الباب السبعون ومائة
في قوله تعالى: * (وكفى الله المؤمنين) *
الأول: محمد بن العباس قال علي بن العباس عن أبي سعيد عن عباد بن يعقوب عن فضل بن القاسم البراد عن سفيان الثوري عن زبيد النامي عن مرة عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقرأ * (وكفى الله المؤمنين القتال) * بعلي وكان الله قويا عزيزا(1).
الثاني: محمد بن العباس قال: حدثنا محمد بن يونس بن المبارك عن يحيى بن عبد الحميد الحماني عن يحيى بن معلى الأسلمي عن محمد بن عمار عن زريق عن أبي إسحاق عن أبي زياد ابن مطرب قال: كان عبد الله بن مسعود يقرأ * (وكفى الله المؤمنين القتال) * بعلي(2).
وسبب نزول الآية: أن المؤمنين كفوا القتال بعلي (عليه السلام) وإن المشركين تحولوا واجتمعوا في غزاة الخندق وهو أن عمرو بن عبد ود كان فارس قريش المشهود وكان يعد بألف فارس وكان قد شهد بدرا ولم يشهد أحدا، فلما كان يوم الخندق خرج معلما ليرى الناس مقامه، فلما رأى الخندق قال:
مكيدة لم يعرفها من قبل، وحمل فرسه عليه فقطعه ووقف بإزاء المسلمين ونادى هل من مبارز فلم يجبه أحد، فقام علي (عليه السلام) وقال: أنا يا رسول الله صلى الله عليك وآلك فقال: إنه عمرو اجلس، فنادى ثانية فلم يجبه أحد، فقام علي (عليه السلام) وقال: أنا يا رسول الله، فقال: إنه عمرو، فقال: وإن كان عمروا فاستأذن النبي (صلى الله عليه وآله) في برازه فأذن له، قال حذيفة (رضي الله عنه): فألبسه رسول الله (صلى الله عليه وآله) درعه الفضول وأعطاه ذا الفقار وعممه عمامته السحاب على رأسه تسعة أدوار وقال له: تقدم فلما ولي قال النبي: برز الإيمان كله إلى الشرك كله اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوق رأسه ومن تحت قدميه، فلما رآه عمرو قال له: من أنت؟ قال: أنا علي، قال: ابن عبد مناف؟
قال: أنا علي بن أبي طالب، فقال: غيرك يا بن أخي من أعمامك أسن منك فإني أكره أن أهرق دمك فقال علي (عليه السلام): ولكني والله لا أكره أن أهرق دمك، قال: فغضب عمرو ونزل عن فرسه وعقرها وسل سيفه كأنه شعلة نار ثم أقبل نحو علي (عليه السلام) فاستقبله علي (عليه السلام) بدرقته فقدها وثبت فيها السيف
____________
(1) بحار الأنوار: 32 / 25 ح 10، عن كنز الفوائد.
(2) بحار الأنوار: 32 / 25 ح 11.
الثالث: ابن شهرآشوب، قال الصادق (عليه السلام) وابن مسعود في قوله: * (وكفى الله المؤمنين القتال) * بعلي بن أبي طالب وقتله عمرو بن عبد ود(1).
____________
(1) مناقب آل أبي طالب: 3 / 159.
الباب الحادي والسبعون ومائة
في قوله تعالى: * (هذان خصمان اختصموا في ربهم) *
وقوله تعالى: * (إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون) *
الأول: من صحيح البخاري من الجزء الخامس في آخر كراسة منه قال: حدثنا حجاج بن منهال، قال: حدثنا معمر بن سليمان، قال: سمعت أبي يقول: حدثنا أبو مخلد عن قيس بن عباد عن علي ابن أبي طالب (عليه السلام) قال: أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة، قال قيس: وفيهم أنزلت هذان خصمان اختصموا في ربهم قال: هم الذين تبارزوا يوم بدر علي وحمزة وعبيدة وشيبة ابن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة(1).
الثاني: من تفسير الثعلبي قوله تعالى: * (هذان خصمان اختصموا في ربهم) * قال الثعلبي: اختلف المفسرون في هذين الخصمين من هما، فروى قيس بن عباد أن أبا ذر الغفاري (رضي الله عنه) كان يقسم بالله تعالى أن هذه الآية نزلت في ستة نفر من قريش تبارزوا يوم بدر: علي بن أبي طالب (عليه السلام) وحمزة بن عبد المطلب وعبيدة بن الحرث وعتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة قال: قال علي (عليه السلام): إني لأول من يجثو للخصومة يوم القيامة بين يدي الله جل وعلا. وإلى هذا القول ذهب ابن بشار وعطاء ابن بشار(2).
الثالث: " كشف الغمة " عن مسلم والبخاري في حديث في قوله تعالى: * (هذان خصمان اختصموا في ربهم) * نزلت في علي وحمزة وعبيدة بن الحارث الذين بارزوا المشركين يوم بدر عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة(3).
الرابع: ابن أبي الحديد في " شرح نهج البلاغة " قال علي (عليه السلام): أنا حجيج المارقين وخصيم المرتابين يوم القيامة، قال ابن أبي الحديد في الشرح: وروي عنه أنه قال: أنا أول من يجثو إلى الخصومة بين يدي الله تعالى. وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) مثل ذلك مرفوعا في قوله تعالى: * (هذان
____________
(1) صحيح البخاري: 5 / 6 و 7.
(2) الدر المنثور: 3 ح 348.
(3) كشف الغمة: 1 / 313.
الخامس: من تفسير الثعلبي قوله تعالى: * (ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون) * قال: روى خلف بن خليفة عن أبي هاشم عن أبي سعيد الخدري قال: كنا نقول ربنا واحد ونبينا واحد وديننا واحد فما هذه الخصومة، فلما كان يوم صفين وشد بعضنا على بعض بالسيوف، قلنا نعم هو هذا(2).
____________
(1) شرح نهج البلاغة: 6 / 170.
(2) الدر المنثور: 5 ح 328.
الباب الثاني والسبعون ومائة
في قوله تعالى: * (هذان خصمان اختصموا في ربهم) *
الأول: محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أحمد بن محمد البرقي عن أبيه محمد بن الفضيل عن أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: * (هذان خصمان اختصموا في ربهم) * فالذين كفروا بولاية علي قطعت لهم ثياب من نار(1).
الثاني: ابن بابويه قال: حدثنا أبو محمد عمار بن الحسن الأطرش (رضي الله عنه) قال: حدثني علي بن محمد بن عصمة قال: حدثنا أحمد بن محمد الطبري بمكة قال: حدثنا أبو الحسن بن أبي شجاع البجلي عن جعفر بن محمد الحنفي عن يحيى بن هاشم عن محمد بن جابر عن صدقة بن سعيد عن النضر بن مالك قال: قلت للحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام): يا أبا عبد الله حدثني عن قول الله عز وجل * (هذان خصمان اختصموا في ربهم) * قال: نحن وبنو أمية اختصمنا في الله عز وجل قلنا صدق الله وقالوا كذب الله، فنحن وإياهم الخصمان يوم القيامة(2).
الثالث: محمد بن العباس عن إبراهيم بن عبد الله بن مسلم عن حجاج بن المنهال بإسناده عن قيس بن عبادة عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه قال: أنا أول من يجثو للخصومة بين يدي الرحمن، قال قيس: وفيهم نزلت * (هذان خصمان اختصموا في ربهم) * وهم الذين تبارزوا يوم بدر علي وحمزة وعبيدة وشيبة وعتبة والوليد(3).
الرابع: الشيخ في أماليه قال: أخبرنا محمد بن محمد قال: أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد قال:
حدثنا أبو بكر أحمد بن إسماعيل بن ماهان قال: حدثني أبي قال: حدثني مسلم قال: حدثنا عروة ابن خالد قال: حدثني سليمان التميمي عن أبي مخلد عن قيس بن سعد بن عبادة قال: سمعت علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول: أنا أول من يجثو بين يدي الله عز وجل للخصومة(4).
____________
(1) الكافي: 1 / 422 ح 50.
(2) الخصال: 43 ح 35.
(3) بحار الأنوار: 32 / 128 ح 35.
(4) أمالي الطوسي: 85 ح 128.
____________
(1) تفسير القمي: 2 / 80، ضمن تفسير الآية 19 من سورة الحج.
الباب الثالث والسبعون ومائة
في قوله تعالى: * (إن المتقين في جنات وعيون) *
ابن شهرآشوب عن تفسير أبي يوسف يعقوب بن سفيان عن مجاهد وابن عباس: أن المتقين في ظلال وعيون من اتقى الذنوب علي بن أبي طالب والحسن والحسين في ظلال من الشجر والخيام من اللؤلؤ طول كل خيمة مسيرة فرسخ في فرسخ، ثم ساق الحديث إلى قوله: * (إنا كذلك نجزي المحسنين) * المطيعين لله أهل بيت محمد في الجنة(1).
الباب الرابع والسبعون ومائة
في قوله تعالى: * (إن المتقين في جنات وعيون) *
علي بن إبراهيم في تفسيره قوله: * (إن المتقين في ظلال وعيون) * قال: ظلال من نور أنور من الشمس * (وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون) * قال: إذا قيل لهم تولوا الإمام لم يتولوه(2).
____________
(1) مناقب آل أبي طالب: 1 / 364.
(2) تفسير القمي: 2 / 425، ضمن تفسير الآية 41 من سورة المرسلات.
الباب الخامس والسبعون ومائة
في قوله تعالى: * (إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون) *
الأول: الطبرسي قال: ذكر الحاكم أبو إسحاق الحسكاني (رحمه الله) في كتاب " شواهد التنزيل " القواعد التفضيل بإسناده عن أبي صالح عن ابن عباس قال: إن الذين أجرموا منافقوا قريش والذين آمنوا علي بن أبي طالب (عليه السلام)(1).
الثاني: الجبري في كتابه يرفعه إلى ابن عباس في قوله تعالى: * (إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون) * إلى آخر السورة فالذين آمنوا علي بن أبي طالب والذين أجرموا منافقوا قريش(2).
الثالث: محمد بن العباس أورده من طريق العامة قال: حدثنا علي بن عبد الله عن إبراهيم بن محمد الثقفي عن الحكم بن سلمان عن محمد بن كثير عن الكلبي وأبي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى: * (إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون) * قال: ذلك الحرث بن قيس وأناس معه كانوا إذا مر بهم علي (عليه السلام) قالوا: انظروا إلى هذا الرجل الذي اصطفاه محمد واختاره من بين أهل بيته، فكانوا يسخرون ويضحكون، فإذا كان يوم القيامة، فتح بين الجنة والنار باب وعلي (عليه السلام) يومئذ على الأرائك متك ويقول لهم هلم لكم فإذا جاؤوا سد بينهم الباب فهو كذلك يسخر بهم ويضحك وهو قوله تعالى: * (فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الأرائك ينظرون هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون) *(3).
الرابع: موفق بن أحمد قيل: إن علي بن أبي طالب (عليه السلام) جاء في نفر من المسلمين إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسخر به المنافقون وضحكوا وتغامزوا عليه ثم قالوا لأصحابهم رأينا اليوم الأصلع فضحكنا منه، فأنزل الله هذه الآية قبل أن يصل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) عن مقاتل والكعبي(4).
____________
(1) مجمع البيان: 10 / 298.
(2) تأويل الآيات: 2 / 779 ح 12.
(3) بحار الأنوار: 31 / 339 ح 9.
(4) مناقب الخوارزمي: 275 ح 254.
الباب السادس والسبعون ومائة
في قوله تعالى: * (إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون) *
الأول: محمد بن العباس عن أحمد بن محمد عن أحمد بن الحسين عن حصين بن مخارق عن يعقوب بن شعيب عن عمران بن ميثم عن عتابة بن ربعي عن علي (عليه السلام) أنه كان يمر بالنفر من قريش فيقولون: انظروا إلى هذا الذي اصطفاه محمد واختاره من بين أهله ويتغامزون، فنزلت هذه الآيات * (إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون وإذا مروا بهم يتغامزون) * إلى آخر السورة(1).
الثاني: محمد بن العباس قال: حدثنا محمد بن محمد الواسطي بإسناده إلى أبي مجاهد في قوله تعالى: * (إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون) * قال: إن نفرا من قريش كانوا من الذين يقعدون بفناء الكعبة فيتغامزون بأصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويسخرون منهم، فمر بهم يوما علي (عليه السلام) مع نفر من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فضحكوا منهم وتغامزوا عليهم وقالوا: هذا أخو محمد (صلى الله عليه وآله) فأنزل الله: * (إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون) * فإذا كان يوم القيامة أدخل علي (عليه السلام) ومن كان معه الجنة فأشرفوا على هؤلاء الكفار ونظروا إليهم فسخروا وضحكوا عليهم وذلك قوله: * (فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون) *(2).
الثالث: محمد بن العباس قال: حدثنا محمد بن عيسى بن عبد الرحمن بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله عز وجل: * (إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون) * إلى آخر السورة نزلت في علي (عليه السلام) في الذين استهزؤا من بني أمية، وذلك أن عليا (عليه السلام) مر على قوم من بني أمية والمنافقين فسخروا منه(3).
الرابع: محمد بن العباس عن محمد بن القاسم عن أبيه بإسناده عن أبي حمزة الثمالي عن علي ابن الحسين (عليه السلام) قال: إذا كان يوم القيامة أخرجت أريكتان من الجنة فبسطتا على شفير جهنم ثم يجئ علي (عليه السلام) حتى يقعد عليهما فإذا قعد ضحك، وإذا ضحك انقلبت جهنم فصار عاليها سافلها،
____________
(1) بحار الأنوار: 32 / 66 ح 7.
(2) بحار الأنوار: 32 / 66 ح 8.
(3) بحار الأنوار: 31 / 339 ح 10.
الخامس: أبو محمد الحسن بن علي العسكري في تفسيره في قوله تعالى: * (الله يستهزئ بهم) * قال (عليه السلام): وأما استهزاؤه بهم الآخرة، فهو أن الله عز وجل إذا أقرهم في دار اللعنة والهوان وعذبهم بتلك الألوان العجيبة من العذاب، وأقر بهؤلاء المؤمنين في الجنان بحضرة محمد صفي الملك الديان، أطلعهم على هؤلاء المستهزئين الذين كانوا يستهزئون بهم في الدنيا حتى يروا ما فيه من عجائب اللعائن وبدائع النقمات فتكون لذتهم وسرورهم بشماتتهم بهم كما لذتهم وسرورهم بنعيمهم في جنات ربهم، فالمؤمنون يعرفون أولئك الكافرين المنافقين بأسمائهم وصفاتهم، وهم على أصناف: منهم من هو بين أنياب أفاعيها تمضغه وتفترسه، ومنهم من هو تحت سياط زبانيتها وأعمدتها ومرزباتها تقع من أيديها عليه يشدد في عذابه ويعظم خزيه ونكاله، ومنهم من هو في بحار جحيمها يغرق ويسحب فيها، ومنهم من هو في غسلينها وغساقها تزجره فيها زبانيتها، ومنهم من هو في سائر أصناف عذابها، والكافرون والمنافقون ينظرون فيرون هؤلاء المؤمنين الذين كانوا بهم في الدنيا يسخرون لما كانوا من موالاة محمد وعلي وآلهما صلوات الله عليهم يعتقدون فيرونهم منهم من هو على فرشها يتقلب، ومنهم من هو على فواكهها يرتع، ومنهم من هو في غرفها أو في بساتينها ومتنزهاتها يتبجح والحور العين والوصفاء والولدان والجواري والغلمان قائمون بحضرتهم وطائفون بالخدمة حواليهم وملائكة الله عز وجل يأتونهم عند ربهم بالجنان والكرامات وعجائب التحف والهدايا والمبرات يقولون: * (سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) *.
فيقول هؤلاء المؤمنون المشرفون على هؤلاء الكافرين المنافقين: يا فلان ويا فلان ويا فلان حتى تناديهم بأسمائهم: ما بالكم في مواقف خزيكم ماكثون، هلموا إلينا نفتح لكم أبواب الجنان لتتخلصوا من عذابكم وتلحقوا بنا في نعيمها، فيقولون: يا ويلنا أنى لنا هذا، فيقول المؤمنون:
انظروا لهذه الأبواب، فينظرون إلى أبواب من الجنان مفتحة تخيل إليهم إنها إلى جهنم التي فيها يعذبون ويقدرون أنهم يتمكنون أن يتخلصوا إليها فيأخذون في السباحة في بحار حميمها وعدوا من بين أيدي زبانيتها، وهم يلحقونهم يضربونهم بأعمدتهم ومرزباتهم وسياطهم، فلا يزالون كذلك
____________
(1) بحار الأنوار: 32 / 67 ح 8.
____________
(1) تفسير الإمام العسكري: 121 - 125 ح 63.
الباب السابع والسبعون ومائة
في قوله تعالى: * (الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون) *
ابن شهرآشوب عن تفسير الهذلي ومقاتل عن محمد بن الحنفية في خبر طويل إنما نحن مستهزؤون بعلي بن أبي طالب فقال الله تعالى: * (الله يستهزئ بهم) * يعني يجازيهم في الآخرة جزاء استهزائهم بأمير المؤمنين.
قال ابن عباس: وذلك أنه إذا كان يوم القيامة، أمر الله الخلق بالجواز على الصراط فتجوز المؤمنون إلى الجنة ويسقط المنافقون في جهنم فيقول الله: يا مالك استهزئ بالمنافقين في جهنم، فيفتح مالك بابا من جهنم إلى الجنة ويناديهم: معاشر المنافقين هاهنا هاهنا فاصعدوا من جهنم إلى الجنة، فيسبح المنافقون في بحار جهنم سبعين خريفا حتى إذا بلغوا إلى ذلك الباب وهموا الخروج، أغلقه دونهم وفتح لهم بابا إلى الجنة من موضع آخر فيناديهم من هذا الباب: فاخرجوا إلى الجنة، فيسبحون مثل الأول فإذا وصلوا إليها أغلق دونهم ويفتح من موضع آخر وهكذا أبد الآبدين(1).
____________
(1) مناقب آل أبي طالب: 3 / 114.
الباب الثامن والسبعون ومائة
في قوله تعالى: * (الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون) *
الأول: ابن شهرآشوب عن الباقر (عليه السلام): أنها نزلت في ثلاثة لما قام النبي (صلى الله عليه وآله) بالولاية لأمير المؤمنين (عليه السلام) أظهروا الإيمان والرضا بذلك فلما خلوا بأعداء أمير المؤمنين قالوا: أنا معكم، إنما نحن مستهزؤون(1).
الثاني: الإمام أبو محمد الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) في تفسيره في قوله تعالى: * (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا) * إلى قوله: * (في طغيانهم يعمهون) * قال: قال موسى بن جعفر (عليهما السلام): وإذا لقوا هؤلاء الناكثون للبيعة المواظبون على مخالفة علي (عليه السلام) ودفع الأمر عنه * (الذين آمنوا قالوا آمنا) * كإيمانكم إذا لقوا سلمان والمقداد وأبا ذر وعمار قالوا لهم آمنا بمحمد وسلمنا له بيعة علي (عليه السلام) وفضله وأنفدنا لأمركما آمنتم أن أولهم وثانيهم وثالثهم إلى تاسعهم ربما كانوا يلتقون في بعض طرقهم مع سلمان وأصحابه فإذا لقوهم اشمأزوا منهم وقالوا: هؤلاء أصحاب محمد الساحر والأهوج يعنون محمدا وعليا (عليهما السلام) ثم يقول بعضهم لبعض: احترزوا منهم لا يقفون من فلتات كلامكم على كفر محمد (صلى الله عليه وآله) فيما قاله في علي (عليه السلام) فيقفوا عليكم فيكون فيه هلاككم. فيقول أولهم:
انظروا إلي كيف أسخر منهم وأكف عاديتهم عنكم فإذا التقوا قال أولهم: مرحبا بسلمان ابن الإسلام الذي قال فيه محمد سيد الأنام لو كان الدين معلقا بالثريا لتناوله رجال من أبناء فارس، هذا أفضلهم يعينك وقال فيه: سلمان منا أهل البيت، فقرنه جبرئيل (عليه السلام) الذي قال له يوم العبا لما قاله لرسول الله (صلى الله عليه وآله): وأنا منكم. فقال: وأنت منا، حتى ارتقى جبرئيل إلى الملكوت الأعلى يفتخر على أهله ويقول: من مثلي بخ بخ وأنا من أهل بيت محمد (صلى الله عليه وآله)، ثم يقول للمقداد: ومرحبا بك يا مقداد أنت الذي قال فيك رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): يا علي المقداد أخوك في الدين وقد قد منك فكأنه يعينك حبا لك وبغضا على أعدائك وموالاة لأوليائك لكن ملائكة السماوات والحجب أكثر حبا لك منك لعلي (عليه السلام) وأشد بغضا على أعدائك منك على أعداء علي (عليه السلام) فطوبا ثم طوبا، ثم يقول لأبي ذر:
مرحبا بك يا أبا ذر أنت قال فيك رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما أقلت الغبراء ولا أضلت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر، قيل: بماذا فضله الله بهذا وشرفه؟ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنه كان يفضل
____________
(1) مناقب آل أبي طالب: 3 / 113 - 114 بنحوه.
إنا معكم إنما نحن على ما واطأناكم من دفع علي عن هذا الأمر إن كانت لمحمد (صلى الله عليه وآله) كائنة فلا يغرنكم ولا يهولنكم ما تسمعونه منا من تقريظهم وترونا نجترئ عليه من مداراتهم فإنما نحن مستهزؤون بهم، فقال الله عز وجل: يا محمد الله يستهزئ بهم ويجازيهم جزاء استهزائهم في الدنيا والآخرة ويمدهم في طغيانهم يعمهون يمهلهم ويتأنى بهم برفق ويدعوهم إلى التوبة ويعدهم إذا تابوا المغفرة، يعمهون لا ينزعون عن قبيح ولا يتركون أذى لمحمد وعلي يمكنهم إيصاله إليهما إلا بلغوه.
قال العالم (عليه السلام): فأما استهزاء الله بهم في الدنيا، فهو أنه مع إجرائه إياهم على ظاهر أحكام المسلمين لإظهارهم ما يظهرونه من السمع والطاعة والموافقة لأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالتعريض لهم حتى لا يخفى على المخلصين من المراد بذلك التعريض ويأمره بلعنهم، وأما استهزاؤه بهم في الآخرة، فهو أنه عز وجل إذا أقرهم في دار اللعنة والهوان(1). وقد تقدم تتمة ذلك في الحديث الخامس من الباب السادس والسبعين ومائة عن الإمام العسكري (عليه السلام) وهو قريب يؤخذ من هناك.
____________
(1) تفسير الإمام العسكري: 120 ح 63.
الباب التاسع والسبعون ومائة
في قوله تعالى: * (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم) *
موفق بن أحمد قال: قال جابر: كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة، فقال لنا النبي (صلى الله عليه وآله): أنتم اليوم خيار أهل الأرض فبايعنا تحت الشجرة على الموت فما نكث أصلا أحد إلا ابن قيس وكان منافقا، وأولى الناس بهذه الآية علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) لأنه قال: * (وأثابهم فتحا قريبا) * يعني فتح خيبر وكان ذلك على يد علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)(1).
الباب الثمانون ومائة
في قوله تعالى: * (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله) *
الأول: محمد بن العباس قال: حدثنا أحمد بن محمد الواسطي عن زكريا بن يحيى عن إسماعيل بن عثمان عن عمار الدهني عن أبي الزبير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت: قول الله عز وجل:
* (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة) * كم كانوا؟ قال: ألفا ومائتين، قلت: هل كان فيهم علي (عليه السلام)؟ قال: نعم سيدهم وشريفهم(2).
الثاني: علي بن إبراهيم قال: حدثني الحسين بن عبد الله السكيني عن أبي سعيد البجلي عن عبد الملك بن هارون عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: أنا الذي ذكر الله اسمه في التوراة والإنجيل بمؤازرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنا أول من بايع رسول الله (صلى الله عليه وآله) تحت الشجرة في قوله: * (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة) *(3).
____________
(1) مناقب الخوارزمي: 276 ح 256، مناقب آل أبي طالب: 1 / 304.
(2) بحار الأنوار: 24 / 93 ح 4.
(3) تفسير القمي: 2 / 268.
الباب الحادي والثمانون ومائة
في قوله تعالى: * (ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون) *
وأن عليا (عليه السلام) شبيه عيسى (عليه السلام)
الأول: أبو نعيم الحافظ الأصفهاني في كتابه الموسوم بنزول القرآن في علي (عليه السلام) قال: قوله تعالى:
* (ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون) * عن ربيعة بن ناجد قال: سمعت عليا (عليه السلام) يقول:
في نزلت هذه الآية(1).
الثاني: محمد بن العباس من طريق العامة قال: حدثنا عبد العزيز بن يحيى عن محمد بن زكريا عن مخدج بن عمر الحنفي عن عمر بن فايد عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: بينا النبي (صلى الله عليه وآله) في نفر من أصحابه إذ قال: الآن يدخل عليكم نظير عيسى بن مريم في أمتي فدخل أبو بكر فقالوا: هو هذا، فقال: لا، فدخل عمر فقالوا: هو هذا، فقال: لا، فدخل علي (عليه السلام) فقالوا: هو هذا، فقال: نعم، فقال قوم لعبادة اللات والعزى خير من هذا، فأنزل الله عز وجل * (ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون وقالوا آلهتنا خير) * الآيات(2).
الثالث: محمد بن العباس قال: حدثنا محمد بن سهل العطار قال: حدثنا أحمد بن عمر الدهقان عن محمد بن كثير الكوفي عن محمد بن السائب عن أبي صالح عن ابن عباس قال: جاء قوم إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقالوا: يا محمد إن عيسى بن مريم (عليه السلام) كان يحيي الموتى فأحيي لنا الموتى فقال لهم: من تريدون؟ فقالوا: نريد فلان وإنه قريب عهد بموت فدعا علي بن أبي طالب فأصغى إليه بشئ لا نعرفه ثم قال له: انطلق معهم إلى الميت فادعه باسمه واسم أبيه فمضى معهم حتى وقف على قبر الرجل ثم ناداه يا فلان بن فلان فقام الميت فسألوه ثم اضطجع في لحده ثم انصرفوا وهم يقولون:
إن هذا من أعاجيب بني عبد المطلب أو نحوها فأنزل الله عز وجل: * (ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون) * أي يضجون(3).
____________
(1) بحار الأنوار: 31 / 315 ح 3.
(2) بحار الأنوار: 31 / 314 ح 2.
(3) بحار الأنوار: 31 / 314 ح 3.