا أجاجا.
ثم قال: وحملها الإنسان يعني أمتك يا محمد، ولاية أمير المؤمنين وإمامته بما فيها من الثواب والعقاب، إنه كان ظلوما لنفسه جهولا لأمر ربه، من لم يؤدها بحقها فهو ظلوم غشوم(3)، وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق أو ولد حرام.(4)
الثاني: موفق بن أحمد قال: ذكر الإمام محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان، حدثنا سهل بن أحمد عن أبي جعفر محمد بن جرير الطبري عن هناد بن السري عن محمد بن هشام عن سعيد بن أبي سعيد عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله تعالى لما خلق السماوات والأرض دعاهن فأجبنه، فعرض عليهن نبوتي وولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقبلتاهما ثم خلق الخلق وفوض إلينا أمر الدين، فالسعيد من سعد بنا والشقي من شقي بنا، نحن المحلون لحلاله والمحرمون لحرامه.(5)
____________
(1) الأحزاب: 72.
(2) في المصدر: تظهر.
(3) بحار الأنوار 23 / 281 ح 27.
(4) بحار الأنوار 74 / 104 ح 20 وفيه: ولد زنا.
(5) المناقب 134 / ح 151.
الباب السادس عشر والمائة
في قوله تعالى * (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض) *
الأول: محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن الحكم بن مسكين عن إسحاق بن عمار عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله عز وجل * (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا) *(1)
قال: هي ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام).(2)
الثاني: ابن بابويه قال: حدثنا أحمد بن محمد بن الهيثم العجلي رضي الله عنه قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى بن زكريا القطان قال: حدثنا أبو محمد بكر بن عبد الله بن حبيب قال:
حدثنا تميم بن بهلول عن أبيه عن محمد بن سنان عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله: إن الله (عليه السلام) تبارك وتعالى خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام، فجعل أعلاها وأشرفها أرواح محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة بعدهم صلوات الله عليهم، فعرضها على السماوات والأرض والجبال فغشيها نورهم، فقال الله تبارك وتعالى للسماوات والأرض والجبال: هؤلاء أحبائي وأوليائي وحججي على خلقي وأئمة بريتي، ما خلقت خلقا هو أحب إلي منهم، ولمن تولاهم خلقت جنتي، ولمن خالفهم وعاداهم خلقت ناري، فمن ادعى منزلتهم مني ومحلهم من عظمتي عذبته عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين وجعلته مع المشركين في أسفل درك من ناري، ومن أقر بولايتهم ولم يدع منزلتهم مني ومكانهم من عظمتي جعلته معهم في روضات جناتي، وكان لهم فيها ما يشاؤون عندي، وأبحتهم كرامتي، وأحللتهم جواري، وشفعتهم في المذنبين من عبادي وإمائي، فولايتهم أمانة عند خلقي، فأيكم يحملها بأثقالها ويدعيها لنفسه دون خيرتي؟
فأبت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها، وأشفقن من ادعاء منزلتها وتمني محلها من عظمة ربها.
فلما أسكن الله عز وجل آدم وزوجته الجنة قال لهما * (كلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه
____________
(1) الأحزاب: 72.
(2) الكافي 1 / 413 ح 2.
فقال الله جل جلاله: ارفعا رؤوسكما إلى ساق عرشي، فرفعا رؤوسهما فوجدا اسم محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة صلوات الله عليهم مكتوبة على ساق العرش بنور من نور الجبار جل جلاله فقالا: يا ربنا ما أكرم أهل هذه المنزلة عليك! وما أحبهم إليك! وما أشرفهم لديك فقال الله جل جلاله لولاهم ما خلقتكما، هؤلاء خزنة علمي وأمنائي على سري، إياكما أن تنظرا إليهم بعين الحسد وتتمنيا منزلتهم عندي ومحلهم من كرامتي فتدخلا بذلك في نهيي وعصياني فتكونا من الظالمين، قالا: ربنا ومن الظالمون، قال: المدعون منزلتهم بغير حق قالا: ربنا فأرنا منزلة ظالميهم في نارك حتى نراها كما رأينا منزلتهم في جنتك، فأمر الله تبارك وتعالى النار فأبرزت جميع ما فيها من أنواع النكال والعذاب، وقال عز وجل: مكان الظالمين لهم المدعين لمنزلتهم في أسفل درك منها، كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها، وكلما نضجت جلودهم بدلوا سواها ليذوقوا العذاب.
يا آدم ويا حواء لا تنظرا إلى أنواري وحججي بعين الحسد فأهبطكما من جواري وأحل بكما هواني، فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وري عنهما من سوآتهما، وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين فدلاهما بغرور، وحملهما على تمني منزلتهم، فنظرا إليهم بعين الحسد فخذلا حتى أكلا من شجرة الحنطة فعاد مكان ما أكلاه شعيرا، فأصل الحنطة مما لم يأكلاه، وأصل الشعير كله مما عاد مكان ما أكلاه، فلما أكلا من الشجرة طار الحلي والحلل على أجسادهما وبقيا عريانين، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين قالا:
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، قال: اهبطا من جواري فلا يجاورني في جنتي من يعصيني، فهبطا موكولين إلى أنفسهما في طلب المعاش، فلما أراد الله عز وجل أن يتوب عليهما جاءهما جبرائيل فقال لهما: إنكما إنما ظلمتما أنفسكما بتمني منزلة من فضل عليكما فجزاؤكما ما قد عوقبتما به من الهبوط من جوار الله عز وجل إلى أرضه، فسلا ربكما بحق هذه الأسماء التي رأيتموها على ساق العرش حتى يتوب عليكما.
فقالا: اللهم إنا نسألك بحق الأكرمين عليك محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة إلا تبت علينا ورحمتنا، فتاب الله عليهما، إنه هو التواب الرحيم، فلم يزل الأنبياء بعد ذلك يحفظون
الثالث: ابن بابويه قال: حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال: حدثنا عبد الله ابن جعفر الحميري عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن علي بن فضال عن مروان بن مسلم عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل * (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا) * قال: الأمانة الولاية، والإنسان هو أبو الشرور المنافق.(3)
الرابع: ابن بابويه قال: حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني قال: حدثنا علي بن إبراهيم عن أبيه عن علي بن معبد عن الحسين بن خالد قال: سألت أبا الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) عن قول الله عز وجل * (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها) * الآية فقال: الأمانة الولاية، من ادعاها بغير حق كفر(4).
الخامس: محمد بن الحسن الصفار في بصائر الدرجات عن أحمد بن محمد بن الحسين بن سعيد عن عثمان بن سعيد عن مفضل بن صالح عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله تبارك وتعالى * (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها) * قال: هي الولاية أبين أن يحملنها كفرا بها وعنادا، وحملها الإنسان، والإنسان الذي حملها أبو فلان.(5)
السادس: محمد بن عباس عن الحسن بن عامر عن محمد بن الحسين عن الحكم بن مسكين عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله * (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا) * قال: يعني بها ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام).(6)
السابع: علي بن إبراهيم في تفسيره قال: الأمانة هي الإمامة والأمر والنهي، والدليل على ذلك أن الأمانة هي الإمامة قال: قوله عز وجل للأئمة * (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) *(7)
____________
(1) الأحزاب: 72.
(2) معاني الأخبار 108 - 110 / ح 1.
(3) معاني الأخبار 110 / ح 2.
(4) معاني الأخبار 110 / ح 3.
(5) بصائر الدرجات 76 / 3.
(6) بحار الأنوار 23 / 280 ذيل ح 22.
(7) النساء: 58.